بارت من

رواية مقيده بالاحزان -3

رواية مقيده بالاحزان - غرام

رواية مقيده بالاحزان -3

أقبلت عليها ولهفت العتاب تنضح من عيناها, مع مزيج من الهلع الأموي يحيط بثنايا وجهها:
- وش هذا يا شمسة؟ .. ليش ما خبرتينا البارحة يوم تعبت مريم ؟!! لو ما قعدت أتصل بك وألقى تلفونك كله مغلق.. وبعدين اتصلت للبيت وفطوم خبرتني .. كنت ما بعرف .. متى بتتركين ها العادة الشينة عنك؟!!
لترد عليها, والدمع يتربص بمقلتيها المحاطتان بحمره كستهما من كثرت البكاء, وقالت بصوت أعياه السهر, وكبلته الروح الباكية:
- والله ا أمي ما كنت أريد أتعبكم, أعرف كنتم مشغولين بموضوع محمد.
لتقاطعها وهي تزجرها قائلة:
- وش ها الكلام يا شمسة؟! مريم أهم وألا موضوع أخوك أهم ؟!! لازم مريم أهم ما يحتاج تفكير... ما أعرف كيف أنت تفكرين ؟!!
ومن ثم هزت رأسها بأسى, ونفضت تلك الروح الغاضبة, وقالت:
- نسيت حتى أسلم عليك من الضيق من فعلتك ... المهم اتركينا من هذا وطمئنيني وش قال الدختور؟
وهجمت عليها بمجهر عيناها التواقتين لخبر يثلج الصدر ..
لترصد عيناها, فك ابنتها السفلي وهو يرتعش, والدمع تمرد على مقلتيها, ونفجر, وقالت بحرقة لم تهجر روحها المعذبة منذ ليلت البارحة:
- قال ... قال بأن حالها تدهورت وايددددددددددددددددددد ... ولازم نسفرها بسرعة تتعالج بره .
لتطلق العنان لبكائها الموجع, الذي أدمى قلب أمها ...
التي ضمتها بقوة, لعلها تبعث لها بالقليل من السكينة, وقالت وقد حاولت بأن تظهر الجلد في معالم وجهها, وصوتها, فإذا انهارت انهار الصرح كله:
- بس يا شمسة .... تعوذي من بليس... إن شاء الله بتسافر وبتتعالج ... وبترجع مثل قبل وأحسن بعد ... بس أنت هدي .. هدي ...
لتتمرد عن حضن أمها, وترفض وجودها فيه, وتقول وقد خطت الغضب المضرج بالحيرة في عيناها:
- كيف يا أمي بتسافر... كيف ؟!! كأنك ما تعرفين الحال !!!
لترد عليها بابتسامة أمل تريدها أن تصيب بها قلب ابنتها المثقل بالأحزان ...
وقالت:
- هذه مو مشكلة, الدولة ما تقصر, وبتسافر وتتعالج, بس أنت هدي أعصاب, وإن شاء الله الأمور بتنحل, بس هدي , فإذا شافتك المسكين بهذا الحال, بتخاف... وهي مو ناقصة ...
وأخذت تمسح على يد ابنتها المرتعشة من برد البكاء ...
وألقت نظراتها على الكائن ضئيل الحجم, المكبل بأسلاك لا تنتهي ...
لتتبعها ابنتها بعينيها ...
لترى هي الأخرى ما يدمي فؤادها....
نائما على السرير أبيض اللون ...
لا يعي ما يتربص به ببطء ...



كان يقدم قدما ويعيد الأخرى إلى الخلف ..
كانت هذه حالة منذ أكثر من ساعة...
برغم أنه طوال الليل كان يهيئ نفسه لهذه اللحظة ...
اللحظة المصيرية في حياته ...
التي سوف تذبحه من الوريد إلى الوريد ..
إلا أن قواه خذلته في آخر لحظة


( ( لا ما أقدر أعملها ... ما أقدر ... بس لازم لازم أسويها ... طول الليل وأنا أجهز نفسي لهذه اللحظة .... إذا تراجعت الحين ... ما بقدر أعملها مرة ثانيه .. أنا عارف ها الشيء ... يلا يا حميد تحرك ودق الجرس ... وإن شاء الله الباقي بيهون ... هذا القرار الصحيح فلا تتراجع عنه ... لا تتراجع ))
أدخل ما قوت رئتيه على احتوائه من الأكسجين ...
وكأنه يشحذ الهمة للمضي قدما في تنفيذ قراره الذي أتخذه لليلة البارحة
ووقع عليه موافقته
وما إن أخرج الهواء من صدره
حتى تجمدت تعابير وجهه
التي كانت منذ ثواني يخنقها الألم
وخطى تلك الخطوتين التين سوف تحددان مصيره المقبل...
وقبل أن يضغط أصبعه جرس الباب
إذا بصوت بوق سيراه يقاطعه
فانتفض جسده لمباغتته له على حين غيرة منه
نظر نحو مصدر الصوت
ليجد سيارة
bmw
عائلية
فتحت إحدى مراياها
لتكشف عن وجه باسم
ويقول:
- السلام عليكم حميد.
حاول أن يقابل ابتسامة الرجل بابتسامة حتى ولو كانت باهتة
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته عبد الله , كيف حالك ؟
ليترجل الرجل من سيارته
ويقبل نحو حميد
والبسمة لم تفارقه
لتتصافح الأنوف قبل الأيادي
ويرد الرجل عليه :
- بخير, الحمد لله, كيف حالك يا معرسنا ؟
لم يرد عليه, فقد التقط رادار عيناه صورة الحبيب
القابع خلف شباك السيارة الخلفي
ابتلع ريقه وهو يسرح في عوالم اللقاء الأول
فهو نسخة كربانية عما يراه الآن
لقد كانت تحادث من وراء باب السيارة أخته هند التي قامت هي بإيصالها
فهما كانتا يدرسان في نفس الكلية
كان هو خارجا لرؤية أحد أصدقائه
حين حباه الله فرصة بأن يرى هذا الملاك العائش بين بني البشر
عينان واسعتان
يحمينهما رموش طويلة
تتوسطانهما أنف حاد المعالم
يقبع في قاعه
فم صغير
محاط بجنديان من الشفاه كرزية اللون
كل هذا يعيش على أرض وجه طفولي
تقطر البراءة منه
فز قلبه لما رأى
ليعلن حالت عشق عاصف
ومن أول شرارة
حب حكم عليه بالموت قبل أن يلتقي الأحبة حتى
أوجعه ذلك الخاطر
انتشله صوت عبد الله الجزع
والذي أحاط يده بذراع حميد
وأخذ يهزه
لينقذ حميد من الغرق أكثر في بؤرة الوجع القاتلة
نظر إليه بعينان تائهتان
قال عبد الله الذي بان الخوف عليه, وسلب ابتسامه :
- خير يا حميد, وش فيك ؟؟!! لي وقت أكلمك وأنت مو معايه .
رد علي سؤاله بصوت واهي:
- ما شيء, بس سرحت شويه.
وعاد ينظر إلى من سرق قلبه
ليتتبع عبد الله عيني حميد, ومن ثم يقول وابتسامة ماكرة تخط على شفاهه:
- أيوووووووووه قلت لي سرحت
وضل يسهب في كلامه ممازحا لحميد
الذي عاد ليقذف بنفسه في حديث النفس
(( الله خالك تشوفها ذلك اليوم حتى تعشقها والله الحين يرسلها لك عشان تخلص الموضوع وتريحها وترتاح ))
رفع بصره نحو السماء
ومن ثم شعر بقوة جارفة تدب في جسده
فعاد لينظر إلى عبد الله الذي كان لا يزال يتحدث
فيقاطعه خوفا من زوال هذه القوى السحرية :
-
- عبد الله, ممكن أكلم ريم إذا أمكن؟
نظر إليه متعجبا, قبل أن يقول بصوت لم يخلو من نبرة الاستغراب:
- تكلمممممم ريم !!! ليش؟!!
ليرد, ولم يعر بالا لتعجب عبد الله:
- بتعرف بنفسك بعدين, الأول اسمح لي أكلم ريم, أرجوك الموضوع ما يحتمل التأجيل, أرجوك ..
التفت إلى خلفه حيث تجلس ريم, ومن ثم عاد ينظر بتفحص نحو حميد, الخاوي من التعابير البشرية في تلك اللحظة, وبعد طول صمت قال:
- حاضر, بروح أناديها لك.
دنت الساعة المرتقبة
التي صارع من أجلها كثيرا روحه الرافضة للقرار المجحف بحق قلبه
لتنزل من السيارة بعد حديث دار بينها وبين أخيها
وتكشف عن جسد ممشوق القوام
مكسو بعباءه
ليفز قلبه
مثل ما صار له مع أول نظره
أخذت تقترب منه باستحياء
ومع كل خطوة
يزيد نبض قلبه المتمرد لفعله
وتهرب أنفاسه الثائرة عنه
أخيرا
أصبحت أمامه
دق ناقوس النهاية
قالت من وراء نقابها, وقد نكست عيناها بخجل عذري:
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يا حميد.
ليرد عليها, برعشة تجلت على صوته, فإعصار مدوي من المشاعر المتناقض, بين مؤيدة ومعارضة, يعصف بداخله المحطم:
- وع ...وعليكم السلام.
لتسأله بصوت هامس:
- كيف حالك ؟
ليرد عليها بصوت راجف, تشتت كلماته :
- بخير ..بخير.
ثم عاد الصمت يزور المكان


