رواية سيدة الحرية -20
عندما عاد اتجه الى غرفته ونام، وتركني دون تحية..
لست قادرة على الخروج،ولا استقبال أحد،أكره هذه الحياة معه،
إقامة جبرية!
.-.
.-.
مرت ثلاث ايام لانتحدث فيها،لكن اليوم عندما رأيتها،قالت لي
-"جب معك عشاء"
تخطيتها وانا اقول:
-"المطبخ عندك فيه كل شي"
هذا ما استطعت قوله،فلست انتظر أمراً منها بقدر انتظاري لكلمة أسف،او تعبير ندم!
لازلتِ مغتاظاً بقدر شوقي لكلمة اخرى!
هي لاتشتاق للحديث معي،ورؤيتي لاتهمها تنام قبل وصولي وتستيقظ بعد مغادرتي
ولم اطالبها بشيء،لا ايقاظي،ولا اعداد فطور وتناوله معي، وأعطيتها حرية النوم والاستيقاظ متى تشاء وفي أي مكان ،وهي لم تفكر حتى بأن تسأل كيف أبليت بعد العمل،وكيف نمت،واكلت،وماذا قد يكون بي؟
لو ابتسمت لي حينها لنسيت كل شيء!
.-.
هذه المرة كنت مستعداً نفسياً لأقرأ ماقد تكتب عني،فربما سأكون أسوأ رجال الدنيا على الإطلاق، ولم يخب ظني في انها كتبت،لكنه لم يكن ذماً او اعتذار
كان شيئاً أوقف الدم في عروقي، صفعني من كل جانب،وتقلبت كل المواقف في رأسي كطرقات باب مستعجلة ،كطرقات حذاء مسرعة على ارض رخامية،
ثم... كطرقات المطر على قبعة رجل عجوز في ليلة ظلماء عاصفة!
(يادار انك لن تريهم مطلقاً_أرواحهم عرجت إلى الرحمن_يادار كم دار الزمان بدوره_ان الزمان مفرق الخلان...* عدت هناك..ولم أجدها حتى الآن...!ازداد حزني)
ماكتبته هي،أيقظ كل شعور وأشعل كل فتور، وكأنما هي..هي رسيل التي لم تتزوجني بعد،ولم اغضب منها حتى الآن!
كأنها تلك التي احمل لها فيضاً من كل شعور جميل،قبل كل ماحدث
فتلك الطرقات أعادتني لمكاني السابق،وقلبي الذي لم يتعلم الغضب بعد!
طرقات أيقظت حتى وعودي حينها، كنت أقول لو انها لدي،لن تبكِ ولن تشعر بالوحدة! وسترى أجمل ماسيكون في هذا العالم..وكل فعلي مخلف الوعد!
-لدي شيء لأقوله،لدي الكثير لتسمعه، هذا المكان وهيَ يمنحني الشعور الذي افقدني خطأي بتفقده!
أحقاً خطأي قراءتك هنا!..أيجب أن اواصل حبك هنا! ام اتجه اليكِ هناك ،اصمت أمامك ام اصمت أمام قلمك!
لكم اخلفت الوعود!
.-.
قررت ان الحديث معها هنا أبسط بكثير بل انه أكثر صراحة،فما ان افهم التي هنا سأصل للاخرى
-(ماهو الحب بنظرك؟ وان تكون الفتاة هادئة هل لابد ان تكون حزينة؟)
بما ان الموضوع شامل وعام الا انني تمنيت ان تجيبني ولا يسبقها احد! فأتبعته باقتباس لها
وربما لم احسن التصرف!
ان قالت ان الحب قبلة جبين صباحية ووردة حمراء،لطبقت ذلك غداً!
وأتمنى ان تجيب على الآخر دون اتهامي بالسرقة من صحيفة الأمس!..،سرعة إجابتها تخبرني انها تملك وقتاً فارغاً،ووحدتها تشعرني بالذنب!
أجابت:
-الهدوء خلوة والخلوة ابداع ليس الجميع يتقنه لهذا قيل من لايستمتع بالعزلة لن يهوى الحرية!
عذراً..لازلت لاارى الأسئلة المباشرة! ولا احتسبها ولا اطيق الإجابة عليها!
