بارت من

رواية مقيده بالاحزان -4

رواية مقيده بالاحزان - غرام

رواية مقيده بالاحزان -4

مسحت دمعتها التي انسلت بدون إذنها من عينها, لتقضي عليها, وقالت:
- إن شاء الله, إن شاء الله يا أمي.
وعادت تنظر نحو أمها, وقدت مسحت روح الحزن ببصيص الأمل الذي بدأ يتسلل إلى قلبها.
لتقابل الأم ابنتها بابتسامة واسعة تخفف من وجعها, قالت:
- وش رايك شمسة, أنا أبات الليلة هني وأنت ترجعين لبيتك؟ وتشوفين عيالك, تلقينهم مشتاقين لك, لهم أسبوع ما شافوك.
لتقول ولهفت الشوق تسكن ثنايا عينيها:
- وأنا بعد مشتاقة لهم وايد, بس والله ما أقدر, ما أرتاح إلا وأنا قرب مريم, إذا رحت للبيت بيظل عقلي وتفكيري هنا.
صرت عينها اليسرى وهي تقول معاتبة:
- وش هالكلام؟ يعني ما تؤمنين مريم عندي؟!!!
قبل أن تدافع شمسة عن نفسها
رن الهاتف النقال الخاص بهما
التي من فورها تعينت الرقم
لتكسوا عيناها نظرة تعجب
لتقابلها شمسة بالسؤال الحائر:
- وش فيك أمي؟ من إلي متصل؟!!
رفعت كتفيها بحركة تنم عن عدم المعرفة وقالت:
- ما أعرف, رقم غرب, خليه يولي, صرعونا ها الهنود يتصلون بسبب وبدون سبب.
ركد الهاتف أخيرا عن الصياح
لتقول أم شمسه:
- وأخيرا سكت ما بغى, المهم وش أنتِ قلتِ, الليلة أنا ببات عند مريم, خلاص.
ليعود يصيح هاتفها من جديد مقاطعا شمسة
لتعاود تعين الرقم, وتجده نفس الرقم الغريب, وتقول والحيرة ملئ وجهها:
- نفس الرقم الغريب, بشوف من هذا.
ما هي إلا ثواني معدودات لبت فيها أم شمسه نداء الهاتف.
- ألو ..
صرخت بأعلى صوتها:
- هذا أنت محمد؟!! ليش تكلمني من رقم غير رقمك؟!!!
فخرجت عيناها من محجريهما وهي تسم الجواب لسؤالها
لتجزع شمسة مما وجه أمها المرتاع
ولتصرخ الأم بملء فمها:
- أنت في مركز الشرطة!!! ليش وش صار؟!!
_________________
كان منكسا رأسه هربا من عيني والده التين كانتا تطلقان عليه رصاصة الغضب من خلال انعكاسهما من مرآة التي تتوسط شباك السيارة الأمامي, لم ينتبه على عصى أبيه التي هوت عليه بدون سابق إنذار, ليتأوه من الألم, ويقول والغصب يعتصر وجهه:
- وش فيك أبويه؟ أنا مو ولد صغير تضربني.
لتزجر الأم كذلك الأب على فعلته:
- وش هذا يا بو محمد؟!! محمد الحين ريال, ليش تضربه؟!
ليرد عليها أبو محمد وهو مقطب الحاجبين محمر الوجنتين من شدت الغضب الذي تملكه:
- من سواته, هذه السوات ما يسويها إلا العيال الصغار إلي ما فيهم عقل, فشلتنا الله يغربلك, آخر أيامي أروح مراكز الشرطة, فشلتي الله يفشلك.
لم يرد عليه محمد بل اكتفى بطأطأة رأسه, فهو يعلم في قرارة نفسه بأنه مهما قال فلن يوقف غضب والده الجارف عليه, لهذا فضل محمد الصمت لكي يخرج بأقل الخسائر الممكنة.
لتتكفل أمه بدفاع عليه بقولها:
- يا بو محمد هدي أنت, الحمد لله الأمور انحلت.
ليبتر جملتها بكلماته النارية:
- تقولين انحلت! لا ما بتنحل علين يرجع الفلوس لريال, والله طلع الريال ولد أصل يوم طلبت منه يمهلك شهر عشان تدبر فلوس وتدفع له, ما ردني, كيف الريال الزين يصاحبك أنت يالدعلة.


ثم أخذ يوخز محمد بعصاه وهو يقول متوعدا:
- إياني وإياك تكسر كلمتي وما تدفع له الفلوس بعد شهر, يأني..
لتبتره زوجته محاولة تهدأة النفوس:
- يا ريال أستهدي بالله, وش ها الكلام, هذا ولدك ما يحتاي تتوعد, وبعدي أنت تعرف أنه ولدي ما يسوي ها العلوم, أقص أيدي إذا ما كانت الحية الرقط هي إلي خلته يتدين.
لتعلو ضحكت أبو محمد المستهزئة, ومن ثم قال:
- والله إنك ضحكتيني وأنا ما أبا أضحك, هذا ولدك هو الحية مو حرمته,دوم يضحك عليك وأنت تصدقينه كأنك ما تعرفين علومة الشينه.
لتتأف أم محمد ومن ثم تقول:
- لا حول ولا قوة إلا بالله, وش ها الريال؟
ليعود أبو محمد يوخز محمد الجالس في المقعد الخلفي لسيارة بجوار والدته, ويقول زاجرا له:
- وأنت يالدعلة المرة اليايه لا تتصل بأمك وتخبره على سواياك الشينه وتقولها لا تخبرين أبويه, سمعت, هذا إلي ناقص تبى أمك تراكض في مراكز الشرطة عند الريايل.
ومن ثم صوب بصره نحو زوجته الذي تجمع الدم في وجهها من الغضب, وقال:
- هذا إلي تريدين شمسة تسافر معه مع بنتها المريضة, تبينه يبلشهم بمشاكله وهي في الغربه, لا والله ما خليها تروح عنده.
ومن ثم أعتدل أبو محمد في جلسته في المقعد الأمامي, وأمر السائق قائلا:
- يلا كبير أسرع, نبى نرجع البيت نرتاح, تعبنا نراكض لها الولد نصلح سواد ويهه.
ومن ثم خط ابتسامة طرفية لم تدم طويلا, وأكملا قائلا:
- والله نكته, بدال ما أهو يهتم بنا, ويرعانا في كبرتنا, أحن نروح نراكض نحل مشاكله .
وهز رأسه بأسى
- هدي يا أختي, والله ما فهمت عليك شيء, لحظة دقيقة راجع لك.
لتلتفت وراءها وتصرخ بصوت هز البيت بمن فيه:
- يالبهم ... قلت لكم سكتوا, ما تشوفون أني أتكلم على التلفون, سكتوا, والله تراني يا يب العصى وأضربكم واحد واحد.
ليعم الصمت بعد زجرها
وتعاود التكلم على الأثير
- حسبي الله على ها العيال ما يفيد عندهم الطيب لازم العين الحمرة, يلا قولي وش كنت تقولين يا صالحة؟
لتصرخ بأعلى صوتها:
- وشششششششششششششششششششششششش ... محمدوه أنسجن , ليش ؟!!
- مديون .. صدق ولد فقر.
لتقول شيخة والحيرة تنضح من عيناها:
- وش فيك معصبه عليه, أنا إلي سجنته عشان تصارخين عليه؟!!!
ليعود صوتها يعلو :
- وش بسبب عملي أنسجن!!!
كانت مستعدة لكي تدافع عن نفسها بكل جوارحها
لكن لمعت في رأسها فكرة
غيرت أوراق اللعبة في عقلها
لقول شيخه بمكر النساء :
- يا صالحة يا أختي يا حبيبتي , أعرفك تلقطينها على الطاير, وش فيك؟ عملي نجح, ومحمد ما بيعرس, من بيؤمن بنته عند ريال رد سجون ومديون بعد, ما أحد, شغل ها المخ شويه.
وابتسامة فخر ردت بعد أن شحنتها أختها بكلمات المديح قالت شيخة:
- شفت عاد, عشان تعرفين أختك ما يخيب لها عمل, روحي الحين أتصلي بحصة, وبشريها بالعلوم الزينه, وقولي لها ما تنسان من الحلاوه .


____________


كان هائما في الخروج حين قالت أمه, وضيق يخطو خطوطه العريضة على محياها:
- أيوه أطلع, أهرب مثل كل يوم, من عملت عملتك الشينه, ما قمنا نشوفك, مستحي صح, عارف إنك غلطان.
لم يرد عليها, فقط اكتفى بإلقاء نظرة عليها, وهم بالمسير من جديد, لم يرد أن يحتك بأمه.
لتقاطع خطواته من جديد بصوتها الجهوري الثائر:
- هذا مو حميد ولدي, لا والله, حميد ما يسوي ها السوايا, ما يطلق بنات الناس بدون سبب, ويخلي الناس يتكلمون عنها بالشين, أنت ما بظرك شيء, بس المسكينة هي إلي بياكل الناس ويهها.
هنا تمرد عن الصمت وقال حميد لها وهو لا يزال موليها ظهره:
- أنا قلت إني أنا السبب.
لترد عليه أمه بنفس درجة الصوت الحادة:
- الناس ما لها إلا الظاهر, وش دراهم إنه أنت السبب على قولتك, المسكينة من الحين بيتزوجها؟ قولي, تكلم ..
كم أوجعه بأن يكون هو الجلاد في نظر من يحب
لكن رغم ذلك
ابتلع وجعه
وصمد في هجوم أمه اللاذع
الذي لا يريد أن ينتهي:
- روح عيش حياتك, ولا يهمك, وخلي المسكينة ريم هي إلي تتعذب, روح ..أنت الكلام عندك ما ينفع..روح .
ورحلت لتتركه يكابد أوجاعه لوحده


قام من مقعده وبث غضبه الذي يتقد في نفسه المضرجة بالأوجاع في صوته:
- دكتور أنا أعرف كل ها الكلام, إلي أنا أعرف الزين أنه كلام ما له أساس من الصحة, بس أعطني المسكنات وخلصني, أنا ورايه أشغال.
ليقوم الطبيب هو الآخر من وراء مكتبه المكتظ بالأوراق, ويقول محاولا إخمد حدت غضبه:
- يا حميد وش فيك انفجرت عليه كذية؟ هدي يا ريال, هدي, والكلام إلي أقوله لك مو كلام مو صحيح, هو كلام صحيح ومثبت علميا, الطب تطور وايد خلال السنتين الفايتتين.
ابتسما ساخرا لثواني قلائل, ومن ثم قال بنبره دنت حدتها:
- نفس الجملة, أنتم الأطباء ما تملون من أعادتها.
زفر الطبيب ما في رئتيه, وقال:
- يا حميد, أنت أقعد وهدي, وخلنا نتفاهم.
ليهز حميد رأسه بضيق, وينظر إلى أعلى وهو يردد قائلا:
- لا حول ولا قوة إلا بالله, لا حول ولا قوة إلا بالله.
ثم يعيد تصويب عيناه المصممتان نحو الطبيب, ويقول بنبرة لا تهزها مشاعر التردد:
- دكتور خالد, أنا قلت لك ما أريد أتعالج, خلاص, نقطة انتهى السطر, عطني الحين الوصفة وإلا تراني بروح لأي مكان ثاني آخذ منه الأدوية.
ومد يده مستعجلا إياه الطبيب بكتابة الوصفة.
مسح الطبيب على وجهه بقلة حيلة, ومن ثم قال كآخر محاولة لاستجداء عاطفته لكي يعود لطريق السليم:
- وأمك وخواتك, ما فكرت بهن؟ تريدهن يخسرنك كما خسرن أبوك من قبل؟ من بيرعاهن من بعدك, قولي؟
غمس حمد وجهه في كلى يديه, وضل على هذه الحال لبضع دقائق
والطبيب لم يعتقه من مجهر عيناه المترقبتان لرده
ليحرر حميد وجهه من حاجز يديه
ويقول:
- خلاص .. ما أريد منك شيء, خل وصفتك لك.
واندفع نحو الباب
حين استوقفه صوت الطبيب:
- خلاص بعطيك الوصفة.
ألتفت نحو الطبيب الذي بانت عليه علامات عدم الرضا, والذي بالفعل شرع في تنفيذ ما قال.
ما إن انتهى من كتابة الوصفة, حتى قام من كرسيه وتوجه نحو حميد المنتظر بالقرب من باب المكتب.
مد الطبيب بعد أن أصبح مواجها لحميد ورقة الوصفة الطبية
والذي بدوره حميد مد يده ليأخذها
إلا أن الطبيب بحركة سريعة أبعدها عن متناول يد حميد الذي استغرب فعله
وقال الطبيب:
- الأول لازم تروح معايه مكان, وبعدين بعطيك الوصفة, لا تخاف ما بخدعك.
أخذ يحدق به حميد لثواني
ومن ثم رضخ لطلب الطبيب مجبرا.


_________
منذ دخل المنزل وهو يدور في أرجاءه, لم يركد في مكان, فجمر الغضب يلهب صدره.
أقبلت نحوه بغنج مصطنع
فالفريسة أصبحت لها وحدها
تستطيع أن تنقض عليها في أي لحظة
بدون منافس
بعد أن جاءتها الأخبار السعيدة من أمها
مدت يدها نحوه
لتسكنها ظهره
فتجفله
هو الذي كان في أوج غضبه
لينفذ جز من غضبه عليها:
- وش فيك حصة ؟ ما تشوفين أفكر.
لترد عليه بهدوء لم تكن تعرفه قبل, وتقول بصوت حاني وقد جعلت شفتيها تتزين بابتسامة جذابة:
- إلي فيه, إني ما أقدر أتحمل أكثر أشوفك في ها الحال يا حبيبي, ما يهون عليه أشوفك مغتم ومتضايق وأنا قاعدة كذية ما أسوي شيء, حتى قلبي يعورني عليك, ها حسبه بنفسك.
ولتمسك بيده اليمنى, وتضعها على قلبها
وهي مدركة لنقط ضعف فريستها
ولهذا بدأت باستغلالها
لكي تعود من جديد خاتما في أصبعها
تفعل بها ما تشاء
لم يدم انتظارها لرؤية نتائج ما نفذته من مخططها الشيطاني
فقد بدأ العرق يتصبب من جبينه
وهو مسمرون عيناه نحو يده الساكنة على صدرها
ابتسمت ابتسامة النصر
وقالت:
- وش رايك نروح لغرفتنا وتفضفض لي هناك.
لم يكن معها, فقد كان ف عالم الخيال اللذيذ.
ليرد عليها كالأبله:
- هاااااااااااااااااااااا
لتمسك بيده اليسرى
وتقوده قائلة بدلع مفتعل:
- تعال حبي, خلني أريحك, فأنا الوحيدة إلي تفهمك في ها العالم.
فتبعها بدون مقاومة
فسلاحها الأنثوي لا يمكن أحد بأن يقاومه
خاصة بنسبة لشخص مثله
لا يشبع أبدا


