بارت من

رواية مقيده بالاحزان -15

رواية مقيده بالاحزان - غرام

رواية مقيده بالاحزان -15

حك أسنانه ببعضهما البعض .. وهو يحاول أن يمسك أعصابه من أن تفلت منه .. وقال :
- وأنتِ وش دخلك ؟
لتصبح أمامه مباشرة بعد أن مشت خطوتان وقالت وهي تسلط بصرها نحوه:
- مو أنت زوجي..
لتبدر منه ضحكات هستيرية
مناقضة لجو المشحون الذي يهيم حولهما
وهي تنظر له بتعجب ينضح من عيناها
قال:
- والله ضحكتيني وأنا ما أريد أضحك .. قلت زوجك ... حلوه هذه بس لا تعيدينها ..
لتحني حاجبيها إلى الأسفل.. وقد ثارت ثائرتها:
- أنت ما تفهم ؟ أنا زوجتك مهما قلت أو عملت .. أنا زوجتك ...
لهجم فجأة على شعرها الطويل المنسدل بعشوائية على كتفيها
ويضيق الخناق على خصلاته
ويجذبهما بقوة
جعلتها تتأوه ألما
وهو يتحول إلى شيطان رجيم :
- أنتِ إلي ما تريدين تفهمين بأني أكرهك .. ما طيقك .. بسببك كل حياتي تدمرت ... بسببك خسرتها ...
لتقفز دمعه من عيناه
بدون إذن منه
ليهرب من جديد
تاركا أياها في حالت ذهول جعلت كل أطرافها تنشل
و جمدت لسانها


### يتبع ###
شكرا من القلب لكي أختي أسيل, وأختي سمرو وأختي زوزو على تفهمكن وحرصكن على الرواية
عذرا عذرا عذرا على التأخير
هذا الجزء إهداء لسمرو
ولكل وردة فاح عبقها في صفحتي المتواضعة التي بدونكم لما تفتحت أوراقها