ضلت تترقب كلماته
وهو يقاتل من أجل أن تخرج هذه الكلمات من جوفه
طال صمته
وطال انتظارها
فكان لابد بأن تقتل هذا الصمت الذي جعل الحيرة تتسل إلى عقلها بسؤالها, وقد طأطأت رأسها أكثر من قبل:
- خير يا حميد؟ عبد الله يقول تريد تكلمني في موضوع مهم.
لااااااااااااا
يوجد من مفر
ولا ملاذ
سؤالها هذا حاصره
أغلق منافذ الهرب عليه
إذا لا خيار أمامه إلا إلقاء القنبلة
التي صحيح سوف تألمها في البدء
لكن لن تقتلها ببطء
لن تعذبها
عاد يلملم شتات قواه
ويشحذ بها صوته
ليدفع بتلك الكلمات الآبية للخروج
من فمه:
- ريم, إلي بقوله لك مو إنت السبب فيه, أنا .. أنا السبب, إنت بنت والنعم فيك, ما شيء ينعاب فيك, بس أنا فيه المشكلة... فيه أنا .. أنا ...
بدأ يشعر بأن قواه تريد أن تخذله
لهذا قرر أن يرميها قبل أن يعود لنقطة الصفر
- ريم إنت .. إنت طالقــــــ ...
ارتعش صوته في آخر حرف نطقه
لقد قالها
نعم نطق بها
وذبح نفسه
قبل أن يذبحها
أخذت تحدق به
والجمود يكسو قسمات وجهها
لا رد منها
لا ردت فعل تبدر منها
فهي لم تستوعب ما الذي تسلل إلى مسمعها منذ قليل
أما عبد الله
فقد أقبل إليه مسرعا
وفي محياه الدهشة مرسومه
وأخذ يسأله:
- وش هذا يا حميد ؟!! قاعد تمزح أنت؟!!!
أراد أن يصرخ
أراد أن ينفجر باكيا
لكن لم يفعل شيئا من ذلك
ولن يفعل
سوف يضل يكتم في داخله
ويكتم
ويكتم
ويكون هو في نظر الجميع المجرم
لكن لا يكترث
فهو يعلم جيدا بأن فعله هذا
سوف ينقذها من العيش مع شخص حكم عليه بالإعدام
نظر نحو عبد الله الذي احتقن وجهه بالدم, وقال بصوت خاوي من الحياة, فهو مسلوب الروح الآن:
- خلاص, انتهى كل شيء.
وأولاه ظهره وذهب نحو سيارته
وعبد الله الثائر المائج
يصرخ باسمه
ويأمره بتوقف
لكن ما من مجيب
لم يلتفت
ولن يلتفت إلى الوراء
لأنه سوف يضعف
سوف ينهار
إذا راءها
لهذا أكمل خطاه
ورحل
وهو في داخله عاقد العزم على أن لا يعود
بدأت أنفاسها تعلو صوتها
حين بدأ عقلها استيعاب الذي جرى بعد أن تحرر من وطأة الصدمة
وضعت يديها على عنقها
وهي تحاول استجداء الأكسجين لكي يزور رئتيها
لكن بلا فائدة
فصرخت مستنجدة بأخيها
فهي تشعر بأن روحها سوف تخرج من جسدها:
- عبد اللـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ــــــــــه ... إلحقنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ ــي


