بارت من

رواية مقيده بالاحزان -13

رواية مقيده بالاحزان - غرام

رواية مقيده بالاحزان -13

ضحكة ليرطب الجو .. ويقنعها بكلامه أيضا ) السرير ما أقربه إلا يوم أكون مريض, وأرتاح أكثر على الأرض مثل أبوي الله يرحمه, فهو إلي عودني على ها العادة, لا تستحين مني أنا أخوج شوو ها الكلام مرة ثاني ما أريد أسمعه.
لينهي جملته كالعادة بختم البسمة الذي يرصع شفتيه.. لتنظر إليه بنصف عينيها .. فهي لا تزال تشعر بحياء من جمائله التي تهل عليها .. وهي لا تفعل جزائها شيئا بالمقابل..
فلم تجد في مقدورها في هذه اللحظة إلا نسج كلمة واحدة .. للأسف لا تملك سواها:
- حميد .. ش...
ليصلب يده أمام وجهها تماما .. وهو يقول :
- وش قلنا الصبح.
فتدغدغ شفتيها ابتسامة ..
وهي تضع أناملها على شفتيها .. وهي تقول:
- والله نسيت.
ليعاود لينحني صوبها.. فهي تقصره بعدة أمتار.. ويضع عيناه على نفس الخط الذي تقع عيناها عليه ...ويقول وسحر ابتسامة يلقى عليها:
- ها المرة سماحة.. لكن في المرة القادمة عقاب شديد.. ويا ويلك من عقابي.
وأخذ يحرك أصبعه السبابة متوعدا..
لتطلق صراح تلك الابتسامة التي ضلت تدغدغ شفاهها ..
وتهز رأسها للأعلى والأسفل..
ومن ثم نصب جسده .. ليكمل طوله الفارع.. ويقول.. والبسمة ترافقه:
- يلا أنا بروح أبدل ملابسي.
وذهب من فوره جهة الحمام .. وفي الحقيقة .. هو يرغب بالهرب .. فهذا المرض الجديد الذي يسمى الحياء يحرق خلايا بدنه ..
شمسة فكرت بأنه سوف يتأخر عليها, فقامت بسرعة تلبس ثيابها في الحجرة التي عم فيها الهدوء النسبي من أي أنسي, فشرعت بسرعة الصاروخ .. تبدل ثيابها بملابس النوم .. إلا أن حظها العاثر لم يحالفها.. فقد خرج حميد المتضايق من حالت النسيان التي لا تريد بأن تعتقه.. فقد نسى بجامته .... كان يمشي بخطى واسعة نحو الدولاب .. سادل نصف جفنيه نحو الأرض من شدة خجله على غباءه... لهذا لم ينتبه على شمسة التي شلت أطرافها تماما .. وصام عقلها عن العمل في تلك اللحظة التي صبت حمم الصدمة على رأسها ... عكست عيناه الشبه منكستان على شبكيته أقدام أنثوية ... لا يعلم من أين جاءته تلك الجرأة .. التي دفعت ببصره ليعلو رويدا رويدا ... ليفتن بساقين مشدودين .. نقعتا في لبن صافي.. والمندثرتان دوما تحت لباس طويل يحجب روعة نحت الخالق فيهما.. فيكمل مسيره راضخا للشهوة التي تدفقت في بدنه لينهش بعيناه بالمزيد من هذا الحسن .. لتحط عيناه على ذلك الخصر ذو التموج الرشيق .. الذي للأسف دفن في تلك الملابس الفضفاضة .. لينهي رحلت الاكتشاف على ذلك الوجه البيضاوي الذي تناثرت عليه بعبث مغري خصلات سوداء طويلة .. تنافس الحرير في ملمسه ... وتلمع فيما بينها بريق رمادي ... يزيد من أبهار لبه ... وهو لأول مرة يرى عينيها التي كعيون الغزال بدون قيود الخجل الثقيلة .. باتت الرؤية واضحة له الآن .. بدون سلاسل تمنعه من تعين ذلك الوجه .. الذي تزين بأنف مدبب .. يحرسه من الأسفل .. شفتين أتنز أسفلهما بفخر ليخضع له الأخر بخنوع ذابح للناظر لهما ..
طوال تلك الرحلة .. ضل نفسه محبوسا في صدره .. وهو يتصور نفسه .. في دنيا غير هذه الدنيا ..
وفي زمن غير هذا الزمن ..
مع امرأة غير تلك المرأة التي تزوجها لأجل أن ينقذها ..
( إنها أنثى .. )
صرخ شيطانه بداخله ..
وذلل بفحيحه كل الحواجز التي بناها حميد بينه وبين شمسة بثانية ...
شمسة كانت في حالة لا تحسد عليها فقد وقعت عليها أطنان من أكوام حرج الدنيا كلها في تلك الدقائق الملتهبة وهي تراه كيف فاتح عيناه عليها وكأنه لم يرى امرأة من قبل, لتنزل رأسها هربا من جمرات عيونه .. وقد أستجدت بعد القوى.. لكي تشد الخناق على الفوطة التي كست بها جسدها على عجالة.. رغم أنها تكشف أكثر مما تستر ..
آلاف الصفعات من الأفكار المتضاربة .. عصفت بعقلها لحظتها...
فجاءت بيد تنسل تحت ذقنها لترفع رأسها بدون طوع منها ..
لتقع عينها فريسة لعيناه الملتهمة لها ... أمسك بثوب نومها الممسكة بها يدها الأخرى ... ويقذف به بعيدا.. ليدوي صوت الإنذار في داخلها مما سوف يحصل.. لكن.. أخترق هذا الصوت الصام لروحها زجرة هزت كيانها
( أهي انتقمت منكِ .. وأنتِ بعد انتقمي منها ...)
هذا الصوت الذي لا تعلم من أين أتاها .. أدخلها في غيبوبة .. نست فيها نفسها تماما ... وسلمتها لحميد .. الذي أقتادها نحو السرير...ويغلق الأنوار.. لينغمسان في عالم خاص بهما.... محرم عليه صوت العقل.. ويتربع على عرشه سنفونية الغريزة ...


### يتبع ###


توقعتكم في جزء القادم؟

* ( القيد الحادي عشر) *

كانت تنهال على خديها الذين باتا كصفيح ساخن بالصفعات ..
وهي تقول والعبرات تسابق كلماتها المؤنبة لنفسها:
- وش سويت ؟!! وش ها الغباء الذي عملته ؟!! أعشان أنتقم من فطوم بنتي أعمل ها العملة الس...
لتبتر جملتها بعض شفتيها وتعصر عيناها التين باتتا مجمرتان
ولا تكل من عقاب وجنتيها بوابل من الصفعات المتسلسلة ..
كانت سوف تكمل عقاب النفس اللائمة بدون توقف
لولا أن أخترق مسمعها صوت سعال يفزع القلب
والذي بعث برعشة في عامودها الفقري
الذي جعلها تنتفض وتقوم من على السرير
وتهب مسرعة بدون وعي فالجزع أعمى بصيرتها نحو الحمام حيث يصدر السعال القوي
الذي لا ينبأ بالخير أبدا
صرخت ما إن باتت أمام باب الحمام قائلة .. وقلبها مقبوض:
- حميد .. وش فيك ؟!! .. وش صار؟!!
كأنها في هذه اللحظة نست كل أحداث لليلة البارحة ..
والنقطة السوداء التي تشوه صفحة حياتها حسب ضنها ...
لم يجئها جواب يشفي ظمأ روحها القلقة ...
بل عادت سكاكين السعال الذي يصم أذنيها تقطع طبلتيها..
فوجهت الضربات الصارخة على الباب
وهي تناديه بجزع ينحت وجهها فيشوهه:
- حميد الله يخليك جاوبني وش فيك ؟!!
ما هي إلا دقائق مضت كانت كالدهر في صفحات حياتها
حين بدأ ذلك الباب الشامخ بصمت ياهتز ...
فيعلن عن نهاية جمرات الخوف في قلبها
ليخرج حميد
وابتسامة مهزوزة تكبل شفتيه
ويقول كأن شيئا لم يحدث.. بصوت جاهد لأجل أن يكون طبيعيا:
- لا تخافين مجرد كحه بسيطة ... وراحة ..
أخذت تتفحصه بنظرات غير مصدقة لكلامه
فذلك الصوت الذي هز الغرفة .. مستحيل بأن يكون موجة عابرة ...
لكن مع استمرار تلك الابتسامة الباهتة على شفاهه ...
بدأت تشعر ببعض الطمأنينة الزائفة في داخلها ...
لتنقلب تعابير وجهه بجزء من ثانية إلى استغراب .. تسلل إليه بعض خيوط القلق ..وهو يقول:
- وش فيه ويهك أحمر ..
وبدون أن يعي العقل ما أقدم الجسد على فعله .. رفع يده .. لكي يلامس وجهها المتورم والمشتعل بالحمرة
فلمحت شمسة على أطراف أنامله حمرة دامية .. جعلت حدقت عيناها تتسع
وهي تقول:
- وش هذا إلي في صبوعك ... دم !!!
ليوقف يده الممتدة ..ويمنعها عن إكمال طريقها المخطط له ... فتنكمش قبضة يده ..
وتتراجع إلى الخلف بسرعة البرق ...
لتختبئ وراء ظهره ..
وهو يهرب بوجهه بعيدا عن مرآها .. قائلا بتلعثم واضح:
- لا دم .. مو دم ... هو ... هو صبغة .. نعم صبغة ..
لكن ما لبثت تلك الكحة الفاتكة برئتيه تنسف بحنجرتها ..
فيجهر بها فمه ..
فتتطاير تلك القطارة الدامية
فتكشف سره الدفين
لكنه لآخر رمق جاهد بأن يحمي سره
بوضع حفه على فمه
وهو يندس في الحمام مبتعدا عن عيناها المشرعتان بصدمة تجمد محياها
مد يده لكي يغلق الباب
حين استوقفت يدها طريق الباب المنذر بالانغلاق ..
وهي تسأل بنبرة علت طبقتها.. والصدمة تمدد مقلتيها:
- وش هذا يا حميد ..؟!! أنت وش فيك ؟!!
أراد بأن يبعث الطمأنينة في أنفاسها المرتاعة
لكن تلك الكحة اللعينة سدت الطريق أمام الكلمات لكي ترى نور الحياة
ولشدة نوبة السعال التي تملكته .. بدأ جسده ينهار
ويفقد توازنه
والرؤية باتت له ضبابية
بسبب تكدس الدمع في عيناه
لاحظت ترنحه غير الطبيعي
فهرعت صوبه بدون تفكير مسبق
وانتشلته من السقوط المحتوم
لتتناثر خصلات شعرها الطويلة على وجهه الذي بات شاحب اللون
لضعف بنيتها مقارنة بجسده الفارع
لحقت به نحو الأرض
لكن تمكنت من أن تقع وهي جالسة
وهي تبذل قصار جهدها لكي تنقذ رأسه من الالتطام بأرضية الحمام الباردة
بضمه إلى صدرها بدون أدنا وعي منها
وهي مغمضة العينان
وأنفاسها تتقافز بعيدا عن صدرها
المضطرب الحركة
فتحت عيناها على وقع أنفاسه الخاملة
والتي طمستها في مستنقع الخوف من أن يكون قد أصابه مكروه
أخذت تحدق بها بنظرات هسترية تتقافز على وجهه الخاوي من الحياة
لتجد رموشه قد أسدلت الستار
فينبض قلبها بطبول الروع
فتخرج من حنجرتها نداء ينبع من نفسها المنتفضة من الجزع:
- حميدددددددددد .. قوم يا حميددددددددددددد ...
___


لقد باتت آلة مسيرة من أثر تلك الصدمة التي هزت كيانها
وجعلت كبرياءها المريض
يضوي
أمام سياط الفاجعة
بما آلت لها حالها الكسيفة
لقد دخل عليها كالإعصار في صباحية زواجها المشئوم
وألقى عليها أوامره
بالتنظيف وتحضير الطعام
كأنها خادمة في بيته
وليست فرد من أفراد العائلة
حتى أنه لم يجل لها مجالا للرد عليه
فقد خرج إلى الصالة
جاعلا إياها تنغمس أكثر في دوامة الصدمة
وتربع كالملك على السجادة التي بهت لونها من كثرة السنون التي مرت عليها
وشمخ وهو منفوخ الصدر
على الصيدة الثمينة التي حصل عليها وبأبخس الأثمان...
لقد دخلت المطبخ بجسدها لا بروحها الهائمة في بحر الندم
وهمت بطبخ
رغم أنها لم تقلي بيضة من قبل
فقد كانت تعيش كالملكة في بيتها
لقد تجرعت طعم المذلة لأول مرة في حياتها
وكذلك حنظل الندم المر
وضعت له الطعام أمام سيدها الذي ربع نفسه بدون أرادتها
وهي كسيرة الجسد
خاضعة لجبروته
فلقد قطعت روابط أهلها بسكين كبرياءها العنيد
ما إن رأى الطبق الذي أستقر أمامه
حتى زمجر وقد جحظت عيناه:
- بل بل بل .. وش هذا كله .. تشوفينا شيوخ عشان تحطين بيضتين .. ولا بعد محروقتين ؟!!
ما قلت لك البارحة إياك وتبذير
حن ناس على قد حالا
وبعدين البارحة يوم سخنتي العيش وأحترق نصه ما قلت شيء
قلت وحليلها عروس تعبانه
لكن اليوم ما عندك عذر, راقد ومنخمده علين الساعة ست الفير
وريلك وحليله من النيمه رايح الدكان يفتحه
يلا أباك تكون حرمه أزينه ولا تلعبين بفلوسنا
فهذا فلوس مو ماي.
وأمسك بأحد البيضتان المقليتان والتي أسود لونها من لهيب النار
ومده صوبها وقال آمرا:
- خذي وديه للمطبخ, روحي صبي ماي في طاسه, ودخليها هذه في كوب, ودخلي الكوب في الماي إلي بالطاسة, ما نبا نخسر فلوس على الفاظي على الثلاجة, يوم جونا والحمد للها بارد.
حدق به غير مصدقة لما وصل أذنها.. وقالت بينها وبين نفسها :
( لهدرجة أنت بخيل؟!! كيف عايش ؟!! )
ما لبث أن على صوته وهو مقطب حاجبيه الكثيفين:
- وش قاعدة واقفة علين الحين, خذي البيض للمطبخ بسرعة.
لترد عليه قائلة:
- مو مشكله أنا بآكله, ما بيظيع.
أخذ ينظر بها , كأن صاعقة وقعت على رأسه, ومن ثم قال:
- وش قلتِ؟ بتأكلينه! ليش عاد .. شوفي عمرك كيف متينه.. قللي أكل أحسن لك .. ترانه الريايل ما يحبون الحرمة المتينه.
و لوى شفته بابتسامة طرفية تدل على السخرية...
أما هي فعملت حملت استطلاع على جسدها
الذي يتزين بتموج رشيق تتمناه كل أنثى في سنها
لتطلق تنهيدة طويلة .. تتبعها بحديث النفس:
( لا حول ولا قوة إلا بالله .. بخيل .. )
ولم تكمل حديثها حتى شعرت بعيناها تلهبان جفنيها
منذرتان بقدوم العبرات ..
___
بدأ يفتح جفنيه الثقيلين
لتحتشد جموع الضوء
فتعمي بصره لثواني
حيث أنه استعان بيده الواهنة
وغطى بها على عيناه
ومن ثم أخذ يدعكهما بنفس اليد
ليعاود الكرة بفتح عيناه
لتنج هذه المحاولة
وتعاود عيناه إلى عملهما الطبيعي
وما إن حدث هذا
حتى سقطت بصره
على شخص يكتسي بالسواد
من قمة رأسه إلى أخمص قدميه
يقف أمام الشباك
وموليه ظهره
أستنتج بأنها شمسه
فهذا الجسد الهزيل
لا يصلح إلا لامرأة
أراد بأن يناديها
لكن صوته الذابل
لم يسعفه
بعد جهد جهيد
خرج أخيرا من فمه
باهت النبرة.. ضعيف الطبقة:
- شمسه .. وين أنا؟!
التقطت أذناه صوت نفس قوي يسحب .. ومن ثم يخرج بزفرة أقوى من سابقتها
صادرا منها
قبل أن تلتفت صوبه
وتصهره بنظرتها المشعة بغضب غير عادي... وقد تشكلت تعابير الضيق على صفحة وجهها:
- ليش .. ليش ما قلت لي أنه فيك السرطان .. ليش ؟؟!!
لتعلو مع كل كلمة تنطق بها طبقة صوتها ...
شل فكره قبل جسده
فلا يجد الكلمات التي تتماشى مع هذا الموقف الصعب
فرضخ لصمت أستفز نفسها الثائرة
فتقدمت جهته بخطى متسارعة
وكررت سؤالها بحدة أكثر من قبل:
- ليش ما قلت لي بأنه فيك السرطان من يوم كنا في الإمارات ؟!!
فهوت بقبضة كلتا يديها على طرف الفراش المتزين بلون البياض الناصع .. والذي سكنه جسده الجامد
وهي تردف قائلة بنفس الحدة الغاضبة:
- ليش أنت ساكت تكلم قل شيء؟!! أنت قاعد تضحك علينا وألا وش قصتك ؟!!
هنا أستطاع أن يذب الصمت الذي غلف لسانه.. وقال.. بصوت مهزوز من هول الصدمة:
- من قال لك ؟!!
صرت أسنانها قبل أن تجيبه قائلة:
- وش همك من قال لي.. بس على العموم بقولك.. يوم أغمى عليك في الحمام .. ارتبكت ما عرفت وش أسوي .. فأنا ما أعرف أتكلم انجليزي .. وما أعرف أتواصل مع العاملين إلي في الفندق... فما لقيت حل إلا إن أتصل بالدكتور خالد ... وإلي خبرني على كل شيء ..
قطعت جملتها وهي تلتقط أنفاسها الفارة منها .. وتضع كفها على رأسها الذي يكاد ينفجر من الصداع الذي باغته فجأة ...
حين قال وهو يطلق تنهيده نابعة من داخله :
- كان لازم ما يقول لك ...
لتثور هائجتا من جديد وهي تزأر في وجهه من جديد:
- ليش ما تريده يخبرني؟ .. أنت قاعد تضحك عليه أنا وبنت .. أنا الغلطانة يوم وافقت على ها الزواج بسرعة .. الغلط غلطي يوم سلمت نفسي وبنتي في يد رجل غريب ...
وأخذت تضرب صدرها بهسترية..
أغلق عيناه وهو يجاهد من أجل أن يكبت ذلك الوجع المتراكم في صدره ..
حين أنفجر بها قائلا:
- توقفي .. توقفي.. أنا ما أريد لك ولمريم إلا كل خير...
لترد عليها بصوت أعلى من صرخته.. وقد تمدد جفنيها:
- أي خير تتكلم عنه؟!! أنت حتى ما تريد تعالج نفسك.. كأنه بفعل هذا تقول بأنه مريم بتموت.. أنت في داخلك مقتنع بأن بأن ..
وغصت بدموعها التي تكدست في عيناها...
قبل أن تكمل قائلة.. برنة حزن تقطع فؤاد سامعيها:
- بأنها بتموت ...
ووضعت يدها المرتعشة على فاها المنتفض هو الآخر ببرودة الدمع ..
هنا خرجت مقلتيه من محجريهما .. وهو يحدق بها وقد نسفت به سكين الذهول من
قولها...
مشت أنفها بظهر يدها .. وهي تستنشق نشيجها .. والذي قطع كلماتها النابسة بها:
- أنا .. أنا ما أريد .. أريد شخص ... في داخله مقتنع .. مقتنع بأن كل مرضى السرطان محكوم عليهم بال بال ( كم صعبت عليها هذه الكلمة .. لم تقوى بقاي قواها على دفعها إلي طبلة أذنيه ..إلا بعد مجهود جبار منها ) بالموت ..
ودفعت ببدنها المهتز بصفعات الألم نحو باب الغرفة التي توحد لون زواياها .. وقد
شكلت دموعها خيوطا تلاحقها في الهواء...
وليلجم هو لسانه بالصمت مجبرا ..


### يتبع ###

*((القيد 12))*



دخل مثل الطوفان لغرفة
التي تسلحت بالصمت
ما إن تصيدت عيناه إياها
أخذ يلتهم المسافة بخطواته الواسعة
وهي واقفة فوق رأس صغيرتها المتلذذة بطعم النوم..و تحدق به بعدم اكتراث
فجر الكلمات من حنجرته بدون تفكير.. وقد شوهت وجهه الباسم تقطيبة :
- ليش تطلعين بدون ما تسمعين ردي ؟!! أنتِ تظنين بأن ها الموضوع لعبة؟ .. أنتِ ومريم أمانة في رقبتي.
بكل برود أعصاب ردت عليه.. والجليد يجمد قسماتها:
- اولا قصر صوتك.. مريم نايمة .. ثانيا ....أحسب ان هالموضوع لعبة .. أنت إلي قاعد تلعب فينا أنا وبنتي .. وتضحك علينا بعد ..
هنا بتر جملتها بصوت علت نبرته :-
- أنا ..
ثم ما لبث أن تدارك الأمر .. فقصر من درجة صوته:
- أنا أضحك عليكم ؟!! أنا ما أخفيت موضوع مرضي إلا لأني أريد أساعدكم .. وما أريد أعور راسك بمرضي..
هذه المرة هي التي تصدت بقطع جملته وقد تكسر الجليد بشبك حاجبيها للأسفل:
- لا تحاول تبرر ... إذا هذي القصة بدأت بكذب .. فالله أعلم وين بتوصل .. أنا الصراحة ما آمن بنتي ونفسي مع شخص خدعنا ..
حدق بها بذهول يصفع وجهه.. ومن ثم ترجمته كلماته.. وهو يصوب سهم سبابته على صدره:-
- أنا خدعتك.. شمسة أرجوك لا تتهميني بشيء أنا ما سويته .. أنا كانت نيتي طيبة .. وأعتقد بأنه علين الحين ما طلعت منيي الشينة صوبك..
لتكشر اللبوة عن أنيابها الحادة وهي تزأر قائلة:
- وش قلت ؟!! ما طلعت منك الشينة ؟ أنت بإخفائك موضوع مرضك .. ورفضك للعلاج .. كأنك تقول إنه كل من صابه السرطان محكوم عليه بالموت .. كأنك تقول أن .. أن ( فتقافزت تلك الدموع المتراكمة في نفسها المثخنة بالألم من عيناها المنفرجتان ) مريم بتموت .. ( لترضخ لسكاكين الصمت لثواني .. وسيول الدمع تنساب برشاقة على وجنتيها المتوهجتان بحمرة الغضب .. ومن ثم تعود لتغدق عليه بحروفها الحادة كحد السيف ) لو سمحت أنا ما أريد إنسان مثلك في حياتي .. متشائم يريد يقتل ها الأمل الصغير إلي في قلبي ( وأسكنت يدها اليسرى على قلبها الثائر بالنبضات )
أحس بنفظة تسري في سائر جسده وهي يلتهمها بعينيه المشتتان ..ويقول بدون وجهة معينة يقصدها :
- أنت ليش مو راضية تفهمين مريم غير وأنا غير ..
لترجع من جديد تقاطعه بجدران كلماتها الناهرة.. وقد تناست تغليف كلماته بطبقة دانية:
- وش الاختلاف .. فهمني .. مو أهي من لحم ودم .. وأنت من لحم ودم .... قول لي وش إلي يخليك غير عنها ..فهمني ؟!!
لهذا أفسد نومها العميق صوت أمها الصارخ .. فعادت لعالم الصحوة .. فتفتح عيناها ببطء.. قبل أن تقول وهي تتثائب:
- أمي .. أنتِ هني ؟
فتهرع شمسة بربت على رأس صغيرتها .. وهي تقول بصوت يقطر حنانا:
- نعم حبيبتي أنا هني... .
وتكلل رأس مريم بقبلة حانية
قبل أن تصوب رماح عيناها صوبه .. وهي تزجره آمرة:
- لو سمحت انتهى الكلام بينا ... فاطلع .. وبأقرب وقت أرسل لي ورقة طلاقي.
فتك أسنانه باحتكاكهما ببعضهما
وبعد ذلك قال:
- وش صار؟ ليش تعامليني بهذه الطريقة؟! .. هل لأني بسس ما قلت لك عن مرضي.. أم بسبب إلي صار البارحة؟! أسمعي يا بنت الحلال إلي صار البارحة غلطة وأنا ندمان عليها .. وما بتتكرر أبدا ..أوعدك..
طمست أصابعها المشدودة في طرف السرير .. وهي تحاول أن تتمالك حبل الندامة الذي يطوق عنقها فيخنقها..
لتقول بعد ذلك بصوت حرصت بأن يكون طبيعيا حتى لا تخيف صغيرتها التي لازالت محاصرة بين النوم والصحوة.. بسبب الأدوية التي تخدر جسدها الضئيل:
- حميد .. أنا أعرف زين بأنها غلطة .. غلطة بأظل طول عمري أندم عليها .. وبعدين ها الشيء مو هو إلي خلاني أعصب عليك .. تصرفك المتشائم هو إلي خلاني أكلمك بهذي الطريقة .. وبعد لأنك ما قلت لي عن مرضك .. وإلي عندي قلته لك قبل.. وما عندي غيرة .. فأرجوك أطلع قبل لا أتصرف معك تصرف ثاني لا يليق بي .. ولا بك.
تمددت عيناه بقبضة الذهول
لما نحر مسمعه
ولم يلبث هذا الذهول بأن تحول للغضب جارف يهيج في صدره
لا يعلم كيف كضمه
وخرج من الغرفة بصمت يناقض الضوضاء الفاتكة بداخلة ..
___
قدمت له الفنجان الذي فاحت منه ريحة الهيل التي ترفع الرأس ..وهي تتلوى كأنها على جمر متقد تجلس .. فهناك موال في رأسها تريد بأن تشارك زوجها به.. لكن تخشى من ردت فعله ..
تناول الفنجان من يدها.. واسترخى في جلسته .. وشرع قدميه أمامه على الأرض ..
حين حزمت قرارها
وألقت قنبلتها بتروي:
- ياربي أنا حاسة بنتي شمسه شي فيها, مستحيل تنسى ظناها وبجرها فطوم,
مهما قالت مستحيل تنسى بنتها وتتبرا منها, يا بومحمد الله يخليك شوف حل لهذي البنت ما يصير نتبرا منها هذي ياهل وبتعرف غلتطتها.
نظر إليها بطرف عينه وهو يملؤ جوفه بقهوة العصر .. وقال بهدوء أعصاب:
- ومن قال بتنساها, أنا يدها وحلفت وما بتدخل بيتي زود خلاص, اللي يريد يزورها يروح لها. أما أنا مالي خص فيها بعد اللي صار, ولا أريد حتى أسمع اسمها حتى, مفهوم.
وضربها بسياط عيناه الآمرة..
لتزدرد ريقها .. وهي تدرك مغزى نظرته الزاجرة..وتقول:
- الله يهديها, بروح أقوم العيال يدرون عندهم امتحانات وشمسة مسكينة تتصل علي توصيني عليهم, هذي الامتحانات النهائية, ولازم يهتمون ويدرسون زين, الله يوفقهم.
__
لقد كادت قدماه اللتين لم تتعبان من الذهاب جيئة وذهابا اختراق أرضية الممر الضيق والذي لم يخلو من المارة بمختلف أهدافهم وأعمالهم وأجناسهم وألوانهم, والذين لم يبخلوا عليه بنظرات الاستغراب
والذي لم يلاحظ تلك النظرات
فعقله مثقل بهموم جديدة
تنظم لأكوام الهم التي تكبس على صدره
فتثقله
وضع يده على رأسه الذي يكاد ينفجر من شدة الصداع الذي عصف به
وهو يقول في سره :
( أنا الغبي ... ليش ورطت نفسي في هالزيجة ..)
لينحر جملته بابتسامة ساخرة
وهو يردف قائلا:
( عشان الأجر.. بدل ما أحصل الأجر .. حصلت مشاكل يديدة أنا في غنى عنها )
هوى بتلك اليد العاصرة على رأسه الذي يرفض الاستكانة عن الألم
على وجهه الذي طالت لحيته وشنبه
وقال وهو يدرك لفداحة قوله:
( أستغفر الله .. وش قاعد أقول ؟)

يتبع ,,,,

👇👇👇


تعليقات