رواية وشايات المؤرقين -27

رواية وشايات المؤرقين - غرام

رواية وشايات المؤرقين -27

موقف غريب فقد كنت قبل شهور قليلة الوحيد المعني بها و الذي من حقه الاتصال بها في أي وقت و معرفة كل تحركاتها الصغير منها و الكبير .. على الرغم أنني تنازلت عن هذا الحق منذ سنوات !.. و لم يكن السبب راجع لعدم اهتمامي أو نقص بفضولي حول كل ما يخصها إلا أنني كنت أحتال لأعرف من أين و إلى أين ذهبت و كيف قضت يومها و ما ارتدت لحفل صديقتها من دون أن أسالها مباشرة حتى لا أعطيها الحق في استجوابي واضع أمامها أطروحاتي حول الحياة المتزنة التي لا يخنقها الزواج و تعقيداته حول ماهية الآخر و إلى أي حد أصبح ملكية !..
و من المثير لسخرية أني اكتشفت أنها كانت تسمح لي بمعرفة ما تريد أن أعرف فقط .. من المؤكد أنها كانت تعرف أني ألتقط كل ما يخصها و أتبع كل خطواتها حتى لو أدعيت العكس .. و من المؤكد أنها لم ترى في ذلك اهتماما لأني لم أظهره لها لتهتم .. قد تكون رأته محاولة مني لاصطياد أخطائها و إطلاقها عند أي بادرة خلاف من المحتمل أن أخسره ..
*
*
فينوس : عذبي يسألك سؤال سخيف بس أتمنى تجاوب عليه من دون ما ترد تسألني ليش سألت ها السؤال ..
عذبي أبتسم لهذه المقدمة الغير متقنة : تفضلي ..
فينوس : برأيك .. من اللي طلع ربحان من فشل زواجه أنا و إلا وصايف ؟
*
*
اكتفيت بصمت جوابا و أكتفت هي بإلقاء السؤال من دون حثي على الإجابة ...
أي منهن ربحت ؟ .. كيف لي أن أعرف و أنا أحد أركان الفشل ؟!!
.................................................. .......... .........
*
*
*
و جاء الصباح متكاسلا أمام نشاط سالم الذي توجه لمدرسته و في وجهه بدت الهمة .. هناك ما تغير و سبب التغير من المؤكد مصدره شملان .. نعم شملان و من غيره يؤثر في حياتي و حياة أخي ..
و بكل تأكيد لا يؤرقني إيجاد الأجوبة في دوافع شملان فلن تؤدي بي إلا إلى الحيرة و الزيادة في تشويش فكري الذي أحتاجه لتوضيح مساري .. فا انا أريد أن أعرف إلى أين يجب أن اتجه و ما علي فعله و كيف لي أن افعله .. لكن هذا المكان لا يسمح لي للوصول إلى أفاق فكري .. و لن تترتب أفكاري و تكون أكثر تناسقا و وضوحا إلا بترتيب مكاني .. لكن بعض الأمكنة لا تتغير مهما أعدت ترتيبها فا كيف با الأمكنة الخالية .. نعم منزلنا لشدة بساطته يبجوا خاليا و على الرغم من ذلك أصر على تزيين أركانه بكل ما اقتنيت على شكل هدايا فريدة من علي .. لكن هدياه لم تعد مميزة من دون وجوده .. فقد كنت أعود أليها دوما عندما أبتعد عنه حتى أشعر بتواجده معي لكن هذه المره طال تباعدنا و أصبحت هداياه مؤلمة !
لا .. الأشياء لا تؤلم إلا إذا استخدمت بشكل مؤلم .. فا نحن من نعطيها وظائف لا تناسبها ثم نتهمها عند حدوث أي ضرر ..
و ها أنا أتمادى في إيلام نفسي .. أغير أمكنة التحف التي صنعها علي كأني أغير الأمكنة لبدأ حديث جديد معه .. و أعيد تنظيفها في اليوم ثلاث مرات كأني أطعمها الوجبات الرئيسية حتى اتأكد من أنها سوف تشيخ معي و أواصل النظر إليها كأني أنظر لتبسمه لي من دون سبب و أعقابها أحيانا بتجاهل كلما ظننت أنها تشي لي بما أتمنى و أخجل الاعتراف به ..
و رغم كل هذا التلاهي إلا أنني ما زلت بائسة !
لكن لما ها هنا أغرق في البؤس ؟ .. أليس هذا ما أردته .. أليس أنا من أردت أن أبدأ من جديد بعيدا عنه .. أليس أنا من رددت دوما أن علاقتنا لا هدف منها و لا تنتهي لشيء .. أليس أنا من أردت التحرر من وضعي الغريب معه ؟ ..
و ها هو كل ما تمنيت حصل فمبالي لا أكف عن تذكير نفسي به .. لماذا يتآكل عقلي كلما فكرت به .. و قلبي يتوجع من الخوف عليه .. لماذا كل ما أريده الآن هو البكاء و كل ما أقدر عليه دمعة متحجرة في مقلتي ؟!
تبا لهذه الجمادات ما عادت تنفع لتلهي ...
أريد مفرداته المجنونة و جمله الغامضة و صمته الساحر ..
أين ؟ .. أين أخفى سالم دفتره ؟
لكن من المستحيل أن يكون في منزلنا الصغير الذي أنظف كل ركن فيه يوميا من دون أن أغفل عن أحد زواياه ..
أيعقل انه أستأمنه عند أحد أصحابه ؟
لن أجعل هذه الفكرة تحبط آمالي باكتشاف مكانه و بما أني عاطلة عن العمل فلدي كل الوقت و الجهد في استكشاف الكنز !
.................................................. .......... ......
*
*
*
في عينيه انطفأت إشارات الحياة .. فلا وجود لنظرة التحدي و لا الخبث المتخفي تحت ابتسامة ساخرة غير مهتمة .. و ها هو يستلقي بهدوء على فراشه و يمد نظره لسقف حيث لا يبدو على وعي مما حوله .. و ها أنا أجد نفسي مجبرا على مجالسته ! .. في الواقع لا أحد يجبرني لكن أجد ضميري يردد أن هذا هو التصرف الصحيح .
أتمنى لو أن عذبي لم يحجز له غرفة خاصة حتى يكون لي متنفس و أتسلى بمراقبة ذاك الكهل الآتي من البادية في السرير المجاور لسرير شملان في الجناح العمومي .. فقد بدا قويا رغم المرض الذي أتى به للمستشفى فا قد أذهلني بفطنته و سرعة بديهته و تيقظ حواسه .. و من المثير للإعجاب أن حالته العقلية لا تقارن بتفوق عواطفه الشابة فا رغم كل السنين التي تجعدت حول عينيه إلا أنه لم يترك للمرض فرصه لمنعه من إلغاء الأشعار على الممرضات بنبرة خاصة متوددة , و كم هو مضحك أن الممرضات اللاتي تعاملن با جدية و مهنية مع كل الشبان في الجناح وجدن اهتمامه محبب و غير منفر بل كن يطالبن با المزيد ! ..
أود أن أتخيل أنني أصبحت بعمره ليس من أجل الممرضات بكل تأكيد لكن من أجل الحياة .. هل كانت تصرفاتي سوف تحاكي تصرفاته ؟ .. هل سأملك قلب ينبض ؟ .. أشك ! .. فا ها أنا ما زالت شابا و أبدوا دوما متجهم .. بل أنني لم اعد أرى أي جمال في كل ما يحيطني .. أيامي كلها سيان و ساعاتي مثقلة بالوحدة ..
*
*
*
أصيل يقترب من سرير شملان حالما سمعه يتمتم : عطشان .. تبي أجيب لك ماي ؟
شملان بصوت متعب : علي .. أبي أروح البيت ..
أصيل الذي يعتقد أن شملان يهذي : الله يرحمه و يجمعنا فيه با الجنة .. أنا أصيل يا شملان ..
شملان يحاول أن يرفع نفسه ليستوي على فراشه : أصيل . .أسمعني ..
أصيل يمنعه من الجلوس : أستريح يا ابن الحلال و أنا أسمعك ..
شملان : أبي اطلع من هنيه ..
أصيل : الدكتور يقول يبيلك يومين على الأقل في المستشفى بعدها ينصحك بمراجعة طبيب مختص في الأمراض النفسية ..
شملان تقفز من عينيه دمعه : كانوا يقولون انه مجنون .. عذبوه بعلاجاتهم .. لأ .. حنا اللي عذبناه .. و هي اللي أجرمت ..
أصيل الذي يعتقد أن شملان يهذي بقصة وصايف و علي : شملان حاول تنسى واضح أن الماضي و تراكماته قضوا عليك ..
شملان متجاهلا ما قال اصيل : علي بروحه يا أصيل .. في البيت بروحه ..
أصيل يتجاهل ما يعتقد أن شملان يهذي به : أنا بروح للمرضة تعطيك شي يريحك ..
شملان يمسك بيد أصيل بكل قوة استطاع استجماعها : كل اللي قالته وداد لكم صحيح .. و علي في بيتي .. لا تخليه بروحه ..
*
*
*
*
الأخطاء ترهقها ثقل الأكاذيب ..
ليكون أصلاحها ختم نهاية بدل مقولة لنبدأ من جديد !
.................................................. .......... .........
إلى اللقاء عن قريب بأذن الله ..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا احلل مسح اسمي من على الرواية ..
تجميعي : ♫ معزوفة حنين ♫..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


الجزء الرابع و العشرون :

*
*
*
نهرول مع أول سرب نحو السعادة أنطلق
و نسقط بطلقة على يد منتحر لم يستطع ألحاق با السرب !
*
*
*
ضوء الشمس المتسلل بخوف عبر الستائر الرمادية لغرفتي الكئيبة أنحبس في مرآتي و لم يكفي لتعرية الشحوب الذي غطى مساحات شاسعة من وجهي المتعب , ليسقط الظل واهنا على زمن تسرب تحت عباءة الفقد السميكة .. لأرجع با الزمن لذكرياتي مع ذاك الصديق و ألتقط كل ما أوقعته متعمدا في رحلتي نحو نسيانه , ليتحالف حنيني له مع اشتياقي لي !
مشتاق لكل ما كنت عليه .. حتى مع كل النواقص التي كنت أرزح تحت وطأتها إلا أنني كنت إنسان أفضل, أملك من المميزات ما يعادل عيوبي , و حتى إن كان من المستحيل العودة لما كنت عليه سأكتفي با الولادة من جديد .. سأتخذه عذرا لأتغير من دون أن أُهزم , سأخبر الكل أن حدادي لم يعد له معنى بعودته للحياة و سأرمي الآفات النفسية التي ارتديت لزمن طويل لأتزين بحلل جديدة تواكب وضعي الجديد !
و ها هو شوقي يزداد قوة ليهزم خوفي من لحظة التلاقي التي لم اعتقد بإمكانية تواجدها على رزنامة هذه الدنيا الفانية .. لأرمي الساعة غير مكترث لعقاربها و أنهي الزمن بقفزة كبيرة نحو المستقبل !
*
*
بثقل الهموم كان يجتر صوته عبر أسلاك الهاتف ليرجوني أن أتواجد أمامه على وجه السرعة من دون أن يشعر بي أحد , و بعد أن وبختني أمي كا طفلة أهملت وجبتها بسبب لعبتها التي جلبتها على المائدة , انسحبت بهدوء تاركة أمي و أبي يتباحثون بأمر ديمة التي اتصلت هذا الصباح لتخبرهم أنها لن تعود !
و على أول عتبات السلم توقفت بتردد متسائلة , هل أصيل يريد أي شخص يشاركه البؤس و يمكن أن يبوح أمامه بما كان يجول في ذهنه هذا الصباح عندما وجد نفسه في معركة لا تخصه .. أم استدعاني ليواسيني ! .. أيعقل أنه يحمل أخبارا سيئة حول حالة شملان ؟ .. لكن لو كان يحمل أي أخبار سيئة عنه سأكون آخر شخص يفكر بأعلامي بها , إذا ما الداعي لكل هذه العجلة مع التأكيد على أهمية السرية ؟! ..
تابعت صعودي بعد أن أخرست تخميناتي لأفاجأ به ينادي من أسفل السلم الذي وصلت لقمته معتقده أنه كان بانتظاري عنده لأهم بنزول لأسفل السلم مجددا لكن هذه المرة على عجل و من دون التفكير بأي أسئلة !
*
*
*
أصيل بهمس : تأخرتي ..
فينوس بهمس مماثل : مو قلت ما تبي أحد يحس فيني .. لو قمت أول ما كلمتني جان حسوا في شي ..
أصيل على عجل : خلاص مو مشكلة .. المهم أنا مشغل سيارتي وراي إذا تبين تروحين معاي ألبسي عباتج و ألحقيني ..
فينوس بفزع : أروح معاك ؟! .. وين ؟ .. أصيل شسالفة ؟ .. صاير شي ؟
أصيل يتلفت حوله ليتأكد من عدم تواجد أحد با القرب منهم : بروح لوداد و أبيج تجين معاي عشان نقنعها تروح معانا لبيت شملان ..
فينوس تبتلع مخاوفها و تكمل بصيغة السؤال ما تردد أخيها عن إكماله : لأن شملان قال لك أن علي هناك ؟
*
*
*
تجاوزني و هو يهمس " خلينا نخلص من ها السالفة " .. لأقف و فوقي غيمة تساؤلات تصدرها سؤال مخيف .. ما الذي سوف ننهيه عندما نكشف الستار عن سر شملان ؟!
.................................................. .......... .........
*
*
*
لم يكف هاتفي عن الرنين و المتصل واحد ... أمي ... أكره تجاهل اتصالاتها لكن لعجزي أجد شراء الوقت مع إفلاسي تحايل .. يجب أن تعرف أمي أنه لا يوجد بين يدي أي حلول .. و أني لا أوازي عبقريتها في تصريف الأمور و لا قلبي بسماكة قلبها القادر على تجفيف أوردته عندما يكره ! ..
و كم كانت و مازالت تكره تلك المرأة التي زلزلت عالمها عندما دخلته .. و ها هي تتخلى عن حذرها و تثبت لنا أنها دوما رأت في ديمة مصدرا لاستمرار هذا الكره حتى مع ابتعاد أبي باختياره عن تلك الأنثى التي سلبته قلبه و لم تعده !
أمي هذا الصباح أخرجت كل ما في جعبتها من ألم , فأخذت تصرخ بي حالما أخبرتها بما حدث ليطال غضبها والدي الذي أتى من مكتبه على عجل ليخبرنا أن ديمة لتو أنهت اتصالاً مفاده أنها لن تعود أبدا , لنقف أنا و هو نراقب ثورتها بتعجب كأننا تلاميذ نستقبل تعنيف معلمتنا بصمت !! ..
و تحررنا من دون أن نحاول عندما سقط نظرها على أفشل تلامذتها و هو يريها أسخف ابتساماته , و هكذا أصبح أصيل بمروره غير المكترث محور غضبها لتوقفه بهاتفها الذي رمته باتجاهه ليصيب ظهره و يتناثر ! ..
فا يمتثل .. و يقف لثواني ثم ينحني ليلتقط أجزائه على مهل و يرميه في سلة المهملات كأنه يتخلص من أداة جريمة ! ..
و قبل أن يكمل طريقه لعالمه الخاص رمى عليها لفظيا ما زاد اشتعالها " عيدي حساباتج و تقبلي الموضوع .. ام ديمة تملك قلوب اللي حوالينها بسهولة من دون ما تشتريهم " .. لتعاجله بصفعه لم تهزه و لم تغير ملامحه بل انعكست على والدي الذي صرخ بها ناهرا لترتمي بأحضانه باكيه ! ..
لم نعهدها عنيفة تستعمل القوة عند العجز و لا منكسرة تستدر عطف من حولها و الاكثر إدهاشا أنها اليوم استنجدت با أبي و ارتمت بأحضانه ليمدها بدعم عاطفي لم نعتقد أنها تحتاجه منه هو على الأخص أو هكذا تظاهرت لأعوام حتى صدقنا .. أمي تلك المرأة الحديدة التي لا تحتاج لظل رجل لتدبير أمورها لم تكن فقط مستقلة ماديا بل مستقلة عن والدي بكل شؤونها و لم تكن تحتاجه إلا أبا لنا !
و أمام هذا الموقف المشحون لم أجد بدا من الهرب .. و جعلت وجهتي الأولى المستشفى حيث شملان لأجد وضوح و ساري و كل عائلة عمتي متواجدة ! .. لم تكن هي من بينهم و لم أجد نفسي مرتاحا بتواجد معهم في نفس الحيز .. لذا عاودت الهرب لأكثر الأماكن ضجيجا في هذه المدينة التعيسة لعلي أسكت الأصوات التي تضج في رأسي , لكن فشلت و عاودت الهروب فا الأصوات التي تحتل تفكيري ترفض الصمت .. و إلى ألا مكان وصلت متمنيا أن أجد بقعة على وجه هذه البسيطة أُنسى به ! .. لكن لا مفر ؟ .. فا طيف أبنائي يوشوش لي بكل ما يؤرقني , و لا يمكن للأمكنة أو أي من الأزمنة أن يخفي آثارهم في قلبي المنهزم ..
و ها هي أمي تثبت مجددا أن لا مفر !
لا تستسلم أمي لتعاود اتصالاتها برنين متواصل غطى على كل الضجيج المعتمل بي ! .. لأتردد مجددا با الرد على اتصالها, لكن طيف أبنائي كان يحثني على الاستسلام و عند الرنة الأخيرة اتخذت قراري برد لعل ما تبقى من شجاعتي يسعفني لأسقط بعض المسؤوليات التي ألقيت على عاتقي قسرا ..
*
*
*
عذبي على عجل : و الله يكفيني مسؤولية عيالي .. أعفيني ..
وصايف بصوت مبحوح : أعفيك ؟!! .. أنت أعفيت نفسك و هذي بنتي جايتني مع السايق بروحها .. طفلة ضعيفة لا حول و لا قوة لها تجي ميته بجي مع السايق .. أنت شنو فهمني ..
عذبي الذي أستوعب أن محدثته هي وصايف : فطوم عندج ؟!!
وصايف تدفع عبرتها لتتكلم بصعوبة : أي عندي يا أبوها .. فهمني شلون خليتها تجي لي مع السايق بروحها ؟! ..انجنيت أنت ...
عذبي المشتت ذهنيا : أنا مو في البيت و العيال كانوا نايمين لما طلعت ... و بعدين قبل ما تحاسبيني حاسبي نفسج يا مدام .. مو أنتِ اللي خليتيهم وراج ..
وصايف المقهورة تصرخ به : اللحين تجيب لي عيالي .. تسمعني .. اللحين ابيهم كلهم في حضني و ما نبي منك شي ..
*
*
*
أنهيت اتصالي بعد أن رميت بكل الكلمات الدالة على الكره و التي لا أعرف كيف استخرجتها من القاموس من دون أن اطلع عليه ..
و لكن أليس الكذب لغة من دون معجم , و أنا قد أتقنت أبجدياته ..
لأردد على مسامعه كم أكرهه و قلبي يتقرح من شدة شوقي له ..
لأعود بنظر لوجه أبنتي التي ارتمت بأحضاني حالما أنهيت اتصالي
فا أجد في تقاسيم وجهها بعض تفاصيله لأذكر لما تركتهم خلفي و كيف هربت من آثاره في ملامحهم التي أعشق ..
احمد الله .. احمده كثيرا أنني لم أغادر مع أسرتي للمستشفى لزيارة هند و شملان و آثرت البقاء هنا لراعية علي الصغير بدل أن يصطحبه ساري معه , و إلا كانت فاطمة ستضيع أبعد من ضياعها الذي تنطق به عينيها المتعبتين من البكاء ..
لم تجب طفلتي عن أي من أسئلتي التي كان منبعها خوفي و أكتفت بترديد كلمات الحب و الاشتياق لي و هي تحضنني لدقائق لتعود مجددا لعلي المتوحد صديقها الجديد ! ..
*
*
اتصالها أكمل ما ابتدأته أمي هذا اليوم لأتشتت أكثر و أجد نفسي عاجزا حتى عن التصدي لكلماتها الجارحة .. اعتقدت أنني با الأمس هزمتها بآخر حرب بيننا لكن لم يمر يوم على هزيمتها حتى باغتتني با القاضية ! ..
لكن غضبي منها لا يمكن أن يقهر ما بقي من عزيمتي في النجاة بما تبقى من عائلتي , من الصواب أن لا أقف متحديا لها بهذا الأمر , فا مصلحة أطفالنا يجب أن تكون هذه المرة من أولياتنا .. تريدهم .. سأرسلهم لها , فا أنا أعترف باني فشلت في استيعاب احتياجاتهم .
لذا من المنطقي أن تكون أول خطواتي و على وجه السرعة نحو المنزل لأتأكد من أن طفلاي الأخريين بخير .. و من ثم فتح تحقيق في كيفية خروج فاطمة من المنزل من دون أن يشعر بها أحد, بدأ من تلك المربيات اللاتي يكلفنني ثروة حتى أمي التي أصبحت فاطمة ظلا لها خلال الفترة الأخير , و الأهم أريد أن أعرف , كيف قام السائق بإيصالها لمنزل جدها من دون أن يُعلم أحد منا !
*
*
*
*
أبو عذبي : أقولك السووايق ثنينتهم من الفجر طالعين معاي للمخيم يجهزون الخيام ..
عذبي بحيرة : أجل من وداها لأمها ؟!
أم عذبي التي تحتسي قهوتها على مهل : يمكن أمها اللي أخذتها و سوت كل ها السالفة عشان توصل للي تبيه من دون ما تخسر شي .. و هذا اللي صار ..هذا أنت منجن علينا و تبي تودي عيالك لها ..
أبو عذبي الذي كان يردد الاستغفار كلما تمادت أم عذبي باتهاماتها : أستغفر الله و أتوب إليه .. لا توثمين بنفسج و ترددين ظنون ..
أم عذبي : أتوثم بنفسي لخليت الغير يستضعفني و يقص علي .. و أنت خلك جذيه ظنك حسن با الكل من أم ديمة لين وصايف ..
أبو عذبي المغتاظ : لا حول و لا قوة إلا با الله .. يا مره أنسي ترى أنا وأنتِ شيبنا و ترديد الماضي ما يفيد ..
أم عذبي بعناد : إلا يفيد .. تبي ولدي يطيح فا اللي أنت طحت فيه .. تبي وصايف تاخذ عياله و تعلمهم على كرهنا .. مثل ما خليت أم ديمة تنام في مخ بنتك لين أكرهتنا و آخرتها راحت لها و خلتك وراها .. نست أبوها و نست أهل ها البيت اللي عزوها ..
عذبي في محاولة لإنهاء هذا الحوار العقيم : أنا بروح بنفسي لبيت عمتي و بعرف من فطوم السالفة كلها ..
أم عذبي بضحكة متهكمة : يمدي أمها حفظتها كم كلمة تقص فيهم عليك ..
أبو عذبي بغضب مكتوم : بس يا مره لا تشبين النار .. و أنت يا عذبي أقعد في محلك أنا اللي راح أجيب بنتك ..
أبو عذبي : مالك لوا يا الغالي .. بس أنا أبي أكلم فاطمة قدام أمها و أعرف السالفة كلها ..
*
*
*
أصر والدي على مرافقتي و لم استطع أن أتهرب منه , و لم استطع أن أنهر الخيبة التي احتلت وجهي الذي قرأه والدي بسهولة , ليحرجني بنبرته الحنونة و المؤنبة في آن واحد عندما أخبرني أنه يعرف أني أتحين الفرص للانفراد بها و أن ما أفعله و حتى إن كان عن غير وعي هو إثم , و تصرف لا يليق بشخص تربى على يديه ..
*
*
عذبي المحرج : راح فكرك لبعيد يا أبو عذبي ..
أبو عذبي : فكري في محله و أنا أبوك .. أسمع مني و لا تضيع عمرك .. وصايف ذنبها ينغفر فلا تعاقب نفسك أكثر .. ردها و لم عيالك لحضنكم .
عذبي يعتصر مقود السيارة و بنبرة حازمة : أنا قلتها من قبل في قلبي ما لها محل بس إذا تبي ترد بيتها عند عيالها أنا ما عندي مانع
أبو عذبي ينهره : أقولك أقطع بس و لا عاد تردد ها الكلام .. تبيها ردها من دون شروط و أكرمها بعد .. أما إذا بتقعد تمنن عليها أنثبر أجل في محلك و مت قهر ..
عذبي بغرور : أنا أموت قهر على مره و الحريم واجد ؟! .. لا مو أنا اللي أموت قهر و هي بذات ما عاد تهمني و مالها محل في قلبي
أبو عذبي بخباثة لا يتقنها : أجل ما راح تنقهر لتزوجت مسماح ..
عذبي الذي بهت ردد على عجل : مسامح .. مسامح ما غيره ؟!
أبو عذبي يواري أبتسامته : هذي خطة أمك الجديدة .
عذبي يطرد غضبه ويركز على طريقه : و النعم في مسامح رجال كفو و لصار ما له نصيب في ديمة على الأقل نكسبه في العايلة ..
أبو عذبي : و هذا رايي بعد .. و الموضوع مو بس مصلحة و شغل الرجال فعلا ينشرى و نسبه يشرف ..
عذبي بعد صمت : عاد وصايف بتنفذ خطط أمي ؟! .. لقالت لها أمي أخذي ها الطريق بتقول سمعا و طاعة ؟!
أبو عذبي بنبرة الغير مبالي : وصايف ذكية و حتى لو أمك هي اللي مقترحة مسامح بتوافق عليه لأنها بتحسبها صح .. حسب و نسب و فوق كل هذا من عمرها و أكيد بيدللها و بيقدر جمالها .. فرصة ثانية في الحياة .. و كم واحد منا تجيه الفرصة مره ثانية و هو في عز شبابه ؟
*
*
*
لم أستطع أن اترك أبي يتمادى برسم الصورة فقد شعرت بجسدي يلتهب كأنه مصدر لألسنة لهب اشتعلت بسيارتي الباردة التي أوقفتها فجأة على جانب الطريق و طلبت من والدي برجاء أن يتوقف عن تعذيبي .. فا أنا لا أطيق أن أقترب منها و تقتلني فكرة خسارتها للأبد .. و بأن كل ما كنت أحب بعدها أصبح لا يعنيني , حتى السفر الذي كنت أنطلق به لعالم يأخذني منها كرهته .. فلم يعد له فائدة !
سفري كان تكرار في محاولات فاشلة لتحرر من مشاعري المعقدة اتجاهها , و استقراري الآن على ارض لم تعد تجمعنا ما هو إلا إمعان في تشريح مشاعري بمشرط "كيف".. كيف لي أن أغادر أرضا قد تجمعنا في أي لحظة تحت مسمى صدفة ؟ .. و كيف لي أن أنسف الفرصة التي أتوق لها ؟ .. و كيف لي أن أبدد ساعاتي خارج الوطن و أنا مجمل وقتي أستهلكه بتفكير بها ؟!
*
*
*
أبو عذبي : اجل خل عنك الكبرياء اللي موجع قلبك .
عذبي يضع رأسه المثقل بين كفيه : ما أقدر .. ما اقدر أقولها أحبج و هي ما تحبني .. ما أقدر أترجاها ترد لي و هي اللي خانت ثقتي و أهانتني و خلتني مسخرة قدام الكل من ولد عمي لأخوي اللي أصغر مني ..
أبو عذبي : وهذا سبب ثاني رددته أمك علي , تبيك تلتفت لنفسك و تبدأ من جديد لما تتأكد أن الأمل أنقطع .. خلنا نتبع أمك يمكن كلنا نسلم ..
.................................................. .......... .........
*
*
*
منذ زمن بعيد لم يجتمع أفراد أسرتي بمناسبة سعيدة , و قد يكون أبي أكثر من أدهشني , فا سعادته طغت على ملامحه , حتى صوته البارد اليوم يصل لي دافئا حنونا !
ساري هو الآخر نبذ التجهم و أصبح مشاكسا ظريفا يردد أنه يريد طفلة تشبه طفلتي و على الكل أن يمشي معه بمسيرة نحو غرفة شملان لإقناع وضوح بضرورة انضمام فتاة جديدة للعائلة , و كم بدت وضوح هذا الصباح مختلفة .. يبدوا أنها تصالحت مع الماضي بلمح البصر و خلال ليلة واحدة ! .. فقد زارتني هذا الصباح بعدما أطمئنت على شملان و شاركتني سعادتي بطفلتي حتى أنها حملتها و طبعت على يديها الصغيرتين مئات القبل .. وددت لو كانت بحوزتي كاميرا حتى التقط سعادتها و تعابير الأمومة التي طغت على ملامحها , و على وجه الخصوص و ساري ينظر لها كأنه يرجوها أن لا تسمح لأي شيء أن يسرق منه ابتسامتها العذبة ..
*
*
*
أبو ساري موجها حديثه لسالم : شراح تسمون ها المزيونة ؟
خالد مبتسما : بنسميها على خالتها أنفال ..
أنفال نطقت من دون تفكير : لااا ..
أم ساري : شنو اللي لا ؟! . .مانه بأسمج ..
أنفال بخجل : لا ما أقصد , بس مو حلوه تكرار الأسامي باجر تعقد البنيه بنقول أنفال الصغيره لين تعجز أو أموت أنا ..
أبو ساري معقبا بضيق : أعوذ با الله من الشيطان .. وش جاب طاري الموت ؟!!
أنفال تواصل التبرير بخجل أكبر : أقصد ..
هند أخيرا قررت أن تنقذ أختها بعد أن استمتعت برؤيتها محرجة : أنفال تقصد لازم نسميها أسم جديد ما سميناه في العايلة من قبل .. شرايكم نسميها دانة ؟ ..و لما تكبر نقول لها أن أبوج ليلة ولادتج راح البحر وجابج ..
ساري سبق الكل بردة فعله : أي و لصارت بسن المراهقة أول من راح تكره أبوها و تقول له كنت آخر من دريت بولادتي لأنك كنت في البحر أدور دانة ... عاد حلوها مع عقد المراهقة .. اختاروا أسم حلو من ها الكتب اللي يحطون فيها أسامي المواليد ...
*
*
*
الكل أدلى بدلوه باستثنائه فقد استرخى على مقعده و أطلق نظراته الحادة اتجاهي كأني به يتوعدني با الهلاك حالما ينفض اجتماع أهلي من حولي ..
*
*
يمكن لي احتمال أي شيء إلا أن أقرع علنا .. حتى أمي التي لا يمكن لأحد أن يشكك بعمق عاطفتي اتجاهها لم أكن أستسيغ أن تقرعني علنا و هذا ما استوعبته سريعا من خلال مشاعر الحب الخالصة التي تكنها اتجاهي , و باتت تؤنبني سرا و تنصحني في جلسات لا تضم سونا , أما هذه الأنثى التي ارتبطت بها بميثاق قوي و أنجبت لي طفلة أختلط بها دمها و دمي انتهزت أول فرصة لمعاقبتي علنا بعد أن جعلتني اعتقد أنها سامحتني ! ..
كنت أضم كفها هذا الصباح بعدما طبعت عليه قبل الاعتذار و استشرتها با الاسم الذي ستحمله أبنتنا , لم تبدي أي اعتراض و لم تبدوا حتى مستاءة مني لأي سبب , لتفاجئني الآن با اسم لم تستشرني به و سبب خلفه أستشعره الكل بصمت حتى و إن كان ساري الوحيد الذي نطق به ..

يتبع ,,,

👇👇👇


تعليقات