مد أصبعه أمامه, وقال:
- تشوف ها العيال الصغار.
تتبع أصبع الطبيب الممتد, لتقع عيناه على أطفال في عمر الزهور, يلعبون ويضحكون, ويرسمون, دون أن يأبهوا بما حولهم.
نظر نحو حميد قاصدا, وقال وقد فتح عيناه على مصراعيهما لكي يلتقط ردت فعله:
- إلي تشوفهم كلهم قدامك, فيهم السرطان.
هنا هجم حميد بعيناه المندهشتان ناحية الطبيب
لتتكفل تعابير وجهه بالقول عما يحس به الآن
بدون أن يعبر بلسانه
ابتسم الدكتور باقتضاب, ومن ثم أردف قائلا:
- متفاجئ صح, من حقك, كيف ها الأولاد إلي يأكل فيهم ها المرض, يلعبون كأنه ما فيهم شيء؟
وأخذ نظرة خاطفة على الأطفال المنهمكين باللعب
ومن ثم عاد يسلط ضوء عيناه على حميد, وأكمل قائلا:
- الجواب بسيط, هو النفسية, فقط النفسية.
ونصب أصبعه السبابة مؤيدا لكلامه.
وأكمل الطبيب كلامه, وقد لاحظ الاهتمام الذي يبديه حميد لسماع ما سوف يقوله:
- إذا كانت نفسيتك مقاتله, وتأبى الاستسلام, ومتمسكة بالحياة, وتقابل المرض بابتسامة, فالمرض سبحان الله يتراجع, وأما إذا كانت نفسيتك مستسلمة لمصيرها, ومكتئبة, هذا بمثابة الوقود للمرض, يغذيه فيكبر ويكبر ولا تنفع أدويه ولا علاج له.
نكس حميد عيناه لثواني
ومن ثم عاد ببصره نحو تلك الملائكة الصغيرة
الباسمة الضاحكة
المتجردة من قيود الحزن
وهو مندمج في النظر إلى وجوههم الباسمة
لاحظ طفلة تركض نحوهم
والابتسامة تنير وجهها الذي نهش به المرض.
تعجب
لكن لم يطل تعجبه
حيث أن الطفل أقبلت نحو الطبيب خالد
وقالت ببراءة الطفولة النقية التي لم يسلبها منها المرض العين:
- دكتور شوف ... شوف.
ومدت نحوه قطع ورق
وأخذ تقفز والفرحة تقطر من وجهها الطفولي
جثا الطبيب خالد أمامها
وبابتسامة واسعة قال وهو يمسك
الورقة:
- أهلا مريوم... وش هذا؟
لترد وقد زادت مساحة ابتسامتها:
- اللوحة إلي طلبت مني أرسمها.
مدت أصبعها الذي فقد تورده نحو اللوحة
وأخت تقول والبسمة تأبى الرحيل عن شفتيها:
- هذا هو الأسد, شوف .. شوف .. ومعاه أولاده.
ليقول والإعجاب ينطق من عيناه:
- الله حلوووووووووو وايد .. طلعت رسامة خطيرة.
لتقفز ووجهها تهلل بفرحة المنتشي بانتصاره, وقالت:
- صدق دكتور .. صدق ..؟؟؟
ليهز رأسه بالإيجاب
وأردف قائلا:
- وعشان تصدقين, بنخلي صديقي حميد, يشوف اللوحة ويقول رايه بها, موافقة.
لتهز رأسها بعنفي الشغوف بنعم
فرفع الطبيب يده المحملة نحو حميد, وقال:
- وش ... رأيك حميد, مو حلوه رسمت مريم.
نظر نحو ذلك الكائن الصغير الواقف أمامه
ليغرق في عيناها الواسعتان
المتطلعتان لجواب يسعد قلبها الصغير
ابتسم
أمسك باللوحة الممتدة له
وألقى عليها نظره فاحصة
وقال بنبهار:
- واااااااااااااااااو وايد حلوه.
لتعود تقفز من الفرح ومهللة:
- هي هي هي .
فقال الطبيب:
- ما قلت لك أنه رسمتك حلوه... هل شافتها أمك ؟
فتوقفت مريم عن القفز لترد على الطبيب:
- لا راحت تتكلم بالتلفون... يوم ترجع بخليها تشوفها.
الطبيب:
- أنا متأكد بأنها بتعجبها وايددددددددددددددددددد.
ومدى يديه بجهتين متعاكستان
كان حميد قد تقمص دور المتفرج
يرصد كل حركات ذلك الكائن الصغير
الذي بالكاد بدأ مسيرته في الحياة
ليباغته هذا المرض البغيض
ويخنق أنفاسه
لكن رغم ذلك
لا توجد بواد لليأس على وجهها الندي
لا تزال تضحك أمام وجهه الألم
قال في سره ليلخص وجعه :
(( حرام ها الملاك الصغير يموت, حرام ها الابتسامة تنمسح, حرم ها الطفلة يسرقها الموت من أهلها, ليش يا هالمرض تجبرت وتعنترت على ها البنت الصغيرة؟ ليش .. ليش.. ))
أخرجه من الغوص في أعماقه الثائرة صوت الطبيب وهو يناديه:
- حميد ...حميد ...
ليرد عليه وهو لا يزال بين العالمين:
- هااااااا .. وش هناك؟!!
ليرد على سؤاله الطبيب:
- وش فيك أنت؟!! .. شكلك ما سمعت إلي قلته ..على العموم كنت أسألك وش تريدنا نخلي مريوم ترسم لنا المرة اليايه.
ليرد وقد فوجئ بالسؤال:
- هااااااااااااا.. .. ما أعرف...
ثم نظر نحوها
لتقول وترقب يسكن عيناها البنيتان:
- أطلب مني أرسم أي شي.. أنا أعرف أرسم أشياء وايدددددد..
وفتحت يديها على مصراعيهما.
ابتسم لحماسها, فأخذ يفكر, فلم يكن يقوى على قتل هذا الحماس وهو في المهد
أنحنا نحوها, وقال وابتسامة تسطع من شفتيه:
- وش رايك ترسمين أبوك وأمك وأنت.
ليجد الفرحة تضوي في وجهها
وتقول بحرقة المحروم:
- ما أعرف أرسم أبوي ... لأني ما شفته, فهو مسافر من زماااااااااااااااااااااااااااااااااان.
نظر نحو الطبيب خالد ليتأكد مما أستشفه من كلام مريم الأخير
ليجده بهز رأسه له يؤكد ما توصل إليه من حقيقة توجع القلب
أرتبك
تشتت تفكيره
ماذا يفعل
ماذا يقول
فجأه المنقوذ من تلك الروح المرحة التي تسكن في جسدها المتهالك
وهي تقول:
- بس أقدر أرسم أمي وفاطمة وحمدان وحامد وأنا . ... تريد أرسمهم لك.
ليهز رأسه بمعنى نعم
وفي داخله يقول :
(( حرام هذه الروح السعيدة إلي ترفض الحزن أن تموت, حرام .. ))
قال الطبيب لها:
- شوفي ها المرة بعطيك هدية يوم تخلصين اللوحة, وش رايك؟
بحماس يهز كامل جسدها قالت:
- أيوه أيوه أيوه.
قال حميد وهو ينحني نحوها, وقد استمد ابتسامة فرح من مريم:
- لا .. أنا إلي بهديك هدية كبيرة وايد يوم تخلصين اللوحة.
لترد عليه مريم بفرحة لا تسعها الدنيا:
- صـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدق
ليهز رأسه بنعم
لتباغته بقبله سكنت خده الأيمن من فرط سعادتها
وهو مشخص العينان من المفاجأة
وتردف قائلة:
- الحين بروح برسم اللوحة... وأنت روح ييب الهدية الحين يلا يلا ...
وأخذت تشير له برحيل
ليرد عليها بعد أنا ذهبت سكرت المفاجأة والبسمة لاتزال رفيقه:
- لا مو اليوم خليها باكر, لأني أباها حلووووووووووووه وايد.
مريم:
- أزين بست توعدني إنك باكر تيب الهدية, وإذا ما يبت الهدية ما بخليك تشوف الصورة.
وقطبت حاجبيها
ومدت شفتيها
لينفجر كل من حميد والطبيب ضاحكين
أخيرا ضحك
ضحك من قلبه
فهو لم يذق طعم الفرحة منذ فجع بخبر مرضه بالخبيث
ضحك ضحك تنعش روحة قبل جسده
ومن ثم أردف حميد قائلا:
- أوعدك .. أوعدك ...
وعاد يكمل ضحكته التي لم يردها أن تهجره
وجدت البسمة من جديد طريقها على شفتيها وقالت:
- يلا لازم أروح ابدأ أرسم عشان أخلصها باكر, قبل لا تجي, يلا باااااااااااااااااااااااااااااي.
وأخذت تلوح بيدها مودعة
ليلوح كلن من حميد والطبيب مودعين كذالك
وروحها المرحة قد داعبت شفاههم
لترسم البسمة عليها
نظر نحوه
ليجد أن حميد لازال يلوح مودعا لمريم
وابتسامة واسعة تداعب شفتاه
شعر بأنه حقق ما ابتغاه من هذه الزيارة
ومن ثم قال له وهو يمد الوصفة الطبية نحو حميد, لكي يتأكد من نجاح خطته:
- خذ حميد, هذه الوصفة مثل ما قلت لك, بس لا تنسى بأن ها المسكنات مع الوقت ما بتفيد.
نظر نحو الطبيب الواقف بجواره
ومن ثم صوب عيناه نحو الورقة الساكنة بين أصابع الطبيب خالد
وابتلع ريقه
وأخذها
بعينان يقدحان بالشرر
وبوجه يغلي من الغضب
أسترسل بقذف كلماته الملتهب:
- خلني ما أسوى بيسه عند الريايل, ولا في السيارة قعد يضربني وكلمني كأني ياهل قدام السواق, ما كأني ريال خطت شواربه ولحيته.
دنت نحو شفتيه
لتضع رحيق أنفاسها فيهما
وتنسكب خصلات شعرها الحريرية على وجهه المشتعل بالحمرة
ومن ثم انتصبت وهي تمسح على شعره الأجعد ذو اللون الليلي
وتغريه بابتسامتها القاتلة له
وقالت وهو يتوسد فخديها ويتطلع للمزيد من غاراتها المحببة إلى قلبه:
- قلت لك أهلك ما يحبونك, يعني أنت كفرت يوم تدينت؟ لا إنت أول ولا آخر واحد يتدين, كل شباب ها الأيام بيوتهم قايمه على الديون.
ليخط ابتسامة ساخرة ويردف قائلا:
- قولي ها الكلام لأبوي, كأن أستغفر الله سويت منكر يوم تدينت.
لتعود لتشحنه على أهله بكلماتها:

يتبع ,,,,

👇👇👇


تعليقات