+++ يتبــع +++

*(( القيد الرابع ))*

يومه العصيب لم ينتهي
لازالت سلسلة المواجهات في بدايتها
ها هو الآن سوف يواجهه أمه وأخواته ويلقي عليهن بخبر تطليقه لريم
سوف يتلقى صفعة أخرى بكل تأكيد
تزيد من نزفه
وأوجاعه
لكن لم يعد يهمه شيء
فقد تبلدت مشاعره
نعم
لقد صارت من جليد
وكيف لا وقد نحر حبيبته بيديه هاتين
سوف يسهل الباقي أمام ذلك الفعل الشنيع الذي أرتكبه في حق نفسه قبل أن يكون في حق ريم
جذب ما يستطيع عليه من أكسجين إلى صدره
وأقبل نحو صالة حيث أمه وأخواته الثلاث يجلسن يتسامرن
وأخذت القنبلة تبد عدها التنازلي
زفر الهواء من صدره مصحوبا بالسلام:
- السلام عليكم .
لترد عليه أخته هند مازحة:
- حي الله من شافك, شكله البيت غادى فندق بالنسبة لك ها الأيام, إذا ما ييت أحسن.
ضربتها أمها ضربة خفيفة على فخذها وقالت لها :
- ما تشوفين أخوك تعبان وأنت قاعدة تضحكين عليه.
لترد هند ونظرت انكسار في عيناها, وهي تمسح فخذها:
- وش قلت أنا ؟!!!
لتشير لها أمها بصمت, وتقول آمرة :
- جب أنت جب ...
لتتأفف هند وتقول:
- ما كنت أمزح.
لم ترد عليها أمها بل صوبت عيناها نحو ابنها الذي كان واقفا مطأطأ الرأس, وقالت:
- تعال حميد, تعال أقعد ويانا, خلنا نتكلم مع بعض, من زمان ما قعدت معانا, لا تراكض تجهز في ها العرس, أرتاح , أرحم عمرك.
حان وقت التفجير, لقد ابتلع ريقه بصعوبة, وفجر الخبر في وجوههن:
- ما بيكون هناك عرس, أنا .. أنا .. أنا طلقت ريم.
ليحدقن به والصدمة تنحت عيونهن قبل وجوههن
ليعم الصمت لثواني قلائل
ومن ثم تقوم أمه والصدمة لا تزال ترافقها وقبل أن تنبس بحرف
قاطعها بقوله:
- أعرف با تسأليني ليش ... جوبه لسؤالك بيكون أنا السبب البنت ما فيه أي عيب, بس أنا ما عدت أبغيها, أنا السبب.
ورحل وقد شعر برعشة تهز كيانه
ولم يرد أن ترصدها أعيون أمه وأخواته
الآتي كانت أمواج الصدمة تصفعهن تارة يمنتا وتارة يسارا.


