رواية سيدة الحرية -13
هز رأسه ايجاباً وابعد عيناه عني ونظر للباب الذي خرج منه، ثم للنافذة المطلة علينا والتي تختلس النظر خلفها رنيم ابنتي المندهشة..!
تركني وعاد للداخل، ابنتي قالت عندها بشيء من الريبة وتغيير الموضوع
-”شريت اغراض سديم واريام؟”
نظرت للساعة وقلت لها
-”أي الحين جاي”
اتصلت بوالد بدر:
-”موافق على الزواج والمشروع بيتم مثل ماهو عليه”
أتاني صوته سعيداً وهويبارك:
-”والله هذي الساعة المباركة شلون غيرت رايك”
-”فكرت وقلت مافيه انسب من ولدي لبنتك ونصير انسبا”
سكت ملياً ثم قال:
-”عمر؟ولدك؟”
-”ايه واذا عندك مانع خلاص الغي الفكرة “
-”بس يارجال انت تخلص نفسك وتورط ولدك هههه”
مشكلة من يظن الناس نسخة طابعه!
-”اسمع انا قلتها راي يعني هذا اذا وافق ولدي ووافقت بنتك انا مانيب ضاغط عليه..وبعدين انسب للجميع زواجهم انا وياك رجال كبرنا ونفهم بالحياة والي تقوله مانيب مسويه”
مرت دقيقة يفكر بصوت عالي،ثم قال!
-”كم عمره ولدك؟”
كان يتعامل مع الأمر كصفقة تجارية..الأرقام تهمه كثيراً
-”كبر بدر..إذا صارت الموافقه بين الاثنين رديت لك خبر”
-”بنتي كلمتها عندي..نقول على بركة الله”
-”يصير خير”
.-.
.-.
.-.
خرجت من المنزل باحثاً عن مكان اصفع به وجهي لأصحو..!
اتصلت ببدر وأخبرته عن الخطبة المزعومة ضحك بسخرية وقال
-”مستحيل هههه”
أيدته على ذلك فلن أقف مؤيداً لو كان ذلك أبي..! لكني لا اشعر بشعور جيد حيال الأمر… كنت قاب قوسين أو ادني من الانفجار..!
شيء يواصل التردد في داخلي محذراً لائماً وكأن بيدي من الأمر شيء..!
علمت أن والدها فعل وفعل وفعل…وعلمت أن والدي سيرميه بطلبه..وعلمت أنني قد لا أحرك ساكناً حيال الأمر..لأنها شقيقة أغلا الناس لدي،ولا أريد تهمة الاستغلال ماحييت..
وهكذا كنت أسير كمشهد نهاية احد الأفلام الفاشلة،كسجين يعود للسجن محتفظاً ببؤسه، كطفل فقد والديه للتو ولم يعي بعد، كـ…، وألف تشبيه تجسد بؤسي حينها… علمت الكثير أثناء هذه الليلة..
ولم اعلم حينها أن الساعة الأشد ظلمة هي التي تسبق الشمس… !
كنت جالساً انتظر عمر،وشيء من التردد داخلي.. ماذا لو كنت أتوهم الأمر برمته، ماذا سيكون مصير الفتاة ان رفضت لوالد بدر..!
ماذا إن كان لايريد عمر ذلك..،وماذا ان كان يريد..!
لأنني لن اخسر شيئاً ،وابني قد يربح،فقد كنت احتفظ بالأمر في ذاتي يعود فأخبره…،
سأدع لعمر حرية التصرف مع أخيها..ما اراه انه ولي امرها لاوالدها -يخطئون دوماً ويريدون السماح،يصرون على ابتلاع الخطيئة حتى آخرها ولايشعرون بالمرارة… نحن لسنا بجبروتهم..صلاحياتنا في هذه الدنيا محدودة لأننا لم نخطئ..
ولم نقترف الظلم ..وذلك يجعلنا بسطاء يطمحون للعلا في أخلاقهم حتى علا الجنان!
مليئة الدنيا بأشخاص لم نكن نراهم سوى في التلفاز،والقصص،وحكايا الكبار..لاندركهم حتى يدركون ثمن حياتنا،ويساومون به مقابل حلم ،او وهم،لايهمهم سوى التشبث بالخطايا..!
.-.
.-.
عندما انفردت به كان لايزال يحتفظ بملامح الأمس..تماماً كالصحف تكرر نفسها يومياً..!
أخذت نفساً عميقاً
-”عمر..اسمعني”
رفع عيناه إلي وتصنع الاهتمام
-”آمر”
رميت بالجملة مباشرة، وقصدي الأول اختبار ردة فعله..فلم اخطأ الهدف!
-”تتزوجها انت؟”
أنفاسه بدأت تضطرب،تسمرت عيناه فيني،ابتلع ريقه مراراً ربما بالخطأ ابتلع لسانه فلم ينطق!
-هو لم ينطق بشيء لكن كل ماعداه يشي به…!
-”طبعا اقصد اخت صديقك”
قلتها تثبيتاً لذلك ، فما كان منه إلا نظرات إلي واخرى للمكان ،فأي شيء قد يبحث عنه!
-”انت انسب لها..صح “
توقف بسرعة وكأن سؤالي عقرب لدغه…مارس الطقوس السابقة ثم عاد لمكانه وقد هز رأسه نفياً مرتين ومرة ايجاباً
ولست جاهلاً لألحظ ماعتراه وأفسره، كيف لاوهو ابني..،لكن عمر صريح ان أراد شيئاً قال اريده،الآن شيء اعتراه لا اعرف له مسبب!
-”كلمت ابوها وقلت انك انسب في حال موافقتك ورايها..طبعاً الموضوع كله كلام للحين”
حتى الآن لم ينطق بشيئ،قلت قبل ذهابي
-”في كل الحالتين شف راي بدر”
.-.
.-.
أرى خطوات ابي تبتعد للداخل، وعندما اختفى عدت أتفقد ذاتي
بدأت أتلمس الألم،ضغطت على قلبي، تذكرت أنني رجل،ولايجب علي أن أتصرف كالأمس!
شعلة من الحماس اشتعلت والسبب مادار قبل قليل..،أيعرف احداً كيف تشتعل الشعل..!
اقسم أنني لااشعر بشيء غير الحماس..،ولا اعرف شيئاً سوى انني مذهول..!
انه يبدو كحلم لا أكثر، لكنه حلم أود منه أن افيق!
ترى الأحلام التي نبني لها بيوتاً وقصوراً قد تأتي كما هو الموت..! بطرفة عين!!
نعم انه الموت الذي يريده والدي..يريد الموت حتماً..!!
أقال أن أتزوج ممن تمنيتها هكذا، كصدفة ..!
إنني انتظرها موعداً اخطط له واصبغه باحتمالات عدة..ولا يأتي سوى صدفة!
هل الصدف تغني نشوة الموعد..!
الأشياء التي لانرتب لها يوماً مفاجأة كسحابة في كبد السماء،نهطل بها حلماً يسع الأفق..!
فهل سينتهي وينقشع الضباب… إنني لا اشعر بشيء… ان الحياة ابسط من توقعاتي لعيشها….،هي ستكون لي…!!!
لو انني لم اخف على علاقتي ببدر..لقلت لوالدي بالطبع اريدها..!!
عند هذا الحد بدأت اشعر بتبديل الشعور لدي، لأشعر بخيبة بحجم السماء..!
ليتها لم تكن اخت له..!
.-.
.-.
مرت ثلاثة أيام
لم يكن اليوم لي سوى طقوس تعذيب، كل ما افعله مسرحاً في رأسي حواراً تلو حوار..!
اريد ان اتحدث لبدر دون أي مس لشريط علاقتنا ،وذلك ما أجهدني حقاً ، وجعلني اعزم الذهاب إليه بعد إفطار المغرب
فأبي لم ينصحني على الانتظار..
-آه على أبي..هو أخطأ ولا احد ينكر ذلك بتورطه مع والد بدر ،لكنه ربما فعل شيء لايعطيني سوى فرحة كبيرة لااستطيع شكره عليها، ولاوقت يجعلني افكر كيف خطرت على باله أقصد كيف تنبه لي، انا لم أكن لأقول شيئاً ..رباه من علماء النفس الذين درسهم ودرسوه! ليطبق علي أنا..!
إنني خارج تغطية العقل الآن، وسأتجه للجنون المحتمل وقوعه..!
لم اصدق بعد….،اقسم بذلك..،
وصلت قرب أذان العشاء،اتجهنا لمسجد قريب وصلينا وبعد أن عدنا كان يوم العرض الرئيسي للمسرح..فخانني كل طاقم التمثيل!
“بدر ابوك مصر انه يزوج رسيل”
نظر إلي بلا اهتمام وهو منشغل بريموت التلفاز
-”ايه خله يصر على كيفه..الا وش رد عليه ابوك؟”
-”قال لا طبعاً”
ربما كانت هذه مقدمتي للموضوع،بدر عقب على إجابتي ضاحكاً
-”افا ابوك رفض اختي”
-”هههه صدق انك فاضي ياخي الموضوع جاد”
-”ايه جاد بس زواج ومن اختيار ابوي لايفكر “
كلامي الثقيل بدا يرهقني قررت التخلص منه وخوفي من ردة فعله كانت متمثلة في رأسي على أكثر من شكل
-”واذا هو جاد وزوجها بكرة وش بتسوي؟”
-”والله المسألة معقده المهم ماعليك منها الحين”
قبل أن يغير الموضوع سبقته ناطقاً،ضارباً بعقلي خلف الحلم،وصدري يدق كمن يضربه بمسمار!
-”طيب..وش رايك لو أتزوجها أنا؟”
كان يكفي أن اصمت عندما غير الموضوع، وكان يكفي أن لا اضيف “انا بعد جملتي الأخيرة” هي للتأكيد،والأمر لايتحمل الـ أنا..!
.-.
التفت إلي وترك “الريموت” الذي كان يحاول إصلاحه ثم دقق النظر
فما كان منه إلا تصرفاً لم يكن ضمن أي مشهد ممن تمثلت في رأسي
أضاف ضحكة طويلة وهو يقول عائداً للعبث بالجهاز بيده، إبدال بطارية بأخرى
“يعني بكذا بتحل المشكلة هههه”
كنت في حاجة أكثر من جهازة لإعادة بطارية..!!
ضحكت بدوري لراحتي من موقف أصعب لم يكن!
-”بتنحل كل المشاكل”
هذا ماستطعت قوله بعد ذلك،ربما في أمل آخر.. ليجيبني
-”لاتقلق دامها عند عمي ابوي ماله دخل بشي وإذا ناوي يرسل احد انا لي كلمة وهي لها كلمه مافي شي بيتم_صدقني الدنيا مو فوضى”
قلت”ولو أخذها تعيش عنده..شلون بتتصرف”
أجاب واثقا:
-”ماراح ياخذها زوجته ماتبيها انا الحين مرتاح من وجودها عند عمي ومن زمان كان هذا رايي”
ثم اخذ يضرب الريموت بيديه ويكرر ذلك وهو يقول
-”هذا شلون خرب”
-”طيب لو أتزوجها وش بيكون رايك؟”
لا ادري لم كررت ذلك،أملي أن أعرف موقف بدر من الموضوع،ودقات قلبي في تسارع مجنون…،ربما إصراري ألبس الجدية ملامح بدر فقال:
-”انت تعتبرها اختك وهي بالمثل وانا ماشوفك الا اخو لها ..عمر صدقني الامور تمام وانا مابيها تتزوج الحين ولاتخاف علينا “
ثم نظر إلي،لاادري بالضبط ما رأى فيني ليقول
“مشكور دايم واقف معنا “
سمعته لكني اشعر بخيبة تحجبني عنه آلاف الأمتار لأقول قبل أن تعتم الصورة أكثر
-”انا افضلها على غيرها”
جملتي التي لم تتصل بجملته بشيء جعلته يحدق بي أكثر ويقول
-”ادري انك خايف ابوي يأذيها صدقني أنا موجود وماراح اسمح له بهالحد..ولا راح اسمح لك الا انك تعيش حياتك بدون لاتشيل همنا وتضحي لغيرك”
عقب جملته ابتسمت فلا مزيد سوى من اليأس، اشعر به يعي حقاً ما أنا افعله الآن، لكنه قد لايكون وصل لمخه الباطني او لايريده أن يصل..!
في كلتا الحالتين بدر يصرفني بعيداً دون إيضاح..، ذلك مريح نسبياً فقد خفت أن تكون خسارتي للاثنين..!
هو ووالدي، اشعر بهم يلونون القاتم بلون آخر فيتضح لوناً مغايراً لايشبه رهبة الأسود!
أخبرت أبي بأنني لم أتحدث معه،ولن أتحدث،فليفعل مايشاء…وبدأت صياماً آخر لافطر بعده!
.-.
.-.
.-.
غداً عيد..!!
كنت اجلس مع جَنان مناقشة كيفية العيد في منزلهم
-”ومرت عمي؟بتجي؟”
-”ما اعتقد..”
-”وعيال عمي؟”
أجابتني وهي تبحث عن رأس آخر للإستشوار
-”خالد يقول لا ..وزياد مدري عنه بس ما اتوقع”
كنت اشعر بأنه العيد من جَنان،بدأت بالاستعدادات وطليت أظافري فلم افعل ذلك مذ أمد طويل..!
لاشيء تأقلمت معه حتى الآن،سوى أن جَنان روحها جميلة وتزدادا يوماً عن آخر، أول مرة تحدثنا تحدثت عن طلاقها وكم كانت المأساة..!
وبما أنني اشعر بأن المآسي مجموعة أصحاب فانقدت باهتمام واضح، أحببنا الجلوس سوية،وتذكرت ليلة العيد السابقة،بوجود لمى..،فتنفست الصعداء..!
.-.
.-.
فجر العيد
هذا العيد..انه يشبه الأعياد القديمة..له نفس الرائحة..!
كل دقيقة من صباحه أجدني أفارق المكان اهوي فجأة للسحيق!
باستجلاء لمكاني في الماضي،اترك جسدي واستغفله هاربة لذكرى الأعياد،حيث امي..فقط امي ولاغير..!
وجدتها مضطجعة،قربها صحن عنب ،وقلم يخصني ، وبعض كتب الخنساء،وأوراق على قدميها مبعثرة،
آه اني اتذكر تلك الاورق التي كتبت بها اول قصة لي لم يتسنى لها العمر لقراءتها!
التفت بحثاً عن شيء اخر،فوجدتني احتج لانبرام الافكار وشاكية بدر، واقضم حلوى قاسية
فتؤنبني امي دون كلام فأضحك أضحك كثيراً واركض للخارج فأجدني انا الاخرى هنا..!
اهرب مني فاجدني، لم اعد اميز ان كنت انا تلك ام هذه.؟شيء لايصدق فيني انني الاثنتين..!
وشيء آخر لايصدق ماذا كان ذلك..حلم ام خيال…!
-ربما لم تكن تلك المرة الاولى التي اصادف نفسي خارج غرفتي وداخلها..!
نزلت مسرعة هاربة من الاثنتين ربما…!
لم اجد أحداً، ربما يصلون العيد..، اخذت اقلب الصحيفة كعادتي ابدأ بالخلف وأتوقف عنده..!
عندما مرت عيناي بمقالة رامي،شعرت انني لن اود قراءتها،شيء في داخلي بدأ لايستصيغه
ربما بسبب مقالة لا أكثر ..!!
عندما نشعر بالسوء ونكتب..، او بالسوء مما نكتب نستمر بإصرار
الصحف حولنا لم تعلمنا القراءة فحسب،بل علمتنا أن الكرة الأرضية مليئة بالشذرات، ولم تعلمنا كيف نتخلص من أي شيء
فلسطين تواصل الاحتضار..ونحن نواصل الكتابة !!
أحيانا يكون الحلم فاجعة كابوس فحسب..ولايبدوا ان لدينا اختلاف بين فجيعتنا بالنصوص وفجيعتنا بالعراق!
نواصل تجنيد الأحلام علها يوما تستطيع تفجير جملة واحدة تستحوذ صحافة نقادها لم يخلقوا للكلمات..!
بالنظر للصحافة..تذكرت مقالة أخيرة لرامي..حيث كتب عن مصير الإرهابي..رغم انه لايفرق بين موت مجاهد وإرهابي فهو بالطبع لايفرق بين الغاز والأكسجين…،فكلاهما لديه جزيئات في الهواء..!
لااحد يملك مصيره ولااحد يعبث بالأقدار ولاغير الله عالم مافي الصدور وخالق جنة ونار..
في الوقت الذي اشعر ان حلمي يزداد أكثر بسيادة الحرية أجد حولي الكثير مما يدفعني لمواصلة حلمي
الدمار حولي يجعلني احاول بظفر صغير فك طوق يقيدني ،لأتخلص من تلك الاغلال كان يلزمني حلماً اكبر لشمس الحرية التي يعدني بها الصباح كل يوم..
كل المقالات تنشر نظراً للعنوان،نظراً لصاحب القلم، وكل الاخبار التي تقرأنا ليست سوى انبوب اختبار يخزنا مكان الجرح في كل صحيفة في كل دقيقة، يواصلون قراءتنا دون ان يكون لنا حرية قراءتهم..!
السياسة دوماً حقيبة سفر متفجرة، تخافها المطارات، والشعب،والأقلام،وحتى هواتفنا النقالة..!
الحرية خلف الاغلال، والصحيفة في يدي ليست سوى محاولة احتلال…، لو منحوا لي عاموداً صغيراً لكنت كتبت فيه عن حلمي بالحرية التي لها جانب من البراءة المحتفظة به،لاتمس العقيدة التي علمت بأمرها لاحقاً..!، سأكتب عن سيادتها في كل مرة يصغرون لي فيها العمود!
كل يوم جديد في عمري اكسب الحرية في صفي وانتقي مفردتها كما تنتقي اغرائي،وافكر بالكتابة يوماً عن حرية العرب،في صحيفة الدماء..!
وكنت سأوقع في كل مقالة بشيء من صدق،نتجاهله جميعنا أثناء الإنسياق
“دام به احد نخافه…كل مايكتب سخافة”..،للملتاع رحمه الله
سمعت صوت بدر بالخارج فتذكرت انه العيد، قفزت للخارج مستقبلته وعمي،مباركة لهم صباح العيد!
-مرت الساعات رائعة بشكل لم اتصوره،تناولنا الغداء معاً ثم ذهبت لجنان التي يفصلها وجود اخي ،لأسمع هاتفي يرن فإذا به بدر
-”هلا بدر”
-”وين رحتي؟ المهم المغرب بنروح لخالتي”
-”اممم اوكي..لكن متى بنرجع؟”
-”بعد مانتعشى”
-”أي خل في بالك مابي انام”
-”ايه تذكرت شي انزلي الحين”
-”ليش”
-”بنكلم ابوي”
واغلق الهاتف فيالعجبي لم اكن اتذكر ابي ابداً هذا العيد..!
بادلنا التحايا ثم اوشك لقول شيء بادرته بالانشغال تهرباً مما قد سيقوله..،اغلقت الهاتف
وبعد السابعة كنا في منزل خالتي
العيد يشبه كعكة ميلاد طفلة، كل شيء يبدوا رائعاً في كل مكان حتى هنا..!
قضينا الوقت بأكمله حتى الثانية عشر بأطيب حال لكلينا
تلك الامسية اتتني لمى مسرورة جداً مدت لي بهاتفها
أمسكت به وامرتني بقراءة الرسالة المفتوحة، نظراً لجلهي بنظام هاتفها رغم بساطته الا انني ضغطت شيئاً حولني للرسالة الاخرى،ربما تسبقها ام تليها لا علم لي
كل ما اعلمه انها اوقفت شعر جسدي،واضطربت دقات قلبي لأكرر الضغط مرة اخرى فأقول
-”فرقاك عيد وفي غيبتك كلها اعياد”
ردت مباشرة:
-”هههههه شرايك بالقصيدة كأنها مكتوبة فيك”
لم ابال بما قالت فكل تفكيري انحصر بالرسالة الاخرى!
قالت بيت اخر منه وبدأت تغني القصيدة
واتجهت افكاري لخالتي وللمرة الاولى اشعر بالشفقة تجاههما الاثنتين..!
ارتديت عبائتي وطرحتي وانا اشعر بان منزل عمي اصبح جنة!
خرجت من الباب الرئيسي وقبل الباب الاخر كنت ابحث في حقيبتي عن شيء ولم ارفع رأسي ، عندما فعلت ذلك كنت انا والسور الخارجي المحيط ببدر ومازن وأيضاً للعجب عمر..!
تقدم مازن الذي اراه للمرة الاولى لهذا اليوم، ومذ اخبره بدر سابقاً ان لايتصل بي..
-”هلا رسيل كل عام وانتي بخير يالغلا”
تجاهلت كلمته الاخيرة رغم ان الاثنين الباقيين لايتجاهلان شيئاً
-”وانت بخير وعافية”
ابتسمت قاطعة الطريق لبدر الذي بدا وكأنه ينتظر لا قدومي،بل شيء من مازن!
مضيت عن مازن الذي بدأت لا اطيقه فعلاً ، وتوقفت عن الاخر الذي قال دون النظر الي شخصياً
-”كل عام وانتي بخير عيدك مبارك”
اجبته
-”وانت بخير”
-”ينعاد عليك بصحة وعافية”
نظرت لبدر وانا اقول
-”علينا وعليك”
فتحدث معه بدر بعدة كلمات وخرجنا
مضيت وانا اشعر ان كثير الكلام قبل قليل والذي كرهته الفترة السابقة، بشيء يجعلني ابغضه اكثر ،فلا بد ان مشاكل ابيه مع ابي سبباً لمشاكلنا!
-يبدوا انني لم اعد احب الكثير في الفترة السابقة، اتخذت مواقف عدائية مع الكثير،او ربما ظننت ذلك !
نفسي وحياتي الاخرى في منزل عمي هي شيء لم اكرهه بعد..ولم اتخذ موقف بعد..ولا بعد ذلك
تستدرجني الافكار كما يستدرجني صوت هاتفي في حقيبتي، كلاهما لأنطق بشيء..!
فأختار الآخر فأرد مرحبة بدانة التي بدأت الغناء بصوت يعجبني رغم سوءه!!
كما هو الحلم..!!
شيء يحضرني في المكان الخطأ والوقت الخطأ ونحن في طريقنا للمنزل،ماقاله احمد شوقي
ان الحرية لايمكن ان تعطى على جرعات، فإما أن تكون حراً أو لاتكون..!
ومقولته تلك كانت لي شمعة أمل أمسكت بها الأيام التي تليها…،
.-.
.-.
.-.
بعد مرور سنتين:
في الاثنين من كانون الثاني ،يناير…،
قبل دقائق،أخبرتهم بموافقتي…كنت ارتدي ثوباً بارداً،نقشت به بقايا الذاكرة..،وحذاء كنت اكتفي بخدعة:أن الحذاء أول الواصلين الذي لايمكن أن يقودنا لمكان أقل جمالاً منه..! وكنت اشتري حذاء باذخ السخرية!
-وافقت على الزواج من الرجل الذي تكرهه جل مشاعري،وستتحدد الكثير من المواعيد التي لاتهمني لاحقاً..!
بالمناسبة سأفتقدكم..دعوكم كما أنا ، وللحرية حديث آخر…،
انكسار الظل…تحية
أغلقت المنتدى، وأقفلت هاتفي، وأعدت هندام أصابعي، لأتصفح الكثير من نزف آخر:
-:”قد يكون الظلام معبرنا الوحيد الى النور”…!
Alsamt ِ Raheel..×..///..×..///..×..///..×..
السلام عليكم
اشتقت لكم:)
الفصل الثالث
-1-
شيئاً فشيئاً..أفقد الإشعاعات الكهرومغناطيسية التي احتاجها لأبصره في كومة العتمة..
التف على نفسي بمقعد طويل استقل إحدى زواياه المنعزلة عازلة ذاتي عن ذاتي، مُشكّلة حولي هالة من ضباب، فيخالني ان الجالس عن بُعد.. يسمح لي بممارسة الشهيق والزفير على حذرٍ حاذى الجسم الذي فرقع إصبعه قبل الآن!
الجسيمات الصغيرة تترنح وفق الخطوط المستقيمة فتهز افتراض نيوتن للضوء..! فلم اعد املك إيمان أن الضوء يتمتع بالحرية كما غبطته سابقاً...فهاهو يتقلص فيكوَن غلاف يجعل الأشياء خلفه غير مرئية..ويفقد صلاحياته في الانتشار!
-انه لايزال هنا، أشعر بوجوده ولا أراه..هدوئي ساعد الأشياء حولي بارتداء عباءات السكون..
الجميع بدا يحسن الإنصات في خرس تام..!
قبل فترة من الزمن انقضت، في ضوء آخر ومقعد آخر في المجلس ذاته
كنت هنا في منزل عمي الذي لم أغادره أبداً حتى الآن،وكنت أرى سعادتي في هذا المنزل تموت كما يموت الصوت في أثر الضجيج..ذاك الباب الذي دخلت به لأجلس هنا قبل دقائق طويلة هو ذاته الذي شقته المرأة التي أعادت لي طوق المأساة...دون أن تدري حتماً...!
عندما تصدف الحياة بأن نجد أشخاص نلتهم منهم التعاسة دون علمهم بما أشبعونا من الم.. وبلا ذنب منهم يصبحون الأقسى إطلاقاً في نظرنا...وتلك لم تكن مذنبة وأنا كذلك وكلتينا في وضع ظالم ومظلوم!
لم تقل شيئاً لكنني قلت الكثير عنها..لم يخبروني شيئاً لكنني علمت أكثر مما ينبغي بمجرد أن نظرت لها...زوجة عمي تلك دون أن تعي ذلك كسرت أول مجداف حاولت صنعه،وبلا قصد منها تشظت الشواطئ بي وضاع المجداف
في هذا المجلس ايضاً قابلت خالد حتى غادر من جديد، وبقيت مع زياد حتى فكر أن لايغادر..
كلا ابنيّ عمي رائعون، لا اخفيكم أنني أتمنى لو كان أحداهما هنا الآن...بدل هذا..!
-"رسيل"
أفقت على صوت بدر،تلتها حركة من الآخر على مقعده،شعرت بضجيج ناقض الخرس السابق
وكأن كل شيء يتحدث.. لا بدري فقط!
-"رسوول"
كان يبتسم وأشك أن ضحكة تكاد تفلت من شفتيه ،لو أن الرؤية واضحة في داخلي لأيقنت انه كان يضحك..،
كيف كنت أبدو حينها..!
-"..."
ربما قال شيئاً ،لأنني أراه ولا ابصره، اسمعه ولا افهمه، وقفت هاربة في إدراك متأخر جداً أن المكان كان ضيق..ضيق جداً ليحمل كل ماشتغل به رأسي!
تخطيت الباب وكأنني تخطيت الحدود بيني وبيني،الفاصل بين تلك الأرض وهذه لايغير شيء في المنزل..لكنه يكتفي بي
الفاصل ذاك..فصل بين جزأين من حياتي،نقلني للفصل الآخر من عمري، هذه الأرض أنا.. وتلك سأكونها هي..! الوطن من أقف عليه الآن وسأغدو للمنفى...
بإرادتي عبرت الخط ووافقت للزواج منه،أقصد لم اكن حقاً اريد أن اغامر بحريتي لأصل لها!
ليست لي رغبة بالحضور هنا لرؤيته،فنحن لانزال نملك ذاكرة تجمعنا، لكن الامور عندما تجري هكذا..فقط هكذا،ليس لنا سوى المضي دون معاكستها،لأن ذلك سيعيقنا نحن!
أثق انه ملأ عينيه بي قبل قليل، عندما كنت شخص لم يرتبط به استرق النظر طويلاً،كيف الآن!
انا لم استطع رؤيته سوى للتأكد من وجد شخص ما
بما أن الباب لايزال منه جزء مفتوح، وأنا لاازال في تشبث بأرض الوطن!
تلصصت عيناي للمنفى..!..كم من المسافة تفصلني عنه الآن...وكم من الوقت سيصلني به
أكنت اعتقد أن المسافات التي قد تصل إليه لاتقاس سوى بالسنة الضوئية..!
كم كنت مخطئة عندما اعتقدت انه واخته البغيضة لن يكونا ارقاماً مهمة في حياتي...!
تمنيت لو أني لا أراه كما أراه الآن، تمنيت لو أني لااستطيع تحديد موقعه إلا بخارطة تشبه خرائطي الغير معنونة..وتشبه مساحات الصحراء الكبرى في كل خريطة رسمتها في دفتري.. مساحات خالية...ليتني هناك...
بالطبع الأراضي الغير منتهية هي وطن الحرية!
بدت لي الظلال تعكس نفسها...ولا شيء يحفز فيني الأمل للمستقبل الذي أراه فيه.. أردت أن أتحرر مني فارتبطت به وأمسكت بيدي في اليأس العظيم..
أغمضت عيني ثواني وكررت ذلك حتى تصفو الصورة أمامي..وما ان اتضح كل شيء ازداد رعبي!
بعض من الضوء كان ينتقيه وهو يتحدث مع بدري منتصفاً المقعد الطويل الذي كان قريباً مني..كان يبدو جالساً على أهبة الوقوف،ويده الكبيرة التي شغلت بالي ذات فلسفة تتشابك أصابعها معلنة شجار داخلي، اعرفه جيداً واراه واضحاً واكرهه كثيراً فهو عندما أشفق علي... تزوجني..!
عمر...سأكون معك..ولست لك..!
.-.
.-.
.-.
-ماحدث قبل سنتين-
كنت على علم بتقلب فصول السنة،وعلى ثقة أنهم يتبادلون مقاعدهم سريعاً دون إعلان مسبق، وأعي تماماً أن الشعور كذلك،
رغم ان الربيع الأجمل بينهم، إلا انني لم احب سوى الشتاء...يروقني عندما يبدوا قاسياً، وأحببته أكثر عندما كان هنا في منزل عمي، انه يأتيني أينما ذهبت،ويقسوا علي أكثر عندما أكون خارجاً في منتصف الليل،وكأنه يؤنبني!
اذكر انني كتبت عنه ذات يوم انه قارس وقاسي،ولم اكتب يوماً انه جميل،فأنا احب قساوته وذلك شيء مخجل!
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك