رواية وشايات المؤرقين -36

رواية وشايات المؤرقين - غرام

رواية وشايات المؤرقين -36

لم أخبره أنني أحبه و أني أريده أن يتواجد في حياتي في دور العاشق بل رددت لأعوام أني أريده زوج و أب لا أكثر لاقتناعي بأني لست أنثى جميلة يمكن أن تمتلك بحسنها قلبه , و أن أي شخص سيردد كلام الحب و يقترب سيكون له مآرب أخرى كلها تنصب في ما أملك من مادة تثقل حساباتي .. و كلما أقترب هو كنت أسدل ستاره أعلق بها كل مآربه الأخرى و منها صور لأخيه و أخته و أقاربه الذين في مقدمتهم ابنة العم الفاتنة .. كنت دوما أجد أهدافا مخفيه و أتذرع بقبحي لأرفض ما أتمنى من مشاعر !!
كيف فعلت ذلك بنفسي ؟! ..
كيف ظلمت مشاعري و لِما لم أجازف ؟!
.. لِما لم أغيّب عقلي المثقل بكل الأفكار المنطقية و اتبع إحساسي مع الشخص الذي ربطني به رباط مقدس و أنجبت منه أطفالي ..
لمِا دفعته نحوها و حاولت تحرير نفسي لأعاندها في الأخير و اثبت أني الأقوى و يمكن لي أن أحتفظ به إلى النهاية !
*
*
*
أصيل يطرق الباب و يدخل : يمه .. ممكن أنام عندج الليلة بدال عذبي ..
أم عذبي تفتح ذراعيها : تعال يا عيون أمك ..
أصيل يقذف برأسه على صدر أمه : تصدقين لما مات أبوي أول من فكرت فيه هو أنتِ .. خايف عليج يمه ..
أم عذبي : لا تخاف على أمك يا أصيل , قلبي يتحمل , قبل أبوك فقدت أمي و أبوي و عشت و حبيت و جبتكم ..
أصيل يأخذ بكف والدته ليطبع عليها قبل لا تحصى : بأذن الله أول ما تطلعين من الحداد أوديج العمرة و بعدها أطير فيج لأي مكان في العالم تغيرين جو ..
أم عذبي تطبع هي الأخرى قبلة على جبينه : و خواتك ؟
أصيل : فينوس أكيد معانا بس ديمة أعرف أنها تغثج بلسانها الزفر ..
أم عذبي تقاطعه : طلبتك يا أصيل تغير من معاملتك لأختك , تراها من ريحة الغالي و موصي عليها ..
أصيل : يا يمه أختي هذي عله , بنعطيها نصيبها و نحط لها بيت تقعد فيه هي و أمها و نفتك من شرهم ..
أم عذبي و بانت على محياها ملامح التعب : شكلج بتعبني يا أصيل
أصيل بجزع : ما عاش من يتعبج ..
أم عذبي : ها البيت ما تطلع منه ديمة لو تطلعون كلكم , و أمها لو تبي نحط لها مكان في الملحق أهم شي ديمة ما تطلع من هني .. هذي شوفتكم يا أصيل .. لا تشمت فينا الناس و تخلينا مضحكه ..
أصيل بتراجع إرضاء لوالدته : فعلا ديمة جاهل و ما تنخلى بروحها من دون ولي أمر .. و حنا مهما صار أخوانها ...
أم عذبي : عاملها كأنها بنتك و أرفق عليها .. ترا لو بشكلها أكبرت إلا أنها طفله من داخلها .. لا تعرف تتصرف ولا توزن الأمور و محتاجه أحد يحسسها بأهميتها ..
أصيل بتذمر : بغضب أنا ماني فاهم ليش تهمج و هي بنت ال..
أم عذبي مقاطعة : بنت أبوك .. أبوك اللي ما مر على دفنه ثلاث أيام و أنت أمداك تنسى الوصية اللي وصاها أخوانك ..
*
*
*
أغضبت والدتي بدل أن أخفف عنها , لم يكن هذا مقصدي عندما قررت أن أبيت عندها الليلة , لكن كل حديث يشمل ديمة يتحول لمعركة أنا الخاسر فيها .
.................................................. .......... ..........
*
*
*
كنت أتقلب على فراشي عندما اتصلت وضوح تطلب مني قائمة بما تحب فينوس من الأطعمة الجاهزة و أي مطعم يمكن له توصيله في هذه الساعة المتأخرة ..
أخبرتها على عجل أن تعود لفينوس و أن لا تتركها وحيدة و أنا سأتكفل با المهمة .. و هكذا انطلقت مسرعا لمطعم العم أنيس الذي لا يغلق أبوابه أبدا و الذي دوما كنا نستنجد به عندما تفشل فينوس في أحد تجارب الطبخ ..
فينوس التي حال موقعي في حياتها من آن أصلها لأعزيها , هي كل من فكرت به منذ علمت بوفاة عمي , فاجعتي بعمي لم تكن أقوى من خوفي عليها و با الأخص عندما علمت أنها كانت بنفس السيارة التي انقلبت به للحياة الأخرى .. أفكار و خيالات داهمتني و أنا في الطريق للمستشفى كانت كلها مرعبة و جلبت الفزع إلى قلبي , كنت أبكي و لا أعرف إن كانت دموعي حزنا على عمي أم فرحا لنجاة فينوس !
في لحظة لم استطع بها الهروب من براثن مشاعري اتصلت بها أريد أن اسمع صوتها أن أتأكد أنها تتنفس لكن الهاتف المغلق كان هو الجواب .. كنت أجلس في العزاء و قلبي هناك يبحث عن كرسي يجاورها , كنت أقدم خدماتي المطلوبة و الغير مطلوبة حتى أصل للمنزل لعلي أسمع صوتها لكن لم يكن هناك جدوى من محاولاتي , و ها أنا عندما توقفت عن المحاولة و جررت قدماي و غادرت منزل عمي في آخر يوم من العزاء أجد الفرصة بملاقاتها سانحة من غير تخطيط مني !
*
*
*
وضوح من أمام الباب الرئيسي : مشكور و ما قصرت و يله توكل على الله لبيتك..
شملان : شفيج وضوح انا شقلت اللحين .. كل السالفه أني بعزيها ..
وضوح بهمس : تدري الشرها علي أنا اللي أتصلت فيك.. فينوس مو يم أحد و اللي تسويه عيب ..
شملان بغضب : عيب ؟! .. اللحي إذا بعزيها عيب ..
وضوح : و أنت منو عشان تعزيها .. خلاص عاد روح لا تسبب لها و لنفسك مشكلة ...
شملان : زين بروح بس على الأقل لما اتصل عليج ردي مو أطنشين ..
وضوح : ما ابي أضايق فينوس و أطريك قدامها كل شوي .. اللي فيها مكفيها .. يله روح عاد إذا كنت فعلا تهتم ! ..
*
*
*
أشعرتني وضوح باني مراهق أهوج و نفسي هي كل ما أفكر فيها, لِما لم أتساءل هل تريد فينوس مني أن أهتم و أقترب ؟!! ...
قد أكون آخر شخص تريد أن يعزيها و يمكن أن أكون لها حزنا يضاعف حزنها و هذا ما لا أتمناه لها ! ..
فينوس تلك الرقيقة الطيبة التي تعطي من دون أن تطلب كل ما تحتاجه الآن أن يتوقف الكل عن مطالبتها بمشاعر نفذ منها مخزونها ..فينوس الآن محتاجه للحنان و التعاطف و صدر ترتمي عليه و هي مؤمنة أنه لن يتخلى عنها في يوم ! ..
*
*
*
أخبرتني وضوح أنها طلبت هذا العشاء خصيصا لي من مطعم عرفت به منذ شهر ! .. وددت أن أقول لها أن تكف عن الكذب علي فا أنا لست طفلة ولست بتلك السذاجة , فا شملان هو من أختار الأطباق بدقة ....
فا الشورما من دون سلطة و مخلل كما أحبها و الشراب الغازي من دون ثلج و معه الكثير من الليمون كما أفضله و البطاطس المهروسة فيها الكثير من الفلفل كما دوما طلبت .. ما زال يذكر و هذه رسالة مفادها أنه يهتم !
و كم أود الآن أن أقف أمامي و ألفظها أمامه .. تبا لك !
لما تلاحقني و أنت من اخترت الفراق .. أم تأكدت من أنك أثبت وجهة نظرك باني لن أجد غيرك يطلب ودي ! ..
و ها أنت تحفر لي في كل منعطف هوة سحيقة أتجنبها بصعوبة كلما مررت بها و تردد أنك تهتم !! ..
لو كنت فعلا تهتم لأخفيت كما تجيد دوما دورك في إعداد كل شي و ترك الأمر يبدوا عفويا و به الكثير من الأخطاء , لكن ها أنت لم تتغير و تفضح نفسك بأنانيتك , تريد أن تحضر بذهني و أمامي و في كل ما أحب !
لِما هذه القسوة .. ما الذي فعلته بك ؟!
*
*
*
وضوح متسائلة : شفيج .. ما عجبج الأكل ؟
فينوس بنبرة عتب : أنتِ هني بصفتج بنت عمي و إلا أخت شملان؟
وضوح المحرجة : أنا هني بصفتي صدقيتج .. و إلا نسيتي ..
فينوس : أجل أخذي ها الأكل كله و حطيه في المطبخ للخدامات و خلينا نسوي لنا شي خفيف ..
وضوح النادمة تبرر : أنا لجأت له لأني حبيت أحط لج كل اللي تحبين , ما كنت اقصد شي ثاني ..
فينوس تبتسم بصعوبة : ها المرة ما راح أتخذ موقف و لا أزعل لأني مصدقة تبريرج بس يا ليت يا وضوح ها الموقف ما يتكرر ..
*
*
*
وصلتني رسالة من وضوح مفادها أن فينوس خمنت أني وراء العشاء المعد خصيصا لها و أنها من كلينا غاضبة ..
لتصلني بعدها بدقائق رسالة على هاتفي النقال من فينوس محتواها
" أبتعد عن حياتي أرجوك , أنا أحتاج و أتمنى أكون أم و أنت ما تقدر تحقق لي أمنيتي " ...
كرهت نفسي و تمنيت أنني لم أتحامق و أعرض نفسي لمثل هذا الموقف المؤلم الذي دوما كنت في خوف من أن أتعرض له , بل هذا السبب الأوحد و الأقوى الذي جعلني أطلق فينوس , فلا يمكن لي أن أحتمل أن تراني بأقل مما كانت تعتقد أني امثل !!
و ها أنا مما هربت منه ألقيت نفسي فيه ..
و فينوس هي من ابتعدت بنفسها عني هذه المرة .. لتتركني ملقى على رصيف الندم مجروح لا أقوى على مداواة نفسي و لا على الاستغاثة طلبا للمساعدة ..
.................................................. .......... ............
*
*
*
لم أبكي على خالي كما بكيت هذه الليلة , كنت طوال أيام العزاء أحث نفسي على التماسك فوالدتي كانت تتوجع و بكائي أو بكاء أحد أخواتي أمامها كان سوف يهزمها لتتداعى من دون تمهل , و كنت من غير وعي مني أتمنى أن يقترب خالد و يضمني ليواسيني و لو بعبارات فارغة لكنه أخذ وسادته و فراشه و تركني أبكي وحيدة عندها تحول بكائي على خالي لنحيب على حالي معه , مع خالد أعاني جوع عاطفي فا هو شحيح مشاعر و معه لا ألتقي إلا لدقائق
فا هو دوما بعيد و لا يبحث عن الفرص ليختلي بي , فمنذ انتقالنا إلى هنا و أنا فرد آخر من عائلته و لم أعد أهم أفرادها , فليس مهم وجودي على مائدة الغداء و سهل أن ينام قبل أن يتأكد أني نمت !
*
*
*
خالد الذي أستيقظ على صوت هند توقظه : خير دانه فيها شي ؟
هند بصوت مبحوح من البكاء : أنا اللي فيني .. أبي أروح لبيت أهلي ..
خالد بقلق : بنص الليل ؟!! .. ليش صاير عليهم شي ؟
هند بغضب : لا تفاول على أهلي .. أنا متضااااايقه و بنفجر أبي أروح لهم اللحين ..
خالد ينهرها : بسج دلع و روحي أرقدي ..
هند يقهر : بتوديني و إلا أتصل بساري ..
خالد بغضب يحاول أن يكتمه : بنتنا نايمه و العالم رقود تبيني نهجدهم بها الليل .. من أصبح أفلح يا بنت الحلال ..
هند تنفجر با البكاء :أنت شنو صنفك من البشر ؟!! .. أقولك مختنقة بمووووت من الضيقه و أنت توعدني بصبح ..
خالد يقفز من مكانه الذي كان به يستريح : يله طسي جيبي أغراضج و خليني أوديج و ارتاح ...
*
*
*
هكذا يتدنى أسلوبه في الحديث معي عندما لا أطابق الصورة التي يريدها في زوجته .. آلة مطيعة ليس لها متطلبات .. لا تحزن و لا تضيق و دوما له مبتسمة مهما كان معها مقيت !
.................................................. .......... ..............
*
*
*
إن كانت كلماتنا ليست بأهمية الأفعال فلما نحتفظ بها ؟!!
لنمررها كا علامات لما نريد أن نفعله من أجلهم ..
*
*
*
نلتقي يوم الخميس القادم بأذن الله ..


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا احلل مسح اسمي من على الرواية ..
تجميعي : ♫ معزوفة حنين ♫..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الجزء الثلاثون :

*
*
*
وحدهم من غمرتهم الذنوب بضيق متخمون
و
وحدهم المستغفرون براحة يتمتعون ( جعلنا الله منهم ) ...
*
*
*
لم يغمض لي جفن طوال الليل , تتآكلني المخاوف التي أمطرت بها خيالاتي عن ما سوف يحدث ..
لا .. إنها ليست تنبؤات و العياذ با الله و لا حتى تطير و تشاؤم بما يحمله الغد ..
هي فقط تحليلاتي لشخوصهم المعتوهة و ردود أفعالهم المجنونة ...
فا هم لا يتغيرون و يعيدون المشهد بنفس الحوار حول نفس الموضوع دوما .. هي فقط الأماكن من يسمح لها أن تتغير , كأنهم يراهنون على ما حولهم لإثبات وجهة نظرهم , و من يفشل منهم يصر على تغيير المكان و البدء من جديد !
*
*
*
أنفال على سريرها غائبة في لجة أفكارها لتتنبه لنظرات هند المتسائلة : خير علامج تأمليني ؟
هند : ودي افهم ليش لما تصحين الصبح لازم تقعدين عشر دقايق على السرير أطالعين في السقف ..
أنفال : الجواب بسيط .. أبي أشوف خبالج لحد وين وصل ..
هند : أنا خبله ؟!!
أنفال: اللي مخليها أبو بنتها يفز من نومها بنص الليل و يجيبها لأهلها من دون سبب مقنع أكيد تكون خبله و هبله و
هند تقاطعها : كلامج منبعه قلب خالي من الهموم ..
أنفال بغضب : هموم !!! .. أنتش حسبالج بس انتش اللي عندج هموم و مشاكل .. كل الناس عندها اللي يشغل تفكيرها بس مو كل الناس تخلي اللي حوالينها يعانون معها ... و تصير لهم هم ..
هند : يعني أنا اللحين صرت هم عليكم يا أهلي .. سبحان الله الدنيا شلون تغير .. انا بحياتي ما اعتقدت أن بيجي اليوم اللي احس فسه أني ثقيله على أهلي ..
أنفال : أي لأنج كنتِ تستثقلين أهلج و تعدين الأيام عشان تهجين منهم ...
هند تخنقها العبرة : أنفال خفي علي و لا تصيرين قاسيه .. تراني مو ناقصة ...
أنفال : صج ؟ ... شايفتني قاسية .. أجل خليني أقسى عليج أكثر .. ترى ساري ما راح يرحب فيج مثل المره اللي فاتت ..
هند ك ليش ان شاء الله .. لا يكون أنا في بيته ؟
انفال : أي بيته .. مو هو اللي فاتحه من كده ليل و نهار ..
هند بقلق : شنو يعني بيقطني على خالد ..
انفال : قط وصايف قبلج ..
هند تحاول أن تتسلح با الشجاعة : موضوعي يختلف .و بعدين هو ما يحب خالد ..
انفال : مو مهم يحبه أو ما يحبه .. المهم هو مو ناقص مسؤولية جديدة ..
هند بخوف بان في نبرتها : و الحل ؟
أنفال تقوم عن سريرها : ردي لخالد قبل ما يكبر الموضوع و تخسرين كل شي ...
*
*
*
تركتها تجمع و تطرح لعلها تطلع بنتيجة منطقية تساعدها على العودة لزوجها عن قناعة لتحاول حل مشاكلها بعيدا عنا ...
نعم هي أختي التي أحبها جدا و هذا ما يجعلني ادفعها نحو هذا الحل
فا ليس هناك ما يمكن أن تعود له , كل شيء تغير منذ أن أصبحت أم لدانة , المسالة لم تعد تتعلق بها وحدها و هذا المنزل ليس البيئة المناسبة لتتربى به ابنة أختي الصغيرة و خالد أب صالح حتى لو أثبت فشله كا زوج , نعم هو رجل بارد عواطفه معلبة و تستعمل عند الحاجة و لا يرى من الضرورة تناولها في كل وجبة .. لكن لا يهم مدام قادر على إعالتها !
.................................................. ........................
*
*
*
أرغفة الخبز الحارة بردت و أنا هنا أصر على حملها حتى تأتي لتأخذها مني كا عادتها كل صباح , أصبح هذا الموعد هو محور تفكيري كل يوم , فا في كل مره اخطط لأبعد من دور الفتى الموكل له مهمة التوصيل و في كل مره حضورها الرقيق ينسيني ما خططت له فتلك الدقائق تمر بسرعة قبل حتى أن أشكل جملة , و وضوح دوما كانت متلصصة من الخلف, تستعجلها و تصرفني لحيث الخيبة ..
و ها أنا بعد أن قررت و عزمت أمري أن استقل الفرصة لأقترب أكثر حتى أباغت بالإهمال .. فا لي أكثر من ساعة منذ عدت من صلاة الفجر قابع ها هنا في المطبخ أنتظرها مع إحساسي أنها تتهرب مني
و لا تنوي أن تدخل هذا المطبخ حتى تتأكد من أني غادرت المنزل بأكمله و ليس فقط المطبخ ..
و الحل ؟ ... لابد أن هنالك حل , فا قبول انزوائها و تركها للعزلة غير وارد .. و إعداد الإفطار و دعوتها إليه مناسب !
و هكذا شمرت عن ذراعي و عزمت أمري , لكن توقفت للحظة عندما لم أعرف ما هي الخطوة الأولى , فا أنا لم أقم بأي عمل منزلي منذ عرفت ماهية الحياة , لكن ما مدى الصعوبة في إعداد وجبة خفيفة كا الإفطار ؟ ..
*
*
*
شملان الذي دخل المطبخ و تفاجأ با الفوضى ليصرخ بعلي : أنت شقاعد تسوي ؟!!
علي الذي أوقع البيض على الأرض : الناس تصبح مو أدرعم بصراخ ..
شملان سارع للممسحة حتى ينظف المكان : زين جذيه عفست الدنيا ..
علي : هذا جزاتي بسوي لكم ريوق فندقي ..
شملان بتهكم : أي واضح .. روح بدل ملابسك اللي وصختهم و انا بسوي الريوق ..
*
*
*
لم أجادله بل وجدت في عرضه باب للهرب , فا أنا عندما قررت أن أقوم ببادرة جميلة لم أعلم أن الأمور ستنتهي با فوضى .. و عندما عدت بعد دقائق كان الفطور جاهز ! .. و المطبخ بهيئته قبل أن أشرع باغتياله, أذهلني شملان فا أنا لا أذكر عنه معرفته بشؤون المطبخ , يبدوا أن شملان تغير منذ زمن طويل و لم ألحظ تغيره لغياب عقلي , إذا هكذا دبر أموره و أتقن دور العازب الغير محتاج لأنثى لتدير بيته !
*
*
*
علي : بروح أقعد سالم ..
شملان : سالم توه طلع لمدرسته ..
علي : و .. وداد ؟
شملان يحتسي قهوته على مهل و يرد ببطئ .. و .. وداد ؟!
علي بتذمر : لا تستعبط علي ها الصبح ..
شملان يبتسم لأخيه : الظاهر نايمه ..
علي معقبا : أو حابسة نفسها و ما تبي تشوفني .
شملان يضع فنجان قهوته أمامه و يتأمله ليحادث أخيه بهدوء : تعتقد وداد تشبه وضوح و فينوس ؟
علي بتوجس : قصدك أني خذلتها .. و حبي ما يكفي عذر ..
شملان يتجاهل سؤاله و يقرر مشاركة أخيه بما قرر : تدري يا علي أن موت عمي الله يرحمه خلاني أستعجل قرار مأجله ..
علي : اللي هو ؟
شملان يتمهل ليمهد أكثر : لو مت اليوم أنت يمكن أتضيع و تصير بدون هوية ..
علي بتوجس : و حضرتك قررت ترفع قضية على نفسك ..
شملان : مو با الضبط .. أنت اللي راح ترفعها ..
علي : ما فهمت ؟
شملان : أفهمك ...
*
*
*
"إثبات نسب" .. هذه القضية التي يريدني شملان رفعها عليه !
جادلته بان هذه الخطوة ستقود لتحقيقات مطولة ستنتهي بإتهامه و با تزوير الكثير من الأوراق الرسمية لإخفاء تواجد أبو سالم في بيته ليلة الحريق و تدنيس الأدلة التي تثبت أن الجثة المحترقة عائدة لأبو سالم .. إعدام .. نعم قد يحكم عليه با الإعدام ...
*
*
*
شملان : لا تهول من الموضوع ... و سو اللي قلت لك عليه ..
علي : لا ما راح أسوي اللي قلت عليه و إذا رحت برجلينك لهم لا توقع أنك بتشوفني ثاني مره .. بهج من ها الدنيا كلها ..
شملان : حتى من وداد ..
علي بحسرة : حتى من وداد ..
شملان : تكون غبي و قررت الهروب من دون ما تعطيها سبب مقنع ... يعني قررت تكرر أكبر أخطائي و أنا لا يمكن اسمح لك ..
علي بإصرار : و أنا لا يمكن أسمح لك تضيع حياتك ..
شملان : أنت فعلا تبالغ .. أنا ما ذبحت أحد .. و الله لا يمكن يظلمني
علي يذكره بذنوبه : بس زورت و جذبت و تلاعبت بحياة يتامى ..
شملان : با الضبط .. و أنا استغفرت و تبت و مستعد أواجه أخطائي .. فا لا تصير عقبة .. و تذكر كلامك اللي قلته لي قبل ما تروح تعلم وداد با الحقيقة ... " تبيني أجذب و أزور مثلك ؟!! .. تبيني أتلفت وراي و اشك في الكل و أتمادى با الجذب و أخطي في اليوم ألف ألف مره على من أحبهم و اسمي الحقيقة ضياع .. ضياااع يا شملان ؟!!"
علي بتردد : زين .. و أختنا .. وعمليتها .. و حياتها ...
شملان يطأطئ برأسه مفكرا ليعاود تقويم نظره باتجاه علي : لا تقول لها .. و أنا من ها الليلة مسافر لمدة طويلة لكل من سأل عني .
علي : مسافر ! .. أنت مو رجل أعمال عشان تنط من ديره لديره و الكل بيشوف أنه أمر عادي ..
شملان : لأ .. أنا مسافر على حسب أوامر الطبيب النفسي .. و إلا نسيت أني مريت بانهيار عصبي و تعبت نفسيا لمدة طويلة ..
علي : ولو .. وضوح على الأخص بتلزم تتبعك ..
شملان : أنا أبي أبتعد بروحي فا سمحوا لي أتنفس .. هذا الجواب بيكفيها ...
*
*
*
لم أقتنع لكن وافقت على مضض و للأمانة ليس حب وداد و إصلاح الوضع هو دافعي الأول , بل يدفعني خوفي على روح شملان للقبول بأصعب الحلول .. فا أنا أريد له أن يصلح مساره و يطهر ضميره الذي يأن تحت آثام تنامت من قضايا أصر على كسبها بشتى الطرق ...
.................................................. ......................
*
*
*
كل منا يملك مجس يتصل بإدراكه مهمته توصيل ذبذبات الآخر ....
و لقد وصلني منها شحنة سلبية هائلة لا يستهان فيها , فقد تركتني بعد تأنيبها لي أنقع في الخجل حتى فجر هذا اليوم و لم يتلاشى إحساسي مع بزوغ الشمس بكامل هيئتها لتتسلل لغرفتها الباردة
التي سلبتني القدرة على النوم , و ها أنا أعنف نفسي سرا على ما عرضت نفسي له , فا لم يكن هذا هدفي من المبيت هنا و لا مقياس لنبل نواياي , فا قراري البقاء بجانبها نابع من اهتمامي و عظيم استشعاري بشروخ الحزن في حوائط قلبها , فقد تذوقت إحساسها من قبل عندما فقدت والديّ و أخي الذي ظننت أني فقدت ..
ذاك الشعور الثقيل المثخن بلا شيء .. لا شكل و لون يميز به .. يحس فقط من دون أن يفسر بدلالة تعريفية .. فراغ ! .. أشبه با الفراغ المترامي بصحراء .. ذاك الجماد الملقى كا نفاية على ارض قاحلة .. كا هذا الجماد من يفقد شعوره ليسكن في مكانه و تصفر الريح باذنيه و يصيبه الخرس .. فراغ !
و ها هي لأول مرة تخالف طبيعتها و تعاملني بلؤم , عرضت علي فجرا أن أعود لمنزلي و أن ليس علي أن أتصل على احد من أخوتي فا سائقها الخاص برفقة من أختار من الخادمات سيكونون بخدمتي !
و ليس علي أن أستعجل لدي حتى توسط الشمس لسماء !
*
*
*
طلعت الشمس و حل الموعد و تأهبت للمغادرة ... على الرغم من ترددي إلا أنني عزمت أمري ... فا أنا أحتاج للخروج لحيث ملاذي و لو كان في هذا مغامرة , فا أنا متعبة و كل ما يحيط بي يبكيني , صوته القريب و ملامحه الحبيبة و رائحته التي تعبق بها الزوايا تغمرني بشوق عامر لأحضانه الدافئة ...
و أمي هناك تنتظرني لتعوضني حنانه إن أمكن ! ...
لكن أنا جدا خائفة من أن أخسر حق العودة و أكون بطلة لأحد المشاهد المكررة , التي تبدأ بمفاجأة تتلخص بإدراك عقم مفتاح البيت و انه لم يعد صالح لتفقد إلى الأبد مكانها في البيت الذي كانت تسكنه ..... كأن انتماءاتنا و حقوقنا تفقد بفقد شيء كا قطعة حديد لصدأ معرض أو ورقة قد تبلى بأي ثانية , وليتها كانت بهذه البساطة و يمكن لنا أن نقيس كل ما نملك و كل ما فقدنا بشيء !
*
*
*
وضوح : وداد ! .. شتسوين هني ؟
وداد : أنفال جايه مع ساري عشان ياخذوني ازور أمي ..
وضوح : و أنفال تدري اني نايمه هني ؟
وداد : أنا قلت لها .. ليش فيها شي ؟
وضوح : لأ .. بس لقيت رقم ساري ها الصبح و ما فهمت السبب إلا اللحين ..
*
*
*
عاودت الاتصال به و أنا التي كنت تعهدت لنفسي بقطع كل خطوط الاتصال بيني و بينه لكن هذه المره وجدت من الحكمة أخذ زمام المبادرة ! ..
*
*
*
وضوح بعد أن رد ساري السلام : أنا في بيت عمي ممكن تمر تاخذني قبل ما تروح دوامك ..

يتبع ,,,,,

👇👇👇


تعليقات