رواية مقيده بالاحزان -5
لتضع رحيق أنفاسها فيهما
وتنسكب خصلات شعرها الحريرية على وجهه المشتعل بالحمرة
ومن ثم انتصبت وهي تمسح على شعره الأجعد ذو اللون الليلي
وتغريه بابتسامتها القاتلة له
وقالت وهو يتوسد فخديها ويتطلع للمزيد من غاراتها المحببة إلى قلبه:
- قلت لك أهلك ما يحبونك, يعني أنت كفرت يوم تدينت؟ لا إنت أول ولا آخر واحد يتدين, كل شباب ها الأيام بيوتهم قايمه على الديون.
ليخط ابتسامة ساخرة ويردف قائلا:
- قولي ها الكلام لأبوي, كأن أستغفر الله سويت منكر يوم تدينت.
لتعود لتشحنه على أهله بكلماتها:
- حبيبي محمد, كل إلي تسويه أنت بنظر أهلك غلط, وإلي تسوية أختك المسكينة شمسة صح في صح, وش ها الأهل إلي يميزون بين عيالهم, حرام والله حرام.
أخذ يجول بحدقة عينيه يمنتا ويسارا وهو يقلب كلام زوجته في عقله.
لاحظت ذلك, فأرادت أن تظهر نفسها الحمل الوديع أمامه.
عادت لتنثر خصلات شعرها على وجهه
ليشتم ريح الياسمين يعبق منها
وتدنو بشفتيها نحو أذنه
وتهمس:
- ما أحد فاهمنك مثلي يا حبي.
وضحكت بغنج
لينتهي وقت الحديث
وكذلك التفكير
غرس أصابعه خلال خصلات شعرها
وخنقهم
وسحبها بقوة
بعيدا عنه
ليجعلها تستلقي على السرير مجبرتا
وتلفح وجهها الخائف أنفاسه الملتهبة
ومن ثم ما لبث أن تحول الخوف إلى
ابتسامة واسعة
تشغل أكبر حيز من وجهها
وهو يهوي نحوها
يغدق عليها
بقبلاته
الملتهبة
المتعطشة لجسدها الأسمر اللون
في كل أجزاء جسدها الشبه عاري
وهو يقول في خضم ذلك:
- صدقتي .. يا حصة ... صدقتي ما أحد فاهمني مثلك .. ما أحد ..
لتغمز السنارة
فالفريسة قد ابتلعت الطعم
وتمت المهمة بنجاح
يتبع .
طال انتظاره لتكرم المصعد له والوصول إليه
حاول أن يضغط على الزر مرة وإثنين وثلاث
بلا موحيب
زفر بضيق
ومن ثم قرر النزل على الدرج
أقبل نحو الباب المجاور للمصعد
حيث يؤدي إلى الدرج
وقبل أن يحرك الباب
هجم على مسمعه من وراء الباب صوت ذبحه البكاء
تصرخ قائلة:
- وش فايدة الأهل ييا بوبييه يوم الحين نحن محتاجينهم وكل واحد يتحجج بحجج مالها معنا, أكثر يوم نكون مو محتاجين لهم يعرضون خدماتهم, أهل ما فيهم فايده.
فضوله دفعه لنظر من خلال القطعة الزجاجية التي تعلو الباب
ليجد امرأة ثكلى
منهارة
الدمع أنساب بغزارة
من عينين بات لونهما أحمر
أوجعه ما رأى
من بين شهقاتها الباكية قالت:
- يا بويه ما قصدت بس... والله من قهري مريم بروح من يدي وأنا ما أقدر أسوي شيء ... ما أقدر .. والله قهر ... أفهمني ... أفهمني .. الحين كيف بسافر بمريم وما عندي محرم... كيف ..كيف؟!!
وعادت تسكب سيولا دامية من مقلتيها التين لم تقويا على حرارة تلك الدموع
لم يستطع النظر إليها أكثر من ذلك
فقد آلمه حلها
فشتت نظره بعيدا
ليرى رجلا مقبلا جهته
يريد أن يستخدم الدرج
شعر بأنه من واجبه بأن يحميها
ويجعلها تسكب حزنها بدون أن يقاطعها أحد
فمد يده مانعا الرجل من المضي قدما
وقال له:
- في عمال يشتغلون الحين داخل, فما أقدر اسمح لك تدخل, فالسموحه أخوي.
ليرد الرجل:
- مو مشكلة.
وانصرف
زفر زفرة ارتياح
وعندما أعاد بصره نحو الباب الفاصل بينه وبينها
اصطدم بعيناها الداميتان
لقد كانت لا تبعد عنه سوى مسافة شبر واحد فقط
ارتبك
تشتت أفكاره
فما كان منه إلا الجمود مكانه في خضم الفوضى التي تعم بداخلة
(( أمعقول بأنها شافتني وأنا أشوفها من الزجاج ؟!! ))
سؤال عصف بعقله
وهي الأخرى لم يكن حالها أفضل منه
فهذا الرجل ضخم الجثة
عريض المنكبين
فارع الطول
يكاد يلاصقها
ويأبى التزحزح من مكانه لكي تمضي في طريقها
في البدء ضنت بأنها صدفة
هي كانت تريد أن تخرج من الدرج
وهو يريد الدخول ليستخدم الدرج
لكن وقوفه أمامها كصخرة لا تتزحزح
وكذلك نظره المسلط عليها
مسح هذا الضن من عقلها
فثارت عليه بسياط لسانها المتقد بالغضب:
- لو سمحت بعد من قدامي, وأترك عنك ها الحركات.
في البدء لم يفهم جملتها, ومن ثم ما لبث أن أستوعب ما بين السطور
ليقول مدافعا عن نفسه:
- لااااااااااااااااا
وهو يلوح بكلتا يديه بالنفي مؤيدا لصرخته.
ويكمل:
- أنت فهمتي غلط.
لتبتر جملته بصوت حازم:
- فهمت صح والا غلط .. هذا ما يهم, المهم الحين تبعد عن طريقي, وإلا
لم يعجبه أسلوبها في الحديث وتلمحها المبطن
لهذا استوقفها برفع يده آمرا لها بالتوقف
وقائلا:
- ما يحتاج تهددين أختي
وخطى خطوة واحدة إلى يمينه, وقال والضيق ينحت وجهه, وهو يشير لها بالمضي:
- تفضلي الطريق كله لك.
هي الأخرى لم يرقها تصرفه الساخر, لكن فضلت بألا تعطيه قدرا أكبر من قدره, فهي مدركة تماما بأن هذه الأشكال من وجهة نظرها إذا أعطتهم فرصة فلن يتركونها بحالها أبدا.
فمشت مبتعدة دون إن تنظر إليه
ليقول بينه وبين نفسه وهو يتبعها بنظره:
(( أمعقول هذه نفسها التي كانت تبكي من شويه ؟!! ))
لكن في قرارت نفسه كان يحس بأن هاتين العينان قد مرتا عليه في صفحات حياته الماضية
لم يعر هذا الموضوع الكثير من التفكير
كان يريد أن يهم في الرحيل
حين رصدت عيناه ملاك السعادة يدنو منها
ويحيطها بذراعيه الصغيرتان
ويريها لوحته
لتخرج عيناه من محجريهما
وهو يستنتج الصلة بينهما
(( إنهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا أم مريم
سبحان الله ))
+++ يتبع +++
* (( القيد الخامس )) *
بعينان فاحصتان أخذت تنظر نحو انعكاس نفسها على المرآة الشامخة على جدار الحمام
لحقت بعيناها يدها اليمن وهي تلمس ذلك الوجه باهت اللون
كانت تنظر نحوه كأنها ترى وجهها لأول مرة
وفي نفس الوقت, كانت تقلب كلام أختها القادمة من العاصمة في عقلها التائه في دهاليز الصدمة
(( ريم ... حبيبتي .. ليشت سوين بنفسك كذيه؟!! ليش تعاقبين نفسك على خطأ حميد النذل ؟!! حرام عليك حابسه عمرك في الغرفة ولا تأكلين إلا إذا دخلوا الأكل في ثمك بالقوة, والله حرام, شوفي شكلك كيف صار, رحم أهل المساكين إلي خايفين عليك تروحين من بين يديهم, شوفي إلي إنتِ قاعدة تعاقبين نفسك عشانه, عايش حياته ولا كأنه سوى شيء, ما كأنه هو إلي طلقك بدون سبب, ودمر حياتك قبل عرسك بأسبوع, كان يلعب بك بس يا ريم, أصحي كان يلعب بك, أصحي...أصحي... أصحي ))
" أصحي "
هذه الكلمة ظلت يتردد صداها في ثنايا عقلها
أخذ يتقزم صدى هذه الكلمة
أمام فوج تساؤلاتها اللاوعيية
(( وين حميد؟!! مو لازم يكون معايه الحين, يضمني بحب وحنان!!!! وأنا ... ويني ؟!! ( أين أنا ) مو لازم أكون في مكان ثاني!!!! لكن .. لكن حميد مو هني, وأنا ... وأنا في بيت أهلنا ... ليش؟!!! ليش ؟!!! ))
لتعود تلك الصرخة من وراء جبال الصدمة
تهزها بعنف
" أصحــــــــــــــــــــــي "
وهي لا تزال تحدق ببقايا أنثى من على المرآة
هنا
جاءت صفعت الصحو من متاهة الصدمة التي دامت أسبوعا كاملا تدور فيها بدون أن تجد مخرجا
لقد ذبحها حميد
طعنها في قلبها الذي أسكنته فيه
ورحل
دون أن تاهتز له شعرة
لقد تلاعب بها
حتى أسقطها في شراكه
ومن ثم رماها عظما
لا أحد يكترث بها
ويجرؤ على التقرب منها
لقد أنها حياتها وهي في بدايتها
لقد انتهت
انتهت
انتهت
وضعت كلتا يديها على فمها
وعيناها تكادان تخرجان من بيتهما من شدة قوة ضربة الواقع المريرة
التي كطعم الحنظل
الذي تكاد تتذوقه بطرف لسانها
صرختُ الوجع تسري بكل ركن من جسدها
متوجهة نحو فمها
لتعلن بداية التحرر من صدمة الإنكار
وبدأ عزاء القلب الجريح
أو بالأصح
القلب المغدور
الذي مات بطعن الحبيب
أبعدت حاجز يديها عن بوابة الصرخة المتقدة في جوفها
وأطلقتها
لتهز كيانها المحطم
ظلت تصرخ وتصرخ وتصرخ
والدمع يهطل بغزارة من عيناها المكبلة بالحزن
فقد كبتت تلك الدموع كثيرا
وآن لها الآن المجال للخروج للعلن
وتحرير ولو جزء بسيط من وجع الروح المحتضرة
____
دخلت على غرفة أختها
لتجدها منهمكة في التقليب أصابعها على أزرار هاتفها النقال, والحزن يشوه قسمات وجهها
وقالت متسائلة:
- من قاعدة تتصلين؟!!
نظرت نحوها وقد أجفلها صوتها الذي قتل الصمت المحيط بغرفتها, وقالت:
- بسم الله, كم مرة قلت لك اليازيه دقي الباب قبل لا تدخليني؟
لتقول معتذرة والخجل يكسو خديها الذي ينافس الحليب في لونه بالحمرة:
- آسفة, بس لقيت الباب مفتوح.
وأشارت بسبابها الأيمن نحو الباب المشرع.
لتقول هند:
- مو مشكلة ها المرة بعديها, بس حتى لو كان الباب مفتوحة بعد دقي عليه, أوكي.
ليتهلل وجهها بالفرحة على مرور الأزمة على خير, فهي لا تريد أن تغضب أختها, خاصة وهي في حاجة ماسة لخدمة منها, وقال من فورها:
- أزين بدق .. بدق, بس ما قلتِ لي بمن تتصلن؟
ليأتيها الرد على جوابها تنهيدة طويلة
وحزن أكثر يعتصر وجهها
وهي تقول:
- أتصل بريم.
شعرت هي الأخرى بشلل الحزن يسري في عروق وجهها, وهي تقول:
- ما ردت عليك, صح ؟
هزت رأسها بوجع المهزوم
وقالت بمرارة :
- وشكلها ما بترد, لي أسبوع أحاول, بلا فايدة.
ورمت هاتفها على سريرها معلنتا استسلامها
شعرت بأن عليها بأن تواسي أختها
فريم هي الصديقة الوحيدة المقربة لأختها هند
منذ أيام الجامعة
أي أن عمر صداقتهما يمتد لعشر سنوات
أي أنها هي و ريم عشرة عمر
لا يمكن أن تنساها بليلة وضحاها
شرعت اليازية با المشيي نحو أختها
لتجلس بالقرب منها على سريرها
وقالت محاولة بأن تعيدها إلى طريق الأمل من جديد, وتفجر أساريرها:
- حبيبتي هند, خليها فترة شويت ( بعض ) علين تهدأ الأمور, ويندمل جرحها, ترانه توه في بدايته, وأنا متأكدة أنه ريم بعدين بترد عليك, هو الموضوع بس يحتاج شويت ( بعض ) وقت حتى تهدأ النفوس, شويه , فتحملي.
ووضعت يدها على كف أختها
الملقاة بعشوائية على فخدها
لتبتسم هند باقتضاب, وهي تقول بعد أن أطلقت تنهيدة :
- إن شاء الله يكون كلامك صح.
لتسبق كلماتها ابتسامة عريضة من الأمل, وتقول بحماس تريد أن تغرسه في روح أختها المستسلمة:
- إن شاء الله كلاميي بيكون صح, وبترد الأمور مثل قبل وأحسن, بس أنت لا تتضايقين وتتكدرين, ترانه البيت كله بيتضايق ويتكدر, فأنتِ شيطانة ها البيت, بدونك ما نعرف نضحك.
لتنجح اليازي في سرقة ضحكة من هند, التي انفجرت أساريرها
وتقول من بين قهقهاتها:
- أنا الحين شيطانة البيت, عيل أنتِ وش تكونين؟!!
وضربتها ضربتا خفيفة على يدها المغلفة يدها الأخرى
لتقول اليازية :
- أنا وش ( ماذا ) أيي قدامك يا معلمتي؟
أخت هند تحدق بأختها بتفحص
وقد سرت ابتسامة طرفية على فمها
وقالت:
- أيوه فهمت, ما ييني ها الكلام إلا وراه مقابل, يلا يبي من الآخر يا اليازي, وش تردين؟
فتقمصت اليازية دور الكسيرة وهي تقول:
- الله يسامحك دوم ظالمتني.
لتفتح هند عيناها على مصراعيهما
ومن ثم تقول بدهاء يفوق دهاء أختها الصغيرة:
- خلاص عيل, ما دام أنا ظالمتك, الله يسامحني, ويلا وريني عرض كتافك, بنامل لي ساعة علين يأذن المغرب.
وأخذت تربت على ظهرها, وتأمرها بالانصراف:
- يلا .. يلا ...
لترد على أختها والارتباك جلي عليها:
- هاااااااا.. بس . .. لحظة ... كنت أمزح يا هندوه ... ما تعرفيني... مستحيل إنتِ تظلميني, إنت أصلا أقرب أختي لقلبي.
لتبتر هند كلمات أختها بنفاذ الصبر, وتقول:
- بدينا .. بدينا مقدمات, أخلصي يا اليازيه, وش( ماذا ) تبين ( تريدي ) ؟
لتخنق يد أختهها وهي تقول بفجع الحاجة:
- بس ميتين ( مئتين ) بس.
لتسحب يدها من قيد يد أختها
وتقول وقد قطبت حاجبيها:
- ما عطيتك من أسبوعين خمس مية ( مئة ), وين طارن؟!!
لتعود اليازية تنغمس في الارتباك, هي تبتلع رقها, مستنجدة بفكرة تنجيها
ليعود صوت هند يعلو :
- ها .. ما سمعت ردك.
لتقول اليازيه:
- والله بروجكتات ها الجامعة إلي فلسني, والله أنا وش أبا بها الفلوس, تعرفين الحين فترة تسليم ها المشاريع, وحن المسكينات نخلص من هذا يطلع لنا هذا, فلسونا الله يغربلهم, حتى روح شوفي كبتي, حليلي من زمان ما خيطت لي عباية مثل الخلق والناس.
لتنهي جملتها بتنكيس عيناها
لِتستميل عطف أختها
تأففت هند قبل أن تقول:
- تعرفين يا اليازي بأنه الحين آخر الشهر, وأنا كالعادة مفلسة, لهذا روحي لأخوك العزيز, والله حتى عنا بيتخلا.
لحظتها تخلت اليازية عن دور المتمسكنة
وباتت أكثر جدية وهي تقول بوجع:
- كأنك ما تعرفين أخوك حميد, من صار إلي صار, ونحن ما نشوفه, كيف بطلب منه؟ قول لي, كيف؟!!!
بدأ الغضب يمد أصابعه على وجهها
وهي تقول :
- تعرفين ليش يتهرب منا؟ لأنه عارف أنه غلطان, وأجرم بحق ريم المسكينة, وخايف يواجهنا.
ومن ثم, وبدون ساب إنذار وقفت بسرعة البرق, وقد أحتل وجهها الغضب أخيرا, وغرص جمراته في حروفها الناطقة بها:
- إلين هني وبس, سكتناله وايد ( كثيرا), لازم نواجه, ونعرف ليشي طلق ريم, ليشششششش؟!! فأقل شيء لازم يخبرها سبب طلقه لها, فهذا أقل شيء يسويه ( يعمله ) بحقها ها المسكينة.
___
أنقضت على درج مكتبها
وانتشلت صندوقا صغيرا منه
وقالت بثورة موج يصفع الرمال الراكدة:
- هذه الساعة, هديته لي يوم الملكة, ما أريدهـــــــــــــــــــــــــــــا.
ورمتها بكل ما أوتيت من قوة نحو الأرض المسكينة التي بدأ عذابها لتُ
ثم وهي في قمة غضبها الجارف
سقطت عيناها على ضحية جدية تنام بهدوء وسكينة على ظهر سريرها
فهجمت عليه بدون تأخير
وباغتته بيدها الماسكة له
وألقت به إلى مثواه الأخير
وقالت صارخة:
- وهذا بعد البلاك بري إلي هداني إياه عشان أكلمه, ما أريده ... أريده ..
لم تنبس بحرف واحد
ولم تبدر منها أي فعل
فأخيرا
فجرت أختها ذلك الغضب
التي ضلت أسبوعا كاملا
تكتمه وتقيده بداخلها
لهذا آثرت الصمت والسكون
ولعب دور المتفرج
واقتناص الفرصة المناسبة للتدخل
لم تركد ريم بعد
فالغضب لازال يقودها إلى جنون الانتقام
ولو كان ضحيت هذا الانتقام جمادات لا حول لهن ولا قوة
لكنهن يمثلنه بنسبة لها
والموت هو أنسب حكم في حقهن
صوبت سهام عيناها نحو خزانة ملابسها
وبخطى واسعة اتجهت نحوه
وفتحته على مصراعيه
ليكشف عن ثوب ناصع البياض
يبهر الناظرين له
بجمال تصميمه
ويسر من تقع عيناه عليه
فهو مثل للفرح والبهجة
ليس كما تراه الآن ريم بعينان يتقد فيهما الكراهة
فأمسكت به
وخنقته بين أناملها
وقالت بصوت لم يتحرر من نبرة الغضب المتأجج:
- وهذا بعد, ما له مكان في حياتي, بقطعه, مثل ما قطع قلبي حميد, بقطعه.. بقطعه, وين المقص؟ وين المقص؟
نظرت ناحية أختها الواقفة بدون حراك في وسط غرفة الإعدام
وعاودت سؤالها:
- رحمة ... وين المقص؟ يبي ( أحظري ) لي المقص؟ .. لازم أقتله .. لازم ... لازم.
بنات بوادر الدمع على عيناها التين تأبيان سكبهما
تنهدت رحمة بروح الوجع التي تخنقها عبرة الألم على حال أختها الصغرى
لكن رغم ذلك تمالكت نفسها
فالانهيار لن يساعد أختها
بل سوف زيد وجعها
فذهبت حيث لمحت المقص شامخا بكل كبرياء في كأس مملوء بكومة أقلام على مكتب ريم
وتقدمت نحو ريم وهي محملة بالمقص
أو بأداة الإعدام
وناولته أختها
المتقدة بنيران الغضب المتغذية على حطب الكراهية التي زودها بها قتل قلبها
ما إن أخذته من يد أختها
حتى شرعت بقص الفستان المسكين
الراضخ بكل طواعية لحكمة الجائر
ضلت تقص
وتقص
وتقص
حتى خارت قواها
و
نفثت جزء بسيط من كأس غضبها الناضح بالكراهية
وانهارت على الأرض جاثية
فدموعها المثقلة بالأحزان
زادت من وزن وجعها
فهوت بضعف قد دب في أوصالها
بعد جرف غضب لم تعشه من قبل
عصف بها وهي غضت
فما قوى جسدها عليه أكثر من ذلك
فاستسلمت لدمعها الذي لم يتركها لحالها
والذي آثر على الخروج
بدون إذن منها
هنا
حان وقت التدخل
حسب ضن أختها
التي من فورها
جثت بالقرب من أختها المنهارة
وأحاطتها بذراعيها
وقالت بحنو الأخت الكبيرة:
- أبكي... ولا تخلي شيء في داخلك ... أبكي يا ريم أبكي ..
وضمتها أكثر إلى صدرها
كأن كلمات أختها كانت بمثابة إذن الموافقة لعيناها بإفراز المزيد من الدموع المكبوتة
وضعت رأسها على كتف أختها بخنوع المستسلم لدموعه
وقالت بين شهقاتها الباكية:
- أكرهه يا رحمة, أكرهه, ليش يسوي ( يعمل ) بي كذيه ( هكذا ) ليش؟!! ليش ؟!! وش سويت به عشان يعاقبني ها العقاب؟!!! جاوبيني رحمة, ريحيني وجاوبيني, أرجوك, جاوبيني.
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك