رواية زوجة رجل مشغول -2
الواضحة وضوح الشمس،الحقيقة التي رأتها عارية تلك الليلة في عينيه، الحقيقة الصفعة؛ أنه رغم حبه لزوجته إلا أن(ككثير من الرجال) وجود المرأة ليس محورياٌ في حياته ولن يكن يوماٌ كذلك. قضي الأمر.
نامت تلك الليلة ملئ جفنيها دون الحاجة للأقراص المنومة، نامت وهي تملك ذاتها لأول مرة منذ ثلاث سنوات.
(زوجة رجل مشغول)
بقلم *دانة*
(زوجة رجل مشغول)
بقلم *دانة*
الفصل الثالث
( أخاف عليك من خوفي عليك – عمر أبو ريشة)
في الليلة التي تقضيها دانة في المستشفى، سيف في سيارته يهيم على وجهه في الشوارع بلا هدف، قلبه يعتصر ويتألم حتى من نبضه ،فتح زر ياقة ثوبه الذي شعر به يضيق عليه،تنهد ووضع يده على صدره يتحسس قلبه فشعر بالبطاقة التي أعطاه إياها الطبيب، أخرجها من جيب الثوب العلوي باستياء،ونظر إليها مستنكراً احتفاظه بها إلى الآن ، لم يستحمل وجودها فرماها في الشارع، رفض الاعتراف بأي معاناة نفسية من زوجته، فالأمر بالنسبة له لا يعدو كونه نوعا من "الدلع الماصخ".
تمنى أن يحضنها حينما دخل عليها الغرفة، أن يلثم كل كدمة ويمسح الدموع قبل أن تنزل، يعلم يقيناً أنها بكت بكاءاً حاراً بعد خروجه! ولكن غضبه عليها منعه من التعبير، استاء منها لأن الطبيب يعلم الآن أنها ليست سعيدة معه ، شيء ما في بعض الرجال يجعلهم يتيقنون إن رأوا نسائهم سعداء بأنهم السبب الأوحد في هذه السعادة، فتعد سعادة نساؤهم مدحاً فيهم! أما إن كانت نساؤهم تعيسات فإن ذلك يعيب رجولتهم ويغضبهم ! وقد غضب منها أيضاً لأنها آذت نفسها وهي تعلم أنها غالية عليه فكأنما هي آذته هو ويجب عليها الاعتذار، لسان حاله يقول " تلك المجنونة، كيف تتجرأ وتؤذي نفسها وهي تعلم أنني أخاف عليها من كل شيء، أخشى عليها من العمل و التعامل مع أناس لا أعرفهم، أخشى أن تحمل فتتعبها أعباء الحمل و الأمومة، أخاف عليها من نفسي أكثر الأحيان فأبتعد لأنني أعلم أن قربي قد يكشف لها جوانب عدة من شخصيتي التي لاتعرفها و لا أريدها أن تضطر للتعامل معها، كيف تصاب بالاكتئاب لمجرد أنني لا أفعل ما يفعله الأزواج الخائنون الذين يخدعون زوجاتهم بالتمثيل و معسول الكلام و"الطلعات" و الهدايا خوف أن يكتشفن شيئاً عن النساء الأخريات في حياة أزواجهن!"
أخـاف عليك أن أطوي كتابي
وأقرأ مــا بـه في مقلتيك
فكم من لهفـــة أودعـت فيهــا
ولم أهمس بهـــا في مسمعيك
تقاسمني الرضا والسخط لما
نفضت زمــــام أمري من يديك
أراك على دروب الشوك حيرى
فكيف تـرى انتهت منـّي إليــك
ليحزننـي اكتئابـك ..لا تطلــِّي
عليَّ بما تبقـــى لي .. لديك ..!
دعي ماضيَّ يطويني .. فإني ..
أخاف عليك .. من خوفي عليك
(عمر أبو ريشة)
في جانب آخر من المستشفى، شخص منذ أٌدخلت دانة للغرفة وهو باق في الدور الذي هي فيه، الرابع، ألغى انشغالاته و فرغ نفسه للمكوث هناك، فلا يفعل شيئاً سوى مراقبة الغرفة، لا يبتعد إلا إذا أراد أن يدخّن سيجارة فيذهب لمخرج الحريق أو الدرج.
الساعة الواحدة صباحاً، المستشفى هادئ والغرف لا يكاد يُسمع منها إلا أنين بعض المرضى الذين لم يتمكنوا من النوم، دانة مستغرقة في النوم، دخل غرفتها بهدوء دون أن تنتبه له الممرضات.
نظر إليها وهي نائمة ، أطال النظر وهو يحدثها في سره " ملااااك يادانة، رغم كل هالضربات بس بعد حلوة، أوعدج نرجع لبعض"، نزلت من عينيه دمعة حارقة مسحها سريعاً و أخرج من جيبه شيئاً دسّه في حقيبة يدها، ثم أخرج هاتفه الجوال ليستخدم الكاميرا في التقاط صورة لها، اقترب منها، صورها " آه يا دانة، هذي آخرتها.. تحاولين تنتحرين! حسبي الله على سيفوه الحرامي اللي باقج مني، كله منه، أنا أراويج فيه، والله ماخليه"..اقترب منها أكثر حاول أن يلمسها ولكن قربه منها أشعرها بحركة غير طبيعية في الغرفة فتحركت وخرج مسرعاً فلم تتمكن من رؤيته ،صرخت وضغطت على جهاز نداء الممرضات فأتين مهرولات إذ سمعن صوت خطواته المتسارعة ولكنه خرج بسرعة ثم توارى عن الأنظار، ظنت دانة أن مارأته قد يكون من الجن أو ربما من محض خيالها فتناست الأمر.
صباح اليوم التالي خرجت دانة من المستشفى، عاد بها السائق إلى المنزل امرأة أخرى، امرأة لا تسلم قلبها العاشق زمام الأمور كلها، امرأة توزع الحب الذي في داخلها على ما حولها ولا تخنق نفسها أو زوجها باستنزاف معظم طاقتها في تحقيق هدف واحد ثم استنزاف بقية الطاقة في النحيب انتظاراً للمقابل، امرأة لا تمحور حياتها كلها حول شيء واحد: "الرَيِل".
أثناء الطريق للمنزل أخذت تبحث في حقيبة يدها عن هاتفها الجوال لتكلم أمها، وبينما هي تبحث وجدت صورة فوتوغرافية قديمة، استغربت وجودها ،مزقتها وهي تتساءل عن كيفية وصولها لحقيبتها، انشغل بالها فقد ظنت أنها قد مزقت كل الصور التي سببت المشاكل، قالت في نفسها لعلها مزحة ثقيلة من شخص يريد أن يذكرني بالخلاف التي حدث بين أمي وخالتي شريفة منذ خمس سنوات، تؤلمها القطيعة المرة بين أمها وخالتها بعد أن كانتا مثالاً رائعاً للأختين الصديقتين، أمها لازالت تعاني فراق أختها التي رفضت أي محاولة للصلح، لعل من وضع هذه الصورة يلومني في تفرقتهما،أنا مع أمي لأن الحق معها، أما خالتي رغم أنها الأخت الكبرى إلا أن عقلها صغير وقلبها عباية كريب سعودي ممتاز/ درجة أولى (أسود جداً).
فور وصولها للبيت اتصل سيف على غير عادته ليخبرها بأنه سيتأخر في العمل إلى الليل، حاولت أن لا تفرح كثيراً لاهتمامه بإعلامها كي لا تحزن إن عاد لما كان عليه؛ وهذا ما سيحدث بعد أن تخبو فورة التعاطف عاجلاً أم آجلاً، كان ذلك الدرس الأول الذي لقنته لنفسها، أن لا تفرح ولا تحزن، وإنما تتقبل الأمور برضا وتتعامل مع المتغيرات بمرونة وتلقائية، فلا حزن يدوم ولا سرور، السعادة المفرطة كالتعاسة المفرطة،:مؤقتة.
(زوجة رجل مشغول)
بقلم/ *دانة*
(زوجة رجل مشغول)
الفصل الرابع
(..وإن أتاني يمشي أتيته هرولة – حديث قدسي )
منذ أول يوم في بيتها بعد المستشفى، عقدت دانة العزم على بناء علاقة مستمرة مع رب العالمين، أيقنت أن الجانب الروحي وحده هو ما يحقق لإنسان التوازن في كافة جوانب حياته الأخرى، هو الدعامة التي تمنع الحياة من الاختلال أو الانهيار باسم الحب أو غيره، هو الصخرة التي يستند إليها العبد إن تلاطمته أمواج الاكتئاب وتجاذبته هموم الحياة، توضأت وصلت ركعتين ثم دعت الله أن يعلق قلبها به وحده لأنه سبحانه لاشك سيفرح بقلبها ويرفع قدرها عنده وبين ملائكته وعباده، أما البشر فسيستغلون هذا الحب لمصالحهم، ناجت الرحمن مناجاة دامعة ورجته أن يشغل وقتها بما يقربها إليه، وييسر لها الصحبة الصالحة التي تعينها على السير في طريق الجنة، ذلك المكان السرمدي الرائع،دار النعيم المقيم .
اتجهت إلى غرفة النوم، أخرجت من الدرج الشموع العطرية الغالية والورود التي تحاكي الطبيعية في جمالها، ملئت حوض الاستحمام بالماء الدافئ ووزعت بتلات الورود في الحمام، تماماُ كما تفعل لسيف،وأفضل. شغّلت التسجيل الذي تحتفظ به لأصوات الطبيعة من شلالات وطيور وغيرها، أشعلت الشموع وأغمضت عينيها في حوض الاستحمام معتبرة هذا الحدث من طقوس احتفالها بنفسها التي قررت صقلها مجدداً. خرجت من الحمام وأشعلت قطعة من الفحم أحرقت بها العود الغالي، تبخرت به وحدها هذه المرة و قررت أنه ليس حكراً على سيف بعد اليوم.
بعد أسابيع:
سجلت دانة اسمها لحضور حلقة لتحفيظ القرآن الكريم، بدأت في الحضور والحفظ وتطوعت في المؤسسة الخيرية التي تحفظ بها للقيام بأنشطة متعددة، تنتشي بالعطاء كالزهرة التي تتفتح وتبهر من حولها باللون والعبير بعد أن كانت منغلقة على ذاتها لا يعلم أحد بالقدرات الكامنة فيها.
أما سيف، فهو مرتاح لسعادتها ويحاول أن يتجاهل حقيقة أن لا يد له في ذلك، يحاول أن يقنع نفسه أنه السبب وراء إنجازاتها لأنه سمح لها بالخروج، يصاب بالغيرة ممن تمنحهم دانة وقتها، إلا أنه كلما تذكر حادثة الانتحار المزعوم يثني نفسه عن قرار منعها من ممارسة الأنشطة التي تهدد مكانته في قلبها كما يظن، فهو في كل الأحوال لن يسد هذا الفراغ، يملؤه الاستغراب من تصرفات زوجته التي لم يعتد عليها هكذا، أبداً! كانت شمعة تحترق لتضيء له الطريق، سعد بالإضاءة ولكنه لم ينتبه للاحتراق إلا بعد الحادثة، أما الآن، فهي كالنحلة، تأخذ الرحيق لتعطي العسل، عمر الشمعة قصير ،لابد ستذوب يوماً ويعود الظلام، أما النحلة فأذكى، تفيد وتستفيد.
على الجانب الآخر أصبحت جذابة أكثر في عينيه لوجود عامل الغموض في حياتها الآن، كانت مجندة في خدمته أما الآن فهو يعلم بالصدفة عن أنشطتها إن صادف أن استمع لها تتحدث بالهاتف عن حملة توعية ما، أو رأى أوراقاً على الطاولة بها أرقام وحسابات لتحديد ميزانية مشروع دعوي، أو كالمرة التي تلقت فيها اتصالات تطلب منها حضور اجتماع عاجل لإعانة عائلة طردت للشارع بعد عجزها عن دفع إيجار مسكنها، نظر سيف لدانة باستغراب وهي تهرع لكتابة رسالة وإرسالها بالفاكس ( الذي لم يكن يعلم أنها تعرف استخدامه ولم يعلم أنها تحتفظ بأرقام فاكسات الجهات الحكومية) للجرائد وتنتظر الرد، ثم بعد أيام واتصالات يجدها تحمد الله و عينيها تدمع سعادة وهي تتلقى بشرى انتقال العائلة إلى السكن الجديد بإعانات المحسنين.
بشكل عام فإن سيف و دانة يعيشان هذه الأيام أسعد مراحل زواجهما حتى الآن، رضيت منه بالقليل فوجدته يعرض المزيد من تلقاء نفسه، أصبح تواجده بقربها ممتعاً لأنها عرفته على أبعاد أخرى للمجتمع لم يكن ينتبه لوجودها، وصار يتكلم معها عن بعض أمور عمله وأصدقائه أيضاً، بل إنه في أحد الأيام دخل عليها الغرفة وهي جالسة أمام شاشة الكمبيوتر،وضع يده على كتفها ضاغطاُ بحنان فابتسمت و التفتت له لتجده ينظر إلى الشريط أسفل الشاشة و الذي تضيء به نوافذ عدة صغيرة من محادثات الماسنجر التي تجريها مع صديقاتها اللواتي فرحن بعودتها مجدداً إلى الحياة الاجتماعية، وإذا به يسألها إن كانت تقبل دعوته لها على العشاء في أحد الفنادق الراقية! مفاجآت العشاء معاُ في الخارج كانت في السابق ضرباً من الخيال بالنسبة لها، لم تكن لتتوقع أنه سيفرغ نفسه ليلة من أجلها، ولكنه فعل، وتكررت الدعوات التي لم تقتصر على العشاء، تطورت إلى وجبات من المثلجات!! أصبح هناك وقت يخرجان فيه لتناول الآيسكريم!!! الأمر الذي يعتبر رفاهية لم تكن دانة لتحلم بها من قبل، و رغم الإغراءات التي يعرضها عليها سيف بين فترة وأخرى لتعود كما كانت قبل متفرغة كلياُ له وحده إلا أنها ترفض ذلك بدلع وثقة لايقاومهما، هي تعلم أن رغبته في التواجد قربها إنما هي وليدة الحياة الجديدة، ولن تقبل بتغير هذه البيئة الصحية لحبهما.
وجاء شهر رمضان الكريم فاستهلكت فيه دانة طاقاتها ونوعت طاعاتها، لو كان لرمضان لسان لتحدث بجرائمنا في حقه، نملأ ليله صخباً بغير عباده، ونهاره شخيراً وبلاده، ثم نلومه لتقصيرنا! نزعم أحياناً بأنه في عام كذا كان به روحانية أكثر من عام كذا، وفي عام كذا مر سريعاً "مامدانا نختم" ،وفي عام كذا كان مليئا بالأحداث التي شغلتنا عن العبادة، نتهمه بأمور هو بريء منها متناسين أنه هو نفسه يعاد سنوياً، نحن الذين نتغير و يتغير تعاملنا معه وبالتالي لا تستسيغ أرواحنا طعم حلاوته بعض الأحيان بسبب مرارة الغفلة وغيرها.
شهر رمضان هذا العام مختلف جداً بالنسبة لأم دانة (عائشة) و أختها شريفة، فهو كاد أن يكون سادس رمضان يمر عليهما وهما على قطيعة، إلا أن شريفة جاءت باكية لمنزل أختها في ليلة 20 من رمضان بعد أن استمعت إلى محاضرة مؤثرة عن فضل العشر الأواخر من رمضان وذكرت فيها عظمة صلة الرحم وخطورة الأمر، يملؤها الندم والحسرة، تترجى أختها أن تسامحها.
عائشة (وهي تبكي من الفرحة): خلاص يا أم شاهين بس لاتصيحين قطعتي قلبي،الحمد لله إن الله شرح قلبج ورجعتي..
شريفة (وهي تبكي بحرقة): والله إني من يوم ماقاطعتكم وأنا في ضيق، مادري اشلون ضاعت من عمري خمس سنين وأنا محاربتج، سامحيني ياعاشة سامحيني ياختي..
وجاء العيد فتعمدت دانة أن تظهر به في أبهى حلة، لأنه عيد من نوع آخر، يسجل دانة جديدة، ليست دانة العاشقة فحسب، وإنما دانة كوكتيل ( متنوعة)، مسلمة متفانية، و زوجة سعيدة وراضية ، و ابنة بارة، و قريبة واصلة للرحم، وصديقة مخلصة..وغيرهن، أما على صعيد أسرة دانة فيعد هذا العيد من أسعد الأعياد التي مرت عليهم منذ سنين، حيث أن القطيعة بين أمها وخالتها سببت لأمها حالة من الضيق النفسي الشديد حيث وصل بها الأمر أن لجأت إلى العلاج النفسي في فترة من الفترات إذ أنها تملك روحاً شفافة كابنتها لاتحتمل جرح الأحبة، كانت شريفة أختها أقرب إنسانة لها ولم تتخيل أن تفارقها يوماً لغير الموت، بل لو ماتت شريفة لكان الأمر أهون عليها من أن تفارقها بإرادتها، الفراق مؤلم والشوق موجع ولكن يصعب تقبل أرواحنا للأمر عند معرفة أن الأمر لايعدو كونه خياراً اتخذه أحبابنا بإرادتهم، هم باقون، في مكان آخر من هذا العالم، يتنفسون ويتحركون، ينامون ويستيقظون، يضحكون ويبكون، أحياء يرزقون ،قد اختاروا نفينا عن أرواحهم، قرروا أننا اكسسوار بشري رافقهم في مرحلة من العمر و لم يعودوا بحاجة إليه.
ليلة ماقبل العيد:
شاهين( ابن شريفة) جالس على الكرسي في الحلاق ينتظر دوره، يتحاشاه كل من يعمل في الحلاق من هنود وأتراك بسبب عصبيته وبذاءة لسانه، يحاول كل منهم أن يقنع الآخر بأنه مشغول عن حلاقة شاهين، احتد الحوار بينهم بلغاتهم التي لا يفهمها، لم يهمه الأمر إذ أن باله كان مشغول بآخر أحداث العائلة حيث لم تسعده المصالحة بين أمه وخالته، شعر بأن ذلك قد يفسد مخططاته التي تسعى للاستيلاء على قلب دانة ( حبيبة الطفولة والصبا التي لم يعرف قلبه غيرها حتى وإن لم يكن له مكان في قلبها يوماً) حيث قام شاهين بنبش أسرار سيف التي عمل جاهداً على إخفائها عن دانة.
مالبث شاهين أن استوعب حقيقة أن المصالحة هي أفضل مايمكن أن يحصل الآن فلمعت عيناه تفاؤلاً بالأمر، جاء دوره في الحلاقة وكان من نصيب محيي الدين، الحلاق الذي عرف عنه الإتقان وحسن الخلق، سلم شاهين رأسه للحلاق مطمئناً على غير عادته، شرح له ما يريد بوجه بشوش، نظر بقية الحلاقين إلى بعضهم في استغراب شديد، كان يريد من الحلاق أن يقصر من شعره إلى نصف رقبته حيث وصل طوله لتحت كتفيه بقليل، جلس يفكر في المصالحة التي أصبح يراها كورقته الرابحة للضغط على دانة التي بدورها قد عادت إلى الاندماج في شؤون أسرتها بعد أن تغيرت علاقتها بسيف مؤخراً.
يعلم شاهين أن لدانة معرفة لابأس بها بالأمور النفسية فيما يتعلق بحالة أمها التي لن يحتمل قلبها صدمات جديدة حيث لايمكن أن تحتمل خسارة العلاقة الرائعة التي كانت تجمعها بأختها بعد أن فارقتها خمس سنوات في كابوس صحت منه الاثنتين مؤخراً، شريفة لم تمثل لعائشة الأخت الكبرى فحسب، وإنما الأم التي احتضنتها بعد وفاة أمهما وتكفلت بكافة احتياجاتها النفسية والمادية في مرحلة المراهقة وما بعدها.
أنهى محيي الدين قص وتهذيب شعر شاهين، وجاء دور اللحية، طلب شاهين منه أن يحدد أطراف ذقنه التي كانت حلاقته على طريقة "الديرتي" ويجعله كأحد التقليعات الشبابية حيث تكون "اللحية" عبارة عن خط رفيع حاد الزوايا، ثم بعد أن أنهى محيي الدين الأمر نظر شاهين لنفسه في إعجاب شديد وهم خارجاً ثم مالبث أن تحول اعتداده بشكله إلى قلق من عدم تقبل دانة لهذا الستايل، "فديتها مابي أخرعها من أولها"، عاد إلى كرسي الحلاق وطلب منه حلاقة اللحية بالكامل وسط تعليقات الحلاقين وضحكاتهم حيث ظنوا أن ما فعله شاهين لا يعدو كونه "حركة نذالة" غير مستبعدة منه في حق محيي الدين كبير الحلاقين الذي أضاع على لحية شاهين وقتاً لايستهان به في ليلة العيد المزدحمة.
(زوجة رجل مشغول)
بقلم/ *دانة*
(زوجة رجل مشغول)
بقلم/ *دانة*
الفصل الخامس
(يوم العيد - يا قو قلبك و كيك و عسل - محمد بن فطيس)
صوت تكبيرات العيد يخترق مسامع دانة فتصحو من نومها بابتسامة رائعة و نعاس لذيذ ، ماأجمل تكبيرات العيد التي تملأ الأجواء فرحاً مغلفاً بروحانية لامثيل لها، التفتت على سيف فوجدته قد غط في نوم عميق بسبب سهره ليلة العيد في العمل (الذي لم يكن إلزامياً ،وإنما اختار كعادته أن يتطوع بمزيد من ساعات العمل)، دانة لم تعد تنتظره كالسابق لأن لا وقت عودة محدد له لاسيما وأنها عادت إلى المواظبة على قيام الليل، تعلم أن الروتين بدأ يتسلل إلى حياتهما بسبب عودته لجفافه العاطفي ولكن بشكل عام لازالت اللحظات الجميلة تتخلل علاقتهما، أقنعته بأن الإنجاب سيجعل حياتهما مكتملة أكثر، فوافق، وأصبحا يتوقعان خبر الحمل في أي لحظة.
كان سيف ليلتها قد عاد للمنزل قبيل الفجر دون أن يعلمها بتأخيره مسبقاً، أخذ منه التعب مأخذه لاسيما وأنه سهر قبلها عدة ليال في العمل دون أن ينام إلا لساعتين أو ثلاث، دخل البيت فوجدها مستيقظة أنهت للتو صلاة التهجد..
ياقو قلبك على الصدة ويا صبرك
............. ويا وسع صدري على صدك و ياصبري!
لم تفلح محاولاتها معه ليسهر دقائق معدودة حتى يدخل موعد صلاة الفجر، فكانت النتيجة أن عظم قدر العمل في نفسه قد أضاع عليه صلاتي الفجر والعيد، كان إهماله للصلاة يضايقها كثيراً في السابق ولكنها الآن مطمئنة النفس تكتفي بنصحه بين آن وآخر والدعاء له،لن تسمح لأمر بينه وبين ربه أن يعكر عليها صفو حياتها الجديدة، هي تحبه وتتمنى من كل قلبها أن يواظب على صلاة الجماعة، ولكن هوسه بوظيفته سبب له اختلال بسيط في علاقته بربه دون أن يلقي لذلك بالاً، أقنعت نفسها بـ " صحيح إنه يأخر الصلاة وتكون فالبيت، بس عالأقل يصلي، أحسن من غيره، والحمد لله إن اللي منعه من الطاعة الشغل مب المغازل مثلاً! الحمدلله على كل حال" ابتسمت ابتسامة كاذبة وبدأت في التزين وهي تسترق النظرات إليه أثناء نومه بحب رحيم، لاتريده أن يأثم حباً فيه لاأكثر.. هو رغم كل شيء كامل في عينيها..ولاتريده أن ينقص..
ودك تحطه فالعيون من العيون
............وتبسط على رمضا الثرى يمناك له!
وتظله من الشمس في ظل العيون
.............ولا يمر اذنه.. سوى " لبّاك له" !
_____________________________________
دانة وسيف في السيارة الساعة الثامنة صباحاً في طريقهما إلى بيت أهله.
سيف: مارح نطول عاد، نص ساعة ونطلع، باوديج بيت هلج وأمر الدوام شوي بس..
دانة (و كلمة "شوي" تتردد في داخلها بعنف مذكرة إياها بالليالي التي قضتها مستيقظة إلى الصباح وهي تنتظره ليأتي لها بعد"شوي" كما كان يقول): الله يعطيك العافية..
والله لو إن حمل صبري فوقك ..إن تبرك!
.............و والله لو تعتذر .. منت بعلى خبري!
سيف (مبتسماً، وهو يضغط على يدها): خبرج الشغل مرتي الثانية.. ولاتبين مرة ثانية صجية؟
دانة (وقد أربكتها لمسة اليد الغير متوقعه): آه من هالجملة!.. إلا مالقلتلي شرايك فالعطر؟
سيف: روووووعة ماتشوفيني متسبح به، حبيبتي والله ماكان في داعي.. الفلوس اللي عطيتج اياها حق أغراض العيد لج انتي مب عشان تحطينها في هالعطر الغالي(وهو يضغط على يدها مجدداً)
دانة: اشدعوه سيف معقولة ماأجيب لك هدية فالعيد.. لو عندي راتب كان جبت لك شي عدل..
سيف(مبتسماً وقد أبعد يده عنها): بدت النقزات!! يعني جيب لي هدية و وظفني!
دانة (ضاحكة): هههههه لاااا والله سيف حرام عليك كله ظالمني .. جد كان ودي أشتريلك شي أغلى.. لأن ماعاد أهديك شي إلا في المناسبات..
( تبتسم بفخر لأنها تمكنت من قطع تلك العادة في تدليله أكثر من اللزوم رغم أنها تتذكره في كل زوايا السوق ولو كان الأمر بيدها لاشترت له كل جميل تقع عيناها عليه ولكنها تجبر نفسها على إخفاء مشاعرها الفاضحة قدر الإمكان!)
سيف: خلاص يبه هديتج بتوصلج عقب يومين "وعد"! شتبين بعد..
ضايقت دانة كلمة "وعد" فاختفت الابتسامة من وجهها تحت غطاء الوجه (الغشوة) وبدأت تسترجع وعوده السابقة لها بالوظيفة ،والسعي للإنجاب بكل طريقة، ومزيد من الزيارات لمنزل أهلها، والسفر ،وغيره..
إن ماجبرك الغلا.. مقدر على جبرك!!
............... ياللي على ارض الوفا ما شبرك بشبري..
ثم مالبثت أن ذكرت نفسها بأن معاملته لها تحسنت كثيراً وأن كل ماتريده سيتحقق مع الوقت، فرسمت على شفتيها ابتسامة تفاؤل إجبارية ووضعت يدها على يده متمتمه "الله لايحرمني منك".
_____________________________________
هما الآن في السيارة في الطريق من بيت أهله إلى بيت أهلها.
دانة: نورة أختك صار لها أربع سنين كل عيد تقول عندها إحساس إن العيد الجاي بتعطي ولدنا عيدية ههههههه.. حطمتني اليوم لما قالتها.. تشائمت ..قلت في قلبي خلاص عيل مافي بيبي السنة الجاية بعد..
سيف (لاتعليق)
دانة (لتلطيف الجو): ماشاء الله أحس أمي حصة (والدة سيف) صحتها أحسن هالأيام، الأسبوع اللي طاف لما جيتهم كان شكلها تعبان شوي..
سيف: الله يهداها.. الدكتور قايل لها صحتها ماتساعد بس هي مصرة تصوم..
دانة: الله يعطيها على نيتها واعليه، تدري إنها ناوية تبدا بكرة تصوم الست من شوال!
سيف: إي سمعتها وهي تقوللج.. الله يعين بس..
سيف آخر العنقود لأبوين مسنين وأخوات كبيرات في السن ومتزوجات.. علاقة دانة بأهله ممتازة.. تزورهم ثلاث أو أربع مرات في الأسبوع وكثيراً ماتحضر لهم الهدايا، لكنها رغم ذلك لاتندمج معهم كثيرا خوفاً من المشاكل إذ أن إلحاحهم على الإنجاب يضايقها حيث أن سيف ابنهم الوحيد..
تسمع دانة نغمة الرسائل فتخرج جوالها وتقرأ الرسالة في سرها
المرسل "أخت الغالي"
نص الرسالة:
" نظرة أخوي ذبحتني وهو يطالع عيالنا، أنا وظبية اتفقنا نسحبج الأسبوع الجاي عالعطار.. مارح ينفع إلا العلاج الشعبي..مارح تندمين.. سيف أخوي وأنا أعرفه محد يهمه.. في أي لحظة بيتزوج عشان العيال.. طيعيني أحسن.."
شعرت بغصة شديدة وضايقها توقيت المسج "يوم العيد!".. التفتت على سيف قائلة "مسجات العيد ماتخلص! يمكن هالمسج رقم عشرين تصدق!يابخت كيوتل بس في كل مناسبة تربح من ورانا ذهب.."
وعادت تكتب في جوالها:
إرسال إلى " أخت الغالي"
نص الرسالة:
"الله يجزاكم خير.. باشوف يمكن أروح مع أمي إذا سيف راضي.. وسوري فديتج ترى جوالي بيفضي الحين!"
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك