رواية وشايات المؤرقين -26

رواية وشايات المؤرقين - غرام

رواية وشايات المؤرقين -26

طوع بنانه .. يحركنا و ينسانا و نحن هنا بانتظاره !
كم من صباح تكاسلت نسيانه و شرعت لذاكرة باب خلفه يقبع الماضي .. حضوره الآسر و المربك .. في صمته و كل ما ينطق
و فضولي المحترف في التلصص على سكونه و اختلاجاته و نبض الحياة في عنقه .. و كم من مره عدت غير مدركة أني خنت نفسي بل كم من مره تماديت في التحايل على قلبي و واربت بابه لعله يعود و أخرق عهدي الذي عذبني و لم يشفي أي جرح خلفه هجره .. و ها أنا أعود و أجلس أمام غيابه أستحضر صورته و ألونها اشتياقي تسكني الحسرة و الأسى و خوفا مرعب من فقدانه ..
ألهي أطلبك أن يعود ..
ليعود .. لأي كائن أو أي جماد لا صلة له بي . .فقط يعود .. و يكفي أن أعيش حياتي على شرفة الماضي المطلة على خيباتي !
*
*
*
بين مطار و طائرة و إحساس هجر و شوق لوصل كنت زوجة مستشرق فتن في أرض العجائب يبحث عن كل ما هو ساحر و لم يلتفت يوما لجمال ماثل أمامه ..
هو ... سيد أحاسيسي .. مخرس صهيلي و الناطق بكل عروقي ..
منبع اندهاشي و انبهار جميع حواسي ..المترئس لكل آهاتي ..
هو المتناسي ..
هو من خسرني قبل أن أخسره ليعود في هبوط اضطراري و ينهي غيابه باغتيالي .. لأرتمي هنا بقايا رفات لعاشقة تجاورها صديقة تتفوق عليها في جميع المآسي !
تركتها تستكشف المكان و تواري أحزانها خلف أشياء شملان و ركنت لزاوية أحسب خساراتي من جديد .. لكن ما الذي أضفت على خساراتي السابقة ؟!! .. أنا انسحبت من حياته مهزومة من دون فرصة للعودة مرفوعة الرأس مرتدية كامل كبريائي .. و هذا يكفي عن مجمل خسارات و خط ألا عودة في آخر النهايات ..
يا هذا الشعور الحارق با المهانة و ذاك الضعف الذي لوث كل تعالي مثلته في مسلسل انكساراتي .. و ها هو الخد النابض با الحرارة لا يكفي دليلا على الحرائق التي في عروقي مشتعلة ..
لماذا صفعني ؟! ..
اهو حساب لم ينتهي أم كره لي متصاعد .. أم أصبح و جهي وقود غضب به ساكن ؟! ..
*
*
*
فينوس عادت من أبحارها في عالم شملان لتنطق باستغراب : التكييف مفتوح و إنارة الممرات .. مو طبعه .. غريبة !
وصايف تلحق با فينوس : وين رايحه ؟
فينوس تبتسم بتهكم : باخذ جولة في الشقة يمكن في يوم أسكنها ..
وصايف بجدية: فينوس وقفي و فكري .. ما تعتقدين أنج تقتحمين خصوصية شملان ؟
فينوس : أقتحم ؟!! .. و الله هو اللي مقتحم حياتي و محولها جحيم .. أنا بس بجدد ذاكرتي يمكن ألقى له عذر ..
وصايف تبسط الأجوبة : ما يحتاج لقام بسلامة بتلقين له عذر ..
فينوس تمد يدها فجأة لتتحسس خد وصايف : شنو اللي بخدج ؟!!
وصايف باضطراب : أخوج مو صاحي قلت له أتصل با الإسعاف بدال ما أنت واقف مثل الصنم و ما حسيت إلا و هو معطيني كف !
فينوس متعجبة : كف ؟!! .. غريبة !
وصايف بنبرة و ملامح تدل على مزاج لسرد فكاهة : ما عليه راح اطوفها له و أقول أنا الغلطانه اللي رفعت صوتي عليه .. بس خلينا اللحين نطلع من هني .. أنا مو مرتاحة ..
*
*
ما إن أنهيت جملتي حتى زُلزِلت مسامعنا بصوت قاهر .. ذعرنا و لم نستطع إلا الاندفاع باتجاه الباب لنخرج بسرعة كأن هناك وحش في أعقابنا .. لم نتوقف إلا بعدما دخلنا للمنزل نلهث لنغلق الباب على عجل و نحكم أقفاله ..
*
*
فينوس بأنفاس متقطعة : شنو ها الصوت اللي سمعناه ..
وصايف تبتلع ريقها : هذا نفس الصوت اللي صار لنا كم أسبوع نسمعه .. كنا نحسبه صوت شملان .. بس الظاهر أنه جني !
فينوس مستغرقة با التفكير : جني ! .. أو انسي مجنون ؟!
وصايف المذعورة : أحس قلبي أنقطع . .با أتصل في أبوي يجي يشوف شا اللي صاير .. ما أبي أقوم ساري و تحس وضوح بسالفة
فينوس : لا .. لا تتصلين في أبوج .. أنا شاكة بشي .. و أبي أتأكد ..
وصايف : من شنو تأكدين ؟!
فينوس : وصايف .. شا اللي صار لشملان اليوم .. ليش أنهار و أنتِ معاه ..أنتِ سألتيه عن الصوت أو أحد منكم دخل البيت في غيابه ؟
*
*
جوابي كان جاهز و معلب .. و لم تكن هي الأخرى بمنأى عن الألم .. ما أتقنت نقله لكثرة تكراره تركها خرساء لا تقوى على النطق ..
*
*
وصايف بخوف : تكفين فينوس تكلمي .. لا تخرعيني عليج .. ترى أنا مو ناقصه ..
فينوس بذهول : و عمتج بتعلم ديمة بها السالفة ؟!! . .أكيد ديمة راح تنجن .. مو كافيها عقد .. تبون تعقدونها أكثر ..
وصايف بنبرة جادة تدافع بها عن نفسها : انا مالي شغل . .عمتي معزمة تعلمها و أنا كنت أنتظرها عشان أواسيها لان عمتي و أنا متأكدين أن ردة فعلها الأولى بتكون عنيفة ..
فينوس : و عمتج تبي تريح ضميرها حتى لو ذبحت بنتها ؟!.. المعلومة هذي ما راح تفيدها بشي .. ديمة مالها علاقة بعلي وما عادت تنفع معرفتها لأن علي مات .. إلا إذا ..
وصايف : إلا إذا شنو ؟!
فينوس : إلا إذا اللي قالته وداد مربية عيالج صحيح و الصوت اللي سمعناه اليوم هو الدليل .. و عمتج أو أحد ثاني يعرف بها الشي .. عشان جذيه قالت أعترف و اشرح موقفي قبل ما أنفضح و ينسلب حقي بشرح و أكون على الأقل كسبت بنتي بصفي ..
وصايف بحيرة بانت في نبرتها و ملامحها : ما فهمت ..
*
*
*
هنا حان دوري في نقل ما كان سرا .. و لم تكن صدمتها أقل من صدمتي ... تركتها تختلي بنفسها حتى تتجرع ما احتست من مر في كلامي من دون مراقبة مني , و احتجت أنا لشيء يعين على إلهائي عن بقايا الذعر الذي هز أوصالي لذا اتجهت للمطبخ أجهز القهوة لها و لي فكلانا نحتاج لأي منبه يساعدنا على التركيز حتى لا نسقط إلى الهلوسة في زحمة الشكوك ..
*
*
وصايف : يا الله .. في راسي تتجمع الصور و أشوف أسئلة بكامل أجوبتها مرتبة قدامي اللحين .. و اللحين فهمت و أقدر أفسر كل شي .. تصرفات شملان كل ها السنين و تصرفاته الأغرب في آخر فترة .. معقول .. معقول فينوس .. فهميني .. أنا أعيش واقع و إلا هذا كابوس ..
فينوس كأنها في حديث داخلي مع نفسها : مدري .. مدري .. بس ما في غيره يساعدني با الفهم ..
وصايف : من تقصدين ؟
*
*
*
الجلوس من دون فعل شيء يجرني نحو التفكير بكل ما هو خاطئ
و بين جلد الذات و عض أصابع الندم بكل سادية أكاد أفقد الخيط الرفيع الذي يصلني بأهليتي في مجتمع لا يأبه بمدى عقلانيتي مادمت لم أجن رسميا !
صحيح أني أملك بين يدي ما هو مثير للفضول لكن الذهاب بعيدا في استكشاف ما قد عاهدت نفسي على نسيانه ذنب في حق نفسي لا يغتفر ! ..
إذا لأجلس هنا و أتأمل المارين و أخلق لكل منهم قصة تأخذني بعيدا عن قصة حياتي المشينة ... نعم مشينة و جدا . .لا أجد فيها ما يذكر و يشرف .. كنت أخ خائن و أبن عم خائن و صديق خائن حتى أصبح أسمي مع الخيانة مقترن !
*
*
*
أصيل يستقبل مكالمة فينوس بتململ : نعم خير ؟
فينوس : أصيل أنا في بيت عمي و ابي تجي تاخذني ..
أصيل باختصار و بنبرة غير مهتمة : ما أقدر ..
فينوس رجاء : تكفى أصيل تعال عندي شي مهم أبي أناقشك فيه ..
أصيل ببرود مستمر : سولفي أسمعج ..
فينوس : ما ينفع بتلفون بس الموضوع بخصوص شملان و وداد ...
أصيل بسلبية : أها بخصوص شملان ! ... بس أنا ما أقدر أتحرك من مكاني .. أنا في المستشفى عنده بأمر من أخوج الكبير ..
فينوس بتوجس : حالة شملان خطيرة لهدرجة ؟!
أصيل كمن أراد أن يؤلمها متعمدا : انهيار عصبي و يمكن با الأخير يصير مجنون مثل علي .. و تتكرر القصة و يمكن لنفس النهاية تتجه ..
فينوس تختنق بعبرات داهمتها : لا تفاول على ولد عمك .. و لا تشمت و يصيبك شي من شماتك ..
أصيل بضحكة مبتورة متهكمة : بدتيه علي في جملة عفوية يا فينوس .. بس مو غريبة هو حتى على نفسج بديتيه ..
فينوس بخجل فرض عليها ليغرق في نبرتها : أنا على نفسي أبديكم يا أخواني .. لا تشك بها الشي ..
أصيل تجاهل ردها : عذبي جايكم بطريق تقدرين تردين معاه و أي موضوع تبين تناقشيني فيه أجليه لين أشوفج ..
*
*
*
ماذا كنت أنتظر من استفزازها .. هل أردت أن أتأكد من شيء أعرفه أم أردت أن تعرف حقيقة تدركها قبل أن ندركها نحن .. فينوس قضية فاشلة . .أنثى ارتضت المهانة باسم الحب .. و ها هي تتذرع باكتشاف جديد لتفتح قضية أغلقت لعلها تخلق من جديد طريق ينتهي بها مضحية و في الحقيقة سنردد سرا كم هي في منتهى الأنانية لأنها ستعود له لإرضاء قلبها و ستتركنا ورائها نتوجع على حالها ..
و أي معادلة غارقة في الحماقة تستخدم لإتعاس نفسها ؟! ..
ستعود إليه في النهاية و ما كل ما يحدث إلا مقدمات لعودة علاقتهم المسمومة من جديد و هو الرابح الوحيد بكل تأكيد ..
*
*
*
ما أتعسني من مجروحة أجلس مفضوحة على مقعد شبهة حيث الكل يذر الملح على جروحي المفتوحة ..
هل يعتقدون أنهم لي غير مكشوفين ؟ .. أم اعتقدوا أن تعفنهم الذي لبس الأبيض أوهمني بأنهم لطهر منبع ..
جدا مخطئون ولذنب أكبر هم حاملون..
أنا أنثى لا اعرف التصنع ...
و هم ذكور .. يحبون لمجرد الهواية يبدءون با الغواية و ينتهون بجلد من أحبوا بسياط قيم لم يحترموها .. أنا و هم نختلف من مولدنا حتى خروج الروح ..هذه الحقيقة بكل بساطة ..
*
*
*
وصايف التي لتو انتهت من غسل فناجين القهوة : شفيج سرحانه في وجهي .. لهدرجة كف أخوج معلم على خدي ؟
فينوس تعود من شرودها : في ها اللحظة أنا فهمتج ..
وصايف ترفع حاجبها متسائلة : و شنو اللي فهمتيه ؟!!
فينوس : حسيتي انه نوى الفراق .. و سبقتيه ... و بدال ما تخسرينه و تخسرين نفسج قررتي تربحين كبريائج .. فضلتي الكل يكرهج و لا يطبطب على جراحج بشفقه أو يذر الملح عليهم لتسلية ! ..
وصايف تداري تعرية مشاعرها : لا تزرعين فيني أماني عليج مفروضة .. أنتِ موقفج صح و هو اللي غلط في حقج و انتهت القصة و ما تحتاج تحليل ..
فينوس : عشان جذيه سامحتيه ها المره على ها الكف المعلم في خدج .. تبينه يعرف أن موقفج صح و هو اللي غلط في حقج ..
وصايف تبعثر ما أدركت : ما فهمت قصدج و ما يهمني أي تفسير
فينوس : في داخلج أكيد تتمنين أني أروح و أقول له بتفصيل اللي قلتيه لي .. و با الأخص وقفتج مع شملان في الحديقة الخلفية ..
تبينه يعرف انه توهم شي يعكس طبعه .. فصل خيانته على موقف
وصايف و عبرة تختلط بأنفاسها القصيرة : يعني كنتي تعرفين بخيانته ..
فينوس : ما أدري عن أي خيانة تكلمين بس الي أعرفه انه كان ناوي يتزوج الثانية بس ما عزم و ألغى الموضوع في ثاني يوم من فتحه مع أمي .. تراجع لأنه مو مقتنع .. وقتها يمكن كان يدور لحل لعلاقتكم المتوترة .. و أكون صريحة معاج يا وصايف مدري شلون صنفتي زواجه الثاني خيانة حتى لو صار .. أنا شخصيا كنت راح أرضى بثانية و أعتبر طلاقه لي خيانة ..
وصايف : أنا ما أفكر مثلج .. يدخل مره ثانيه لحياته لو بصيغة شرعية أعتبرها في قاموسي خيانة .. و هو صحيح نوى و تراجع .. بس المره الثانية بينوي و يقدم عليها .. الفكرة مرت في باله و بتعشش فيه لين تبيض .. و ما كنت راح أتحمل يا فينوس .. ما كنت راح أتحمل ..
فينوس : بدال ما كنتِ تنبئين في اللي بعلم الغيب كان الأجدر أنج تتفائلين با الخير و تشوفين تراجعه تمسك فيج ..
وصايف : يعني كنتِ تبيني أحسن النية مثلج لين آخر لحظة حتى و هو يرميني تحت رجلينه أقول له أنا للحين متمسكه فيك ؟!!
كنتِ تبيني أخلي القرار له و أصير أنا شي يقرر مصيره من دون ما يحرك ساكن ؟
فينوس تبتلع الإهانة التي حشتها وصايف في سؤالها : أحسن ما تتخذين عنه قراره و تهدمين بيتج و تخسرين عيالج .. و أنا ما أحب ادخل معاج بمقارنة لأن أنا وياج ما نتشابه . .انتِ أقوى و عندج أكثر من اللي عندي عشان تخسرينه و ربحج في كل الحالات مؤكد
وصايف قبل أن تغادر: تصدقين .. أول مره أشفق عليج يا فينوس ... معقول يخدعج و يخليج تعتقدين أنج كنتِ معاه تملكين كل شي و خسرتي كل شي في أول لحظة تخلى فيها عنج ؟!! .. يعني انتِ انولدتِ ميتة و معاه عشتي و من بعده رجعتي ميتة ؟!
فينوس تلحق بوصايف لتوقفها و بغضب تنطق : دايما تتركوني بعد ما تنهوني .. مشكلتي اعرف و أفهم بس قلبي دايما يخوني .. و أنتِ و وضوح مثال .. قلبي قدامكم هزمني على أن عقلي كان يردد تراهم مو صديقاتج و بأبسط موقف تحتاجينهم فيه راح يتخلون عنج
*
*
*
لم أعرف بماذا أجيبها بغير أنني أحتاج ان أبتعد في هذه اللحظة عنها و لا أريد أن أفهم أي شيء مما حدث اليوم , حتى الصوت المخيف الذي بث الذعر في قلبي أريد أن أنساه .. و قد يكون توجهي للمستشفى لاصطحاب أنفال و الاطمئنان على هند و مولُدتها عذر كافي للابتعاد قبل أن ينتصف الليل .. لكن ها هي فينوس لا تستطيع أن تقسو أو أن تخفي اهتمامها الحقيقي لتصر علي أن أتمهل حتى الصباح للاطمئنان على هند و هي مع عذبي سيقومون بمهمة إرجاع أنفال من المستشفى لكن جوابي كان حاسما على عرضها .. أنا قررت لو غرق كل ما حولي با العتمة أن أسير وحيده و أعتمد على نفسي التي سوف تجد لي العذر دوما !
*
*
*
الهالات السوداء تحيط بعينيها المغلقتين بتعب .. نائمة على ما أعتقد أو حيلة منها لتأجيل المواجهة حتى تستعيد قوتها .. أي كانت الحقيقة لا أجد فائدة من جلوسي هنا ..
*
*
خالد : يله يا أم خالد و يا خالة أنفال خلونا نسري ..
أنفال : لا أنا راح أبات عند هند ما أقدر خليها .
أم خالد مؤيدة : أي خليج عند أختج أخاف لقعدت تبي شي و الممرضات لاهيات عنها .. و أنا بجيكم أن شاء الله أول ما تشرق الشمس بريوقها ..
أنفال مبتسمة : لا تعبين نفسج يا خالة أكيد أمي بتجي الصبح معاها ريوق هند ..
أم خالد : ميخالف كلن يجيب ريوق ما يضر .. يله فمان الله ..
*
*
*
ما أن خرجوا حتى خلعت عبائتي و حجابي و تمددت براحة على الكنب الموضوع بجانب سرير هند و قبل أن أغمض عيني انتبهت لعينيها ...
*
*
أنفال التي قفزت لسرير أختها : هنوده شفيج تبجين .. يعورج شي ..
هند تمسح دموعها بكفها الواهن : يعورني قلبي ..
أنفال بجزع : سلامة قلبج ... أكيد من خويلد الخبل ..
هند تنفجر باكية : يقهر يا أنفال يقهر .. هو يدري أن هذا موعد ولادتي التقريبي اللي حدده الدكتور و هو بكل بساطه قطني وراه و لا همه ..
أنفال بتعاطف :.. بس لا تبجين تراني على طريف .. طلبتج هند هدي نفسج أنتي توج والده و مفروض ترتاحين ..
هند بنبرة حزينة تجرها من وهن امرأة لتو عادت للحياة بعد أن ظنت أنها تموت : توني أستوعب غلطتي .. وين أرتاح و أنا تأكدت اليوم أني ورطت نفسي مع شخص قاسي و أناني و ما عنده إحساس إلا بنفسه .. أنا با النسبة له مكينة تفريخ تضمن استمرار نسله ..
أنفال لا تعرف أي المفردات انسب لمواساة أختها التي لتو خرجت من تجربة الولادة للمرة الأولى : يمكن ها الصفات فيه اللحين بس أكيد راح يتغير .. الأبوة راح تغيره و تخليه يضحي و يصير مسؤول .. و بعدين الله كرمج و عطاج من فضله فلا تشبهين نفسج بجماد و أحمديه ..
هند بأسى : الحمد الله .. الحمد الله ..
أنفال بعد صمت لاحظت ابتسامة تتسلل لثغر أختها المتعبة :
ضحكيني معاج ..
هند : قاعده أخمن جمل تضحك .. جمل أمي اللي ساعدتها ترفع معنوياتها بكل موقف خيب أبوي ظنها فيه .. مسكينة امي من يوم ولادة ساري لين اللحين و هي تخدع نفسها و ترتجي أبوي يتغير.. صدق من قال من شب على شيء شاب عليه ..
أنفال : هذا المثل سخيف .. الإنسان يتغير للأسوء أو للأحسن بس يتغير .. و مو معقول بيشب على شي و يشيب عليه .. و بعدين
لا تعممين .. و مو كل الناس مثل بعض .. و من الأحسن أبوي لا أدخلينه بسالفة و تخلينه عقده لان أبوي ممكن يكون تغير و حنا ما ندري .. أنتِ يعني كنتِ تعرفينه قبل ما تنولدين ؟
هند : أعرف أمي يا أنفال اللي حيل صرت أشبها .. لا تخلين حبج لأبوي ينسيج معاناتها معاه .. أبوي شخص مغامر يتصرف في أغلب الأوقات كا عزوبي و كل خططه هدفها منفعته .. أحيانا أفكر و أسأل نفسي معقول أبوي يشوفنا عبأ و غلطة شبابه ؟
أنفال بعصبية : لا أنتِ صرتي تخبصين واجد .. أنا بروح اجيب لج شي تشربينه عشان تروقين و نصيحه حاولي تلقين في أبو بنتج شي أيجابي لان هو با الأساس كان أختيارج و أكيد كنتي تشوفين فيه شي ما كنا نشوفه ..
*
*
*
لم أكن أرى أنفال .. كنت ساذجة أحلم با الحب و الحياة الوردية الهادئة الخالية من أي منقصات عرفتها والدتي و عمتي مع من أحببن و عندما التقيت خالد ألبسته كل ما تمنيت من صفات بفارس الأحلام و لم أسمح لنفسي أن اشكك بأحاسيسي اتجاهه من موقف عابر .. كانت كل الدلائل أمامي لكني كنت أفندها بأحاسيسي .. كنت فقد أريد أن أغير حياتي و أي تغيير مهما كان سيكون حتما إيجابي و بهذه القناعة كنت ادفع نفسي اتجاهه غير مدركة أني اتجه للهاوية .. و الآن ما الذي عليه فعله .. هل أستمر با الحياة معه لأكرر قصتي من خلال أبنتي أم أنقذها و أنقذ نفسي من النهاية الحتمية لزواج بنيانه هش ؟ ..
.................................................. .......... .............
*
*
*
كنت أشعر با الوحشة قبل وصولهم فقد كنت أجلس بتأهب كا غريبة في كهف على أرض أجنبية .. فقد تركتني وصايف مكررة أني لست بغريبة و من أهل الدار لكن شعور بضيق لم يفارقني حتى وصلوا , لم أعرف هل علي أن أتنفس الصعداء أم أحبس أنفاسي
لكن من المؤكد أني تركت القيادة و إصدار التعليمات لعذبي لتتوجه ديمة لاستدعاء والدتها و لأخبر عذبي على عجل بصوت المخيف الذي سمعناه .. لكن عذبي لم يهتم و أنهى النقاش بتفسير غير منطقي بأن الصوت لأب غاضب على زوجته و أبناءه و الليل دوما يحمل الصوت ليقذفه بشكل مرعب على أسماعنا !
لا ألومه على هذا التفسير فقد حكيت له نصف الحقيقة .. لم أخبره إننا كنا بشقة شملان لأني لتو استوعبت أني كنت حمقاء أتصرف بجرأة لا أتقنها ..
و حضرت أم ديمة و جلسنا حولها لتطلب منا الإنصات من دون مقاطعة و هذا ما حدث فلم ينطق احدنا بحرف قبل أن تنهي حديثها برجاء المسامحة و هي تمسح دموعها التي لم تتوقف منذ أن نطقت بأول كلمة .. و بما أنني كنت أعرف كل ما صرحت به لم أغيب في ردة فعل بل وجهت نظري لديمة و عذبي لاستكشف ردة فعلهما ..
عذبي لم يعطني فرصة و وقف مرتبكا ليغادر المكان بسرعة ..
أما ديمة التي كانت تجلس مذهولة تحدق بوالدتها و كأنها تعيد كل ما قالت في ذهنها فاجأتني و فاجأت والدتها بارتمائها باكيه في أحضانها ..... لتنطق على عجل و بمفردات طفلة منبوذة تشكل سؤال بسيط تريد به إيجاد جواب شافي لجراحها ..
*
*
*
ديمة : يعني أبوي اللي كان ما يبيني أعيش معاج مو أنتِ اللي ما كنتي تبيني ؟.. صح يمه .. قولي لي الحقيقة ..
أم ديمة : أنا و هو أتفقنا اني ما أصلح أربيج .. و لأني احبج يا ديمة ما بغيت تعيشين معاي و أأذيج مثل ما أذيت نفسي و اللي حولي ..
ديمة التي بللت الدموع خدها تبكي بألم : خلاص أنا كبرت ما احتاج أحد يربيني أنا أحتاج أحد يحبني .. مو أنتِ تحبيني ؟
أم ديمة بأمومة : أحبج أكثر من نفسي .. أنتِ قلبي و عقلي و كلي .
ديمة : أجل لا تخليني و أنا أسامحج عن سنين يتمي ..
*
*
*
لم أستطع البقاء أمام هذا الموقف الذي لم يمر علي من قبل .. لم أرى نفسي أو أحد من أخوتي يرتمي هكذا بأحضان والدتي و يبكي و تبكي معه .. نعم أمي كانت معنا دوما .. و نعم لم تقترف ذنب يوازي ذنب أم ديمة لكن لم تعبر في يوم عن عاطفتها و لم تسمح لنا أن نعبر با المقابل عن عاطفتنا اتجاهها ..
حقا .. لم تكن يوما أما با المعنى المعروف .. حتى عندما توسلت أحضانها في ذاك اليوم الذي أتيتها مكسورة عاجلتني بصفعة و بنبرة غاضبة أمرتني أن لا أبكي على رجل .
و كم أرى الآن ذنبها لا يغتفر !
*
*
*


فينوس تركب بجانب عذبي الذي منذ أن خرج توارى في عتمة سيارته : عذبي شفيك ؟
عذبي ينتبه لفينوس : ما فيني شي .. وين ديمة ؟
فينوس : بتنام الليلة عند أمها ...
عذبي باستغراب : بتنام عندها ؟!!
فينوس تربط حزام الأمان و بتململ : شنو يعني كنت متوقع تسوي ؟ .. تذبح أمها مثلا لأنها كانت تبي تجنن أمنا ..
عذبي بتهكم : الظاهر أخيرا لقت شي مشترك بينها و بين أمها ..
فينوس : أو أخيرا تبدد الغموض اللي لف حياتها .. دايما كانت تبي تعرف سبب تخلي أمها عنها لأنها كانت متأكدة أن أمها تحبها ... تخيل عذبي .. ديمة من كانت صغيرة و هي متأكدة من عاطفة أمها اتجاهها على أن كل شي كان يقول لها العكس ... شي مذهل صح ؟
عذبي بنبرة تحمل الملامة : و أنتِ شنو أكتشفتي اليوم ؟ .. أن امج ما تهمج و أن يمكن لو أنسحرت بتحبينها أكثر لأن وقتها بتلقين عذر لها عن كل شي ما يعجبج ..
فينوس : لا تحاول تحطني بموقف ما اتخذته .. و خلني أقرب لك الرؤية .. لو وصايف ما انسحبت من حياتك بشكل يصعب فيه رجوعكم لبعض كان ممكن هي اللي تسيطر عليها الغيره وتخليها ترتكب شي أبشع .. و إذا كنت تشوف اللي سوته شي ما ينغفر تخيل بس لو تزوجت عليها شلون بتكون ردة فعلها ..
عذبي بثقة : لا يمكن وصايف تنزل لها المستوى .. وصايف على كل الأخطاء اللي فيها إلا أنها تخاف الله و لا يمكن تكفر فيه بفعل مثل السحر ..
فينوس : غريبة أنك للحين تشوف فيها شي زين و أنت قبل كم ساعة معطيها كف عشان شي ما فهمته .. ترى وضوح عرفت بسالفة و انهارت و ساري عندها و وصايف كانت با الحديقة تعلم شملان بسالفة ..
عذبي : أنا ما شكيت فيها بس ما رضيت لأم عيالي الموقف اللي حطت نفسها فيه .. كان ممكن تاخذ أنفال و تنقل الخبر لشملان أو تنتظر لصبح و ساري ينقله ..
فينوس : شملان كان معزوم على العشا عندهم و كان بيجي و يكتشف السالفة و هي حبت تمهد له و أنفال مع هند با مستشفى الولادة ..
عذبي : مو عذر . .كان ممكن تتصل عليج و تقولين لي و أنا أتصرف ..
فينوس : لا يمكن كانت راحت تطلب مساعدتك و الدليل هذي هي رايحة بآخر الليل تجيب أنفال من المستشفى ..
عذبي بعصبية : أنجنت هذي ؟!! .. ما عاد تستحي ولا تميز .. بس الشرها مو عليها الشره على الابو و الأخو اللي مخلينها على كيفها
فينوس بعصبية مماثلة : مو توك تقول وصايف تخاف الله ..
عذبي : أي تخاف الله بس ما تخاف من اللي ما يخافون الله .. تحط نفسها بمواقف شبه .. تقهر ..
فينوس تتسائل بعفوية : لا يكون تقصد شملان ؟!!
عذبي : يا ها الشملان اللي حاشرينه في كل موضوع ..
*
*
*
وددت لو أمتصني المقعد لأختفي ..
غبية.. غبية .. دوما أفضح نفسي بردات فعلي الغير متزنة ..
لما جلبت شملان للحديث و لما أهتم إن كان يقصده ؟ .. ألا اكف عن الدفاع عنه و تبيض صورته أمام الكل .. فمن حوله يعرفونه ربما أكثر مني و ما أفعل و أقول لا يخدمني بل يزيد من شفقتهم علي .
*
*
*
عذبي : ليش ما تردين علي ؟!
فينوس تدعي الغضب لتداري إحراجها : نعم آمر .. أسمعك ..
عذبي: أتصلي بوصايف شوفيها وين .. و إذا للحين با المستشفى لا تطلع لين نجيها ..
*
*
*
هممت بدخول للمنزل و فكرة واحده تدور بعقلي كيف سيفسر الجيران المتلصصين وصولي للمنزل وحيدة في منتصف الليل ..
لكن قبل أن أرسم تخيلات أوسع تلقيت مكالمة من فينوس تطمأن بها علي , فأخبرتها بأني الآن با المنزل بعدما اطمأننت على هند و مولدتها و تركت أنفال ترعاها حتى الصباح لتقوم هي الأخرى بطمأنتي أن الأمور سارت بشكل جيد بين ديمة و عمتي ..
*
*
موقف غريب فقد كنت قبل شهور قليلة الوحيد المعني بها و الذي من حقه الاتصال بها في أي وقت و معرفة كل تحركاتها الصغير منها و الكبير .. على الرغم أنني تنازلت عن هذا الحق منذ سنوات !.. و لم يكن السبب راجع لعدم اهتمامي أو نقص بفضولي حول كل ما يخصها إلا أنني كنت أحتال لأعرف من أين و إلى أين ذهبت و كيف قضت يومها و ما ارتدت لحفل صديقتها من دون أن أسالها مباشرة حتى لا أعطيها الحق في استجوابي واضع أمامها أطروحاتي حول الحياة المتزنة التي لا يخنقها الزواج و تعقيداته حول ماهية الآخر و إلى أي حد أصبح ملكية !..

يتبع ,,,,

👇👇👇


تعليقات