رواية سيدة الحرية -26
خالتي اني سأفقد وعيي ألا تشعرين
تصرخ خالتي وهي تهز يدي وتضرب وجهي وتسكب شيئا بارداً على أطرافي
تعبت...!
.-.
.-.
.-.
كنت اتجاهل كل شيء، هذه الأرض التي تلهث من المضي بي، وهذه النفس التي تنفر الأشياء منها وتكرهها كل الأماكن!
هذه المرة اريد أن اتجاهل نفسي بصورة أعمق، ومن حولي بثقة اكبر
هذه المرة اريد ان لا ابصر احداً ولا اسمع احداً ولا اهتم بأحد
هذه المرة اريد الحرية ان تجيء دون طلبها
فقط أتمنى ان اصرخ نهاراً كاملاً، ان اركض خلف المدن ،ان استبدل الأوهام والأحلام بما هو واقع
هذه المرة اريد فقط ان اوقف سيارة اجرة، واحدث الرجل الذي يقود بكل ما يختنق في صدري من كلمات
اريد ان افهم شعور من شكى سنوات عمره لسائق اجرة ركب معه للمرة الاولى والأخيرة،
هذه المرة ، اريد البكاء بصوت عال في مقهى كبير دون ان اهتم لنظرات الآخرين
اريد أن افهم كيف للجميع التغلب على أحزانهم!
لن تفهموا اسباب تلك الفتاة التي حكت للبائعة صباحاً عناوين من ستذهب إليهم ،وأي ثوب سترتدي،وماهو جدول أعمالها ،ومن ستقابل..، وربما عن شعورها تجاه من تحب!
هذه الليلة حلمي يكاد يجعلني اجهل كل ما كنت افهمه، لاطاقة لي بجدال مع نفسي، لاحاجة لي بلوم الحياة!
إننا لا نفتأ أن نلومها حين نعلم يقيناً أننا مذنبون وعاجزون عن حديث النفس!
.
.
.
بعد ساعة سيأتي والدي،
انني جاهزة للرحيل، مؤخراً كنت كذلك، كحقيبة مضيفة طيران
الوقت الذي قضيته بانتظاره كان الأصعب، حتى انني فكرت بالاتصال بعمر!
لست اودعه كما تعلمون، بل ليخبرني عن مكان أخي ، لكني تراجعت قبل القرار، فلا احد سيهمه أمري ، فأحدهما غاضب والآخر غاضب لأجل ذلك الغاضب!!
اشعر بألم شديد في قلبي وكأنما شيء يحاول الالتفاف علية يشبه عقدة الذنب!
ستتغير حياة كل منا الآن
لم تكن مشكلتنا انه تعقبني،او انني اتهمته زوراً، ولم تكن مشكلتنا الكلمات
كنا قد وصلنا لأكبر من ذلك، بل يبدو ان ذلك ما اشعر به وحدي
انه اخطأ حين قدم لي حياتي براحة يديه، وأخطأت حين قبلتها وحياتي رهن لكف آخر
كف من الوهم، لأكن صادقة.. فأنا ظننت ان يديه ستوصلني لحلمي الواهم!
ربما مغادرتي الآن، وزواجه بأخرى....
لم يكن التغيير يوماً مقتصراً على الأسوأ!
قبل أن اقفز بخيالي لآمال أكثر، أعلمني واقعي بوقت الرحيل
حسناً لأغادر فحسب! لأترك كل شيء ورائي
لاشيء أريد البقاء لأجله
ولاشيء بانتظاري!
.-.
.-.
ارهقني السفر جداً،
قضيت الاسبوع الاول والثاني في منزل أبي متفادية الكل، لا احاور احداً ولا اتعمد الخروج من غرفتي في وجودهم
رغم اني كنت في غرفة وجئت لغرفة، الا ان هذه أشبه بقفص رغم مساحتها الواسعة!
سمعت صوت ابي بالاسفل يتحدث...ويقول بشيء لا ادري ماهو.. وينطق بـ "بدر"
خرجت مسرعة،نزلت السلم وعيناي تبحث عنه
توقفت حين رأيت ابي يمسكت هاتفه!
اغلق وقلت له بسؤال اعلم اجابته الإيجاب
-"بدر؟"
رفع رأسه للأعلى،نظر لي مندهشاً، ثم نظر للأسفل، ثم عاد ورفع نظره الي
أو ربما هو يحرك رأسه لتأكيد اجابتي!
لست اعلم تحديداً، لكنه قال لي بسخرية
-"دايمن معصب الله يعينه على نفسه"
فقط هذا ماتخبرني عنه!
اذن هكذا تكون اجابتك بعد كل محادثة بيننا! لاتهتم وان كنا نشتعل غضباً تسخر وتواصل الحياة كما تريد!
استدرت لأصعد، وأنا اريد النزول واحطم هاتفه ، أشعر بالغضب لأن هاتفي لايرن
أشعر بالالم لانني اخترت الصعود، رغم ان النزول اسهل بكثير
كيف له ان يضع درجات كثيرة في منزله وهو يعلم انني لم اعد اريد التقدم! كيف له حتى بعد هذه السنوات ان يسخر بنفس الطريقة منا!
اكمل خطوة، أتوقف، يزداد ثقلي وانا اسمعه ينطق بشيء ما ، أجلس
اطل عليه من علو مكاني، واراه يبدو صغيراً جداً ، لكنه يكبر شيئاً فشيئاً حتى وصلني
-"وش فيك؟"
أشعر بدوار في رأسي ومعدتي!!
أبعدت يديه عني واتكأت على الجدار ، ولا اشعر بتحسن
هل يتحدث الآن بدون صوت؟ هل يمزح معي!
,
حركني بقوة، رشقني بالماء، تماماً كما فعلت خالتي الا اني اسمع العديد من الاصوات عوضاً عن صوتها!
انظر لأبي الذي يواصل الكلام بلا صوت، يلتفت لمن لم اميّز خلفه
يبدوا كأنما يسأله عني: هل يحدث هذا لي دوماً؟
بالطبع فهو لايعرفني،فهل يظن ان من خلفه اعلم منه!
لذا أخذني للطبيب الذي قال ما ألجمنا جميعاً...!
.
.
.
.
ازدادت حالتي النفسية سوءاً في الأيام التالية ، ولا استوعب شيئاً!
وعندما شعرت بأنني أفضل ،قررت الموافقة لرجاء أبي المتكرر وإلحاحه علي بتناول الطعام معهم ، فأنا لم أشاركهم وجبة منذ أتيت
حين جلست أمسكوا بملاعقهم وحين أمسكت بملعقتي تناولوني بالسؤال
قالت زوجة أبي:
-"وش تبغين تشربين؟"
أجبت بأدب:
-"أي شي"
قال أبي ضاحكاً:
-" خذي عصير ولا وش يبغى اللي ببطنك؟"
ابتسمت قسراً وأنا اشعر بألم شديد في تلك المنطقة، حين ارتكزت أنظارهم على بطني بدو كأنهم يصافحون الجنين، لاأدري لم شعرت بخوف شديد فكأنهم يؤكدون لي بوجوده،
مع أول قطعة آكلها نطقت زوجته:
-" ياليت اخوك معنا من زمان ماكلنا مع بعض"
كدت أتقيأها..أأنت مشتاقة له! ام تريدين معرفة سبب عدم حضوره!
نظرت لأبي لأرى أيوافقها السؤال اذ به يضيف ببساطة:
-" كلمته يقول بيجي!"
حيث التقت نظراتنا انا وزوجته بدرجة الاندهاش التي سأبكي ان وصفتها!
تركت مابيدي ووقفت ليقول ابي بتوقيتها!
-"وين؟"
-"شبعت الحمدلله"
وأعطيت لهم ظهري وأنا اسمع كلاماً يقال خلف ظهري أمامي بل أمامي خلف ظهري!
-"شكل بينهم مشكلة "
أتوقف دون ان أستدير
وتضيف لأبي الذي يتناول طعامه دون تعليق
-"بدر ان كانه على خبري للحين لسانه وسخ ولايحترم صغير وكبير"
تقصد بالصغير أنا والكبير هي! اي لسان أقذر منها لتنتقد اخي!!
التفت بعد اخذي ثواني لتفسير حديثها وبهدوء لاطاقة لي بغيره
-"لاتتكلمين عن بدر"
بطريقة من يقول لو سمحتي
تنظر لأبي بطريقة من يقول انظرلها!
يشاهدنا ويشرب كأسه الغازي تماماً كما يشاهد فلم!
-"خذي العصير معك جايبه مخصوص لك"
هذا ماكنت انتظره منك!!
ان كان يريد تهدئة الوضع فلا يهم ذلك فلست متأهبة لثورة خارجية!
لتؤيد عصير أبي قائلة:
-"ايه حلفت تاخذينه مايصير ترى انتي ما اكلتي"
ما ان رأت انني لا ابدي اي تجاوب أضافت وهي تنظر لطعامها
-"ترى قلبي عليك يوم قلت عن اخوك"
لأقول:
-" رجاء خلي اخوي في حاله"
ولم اجتمع معهم على وجبة
.-.
تمر الأيام دون ان تنظر الي، كنت اتصفح حياتي بصمت ،واقرأ، واتجنب اسئلة ابي ودعوته للطعام وافتح النافذة واستلقي على السرير،
وأتحدث كعجوز امام حقل ذرة ، ترغب بالذهاب الى السماء!
.
.
.
يرن هاتفي الأخرس
بدري!
إذن هو يتصل
كان يجب ان احلق بسعادتي الا انني كنت عكسها تماماً خيفة ان يجيء صوته غاضباً او شاكياً أبي!
لست قادرة على الغضب من ابي وانا معه ، كنت اتحسن تدريجياً قبل اتصاله
أقفلت الهاتف
ولم افتح باب الغرفة لليومين التاليين خوفاً ان اخرج ويسأل الناس عن حالي!
فأنا لحظة بعد لحظة اشعر بالخوف ويقفز قلبي رعباً
لااستطيع التفكير
يطرق بابي بقوة، لم تكن لدي نية في فتحة لولم يكن صوت احبه يظهر لي!
صوت بدري..امام غرفتي
للمرة الاولى في حياتي يجعلني صوته ابكي!
لأني افتقدته للمرة الاولى في حياتي بهذا القدر، كنت اخطو ببطئ واخاف ان افتحه ولا اجد أحداً
واخاف ان اجده غاضب كما هي طرقاته للباب
مافيني سيكفيني، لن اطيق المزيد ، لكني لا استطيع سوى رؤيته
افتح القفل واعود لأجلس على السرير
ارفع رأسي ببطئ
رأيت حاجبيه تحتدان وتكاد تفقأ عيني! انه غاضب
-"رسيل"
يصرخ باسمي حتى اكاد ان ادفعه للخارج، الا يرى حياتي الا يرى هذا المكان الا يرى انه كزائر سجين!
نعم انني هكذا بسبب اخطائي، أعلم.. اغرب عن وجهي فلا اريدك انت من بين كل من عشت معهم ان تبقى غاضباً!
-"وش اللي جابك هنا؟ يوم قال تعالي جيتي؟ بأي حق ياخذك الحين ؟ رسيل اكلمك ناظريني"
كل مافعلته وقفت بسرعة، احاول تجميع مايرميه بعيني
-"هذا اللي قدرتي عليه قافله على نفسك لا اكل ولاتكلمين احد انتي شفتي شلون شكلك صاير؟ وهو بأي حق يعاملك كذا اصلا باي حق يجيبك هنا ؟(يقترب فيكاد يضربني) انتي ليش رحتي معه؟"
ارتعش وانا احاول اجابته كي يهدأ المني ظهري لكثرة مارجفت،قلت بكلمات متقاطعه
-" مالقيتك... كله مني "
لا بالطبع لم أكن لأقل -منك - فأنا السبب لأني لم أجدك، انا السبب، مالذي يغضبك هكذا
اتركني كما فعلت
تنهار قواي، اجلس ثم يسقط رأسي على الوسادة وابكي بحرقة وكأنني اشتكي كل شيء في حضورك!
جلس على طرف السرير وكأنما الصق أصابعه الخمسة بالخمسة واسند رأسه عليها
-"كل شي مقدر.. اهم شي صحتك (ثم سكت طويلاً وقال) واللي ببطنك"
هنا كان رأسي قد امتلأ بكل شيء،ووسادتي غرقت، وصوتي يختفي، أغمضت عيني بسكون اريد الرحيل عن هذا العالم لدقائق معدودة
لاتقل المزيد!