تعلمت انها تشبه الحب.. غباء صريح يقع به الكثير من ذوي الأرواح الطاهرة والتي قد لطخت ذات غفلة!
الجميع قد يخطئ بمثل هذه الأسئلة،ويفترض بنا الا نجيب إلا لمَ يستحق
حقاً هناك أسئلة لاتستحق صدق الإجابة، وهناك اخرى لاتنتظر إجابة فآرثرجيترمان القائل: لاتشرح للناس مشاكلك الصحية: فقولهم "كيف حالك؟" مجرد تحية و ليست سؤالاً
أصاب حالنا، فيفترض ان لانجيب ،إلا اننا في كل مرة نقع في نفس الخطأ ونجيب وان قلّ المحتوى،كثرة السؤال فضول،وكثرة الشكوى مرض!
في نظري لايوجد سؤال يستحق الإجابة الا بقدره، حين تسأل عن الحال فاكتفي بقول بخير وتجاهل الأسئلة القصيرة التي لاهدف منها سوى إراقة حبرك..،
العذر ليس الكلام موجه للأخ "ماني لاحد" لكنه حديث صحب آخر!
.-.
.-.
لا أدري،بعد قرآتي لهذا الرد،لا ادري كيف اصف ذلك!
أكان الحب غباء؟والأسئلة المباشرة غبية؟
يبدو ان الجميع سيئون بالنسبة لك! والجميع فضوليين،والجميع مرضى! ولا أحد يرضي سموك!
إذن لمَ تسأليني:هل ستنام؟ هل ستخرج...، أم ماتشتهين يحور كل شيء!
أأنتِ رسيل؟
أأنتِ التي احب!
لمَ حتى هنا لاتكفين عن إغاظتي، إجاباتك جامدة، قاسية باندفاعك
-الذين يحورون المعاني كما يشتهون،ينعكس مزاجهم في كل مايكتبون
ليسوا من اعرفهم، ومن احببتهم!
.-.
.-.
قبل الفجر،عاد وأنا أتناول وجبة خفيفة بالمطبخ
كان سيصعد مباشرة،الا انه توقف وأخذ ينظر الي فلم اعد اعرف كيف امضغ البسكويت!
-"السلام"
ابتلعته بسرعة لأرد السلام، وكأنه رد لايحتمل التأخير
جلس على الكرسي الآخر،واخذ قطعة من البسكويت وأكلها وهو يقول:
-"هذا عشاك؟"
.-.
.-.
عدت للمنزل بمزيج من المشاعر،كل مرة اشعل نار الغضب يطفئها قلبي!
وقبل ان اصعد وجدت ضوء المطبخ مضاء،ورأيتها تتناول شيئاً ما
تأكل بصمت،لاغيرها في المنزل،ربما أحست بالوحشة،بالوحدة،بالخوف أيضاَ، لذا ضميري كان يؤنبني وقلبي تركني ومضى إليها!
-"هذا عشاك؟"
أجابت بإيماءة بسيطة،حرمت بها من الصوت
كنت ابحث عن شيء ابدأ به،لكني لم أجد سوى
-"تأخرت؟..ليش ماتتصلين اذا تأخرت؟"
لم تجب،علمت انها لن تتحدث بهذا المزاج!
-"تصبحين على خير"
وتركتها وصعدت، بعد دقائق طرق الباب، ثم دخلت رسيل حاملة غطاء ووسادة، وضعتهم أرضاً وغادرت ثم عادت بالمزيد،
رتبت لها مكاناً قرب السرير،وأنا اتابعها بذهول
وقبل أن تطفئ الإضاءة قالت وهي تنظر الي:
-"البيت يخوف اذا بتتأخر مرة ثانية لهالوقت ودني لخالتي"
وأطفأتها مباشرة،كأنما توقف الحديث، ونامت
أنا..أتسألون عما شعرت به!
.-.
استيقظت،وعدت اغمض عيناي وهجم الأمس علي بما جاء،لن احتمل هذا المنزل أكثر مادام يقضي الليل خارجاً
بالأمس كان المنزل موحش كمقبرة فاحت منها جثث الموتى تحت باب غرفة امي،فقط لأنني أدخلت المفتاح ليلاً في نية الولوج للبحث عنها،سكون البيت حينها وصوت المفتاح خيّل لي مايلفني رهبةً من المكان، ورعباً من استمرار البقاء،ويأساً من خروج امي!
رفعت الغطاء،تفقدت المكان، لم أجده لقد غادر باكراً
الليلة التي اقضيها معه في مكان واحد،لاعجب أن تكون مليئة بالكوابيس!
ماوجدته كان في هاتفي
-"صباح الخير،آسف..اتمنى يتغير هالجو"
ابتسمت، تصرفه غريب على الدوام، شيء ما اراد مني تغيير هذا الجو أيضاً
-"صباح النور.. الجو صفو!"
.-.
.-.
هاتفي الذي أعلن عن قدوم رسالة جديدة،قفزت يداي له بلهفة مجنونة، لهفة لن تحتمل خيبة ان يكون عداها المرسل
ستة عشر حرفاً ثمن إشراقه صباحي،وثمن الابتهاج الذي غير من مزاجي،لم اعد أرى الشمس لشدة ماشعرت به اثر إشراقي!
-معك أدركت ان الحب مخلوق مزاجي يطالب بكل شيء ويرضى بأتفه شيء سكوديري
يتبع باذن الله
أوَعندما يؤمن القلب بك...لايرتد أبداً؟ويأبى النفاق والعصيان
ان كان الحب مخلوقاً فأي مخلوق هوَ..من اعطاه السلطة من اعطاه الحق لمَ نمنحه انفسنا؟... ولمَ لانتساوى فيه؟
ان كان الحب مخلوقاً واحداً لمَ يصادف الجميع في الوقت ذاته بألوان متعددة!
لمَ يختلف الناس فيه؟
يامن يحن لها الفؤاد إن غابت ثواني،بائس هذا الملخوق الذي صادفته فقد كنت اظنه جريئاً،سيمنحني لحظة اعتراف واحدة،صادقة،لأخبرك فقط أنني احبك!
لكنه بدا واهناً ينسج لكِ كل ليلة خيوط العنكبوت في رأسي، ولايخطوا له اعتراف واحد مهما تمنيت إحداث ثغرة تبقيني مرتاح البال
لكنك تبطلين كل محاولاتي لأنكِ تخجلين..، أو ربما هذا عذر! أو دعيني من ذلك.. لست ادري كيف ستقابليني هذا المساء،أخاف ان يكون الصفو غيماً .. !
اشعر بالعجز معك!
معك تعلمت فقط أن اتبعك..أنا أعزل تماماً حين أدخل الحرب معك..أنا مجرد شخص غاضب من مكانتي لديك.. لكنني لست إلا جنون، فليس العقل مسؤول فقلبي قد اهداه لك!
-أحياناً اشعر انني مقيَد.. لكنني لا افكر بالخلاص،فالخلاص يعني ان لا التقي بكِ!
كيف يمكنني الخلاص؟ أم كيف لايمكنني الخلاص!!
تطالبين بالحرية وتلزمين الناس قيودهم!
-وأحياناً اخرى..أرى قلبي أمام الحدث،لايلتفت لي حين يراك!
عندما عدت أحضرت معي عشاءً أكاد اطعمها بيدي،فلربما أذنبت في الأيام السابقة،فأنا لها العائلة كما هي لي العالم!
-الحب ليس شفقة،والاعجاب ليس حباً،والحب مالم يحدث ان قيس طول نفسه بالثانية،ولا بالدقيقة،ولا حتى بالساعة واليوم!
مالحب الا استسلام تام...، كل مايحدث/ لن يكون الا طوعاً إرادياً..!
.-.
-"رسيل ودي اسألك"
ما ان قال ذلك بشكل مفاجئ،حتى شعرت بألم في بطني!
لن يسألني بالتأكيد لمَ أتيت لغرفته بالأمس..لن يسأل
لمحت الصحيفة امامي،فقلت مباشرة:
-"قريتها؟"
القى بنظرة سريعة عليها وسكت،ولأكمل تدارك الموقف امسكت بها وقلت:
-"تعرف رامي؟ كاتبين عنه مقال اليوم"
من بين هذه الصفحات لم اذكر سوى موضوع ذلك الشخص،ومن بين المخارج التي استطيع ان انفذ عبرها من سؤاله خرجت بالصحيفة!
-"جريدة امس؟"
سألني بدهشة،فأردت ان اجيب-لأني احاول ان افرغ من ذلك الشخص منذ الامس
-"ايه قريت المقال؟"
كان مركزاً عليها هو يفكر بأمر ما بحاجب مرفوع ثم بدأ بفرقعة اصابعة!
سألني فجأة-"مين رامي؟ اللي يقربلك"
ثم قرأ :رامي عبدالعزيز غاضب على زميله الذي كتب بالأمس مقالة عن انتهاك حقوق المرأة
ثم وجه عيناه التي لاتزال مندهشة لسبب لازلت اجهله
وقال-"دايم يطالب بالمساواة"
دققت في ملامحه:"لا.. اذكر مره كتب عن وجود القوامة"
وضع الصحيفة ثم سألني:
-"وش كاتبين عنه هنا؟"
اقرأ، انه أمامك!
قبل ان اجيب سألني باستهتار:
-"اجل يطالب بالحرية ؟"
سؤاله،أو تحديداً طريقة سؤاله، نظرته كل ذلك منحني شعور غريب
بتردد قلت-"كان فيه خلاف وجهات النظر لو قريته رح تعرف ان رامي ماقصد بمقالاته اللي قبل مثل زميله هذا والناس فهمته غلط"
-"يعني معاه حق؟"
مابالك اليوم؟ جعلتني اتمنى لولم اتحدث ابداً!
-"احياناً"
-"لكنه قال القوامه كانت بالماضي الحين المرأة مثل الرجل فلها نفس الحقوق"
-"هذا اللي كنت اقصد في فهمه خطأ هو الحين يوضح ان الناس خلطت بين مقالاته واكد على ان الرجال قوامون على النساء"
-"غير رايه الحين انا متأكد كان له راي ثاني"
هو لايقصد، وهو يعي أيضاً ان القوامة ليست استبداد،-الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض-، وأن القوامة تدبير ورعاية لاتسلط، وانها ليست كلمة تثير الاقلام حين يجعلون لها معنى مايشتهون!،هي ليست كلمة تسن للاقلام الخوض في حديث المساواة، والمساواة ليست الحرية!
وأنت؟ماذا تبحث في إجاباتي؟أي توجه تريد ان تعرفه في حديثي عن كاتب يدعى رامي!
-"وليش هالضجة كان كل واحد تكلم بمقالته عن وجهة نظره.. ماخذين نص الصفحة عالفاضي؟"
اجبت باستهتار من اراد الكف عن الحديث الجديَ:
-"يمكن له علاقة برئيس التحرير!"
ضحك وقال-"وانا وش مضيق علي..الجريدة كبيرة"
وضحكت بدوري وانا اضيف دون ان اتحدث: وأنت ايضاً لاتقرأها عادةً!
سأل مباشرة:
-"وش يقربلك بالضبط؟ رامي"
-"يقرب لزوجة ابوي"
حرك شفتيه بطريقة غامضة-"يعني عشانه يقرب لك تصيرين دايم في صفه؟"
أضحكني،فأسرعت في مفاجأته!
-"ولأنه كان مفروض... يكون زوجي"
هو ليس حتماً مفروض،ولم يفرضه احد لكني اردت اغاظته توقعاً ان ذلك لن يعجبه
أخرسته المفاجأة،عيناه المستمعة قد شهقت! اتسعت وشقت ابتسامة غريبة قسماته وهو يسأل:
-"مافهمت؟"
أعجبتني مافهمت!
سأل وكأنه يكرر السؤال في داخله بذهول-"بس هو مَقعد؟!"
يبدو انه قد خاب ظني! تصورت ذهولاً من نوع آخر!
اجبت باهتمام-"مشلول جسدياً بس"
-"كنتي بتوافقين؟"
لمحت في دقة السؤال وسرعة خروجه مايفتش عنه دوماً!
انه ذلك السؤال الذي لايأتي وحيداً!
ألقيت عليه المقال الذي ندمت لذكره! وبشبه ضحكة تركته،وذهبت
.-.
ابن الحلال انسجم~ أنهى المقال وبدأ تصفحها،فتركته وصعدت للأعلى.وفي نفس المكان استلقيت لأنام قبل وصوله
اعاني من صعوبات ثلاث تحضرني الآن أثناء انسدال جفني أخيراً
وجودي هنا مجهد،وعودتي صعبة، والارض لم يعتد عليها جسدي!
.
.
والصعوبات الثلاث لازمتني في الايام التي تلتها، مع اضافات لن اذكرها
لكن الغريب في الامر مالحظته في هذا الزوج من تغيرات لاتفسير لها، كان كثير الكلام وأصبح كثير السؤال! وكأنه تخصص في ذلك!
كثير من اسئلته لا أضطر للاجابة عليها، لكنني أود الاجابة عن ذلك السؤال الذي أشعر بتردده في الخروج، كثيراً ما اراه يطل ويتراجع!
من الافضل له ان لايسأل،فالاسئلة التي يتعبنا الحفاظ عليها اجمل من تلك التي يقتلنا جوابها!
.-.
هاهي الساعة تدق الثانية عشر،وهو لايدق شيئاً،لا باب،ولاهاتف،ولاحتى رأس الافكار!
رغم ذلك كنت اتساءل،لمَ تشغلني سندريلا هذا المساء؟!
ابقى امام الساعة اتصور اموراً اخرى، أحياناً اظنها بوصلة تريد هذه الليلة تعيين الطريق لي
واحياناً اظنها تحاول اخباري انها لن تعود للوراء مطلقاً،وتأمر راكض المضمار بجولة جديدة وان انهكه الركض!
اذ اصطف كل اللاهثين في المنتصف،واعلنت الثانية عشر، تعاودني قصة ساندريلا، فأفكر بقياس قدمي!
هل نعرف من نحب بمقاس حذاءه! أم الحذاء يعرفنا بمن نحب!
تنعقد الامور كلما وصلت للقدم،رغم انه الاخرس الذي لايبدي رأيه الا انه يقودنا للمصير في كل مرة، يأخذنا دوماً لقصة حب، يشهد وصولنا ويغادر بنا، لاعجب ان مانحتذيه له مقاس لاعلاقة له بخيباتنا ولا افراحنا ، له علاقة دوماً بالقدر وصدف ومواعيد مقدرة
فكيف لا افكر بساندريلا! وكيف لا افكر بمن قد يعرف مقاس قدمي!
على الأرجح ان لا احد سيعرف ذلك، وزوجي ربما لن يفكر بذلك أصلاً، كما يستحيل ان يميز حذائي ولو تركته أمام باب مصلى نسائي لايوجد به سوى اخرى غيري!
يدهشني حتى الضحك،تفكيري بالأحذية المتشابهة امام المعابد البوذية،وفي حالة مشابهة قد اعذره
لكننا في منزل واحد، ولن يفرق بين احذيتي أو قد اظلمه فهو سيفرق.. لو كان يعرفها!
انه زوج خرج من اذاعة! لايجيد سوى تمييز الكلام وبدء لقاءات سمعية يومياً
لا العقد الذي اهدتني والدته،ولا الآخر الذي جاءني من ابي،ولا البقية التي من اخته واخي،لاشيء ابداً يميزه
فكرت بذلك مسبقاً ولم أجد سوى استثناء واحد لتسريحة شعري، حتى طلاء الأظافر الذي قضيت وقتي في العمل عليه لم يره مطلقاً!
رغم انني لم افعل ذلك ليراه، فهو لون جديد ورائع أسعدني حينها،
ان كان لايراني لمَ يبدو مهتماً!
ان كان يطالبني بالحديث او الصمت، لمَ لايختلف لديه!
ان ضحكت معه او تجاهلته ،جئته أو غادرته، لن يحدث فرق!
فأنا قد أخبرته ان المكان يكون موحشاً بعد ان تعود ساندريلا! فلمَ لايعود للنوم!
.-.
صوت المفاتيح، صوت أقدامه، صوته وهو يقول
-"السلام عليكم(ثم يضيف) تأخرت؟"
رددت السلام وتركته، تبعني مسرعاً
-"اسف مانتبهت للوقت"
ما ان جلس على السرير أخذ يتحدث عن موقف ما حدث معه،وانا كنت غارقة بالتفكير حتى قال:
-"تسمعيني؟"
-"امم"
ابتسم وقال متفلسفاً بشكل لم اعتده-"سمعتي بس ما استمعتي؟"
ثم هم بالنهوض
أخذ شيء ما من الدرج وخرج
-اسمع ولا استمع..أجل كثيراً ماتحدث لي معك..مالمشكلة؟
هل كنت تتحدث فرضاً عن مقاس قدمي!
كل ماتثرثر به يخصك وحدك،ولا رغبتي لي بالاستماع
والفرق بينهما مزعج جداً ان لم تكن تعلم،فأنا لم اخلق لترجمة حديثك!
هذا ماكان ينقصني في هذه الليلة!
تريد ان تفسد علي هذه المرأة التي أكون، تلك التي تحلم بصنع لغة على قياسها،وتكره الكلمات الكثيرة الدالة على الشيء الواحد، ولا تطيق الجمل الفضفاضة التي لها نفس الحروف وأكثر من معنى،
والتي قد تتسع لأكثر من كلمة في آن واحد تماماً كلغة غير عربية!
ان تسمع وتستمع في كل مرة،يستعبدك الصوت!
،
لمحت قرب الباب على الأرض، منشورة قد سقطت من مجلة،او ألقى بها عمر بعد اطلاعه، او ربما تجرأ الموزعون بإدخالها تحت أبواب غرف النوم ! فليس جديداً إهمال حرية الفرد والعائلة!
بينما كان ينظف أسنانه بالخارج،انشغلت بقراءة الإعلان الغير مسموح بتجاهله بعد ان وصل لهنا!
لا ادري لمَ أنا غاضبة!
-إعلان تجاري،عن احمر شفاه!
حتى هذا الوقت لازلنا نبحث في المكان الخطأ، كان يجب عليهم الإعلان عن ابتسامات نشتريها عوضاً عن احمر شفاه؟
كان عليهم ان يرضونا؟..يقولون لـ نستهلك أكثر؟ يقولون إحصائية؟!
يقولون شركة رائدة!!
متى يستبدلوا أرقام أرباحهم بأرقام خسائرنا؟ومواليدهم بوفياتنا؟
ومتى نجيد التدقيق بحياتنا!
انه زمن نرتدي فيه لباس بقياس المناسبة لابقياس شعورنا، إنه زمن الأقنعة الملونة والريش الناعم والعدسات اللاصقة!
انه زمن الأحلام المعبأة والأحاسيس المعلبة، إننا نستورد حياتنا ونصدر أرواحنا
كم يلزمنا من الفناء ليبقى لنا تابوتاً راسخاً.؟
متى اغتصبت الحرية،ومتى أصبحنا هكذا؟
-الامور التي اكبتها دوماً تتفجر في المكان الخطأ والوقت الخطأ وعلى امور ليست المعنية في يومي
الباب المنتصف أصابني بالدوار،والغرفة الباردة أصابتني بالبلادة
أكثر من أي وقت ..اريد من ينظف اسنانه أن ينظف هذه المنشورة من الزيف
ويشرحها لي..!
لايوجد اشقى ممن يحاول تنظيف مكان لاتغادره قطه!
ولا امرأة تستعبدها فكرة صحبت فكرة!
ولا رجل في هذا العالم له القدرة على فهم امرأة ،فكيف اذ بها تناصف ورقة!
ولم تعد تستمع اليه!
!
-"حريم"
قالها بسخرية وهو يأخذ من يدي تلك المنشورة،وأضاف ضحكة وهو يقول:
-" اجل تبغين السوق بكرة؟"
أفقت لأرى بوضوح،كدت اضحك لما توصل اليه،فجاريته:
-"اكيد(اضفت) كنت بقولك بطلع مع دانه"
-"لالا لاتقولين لاحد"
بادلته ابتسامته التي طرحت موعداً.. هناك لن يتوافق مزاجينا أبداً..!
.-.
.-.
بالغد، كنت افكر اثناء وصولنا هناك بعدة اشياء، من ضمنها،كيف سيكون ذوقه بالتسوق!
لكني فوجئت بما حدث!
عندما دخلنا اتجه مباشرة لمحل اجهزة،وانا اتبعه
حين خرج،سبقته لمحل آخر، وهو يتبعني
وتحول تسوقنا لسباق من يخرج أولاً يدخل أولاً!!
لكن سرعان ماانهينا هذه الطريقة،فتوقفنا لنشرب شيئاً بارداً، فكان ينتظر الطلب وكأنما سيشربه ويغادر!
لذا سألته:-"خلصت من السوق؟"
اجابني بثقة-"ايه..باقي لك شي؟"
اني لم ارى سوى ثلاث محلات ولم اشتري شيئاً..كيف يعقل ان يكون هذا تسوق امرأة!
بتعجب-" بس لازم ناخذ (ربما ضحكت)اللي بالاعلان!"
يبدو كمن يتصنع التذكر-"ايه نسيت..بس اذا ماتدرين(انتظرت شيئاً مهماً لكن!) تراك قمر بدون شي"
-"ادري وادري اني بمكياج او بدون ماتنتبه "
ردي السريع خرج تماماً كعبارته التي لم تؤقت، دهشته من عبارتي كانت كدهشتي من نفسي التي قالت –انتِ رغم ذلك امرأة!!
النادل في وقته حين وضع الكأسين معرفاً بمحتواها
وعمر الذي ظل صامتاً يحدق بي، لم تكن دعابتي التي أظنها ،تبعث حتى ابتسامة
صمت المكان الذي كان مريحاً قبل دقائق بدا له أزيز مزعج،وحتى الكرسي أصبح يضايقني فتحركت قليلاً ولم يتحرك هو!
لكنه نطق متتابعاً:
-"كنت بالفترة اللي راحت اشوفك..(ثم تابع) واشتاق لك حتى في العمل في السيارة وفي البيت دايم اشوفك"
قبل ان يتحدث صمته كان مربكاً ...لاأحد يجرؤ لتجاهله
وبعد ان تحدث..كان هادئاً.. طريقة وصول هذا الهدوء اكثر جنوناً من معناه، واكثر عصفاً من شعور امرأة اعتادت ان لاتراه هكذا!
تابع-"وانتي معي.."
توقف ثانية وكأنما ينتقي من ارشيف بالتأكيد كان يعده منذ فترة، ورفع عينيه من كأس العصير..ولا ادري بالضبط مالذي رآه على ملامحي حينها والذي جعله يبتسم قائلاً
-"العصير!"
ثم امسك بكأسه، لأفعل بالمثل وأشرب
هناك بالطبع خطأ ما، هناك شيء لااستطيع استيعابه،هناك كم من الافكار تضع يداً فوق اخرى بهدوء
وهناك خطأ في هذا الشيء الذي اشربه بالطبع!
حواسي التي كانت مشغولة جداً لم يتسنى لها رؤية اللون،ولا شم رائحة هذه المانجا!
ولسبب ما لا استطيع التوقف عن شرب هذا الكأس،وهذه النكهة التي لااملك شعور جيد تجاه طعمها او حتى رائحتها
رغم انها قد تعجب امرأة اخرى،تماماً كحديث هذا الرجل..!
واصلت شربها دون ان اجرؤ على النطق بانني لااريدها،او حتى التوقف فقط!
-"نشوف المحل؟"
استعاد ما استعاد وهو يقول ذلك، وفقدت مافقدت وانا اتقبل هذا المشروب الذي لن يذكرني بغيره يوماً ما!
.-.
.-.
لم اشتري الكثير من الألوان هناك،فالرجل الذي يختار عطراً الآن يصاب بعمى ألوان كلما نظر لوجهي!
فعندما وصلنا للمنزل،قدم لي ما اشتراه من مجموعة جميلة من العطور
الهدية التي تعيد الجميع اطفالاً،ادهشتني حينها
-"التغليف مو حلو (ثم أضفت) رابطها بقوة كانك ماتبيني افتحها"
ضحك –"اجل لعبو علي (وكان يرصد ردة الفعل حين رأيتها) اعجبتك؟"
هي رائعة لكن للأسف يبدو انني لن استخدمها، شكرته جيداً وأبديت اعجابي بها
تفقدت جميع الروائح، ثم أمسكت بعلبة واحدة ربما هي بزهرة اللوتس
-"باخذ هذا"
نظرته التي تنتظر استفساراً أجبتها
-"الباقي عندي حساسية منها"
لكم ان تتخيلوا ملامحه حينها!
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك