رواية وشايات المؤرقين -15

رواية وشايات المؤرقين - غرام

رواية وشايات المؤرقين -15

على مائدة الطعام أجتمعنا للمره الأولى بعد مواجهتنا الأخيرة .. و كا عادتنا تصرفنا بأعتيادية و بكل طبيعيه تبادلنا الأحاديث السطحيه
فليس هناك داعي للعدائية و با الأخص أمام والدينا ...
لكن من لم يكن طبيعيا و بدا جدا سلوكها غير اعتيادي هي فاطمة
لم تكف عن الابتسام و التهام كل ما قدم أمامها من طعام ..
كان الكل فرح با سلوكها الجديد أما أنا رأيت بها نفسي عندما كنت طفل شقي عاد لتو من ساحة مشاكسته حيث وقع في فخ مقالبه أكثر شخص لا يطيقه ! .. لذا ما أن انتهينا من تناول وجبة العشاء حتى توجهت لها مستفهما عن سر سعادتها .. وجاوبتني بكل ثقة و بعينيها يتراقص الخبث أنها تخلصت من وداد للأبد في أضيق مكان سوف به تختنق !
*
*
*
تفاقم الضيق في نفسي حتى كدت أعتقد أني سأموت من نقص الأوكسجين و لم تتسع أوردتي إلا بسماعي لحركة قريبة من حيث حبست .. فطرقت على الباب الصغير مناديه أن أنقذوني ...
*
*
" و إذا طلعتج و شل لي "
وداد برجاء : اللي أقدر عليه ...
*
*
سخرت حاسة السمع و أنا أحاول أن ألتقط الرد و أنا على يقين أن الخبث يسري في دم أفراد هذه العائلة !
و لم يصلني إلا ضحكات التسلي .. ليتفاقم يأسي و أجد نفسي على شفير هاوية البكاء أترنح ...
*
*
ديمة تفتح ببطئ الباب الذي قفزت من وراءه وداد : مره طول بعرض تدخل في مخزن تحت الدرج !!! .. شكنتي أدورين عليه ؟!
وداد انفجرت باكيه بعدما استعادة حريتها : فطوم قالت لي أن عبود خش عروستها في ها المخزن و هي خايفه تدخل و أطلعه و أول ما دخلت سكرت الباب وراي ...
ديمه من غير سيطره أفلتت ضحكاتها : العوبة فطوم طلعت مو هينه .. أثرها راعية مقالب بعد !
*
*
و خبيثه .. كا عمتها الصغيرة ..
لا .. لا تشبهني ... قد أخطأت بظني .. لأن لا يمكن لي أن افعل فعلتها ! .. فمن يمكن له أن يجد التسلية في تعذيب هذه الرقيقة ..
وداد ... لا تشبه أي امرأة عرفتها .. فمن هي المرأة التي يمكن لها
اجتياز اختبار الكذب عندما تكون كل الأسئلة تستوجب الصدق ..
و هي كل من يتجلى الصدق به .. من خام لم يصقل .. جوهره لم تشكل .. " هي " .. و كم يغريني أصل الجوهر و يتحدى عنفوان
الرجولة في ذاتي الناقصة ...
*
*
أصيل أقتحم المكان : ليش تبجين ؟
وداد التي تفاجأت من حضوره شهقت لتقفز أناملها تغطي وجنتهيا بخجل : ما في شي ..
أصيل يوجه نظره لديمه و يبتسم بسخريه : أكيد أنتِ ما راح تجذبين علي مثل وداد ..
*
*
*
لم يضحك كما فعلت ديمة بل بدا بمنتهى النبل و هو يعتذر لي بنيابة عن كل أفراد العائلة ! ..
و ذهب بعيدا في محاولة إرضائي باقتراح لم يتبادر لذهني و لو لثانية .. أخبرني بأن فاطمة لن تفلت من عقابه الذي سوف يستمر أسبوع ينتهي بإعتذارها رسميا لي أمام الكل ! .. و على الرغم من غضبي منها إلا أن فكرة تعنفيها و معاقبتها بهذا الشكل لم ترق لي , لذا استعدت توازني و شكرته و أخبرته بأني لا أريد تعقيد علاقتي مع فاطمة و أن أنا من عليه حل الإشكال الذي تفاقم بسببي فأنا من أهملت معالجته منذ استشعاره ..
*
*
لم تتغنج علي و ترضي أنوثتها و أنا من تلطفت بلساني الذي كان من قبل سليطا عليها و لم تستعمل دموعها أداة لابتزاز أسرة مقتدرة
و الأهم أنها لم تقفز للفرصة التي قدمتها و تنتقم !
*
*
وداد التي وجدت فاطمة بعد بحث طويل في أرجاء المنزل : صدتج
فاطمة التي ذعرت عند رؤية وداد : إذا طقيتيني أعلم أمي ردينة ..
وداد تبتسم بهدوء : و ليش أطقج و انا أحبج ..
فاطمة مهاجمة : أنا ما أحبج ..
وداد لزالت محافظة على ابتسامتها : بس أنا قوية و مثل ما طلعت من المخزن راح أخليج تحبيني بطريقه فيها مكونات سرية ..
فاطمة بحيرة أرتسمت على وجهها الطفولي و بفضول نطقت : شلون ؟!!
*
*
رأيتها تتبعني لترصد تحركاتي و أعتقد أني نجحت في أول خطوة في جذب اهتمامها .. فانا أعتمد على مخيلتها الواسعة التي تميز كل من يرتع في رياض الطفولة .. فا فيها يسهل عليها رسم الأعداء و تحويلهم لأصدقاء في لحظة عندما يمتلكون قوى خارقة خفية تمكنهم من الطيران بخفة تاركين القفص ورائهم مغلق و المفتاح به معلق ! .. أليس أنا فيما مضى كنت هذه الطفلة .. و تعلقت بمن اعتقدت أنه يملك مفردات سحرية تحول عالمي الكئيب المقفر لحدائق مزهرة فيها أغرد و انعم .. لاكتشف أني مسجونه معه في عزلته .. يجن و يعقل و أنا باكيه لا أفهم ما الذي يحصل ..
و المضحك المبكي ..
ها أنا أصبحت حرة و له سجانه ..
و عندما سجنتني طفله فهمت أنني تحولت من مظلومة لأكبر مجرمة ...
*
*
*
وداد عندما أشرقت شمس اليوم التالي و استيقظ سالم : سويلم أنا أعرفك و ما في داعي تلف و تدور . . طلع لي دفتر علي خليني أوديه له ..
سالم متذمرا : و بعدين يشوف شملان الدفتر و يدري اني جذبت
وداد تطمئنه : و شملان وش يدريه بيعتقد أنه دفتر ثاني يكتب فيه أخوه .
*
*
سالم ذو الرأس العنيد أرهقني لكن في النهاية استسلم و اعتقد السبب راجع لرغبته في الطيران من المنزل حيث يجتمع أصدقائه الجدد قبل الذهاب للمدرسة ..
*
*
سالم قبل أن يجتاز الباب لطيران : يووووو شتبين بعد .. ترى تأخرت و السبه أنتِ ..
وداد التي سدت طريقه : تو الناس على جرس الطابور أنثبر شوي قابلني على الريوق و سولف معاي و قولي شعلومك و شلون درجاتك و منو ربعك اللي كل صبح توقف معاهم عند البقالة ..
سالم بتمثيل الإنذهال و تعظيم الأمور : تبيني اقول لج كل هذا على الريوق ... أجل أغيب اليوم أحسن ..
وداد التي تعرف أنه يحاول التملص من الإجابة : فكره .. أنا و أنت نغيب اليوم و نقابل بعض و نسولف .. أنا أشتقت لك أكيد أنت بعد أشتقت لي ..
سالم : هههههه أضحك يعني و إلا اضحك .. في مسلسل تركي حنا .. أشتقت لك و اشتقتي لي ..
وداد تضحك لتبعثر شعره بأناملها المحبه لتدليله : و الله اشتقت لسوالفك و نكتك البايخه ..
سالم متذمرا : وداد يله خليني أروح عندي امتحان قصير و براجع مع ربعي ...
*
*
تركته .. ليس لأني صدقت عذره لكن لشعور بضيق أطبق على صدري و غمرني حزنا لم أعهده بهذه الحده .. إذا ها أنا أفقد أخي فلم يعد بحاجتي و كبر ليكون له عالم خاص بعيد عني .. لم أعد مهمه با النسبة له و حتى أني بدأت أشك بأن محبته لي تتلاشى ! ..
نعم .. تتلاشى .. فمن منا يحب و تتجذر العاطفة في عروقه و لا يحب أن يكون مسببها أمامه ؟ ..
و ها هو أخي الوحيد و المتبقي من عائلتي يهرب مني و لا يبحث أبدا عن أي فرصه تجمعنا .. لم يعد يريد التحدث معي و لا التخفيف عني ... فا برغم من فارق العمر الذي بيننا إلا أنه دوما كان مؤنسي و رفيقي في كل حالاتي .. هو من كان صديقي الوحيد و من لا اشك بمحبته الخالصة لي .
*
*
علي الفرح يتناول الدفتر الذي ألقته وداد بسرعة قبل أن تغلق الباب با المزلاج بلمح البصر : ترى اللي يخاف من شي يطلع له .. و ما تدرين يمكن أطلع لج في أحلامج و تصيرين مجنونتي ..
وداد من وراء الباب : الحمد الله ما أنام إلا و أنا قاريه المعوذات ..
علي يضحك من أعماقه : على كل حال مشكوره أنج رديتي دفتري لي .. إلا ما قريتي منه شي ؟
وداد بصدق : لا طبعا ..
علي بنبرة تعجب : معقول في مره مو فوضوليه بشي اللي يخص زوجها ؟!!
وداد تجاهلت ذكره لرابط المقدس الذي يجمعهما لتعلق : و أنت و شعرفك في طبع الحريم ؟! .. لك خوات ؟
علي يسهو لثانيه ثم يعود : أخت وحده ماتت إذا ما كنت متوهم ..
وداد : الله يرحمها .. زين خلنا من الوهم و قولي شنو تعرف من طبع الحريم ؟
علي يبتسم : و أنا عاد بقعد أسولف معاج من ورى الباب ؟!! .. أدخلي و معاج قهوتج و خلينا نسولف وجها لوجه على الأقل اللي ما تفهمينه من كلامي تساعد تعابيري في تفسيره ..
*
*
تجربة الأمس كا مسجونة ما زالت ظلالها ترافقني حتى هذا الصباح
لذا وجدت جانب مني متعاطف معه على الرغم من أن جانب آخر ما زال يخاف جنونه .. فعندما يغيب عقله تتجلى له الوحوش و يصبح على حين غرة المحارب ذو القبضة الحديدية و الكل عدوه و يريد سحقه ..
لكني بت أميز أشباحه عندما تسطو على أفكاره و يبدأ لسانه بتلحين صوت غريب يسكنه لتتناثر مفرداته بتراكيبها الغير مفهومة فا يضيع الفيلسوف مرهف الحس و يبقى الجسد يتخبط بمن سكنه !
لذا أنا محصنة و قوية بما أعرف و يمكن لي إنقاذ نفسي قبل أن يتلبسه الظل ...
*
*
وداد تفتح الباب ببطء : ما في قهوة ..
علي الجالس في مقعده القابع بزاوية يبتسم لها : يكفي الحلو .
وداد تبتسم با المقابل : تعلمت من الكتب و إلا لسانك حلو با الفطرة
علي يستند لظهر مقعده ويسترخي مبتسما : تعلمت التقدير و القياس و كل أشكال الموازنة بس تقدرين تقولين عندي فطرة تميز كل جميل ..
وداد التي ما زالت واقفه بجانب الباب : قبل ما يغيب عقلك ممكن أعرف ليش شملان حابسك هني و مخلي المفتاح بأيدي ؟
علي بنبرة ساخرة : ياااا يا وداد فجأة صرتي فضولية ؟!! .. يمكن لو قريتي دفتري عرفتي ..
وداد بإحراج لم تعرف مسبباته : و أنا و شيدريني من اللي يكتب في ها الدفتر .. أنت و إلا ظلك ..
علي : الظل في كل مقاساته انعكاس .. أن كتب و إلا كتبت الحقيقة وحدة و المفردة بس اللي تختلف ..
وداد التي تنتهج الصدق : و أنا أبسط من كل ها التعقيد .. إذا أنت في عقلك اللحين قولي الحقيقة .
علي يفتح دفتره و يقرأ ....
*
*
هذا مقر إقامتي الجديد فقد أحرق الظل منزل عائلتي الذي ولدت به و عشت لسنين مع أخي شملان و أختي وضوح ..
اعتقدت في بادئ الأمر أن شملان يعاقبني ثم عدلت من رأيي و أحسنته و أنا أردد لابد أن شملان في صدد معالجتي من ظلي و استعادتي من وراء السور لذا أختار هذا المكان لأكون بعيدا عن أي مؤثرات تؤخر في علاجي ..
لكن كل ما فكرت به أصبح يدور في فلك ألا منطقية ..
فليس من المنطقي أن لا يزورني طبيب بينما يمدني شملان بأقراص شتى كا وصفة طبية لما أنا به من تعتيم ..
*
*
*
أنقطع صوته و أحتل الغريب ملامحه ليقذف بدفتره باتجاهي و اقفز مرتاعة لا تحملني ساقاي و لا أعرف إلى أين المفر فقد أضعت الاتجاهات و أصبحت في معتقل ...
*
*
صرخة تبعها بكاء عن هلع ملأ مسامعي .. وداد .. لابد أن الصوت صادر من وداد .. و كل ما فكرت به أن علي هرب ! ..
لكن ما إن وصلت حتى رأيت علي يأن في زاوية الغرفة متقوقع على نفسه و وداد خلف الباب مرتاعة ...
*
*
شملان بعدما أخرج وداد : شفيج ؟ .. شنو اللي صار ؟
وداد تمالكت نفسها أخيرا : ما صار شي ..
شملان الذي أحتل القلق ملامحه : ليش دخلتي عليه .. نسيتي آخر مره شصار ..
وداد التي ما زالت ترتجف : كان طبيعي و يسولف و كنت أعتقد أني أقدر اطلع أول ما يتغير بس من الروعه ضيعت الباب ..
شملان محذرا : شوفي يا وداد أنا بريت ذمتي و حطيت بينج و بينه باب ما يقدر يتخطاه .. أكثر من جذيه ما أقدر أسوي شي .. و أي شي يحصل بيكون على مسؤوليتج ...
وداد التي تصبح مهاجمة و شرسة فقط بحضرة شملان : حطيت بيني و بينه باب و رى باب و من أيدك لأيدي أنتقل المفتاح ..
بس شنو اللي تغير ؟..
للحين أنا مسجونه و أنت تبيني أتوهم الحرية .
شملان في محاولة لتهدئتها : وعد مني ها الوضع ما راح يطول بلقى حل لوضع علي و أريحج .. بس عطيني وقت و كل شي بيتعدل ..
وداد أنفجرت باكية : و شنو الي بيتعدل .. من زوجة مجنون لمطلقة من مجنون .. ضايعة في كل حالاتي ..
شملان مخففا عنها بصدق نواياه : راح اساعدج و ما راح تحتاجين حتى لوظيفة و سالم أنا متكفل فيه لين يكبر و يفتح له بيت ..
وداد التي وجدت من تلغي عليه حمولها : هذا إذا ما ضاع مني قبل ما يكبر ..
*
*
*
فاضت علي بمخاوفها و بما أصبح عليه الحال بعدما غادروا هذا البيت .. و هذا ما كنت أخشاه .. كنت أخشى على سالم من ضخامة الحياة و تلون الناس .. و كلما اقتربت لمراقبته أخذتني مشاغل الحياة بعيدا ... و أول و كل مشاغلي بات هي حتى وصلت لذروة انغماسي بكل ما يخصها لتفاجئني بحضور غير متوقع لأصبح مغيب !
*
*

............. من ذاكرة شملان قبل أيام ...............

*
*
شملان الذي كان لتو يهم بركوب سيارته توقف ليراقب المترجله من سيارة يقودها سائق تأكد من انه يعرفه بعد تدقيق النظر ...
.. أي هذي أنا .. تذكرني ؟ .. تذكر اللي رميتها على ها الرصيف و قلت لها ما لي فيج عازه .. كرهتج .. رددتها لين اختفيت ..
شملان يبتلع ريقه من غير استيعاب : أدخلي عند عمتي .. مو حلو وقفتنا بشارع ..
فينوس بقوة قلبها الذي آذاه ردت بثقه : أدخل ؟!.. عند منو ؟ .. عند اللي شهدوا حقارتك معاي .. اللي هم بنفسهم صفقوا لك و أنت تنحرني قدامهم ..
شملان بضيق بان في ملامحه و صوته : أجل روحي لبيتكم و أنا أجي و قدام اهلج حاكميني ..
فينوس : لا أحاكمك و لا تحاكمني يا أبن الحلال كل اللي أبيه تفكني من شرك .. أنا ما أبيك و لا في شي يقنعني أرد لك ..
*
*
*
لو أنها رمت في أحضاني قنبلة يدوية لما قطعتني كما فعلت كلماتها .. و الأسوأ أني لم أمت ! .. و بقيت بذاكرة لا تحفظ إلا ما رددت ..
" ما ابيك "
ما زلت أرددها منذ أن سمعتها حتى أطعن بيدي قلبي مرة تلو المرة لعله يتوب عن النبض بها ..
و ها أنا كلما حاولت التركيز بكل همومي البعيدة عنها أجد نفسي أتوجه لها و أسقي هما جذوره تحت موطأ قدمها .. حتى أنني انغمست بأنانيتي و عدت من جديد بشحذ أفكاري الخبيثه لعلي أطلع بحل يعيدها لي حتى لو أبت ..
سيكبر مقتها لي و يصبح الكره فضفاضا أمام أحساسها المظلم أتجاهي ..
سأحرمها من تحقيق أمنية الأمومة .. و سأدوس كرامتها و أقيدها أمام الكل باسمي الذي سوف تحمله مرغمة .. و سأردد أنه سوف سيكفيها أني أعشقها !
لكن ...
لن أحتمل رؤيتها باكيه .. هذه المعضلة .
و كلما مرت بي الأيام تعقدت حياتي التي ليس لها طعم و لا لون .
.................................................. .......
*
*
*
كانت الحياة أبسط عندما كنا صغار فقد كان من السهل علينا أن نخلق الفرح و نجده بأي مكان مادمنا مع أصدقائنا ..
كنا نحب بكل عفوية و لا نرفق مع نبضات قلوبنا أي معادلات اجتماعية ...
كنا عفويين و أرائنا واضحة لا نجردها و نغلفها بما يمكن أن يمرر مصالحنا الدنيوية .. فقط قطعة حلوى و وعد برفقة يكفينا لنصفح و نعفو و نطير مع الصحب في أي رحلة ...
*
*
*
أنفال : يله عاد عن الملاغة لا تخليني جذيه واقفه بشارع أنطرج ..
ديمة بعناد توصله عبر هاتفها النقال : ماني رايحه مكان و أنتِ حياج الله هذا بيت عمج أنزلي و تقهوي ..
أنفال المحرجة : بعد سواة وصايف و زوج اختي الهبله هند مالي وجه أقابل أحد من أهل البيت ..
ديمة مؤنبة : خلينا من زوج هند و قولي لي شنو سوت وصايف .. و إلا اللي يوقف بوجه الطاغي يطلع بسواد الوجه ..
أنفال : ديمة لا تخليني ندخل بمواضيع أنتهت .. أنا طالعه من البيت ضايقه و ما حسيت بنفسي إلا و أنا واقفه قدام بيتكم .. قلبي جابني لا ترديني يا بنت خالي ..
ديمة رق قلبها : زين عطيني دقايق و نازله لج ..
*
*
*
هذه ديمة ما أن أذكرها بصلة القرابة بيننا حتى يرق قلبها !
بينما لا تعترف بصداقة و لا بزمالة .. فليس شيء مهم أمام صلة الدم التي تجمعنا و المضحك أنها تعاكس قناعاتها عندما يتعلق الأمر بفينوس و هي الأقرب لها دما حتى لو اختلفت فصيلة دمهما !
*
*
أنفال تمشي بسيارة من غير وجهة : يكفي الظروف اللي عايشه فيها تبين أنتِ بعد تجورين عليها ..
ديمة : إلا أنتِ يا أنفال ما تحمل تلوميني .. انتِ أكثر وحده تعرف أن أمي عندي با الدنيا كلها .. بس أنا مقهوره .. تعرفين شنو يعني مقهورة .. أبيها و هي تبعدني عنها .. و كل اللي تردده علي حياتج بتكون أحسن في ظل ردينه .. و أنا بنفسي أول ما كبرت جيتها و قلت لها ما نفعني ظلها و قلبي يحترق .. خليني أرد لحظنج .. و ردها قهرني .. قهرني يا أنفال ..
أنفال : بس انتِ أكيد أكيد تعرفين أنها تحبج و أن أنتِ أغلى ما تملك
بس هذي عقليتها و هذا اللي تحس انه أفضل لج .. لا تولمينها .. أكيد هي تشوف شي ما نشوفه ..
ديمة تتكأ برأسها على النافذة و تهمس : ليتها تشوف اللي أشوفه .
*
*
لم أرى ديمة بهذه التعاسة من قبل .. فا هي على الرغم من وضعها كا يتيمة مع وجود والديها إلا أنها كانت دوما فرحة و نشطة با قوة إرادة و رأس بصلابة الحديد ميزها ..
لكن في الآونة الأخيرة تبدو خائرة القوى و نفسها مستسلمة للقهر
تتخبط بين قرب و بعد .. تحب والدتها و تصر أنها لا تفكر بنبذها و كل تصرفاتها تنطق با نوايا مفارق .. أنسلت من حياتنا و غابت متعمده كأنها تقطع كل صلة تنتهي لأمها .. كأنها راحل لا يريد أن يترك خلفه ما قد يجبره الحنين با العودة إليه !
*
*
*
عدت بعدما تصاعد صوت أبو زيد البائع غاضبا ليخرسه صوت أنثوي يؤنبه و يتوعده بعقاب يناسب اتهامه !
*
*
فاجئني صوته الغاضب و هو يلغي اتهاماته ..
لأنتفض لكرامتنا و أصرخ بوعد بمعاقبته على قبح اتهامه ..
*
*
سند متدخلا : خير شصاير ؟
البائع أبو زيد كمن وجد بسند قاضي القضاة : يا أبو سعد ها البنتين حراميه كل وحده منهم تغطي على الثانيه ..
سند أنتفض بغضب زاجرا له : أفا يا بو زيد تقول ها الكلام في بنات الحمايل .. أكيد أنت مخربط ..
البائع : لخربطت أنا .. الكاميرا تسجل و ما هي جاذبه و اللحين الشرطه تجي و تحكم بينا بعد ما تشوف التصوير ..
أنفال التي جف حلقها من فرط الإحراج و الخوف : يا بن الحلال أنت غلطان يمكن تقصد غيرنا و إلا حنا ليش بنسرق من الأساس و هذا حنا حاطين بسلة كل أغراضنا ..
البائع ينتقل بنظره لديمة القابعة بصمت خلف أنفال : و خويتج حاطه كل أغراضها بسلة ؟
أنفال بعفوية تلتفت على ديمة لتعيد النظر له : ما أنت شايف ما في أيدها إلا بطل الماي شاربه منه و بتحاسب عليه و الأغراض كلها معاي في السلة ..
البائع ابو زيد : مو صحيح .. في جنطتها الدليل على سرقتها ..
*
*
*
وددت أن تبتلعني الأرض حرفيا ... فقد تبرع سند بدور الشرطي عن رضى من البائع و ذهول من قبلنا .. ليستخرج ما يحمل ملصقات السوبر ماركت من حقيبة ديمة التي وقفت مستسلمة لكل ما يجري .. كأنها تقول خذوا كل الأدلة و لفقوا لي تهمة تدخلني لسجن لأحمل وشم بحروف تنطق " عار " و أورثه كل من له صلة بي .
*
*
أنفال المرعوبة لم تعد قادرة على التنفس بشكل طبيعي و هي تردد لاهثه : أكيد في سوء فهم .. قولي لهم يا ديمة ..
ديمة تطأطئ رأسها و بصوت خافت : أي أنا اللي بقت و بنت خالي ما لها دخل و تقدرون تتصلون بشرطه ..
سند يلتفت على البائع : ما عليه يا أبو زيد بنت صغيره و أغلطت و حنا جيران لك كل ها السنين .. سامح و أبشر با العوض ..
*
*
لا اعرف إن كان علي أن أكون شاكره أن السوبر ماركت كانت خاليه إلا منا و من سند أم اندب حظي أن يكون هو بذات شاهدا على إنحلال أخلاق أبنة عمتي التي أذهلني ما أكتشفت في خفاياها ..
لكن من المؤكد أني احتجت لوقت لم أحسبه لأعود للواقع و ألتفت حولي لأجد الكل من حولي انفض و أبو زيد يرمقني عن بعد كأنه يراقب لص !
خرجت مسرعة التفت حولي لأتذكر شكل سيارتي فقد نسيت حتى لونها من فرط الخوف و الإحراج الذي وقعت به .. لكن سقط نظري على سند الذي كان يحمل آخر غرض له في سيارته .. ووجدت قدماي تقودني له من دون تفكير عقلاني مني ...
*
*
سند بعدما أستمع لجملها الغير مركبه و التي ضاع بها كل تفسير أرادت به التوضيح : يا بنت الحلال الله يستر عليكم و علينا .. و لا تخافين مو أنا اللي يمشي و يسولف في بنات الناس .
أنفال بدأت ترتجف و دموعها تتساقط و صوتها يتهدج : انا ما سويت شي .. هذي بنت خالي تحب المقالب .. أكيد الموضوع كله مقلب ..
سند الذي ذعر من الموقف الذي وجد نفسه به أمام المارة : يا بنت الحلال حنا في الشارع و اللي يشوفج جذيه بيروح فكره بعيد .. روحي الله يستر عليج ..
*
*
فررت كا جرذ و تركتها تقف على قارعة الطريق مشدوهة .. يبدو تصرفي لا رجولي لكن لم يسعفني عقلي الذي تشوش بإيجاد فعل يناسب الموقف .. فما الذي يجعلني أضع نفسي بموقف محرج للمره الثانية .. يكفي أنني دافعت عنها و ابنة خالتها لأجد نفسي معتذرا بعدها بدقائق ..
و لما أتعاطف و أجلد نفسي و أصفها بتخاذل ؟ .. ألم يكن يكفي ما لمحته من مسروقات .. لابد أنهن مستهترات و قعن بمشكلة عويصة تستوجب سرقة اختبار منزلي للحمل !
.................................................. .......... ..
*
*
*
كل الأختبارات المخبرية التي طلبتها على الرغم من تأكيد الطبيب بعدم ضرورتها ظهرت نتيجتها .. و لله الحمد طفلتي بخير ..
لكن إلى الآن أعتقد ان من الأفضل أن تبقى مده أطول ..
تبدوا أكثر سعادة هنا و هي في أحضان والدتها التي تدللها .. حتى المربية التي تعلقت بها لم تعد تردد اسمها .. و هذا جدا طبيعي من يكون برفقة وصايف و يذكر غيرها ! ..
نعم أتسلل كل صباح للمشفى و أبحث عن الأعذار للأقتراب ..
أترصد حركاتها لا لشك بأخلاقياتها لكن فضول بما أصبحت عليه من بعدي ! .. فا هي ملفته و لها جاذبيه تربك كل من حولها هكذا كنت أذكرها .. لكن هنام ما تغير بها .. تبدوا أكثر هدوءا تمشي بخطى حثيثة كأن هناك من يتبعها .. تقنن حديثها و تحصره با الممرضات و تهمس حتى لا يسمع صوتها إلا محدثها .. حتى الدكتور المعالج تركت مهمة متابعة حالة أبنتنا معه لي .. كأنها تخبرني أنها لن تحدث رجل آخر ما دمت حيا !

يتبع ,,,,

👇👇👇


تعليقات