بارت من

رواية سيدة الحرية -12

رواية سيدة الحرية - غرام

رواية سيدة الحرية -12

أضاف:-”بنرجع لخالتي مثل ماتشوفين..اليوم ولازم تقررين عشان أتفاهم مع خالتي”
إن قلت لا..فبدر سيقولها مجردة لخالتي..فهو لن يبرر شيئاً..وأنا لن استطيع
-”مابيه ومابي اتزوج بس خالتي بتنصدم لأني…”
قال بدر مباشرة وهو يعود للتلفاز
-”اجل خلاص أنا بقولها..إذا فتحت الموضوع”
- كثرة التبرير بطانة للأسباب الغير محتملة الظهور،والتي تتضح ضمن الحقيقة،وذلك شيء لايحبه بدر أبداً..احياناً أشعر أن الأسلوب الذي يتحدث به بدر هو الأمثل لمجاراة الحياة، كما ورث عن أبي الطرق المباشرة.. يفضلانها معاً إلا أن بدري يؤمن انه إن لم يكن”نعم”فهو حتماً..”لا”..، لامجال للتفكير..
أما والدي ان لم يرده “نعم” فهو جبراً “لا”…، لامجال للنظر مجدداً..!
وأنا…احب الإجابة بنعم..وكذلك لا.. فلاتوجد بيني وبين الكلمتين عداوة إلا أنني غالباً أفضل أن لاانطق بهما ،فأستبدل الاثنتين بكلمة السلام…”ربما”..!!
قاطع جدول الفروق في رأسي بدر عندما قال:
-”عمر يوم قلت له اني عرفت عن البيت ووصلت اعتذار لابوه وانا احس انه ارتاح شوي بس ماعلق”
أما أنا فما اشعر به هو الحنق عليه، والحقد أيضاً لما يقول عنه الآن..!
ألا يكتفون بما سلبته الحياة منا…الم يجدوا غير منزلنا ليأخذوه أيضاً..!
وبدأت بسيل من الاعتراضات على مسمع من بدر والتي تنص كلها على عمر
-”صدق ناس ماتستحي والحين بياخذون بيتنا بعد”
لم يعجبه ابداً كلامي وقال
-”هذا من ابوي عمر ماله ذنب..بعدين تراه ابوه اللي شراه”
-”عمر وابوه واحد صار بيتهم يعني”
تغيرت نبرته لليأس
-”من زمان مو توه…بعدين لو ابوه بنظرك غلطان عمر مو مسئول عن تصرفاته مثل ما احنا متبرين من تصرف ابوي..ولا؟”
جملته كانت كفيلة بتنغيص يومي، وتكديس قهري وحقدي ،وترتيب آخر حقائبي للخروج بلا عودة،واليتم من جديد..!
اتجهت لغرفتي لا اصدق أنني سأخرج منها بلا عودة..!
فضلت الاتصال بدانة لأخبرها بالضياع الجديد..وأشعر أنني بدأت اخجل من كثرة مشاكلي… التي لا اريد من الشكوى سوى الكلام.. ان لم يواسينا يبدد الآلام..!
أخبرتها بما حدث بالأمس، كانت غير مصدقة مافعله والدي بنا..وذلك زاد من فرصة تكذيبي للخبر..!.. أخبرتها أنني وبدر بين الفينة والأخرى نعيد النقاش بالموضوع،ونعزم على الرحيل ونؤجله مراراً وتكراراً..! وأن عمر نصح بدري بأن لانخرج الآن،ونحن نود التريث ولانستطيع..،
ربما سنرحل هذا المساء..،نلت قسطاً من راحة وآخر من أمل وأغلقت الهاتف
-كنت أحرك كوب المشروب الساخن الذي أعددته منذ قليل، حتى سمعت هاتفي يرن..
من تراه يكون!
أمسكت به فإذا بها دانه..! مرة اخرى!
-”هلا دنو”
-”اهلين ليش مارديتي بسرعه”
-”مزاج ههههه ها وش فيك؟”
-”عندي فكرة جهنمية بتوديك في داهية”
-”هههههههههه الله يستر منك لا تكفين مابي يكفي اللي فيني هههههه”
ضحكت مجدداً ثم قالت
“قولي لاخوك يزوجك عمر وانحلت المشكلة ههههه”
-”وع اسكتي تكفين هههههه لايكون هذا حلك”
ضحكت ثم قالت بإصارار
-”لا لاامزح حتى لو تبين ههه “
-”انتي شفيك اليوم صدق خبله..يلا قولي ولا بسكر”
-”اوف طيب انتي قلتيلي ان عمك يبغاكم تجون عنده صح؟”
فوجئت بموضوعها هذا لكني أجبت
-”ايه ولا احنا ولا ابوي نبغى”
-”تقولين عياله مسافرين دراسة صح؟”
أجبت بالهدوء الممل ذاته
-”صح”
ثم تغيرت نبرة صوتها وعلت
-”طيب ليش ماتروحين تعيشين عنده مو عالاقل ماتتحجبين ببيتك ههههه”
لم استسغ جملتها تلك،ولا الموضوع بأكمله وأنهيت المكالمة على أمل أنني سأفكر بالموضوع
وأنا اكذب بالتأكيد..!
.-.
.-.
-”وش فيك؟”
رفعت رأسي لبدر الواقف أمامي المتنقلة عيناه بين جهازي وعيني..،فقال:
-”مازن اتصل؟”
يبدوا أن ملاحي يتضح عليها الضيق، قلت مباشرة
-”لا دانه كانت(ألقيت بالهاتف وأنا أضيف) تقنعني أعيش عند عمي بدل خالتي”
خرج من الغرفة متجهاً لغرفته وبدا غير مهتم بما قلته،ثم سمعته يقول هناك
-”جربي ماراح يضرك شي..دامك متضايقه من مازن ولمى”
يبدوا هو الآخر مشجعاً للأمر ذاته..! ألا يعي أنني لااستطيع التنقل أكثر من منزل لآخر..!
ألا يعي أنني لااعرف عن عمي شيئاً…وان والدي يختلف معه!
وكأن بدر كان يقرأ أفكاري،عندما عاد وهو يقول
-”يمكن صعب عليك لكن بتتعودين أنا أشوف انه الأفضل وقلتلك قبل…وابوي ماعليك منه”
اخذ علكة كنت أضع بعضاً منها على الرف المقابل للباب وقال
-”انا افضل عمي الف مرة وياما قلت لك ومااخذتي برايي هالمرة اشوف انك لازم تروحين لعمي لو بقيتي عند خالتي بتتزوجين مازن …”
أضاف:-”وش بتخسرين؟ صدقيني ولا شي..! (ربما كانت الجملة الأكثر بؤساً في حديثه) وعلى فكرة انا ماراح ارجع لبيت مازن وابوه برجع للشرقية ولا بروح لعمي”
انه يخيرني بين أن نبقى سوية أو يسافر مرة اخرى..انه يساومني بأمرين لااحتمل كلاً منهما
إنها المرة الأولى التي اشعر بها انه يمارس الضغوط علي!
هو بالتأكيد يعلم أنني قد أفضل خالتي على عمي..ماباله بدر..!
.-.
.-.
بعد ثلاث أيام أطول من معلقة امرؤ القيس،وأصعب من مفرداتها علي..!
دون أن اودع المنزل خرجت..،ودون رغبتي بالذهاب لعمي وافقت،
كما هي أنا دوماً ،لم أتغير للأسف..!!
-اتفقت مع بدر على أن نبقى في منزل عمي فقط في رمضان،وفي حال سفره أعود لخالتي
ولم اعلم أن أمراً سيجد..ولم اعتقد أن قراري سيرتدي ملابس أخرى!
ما انطق به مجموعة من الرداءات المختلفة،وما اسمعه قبعات مختلفة تخفي رؤوس الجمل وتظهر بعضها، وكأنني هذه الأيام أعيش حفلة تنكرية..!
أخبرت خالتي بذلك،ولم تأتي كلتينا بموضوع الزواج، ربما بدري كفى ووفى بالكلام وألبسها خيبة ستبقيها صامته فترة طويلة!
وأظن أن رامي لم يكن موافقاً لخطبتي كما أرادتني له زوجة أبي،سمعت انه رفضني لعمري أو لحجة اخرى!
وذلك ماستنتجته ذات فراغ،وما جرحني ذات غباء، وما جعلني أفكر أنني قد حصرت روحي بين زواجين كهروب لطريقين لن أجد السعادة فيهما…
-حتى متى سأبقى ادرس هذه الحياة التي تشبه تقلب مزاجي! ليلة رمضان..،
الأجواء الروحانية تخلق في صدري واحة، ومعرفتي بتصفد الشياطين جعل مني أغشية لملاك..!
راحتي هذا اليوم تجعلني سعيدة، رغم أنني ألج المكان الذي لم أفكر بزيارته سابقاً وانا اعتزم العيش فيه، ولو فترة قصيرة!
وها أنا التقي بـ عمي..!
-عانقني أربع دقائق،جعلني اشعر بالشفقة على ذاتي وهو يقول:
-”حياك الله ببيت عمك..بيتك”
تراجعت قليلاً فكدت اصطدم ببدر الذي عانقه بسرور شديد لكليهما، وتبادلا حديثاً قصيراً
لم يكن بدر يزوره لكنه يواصله بالهاتف كلما أراد عمي السؤال عنا…مذ رحلت امي!
كنت ادقق النظر بملامحه، فلا اذكره مطلقاً..! صورته في داخلي اعتقد أنها مزقت مع الزمن..!
إذاً هذا عمي…! يملك البعض من ملامح أبي، عينيه ربما لا ربما نظراته..أو قد لايكون يشبهه!
وأنا ادقق النظر وجدته يبتسم لي، وبدر يضحك
هل اتضح أنني أقوم بلعبة تركيب الصور !
-”هذي بنتي جَنَان”
التفت للفتاة الكبيرة ذات الشعر الأجعد،ممتلئة قليلاً عيناها تعلن اندهاش وفمها يصبغه لون احمر وشفتاه تبتسمان!
اقتربت منها وبادلتها السلام والابتسامة ،ابتسامتها أشعرتني بأريحية كبيرة
-”كيف حالك؟”
-”تمام”
اتسعت ابتسامتها وهي تقول:-”تعالي اوريك غرفتك”
نظرت لبدر فهز رأسه مشجعاً..،لااشعر بالطمأنينة إلا عندما انظر إليه..!
قبل أن أخطو معها للداخل قفزت في رأسي ملاحظة:إنها لاترتدي حجاب..!
كنت اتبعها لحيث تريدني،..صعدنا السلم متوجهين للأعلى وكأنني لم ابقي شيء خلفي واصعد فقط بحثاً عن النجوم في هذا اليوم اللامع، والذي سيكون ذكرى ذات يوم!
-”كنت انتظرك من زمان..أخيراً صار عندي اخت بدل ما انا لحالي أقابل الجدران هههههه”
قالت ذلك ونحن نواصل السير لغرفتي التي ستصبح غرفتي، ضحكت رداً لجملتها وبدأت بالتفكير بحالها بينما أتفقد المنزل بعينيّ
تبدوا وحيدة آه تذكرت حتماً إنها هي التي اخبرني عنها بدر منذ فترة أنها تطلقت من زواج دام أكثر من سنة
-”هذي غرفتك وهذي غرفتي”
أشارت لي بغرفة قريبة من اخرى تتشاركان بضوء قوي اصفر ،وكأن الشمس تشرق في المنزل وذلك الذي لم اعتده مطلقاً
-”مشكورة”
قلت ذلك وأنا أواصل تفقد غرفتي إنها جميلة نوعاً ما..ومريحة لقدر كبير
كنت أجلس على طرف السرير، أحرك رجلي بتوتر شديد،شاهدتني جَنان فقالت بابتسامة:
-”شفيك”
ماكان مني الا سؤال أول أوجهه لها:
-”وين زوجة عمي؟”
اختفت ابتسامتها وقالت-”امي بتجي بعد شهرين..يمكن”
قررت النزول لبدر..
سألته مباشرة
-”وين غرفتك؟”
اخبرني انه سيقطن في غرفة بالأسفل ثم قال مازحاً
-”لايكون غرفتك احسن من غرفتي..لا لاعمي ماله حق”
أعلم انه قلق علي،قلت كي لايفعل:
-”ههههه بروح ارتب أغراضي..عشان اقدر أتأقلم شوي”
ومر اليوم جميلاً هادئاً…وتبعه آخر..وآخر…
وانقضى نصف رمضان، أحببت المنزل لأنني شعرت براحة،لم يكن هناك كابوس أن أرى مازن أو أتلقى لسعة من لمى، أو أجاري خالتي بالكلام..!
وأحببت جَنان لأنها بسيطة مرحة رغم إحساسي بفراغ حزين يستقل جزءً من داخلها ، تكبرني ربما بأربع سنوات لكنني استطعت النيل من فارق العمر،وتلك الاولى التي اندمج معها بعد دانة
ومنذ زمن طويل…!
خرجت قبل أذان الفجر لتناول السحور، وبعد انتهائي صعدت وفوجئت بالغرفة التي قرب السلم مفتوحة،تقدمت بفضول أطللت برأسي ففوجئت بغرفة تمتلئ بشعارات رياضية، تبدوا لابن عمي المسافر، والغرفة المقابلة لها تبدوا مقفلة وهي لابن عمي الآخر
قالت لي جَنان ان الاثنين مسافران ولا يعودان في الإجازات إلا نادراً..!
غادرت المكان وأنا افكر فقط بأنه لم يقفل غرفته..! وذك اغرب مامر علي لأنني أثناء خروجي حتى ساعة واحدة اقفل غرفتي كيف وان فكرت بالسفر…!
إلا انه لاغرفة لدي الآن…ولامنزل!
.-.
انتقالي لعمي أحدث بتلك الهاوية التي كدت أسير عليها منحى، غيرت اتجاهي كـ قدر..!
الحياة مأخوذة بالمفاجأة..ونحن نلج في بحر الدهشة…ونتراقص على موجه، ونخاف السقوط للداخل ونختفي…
واليوم أنا مأخوذة بكل شيء..وكأن الجزء من هذا الكتاب أصر على إدهاشي..وكأنه الوحيد أيضاً الذي سيأخذني من القلم الذي هجرته لكتاب آخر غير قابل للقراءة لأنه لم يكتب بعد..!
كل تلك الألوان التي سمعت بها أراها تتشكل أمامي، لاأجرؤ على الاحتفاظ بشعوري الجديد.. سكون يجتاح قلبي كلما خلوت بغرفتي الجديدة، وابتسامة تعلو محياي كلما رأيت ابنة عمي تلك… لم أرغب بالابتسام..ولم ارغب بالمجيء..ولم ارغب بتفقد ملابس التشرد على جسدي في كل مرة أخلو بها إلى نفسي..،إلا انني افعل دوماً مالا اريد..!
-غداً بداية العشر الأواخر من الشهر..، طلبني بدر للنزول إليه..وصوته جعلني احاول أن اطمئن نفسي أثناء سيري بأنه حتماً لاشياطين في رمضان اكرر ذلك… ولم أعي حينها أن ثمة شياطين إنسية تزاول حياتها ..،ولا أقصد احداً..!
-”شفتي ابوي..ماكفاه يبيع البيت وبس “
كان هذا ماستقبلني به،أو صفعني به رغم انني لااخاف فقد شيء أكثر مما فقدته إلا أنني قلت محافظة على هدوء مرتبك
“وشو بعد؟”
-”ابوي معصب يقول ارجعو لخالتكم وقالب الدنيا فوق تحت ليش ماستأذناه قبل لانجي هنا ويوم درى اننا كل هالوقت هنا بغى ينجن ..مدري مدري وش يبي بالضبط”
-”وانت وش سويت؟”
كنت أخاف على بدر من نفسه ومن غضبة..وغضب والدي!
-”قلت له اننا بنبقى هنا وسكر بوجهي “
تنهدت بحسرة، لقد تعبت حقاً…تعبت!
.-.
.-.
كنت غاضب من والدي، وفي داخلي تحدي كبير ، وشيء يجبرني على البقاء هنا والإصرار عليه لأنه قد يضايق ابي..!
بت استعيذ بربي من ا ن أعق به،لكن كرهه لعمي لدرجة إخراجنا حيث خالتي أو اللامكان يجعلني اصرخ واصفع الأبواب واقذف سماعة الهاتف مرة تلو الاخرى..
شيء في داخلي غاضب حد الجنون…عمي اجزم الآن انه لم يكن ليظلم أبي..وأحاول مراراً إقناع رسيل بكذبة أبي المحكمة لكن خطاها قصيرة ربما منهكة ربما لاتريد استماع المزيد..!
وأنا مللت التبرير وترميم الطرق أمامي وهي تنسف بظلم..!
-اخبرني عمي عن معاملة مادية غير شرعية وزوجة غير مرضية أسباب خلافهما الطويل..
بالطبع تلك الزوجة لم تكن سوى امي، أوشكت على تفجير بركان الغضب في وجهه لولا بقية الجملة التي اخبرني فيها انه رضاها عقب الزواج بشهر واحد لكن ابي رفض للسبب الأول..!
والسبب الثاني هو ماجعل امي تبقينا بعيداً عن عمي سنوات طويلة،باستثناء السنتين الأخيرة قبل وفاته حيث كررت وجوب وصلي لعمي..فرفضت أنا..!
واليوم امي في حياة اخرى، وأبي كذلك.. اسأل الله لها الجنة واسأل له الهداية..
-عدت لعمي لأخبره بما جد..ابتسم وهو يقول
-”كنت عارف”
كان في صوت يأس،حاولت قتله بجملة تحدي
-”بس مو بكيفه احنا كبار الحين”
قال وهو يعبث بسبحة يده
-”ابوك اذا بغى شي يسويه اللي واقفين معاه كبار”
ربما تلك الجملة جعلتني اوقف النقاش،ليست منقاداً ليأسه،بل في إصرار لايقف عند كلمات..!
العودة لخالتي لن تكون،وهذا الأمر الذي لن يستطيع نفوذه تحقيقه..!
.-.
ذهبت لعمر بذلك التحدي الكبير، كأني سأخرق الأرض بخطواتي، وسأحرق الشمس بلساني…!
وهو زادني إصرارا فوق إصرار..
-”أي بس ماعليك منه ماراح يسوي شي “
-”مدري ليش مايخلينا بحالنا “
قال عمر بعد لحظة تردد:
“اقول بدر ليش ماترجع بيتكم انت عارف ابوي مـ”
قاطعته
-”مشكور وجزاه الله خير وياك بس ياعمر هذا خطأ ابوي ماحد مجبور يشيله”
-”امس افكر فيها اتوقع انه باعه لابوي بالذات عشانه عارف انه بيخليكم ترجعون”
-”بس احنا منا راجعين بيت ماعاد لنا..وانت وابوك دايم مشكورين”
-”تدري عاد انا كلمت ابوي يكلم ابوك يمكن يقدر له”
ابتسمت لعلمي ان لا احد يستطيع الوقوف امامه مسبقاً..كيف وواالده المجبر على شراء البيت قبل مدة..!
.-.
رحل بدر قبل دقائق
طوال فترة وجوده كنت ابتلع سؤال لايخصني قد انطق به..وهو حال رسيل؟؟
رأيت والدي فاتجهت إليه
-”ها يبه كلمته؟”
-”مين؟”
-”ابو بدر..شلون نسيت”
-”ايه لامانسيت قال انه جاي الرياض بكرة ونتفاهم”
شعرت بانقباضة في صدري،تراه ماينوي الآن…!
.-.
.-.

بالغد..

خرجت من المنزل متجهاً لمطعم لتناول الغداء، حيث سيكون ابو بدر بانتظاري..،
مع وصولي فوجئت بالترحيب الكبير منه،ووجبة فاخرة وكأنه يستدرج ارنباً او كائناً ليس أنا..!
كنت انظر إليه وافكر بابنه،أي والد هذا؟!..بت أقيس عمر بابنه..
انهم في طيش الشباب لكن بدر يحمل مأساة غيرت من مسيره وحمّل ابني كذلك..لست نادماً فأنا احب أن يبقى ابني على علاقة به واحب بدر كأبني… لكن الجالس أمامي والذي يستدرجني لشيء لم اعلمه بعد ابغضه بكل شعور املكه!
-”ليش ماتاكل عسى ماعجبك الغداء نطلب لك غيره اذا تبي”
قلت بصوت هادئ رخيم
-”لا تسلم ..إلا وش بغيت؟”
وأمسكت بالملعقة معلناً عن البدء في الطعام والحديث
-”ابد سلامتك انت اللي وش بغيت”
تركت الملعقة وركزت نظراتي وأنا أقول
-”ابيك تترك بدر يعيش عند عمه يكفي اللي جاه خله يحس ان وراه..”
ثم بترت الجملة…لكنه أكملها وقد قست عيناه وانتفخت أوداجه
-”ماوراه رجال؟؟وأنا وشو قدامك الشرهه على اللي جاي يشوفك”
تداركت الأمر مسرعاً
-”يابو بدر مهوب قصدي كلمة وطلعت بلاك الله يهديك اللي قصدته خلهم عند عمهم ولا خلهم عندك”
كان يفترض به أن يخرج غاضباً لكنه عاد يناقش الأمر معي..ويالـ َعجبي..!
-”وخالتهم وش فيها هي مربيتهم واقرب لهم من هاللوح”
شعرت أنني أود صفعه..اي رجل يتلفظ على أخيه من امه وابيه بتلك المفردات..
-”ورجلها وولدها مايخلون البيت غريب؟؟”
-”اقول اسمع لاتطولها وهي قصيرة جلسة ببيت عمهم مافيه وهذا اللي جايك عشانه”
أضاف:-”بدر بيعيش عندي وبيدرس عندي”
لحظة تلو الاخرى اشعر أنني اريد سكب الحساء على وجهه..لكني قلت؟”
-”وبنتك؟”
-”البنت مالها الا بيت رجلها وانا رجال قررت ازوج بنتي”
قلت مباشرة:
-”تزوجها؟؟ ماتشوف انها صغيرة وانها مهيب مستعدة عارف الظروف انت ولا ماهمك”
-”ماتشوف انك تتدخل بشي ما يعنيك بنتي وانا حر بها وبزوجها اليوم قبل بكرة”
-”من بتزوجها؟”
-”ابو سعود”
وقفت من مكاني اقسم بالله أنني اشعر بالمسؤولية تجاهها كابنتي
-”انت جنيت تزوجها واحد كبرك “
-”أقول اقعد بلا تعقيد وش فيه ابو سعود”
-”ياخي انقرض هالتفكير وش هالجهل “
-”تبي الصراحة انا جاي متعنيلك مفضلك على ابوسعود”
شعرت بالصوت الذي لاصوت له يغطي المكان، يشبه الازيز،يشبه خط اقمار ليست سماوية ولا أرضية..يشبه قناة أذكرها تنوح به عندما تغلق…!
وأنا قبل دقيقة احدث نفسي عن مسؤوليتي تجاهها، وهو يريد منحي إياها زوجة لأنه يفضلني مادياً..!
أهو سن الهرم الذي وصل اليه…!!
-”عاد فكر يابو عمر وبينا اتصال”
-”منت بصاحي”
صرخت بها،وتركته ورحلت غير مصدق..لم أفكر يوماً أنني اريد قتله..! ياللحماقة أريد ذلك الآن..!
.
.
الحياة احياناً تسير على نمط واحد،وتفاجئنا بحركة غير متوقعة..تماماً كفتاة تسير فتتعثر دون قصد..
عندما فوجئت أول مرة بموضوع منزلهم..الذي باعه لي أثناء وجودهم لم أكاد أتصور انه سيفكر في منعهم من الإقامة في مكان آخر..إلا انه فعل..!
واليوم لا اصدق حقاً، انه يبحث عن مشتري لابنته…!!
.-.
.-.
كنت ارتب غرفتي،اعيد تصفيف الأشياء كما اصفف شعري..!
كل شيء بدا هادئاً، شيء واحد اشعر به أنني مسافرة وسأعود حقاً لمنزلي.. لااكاد أتصور غير ذلك…، لم اهتم بتهديد أبي، فلا أظنه سيخرجنا بعد أن نكون رافضين، سأحسن به الظن مرة أخيرة!
الشيء الوحيد الذي أفز له هادمة بيت هدوئي هو أي صوت يصلني من الأسفل مرتفعاً عن الصوت المعهود،ولو بدرجة واحدة، أخاف أن يأتي بمصيبة اخرى،زامنني الخوف هنا وازداد تطوراً هذا المساء..لا ادري تفسير ذلك..!
المستقبل أصبح كابوساً لي وأنا أخاف ذلك جداً…، شيء وحيد يهدئ من نوبات الهلع كلما ازداد امراً جديداً.. مامررت به السنوات الأخيرة لم أكن أتصور أنني سأحتمله، لكني فعلت ذلك، فهل سيكون المستقبل اشد بؤساً..!
إن مع العسر يسراً… ، الشيء الوحيد الذي ارتاح لسماعة، وكررته لي جَنان..!
الصباحات التي تلت هذا المساء،واللاتي في كل مرة يشكوان لبعضها بالتبعية ويتجادلا
في سلام..تماماً كأفكاري.. أصبحت مفكراتي الفارغة وأوقاتي الفارغة وحديثي الفارغ مني ،كل ذلك يشكي التبعية للشمس والقمر…
وأنا أغلف خوفي من الأصوات، وصوتي من الخوف…وتبعية اخرى..!
.-.
.-.
كنت بانتظار أبي أن يخبرني ماحدث بعد لقاء والد بدر..لكنه آثر الصمت وزاد من قلقي ذلك
عدت اكرر ذلك مرة تلو الاخرى..وذلك ليس من عادتي ابداً
لنترك عاداتي وحياتي،..،لأن ذلك لايعني شيئاً إذ أخبرتكم بأول كلمة نطقها أبي..
-”يبيني اتزوج بنته”
حقاً شمس الصباح لاتخبرنا بما قد يأتي به القمر، والقمر يحتذي بها.. ونحن نمتص الأقدار بشراهة،ونقلبها بسكون عاصف،وهذه المرة كنت الوحيد الذي كسر ساقه أمام الجميع وتابع المسير!
.-.
.-.
-كنت عائد من المكتبة بعد أن قضيت حاجيات ابنتي سديم واريام التي لاتنتهي..اتصل بي ابو بدر..
وقفت أمام المنزل كان إحدى حاجبي يسبق الآخر علواً وتفكيري وصل لأبعد من صاحب الاتصال..أيعتقد حقاً أني أفكر بالموضوع..
وضعت الكيس الذي احمله،وأجبت اتصاله
-”هلا”
-”السلام عليكم ابو عمر كيف حالك”
-”وعليكم السلام والرحمة مرحبا”
-”عساك بخير يالغالي”
-”بخير الله يسلمك.. “
وانتظرته يسأل لأجيب وننتهي لكنه قال
-”ها خايف على ام العيال تزعل”
لم استصغ دعابته القبيحة كما هو فقلت
-”ايه والله المهم انا بسكر الحين وبتصل بك عقب”
فتحت الباب ودخلت رأيت عمر جالس على الكرسي وبيده كأس قهوة
انه غالباً مايقضي وقت الفراغ في التصوير مستغلاً الوقت قبل الكلية
اقتربت منه مداعباً:
-”ها شرايك أتزوج هههه”
قلتها لكي يبتسم لكنه قال
-”رايي انك تذبح هالرجال”
ملامحه غاضبة جداً اشعر كأنه يبتلع الدمع كي لايصعد لعينه ويخرج منها، ووجهه بأكمله يحتج من وجهه!
-”والله انه مهوب صاحي المهم كم عمرها؟”
-”ليش تسأل؟”
يبدوا ابني متحفظاً بعض الشيء ابتسمت وأنا أسأل مجدداً
-”اصغر منك؟”
-”ايه وانت ماتفكر تتزوج”
جملته تلك خلقت شيئاً في رأسي، إن كانت خبراً مبطناً بتهديد كما يظهر..!،هناك ما اريد التأكد منه حتماً
-”ومن قال اني بتزوج على امك هي الغالية”
أضاف شبه ابتسامة وتنهد وسكب القهوة كاملة على الأرض المزروعة
-”بيضيع مستقبلها يقول بزوجها واحد كبره حتى لو رفضت”
-”وليش انت ؟”
قالها متشككاً وهو يراقب القهوة تتشربها التربة بشراهة معرفته الإجابة..!
-”يبي مصالحنا وحده وفيه امور ماتعرفها لكن انا اقدر ارفض بنته..وسبق وقلت لك”
“وش تنتظر؟”
قالها بانفعال جعلني أسأله
-”ليش متضايق؟”
أجابني بشيء لايتصل بسؤالي
-”ماراح اسمح له يجبرهم على شي”
تركني واتجه للداخل، المصيبة انه يشبهني في ذلك،وهو يضع شيئاً في رأسه ولو لم يكن له من الامر من شيء سيختلق امراً ليكون بإمكانه..
هو يحبهم بالطبع..وياخوفي لو كان يحبها أكثر من اخت..،وهذا مااحسست به حينها..!
-”عمر”
كررت النداء فأطل برأسه من الداخل:
-”تعال ابيك”
قلت له عندما اقترب جداً:
-”انت تبي البنت؟”
ركز نظراته إلي،وكادت عيناه تخترق جفني،فأضفت
-”هي مثل اختك؟ “
هز رأسه ايجاباً وابعد عيناه عني ونظر للباب الذي خرج منه، ثم للنافذة المطلة علينا والتي تختلس النظر خلفها رنيم ابنتي المندهشة..!
تركني وعاد للداخل، ابنتي قالت عندها بشيء من الريبة وتغيير الموضوع
-”شريت اغراض سديم واريام؟”
نظرت للساعة وقلت لها
-”أي الحين جاي”
اتصلت بوالد بدر:
-”موافق على الزواج والمشروع بيتم مثل ماهو عليه”
أتاني صوته سعيداً وهويبارك:
-”والله هذي الساعة المباركة شلون غيرت رايك”
-”فكرت وقلت مافيه انسب من ولدي لبنتك ونصير انسبا”
سكت ملياً ثم قال:
-”عمر؟ولدك؟”
-”ايه واذا عندك مانع خلاص الغي الفكرة “


يتبع ,,,,

👇👇👇


تعليقات