*(( القيد 14 ))*

ناولها كوبا مملوءا بعصير الليمون الطازج..وقال:
- شربي هالعصير بيهديك.
رفعت جفنيها لتتبعهما قرصي عيناها اللتين غرقتا في بحر الدمع.. وقالت بصوت مبحوح من كثر ما نزف من دمعات:
- شكرا..
فأخذت الكأس.. وأخذت ترشف منه .. في حين أنه جلس مقابلا لها على الطاولة المستديرة وهو لم يبعد ناظريه عنها.. ومن ثم انسدلت رموشه بحياء يلهب خديه اللتين تدثرتا بلحيته الكثيفة.. وقال بهمس السكون:
- أنا آسف للي سببته لك..
توقفت عن بل ريقها الذي جف من نشيج البكاء الحارق.. وقالت وقد جحظت عيناها:
- أنت إيش عملت حتى تعتذر؟!!
ليحني رأسه إلى الأسفل قبل أن يرد عليها بنبرة خافتة الدرجة:
- إخفائي لمرضي.. عصبيتي وردي عليك.. كل شيء..
زفرت قبل أن تضع الكأس على الطاولة شبه الخاوية .. وقالت وهي لم تزحزح عيناها الحادتين عنه:
- أنا نسيت كل إلي صار.. بمجرد أنك وعيت للغلط الكبير إلي كنت رايح في طريقه... حميد صدقني هناك أمل.. ولازم نتمسك فيه إلى آخر لحظة.. الاستسلام في الحياة عمره ما كان حل.
رفع رأسه وقيد عيناه بتلك العينان حادتي الزوايا لبضع ثواني.. ليقول بعد ذلك وقد بدأت الحياة تدب في كلماته:
- أنتِ صادقه .. صادقه.. أوعدك ما استسلم مرة ثانيه .. فأنا تعبت .. والله تعبت ..بسبب استسلامي خسرت الكثير .. كثير
كانت يداه تنامان بهدوء على الطاولة .. حين ثناهما لعله يتمالك تلك الدموع المتربصة لضعف في داخله فتزور مقلتيه ...
لتأتيه المساندة من يد بعثت بدفء إلى عروقه الناضبة بحرارة السكينة
فيحدق بتلك اليد الأنثوية التي غلفت أحد كفيه
فيرفعهما بعد ذلك نحو صاحبتها
وكل تعابير الدهشة سكنت محياه
وقبل أن ينبس بحرف قالت وابتسامة هزيلة تعلو شفاهها:
- القطار ما فات يا حميد .. كل إلي خسرته تقدر تسترجعه ... ومثل ما وقفت معي .. أنا بوقف معك عشان ترجع كل إلي خسرته.
شعر ساعتها بأنه فقد القدرة على الكلام
فظل يحدق بتلك العينان اللتين تشعران الذي يزرهما بهدوء داخلي وراحة بال
وتشكلت ابتسامة طمأنينة بدون علم منه على محياه...
لتنفض تلك الابتسامة ذلك الجسد الركيد
فتشعرها بفعلها الغير الصائب
بتلك اليد التي تغلف يده
فتنتشلها من فوق يده النائمة باسترخاء
وينتقع وجهها في حمرة الخجل
__
صحت على صوت صراخ زاد صداعها الذي نحرها لليلة البارحة وأرداها كالقتيلة على فراشها الذي تشرب
دموعها المالحة
فتحت عيناها ببطء لعل فعلها هذا يخفف هذا النخير الذي يأكل رأسها
كانت الشمس قد بسطت سيطرتها على الغرفة التي لا يقيها من حشود الشمس إلا ستارة خفيفة تسمح بجحافل الشمس
بالمرور خلالها أكثر من أن تمنع
قامت من على السرير وقلبها يقرع كالطبول بعد أن اشتدت حدة الحوار الملتهب الذي كما يبدو يدور بين أحمد
ووالده صالح
ابتلعت ريقها وهي تضع يدها على صدرها الذي لم يركد
بخطى مترددة تقدمت نحو الباب
توقفت أمام الباب .. وأخذت ترهف السمع
لتتلقى طبلة أذنها ضربات من موجات صوت صالح الثائر المائج :
- وين كنت يالي مالك فايدة ؟.. طول الصبح كنت أدورك ..لازم كنت تضيع وقتك مع أصدقائك إلي ما فيهم فايدة.. أنا زوجتك عشان تعقل وتفهم .. وتصير ريال.. أشوفك بعدك على حالك ...
التقطت أذنها ضحكة قوية بدرت من أحمد .. والذي بدوره قطعها بقوله المتهكم:
- وأنت الصادق .. أنت زوجتني عشان يصير لك خادمة ببلاش ... وأستغليت ظروفها الصعبة عشان ما تخسر فلس أحمر في العرس والمهر .. يعني كل هالزواج عملته عشان مصلحتك .. وما فكرت ولا للحظة بي .. وما سألت عن رأي .. فكرت وطبقت مباشرة بدون حتى لا تستشريني .. وشوف النهاية .. ( قالها بصوت يهز الجبال من رعيده )
لتمرد صالح عن صمته
وينفجر كقنبلة عليه قائلا:
- أشوفك طلع لك لسان يا قليل الأدب.. كيف تتكلم عندي بهالطريقة.. شكلك ما تفهم إلا بالضرب ...
بهدوء لم يكون يعرفه أحمد .. قال:
- يلا أضرب من اليوم لين باكر.. ما عاد يهمني... خلاص راح أهم وأغلى شيء عندي بسبب بخلك وتفكيرك بنفسك .. حتى أمي هجت منك ما تحملتك ولا تحملت عمايلك..
ليقطعه بصوته كسكين حاد:
- جب .. ولا كلمة يا قليل الأدب .. يلا برى .. ما أريد أشوف ويهك .. برى
فلتت من فم فاطمة شهقة .. وقد رأت النار قد تأججت
حين لامس سمعها صوت أحمد الخاوي من أي أحاسيس وهو يقول:
- الحمد لله بأنها جت منك مو مني.. الحين إذا طلعت من هذا الباب والله العظيم ما أرجع له.. لأنه خلاص ما عدت أتحمل ذلك لي ومعاملتك لي كأني ياهل ما لي شخصية ..
ليعود ذلك الصوت البغيض سمم مسمعها:
- يلا روح .. أبركها من ساعة .. فراقك عيد مثل أمك .. برى .. برى يالي مالك فايدة ... برى ..
ما هي إلا ثواني .. وإذا بصوت الباب يعلن الرحيل ..
__
في لحظة التي قيد الذهول جسدها مما سمعت
دخل عليها كإعصار ضارب
وانهال عليها بصفعات لسانه الحاد كالنصل:
- وش سويتي بالولد؟!! كان عاقل وعين الله عليه.. من تزوجك وتغير.. وش قلتي له ؟!! تكلمي ..
لم يجبه إلا الصمت
الذي أستفز روحه الثائرة
وألهب وجهه المكتنز
فقذف بيده بين شلالات شعرها الأسود الليلي
وجذبها نحو فمه بكل قوته
غير آبه لآهات الوجع الصارخة بها
وعاد يصم أذنها بصوته الكريه:
- تكلمي بنت شمسوه.. وألا يبت العصا ووريتك الشغل الصح..
لتجبر لسانها الذي يريد الصراخ فقط بكلمات الألم على الإجابة :
- والله ما قلت ولا سويت له شيء.. والله..
يدفع بها بكل طاقته نحو الأرض الجرداء الباردة
ويجلدها بسياط الكلمات النارية:
- كذابه .. أنتِ سبب المشاكل.. يا ويه النحس... ما بتطلعين من هالحجرة علين تقول لي بوش غسلتي مخ أحمد.. ولا بتذوقين ولا لقمة بعد..
ليغلق الباب فور نفاذه من الكلام.... ويعلو صوت قفل الباب معلنا بدأ حكم السجن الأبدي عليها..
فتقوم هي بعد أن أندفع الأدريلين في جسدها .. فخدر آلامها التي نتجت من سقوطها على الأرض وتهرول كالمجنونة جهة الباب المؤصد
ونهات عليه بضرباته الخاوية القوة
وتصرخ مستنجدة بعطفه المعدوم الوجود
دون جدوا
فيستسلم ذلك الجسد المضرج بأوجاع الروح قبل البدن
وتنهار على الأرض
وقد سبقتها دموعها
__
هزت رأسها بقلة حيلة..وعيناها تنحتان علامات الأسى .. وهي تقول برجاء ينسكب على حنجرتها المرتعشة برياح البكاء الشمالية:
- يا ولد بسك صياح.. شوف ويهك.. شوف عيونك كيف صايرات.. هذا أمر الله .. فلا تكفر .. حرام ..قوم توضئ وصلي لك ركعتين وأستغفر ربك ..
جاءتها طبقة صوته العالية .. تنحر قلبها الخائف عليه:
- روحي أتركيني بروحي.. ما أريد أشوف أحد .. خلوني بروحي ..
لتقطع عبراته سلسلة صرخاته
وترضخ قسمات وجهه لصهير اللوعة الملتهب
لتهب بغريزة الأم التي تجذبها نحو فلذت كبدها كالمغناطيس جهته
وتحيطه بحنانها
وتغرسه في حضنها النابض بمشاعر الحب المذبوح في جوف الحزن
وتنسكب عبراتها مع تناغم رهيب مع ضربات قلبها المتوجع لمرآه
فيمسك بكل ما تبقى من هشاشة القوة بذراعها وهي ينهل من عبرات الحرقة ما جادة به عيناه
وبصوت انحاز لنغمة الرجاء قال:
- أمي أريد أرجع لبيتنا .. خلوني أروح هناك.. خلون أرجع للبيت .. خلوني
ليجيبه الجواب من عوالم الألم الذي أكتم أنفاس العقل:
- إن شاء الله بنوديك لبيتك .. بس أنت لا تبكي ولا تتعب نفسك .. الله يخليك يا محمد .. إهداء ترى والله قلبي يعورني لما أشوفك بهذه الحال.
__
أخذت تنظر إليه بنظرات عابرة
لا تدم
لأنها تشعر بأرطال من الخجل
تحطم صدرها
وتخنق أنفاسها
الأمور تغيرت مجراها
وبات الجو مشحون بالألغام
بعد تلك الليلة المشئومة
التي استسلمت فيها لوساوس الشيطان
كان بنسبة لها مجرد بطاقة عبور لضفة الأمان
لكن الآن
الآن الأمور تبدلت
حتى لو حاولت بأن تنكر أو تكذب هذا الشيء
إلا أنه حصل
ولا مهرب منه
حتى هي باتت تشعر بأنه هو قد تبدل
كل نظره يلقيها عليها بدأت تفسرها بألف معنى ومعنى
لقد انكسرت صورة الأخوة في عيناه
وكله بسبب ضعفها
وسذاجتها
وانجرافها في تيار الانتقام الذي لا معنى له
أخرجها من بئر كينونتها اللائمة
صوته المفعم بعبق الحياة :
- شمسة .. وش فيك ما تردين عليه؟!!
لتجيئه تلك الحروف التائهة من بين شفتيها المتغضنة بمرارة الحسرة:
- هاااااااا .. وش هناك؟!!
حدق بها والاستغراب يشكل تعابيره على عيناه:
- يلا ندخل للدكتور... مثل ما اتفقنا .. عشان موضوعي
طأطأت رأسها .. وهي تهرب من تلك العينان التي بدأت تشعر بأنهما ينهشان بجسدها.. وقالت بصوت بهت نبته:
- لازم أروح أشوف مريم .. أنت تعرف تتفاهم مع الدكتور.. أصلا أنا ما بفهم شيء من إلي تقولونه .. يلا موفق..
وأطلقت العنان لقدماها دون أن تسمع رده
ليلحق بها بعيناه والتعجب يصبغ قسمات صفحات وجهه
__
كالتائه بلا عنوان أخذ يجوب شوارع المدينة التي بدأ الليل يلتهم زواياها
كان الوهن قد أنتشر في جسده الذي يصدر صرخات الجوع من معدته الخاوية
والبرد المرافق لليل يجمد أطراف أنامله الهزيلة
أخذ يفرك يديه لعله يبعث الدفء فيهما دون جدوى
لتأتي عبرات السماء لتكمل مأساته
وتنفض بدنه بلسعاتها الجليدية
فيركض هربا منها تحت أسعف شجرة نخيل شاخصة على طرف الشارع الشبه الخاوي
إلا أنها لم تقيه من تلك القطرات العنيدة .. والتي تمكنت من اختراق تلك الدروع الورقية
وهوت عليه
مسح وجهه بكفيه من تلك الدمعات
إلا أنها ابت أن تهجر وجهه
ليكتشف بعد ذلك
بأنها ليست دموع السماء
بل عبراته الدافئة التي أشعلت الحزن في مقلتيه
والآتي تسربن بدون وعي منه
رفع رأسه إلى أعلى .. وخشع قلبه لبارئه .. وهو يقول:
- يا رب ساعدني .. صبرني ... ساعدني .. والله ما أقدر أتحمل أكثر من كذيه ..صارت البنت إلي أحبها لغيري .. وتركت بيتي ..ساعدني أرجوك .. ودلني لطريق الصحيح يا رب يا رب..
ليخنق جفنيه الذين أسدلهما والمرارة تلتهم وجهه
__
خارت قواها التي أستنفذها الصراخ والضرب على الباب الخشبي الذي أبا أن يتزحزح من مكانه
تهالكت نحو الأرض الجرداء التي تبحث بالبردة في أوصال لامسيها
وخيبات الأمل تضرج وجهها النازف بسلاسل الدمع
أسندت ظهرها ومن ثم تبعته برأسها على الباب الحابس لحريتها
وحضنت ساقيها التي ارتجفت أطرافها من صقيع بلاط الغرفة
وصوتها الذي بح من كثرة الصراخ لازال يهمس برجاء:
- الله يخليك أفتح .. والله .. والله العظيم ما قلت له شيء ولا سويت به شيء..أفتح .. أفتح..
وبقلت حيلة بدأت تهوي برأسها على الباب المتربع على عرشه والرافض عن التخلي عنه
لكن من غير مجيب
يلبي رجائها
ويفك أسرها الذي حكم عليها بدون وجه حق
تجرعت مُر العلقم ساعتها
وهي تتلقى صفعات العالم الحقيقي
عالم الكبار
الذي دخلته بعنادها وغريزة الانتقام
تقلص حجم ذقنيها
وهي تتذكر والدتها
وكم كانت معارضة لهذا الزواج لأنها كانت تعلم بأنه لا يناسبها وبأنها لازالت صغيرة
وضعت يدها على خدها
وهي تحس صفعت أمها الذي تذوقتها لأول مرة
لكن هذه المرة أدركت المغزى وراء تلك الصفعة
أنها نابعة من حب وحنان وحرص
وليس حقد وكره وأنانية
أخذت هي تنهال على نفسها بصفع
تريد أن تعاقب نفسها على غبائها
وتزجر نفسها التي انقادت وراء دافع الكراهية
الذي زينه وسواسها :
- أنا السبب .. أنا الغبية . أستاهل إلي يصير لي أستاهل .. أستاهل أستاهل ...
وتزخ المزيد من أمطار غيمة الحزن التي تكسي عيناها
__
قامت من على المقعد .. وهي تنظر إليه بصدمة شلت مقلتيها المحاطتان بالحمرة:
- وش فيك يا ريال؟!! أقولك الولد بيروح من بين يديننا .. وأنت تفكر بناس إلي بيون العزاء..الولد مب صاحي أقولك.. لو تشوفه بيتقطع قلبك ..
زفر ما في صدره بقوة .. ومن ثم قال:
- ولدك يدلع..
صفقت كفيها ببعضهما البعض .. ومن ثم قالت وبحت البكاء تخنق حروفها:
- لا حول ولا قوة إلا بالله.. يا بو محمد .. والله الولد ما يدلع .. أدخل شوفه .. ميت من البكي.. ويريد يروح لبيته .. لازم نلقى له بصرة.
هز رأسه بضيق.. ومن ثم أردف قائلا:
- وش نسوي له يعني؟
لترد أم محمد من فورها:
- نوديه لمستشفى..
هنا أبو محمد هو من قام من مجلسه.. وقال وقد جحظت عيناه:
- مستشفى!!!! أنت صاحية؟ الولد ما يشكي من شيء..
تغضن وجهها بالأسى وهي تقول بقلة حيلة:
- عيل شو الحل ؟
ملء رئتيه بالأكسجين .. ومن ثم تلاه بزفرة من صدره.. فلانت طبقة صوته:
- خلاص.. خلينا نوديه لبيته .. يمكن يهدأ شويه..
نظرت له لثانية .. ومن ثم قالت والمرارة تتصدى لنبرة صوتها:
- أنزين .. بخلي الخدامة تشيل أغراضها وكل شيء يذكره بها .. ما نريد تزيد حالته بعد ما يشوف أغراضها هناك.
ليهز مؤيدا لكلامها ويعززه بكلماته:
- هذا عين العقل..
__
كانت تحتضن ابنتها مريم بقوة
لعلها تستمد الطاقة منها
لكي تتسلح من عيناه اللتين باتتا كلهيب الجمر تشويانها
تغيرت الأحرف والصور
واختلفت الأهداف بعد لليلة التي جمعت جسديهما
فبات التعامل معه ليس سهلا كسابق
حتى ردت فعلها على إخفائه لأمر مرضه
كانت مبنية أيضا على أساس الدفاع عن روحها التي سلمته إياه بكل يسر
كم كان التعامل معه أسهل عندما كانت غاضبة منه
أما الآن فالأوراق قد تغيرت
وبات حتى النظر إليه محرم بنسبة لها
وهو كذلك أي نظرة أو ابتسامة أو حتى كلمة
تفجر معاني ودلالات بين السطور في عقلها
صوت ابنتها المتوجع .. أيقضها من مستنقع الخجل:
- ماما ..تعوريني ..
صحت ليدينها التين تقيدان جسد ضناها الضئيل
فكت سلاسلها من فورها
وهي تنظر إلى مريم بحزن باكي .. وتقول بكلمات متعثرة على بساط لسانها المضطرب:
- أنا آسفة ... آسفة حبيبتي .. كنت .. أنا .. هو ..
لتبتر جملتها بعد أن أدركت بأن ارتباكها قد تجلى لكل من في الغرفة
وقف من على الكرسي المقابل للسرير
وهو لم يرحها من شعاع عيناه المسلطتان عليها
وقال والحيرة تطبع على محياه:
- شمسة .. وش صار .. هناك شيء.. بعدك متضايقة مني لأني ما قلت لك عن إلي فيه؟!!
بللت ريقها وهي تبحث عن منفذ آمن يقيها من الأفكار المتزاحمة في عقلها
لهذا لم يجه منها إلا الصمت الذي تخلله ارتباك تجلى على لغة جسدها
أنزل رأسه لجزء من الثانية
ومن ثم قال وقد نصب رأسه:
- شمسه ممكن أكلمك بره شوي؟
رغم تخوفه من هذا الحديث
إلا أنها في نفسها متيقنة بأنها باتت كالكتاب المفتوح بنسبة له
فهي دوما تفشل في أخفاء ما يخالجها من مشاعر
فلهذا هزت رأسها بالإيجاب
ليخرج هو
وتتبعه هي بخطى خجولة مضطربة الرتم
كان معطيها ظهره .. وهو ينفث ما في رئتيه من هواء
ومن ثم قال:
- وش هناك شمسه .. قول لي الصدق.. أنت شيء صار لك .. حتى إنك ما سألتني وش قال لي الدكتور لما زرته ..ضنيت بأنك مهتم بالموضوع .. مو أنت إلي خليتني أوافق .. وش صار ؟!!
قالها وهو يهجم عليها ببصره
لتنكس رأسها وقد تجمرت ورقتي خديها
وقالت بدرجة صوت منخفضة:
- إلي صار إنه تغير كل شيء.. ما عدت أخوي وما عدت أختك ..
ليحس بحمم تندلق عليه لحظتها وهو يسمع كلامها
وتنشد أطرافه
لا يعلم لما
لكن برغم من لخبطة الأحاسيس التي تتدفق في داخله
إلا أنه تسلح بقوة لا يدري من أين أتى بها
فمد يده
وأسكنها تحت ذقنها المهتز
ورفع رأسها بدون أذنها
وقال
وقد تقنع بالسكينة:
- أنا آسف إلي صار خطأ .. وما بيتكرر .. وأحلف لك بأنه ما بيصير مرة ثانية يا أختي.. بس عندي طلب صغير.. إذا أمكن..لا تخليني لوحدي .. ورايا رحلة طويلة وأنا محتاج لك .. فأرجوك لا تتركيني ..
غاصت في عيناه المرتديتان عباءة الظلمة لدقيقة رضخت لحاجز الصمت
لنكس بعد ذلك جفنيها
وتلحق بهما كلمتها الراجفة:
- بحاول..
ليكشف عن ابتسامة منكمشة
تلها بقوله:
- هذا كل إلي أباه منك.. وبكون شاكر لك ..
لتثني أصابعها على عباءتها
وتشد الخناق عليها
راجيتا منهما الصمود
### يتبع ###

*(( القيد 15 ))*

بخطى تميل إلى الهمس
تغلفها الرهبة والخوف
وتتخذ الحيطة والحذر مكاننا لها
ضل يمضي في طريقه نحو باب غرفته
والظلمة تغشي عيناه عن الرؤية
تلمس مقبض الباب
وأداره
بهدوء
لكنه صدم بأنه مقفول
عاد يعيد الكرة
لا فائدة
أخذ يتلفت من حوله
كاللص
وهو يتلمس مقبض الباب
حين أحس بمفتاح مغروسا بجوف المقبض
فانفجرت أساريره
من فوره وبدون تأخير أدار المفتاح
وفتح الباب
وبخطى متسارعة
هجم على الغرفة
حين التطمت قدماه بشيء على الأرض
فختل توازنه
وهوى على الأرض
ليصدر سقوطه صوت عالي
أجبره على النظر إلى ما وراء الباب خوفا من أن يكون قد أيقض النائمين
وقلبه ينبض بهيجان الخوف
والعرق الغزير ينزف من جبهته
حين تنفس الصعداء لما لم يرى أحدا
لينزل منظار عيناه نحو تلك الكتلة التي بترت خطواته الحذرة
فيجد جسد متكور على نفسه
دنى من هذه الجسد الساكن
ليرى ذلك الشعر الطويل يفترش الأرض بعشوائية فوضاوية
والغبار يتناثر بدون حواجز على تلك الكتلة
مد يده التي اجتاحتها الرجفة نحوها وفي داخله تصور لهويتها
ابعد تلك الخصلات المغبرة لينكشف له وجهها الباهت
الذي انتزعت منه أنفاس الحياة
ليتراجع من فوره إلى الخلف
هلعا
وهو مشمر عن عيناه الجزعتان
إنها نسخه تختلف 180 درجة عن صورة فاطمة التي رآها آخر مرة
لم يعلم ماذا يفعل
الخوف والجزع أوقف عقله عن التفكير
فتبع غريزته التي أمضى جل عمره يتخذ طريقها وهي الهرب
قام على عجل
وهرول نحو الباب
حين تجمدت الماء في عروقه
وهي يشعر بتلك القبضة الوهنة
تخنق خطواته الهاربة
وذلك الصوت المودع
يذبح مسمعه:
- أرجوك .. طلعني.. طلعني .. بموت ..بموت .. الله يخليك.. الله..
قواها المسلوبة لم تسعفها على أكمال حروفها المتبقية
وحتى قبضتها الضعيفة
تخلت عن قيدها
وأطلقت صراح ساقه
واستسلمت رموشها
لسكون
وأسدلت ستار جفناها النافذتان القوى

يتبع ,,,,

👇👇👇


تعليقات