بارت من

رواية مقيده بالاحزان -9

رواية مقيده بالاحزان - غرام

رواية مقيده بالاحزان -9

لتهجم عليه بعيني التعجب
فابتلعت ريقها وهي تقول بتوجس:
- ممكن أيش ( ماذا )؟!!
ليرد عليها بابتسامة تنبثق من شفتيه:
- أشوف مريم, وأطمن عليها, إذا أمكن؟
لتنصب الراحة على صدرها المرتاع
وتقول وابتسامة طرفيه تخترق شفتيها المغتمين:
- ممكن, بس ثواني.
ليهز رأسه للأعلى والأسفل
والبسمة رفيقة الدائم
وتدخل هي أخيرا الغرفة
__
أخذت تلعب بأصابعها بحركة ساخرة وهي تغدقُ عليهن بكلمات الشماتة المحبب على قلبيهما البغيض:
- لو شفتنها قاعد تتحرقص من الضيق, لو قدرت أصورها لصورتها لذكرى عيوز النار.
لتعلو ضحكاتهن المتشفية
لتتصدى أم حصة لمهمة أول المتحدثين بعد موجة الضحك:
- تستاهل, ما أحد قال لها تلعب بنار.
ولتسكب عليها أختها شيخه بمياه التأيد:
- أيوه ... أهي ما تعرف مع من تلعب.
لتقول حصة وقد رفعت صدرها بكل فخر:
- والله لأوريها نيوم ( نجوم ) الظهر خرابة البيوت هذه.
وعادت تلك الأفواه الملوثة بسموم الشماتة تطلق ضحكات النصر.
أخذت شيخة تتلوى كثعلب جائع, وهي تكسو جلدها بلونه الماكر:
- لا تنسين حبيبتي حصة أنه هذا بسبب عمايلي.
لتضرب حصة بضربه خفية على فخد خالتها الجالسة على يمينها, وتقول وابتسامة النصر تأبى هجرها:
- كيف أنسى ها الشيء خالتي, لولاك لكنت أنا في خبر كان.
لتشق ابتسامة ماكرة على محياها, وتقول وهي تمد كفها نحو حصة:
- عيل وين الحلاوة إلي واعدتني بها حبيبتي؟
__


بيد تضم ابنتها إلى صدرها المشتاق لملامسة حركة صدرها المتنفسة
واليد الأخرى تدلك رأس ضناها الصغير
ورموشها ترفض أن تطرف
فتفوت فرصة رؤية صغيرتها وهي تتنفس أكسجين الحياة
وجسدها يمتد بجوار فلذت كبدها ملاصقا لجسدها الغض
لا تريد أن تتركها ولا لثانية واحدة
كما فعلت منذ ساعات قلائل فندمت كل الندم
لا ترغب أن تنغمس في بحر الملامة من جديد
لن تفارقها ما حيت بعد الآن
هكذا عقدت العزم في داخله
وهي تحتضنها أكثر من ذي قبل
جاء صوت أم سيف ليضع حدا لصمت المحيط بالغرفة:
- يلا شمسة أنا بترخص, تأخرت وايد على العيال وأبو سيف.
رفعت رأسها ببطء حتى لا تزعج سكينة طفلتها
وقالت بصوت اتخذ طريق الهمس مسلكا له:
- مرخوصة عمتي, سلمي على عمي وايد, وبوسلي العيال.
فابتسمت عيناها الشامختان من وراء حواجز البرقع
و قالت:
- إن شاء الله, أنا إن شاء الله من طلعت الشمس بيي ( أحضر ) تبين أيبلك شيء معايه؟
ردت عليها بهز رأسها بنفي, وأردفت قائلة:
- لا سلامتك.
لتودعها أم سيف بخير الكلام:
- مع السلامة.
وبصوت لازال يميل إلى الهمس:
- مع السلامة عمتي.
لتندفع أم سيف جهة الباب
لترجع شمسة إلى وضعيتها السابقة
لتهمس في أذن ابنتها الثاقلة جفونها:
- حبيبتي خف صداع راسك, وألا أكمل همز ( دلكه ) ؟
لتكتفي بهز رأسها بوهن بمعنى نعم, وهي زامت شفتيها, فالصداع يفتك برأسها
لتطبع على جبينها قبلة حانية, وتقول وقد تشربت من كأس وجع ابنتها:
- يا عمري, بيروح الوجع, لا تخافين.
وعاودت تدلك رأسها
لتبتر حركاتها صوت أم سيف وهي تقول:
- شمسة حميد بره يقول أنه يريد يشوف مريم.
لتضرب بكفها جبينها, وهي مغمضة العينان وتقول:
- أووووووووووه, نسيته لما شفت مريوم, دقايق بس.
فعدلت من جلستها وهندامها
وقالت لأم سيف:
- خليه يدخل.
ليدخل بعد ما أن أذنت له أم سيف وهو مطأطأ الرأس, لتبادر شمسة بالحديث والخجل يصبغ وجهها:
- اعذرني, والله لما شفت مريم نسيت علومي.
ليهز رأسه بمعنى لا توجد مشكلة, ويؤيدها بكلماته:
- مو مشكلة, أنا مقدر الوضع.
لتقفز أم سيف بكلماتها مقاطعة حديثهما:
- اسمح لي حميد, أنا لازم أروح.
ليلتفت إلى أم سيف وقد علا برأسه بزاوية حادة, ويقول:
- مسموحة خالتي.
لتقول أم سيف:
- يلا عيل, مع السلامة.
ليودعها كليهما بنفس واحد:
- مع السلامة.
لترحل أم سيف
ويبقى هو وهي ومريم لوحدهم
شعرت بعبق الغرابة يفوح في الغرفة
والهدوء يعزز منه
لتقوم من على السرير, وقد احتارت مقلتيها أين تستقر
وقالت بارتباك يعثر حركت لسانها:
- تفضل أستريح.
وأشارت نحو السجادة التي تفترش الأرض.
ليجبها وقد اكتفى برفع عينيه صوبها:
- مشكورة, بس أنا جيت بس عشان أطمن على مريم, ورايح, كيف حالها الحين؟
لتصوب عيناها نحو مريم المستلقية بخمول على السرير
وتقول:
- اسألها بنفسك؟
ليخطو باستحياء نحو الطرف الآخر للسرير
ليصبح مواجها لشمسة
وقال وقد علت الابتسامة على شفاهه:
- أهلا مريم, أخبارك؟ وش ما عرفتيني؟!!
أخذت تحدق به بعينان شبه مفتوحتان
وهي تقلب عقلها بحثا عن وجهه في زواياه
لتتشكل ابتسامتها المشرقة من جديد وإن كانت مهزوزة وقد لمعت ذكراه في عقلها
وتقول بصوت أجهده التعب:
- وين ( أين ) هديتي؟
لتنفجر أساريره
وهو يقول لها ممازحا:
- الأول ... وين (أين ) لوحتي؟!!
وشمسة تشعر بالضياع بينهما, فهي لا تفهم شيئا من حديثهما
لتلف برأسها ببطء صوب أمها وتقول لها بنفس نبرة الصوت المتهالك:
- أمي .. يبي ( أحضري ) لي دفتر رسمي.
لتغدق على ابنتها بابتسامة حانية تخفي وراءها كومة من الوجع
وتذهب نحو الدولاب حيث الدفتر يقبع
وتعود لحميد سائلة بصوتها الذي اشتد خفوته:
- الحين ( الآن ) .. وين هديتي ؟
لتطوق الابتسامة محياه من جديد, لكن ما لبثت أن زالت وقد خطر له بأن الهدية لم تعد بحوزته فقد فقدها في معمعة الحادثة
فأخذ يبحث عنها بعيناه في أرجاء الغرفة
لترصدها عيناه أخيرا
ملقاة بالقرب من ستارة الغرفة
فيخطو بتسارع جهتها
لينحني ليمسك بها
حين استشعرت حاسة سمعه نشيجها من وراء باب الخزانة
فأحس بوخز في قلبه
وهو يسبح في باله خاطر مؤلم, بأنها مهما بكت فلن ترتاح روحها المعذبة حتى تشفى ابنتها.
استيقظ على صرخات مريم المتسائلة:
- وش تسوي ( ماذا تعمل )؟!! وين هديتي؟
لينتصب
وقد ارتدى قناعا باسما
وقال وهو يلتفت جهتها وقد رفع يده المحملة بالهدية:
- هذه هي هديتك.
ومدها نحوها وقد بات على مقربة منها
ليتهلل وجهها المنصهر بروح الإجهاد بالفرح
وتقول والسعادة تنسكب في كؤوس كلماتها:
- الله .. كبيرررررررررره وايد.
ليرد عليها والبسمة ملصوقة على شفتيه:
- ما قلت لك بيب لك هديه كبيرة, هااااا وش رأيك بي, ما وفيت بوعدي؟
لتهز رأسها بعنف بنعم
ومن ثم نادت أمها لكي تستعجلها وقد بدأ الوهن يتلاشى من محياها الرافض لوجوده في قسماته:
- أمي أمي, وين الدفتر..؟ بسرعة يبيه ( أحضريه )
لتمسح دموعها التي باتت رفيقتها الدائمة
وتقول وهي تدفع بقوى الصلابة في صوتها:
- يلا أنا يايه ( حاضرة ).
لتزفر تلك الزفرة الزاجرة لدمع بتوقف
وتشعل شمعة ابتسامة خافته على شفتيها المرتعشان
وتقبل نحوهما
لتقف موازية له
بمسافة لا بأس بها
وتمد يدها المحملة بالدفتر نحو مريم
التي قالت لها بسعادة تشع من وجهها:
- أعطيه عشان يشوف رسمتِ.
وكان الترقب قد نقش وجهها
نظرت إلى يمينها حيث يقف
وابتسمت باقتضاب وهي تسلمه الدفتر
ليقابل هو الأخر ابتسامتها بابتسامة, لكن في داخله يشعر بطاقة الوجع الكامنة في صدرها
لتتلاصق تلك العيون لثواني
لا تعلم تلك العيون لما الوصل يصل بينهما
فتقاطع تشابكهما صوتها المتحفز:
- يلا شوف الرسمة, أهي في الصفح الأخيرة, بسرعة.
لتكون شمسة أول من قطع خيط التواصل البصري, بالتفاتها جهة مريم
لينكس هو رأسه لثواني, وقد شعر بجبل من الحزن يجثم في صدره بعد أن أمتصه من عيناها المثقلتين به.
ومن ثم شرع بفتح الدفتر
ليصرخ بإعجاب :
- الله .. روعة ... أحل وايد مما تخيلتها.
كانت تريد أن تقفز من الفرح كعادتها, لكن جسدها المسلوب القوى خذلها
فرضخت لهز رأسها بنشوة الفرح مجبرة
وقالت والسعادة تراقص لسانها:
- صدق, عجبتك ؟
لينحني صوبها, ويقول وسحرها الطفولي يشعل ابتسامة صادقة تنبع من قلبه على شفتيه:
- بقولك شيء عني, أنا أبدا ما أكذب, عشان كذيه, يوم أقول لك أنه رسمتك حلوه, يعني أنها حلوه.
وضربها بسبابته ممازحا على أنفها المدبب
لتدوي ضحكتيهما
وهي تتابعهما
فتشعر شمسة براحة تصب على قلبها
لا تعلم من أين حلت عليها
__
لم يتضايق كعادته من عناد المصعد وتأخره
بل استسلم لشروده
فأين سوف يذهب بعد أن يخرج من هذا المصعد؟
لا بيت
لا أهل
ولا حبيبه
أصبح وحيدا
وكم يكره هذه الوحدة
التي تخنقه
طوال عمرة كان يحيط به الناس
لم يعش يوما واحدا بدون رفيق يأنس وحدته
لكن بعد أن زاره الضيف الثقيل الدم المسمى بالسرطان
أُطِر لكي ينفض أهله ورفاقه وأحبائه
بعيدا عن حياته
ليغدو وحيدا
وحيدا
وحيدا
وضع يده على وجهه
وتلك الكلمة البغيضة
يتكرر صدها في عقله
الناطق بلغة الحزن
وينضح بسؤال أكثر وجعا من سابقيه:
(( كيف بعيش آخر أيامي بدون أحد يكون بجنبي؟ كيف ؟!! ))
شعر بذقنه السفلى تستسلم لرعشة ريح البكاء القارصة
علا صوت المصعد معلنا وصوله أخيرا بعد طول انتظار
ليرن في نفس الوقت في رأسه صوت خافت, يحمل معه الجواب
ففتح عيناه مذهولا بما يهمس به عقله له
فيخترق صوت أنسي صوت عقله الملح عليه بفعل ما جاد به:
أخوي بتدخل اللفت ( المصعد ) وألا لا ؟ -
نظر إلى صاحب الصوت الذي بدت عليه علامات الضيق, وهو مابين عالمي حوار العقل والمنطق
ليعود نفس الشخص وقد حد صوته من شدت الضيق المتربع على وجهه:
- أخوي عندنا أشغال, بتركب وألا..
- لا
صرخ بها لا إراديا مقاطعا
فلم يكذب الرجل خبرا
شرع من فوره بالضغط على زر المصعد
ليغلق الباب
معلنا رحيله
في حين أن حميد أدرك ما نطق به لسانه متأخرا
فوضع كلتا يديه على فاه
مقوسا الحاجبين إلى أعلى
مشرع العينين
وما لبثت أن ارتخت يديه المطبقتان على فمه
فحررته
وتقلصت عيناه المذهولتان لترسما التصميم
ويلتفت إلى خلفه
فيدخل إلى صدره ما يقدر عليه من أكسجين
لكي يدفعه للقدوم قدما في تنفيذ ما عزم عليه
ويندفع بخطى واثقة جهة هدفه المنشود
ويقرع الباب بسرعة
فأي تأخر يعني التقاعس
والتخلي عن العزم وليد اللحظة
ليفتح الباب
وتظهر من وراءه شمسة
التي جعد وجهها الاستغراب ما أن رأته, فهو منذ بضع دقائق قد غادر, لتترجم استغرابها في كلماتها:
- خر حميد, هناك ش...
ليشير لها بيده بتوقف عن الحديث, وهو يعاود التهام الهواء, قبل أن يدفع بتلك الكلمات مرة واحدة حتى لا تخذله:
- أرجوكِ اسمعيني, ولا تقاطعيني, أرجوكِ شمسه, أمكن تضنينه جنون أو غباء, أو أي شيء, بس ... بس أنا أشوفه الحل الأمثل لي ولك ( وأشار بأنامله المتوترة نحوه ونحوها, وهو يجبر تلك الكلمات الرافضة للخروج من حنجرته لزيارة مسمعها ) عشان كذيه, أنا أريد أعرس بك.
لتخرج عينيها من محجريهما من هول ما سمعت


+++ يتبع +++


أرجو بأن يكون قد راق لكم الجزء ...
أختكم
وجـــــــــ الكلمات ـــــــــــــــع
انتهجت لون جديد في أسلوب أسرد في هذا الجزء ... حتى أكسر حاجز الرتابه وأيضا استجابة لطلب
صديقة عزيزة على قلبي :)
قراءة ممتعة إن شاء الله ...
وعذرا عن أي تقصر بدر مني


*(( القيد الثامن ))*



بصدر ثائر كموج هائج تتقاذفه أنفاسه الهاربة للأعلى وللأسفل
ضلت بمحاولاتها اليائسة أن تركد هيجانه المفاجئ
بوضع يدها المنتفضة عن ركودها الطبيعي على صدرها الثائر
لعلها ترجعه لرشده
لكن من يهدأ عقلها الذي تتلاقفه ذكريات الأمس القريب
فتزيد النار الخوف حطبا
فتنفر أنفاسها أكثر من قبل
وتهرب من رئتيها المتهالكة
رفعت رأسها نحو المرآة الصغيرة المعلقة على جدار الحمام الضيق
التي بالكاد تعكس حيز وجهها
لتر الرعب بعينها يفتك بوجهها
والذعر يشد زوايا عينيها
من فعلها الجسيم
الذي كما يبدو بأنها تسرعت في فعله
فجاء الهلع موقظا لسباتها
وهي ترى شريط الأحداث الأخيرة تتسابق لكي تنساب أمام ناظريها
لتكون السابقة
لذكرى التي أشعلت فتيل القنبلة التي دمرت معالم حياته السابقة
بدون أي تنبيه
يهيئها للقادم من المصاعب ...
بذهول ينعكس على عينيها, ولم يسلم منه نبرة صوتها:
- وش قلت؟!! أنت مينون, صح ؟
دفع بذرات الأكسجين إلى رئتيه, ومن ثم ما لبث إلا وأخرجها بزفرة مصحوبة بكلماته:
- أسمعيني شمسه, هذا الحل الأمثل, لي ولك ولمريم.
هزت رأسها باستهزاء, وهي تقول بنبرة السخرية:
- أيوه, قلت لي مصحلتك.
وبجزء من الثانية, تحولت علامات السخرية إلى صورة الغضب المطبوعة على قسمات وجهها:
- يا أبن الحلال, روح من قدامي الحين, قبل لا أجمع الناس عليك, ومن الأفضل أنك ما ترجع مرة ثانية لهني.
ومدت يدها لتغلق الباب وتنهي الحوار العقيم
لكنه بحركة سريعة, أوقف اندفاع الباب نحوه, وقال والتصميم يتربع على عرش عيناه, والدهشة تسكن ثنايا وجه شمسه:
- ليش تتصرفين بأنانيه ؟! بنتك لازم تتعارج بره, وأنا فرصتك حتى يصير هالشيء, فتركي عنك الأنانية وفكري ببنتك, مريم.
أشهرت عليه سبابها المتوعد, وقالت بحنق يلهب سياط حروفها:
- أنت ما تعرف شيء عني حتى تقول عني أنانية.
ليقاطعها بهدوء أعصاب:
- إلي أعرفه بأنك متضايقة وعاجزة عن تلقين حل, ووسيلة تسفرين بها بنتك, وهالوسيلة يتك بريولها ( أشار إلى نفسه, وهو يكمل حديثه ) لكن أنت تريدين ترفسينها.
ورمى عليها سهم التحدي من قوس عيناه
ليوجعها ذلك السهم لثواني, فيشل أطرافها
ومن ثم عادت تنبض بالحياة وهي تتبسم بسخرية, قبل أن تقول وقد حرصت بأن تشل حركة عيناه بحبال عينيها:
- وأنت يا هالفرصة الذهبية, وش بتستفيد؟ قولي .
نظر إلى الأرض وهو يدس الهواء في صدره لأجزاء من الثانية
قبل أن يرفع بصره, ويقول وقد لان محياه:
- ما أقدر أقول لك وش هي, لكن أنا أقدر أن أحلف لك بأنها ما بتضرك, ولا بتضر مريم .
ومن ثم أردف وقد اكتسا وجهه بعباءة الرجاء:
- شمسه أرجوك فكري بسرعة, ترى الوقت مو لصالح مريم.
لتصرخ بأعلى طبقة من صوتها الأنثوي وهي رافعة كلتا يديها بشكل متوازي تهزهما بهسترية, وقد عصرت عينيها المغمضتان, وحقنت وجهها بحمرة الضيق:
- بس .. بس, قاعد تتكلم كأنك تعرفها, وأنت ما تعرف عنها شيء.
عندما رأى وضعها هذا, كبل جبينه ثنايا الحزن المشفق, وقال بصوت هامس:
- شمسه, أسمعيني, هالزواج بيكون زواج على الورق بس, وبينتهي لما تصح مريم إن شاء الله, بدون مشاكل,وأحلف برب الكعبة بأنه لا أنت ولا مريم بيكم ضرر مني, والله, أنا بروح عنك الحين, بس أنتِ فكري ولو لثواني, وش بتخسرين في هالزواج؟!! ويوم تلقين الجواب, بتلقيني هناك ( وصوب سبابته نحو الكراسي المصطفة على خط واحد و المقابلة للمصعد مباشرة, وأكمل بنفس طبقة الصوت ) انتظر جوابك, ما بتزحزح حتى تييني بالجواب.
هدأ هيجان أنفاسها الغاضبة
ففتحت عيناها
لتجد ابتسامة حانية ترصع شفتيه
والسكينة تزين تعابير وجهه
لتتعلق بصورة وجهه البشوش للحظة
ومن ثم أشاحت بوجهها بسرعة الصاروخ
وعادت تمسك بالباب
لتدفعه معلنتا نهاية الحوار
ما أن صفعت الباب في وجهه حتى صفعتها صفحة الذكرى المريرة من جهة أخرى
لتنكمش تلك الرئتين لأدنى حجم لهما
فالهواء نافر عن ملامستهما
كأنهما نجس
خرجت عيناها من محجريهما وهي تقول والذهول يقبض على وحهها بيد من حديد:
- وش تقولين عمتي؟!!
لترد عليها بهدوء الوقار:
- إلي سمعتي, أنا أول ما طلعت من اللفت ( المصعد ) لاقيت حميد, وقال عن كل شيء, وأعتقد أنه هو الريال المناسب لك.
لتقول والذهول لم يهجر صفحة محياها:
- بس عمتي, لا أنا ولا أنت نعرفه, مالنا نعرفه إلا من كمن يوم.
لترد عليها والثقة تشع من عيناها:
- الريايل ينعرف معدنهم من أول وقفاتهم, وهو البارحة فزع لنا فزعت ريايل, منه هو ما يعرفنا, وأعتقد أنه واضح أنه معدنة أزين وولد ناس, على وقفته البارحة, واليوم لما كلمني, لو شفتيه, كان يتكلم بثقة واحترام, وتحسين من كلامه بأنه صادق في كل كلمه يقولها.
نظرت إلى ما وراء عمتها المقابلة لها مباشرة
لترى ذلك الدخيل الذي يقف على مسافة بضع خطوات منهن
الذي كما يبدو يجيد أساليب السحر والشعوذة
وأكبر دليل كيف جعل عمتها تقتنع بكلامه
وتقف في صفه
وكذلك مريم
تتكلم عنه بكثرة
صرت عينيها لعله يلمحهن ويعي مدى استياءها من فعله
ومن اقتحامه لمملكتها التي حرصت طوال الأعوام الست الماضية بأن تضل محصنة
وبمنى من الدخلاء
أمثاله
كما يبدو بأنه لم يرى تلك العينان المغتاظتان
حيث أنه بدا علي الترقب جليا
لتنتشلها عمتها من عوالم التخاطب البصري
الذي لم يفلح معه
بقولها:
- بعدين يا بنتي, أنت عارفة البير وغطاه, يعني مريم تعبانه ومو قادرين نسفرها لأنه مو موجود ريال يقوم بها في الغربه معك, لا عمك واعي من حوله, ولا أبوك المسكين قادر على السفر وتعبه عسب ها السكري والضغط إلي ذابحينه.
هنا تملكها الانفعال الشديد الذي شد أطرافها, وهي تفشي لعمتها بحشود الأسئلة التي تفتك بعقلها:
- هني مربط الفرس عمتي, هني, ليش يريدني. وش بيستفيد؟ أنا مو صغيرة, أنا عمري 36, وعندي أربع أولاد, وأرملة, وعندي مشاكل مالها أول من آخر, غير أنه أني مو غنية حتى يطمع فيه.
تهلل عيني أم سيف ببريق الفرح من وراء حجاب البرقع, وهي تقول بحماس وقد أمسكت بأول خيط يقودها إلى درب الإقناع:
- شفتي أنت قلتيها يا شمسة بالسانك, وش بيستفيد؟ ما في شيء يخليه يقبل بك كزوجة إلا سبب واحد ( ونصبت أصبعها السبابة أمام ناظر شمسة المتقدة بروح الحيرة ) وإلي هو أنه ريال يريد يساعد بس, ما يريد شيء ثاني.
أجتاحها شعور بقلة الحيلة, وهي ترى عمتها لا تريد أن تتزحزح عن قناعتها الشخصية بأن الدخيل هو المنقذ, أغرقت وجهها بين موجي كفيها, وهي تزفر بيأس, حين عاودت عمتها تحث الخطى نحو طريق القناعية التي شعرت أم سيف بأنها قد دنت منه, فقالت بحنان الأم الصافي, وهي تربت على ذراعي شمسة المتصلبتان من العجز المضرج بريح الغضب المنغرسين بداخلها:

يتبع ,,,,

👇👇👇


تعليقات