فتح الباب الرئيسي للمنزل, ليفاجأ بشخص كان يتهرب منه في الفترة الأخيرة واقفا أمام بابه
لقد فات الأوان للهرب
بادر الرجل باللقاء السلام:
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ومن ثم تبعها بتحيت الأنف
ليرد عليه السلام, وفي داخله يفكر بوسيلة لتملص من هذا الضيف الثقيل على قلبه:
- وعليكم السلام, كيف حالك أسماعيل؟
- الحمد لله, كيف حالك أنت يا محمد إن شاء الله بخير ؟
- بخير الحمد لله, يسرك الحال يا خميس.
أخيرا بعد طول بحث لمعت في رأسه فكرة للهرب بأقل الخسائر.
فنفذها محمد من فوره:
- أسمح لي يا خميس, كنت بخليك تدخل, بس المحرمة والخدامة قالبات البيت فوق حدر, ما حلالهن التنظيف إلا اليوم, وقت العطلة.
وبين سطور هذه الجملة معنى مبطن بأن ترحل يا أيه الضيف الغير مرحب بك
ليرد عليه خميس بابتسامة, ويقول:
- مو مشكلة , أنا أصلا ما ييت عشان أقعد, بس بقولك كلمتين ورايح.
ابتلع محمد ريقه ببطء وهو مدركن عما سوف يحدثه عنه
لم يسعفه عقله بمنفذ آخر
فرضخ مجبرا للإصغاء لخميس
ليقول والبسمة على محياه:
- في الأول مبروك سمعت إنك بتعرس للمرة الثانية.
أخذ يحك على شعره الأجعد العاري
والارتباك تملك كل خلاياه
ويرد محمد بصوت بالكاد يمكن سماعه:
- الله يبارك فيك.
خميس:
- تعرف أنه أنا عتبان عليك, يعني أنا صديقك الروح بالروح أعرف من الغريب, ما عيبني هذا منك.
ليعود ليبتلع محمد ريقه الجاف, ويقول والارتباك قد وصل لصوته:
- والله الموضوع صار بسرعة.
خميس:
يلا ها المرة بعديها بس المرة الثالثة ما بعديها, هذه إذا كانت فيه مرة ثالثة.
وانفجر ضاحكا
ليسايره محمد مجبرا بضحكة مصطنعة
ويقول خميس بعد أن توقف عن الضحك:
- المهم هذا مو موضوعنا, الموضوع إلي يتك فيه هو فلوسي.
ليرد محمد ببلاهة مقصودة:
- ها اااااااااااااااا فلوسك ؟!!
ومن ثم ارتدى محمد قناع المسكنة وهو يقول:
- يا حسرة منين, أنت عارف الحال يا ربيعي.
لترحل روح المرح, وتهجم روح الضيق نفس خميس:
- يعني تريد تفهمني بأنه ما عندك فلوس, كيف عيل بتعرس ها؟
ليعود الارتباك يهز داخله, ويشتت أوراقه, ويرد محمد بكلمات مشتته غير مفهومة للسامع لها:
- والله . ... هو .. أمكن ... لا .. لتساهيل ... يعني .. أمكن نؤجل العرس علينا الله يفرجها.
هنا تجلى الغضب في وجه خميس وقال بنفاذ صبر:
- لا علين هني وبس يا محمد, صبرت عليك وايد, وعلى شردتك عني في الشهور إلي مضت, تحسبني ما حسيت, والحين تكذب عليه عيني عينك, تحسبن ياهل قدامك, لا أنا ريال ..أفهم وألقطها على الطاير, بس كنت الأشهر الماضي أعديها لك عشان نحن أصدقاء وما حبيت أن أضغط عليك, بس الحين خلاص شكلك أنت مو حاسب لصداقتنا أي قيمة, عطني فلوسي الحين ... عطني.
وأخذ يشير له بيده بدفع.
ليرد وروح الخوف تسكن بداخله:
- والله العظيم يا خميس ما عندي, والله, شوف حتى.
وانتشل محفظته من جيب ( كندورته ) وفتحها أمام عيني خميس وهو ييقول بجزع:
- شوف حتى فلوس في بوكي ماشيء.
هز خميس رأسه يمنتا ويسرا وهو يقول بضيق يغلف كلماته الناطق بها:
- ما لي دخل, أنا مو ولي أمرك, أنا بعد عندي مصارف وعيال وحرمة أكد عليهم, وبعدين أنا صبرت عليك وايد, صبرت سنه, أحد غيري من ثاني يوم طلب بفلوسه.
ليعلو صوت محمد:
- أقولك ما عندي, منين أييب لك فلوس ؟!
لتبرز عروق وجهه خميس المحتقن بالغضب, ويقول بكلمات ملتهبة:
- شكله الكلام عندك ما يفيد, بروح مركز الشرطة وهناك بطلع حقي أبرك ما خسر كلامي على ريال مثلك.
ليوليه خميس ظهره ويذهب بخطى واسعة
وتتحول القطة إلى سبع, فيزأر محمد قائلا:
- روح .. روح تحسبني بكلامك بخاف, لا .. أنا ريال والتهديدات ما تخوفني, قال صديق قال, أمحق صديق.
وختم كلامه بضحكة ساخرة.


مدت أم محمد يدها المحملة بفنجان القهوة التي فاح منه رائحة الهيل, وقالت:
- خذي وشربي, وهدي أعصابك, إن شاء الله الأمور بتنحل.
لترد عليها بأسى يقطر من كلماتها :
- كيف يا أمي... كيف ؟!! من بيسافر عنديي ؟
لترد أم محمد عليها بضيق :
- وش ها السؤال الغبي؟!! وين راح أخوك محمد, أهو بسافر معك.
لترد عليها والخيبة تتربع على قسمات وجهها:
- أنت تعرفين بأن أبويه مو موافق على سفرتي مع محمد.
وضعت أم محمد الفنجان جانبا, وأكملت بقولها الزاجر:
- خليك من كلام أبوك, أبوك ما يعرف شيء, يعني ما يؤمنك مع أخوك, هذا كلام ينقال ؟!! بتسافرين عند محمد وخلاص الموضوع, لا تعطين الموضوع أكبر من حجمه أنت بس, ويلا خذي فنيانك وشرب قهوة, ورحمي نفسك من التفسير, شوفي ويهك وش صار, كله من التفكير وقلت النوم.
ألتفتت إلى خلفها, حيث تنام فلذت كبدها بسكون الذي يسبق عصف الألم, وقالت وهي تتأملها:
- . لا تخافي عليه أنا بخير ما دان الأمور بتتيسر وبقدر أسفر مريم تتعالج.
لتربت على كتف ابنتها شمسة, وتبعث الأمل في كلماتها لروح ابنتها القلقة:
- أنتِ بس قولي إن شاء الله, وكل شيء بيتيسر.
مسحت دمعتها التي انسلت بدون إذنها من عينها, لتقضي عليها, وقالت:
- إن شاء الله, إن شاء الله يا أمي.
وعادت تنظر نحو أمها, وقدت مسحت روح الحزن ببصيص الأمل الذي بدأ يتسلل إلى قلبها.

يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات