رواية العروس المتمردة -4 البارت الاخير

رواية العروس المتمردة - غرام

رواية العروس المتمردة -4

غادر الغرفة منشرحا فاسرعت اندريا تستحم و تبدل ملابسها و فكرة واحدة تسيطر على تفكيرها و هي تحاول بكل ما لديها من قوة ان تصدها .
صعدت على ظهر المركب فوجدت نيكوس جالسا الى مائدة الفطور مستمتعا باشعته الدافئة و اذا بشريط البارحة يمر في ذهنها بتفاصيله كافة .
كانما قرأ نيكوس ما يجول في ذهنها فاسرع نحوها : ماذا تريدين ان تأكلي ؟

و اشار الى بوفيه الطعام فتركته اندريا يختار لها اخذت تتأمل المنظر الجميل من حولها فاجتاحتها موجة عارمة من السعادة لم تعرف اسبابها لكن كيف الا ترتفع روحها المعنوية في نهار مماثل .
انهي نيكوس طعامه ثم رفع نظره اليها ليجدها مسترخية في مقعدها سالته اندريا : اين نحن ؟ لم توقف اليخت ؟
- اننا بقرب هيراكليون يمكننا النزول ان رغبت .

راقت لها الفكرة لكنها تذكرت انها تريد اللحاق بالطائرة للعودة الى لندن . امسك نيكوس بيدها كانه قرأ افكارها :
- ابقي قليلا بعد لنقوم بجولة سياحية في المنطقة و نعوض عن التوتر الذي قاسيناه حلال الاسابيع القليلة الماضية .
لم تجد خيارا آخرا سوى مجاراته و النزول الى البر لتتعرف الى الجزيرة فهي تتوق كثيرا لرؤية آثارها الشهيرة .

انضم نيكوس و اندريا الى سيل السياح الذين أتوا من جميع أقطار العالم لمشاهدة بقايا قصر المينونيين الشهير الذي دمره زلزال فظيع ثم دخلا بناء على اصرار اندريا الى مطعم بسيط على الرغم من ان خيارها
فاجأ نيكوس الا انه اخفى مشاعره اذ خطر له انها ملت من المطاعم الفخمة و تريد ان تختلط بالطبقات المتوسطة .
- اين تفضلين الذهاب بعد الظهر ؟ ما رأيك لو نقصد الشاطئ ؟
لعن نفسه بالحال على تسرعه اذ تذكر انها لا تسبح الا في ساعات الصباح الأولى حتى لا يراها احد .
- لعلك تفضلين زيارة بلدة هيراكليون او التوغل في المناطق الداخلية .
- تبدو فكرة جميلة لكنني لم اعد قادرة على المشي .
- ساطلب السارة مع السائق .
- نيكوس ! هل الممكن ان نستأجر سيارة مثل هذه
و اشارت الى سيارة جيب كانت تمر على مقربة منهما ...
- اظن التجول فيها ممتع .

و اكتشفت لاول مرة في حياتها ان الزواج من رجل ثري له منافعه اذ لم تكد تنهي كلامها حتى اتصل يطلب جيب تولى قيادته بنفسه .
خلال الطريق استمتعت اندريا بالمناظر الخلابة : هذا رائع اندريا ! شكرا لك يا نيكوس .
- يسرني انك تستمعين بوقتك .
و ابتسم لها ابتسامة مثيرة توقفا فرب مقهى يقع على تلة شديدة الانحدار لتناول القهوة بصمت كانهما يستمتعان بالهدوء و السكينة و وجدت اندريا نفسها تعود بالذكرى الى احداث ليلة البارحة .

و لكنها سعيدة برفقة نيكوس و لن تدع شيا يفسد عليهما هذا النهار الجميل بلغا الساحل في ساعة متأخرة من بعد الظهر
- هل تعرف الجزيرة جيدا ؟
هز راسه نفيا : اقتصرت زياراتي لها على اجتماعات العمل انها المرة الأولى التي ازور فيها معالمها .ما رأيك لو نقضي فيها بضعة ايام ؟
لم تنبس اندريا ببنت شفة فوضع يده على يدها و قال : لا داعي لاتخاذ قرارات متهورة دعي الامور تسير في مجراها الطبيعي .

كانت كلماته تحمل بين ثناياها معان كثيرة و لكنها لم تشأ ان تتحداه
- الا يجدر بنا ان نعود ؟ الن يقلقوا علينا ؟
ابتسم نيكوس ابتسامة ناعمة و اجابها :
- يمكننا العودة ساعة نشاء لان اليخت يرسو على الشاطئ فلا داعي للعجلة .
- حسنا سنبقى في البلدة للعشاء .
لم تشأ اندريا ان تعود الى اليخت لقد تزوجها نيكوس و اثار فيها احاسيس لم تختبرها من قبل فلم تعد الفتاة العذراء التي تنقصها الخبرة بل اصبحت امرأة تعرف جيدا ما تريده ...

كان بوسعها ان تردعه و لكنها لم تفعل و هي تعي جيدا ان تصرفه كان نابعا من احساسه بالاسف نحوها كانت تتمزق ما بين الاحساس بالخزي و الاحساس بالعجب الخزي لان نيكوس الرجل
الكامل الرجولة لامس جسدها المشوه مكرها و العجب لان الرجل الذي تزوجها من اجل شركات كوشتاكيس شعر بالاسف نحوها ..احست بمشاعر الحب تتأجج داخلها مشاعر خطيرة قد
تلحق بها الضرر فنيكوس فاسيليس الذي تزوج وريثة كوستاكيس و ليس اندريا فرايزر لن يكترث ابدا لهذه المشاعر و عليها ان تحذو حذوه .
عادا الى المركب في ساعة متأخرة و قادها الى ظهر المركب فتبعته بلا تردد شاعرة بالفرح لانه أرجأ موعد خلودهما الى الفراش .

- اتعلم اننا لا نستطيع رؤية الكواكل في لندن بالعين المجردة ؟
- علينا ان نقضي الليل في احد الاكواخ في جبل ايدا لنشاهد الكواكب بوضوح .
دس يده خلف ضفيرة شعرها و قال :
- يمكننا ان نمضي وقتا اطول فما رأيك ؟
سرت رجفة في كيانها و قد أحست بخطر يحدق بها .
- نيكوس .
انهمك نيكوس بفك ربطة شعرها .
- نيكوس .
و توقفت عن الكلام و قد أخذ قلبها يدق بسرعة محاولة التركيز ما تريد قوله : اريد ان اتحدث اليك .
لم يكترث الى كلامها و تابع يفك شعرها ليتركه ينسدل على كتفيها
- بأي شأن ؟
- بشأن البارحة
-آه فهمت .

و رفع بصره نحوها فبدأ الدم يغلي في عروقها و على الرغم من مخاوفها لم تستطع ان تبعد عينيها عنه كان قريبا منها فيما راحت انفاسها تتسارع حاولت كبت مشاعرها الثارة و هي تنتظر عناقه بلهفه
فسارع نيكوس و يعانقها بعاطفة محمومة كادت تفقدها صوابها استمتعت بكل لحظة من عناقه و ادركت اندريا ماذا يحدث فابتعدت عنه لاهثة و صرخت :
- نيكوس لا .
- لا
- لا تفعل هذا اريد ان اتحدث عن البارحة اعرف جيدا ما الذي دفعك للقيام بذلك ..انت تشعر بالأسف علي و تشفق على حالي و لكن لست مضطرا لاعادة الكرة .
قال لها ببرودة : يسرني انك تفهمت موقفي ! اؤكد لك ان ليلة البارحة كانت أسوأ ليلة في حياتي .

و رمقها بنظرة عجلى فاذا بقسمات وجهها تتبدل لدي سماعها كلماته اللاذعة و تصبح قاسية كالصلب و لكنه تجاهل الأمر و تابع : نعم انها اسوأ ليلة في حياتي .
ارادت اندريا ان تصم اذنيها و لكنه بدا مصمما على اذلالها : لم امر في حياتي بتجربة مشابهة لتلك التي مررت بها البارحة كانت تجربة مريعة و لا اريد ان امر بها ثانية ..كنت اتعذب عذابا شديدا
لاني اريدك بكل جوارحي و مع ذلك كنت عاجزا عن الاستحواذ عليك بكليتك ..رباه لقد ذقت الامرين و لا اريد ان اتعذب ثانية
أمسك بكتفيها و تابع : كانت ليلة البارحة مميزة لك اما الليلة فستكون مميزة لي .

و عانقها عناقا محموما ثم حملها الى غرفتهما ليضعها فوق السرير ..فاحست اندريا كانها في دوامة بل كانها ترتفع الى السماء على اجنحة من نار .
استيقظت اندريا من سباتها مذعورة و قد احست به يحاول التملص من عناقها لينهض من السرير آخذا معه الدفء الذي كانت تشعر به .
فقال لها نيكوس ضاحكا : لا اريد ان ابتعد عنك لحظة واحدة و لكن علي ان اعتني بك قليلا .

و تسلل من الفراش ثم توجه الى الحمام فاغمضت اندريا عينيها و استسلمت الى النوم عاد نيكوس الى الغرفة و حملها من السرير استفاقت من غفوتها لتجد نفسها في مغطس الجاكوزي المملوء بالمياه الساخنة و
الصابون المعطر .
- لا اريد ان اسبب لك المزيد من الألم حبيبتي .
استرخت اندريا بالمغطس مغمضة العينين و لم تمض ثوان قليلة حتى زال اضطرابها
- هل تشعرين بالألم ؟
فتحت اندريا عينيها فوجدته واقفا يتأملها و لكنها لم ترفع نظرها لتقابل عينيه .
- كلا...اشعر كأن أحد يدلكني .

و التفتت عيناها فقرأت بعينيه تعابير جعلت الدم يغلي في عروقها كدليل على المشاعر المتبادلة بينهما .
- نيكوس ..أنا .
وضع يده على فمها لاسكاتها :
- لا تقولي شيا و لا داعي لاستعجال الامور ..و ما عليك الآن سوى ان تسترخي لتستعيدي قواك ساتركك لوحدك قليلا و اعود بعدها لاصطحابك الى الفراش .

تركها لوحدها تستتمع بالهدوء و السكين ثم عاد بعد قليل فساعدها على الخروج من المغطس و قد بدا جليا ان النعاس يغالبها ثم لفها بمنشفة كبيرة و حملها الى السرير و اطفأ النور ثم استلقى بقربها و
سرت اندريا كثيرا بعناقه لها : نيكوس...
- كفاك كلام و نامي .
و غمرها بحنان فاسترخت بين ذراعيه بينما راحت يداه تداعبان بشرتها المشوهة برقة و خفة .
- اني راحلة !

كانت يداه لا تزالان تحيطان بها عندما ايقظتها اشعة الشمس فتمطت و هي تحاول تحريك اطرافها المتيبسة تململ نيكوس الى جانبها و في داخله شوق جارف اليها شوق يزداد حدة كلما نظر اليها لكنه
خشى ان يؤذيها فكبح جماح هواه و نهض مبتسما : سنتناول الفطور بالسرير ثم نتجول بالاماكن السياحية
ارتدى روبه على عجل و اتصل يطلب الفطور متجاهلا المشاعر الجياشة التي استولت عليه .
استقلا الجيب عبر شوارع الجزيرة و قصدا بلدة سامايا لرؤية ممرها الشهير و تمشيا بها .
- يمكننا ان نقصد اغيا اليوم .
- ما معنى كلمة اغيا .
- اغيا تعنى القديسة و اغيوس يعني قديس . عليك ان تتعلمي لغة اجدادك بما انك ستقيمين هنا .

لزمت اندريا الصمت لتداري انفعالها عنه الا انها شعرت بلمسات اصابعه على خدها : الن تبقي اندريا ؟ الست لي ؟
احمر وجهها فغيرت الموضوع : بدأت اشعر بالجوع
احست بانفاسه الحارة على عنقها : و انا ايضا حبيبتي ..

لكنه لم يشبع جوعه الا بعد ساعات طويلة اكتفى خلالها بلعب دور المرافق الحبيب ففي كريت تحولت اندريا الى انسانه حلوة منفتحة لا تمت صلة بالفتاة المتحفظة باثينا
شعر نيكوس برغبة شديدة بامتلاكها و حمايتها لا شك ان تهديدها بالعودة الى لندن كان و ليد مخاوف ولدتها اوهام كثيرة لكنه بحكمته طرد عنها الارواح الشريرة .

حين كانا يجلسان بالمقهى بدا نيكوس مصرا على تعليمها اليونانية ما زرع في نفسها الرعب ايعقل ان تبقى في اليونان زوجة لنيكوس مستحيل ....مستحيل فقبل مغادرة المركب البارحة اجرت
اتصالا سريعا بطوني لتخبره بانها ستعود قريبا و لتطمئن على والدتها

امسك نيكوس بيدها كانه احس باضطرابها و قال : لا تقلقي ستسير الامور بشكل جيد .قال لي النادل ان هناك رصيف جميل للمشي قرب احد المواقع الاثرية لكننا لن نستطيع الوصول اليه بالسيارة .
- كم يبعد ؟
- ساعة لكن لا اريدك ان تتحملي المشقة .
- يؤسفني ان اكون عبئا ثقيلا عليك .

اخذ يدها بين يديه : لست عبئا علي و اظن انك اجهدت نفسك من اجلي .
هدت رقته المفرطة حصونها فاحست بالدموع في عينيها : لا لا تبكي الم تقولي انك قابلت اشخاص حالتهم اسوأ منك عليك ان تحمدي ربك ان ثروة جدك كانت سندك في محنتك .

جمد الدم في عروقها و تذكرت بالحال كيف رفض جدها ان يساعدها لاحظ نيكوس شحوبها و ندم على تذكيرها في محنتها صحيح انه لم يقل الا الحقيقة فالله انعم عليها بالثروة و لم تذق طعم الفقر و
لو كانت مرغمة على الكفاح مثله لجمع المال لنظرت الى الحياة نظرة مختلفة .

- انتظر حلول المساء بفارغ الصبر يا حبيبتي .
تورد خداها خجلا و هي تقرأ الرسالة في عينيه فاسترخت في مقعدها و قد بدت على وجهها علامات الرضى .
في تلك الليلة لم تعر اندريا الديكور المترف اهتماما و لم تلحظ ترحيب افراد الطاقم بهما .
فعيناها كانت مسلطتين على نيكوس فقط و قد امتلأ قلبها بمشاعر عميقة دفعتها للاستسلام له بكليتها قضيا ليلة محمومة شعرا خلالها و كأن أمواج العواطف المتقدة تتقاذفانها لترميهما على شواطئ بعيدة
ساحرة فتتركها منهكين عاجزين عن الحراك .
لازم ا غرفتهما طوال اليوم التالي و لم يغادراها الا بعد الظهر حين قصدا الشاطئ كانت السمء صافية و الشاط شبه خال من الناس فاخرج نيكوس ثوب سباحة اسود و قال لها : لا أحد ينظر الى ساقيك لان
جمال وجهك سيبهرهن
ثم طبع قبلة ناعمة على خدها و اضاف : انك غاية في الجمال و قلما يهمني تشويه ساقيك فهلا نزلت المائ معي .
و كيف ترفض له طلبا ؟ ارتدت ثوب السباحة خلف صخرة كبيرة .
- هيا بنا فالمياه مغرية .
ترددت قليلا الا انه قال : هيا ستشكرينني لاحقا .
و لم يخب ظنه اذ شعرت بعد خروجها من الماء و كانها ولدت من جديد .

جالا على الجزيرة لمدة 5 أيام ستبقى ذكراها مطبوعة في رأس اندريا الى الابد خمس ليال جرفتهما فيها حرارة العواطف المحمومة في تيارها حتى كانت ان تفقد صوابها فرمت كل همومها لتعيش
كل لحظة بسعادة مع نيكوس
نزلت اندريا عند الساعة الثالثة فجرا من فراشها و صعدت الى ظهر المركب تاركة نيكوس يغط بنوم عميق منهكا من سيل العواطف المحمومة .
انها الليلة الاخيرة التي يقضيانها سويا فغدا صباحا سيصل اليخت الى مرفأ بيروس حيث تنتهي قصتهما معا لكن كيف تركت نفسها تقع في حبه السبب الوحيد التي اتت الى اثينا له هي حاجتها الماسة للنقود و لن
تدع شيء يثنيها عن تحقيق مرادها !

من المستحيل ان يبادلها نيكوس الحب الذي تكنه له فزواجه منها زواج مصلحة و ان اغواها فلانه يوناني الطبع و الطابع و متمسك بتقاليد بلاده حتى و ان كانت عروسه مشوهة الجسد صحيح انهاحسن معاملتها
و خلصها من مخاوفها الا انه لا يحبها اتراه يقبل بفتاة معدمة فقيرة زوجة له ؟ لم تجد اندريا جوابا لتساؤلاتها فسيطر عليها احساس بالأسى و الفراغ .

في الصباح 

بدا نيكوس متعكر المزاج ... فبعد اسبوع قضاه بعيدا عن اثينا نسى خلاله العمل فمنذ ساعات الصباح الأولى بدأت الاتصالات تنهال عليه لكن لاول مرة في حياته كانت رغبة واحدة
تسيطر عليه رغبة الا يفارق اندريا لحظة واحدة .
التوى فمه ساخطا و هو ينضم اليها الى مائدة الفطور اذ وجدها متجهمة الوجه متوترة و كأن الفتاة المرحة قد اختفت
- يؤسفني ان تنتهي العطلة بهذه السرعة و لكن أعمالا كثيرة تنتظرني .
- طبعا !
- تعلمين جيدا ان عملية الدمج ليست سهلة .
و توقف عن الكلام و قد ظهرت كآبه على وجهها .
من قال انه يريد حبها ؟ جل ما يريده هو رفيقة يلهو بها بالصباح و تدفئ فراشه في الليل .لكن وقت اللهو ولى عليه ان يعود لجمع المال و هي تعود لوطنها .
تقدم احد المضيفين و تحدث الى نيكوس باليونانية فنهض نيكوس من مقعده .

- المعذرة ! علي ان اجري اتصالا هاتفيا .
- تفضل .
صعدت اندريا الى جانبه بالليموزيين التي كانت تنتظرهما عند الرصيف و في داخلها السائق و مساعد نيكوس الخاص
خلال الطريق انغمس نيكوس بالحديث مع مساعده و نسى وجودها و صممت بقرارة نفسها على الرحيل فورا .
توقفت السيارة امام مبنى شركة فاسيليس فالتفت نيكوس نحوها و قال : سيوصلك نيكوس الى المنزل اعذريني لانني لن اتمكن من مرافقتك لكنني اعدك بالعودة الى المنزل في اسرع وقت ممكن .
و مال نحوها ليقبلها فأدارت وجهها بسرعة لتقع شفتاه على خدها .
ترجل نيكوس و مساعده من السيارة فأحست بقلبها يتقطع الى قطع صغيرة .
اغمضت عينيها و ابتلعت ريقها لتخفف الم الدموع التي سدت حنجرتها طلبت من السائق ان يغير وجهته الى المطار و في الطريق كتبت رسالة قصيرة الى نيكوس
رسالة أدمت كل كلمة فيها قلبها :
:(عزيزي نيكوس
انني راحلة الى انكلترا لقدد حقق كل منا غايته من هذا الزواج أشكرك على الأيام الجميلة التي قضيناها في كريت و أتمنى لك التوفيق في مهمتك الجديدة ارجو ان تطلي من محاميك حل زواجنا في أسرع
وقت ممكن .

اندريا )
و تركت الرسالة مع السائق بعد ان طلبت منه ان يسلمها لنيكوس .

- أغلى من الذهب

- أين تفضلين الاقامة يا أمي ؟ في المناطق الساحلية ام الجبلية ؟
لم تغب نبرة الابتهاج من صوت اندريا منذ عودتها الى المنزل قبل اسبوعين حاملة معها اخبارا طيبة عن جدها لقد اعطاها الأخير المال لتسديد ديونهما و الانتقال الى اسبانيا
لكن على الرغم من قيامها بلعب دور الفتاة السعيدة لاحظت اندريا قلق امها عليها صحيح انها كادت تطير من الفرح حين علمت بسداد ديونها و ابدت اعجابها الشديد بمشية اندريا الجديدة التي تدل على ثقة
أكبر الا ان شيئا ما كان يشغل بالها .

دخلت اندريا الى المطبخ لتعد العشاء لهما و راحت تتحدث مع والدتها عن اسبانيا و في تلك اللحظة سمعتا طرق قوي على الباب .
- لا بأس يا أمي سيرحلون بعد قليل .
اذ غالبا ما يقصد صبية الحي الشاكسون المنازل بقصد التسول و كم كانت سعيدة لانهما سيغادران المكان قريبا .
عاد الطرق على الباب اكثر الحاحا
- حسنا طفح الكيل

و أسرعت اندريا تفتح الباب تريد ان تتعارك مع أولئك المشاكسين غير انها شاهدت من خلف الزجاج شخصا طويل القامة .
فتحت الباب و اذ بها تقف مشلولة تحت نظرات العينين الثاقبتين المسلطتين عليها ...
دخل نيكوس من الباب و قال لها بحدة : اياك ان تهجرينني ثانية !
بقيت جامدة في مكانها ثم قالت متلعثمة : ك....كيف؟
- تعذبت كثيرا للعثور عليك .

و جال بنظره في الرواق الضيق الذي تفوح منه رائحة العفن :
- لم اتصور انك تختبئين في هذا الجحر لمن هذا المنزل القذر ؟
- انه منزلي ياسيد ..
اطلت كيم من باب المطبخ مستغربة .
- نيكوس فاسيليس اتيت باحثا عن اندريا .
- لن اذهب معك .
سالت كيم : ما الذي يجري ؟
- لا شيء أبدا أظن ان السيد فاسيليس ارتكب خطأ و سيغادر فورا من دوني .
- انك مخطئة أحضري امتعتك و تعالي معي و لا تنسي جواز سفرك .
- لن ارحل من هنا !
- ستعودين الى اثينا فرحيلك المفاجيء اغضب جدك و شعر انك خدعته و اصر على ان تعودي الى اثينا و تتمي واجباتك و الا اوقف عملية الدمج .

شعرت بغصة بحلقها فسألته بحدة : اهذا كل ما يهمك ؟
- تعلمين أن ثمة أمورا أخرى تهمني بعد عودتك الى اليونان لاتمام واجباتك سنتباحث في الموضوع .
أثارت كلماته سيلا من الذكريات فاشتعلت بعينيها شعلة غريبة لمحها نيكوس

و ابتسم ابتسامة مقتضبة ثم تابع يقول :
- أتعلمين شيئا ؟ أنا أيضا شعرت انني مخدوع عند رحيلك !
بدت نبرة صوته مشوبةبالغضب الا انها حملت بطياتها شيئا من الحزن .
التفت نيكوس نحو كيم : اريد التحدث مع اندريا لوحدنا .
- ليس لدي ما أقوله لك .
- أنا لدي أشياء كثيرة اقولها لك يا حبيبتي .

تحركت بداخلها مشاعر غريبة و هي تسمعه يناديها حبيبتي مشاعر لم تلبث ان خمدت اذ احاطتها كيم بذراعها قائلة :
- لا ترغب ابنتي بالتحدث اليك سيد فاسيليس .
شهق نيكوس مذهولا كانه لا يصدق اذنيه : هذه المرأة والدتك ؟
- نعم انا والدة اندريا ارجو ان تشرح ماذا يحدث هنا ؟
- سيدة كوستاكيس

هزت كيم راسها : ادعى كيم فرايزر فانا و اندرياس لم نتزوج قط .
اتسعت عينا نيكوس دهشة .
- أترى انني لست المرأة التي تخالها ؟ انظر حولك هل أبدو كوريثة كوستاكيس ؟
- غير معقول ! أهذا هو منزلك ؟
- أجل
- لماذا ؟

- لان والدتي لا تستطيع ان تؤمن منزلا أفضل من حسن الحظ ان المجلس البلدي وافق على اعطائنا هذه الشقة لاسيم انها كانت ام عزباء و بعد دخولي المدرسة وجدت عمل بشكل جزئي لكن راتبها لم
يكفي لشراء منزل آخر .
- ماذا عن جدك ؟
- رفض جدي اعطائنا المال مدعيا انه لا حق لها المطالبة بارث والدي .
- اتقصدين ان جدك لا يعيلك ؟
- أجل قلت لك انني لا انتمي لآل كوستاكيس !

قاطعت كيم حديثهما : ماذا عن المال اندريا ؟ قلت لي ان جدك اعطاك اياه بملء ارادته لكن ان كنت لجأت الى ابتزازه عليك اعادته بالحال !
- لا المال لنا علينا ان نشتري منزلا في اسبانيا و نسدد ديونك .
- ديونها .
- أجل سيد فاسيليس فعندما كانت اندريا في سن المراهقة تعرضت لحادث مروع و تطلب علاجها مبالغ هائلة فاقترضت المال و لا نزال نسدد هذه الديون و اندريا تشغل وظيفتين و تدخر كل قرش للتخفيف
من عبء هذه الديون .

أحس نيكوس بالأرض تزلزل تحت قدميه لكنه تمالك اعصابه و سالها : الم تطلبي العون من يورغوس كوستاكيس ؟
ضحكت اندريا ساخرة : طبعا فعلت ارسلت له تقارير الاطباء التي تثبت خطورة حالتي و وعدته ان ارد كل قرش يدفعه حالما تتمكن من ذلك لكنه رفض و هددها بالملاحقة القضائية ان اتصلت به
مرة أخرى .
التقطت انفاسها و تابعت : لن اعيد المال اليه مهما حاولت والدتي لقد سددت ديونها و ساشتري لها شقة في اسبانيا .

- كم دفع لك كوستاكيس ؟
- 500000 باوند اعرف انه مبلغ كبير لكني بحاجة اليه .
-اتعلمين كم تساوي ثروة جدك ؟ ثقي ان النصف مليون باوند يعتبر مبلغا ضئيلا بالنسبة الى ثروته .
- قلما تهمني ثروته لقد اساء الى والدتي و انا احقد عليه بسبب ذلك و لا اريد ماله القذر الا خمسمئة الف باوند لشراء منزل في اسباني لتعيش حياة خالية من الهموم .

لم يكن نيكوس يصغي لها بل راح يجول بنظره في الشقة و الاشمئزاز بدا على وجهه انفطر قلبها
خرقت كيم الصمت : يبدو ان وقع الصدمة كان قويا عليك سيدفاسيليس لكن هلا سمحت لي ان اسالك عن الهدف من زيارتك لنا ؟
-أظن الهدف من زيارتي قد تغير .

شعرت اندريا بالتوتر لقد جاء ليعيدها معه و لكن هاهو قد بدل رأيه حول نيكوس عينيه عليه فحبست انفاسها منذ عودتها و هي تقنع نفسها انها لن تراه مرة ثانية سحبت نفسا عميقا و قالت له : اسمع يا نيكوس
انني في غاية الاسف لم اكن اعلم ان رحيلي سيعرض عملية الدمج للخطر .
اجابها بتجهم : لن تتم عملية الدمج .

حتما فالمرأة التي تزوجها ليست حفيدة كوستاكيس بل امرة لا تنتمي الى عالمه الراقي بل ولدت في حي شعبي و ترعرت فيه .
- كان علي ان اصارحك بالحقيقة .
- أجل .
- آسفة .
- حقا و أنا أيضا .

وقف نيكوس قرب النافذة يفكر برحلته الطويلة في الحياة رحلة جمع فيها اموالا طائلة وحقق نجاحات هائلة آخرها شركات كوستاكيس لكنه يافع السن
و مال يورغوس كله لا يكفي لشرائه دس يده في جيبه و أخرج هاتفه النقال ثم تحدث الى أحدهم : انا نيكوس فاسيليس اريد ترك رسالة للسيد كوستاكيس قل له انني في منزل كيم فرايزر و
ابنتها و يمكنه اعتبار اتفاقنا ملغى .

ثم أقفل الخط و قال بحدة : سأجعله يدفع ثمن ما فعله لكما اعلم انه قاسي القلب لكن معاملته لكما لا تغتفر .
لم تقو اندريا على فتح فمها و وقفت تحدق به و هي لا تكاد تصدق ما تسمعه .
- كيف ترككما تواجهان مصاعب الحياة بمفردكما رباه أي نوع من البشر هو ؟

و التقط هاتفه من جديد : ديمتريوس ؟ اريدك ان تعد بيانا صحفيا للاعلان عن الغاء عملية الدمج نعم سمعتني ..سأوضح الأسباب قريبا للعالم أجمع سأتصل بأعضاء مجلس الادارة .

قالت له كيم : ارجوك سيد فاسيليس انني لا أفهم شيئا .
- قررت يا سيدتي ان اتخلى عن شركات فاسيليس لانني ارفض ان اتعامل مع رجل حول حياتكما الى جحيم .
اجابته اندريا متلعثمة : لكن دمج الشركتين يعني لك الكثير .

- ألا تعلمين يا حبيبتي ان هناك شيئا آخر يهمني اكثر من ذلك ؟
و مد يده يعبث بشعرها : عندما علمت برحيلك شعرت و كانك طعنتني في الصميم و تركتني انزف حتى الموت .
تسللت انامله بخفة الى وجنتيها و عنقها فتسارعت نبضات قلبها .
- عودي الى حبيبتي عودي الي .

شعرت بالدماء الحارة تغزو شرايينها و لكنها بذلت جهدا لتحافظ على هدوئها .
- لقد تمت عملية الدمج و لم تعد بحاجة الي .
ابتسم لها برقة فأخذ قلبها يتخبط بين ضلوعها :
- و لكن من دونك حياتي جحيم الا تعلمين ذلك ؟
اريدك الى جانبي كل لحظة من حياتي .

نظرت اليه مستغربة و قد أحست بالدموع تسد حلقها .
- و لكن ..لا أفهم سبب حاجتك الي ؟
- ألم أثبت لك ذلك خلال رحلة شهر العسل في كريت .
- تثبت لي ماذا ؟
- أنني أحبك ..بجنون .
- تحبني ؟
- طبعا ..
بدت نبرة صوته خالية من أي شك .
- و ما هو برأيك سبب جروح قلبي الدامية ؟ و هذه الدموع اللؤلؤية في مقلتيك ؟
- و لكنك لا تحبني ..مستحيل ..تزوجتني لتستولي على شركات كوستاكيس فحسب ..
شهقت كيم مذهولة لكنهما لم يعيراها اهتماما .

- بل زواجنا هو أفضل شيء حصلت عليه من عملية الدمج الملعونه تلك ! فمنذ ان عقدت العزم على الزواج بك أقسمت على ان اكون زوجا طيبا و مخلصا و عندما علمت برحيلك عذبني ألم فراقك عذابا شديدا و
ادركت حينها ان حبي لك يفوق كل تصور ...انا أحبك ..أحبك ..بجنون .
- لا يمكنك ان تحبني ..فكل واحد منا ينتمي الى عالم مختلف .

ادرك نيكوس مغزى الكلمات عينها التي رددتها على مسمعه ليلة زفافهما فقال لها بصوت ناعم : عند عودتك معي الى اثينا ساريك المكان الذي ولدت و ترعرت فيه فانا لم اعرف والدي قط و لم انعم بحنان
والدتي لانها لم تكترث لي فقررت ان اصبح ناجحا مهما كان الثمن .
وقفت اندريا تحدق فيه بصمت لأول مرة تراه يخلع عنه القناع الذهبي ليريها وجه الرجل الشجاع الطموح الذي تحول الى انسان مرموق بفضل عزمه و ارادته .

- و لكنني لم اعرف من قبل ان الثروة الحقيقية ليست ذهبا و فضة ان الثروة الحقيقية هي في داخلنا يا اندريا .
نظر اليها نظرة حنونه اذابت اوصالها و تابع : انني احسدك اندريا على والدتك و احسدك على حبك لها لذا اتوسل اليك ان تقبلي حبي و تبادليني هذه المشاعر .

و ضم يديه قرب قلبه : عودي معي اندريا و كوني زوجتي لان حبك يملأ قلبي .
- أجل !
فأخذها بين ذراعيه بشوق محموم و مسح الدموع السخية التي سالت على وجنتيها ثم عانقها عناق من طال انتظاره و أخذته اللهفة ..
التفت نحو كيم التي كانت غارقة بالدموع : أتباركين زواجنا ؟
انعقد لسان كيم لكنها ما لبثت ان صرخت : طبعا ! طبعا !

الخاتمة

- ان كان صبيا نسميه اندرياس و ان كانت فتاة نسميها كيم .
ابتسمت اندريا : لكن كيم ليس اسما يونانيا
وضع نيكوس يده على بطنها و صرخ متعجبا : لقد رفسني !

مالت اندريا برأسها تتكئ على صدر زو جها و هي تتأمل الشمس تغوص في البحر حاملة معها نور النهار ...
- انني في غاية السعادة !
- لانك تستحقين السعادة

فمنذ تلك الليلة التي اتى نيكوس بحثا عنها اذ اصطحبها مع والدتها الى اليونان و استأجر لهما فيلا خاصة في أحد الجزر ثم عاد الى أثينا لينسحب رسميا من الاتفاق الموقع مع كوستاكيس
لا شك ان انسحابه كان قاسيا و كذلك التغطية الاعلامية
التي تلت ففضيحة تخلي العجوز عن حفيدته اثارت بلبلبة كبيرة فضلا عن الغاء دمج الشركتين ادى الى هبوط سعر اسهم كوستاكيس ما اجبره على التخلي عن راسة المجلس ليضطر بعد ذلك الى التقاعد
.

أما الأزمة القلبية التي أصيبتبها بعد اقل من شعر و ادت الى وفاته فلم تثر شفقة أحد عليه لانه لم يرحم احدا في حياته .
بعد موته انتقلت ثروته الى حفيدته اذ مزق كوستاكيس في لحظة غضب الوصية التي اعدها تاركة فيها ثروته كلها لابن حفيدته المنتظر .

قالت اندريا بنبرة قلقة : و هل انت واثق يا نيكوس مما تريدني ان افعله ؟
رفع وجهها اليه و أجابها من دون تردد : طبعا...فمؤسسة اندرياس كوستاكيس ستخلد ذكرى والدك كلانا ذاق طعم الفطر و يدرك تماما اهميتها بالنسبة للاطفال المشردين .

- لكننا نستطيع الاحتفاظ باسهم كوستاكيس لتتمكن من ادرة الشركة كما اردت .
هز راسه : كلا لدينا ما يكفي من النقود و لن نشعر أبدا بالعوز أتعلمين شيئا ؟ اظن ان علينا الاستفادة من ثروة العجوز الملوثة باستثمارها باعمال خيرية عل الناس يذكرونه بخير .

- كان قاسيا شريرا مع والدتي و لكنني حزنت لموته وحيدا من دون ان يجد احدا يرعاه .
- لكنه لم يحب أحد سوى نفسه فعلاوة عنكما تبين ان له ضحايا لكن هؤلاء لم يتفوهو بكلمة الى ان نشرت قصتكما .

أمسك يدها بحنان و تابع : ثروة كوستاكيس كلها بين يديك و عليك استعمالها لخدمة الناس اما بالنسبة الى قصره و يخته .
قاطعته اندريا ضاحكة : انني على ثقة بان احد اثرياء العالم سيجد فيهما ضالته و يمكننا استخدام ثمنهما لتغطية نفقات المؤسسة .

- هذا صحيح و لكن علينا ان نقنع القبطان بتراشوس بالبقاء معنا لقد قال لي مساء البارحة انه تمنى التعاون معنا في برنامج تعليم الشباب في المؤسسة .
- يالها من صدفة غريبة فقد قالت لي أمي انها تبغي مد يد العون لنا ايضا .

نظرت اليه بعيني تتسعان فرحا و اضافت : اظن انها معجبة به جدا لطالما تمنيت ان تلتقي امي باحدهم يكون لها خير رفيق خلال الأيام المتبقية لها من العمر !
ابتسم لها نيكوس و قال : اتمنى لهما السعادة فنحن حظينا بقسط كبير منها اليس كذلك ؟
دست ذراعيها حول عنقه : أحبك كثيرا يا نيكوس !
ضمها اليه بحنان و قال : و أنا ايضا أحبك كثيرا يا اندريا و لن أكف عن حبك ما حييت !

تمت

تجميعي
اســ(DANIA)ــطورة !



تعليقات