اصمت
-"ترجعين له؟"
ليتني اغرق في هذه الوسادة ولا اسمعه، ازداد دخولاً فيها ولا افقد السمع
بدر..لا اريد هذا السؤال، لاتكرره
بل لا نريد هذا السؤال، فقد خرجنا معاً من بيته، انا وهذا الشيء الذي يقولون ببطني كنا هناك وخرجنا معاً، افهمني...بل اتركني في حالي
-"فكري بمصلحته ولو مارجعتي بيكون ابوي مثل ابوه وبيعيش مثل ماعشنا"
ليذهب رجال العالم لحيث لايعودون، اغربوا عن وجهي
.-.
.-.
الآن أصبحت اصدق!
ان أكون حاملة...أقصد حامل، حيث ان هذه اللغة تفرض الكثير ! لزمني أيام لأصدق ذلك
ان تشعر ان هناك شيء غير الماء والهواء في جسدك!
ان يقولوا لك بثقة ان هناك جسداً يريد النمو في داخلك!
ان تسمع سخريتهم حين يقولون هناك أشياء تولد غير الأفكار!
لا تجد نفسك ترغب بالضحك ولا البكاء ولست مدركاً الذي يحدث حولك
هناك أشياء تأتيك حين لاتبحث عنها، وأشياء قد تقضي عمراً بالتفتيش عنها ولاتجدها
وتلك التي قالت أن أجمل الأشياء تجدها بينما تبحث عن شيء آخر، لم أكن اصدقها بل كنت اسخر من كذب الكتاب!
لكنني صدقتها يوماً، حين فتحت النافذة ذات صباح بعد التسعة الشهور القادمة ، واتكأت على إحدى يدي وشعرت بالأخرى تلاحق ذالك الشيء المتحرك في بطني، ولم افرح كما يعتقدون بل كنت أخافه، أخاف لحظة خروجه،ولحظة رؤيتي له،ولحظة سؤال الجميع عن والده، ولحظة تسميته، ولحظة صراخه،ولحظة ضحكه،ولحظة حديثنا الأول وحديثنا الأخير!
أخاف تلك الحياة القادمة،أخاف ان امنحه حلمي حين ارضعه فيموت! أخاف حين امسح بيدي على رأسه وحين انظر لعينيه وحين اقسوا عليه
وحين أبقى معه على انفراد وحين يسألني عن والده ويضيف: لمَ لم تعودي له لاجلي-! أخاف ان اجيبه: انني لم أكن اريده!
حين يمر الوقت بين الفينة والاخرى اهرع الى جهازي المحمول وانظر في صندوق رسائلي الخاصة، ولا أجد شيئاً..فلم اعد استطيع الكتابة ولا اجد أي رد على ماكنت اكتب باسم –ماني لاحد-
يبدو ان والدك قد نسيني، ونحن لم نكمل سنة فقط!
او ربما يكرهني الآن، فهو مثلي تماماً لايضحي لأجل طفله،فلم يحاول إعادتي بعد ان علم انه سيصير اباً عن بُعد!!
ربما لأنك لم تخرج بعد لذا لانعرف التضحية ، ربما قرأت كثيراً عن الأمومة حتى شعرت انني سأكون اماً!
ربما يحدث كل هذا لأننا لم نصبح بعد والدين!
.-.
.-.
كان يجب عليه مهاتفتي حين سكت عنه الغضب
انه من الصعب فهمي حقاً، اعلم انني ان اتصل قد لا اجيب!
احياناً حين افكر به، اعلم انه كان يمارس حريته بطريقته الخاصة، يفعل مايريد ويقول مايشاء
سمعت بالصدفة انه لم يتزوج بعد، لكنه سيتزوج قريبته هذه الأيام
أي حين تولد طفلته ستفقد أباها!
في الحقيقة لايهمني الخبر،ولم اعد ابكي على الضيف الغير مرحب به في بطني، ولم اعد كما كنت حتى في الكتابة
قال احدهم: من يكتب جيداً بالخيال فاشل في حياته الواقعية!
والحقيقة جميعنا روائيون
مادمنا نتحدث، مادمنا نفكر، مادمنا نرى ونحلم ونعيش
لكن البعض يمسك بالقلم، والآخر يقرأ!!
دراستي توشك ان تنتهي، واعيش مستحسنة وضعي لأن بدري انتقل لأجلي
وفكرة ان نعود معاً، لم تعد تغضبني
هل تريد عودتي..!
-أحياناً ليس ثمة بيت في العالم نريد ان نعود اليه*
وأحياناً لاتجد نفسك فيما اعتدت أن تجدها، كان الألم طفيفاً بداية الأمر!
أحياناً نترك أنفسنا على مقعد صغير في بيت من الماضي ونغادر لبقية العمر دون ان يعترينا شعور أننا فقدنا شيئاً!
وأحياناً اخرى لانود التقدم ولا الرجوع،وكأنما شيء يصرخ أوقفوا الساعة
لم نعد نهوى الحرية!!
،
،
-كان يحبك!
كثيراً ماسمعتها مؤخراً، كل من يجلس معي يختم حديثه بها!
وأظل صامته لا أقول: حينما كنت معه لم تنطقوا بهذه! بل كان الوضع غريباً في أعينكم! أوَ أصبح يحبني الآن!
أتمالك نفسي حتى لا اصرخ بهم قائلة: كذب.. لو كان يحبني لحاول الاتصال بي ولو لمرة واحدة، لو كان يحبني لما تصرف بصبيانية ولما غضب ،لما اجبرني على ما لااريد ولا حتى تبعني حيث اكتب !
وحين يغادر الجميع ولايبقى سواي
أقول، انه بالتأكيد كان يحبني!
ربما لأنني لم امنحه شيئاً ومنحني الحرية!
لكنه أخطأ بفهمها، أصدق ما لن أقوله أبداً أنني حين خرجت لم أكن أتوقع الخروج للأبد!
نقيض الأشياء مذهل في لحظة صدق!
،
،
-إذن يحبني
وماذا في ذلك،وان كان يحبني؟ هل يجب ان اشتري بعضاً من الحب لأجله!
الحب شيء لايشترى، شيء لن تستطيع التعبير عنه، لذا انا لا اكتب عنه ابداً
ليس لأنني لم احب يوماً بل لانه لن يعني الكثير لمن هو في حالة حب!
الحب شيء مهما شاهدته في عيون الرفاق، في الشوارع والزقاق ، لن تفهمه حقاً حتى تصافحه
وأنا قد قطعت كفي منذ زمن!
أتساءل مؤخراً... هل كان الحب يوماً وجهاً آخر للحرية!
ليس لعملة واحدة!!
الحب حين يأتِ لايخلع نعليه ولايمشي باستقامة ولا يسلم حتى ، فهو يأتِ بلا موعد بلا استئذان يأتِ وكأنه عائد إلى منزله ليلاً!
الحب مليك حريته ،وهو شكل آخر من أشكال العبودية!
حين نحب نبقى أمام الأبواب في وداع من غادر أو انتظار من سيعود
الحب يجعلك مدينة، وحين تكون لك مدناً اخرى في صدر من تحب فستعيش حراً
وان كنت تصنع مدناً لمن هو لايبادلك الشعور، فستكون عبداً
الحب شيء معقد جداً، كلما حاولت ان تعرف عنه اكثر جهلته، تماماً كالحرية
أحدهم يقول: عندما يضحك محبوبي تشرق الشمس، وحينما يبكي تغرب واعيش في ظلام
هذا تظنه حراً وتظنه عبداً ، فتشعر انك ستصدق ان الحرية والعبودية بالحب لاينقضان بعضمها! بينما شيء آخر معقد!
عندما تحب
يصبح كلامك حذراً، ويصبح طليقاً دون خوف، تفتش عما يجعلك تحبه بعمق وان احببته وحدث ان افترقتما تقضي بقية العمر بحثاً عما يجعلك تكرهه بعمق!
وهناك أناس تحبك عندما تعلم انك تحبهم، هؤلاء لايخافون الحب!
اردت يوماً ان اكون منهم، لكني اغلقت ابواب المدينة باكراً!
انني الان امرأة حبلى تتحدث عن الحب عندما أرادت العزلة!
.-.
.-.
اذكر أنني رأيت في المنام قبل شهور بأنني اركض خارج منامي اطرق منزلاً غريباً
فتحت لي الباب امرأة لم أفاجئ بأنها امي!
سألتها أين الجميع؟ قالت بالداخل ..عمر يسأل عنك!
ضحكت بسعادة وركضت ابحث عنه فإذ به يغسل وجهه أمام المرآة وهو يلتفت لي ويضحك، كان صغيراً جداً !!
وقطرات الماء على وجهه تحولت لدماء!
كنت فزعة جداً حينما استيقظت،لم أعاود النوم وانا أتذكر انه كان صغيراً وأنا من كبر وحدي!
تمنيت ان ذلك حقيقة وان كانت مفزعة، فأن ارى ذلك الزمان وامي ،ذلك يجعل من قلبي مطمئناً
هوَ كبير الآن، ويغسل يديه ويعيش في منزلي ،وكنت معه هناك حيث ضحك وصرخ واكل وفعل كل ماكان يفعله في صغره، حتى انه حين يفقدني يركض الدرجات مكرراً اسمي بتحريف!
لكنت سأبحث عنه في الأرجاء أيضاً كما كنت افعل، لولم أكن شغلت بالبحث عن حلم يكبرنا!
الحنين للماضي لايتعلق بالأماكن دون الأشخاص!
حتى البكاء، نبكي أحيانا بلا سبب! لربما كنا افتقدناه!
حتى الذين نكرههم حين يذكر اسمهم حولنا، نلتفت.. نشعر انه يعنينا بطريقة ما!
نحن نشتاق دون ان ندري!
.
.
.
.
يقول احدهم ان الجميع ينتظرون في هذه الدنيا..
ينتظرون عرضاً ما، موعد طائرة، مكان في الصف، إجازة، خبر ، وربما كارثة!
فنحن دوماً في حالة ترقب، هكذا نعيش ،لربما نعيش في اليوم سلسلة من الإنتظارات حتى في أنفسنا
ننتظر انجازاً ما، فرصة لإثبات النفس،بداية جديدة... ،
لكن حين تكون في غرفة واحدة، لست قلق على من هم خلفها، لاتملك حلماً! لاتملك هلعاً او وهماً لطفل قد يصبح ابنك، لاتملك سوى نفسك، حينها تجد نفسك لاتنتظر شيئاً ، تجد نفسك حراً..!
.-.
.-.
كان ذلك آخر مافكرت به قبل ان افقد السيطرة على نفسي حين سمعت احدهم يصرخ
-"ســ تلد..!"
.
.
.
أردت استقباله، أردت ان اكون معه حين يخرج لهذا العالم
أردت سؤال امي من يشبه؟ اردت ان اكون الأب في حضورهم
أردت ان أسأل الطبيب " هل هي بخير" وليس لبدر على هاتفي!
إني بالطريق لأراه
.-.
.-.
-"طفلك"
قدموها لي!
قبل ان المسها صرت ادقق في عينيها،انظر لها كأنها ليست لي، أنظر للجميع وهم يبتسمون مؤكدين انها ابنتي!
عينيها التي رأيتها كانت خالية من التعبير، لم ارى عيناً كهذه حيثما عشت!
أمسكتها، نظرت لها، تمنيت ان تبقى تنظر للجميع دوماً كما تنظر الآن، لاتقلق ولاتبحث في وجه احدهم عن إجابة
وان لاتبكيان كثيراً
ان لاتفتقد احداً، ان لاتشعر بالألم حينما تتعثر، وان تواصل المسير دون أن تيأس، أن لاتحلم بحرية، ان لاتعيش كما أعيش!
إننا نولد لنمشي إلى الموت، كما قيل ، فأي موت سيكون لأجلها! وأي حياة ستقضيها للوصول إليه
لا بل هي ستولد في كل يوم من جديد، أعانقها، أقصد ضمها الي بقوة وأشعر بوخز عميق قلبي، فأبكي
حينما تضم الأشياء إليك، فأنت تعني ذلك ، فلن تفكر بالخلاص يوماً
فكل ماتفكر به الإخلاص!
.-.
.-.
لا شيء يبقى على حاله بعد خمس سنوات...!
(3)
"الصراحة..!"
لاأود ان يطالبني أحد بها! كما كرهت مزاولة الكذب!
نحن لانكذب لأننا خائفون ممن يسألنا، بل لأننا خائفون ان يعلم أننا نكذب!
اذكر ان احدهم لايحب شيئاً أكثر من سماعه كذبات من يعلم أنه كاذب! يمتعه ذلك بقدر من يعلم إجابتك ويطلبك الصراحة!
أليس الكذب مهرباً في العديد من الأحوال التي تهلكنا في النهاية! بداية النهاية كما يطلقون عليه!
إذاً لم الصراحة منفذاً للهلاك؟
أمازلنا نفتش من منفذ؟ ألا تصدقون هناك من يؤثر البقاء في فوهة البركان على أن يناضل لإخماده
انهم مثقلون بالهم، وأوذوا كثيراً لنصرة وجهة نظر لشخص آخر!
شخص اصدق منا بل شخص قد تأذى حتى فقد القدرة على الاستسلام! او ترانا نظلمه!
قد يكون أبى التراجع بعد أن فقد كل مافقد وعلم انه لن يكون موعوداً بشيء ان تخلى عن بعضها.. تخلى ولم يناقض!
آه عذراً تقول الصراحة.!.
نحن نريد الحقيقة ولسنا على استعداد لدفع ثمنها ، رغم انهم قالوا ذات تهور-"نموت ونعلم بهذا الأمر"
لا احد يدفع ثمناً صدقوني لا احد يموت لأجل خبر ولا احد يقول الحقيقة ولا يموت!
نحن نموت عدة مرات في صحيفة لأننا نعتقد ذات انغماس أننا هدف قضية او أننا معنيون لإصلاح ذلك الأمر، او ربما نموت لأننا عاجزون عن امتلاك بقعة صغيرة لا يقتلنا احد إن عبّرنا فيها عن أي شيء "بصراحة"
بالأمس
أعلنت تلك الصحيفة عن ربح صاف لأحدى المصارف، وفي صفحتها المقابلة شكوى معدمة فقدت فرصة علاج ابنها فتوفى
وأزمة الصدق في هذه العبارة جعلتنا نموت اثر عقدة ذنب..ولم نكن لنموت لو تحدثنا بصراحة!
لو تحدث الجميع بصراحة
تعلمون إن نتحدث فرداً فرداً نقتل ونرجم ونموت، وحين نتحدث جميعاً نقتلهم وإن لم يصدقونا نموت!
فكيف يقولوا ان هذا لم يكن موضوعنا هذا الصباح! وانهم يتحدثون عن حياة شخص، والشخص فرد، والأفراد جماعة، والجماعات ستكون شعوب، وكل شعب له حق الحياة
وله حرية التحدث، والتحدث بصراحة !
دعونا لانقرأ الجريدة!
أو دعونا نقرأ ونتحدث بصراحة ونموت في سبيل الحرية
هكذا نعيش ياسيدي نتجرع المبررات ثلاث مرات يومياً ونشرب الماء حتى يتسرب من أعيننا ولايستطيع دفع غصة ما
فهل نلام لطلب الحرية!!
.-.
.-.
لم تكن الجريدة صباحاً مشرقاً، أقصد هي لم تتغير لكن ماتغير عادتي في قراءتها مساءً
لذا كنت أقضي اليوم أحلل الأشياء وافتش وابحث واجادل في نفسي!
لم اكن مع الحرية على وفاق، لكنني لم افكر بغيرها، وهذا الصباح فوجئت بنفسي في ساحة اطالب بالحرية، وافاجئ بالجميع مثلي!
.-.
.-.
اعتذر من سدن لاتصال جنان وطلبها مقابلتي، بنية التسجيل معاً في دورة تعليمية ستفيدنا
،
تفقدنا المكان، أعجبنا بالمحتوى، فكرنا بالاستمرار
كنت اجلس أمام جنان نتحدث عن مذاق القهوة التي نشربها دون احتساء!
-" مشكلتهم الوحيدة المقهى"
أجبتها ضاحكة-" خلينا نتعود على طعمها من الحين"
رغم ان الاعتياد ليس من عاداتي، لكنه الجو البارد يجعلنا نمسك بها بكلتا يدينا ونتحدث عن دفئها متجاهلين مذاقها السيء، ارفع عيني لأقول :سأذهب لأحضر نوع آخر
ولا أقول ذلك، يخرس عقلي وفكري فجأة وأنا أرى امرأة تشبه تلك التي في أرشيف ذاكرتي
اطيل النظر، فتتضح الصورة أكثر فأكثر وهي تتقدم لتمر بجانبي دون أن أثير ذاكرتها
-" جنان شفتي اللي تو"
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك