رواية زوجة رجل مشغول -1
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه روايتي الأولى بين أيديكم، حاولت أن أقدم مادة أدبية مختلفة..
(زوجة رجل مشغول)
بقلم *دانة*
الفصل الأول
(متى ستعرف كم أهواك يا رجلاً..أبيع من أجله الدنيا و ما فيها – نزار قباني)
دانة مستلقية على ظهرها فوق السرير، تبحلق في الثريا كعادتها، لقد حفظت شكلها تماماً لكثرة ما تتعلق بها عيناها لساعات دون أن تشعر بالوقت، إلا أنها في بعض الأحيان تطيل التمعن فيها ثم تكتشف أن الوقت لم يمر وأن التأمل لم يدم لأكثر من دقائق، وكأن للثريا مع دانة نظاماً زمنياً مختلفاً، وكأن هذه الثريا العجيبة تستوقف الشمس لحظات كي تمنح دانة وقتاً لايعرفه غيرهما، ثم تستعجلها أحياناً أخرى إشفاقا على دانة من رتابة الوقت.
هذه المرة آثرت الثريا أن تستعجل الشمس بالمغيب، ثم بالشروق، تخلل الوقت نوبات من نوم أو ربما "إغماءات إرادية" فقد استطاعت دانة أن تطور لديها مهارات تخدير عالية الجودة، إن حبها لسيف كان أقوى لديها من غريزة البقاء، لاتهمها صحتها بقدر ماتهمها مشاعره،تفضل أن تئد مشاعرها على أن تجرحه بمعرفة أن مشاعرها مجروحة! إن حبها لسيف كان أكبر من طموحها الذي كان يطاول السحاب، لم تستطع أن تغضبه بتمسكها بالوظيفة التي لطالما تمنتها، لم تستطع أن تقنعه أن يسمح لها بمزيد من الزيارات الأسبوعية لمنزل أهلها، فراق أهلها لأيام أهون عليها من اتهامه لها بالإلحاح (الحنّة) .
يفسر الرجال تكرار أي طلب من زوجاتهن بال"حنة" لأن ذلك يبرر لهم التهرب وعدم الاستجابة،سهل عليهم أن لا يلحّوا لأن أمرهم بيدهم، أما المرأة فتضطر للإلحاح لأن أمورها بيد الزوج الذي إن تجاهلها لا يعتبر مهملاً لاحتياجاتها وإنما تعتبر هي "حنانة"، دانة لا يمكن أن تسمح لنفسها بإعطاء سيف سببا ليجد فيها عيباً، تخشى أن يبغضها فيبتعد عنها أكثر من ابتعاده الآن.
لقد جعلها حبها له تضحي بغريزة الأمومة في سبيل إرضائه، منعت نفسها من محاولة الإنجاب بناءاً على طلبه ولم تفتح معه الموضوع حتى لا تزعجه، أصبح حبها له إعاقة تعاني منها، إعاقة تمنعها حتى من الاستمتاع بصلاة قيام الليل كما السابق، لقد تجاوز حبها له بعض الحدود الدينية التي وضعتها لنفسها، لليال عدة تؤجل مفارقتها لسريرهما لتظل بقربه أو تنتظر أن يبعد يده عنها وهو نائم كي تذهب وتصلي، لا يطاوعها قلبها أن تحرك يده وهو نائم، فتنتظر أن يقوم هو بذلك حتى تفاجأ بآذان الفجر يخترق سيمفونية أنفاسه التي تطربها، فتشعر بالذنب والتقصير، فتستغفر الله وتعزم على عدم العودة لهذا التصرف مجدداً،ولكنها تكرره.
"يوم كامل دون أن تسأل عني يا سيف ؟" لا تعرف أخباره و لا يسمح لها بذلك، لا يحب أن يشعر بقيد من أي نوع، يفعل ما يريد وقت ما يريد دون أن يلزم نفسه بإخبارها أي شيء عن يومه، تمنت لو أنها سكرتيرة لديه ليس لإشباع فضول الأنثى التي لم تشك في إخلاصه يوماً، وإنما لتطمئن عليه فقط، تعشقه.
يتجاوز تفكير دانة الإيجابي حدود الذكاء إلى ما هو عكسه، ترى المسالمة في الاستسلام، والطاعة في الضعف، تسمع الموسيقى في صفارات الإنذار،وترى نصف الكوب المملوء بالماء حتى وإن كان الكوب مكسوراً ويرشح! لا ترى في تصرفات سيف إلا الخير، أقنعت نفسها بخيرية عدم معرفتها لكيفية سير يومه لتتعلم الاستعداد الدائم لحضوره، ألهمها بقاؤها اليومي لساعات أمام التلفاز أن تكون رائعة الجمال طوال اليوم مثلهن، تقطر ملابسها مسكاً ويعبق المنزل بروائح العطور، كل شيء مثالي وجاهز لاستقبال سيف، في أي لحظة.
لعل سبب تعلقها المفرط بسيف هو حياتها قبله، البنت المثالية التي يضرب المثل بكمال عقلها، كانت حلم الأمهات وكابوس الفتيات لمقارنة أمهاتهن بينها وبينهن، لم تلتفت يوماً لصغائر الأمور، ولم تهتم بأي ما يمت للعشق بصلة من بعيد أو قريب، أصمت أذنيها عن كل قصيدة حب، وأعمت عينيها عن كل وردة حمراء،أقفلت قلبها لاإرادياً وشددت الرقابة حتى على الخيال، شكت في نفسها كثيراً ووصلت لمرحلة التسليم بأنها هكذا، باردة "من الله" ،حتى جاء سيف فقلب موازين حياتها الدقيقة،وفجر فيها ينابيع العطاء، لم تكن قبل بمثل هذا الحنان، أبداً! بل إنها كانت مادة للتندر بين أوساط صديقاتها لجفافها العاطفي "دانوه الله يعين ريلج عليج ماعندج إحساس كلش" كما ظنن، والواقع المتناقض أن الأولى هو طلب العون من الله لها بسبب كم الحنان الذي ستستنزفه .
عودة للثريا التي تبحلق بها دانة، إذ لها معها ذكريات عديدة:
• ففي أول مرة يتأخر فيها سيف خارج المنزل إلى الصباح اكتشفت أن عدد الخرز حول إحدى اللمبات يقل عن البقية، 23 وليس 24 خرزة.
• في أول مرة يغلق فيها سيف الهاتف في وجهها اكتشفت أن الثريا لم تكن معلقة بشكل مستقيم وإنما مائلة قليلاً.
• انطفأت إحدى لمبات الثريا في ذكرى زواجهما.
ما بال غريق انشغل عن الاستغاثة أثناء الغرق بتأمل لون السماء التي لم يلتفت لها يوماً؟ لعل العقل البشري العاجز عن تحمل بعض الإحباطات الشديدة يلجأ إلى هذه الحيلة اللاإرادية التي تضمن تخديره مؤقتاً بانشغاله بشيء آخر، أي شيء! فالطالب المتكاسل لا يجد أنسب من ليلة امتحان أصعب المواد عليه ليقرر أنه بحاجة ماسة لمعرفة عدد مربعات البلاط في فناء المنزل الخلفي! والأم العاقلة المفجوعة بزواج زوجها من أخرى تقرر فجأة أنها بحاجة ماسة لتنظيف الدعامات الحديدية أسفل السرير،والتي لم ترها يوماً.
غريب أمر هذه الثريا، يظن الشخص أنها وضعت لتزيد من إنارة المكان، إلا أن إضاءتها خافتة كئيبة، ثم لماذا ترتبط الإضاءة الخافتة بالرومانسية؟ هل هناك ما يجب إخفاؤه كي تتحقق الرومانسية؟ أم أنها وهم نخشى أن يفضحه النور؟ ألن تتأتى الرومانسية إلا بإخفاء واقع ما؟ تساؤلات مزعجة دارت في خلد دانة ، "هل وصل بي الحال إلى نبذ الرومانسية بعد أن وجدت أن التعطش لها لم يأت بنتيجة؟" لتسكت الأصوات في رأسها قبل أن تتمادى تطاولت دانة علبة الفيتامينات الموجودة بجانب السرير والتي تخبئ بداخلها الأقراص المنومة، تناولت قرصين ، ثم قرص، ثم قرصين! لم تنتبه وظنت أنها لم تتناول ما يزيد عن ثلاثة، حدها الأقصى، هي عموماً لا تهتم، تشعر أنها تسدي لسيف معروفاً بتخدير نفسها في غيابه الغير مبرر كي يمر الوقت بسرعة فلا ينفذ صبرها وهي تنتظره فتنفعل في وجهه إن أطل ببساطة وكأن شيئاً لم يكن، سحبت اللابتوب (جهاز الكمبيوتر المحمول) من تحت السرير، فتحت موقع اليوتيوب العالمي المختص بمقاطع الفيديو، استلقت على ظهرها واستمعت لعدد من القصائد المصورة حتى شعرت بالنعاس، أغمضت عينيها واختارت أن تغفو على قصيدة نبطية لشاعر سعودي اسمه سعد الخلاوي ففتحت الصفحة عليها،استمعت لمقدمتها، سحبت اللحاف وأغمضت عينيها حتى نامت..
وطارت من يدينـي أمنيـات اسـرااب
ولاحطت علـى ضفـة .. عناوينـي
تنهدت دون أن تشعر، انتقلت لجنبها الآخر، وشعرها الأسود الناعم قد غطى وجهها، ونزلت دميعة من عينها فاختلط سواد الكحل ببياض الوسادة، كالعادة.
ومـرّت صورتـك وترقـرق العنّـاب
ولون التوت غنّـى فـي شرايينـي
ياليت آكون حلـم يعيـش ماينجـاب
وانااااام وصفـة رموشـك تغطينـي
سمعت هذا البيت الذي تداخل مع الحلم الذي تراه في نفس اللحظة ،لعل مخيلتها رسمت المنظر لكثرة جلوسها أمام التلفاز تأثراً بإعلان تلفزيوني لنوع من الأجبان، به طفلة ترتدي فستاناً أبيض وتزين شعرها بأزهار الأقحوان من الحقل، رأت دانة نفسها في حقل يشبهه مليء بتلك الأزهار ذات الأقراص الذهبية والأوراق البيضاء، كانت ترتدي الأبيض وتزين شعرها كتلك الطفلة ولكنها تنتحب بصمت، أتاها زوجها سيف من بعيد فاستبشرت، هو نفسه بطوله الفارع وقد سد قرص الشمس وراءه، وبشرته السمراء التي بدت في الحلم بيضاء لحضوره المضيء المبهر، أمسك يديها فأشاحت بوجهها عنه، أدار وجهها جهته بحنانه المعهود في لحظات الصفاء،أبعد خصلات الشعر عن عينيها ليفاجأ بالدمعة التي حاولت إخفائها، نظر إليها وكأنه أراد أن يقول بعينيه النادمتين: "صدقيني لن أُ ُبكيك مجدداً" ،صدقته، مسح الدمعة وقبّلها بين عينيها..فأغمضتهما وابتسمت..
واحلق بك سمـا ود وغـلا واعجـاب
وفي قلبك عـن العالـم .. توارينـي
واذا تسأل : صحيح إن الهـوى غـلاب
جوابي لـك : تكـرّم ناظـر بعينـي
تشوف إنسـان بهيـام المشاعـر ذاب
يغني لك " أحبـك لـو تجافينـي "
وحانت رحلتـي والأمنيـات ركاب
مقادير البدو ... ...قامـت تسرّينـي
وفجأة، رن هاتف سيف الجوال في الحلم، تضايقها جداً رنة ال "نوكيا" البغيضة، أفلتها من يديه، وانشغل بالاتصال الذي جاءه، نظرت إليه بتحسر وتباعدت المسافة بينهما في الحقل، نبتت بينهما المزيد من الأزهار ولكن الجراد كان قادماً من بعيد ولم ينتبه سيف لدانة أو الحقل أو الجراد، حاولت أن تتكلم، أن تصرخ، ولكن صوت المتصل والجراد والقصيدة كان أعلى منها.
رحلت بـحلم شايب وبعزيمـة شـاب
مرامي : عودة الـورد لـبساتينـي
حبيبي ماعلى الصلب الكسيـر عتـاب
وانا جور الزمـان المـر .. مروينـي
تعاتبني ... وانا مابين ناب وناب!؟
وعن لمّة حطامي ... عجزت ايديني
كفاني من عذابـي وحشـة الأغـراب
وأنا اشوف بعيونك ..... " لاتخليني!"
(زوجة رجل مشغول)
بقلم/ *دانة*
(زوجة رجل مشغول)
بقلم/ *دانة*
الفصل الثاني
(اليوم أوقن أنني لا أحتمل – روضة الحاج )
استيقظت دانة من النوم بعد ساعات و هي تشعر بعطش و دوار شديدين، لا تعرف كم مضى لها نائمة وهل سيف في المنزل أم لا، اعتادت الاستسلام مؤخراً فصعبت عليها المقاومة، لا بأس بأن يشتري الإنسان راحته فيتنازل عن بعض الأمور بعض الأحيان، ولكن أن يتحول هذا الأمر إلى طبع تعتاده النفس فإن ذلك سيلقي بظلاله على حياة الإنسان بمختلف أبعادها، الحياة الكريمة تستحق القتال من أجلها بين فترة وأخرى كي لا تضعف الروح ،حاولت دانة أن تقف بصعوبة بالغة، اتكأت على الطاولة المقابلة للمرآة وهي ترتجف من البرد وتتنفس بصعوبة ،تختل لديها الرؤية تدريجياً وهي تحاول أن تستوعب منظرها في المرآة ومدى شحوب لونها ،تشبثت بمفرش الطاولة قبل أن تفقد الوعي فسقطت على الأرض وسحبت معها المفرش الذي سحب بدوره زجاجات العطور التي تملأ الطاولة فوقعن عليها.
اليوم أوقن أنني لا أحتمل!
اليوم أوقن أن هذا القلب مثقوب و مجروح و مهزوم..
وأن الصبر كَل..!
(روضة الحاج)
وصل صوت ارتطامها بالأرض وتكسر زجاجات العطور إلى غرفة المكتب التي كان سيف قد دخلها فور وصوله للمنزل وباشر مراجعة بعض أعماله التي لم ينهيها في مكتبه بإحدى المؤسسات الخاصة بالدولة.خرج من غرفته (كما تسميها دانة) إلى غرفة النوم فذهل من المنظر وظل صامتاَ للحظات ليستوعب الأمر، دانة على الأرض وقد شج رأسها فتفلتت الدماء على وجهها وصدرها، بها عدد من الكدمات والجروح في أماكن متفرقة من جسدها. لم يعرف كيف يتصرف، خشي أن يحملها فيؤذيها إن كانت تعاني من كسور، وخشي أن يطلب سيارة الإسعاف فتتأخر، قرر أنه لا يستطيع أن يحملها فاتصل بالإسعاف وظل ينظر إليها مصدوماً، بلا مشاعر، لوهلة شعر أنها شخص غريب،حاول أن يتذكر ملامحها،ابتسامتها،صوتها، ويربطهم بما أمامه، فلم يستطع.
أفكار مشتتة تتسابق في رأسه وهو ينظر إليها، هل ماتت؟اقترب منها ولمس يدها المزرقة فإذا بها باردة ورطبة، انتفض ومسح يده بثوبه ثم خرج من البيت ينتظر سيارة الإسعاف في "الحوش".
تذكر سيف وفاة خاله الفجائية، واسترجع ذكريات العزاء،تعوذ من الشيطان وجلس يحاول أن يدعو لها لكنه لم يستطع أن يقول شيئاً غير "يارب" ظل يكررها حتى سمع صوت سيارة الإسعاف قادمة من بعيد.
الساعة الثانية ظهراً من اليوم التالي في أحد ممرات المستشفى البعيدة عن تجمعات الناس سيف واقف مع أحد الأطباء يتحدثان دون علم بمن اختبأ يسترق السمع على مقربة منهما :
الدكتور (بصوت منخفض) : احنا الحمدلله اتطمنا إن المدام مافيهاش أي كسور أو أي نزيف داخلي، لكن زي ماحضرتك شفت امبارح كان الضغط عندها نازل نزول مش طبيعي أبداً، إكستريملي إكستريملي أبنورمال، وده هو اللي سبّب الإغماء..
سيف (مقاطعاٌ) : طيب، وشنهو سبب انخفاض الضغط يعني؟
الدكتور: صبرك عليه ياأستاز، بص حضرتك،االاغماء اللي حصل ده حاجة طبيعية ومتوقعة للمريض المصاب بانخفاض ضغط الدم، ولو ماجاتش هنا كان لاسمح الله اتطورت الحاله إلى تلف في أعضاء الجسم لأن انخفاض الضغط الشديد بيمنع الدم من توصيل الأوكسجين، وده شيء إكستريملي إكستريملي دينجرس يا أخ سيف.
سيف باهتمام: طيب ماعرفتوا السبب؟
الدكتور:أنا حاكون صريح معاك، أنا كلمت المدام النهارده الصبح، بصراحة بعد تحليل الدم أنا كان عندي شك كبير إن السبب محاولة انتحار..
سيف (وقد علا صوته وهو يهم بالابتعاد) : هالشي مستحيل ، أنا الغلطان اللي جبتها اهنيه علشان تلعبون بها! ماعرفتوا اشفيها وقلتوا منتحرة!
(شهق الغريب الذي كان يسترق السمع فانتبه سيف لوجود حركة غير طبيعية في الممر فأخفض صوته مجدداً)
الدكتور(بهدوء وجدية):أنا قلت كان عندي شك، داوت يعني.. خليك مركز معايا شويه، الكلام اللي حقولهولك دلوقت إز إكستريملي إكستريملي سيريس!
سيف(وقد هدأ وعاد مجدداً): تفضل يادكتور.. (بنفاذ صبر)
الدكتور:المدام بتتناول نوع من الحبوب المنومة من غير وصفة طبية وبجرعات كبيرة ومن غير مايكون عندها مشكلة في النوم الطبيعي بالليل يعني.
(سيف يستمع باهتمام ويسترجع بعض الأحداث التي يتصل بها فالبيت أو يحضر فيجدها نائمة في غير وقت النوم)
الدكتور:يبدو والله أعلم إن المدام خدت عدد كبير من الأقراص من غير ماتنتبه، ده حسب روايتها.. وأنا مصدقها لأن الحبوب دي بتسبب ضعف في التركيز، فممكن جداً تكون فعلاً خدت الجرعة زايدة ومن غير ماتنتبه، والحمد لله إننا في بداية الحالة وإنها جات على انخفاض ضغط وإغماء، يعني الضرر ماوصلش الدماغ ولاعمل لها ضمور مثلاً.. زي آثار أتيفان مثلا، وغيره من الأدوية التجارية اللي بتتباع زي البمبون في الدكاكين..
(سيف ينصت بجدية)
الدكتور:عموماً،هيه مش أول ست بتعاني من الموضوع ده، نسبة إكستريملي إكستريملي كبيرة من النساء بيلجأوا للحبوب المنومة والمهدئة بسبب الاكتئاب أو للتخلص من القلق وغيره..ولو حابب أنا ممكن أحولك على دكتورة نفسية شاطرة أوي علشان تحل الموضوع معاها، حاسب ياأخ سيف أصل الحبوب المنومة والمهدئة دي تركيبتها إدمانية، يعني بتسبب الإدمان لكن اللي أنا استشفيته من المدام إن هيه والحمدلله ماوصلتش للمرحلة دي..
سيف: طيب الله يعطيك العافية يادكتور،أنا رايح أشوفها
الدكتور: قبل ماتمشي بس اتفضل كرت الدكتورة اللي كلمتك عنها،أرجوك ياأستاز سيف إنك تكون حنيّن عليها وبلاش أي لوم عالأقل في الفترة دي.
سيف( وهو يأخذ البطاقة محاولا أن ينهي الموضوع) : طيب طيب يصير خير.
اتجه إلى غرفة دانة وصادف عند الباب وجود والدتها التي كانت قد خرجت للتو من الغرفة، سلم عليها وطمأنها على ابنتها، أخبرها أن الموضوع لا يعدو كونه انخفاضاً في ضغط الدم أدى إلى الإغماء، وأنها لو لم تكن قرب الطاولة لما تعرضت للإصابات التي سببت الكدمات والحاجة لخياطة عدد متفرق من الجروح في الجبهة والذراعين، تمتمت الأم بحمدالله ومضت في طريقها وهي تعتزم أن تتدخل مستقبلاً في حياة ابنتها الزوجية رغم أنها كانت قد عاهدت نفسها على عدم فعل ذلك.
لو كنت تعرف أنني من أوجه الغادين والآتين أسترق التبسم..
أستعيد توازني قسراً..
وأضحك حينما ألقاك في زمن البكاء..
لوكنت تعرف أنني أحتال للأحزان.. أرجئها لديك..
وأسكت الأحزان حين تجيء..
أخنق عبرتي بيدي..
ما كلفتني هذا العناء!
ولربما استحييت لو أدركت كم أكبو على طول الطريق إليك..
كم ألقى من الرهق المذل..من العناء..
ولربما ولربما ولربما....!
( روضة الحاج)
دخل سيف غرفة دانة، وجدها وقد استفحل أثر كدمات الوجه عن اليوم السابق، تحولت إلى البنفسجي، وقد خاط الأطباء غرزاً متعددة في مناطق متفرقة من جسدها أبرزها الجبهة ، رغم ذلك كانت هادئة ولم تبد أمامه أي إشارة لمعاناتها من أي ألم. أمعنت النظر في عينيه، تبحث عن الندم أو الحب فلم تجد إلا التعاطف مشوباُ بلوم وغضب، رسمت تفاصيل هذا المشهد في خيالها كثيراً ،يا لسذاجتها، تخيلته وقد أقبل عليها بالأحضان ،مقسماً بأغلظ الأيمان أن لن يتركها بعد اليوم للوحدة والفراغ، كم تمنت في السابق أن يصيبها مكروه فيهرع إليها معتذرا عما كان في الماضي من هجر وتجاهل لأبسط احتياجاتها؛ الاهتمام. و لكن تجري الرياح بما لا تشته السفن، هاهو سيف واقف أمامها الآن كالغريب، لاحرارة في اللقاء، لاندم، لا لمسات، لاشيء، فقط مزيد من التجاهل لاحتياجاتها التي أبسطها نظرة حنان تشعرها بأنها شيء. أخبرها بكلام الطبيب (دون أن يشير إلى الأقراص المنومة، الموضوع الذي لا يعتزم فتحه) وبشّرها بأنها ستخرج من المستشفى غداً صباحاً ثم خرج، تعلقت عيناها بالباب ببلاهة، أهذا كل شي؟
"خطئي أنا..
أني نسيت معالم الطرق التي لا أنتهي فيها إليك!
خطئي أنا..
أني لك استنفرت مافي القلب مافي الروح منذ طفولتي..
وجعلتها وقفاً عليك!
خطئي أنا..
أني على لاشيء قد وقعت لك!
فكتبت أنت طفولتي، وأحبتي، ومعارفي، وقصائدي..
وجميع أيامي لديك"
"أنا قد تعبت..
ولم يعد في العمر مايكفي الجراح..
أنفقت كل الصبر عندك..والتجلد والسماح..
أنا ما تركت لمقبل الأيام شيئا إذ ظننتك آخر التطواف في الدنيا!
فسرحت المراكب كلها..
وقصصت عن قلبي الجناح"
( روضة الحاج)
لم يع سيف أنه بتعامله الهادئ معها كان قد بتر صخب مشاعرها، جفاف أسلوبه قصم ظهر اهتمامها اللامتناه به، لو حنّ عليها لأكد لها أنها ضحية كما كانت تعتقد، حسناً فعل، لقد أسدى لها معروفاً عظيماً، فطمها من تعلقها الطفولي به؛ الأمر كان لابد أن يحدث. بعد أن تأكدت أنه فعلاً خرج من الغرفة ولم ينس شيئاً ليعود من أجله، اتجهت بحكم العادة لوسادتها وحينها حدث شيء غريب جداً..
.. لم تبك!!
لافرق عندك إن بقينا..أو مضيت!
لافرق عندك إن ضحكنا هكذا – كذبا ً-
وإن وحدي بكيت!
فأنا تركت أحبتي.. ولديك أحباب و بيت..
وأنا هجرت مدينتي..
وإليك - يا بعضي- أتيت..
وأنا اعتزلت الناس، والطرقات، والدنيا
فما أنفقت لي من أجل أن نبقى؟
وماذا قد جنيت؟
و أنا وهبتك مهجتي جهراً..
فهل سراً نويت؟
(روضة الحاج)
أيقنت دانة تلك الليلة بما لا يدع مجالاً للشك أن ماهي فيه إنما هو من صنع يديها، سيف يحبها هي تشعر بذلك رغم انشغاله عنها بأمور متنوعة كثيرة (العمل،الأقارب،الصداقات،الرياضات،العمل،الرحلات،الت رفيه بأنواعه ، و.. العمل) هو هكذا، لم يطلب منها يوماً أن تجعله محور حياتها، لم يحفل باهتمامها به ولم يتجاوب معها، إلا أنها قد أمعنت في المحاولات المخجلة لاستمالته لجانبها، مثاليتها الزوجية لم تكن ما يريده، آلمها الاكتشاف أنها استنزفت سنوات ثلاث من حياتها مضحية بذاتها في سبيل رجل لم يرد يوما ما تعرضه عليه، هو لم يخدعها ولم يتلاعب بمشاعرها يوماً لكن حبها له أعماها عن رؤية الحقيقة الواضحة وضوح الشمس،الحقيقة التي رأتها عارية تلك الليلة في عينيه، الحقيقة/ الصفعة؛ أنه رغم حبه لزوجته إلا أن(ككثير من الرجال) وجود المرأة ليس محورياٌ في حياته ولن يكن يوماٌ كذلك. قضي الأمر.
نامت تلك الليلة ملئ جفنيها دون الحاجة للأقراص المنومة، نامت وهي تملك ذاتها لأول مرة منذ ثلاث سنوات.
(زوجة رجل مشغول)
بقلم *دانة*
(زوجة رجل مشغول)
بقلم *دانة*
الفصل الثالث
( أخاف عليك من خوفي عليك – عمر أبو ريشة)
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك