رواية عندما تنحني الجبال -9
عندما نظر إلى وجهها لاحظ انهيارها وارتعاش جسدها الشديد فهتف من بين أنفاسه :- رباه .. ما الذي حدث لك يا نانسي؟
عادت تبكي بنفس الحرقة فأسرع يخلع سترته ويضعها حول كتفيها المرتعشين وهو يقول بوجوم :- سأتحدث إلى السيد رفيق كي نرحل حالا دون ضجة أو لفت للأنظار .. انتظريني هنا لأحضر لك معطفك
عندما تركها فكرت بألم .. كيف يمكنه أن يكون بهذا البرود .. كيف يتظاهر بالقلق علي والحزن لبكائي في الوقت الذي يكن فيه المشاعر لامرأة أخرى ؟ .. المنافق الحقير
الغضب نجح في السيطرة على إحساسها بالحزن .. ومنحها القوة اللازمة لتمسح دموعها وتستعيد شيئا من هدوئها مع عودة محمود بمعطفها.. سرعان ما كانا قد خرجا من الفندق وانطلقا بعيدا في سيارة محمود .. انزوت فوق مقعدها والتصقت بالنافذة وهي تتأمل الشوارع المظلمة وهي تشعر بتعاسة لم تعرفها يوما .. تعاسة لا تشبه أبدا إحساسها بالألم والعار بعد وفاة والدها .. أو إحساسها بالحزن واليتم بعد وفاة والدتها .. أو بالوحدة عند رحيل لينا ..
لقد كان إحساسا قاتلا لم تعرفه من قبل .. لقد كانت الغيرة .. الغيرة على رجل اكتشفت لتوها بأنه لم يكن لها يوما ولن يكون .. هل يمكن لألمها هذا أن يزول يوما أو أن يخف
سألها محمود وهو ينظر إليها بشكل عابر:- هل أنت مستعدة الآن للكلام والتحدث عما تسبب ببكائك في الحفلة ؟ هل وجه إليك أحدهم كلاما مسيئا أو ذكرك بوالدك ؟
لم ترد بكلمة .. بل عادت دموعها تسيل بغزارة جعلته يقول بتوتر :- نانسي
قالت بألم :- أرجوك يا محمود .. لا أستطيع الكلام الآن .. لا أستطيع
أتبعت كلماتها بشهقة جعلت أصابعه تنقبض فوق المقود وكأنه يحاول كبت عاصفة هائجة تدور داخله .. فور وقوف السيارة أمام المنزل أسرعت تنزل منها وتسير مسرعة إلى الداخل .. دخلت إلى غرفتها فلحق بها إلى هناك عندما خلعت معطفها وقال بصرامة :- هلا تكلمت الآن وأخبرتني عما حدث
قالت من بين أسنانها :- لا .. لن أتحدث إليك .. بل أنا لا أريد أن أراك على الإطلاق
قال بحدة :- نانسي .. راقبي ما تقولين
أدارت ظهرها له وهي تقول بضحكة مرة :- ماذا ستفعل يا محمود ؟ هل ستضربني ؟ لو تعرف كم أتوق لأن تفعل
أمسك ذراعها وأدارها إليه فأبعدته وهي تصيح بانفعال :- لا تلمسني .. إياك أن تلمسني .. أنا أكرهك .. هل سمعتني جيدا ..أكرهك
اندفعت نحو الحمام وأقفلته ورائها ثم انهارت على الأرض باكية بعنف غير مبالية بسماعه لها .. كانت قد وصلت إلى حالة لم تعد معها قادرة على التماسك أكثر .. لقد عرفت اليوم وهي تراقب محمود المحاط بالنساء بأنها تعشقه بجنون .. وأنها لن تستطيع العيش بدونه
وعندما شاهدت بأم عينها نظراته إلى نسرين أحست وكأن روحها تسحب من بين أضلعها .. هل يعرف محمود إلى أي حد جرحها ؟ هل يعرف كم أهانها وأذلها وطعنها في الصميم ؟
لم تعرف كم طال بها الزمن وهي حبيسة الحمام .. إلا أنها وبعد أن استنزفت دموعها كلها .. وأحست بأنها قد تحولت إلى جسد بلا روح .. أدركت بأنها يجب أن تخرج عاجلا أم آجلا .. تخلصت من الفستان الثمين ولفت نفسها بروب الحمام .. استجمعت شجاعتها وعادت إلى الغرفة مجددا لتجد محمود ما يزال مرتديا ملابسه باستثناء سترته وربطة عنقه
كان واقفا أمام النافذة ينظر بشرود عبرها إلى عائلة عمه التي وصلت لتوها .. اعتدل فور أن رآها .. ونظر إليها بطريقة جعلتها تدرك بأنه قد سمعها تبكي في الحمام
نظر إلى وجهها الأحمر وعينيها المنتفختين .. وفمها المتوتر .. وقال :- يجب أن تتحدثي إلى في النهاية يا نانسي .. يجب أن تخبريني بما حدث .. إن كان هناك من سبب لك الألم في الحفلة
قالت بجفاف :- وكأنك تهتم حقا بما يؤلمني .. لقد كدت تخدعني للحظة
توجهت إلى الخزانة لتخرج قميص نوم ترتديه ففوجئت به يقف ورائها ويديرها إليه قائلا بحدة :- لقد طفح الكيل يا نانسي .. لن أقبل بأن تقللي من احترامي .. كما لن أقبل بأن أرى زوجتي منهارة في مكان عام دون أن أعرف السبب .. أنت ستخبرينني حالا بما حدث
قاومت يديه قائلة بعنف :- أبعد يدك عني .. أنا أكرهك .. هل سمعت ..أكرهك ولا أحتمل لمستك .. أنت تقرفني وتثير اشمئزازي
برقت عيناه بغضب وهو يقول :- هل تقرفك حقا ؟ لم لا أختبر هذا بنفسي ؟
دفعها لتسقط فوق السرير وأمسك يديها قبل أن تضربه بهما .. وجثم فوقها يكتم فمها الصارخ بفمه .. قاومته بشراسة وكأنها قطة برية .. وكل جزء منها كان يصرخ رافضا له .. ابعد وجهه عنها ينظر إلى وجهها اللاهث .. إلى عينيها اللامعتين ووجنتيها المحمرتين من حرارة عراكهما .. نظر إلى شفتيها المتورمتين من فعل قبلاته .. ثم إلى الجزء المفتوح من روبها والذي كشف عن بعض جسدها .. وبلمح البصر كان غضبه قد انحسر بعيدا .. وحلت محله الرغبة العمياء وهو ينظر إلى وجهها مجددا ويقول هامسا :- لا تحاربيني يا نانسي .. أريدك .. أريد قلبك وجسدك .. أريدك راضية وسعيدة بين ذراعي ولو لمرة
همساته الحارة جعلت الدماء تفور في عروقها .. جعلت الجانب الضعيف فيها والمغرم به يتحرق شوقا لمنحه ما يريد .. تاقت إليه .. وإلى حنانه .. وإلى حبه الخالص .. وكأنه رأى بوادر الاستسلام في عينيها عاد يقبلها مجددا برقة وعاطفة جعلتها تذوب وترفع يديها لتمسك بكتفيه بقوة في تجاوب معه .. لقد كانت على وشك الاستسلام التام له ولحبه لو لم تسمع ذلك الصوت يشمت بها قائلا :- وهل أنت متأكدة بأنك أنت من يمارس الحب معها في هذه اللحظة ؟
كان هذا كافيا لها كي تستعيد صوابها .. وتتذكر بالضبط ما يجب ان تكرهه لأجله ..دفعته عنها بكل مل تملك من قوة وإرادة وهي تهتف بعنف :- اتركني أذهب أيها المنافق الكريه .. أنا أكرهك .. ولن أسمح لك بلمسي أبدا بإرادتي الحرة
زمجر غاضبا من تمردها المتأخر .. وقال بغضب :- فليكن بدونها إذن ..
أمسك طرفي روبها وأزاحهما عن بعضهما فوجدت نفسها تصيح بجنون :- ما الأمر يا محمود ؟ هل أثارتك نسرين الليلة إلى حد ما عدت معه بقادر على كبت رغباتك
أجفل محمود وهو ينظر إلى وجهها العنيف فقال متوترا :- ما الذي تقولينه ؟
لم تتردد أكثر وقد طفح بها الكيل .. صرخت به بانفعال :- هل كان إغرائها لك كبيرا لدرجة تدفعك لاغتصاب الزوجة المتاحة لك وقتما أحببت يا محمود ؟ .. هل وصل تأثيرها بك إلى هذا الحد ؟..
تراجع عنها منزعجا وهو يقول :- ما هذا الهراء الذي تتفوهين به ؟
جلست وقد سالت دموعها مجددا وهي تقول :- إياك أن تنكر .. لقد رأيتك تنظر إليها في الحفل .. لقد كنت تلتهمها بعينيك .. لم يغفل أحد عن الطريقة التي كنت تضاجعها فيها بنظراتك
مرر يده عبر شعره الكثيف وقد تلون وجهه وهو يقول بانزعاج :- أنت تتوهمين يا نانسي
وقفت تواجهه وهي تقول بوحشية :- انظر إلي يا محمود ..وإياك أن تكذب علي .. هل تنكر بأنكما كنتما تتغازلان علنا في ذلك الحفل ..هل تنكر بأنك كدت تأكلها بعينيك على بعد أمتار من زوجتك ؟ هل تنكر بأنك كنت تحدق بها برغبة جامحة دون اعتبار لما يقوله الناس عنك
ابتعد محمود عنها تماما وقد بدا عليه التوتر .. نظر إلى وجهها الثائر وأدرك بأن أعصابها على المحك .. ولكنه لم يستطع إلا أن يغمغم :- نسرين امرأة جميلة جدا يا نانسي .. وما أنا إلا رجل
اتسعت عيناها وقد ذهلت للحظات من اعترافه .. ثم بدون أن تفكر اندفعت نحوه تضربه بقبضتيها بعنف وهي تصرخ به باكية :- أيها الحقير المنافق الكريه .. ألم تفكر بي ..ألم تفكر بكلام الناس وسخريتهم بي .. أنا أكرهك ولن أسامحك أبدا على ما فعلته
أمسك بيديها ليوقفها عن ضربه وهو يقول :- اسمعيني يا نانسي .. دعيني أشرح لك
أفلتت يديها من قبضتيه وسدت أذنيها رافضة الاستماع إليه وهي تبكي مصدرة أصواتا كي لا تصلها كلمة مما يقول رافضة أي عذر منه .. فما كان منه إلا أن أبعد يديها مجددا وهو يقول بغضب :- لن تكبري أبدا يا نانسي .. لنرى إلى أين سيأخذك كبريائك السخيف هذا
ترك لها الغرفة صافقا الباب ورائه بعنف .. فانهارت على السرير وحيدة تبكي مجددا حبها اليائس وألمها الشديد الذي كتب عليه ألا ينتهي يوما
الفصل الحادي والعشرون
عطشي إليك
قضت نانسي يومها في الجامعة شاردة تماما وغير واعية لضجيج زملائها من حولها خرجت من المحاضرة برفقة ماهر وندى دون أن تفهم حرفا مما قال المحاضر .. سألها ماهر :- هل ترافقيننا إلى الكافتيريا ..سنتناول غداءا خفيفا
تمتمت بكآبة :- لست جائعة .. أظنني سأعود إلى البيت فأنا أشعر بالتعب .. أراكم قريبا
اتصلت بمأمون الذي كان يقف بالسيارة أمام البوابة خلال دقائق.. ركبت بصمت وهي تفكر بعمق وحزن كما كانت تفعل منذ ليلة الحفل المشؤومة .. لقد مرت أيام على تلك الليلة .. ومازالت نانسي ترى تلك النظرة كل ليلة في كوابيسها .. تصحو باكية ومبللة في العرق .. وتنظر إلى محمود النائم إلى جوارها غير شاعر بما تحس به من ألم
لم يعد يتكلم إليها مطلقا منذ رفضها الاستماع إليه وإلى دفاعه عن نفسه .. هي أيضا بالكاد كانت تخرج من غرفتها أو تأكل أو حتى تتحدث إلى أحد .. لقد كانت غارقة في أفكارها وكآبتها .. وتحليلها المضني لما حدث .. لقد فكرت مليا .. وأدركت بأنها لا تحتاج إلى سماع دفاع محمود كي تعرفه وحدها .. فهو متزوج بها منذ أشهر عديدة .. وهي تبعده عنها بشراسة امرأة عجوز سليطة اللسان .. لقد سبق وحذرتها حنان بأن الرجل إن لم يحظى بما يحتاج إليه في بيته فهو سيبحث عنه خارجا .. وها هو محمود يبحث دون أن ينوي هذا حقا عن متعته لدى نساء أخريات .. لا تستطيع لوم محمود على شرود نظره لأنها المسؤولة الأولى عما حدث .. هي من أبعد محمود عنها .. هي من تنفره منها بدلا من السعي لكسب حبه .. لو كانت تستحق محمود حقا لما منحته أبدا سببا ليشتهي امرأة أخرى
قالت فجأة لمأمون :- لنعد أدراجنا إلى المدينة يا مأمون .. سنمر على السوق قليلا
ذلك المساء وقفت نانسي أمام المرآة الكبيرة في غرفتها .. ونظرت إلى انعكاس صورتها في المرآة بتوتر وتأملت نفسها بغلالة النوم الشفافة التي ابتاعتها من أحد أرقى متاجر المدينة .. ترى .. هل تجرؤ على اتخاذ تلك الخطوة ؟ هل تجرؤ على الظهور أمام محمود بهذه الهيئة والتقرب إليه ومحاولة إغواءه ؟
كان القميص الرقيق أسود اللون .. بحمالات رفيعة حمراء بالكاد ثبتت القماش الشفاف إلى جسدها .. أشرطة حمراء كانت تحد من اتساع فتحة الصدر الكبيرة التي حددت معالم أنوثتها بوضوح .. بالكاد كان طول القماش يغطي فخذيها فأظهر جمال ساقيها الطويلتين الرشيقتين الذهبيتي اللون ..
كانت قد تركت شعرها الناعم منسدلا خلف ظهرها بحرية .. واقتصرت على وضع القليل من الزينة خشية تشويه جمالها الطبيعي أو حتى إظهار تلهفها إليه ..بدت رائعة لعينيها وهي تتفحص نفسها بانتقاد عبر المرآة .. أي رجل يجب أن يفقد تماسكه ومقاومته عندما يراها .. ولكن .. هل تجرؤ على السماح لمحمود برؤيتها هكذا ؟
كانت قد قررت بعد تفكير طويل بأن تحارب لكسب حب زوجها ومنع مثيلات نسرين وريم من سرقته منها .. والخطوة الأولى كانت بمنحه ما يحتاج إليه منها قبل أن يسعى إليه خارجا
تصميمها على القتال بدأ يضعف وهي تفكر كالمحمومة بمحمود يلمسها .. أحست بوجهها يتورد وبتوترها يتصاعد وهي تنظر إلى نفسها مرة أخرى متسائلة إن كان سيتقبل مبادرتها بعد كل ما حصل بينهما .. وإن كان سيرفضها انتقاما لنفسه من كل مرة رفضته فيها .. كم ستشعر بنفسها رخيصة وسخيفة بمظهرها هذا
أسرعت تلف نفسها بروبها وتحكم إغلاق الحزام حول خصرها .. لا .. لن تستقبل محمود بذلك المظهر .. لن تحتمل رؤية الرفض والازدراء في عينيه .. فهي حتى الآن لا تعرف كيف ستتمكن من الإفصاح له برغبتها في مصالحته .. بخبرتها الضعيفة في إغواء الرجال .. كيف ستصارح محمود بما تريد
الساعة لم تتم التاسعة بعد .. ومحمود لم يعد .. فقد اعتاد ألا يعود حتى وقت متأخر من الليل تكون فيه نائمة .. وكأنه يتحاشى الاحتكاك بها بأي طريقة
ولكنها ستنتظره .. حتى لو تطلب الأمر منها البقاء مستيقظة حتى الصباح .. تكومت فوق الأريكة محاولة كبح توترها .. وسرعان ما غرقت خلال انتظارها في النوم دون أن تدري .. ولم تستيقظ إلا عندما سمعت صوت الباب يفتح .. فتحت عينيها بنعاس لتجد محمود يدخل إلى الغرفة حاملا بين يديه سترته وقد بدا عليه الإرهاق الشديد .. أجفل لرؤيتها تعتدل فوق الأريكة فقال بوجوم :- لماذا ما زلت مستيقظة ؟
مررت يدها عبر شعرها محاولة ترتيبه .. ورمشت بعينيها لتطرد النعاس غاضبة من نفسها لاستسلامها للنوم .. راقبته وهو يغلق الباب خلفه قائلة بارتباك :- لم أستطع أن أنام ففكرت في انتظارك
قال ساخرا وهو يسحب ربطة عنقه من مكانها :- هل أصابك الملل وقررت الشجار معي مجددا على سبيل التسلية .. آسف يا عزيزتي .. لا مزاج لي اليوم لتبادل الاهانات
قالت بتوتر :- لا أرغب في الشجار معك
جلس على طرف السرير وهو يخلع حذائه فلاحظت الظلال المحيطة بعينيه فقالت بقلق :- تبدو مرهقا هذا المساء
قال بتهكم :- بالله عليك لا تتظاهري بالاهتمام .. فأنا أكره النفاق
أحست بغصة بسبب ما سببته من نفور في نفسه منها .. لقد صدق حقا بأنها لا تهتم لأمره ولا تعبأ به .. كيف ستقنعه بأنه كان دائما مخطئا
عيثت أصابعها بعقدة روبها وهي تغمغم :- طبعا أهتم .. فأنت زوجي في النهاية صحيح ؟
خلع قميصه فحبست أنفاسها لمرأى عضلات صدره القوية وذراعيه المفتولتين .. وراته وهو يفتح الخزانة بحثا عن منامته فقالت باضطراب :- هل أنت جائع ؟ هل أعد لك ما تأكله ؟
صفق باب الخزانة فجأة واستدار نحوها قائلا بنفاذ صبر :- ما الأمر يا نانسي ؟ توقفي عن خلق المقدمات وأخبريني مباشرة بآخر ما سمعته عني .. وما سبب غضبك هذه المرة .. هيا .. كلي آذان صاغية .. فقط توقفي عن تمثيل دور الزوجة الحنون وتكلمي
تجمعت الدموع في عينيها وهي تحاول كبت ألمها الشديد .. لقد خسرت محمود .. أليس كذلك ؟ لقد فات الأوان على محاولتها إنقاذ زواجها وكسب حبه بعد كل ما فعلته بالرجل الذي تحب
همست بضعف :- لا شيء .. أنا آسفة .. أعدك بألا أزعجك مجددا
تحركت لتترك الغرفة قبل أن تسيل دموعها .. وإذ بعقدة الروب تحل تحت ضغط أصابعها .. وينزاح طرفي الروب ليكشف عن قميصها القصير والمثير .. نظرت نانسي إلى محمود بذعر لترى عينيه معلقتان بما ظهر تحت الروب وقد بدا عليه الذهول وعدم التصديق .. فهتفت مذعورة :- أنا عطشى .. سأذهب لأشرب شيئا
وقبل أن تصل إلى الباب كان محمود قد سبقها وأطبق يده على الباب مانعا إياها من فتحه .. رفعت عينيها إليه لتجد نارا ملتهبة تشتعل في عينيه العسليتين .. كان قريبا منها للغاية وقد تسارعت أنفاسه اللاهثة وهو ينظر إلى ما ظهر من الروب الذي أسرعت نانسي تغلقه بيدين مرتعشتين .. همس قريبا منها :- بل أنا العطشان دائما إليك يا نانسي
ارتجفت وهي تستند إلى الباب بظهرها وتتركه يحاصرها بذراعيه ويميل برأسه نحوها قائلا دون أن يصدق حقا ما يحصل :- أخبريني بأنني لا أحلم يا نانسي .. وأنك قد ارتديت هذا القميص لأجلي .. أخبريني بأنك قد أتيت حقا إلي بإرادتك الحرة
احمر وجهها وهي تخفض عينيها عنه وقد بدأ قلبها يخفق بقوة وكل ذرة من كيانها ترتجف خوفا وترقبا .. أمسك بذقنها ورفعها نحوه لينظر إلى وجنتيها المتوردتين وإلى عينيها المتضرعتين فارتجف جسده الضخم وهو يقول بصوت أجش :- أخيرا يا نانسي .. أخيرا يا حبيبتي .. لو تعلمين كم انتظرت هذه اللحظة .. وكم صبرت لأراك أمامي تنظرين إلي بهذه الطريقة .. تجاهرين برغبتك بي المماثلة لرغبتي بك
همست بضعف :- أنا .. أنا خائفة يا محمود
أمسك بها وقربها منه برفق .. وأزاح شعرها الكثيف عن وجهها وهو يهمس بحنان :- لا داعي للخوف يا عزيزتي .. سأهتم أنا بك .. سأرعاك وأحبك كما تستحقين بالضبط
دغدغت كلماته الحنون كيانها وجعلتها تزيد اقترابا منه تلقائيا .. بيدين مرتعشتين أزاح الروب عن كتفيها وتركه يسقط على الأرض .. حبس أنفاسه وهو ينظر إلى جسدها الجميل الذي تلألأت بشرته الناعمة تحت أنوار الغرفة الخافتة ..
رفع وجهها إليه واقترب منها قائلا بصوت أثقلته العاطفة :- أنت لي يا نانسي .. أنت لي وحدي
أحنى رأسه .. وتناول شفتيها بقبلة جائعة ومتلهفة .. بينما جذبتها يداه إلى صدره بقوة وأحاطتها ذراعيه بإحكام .. أحاطت عنقه بذراعيها وسالت دموع العاطفة من عينيها وهي تهمس في قلبها .. أنا لك .. كلي لك ..ولن أكون لغيرك أبدا
استيقظت نانسي صباحا لتجد نفسها وحيدة على السرير الواسع .. وكانت ممتنة لهذا كي تجد الفرصة لتحلل مشاعرها .. ما الذي ستحلله بالضبط .. لقد حصلت على ما أرادته تماما
ابتسمت برضا وهي تتمطى بسعادة .. ليلة الأمس منحها محمود ليلة لا تنسى من العاطفة الجياشة .. لا يمكن ألا يكن لها المشاعر بعد ما حصل بينهما .. تلك الكلمات الجميلة والهمسات الناعمة لن تصدر إلا عن رجل عاشق للمرأة التي يحب
قفزت من السرير إلى الحمام .. وخرجت من الغرفة بعد ساعة وهي تكاد تقفز في خطواتها من السعادة .. رأتها ريم في الممر وقد كانت نانسي تتحاشى لقائها في الأيام السابقة أتقاءا لشرها بعد ما حصل في الحفلة .. أما الآن فهي لا تبالي على الإطلاق .. محمود لها ولن تخشى أن تسلبه منها أنثى حاقدة كريم أو نسرين .. قالت ببشاشة :- صباح الخير يا ريم
عبست ريم غاضبة لسعادة نانسي الواضحة .. وقالت ببرود :- تبدين سعيدة
قالت نانسي بدلال :- ولم لا أكون سعيدة يا عزيزتي .. ألست امرأة عاشقة
قالت ريم بغيظ :- .. هل نسيت فورا ما حصل ليلة الحفلة ؟ لم أدرك كم أنت ساذجة إلا الآن
قالت نانسي متظاهرة بالبراءة :- وما الذي حصل ليلة الحفلة ؟
اقتربت من ريم قائلة بابتسامة قاسية على فمها وهي تقول :- أعرف بأن الفتيات اليائسات مثلك ومثل نسرين قد تتبعن الأساليب الرخيصة للفت نظر محمود إليهن يا ريم .. إلا أنه في النهاية زوجي أنا .. وقد اختارني أنا من بين العوانس المنتظرات في الدور بحثا عن عريس يحملهن فوق كاهله .. وأنصحك وغيرك بالبحث بعيدا عن زوجي وإلا فإنني لن أتردد في القتال لأجله بكل جهدي
تركت ريم واقفة تتميز غضبا .. ونزلت الدرج بخفة لترى حنان المذهولة من البريق المميز المطل من عينيها .. والتورد الذي كسا وجنتيها .. قالت بحيرة :- صباح الخير يا نانسي .. تبدين سعيدة على عكس حالك في الأيام السابقة
منحتها نانسي ابتسامة مشرقة وهي تقول :- ولم لا أكون سعيدة .. إنه نهار جميل .. وأنا جائعة وأتوق غلى فطور ضخم
اقتربت نجوى قائلة :- سيدة نانسي .. هناك مفاجأة لك في غرفة الجلوس ..
اسرعت نانسي تتبعها حنان إلى غرفة الجلوس لتفاجأ بالفعل بباقات الازهار الرائعة الجمال والمتعددة الالوان التي توزعت في الغرفة .. عشرات الباقات ذات النوع النادر التي ملأت الغرفة برائحتها الزكية وجعلت قلب نانسي يخفق بقوة ووجنتيها تتوردان سعادة ..تناولت البطاقة المرسلة مع الأزهار وقرأت التوقيع الانيق المألوف عليها وخط محمود يقول باختصار ( إلى امرأة حياتي .. شكرا للسعادة التي تغمرينني بها )
اغرورقت عيناها بالدموع تأثرا بلفتته الرومانسية .. وتساءلت بحزن .. أي حمقاء كانت لتبعد عنها رجلا رائعا كمحمود ؟ أكل ما كان عليها فعله منذ البداية هو الاستسلام لمشاعرها فقط كي تحظى بكل هذه السعادة ؟
قالت حنان من خلفها بخبث :- أظنني عرفت سبب سعادتك الاستثنائية ..
استدارت نانسي نحو حنان قائلة بحزم مصطنع :- وما الذي تفعلينه هنا ؟ عودي إلى عملك
ضحكت حنان وهي تقول :- امرك سيدتي المخيفة
دخلت السيدة منار لتعرف سبب الضجيج .. فعطست على الفور تأثرا برائحة الأزهار ثم قالت بانزعاج :- ما كل هذه الازهار ؟
قالت نانسي بهدوء :- لقد أرسلها لي محمود يا عمتي
ظهر الغيظ في عيني المرأة الاكبر سنا والتي قالت :- سأكون ممتنة لك إن أبعدتها عن الطريق .. او ربما احتفظت بها في غرفتك .. فانا لدي حساسية اتجاه رائحة الازهار
قالت نانسي بحزم :- انا آسفة يا عمتي .. الأزهار ستبقى كما هي .. ستضطرين لاستعمال غرفة اخرى خلال وجودها
شحب وجه العمة امام وقاحة نانسي التي حملت اصغر الباقات وصعدت بها إلى غرفتها حيث كان هاتفها يرن منذ فترة طويلة .. ابتسمت عندما خمنت هوية المتصل .. وأجابت لتسمع صوته يقول :- صباح الخير يا عروسي الحسناء
تمتمت بخجل :- صباح الخير
:- لماذا لم تجيبي على اتصالي فورا
:- لقد كنت أنظر إلى الأزهار التي أرسلتها .. شكرا لك .. لم تكن مضطرا لفعل هذا
قال بحنان :- بل أنا مضطر لفعل ماهو اكثر لأعبر عن سعادتي بزوجتي الغالية
احمر وجهها فقال بصوت جعل انفاسها تتلاحق :- هل تتوردين مجددا ؟ .. ظننت الخجل بيننا قد انتهى بعد ليلة الأمس
:- آآآآ .. مممم.. أنا
أطلق محمود ضحكة عالية أمام تلعثمها وارتباكها ثم قال بصوت شغوف :- لقد اشتقت لك
قالت بخجل :- وأنا أيضا .. متى ستعود إلى البيت
:- مع موعد العشاء فلدي محاضرات مهمة .. وعمل في الشركة .. مما يذكرني بشيء ..ما الذي تفعلينه في البيت أيتها الكسولة .. لماذا لست في الجامعة ؟
قالت بجرأة :- لقد فكرت بأنني لم أحظ بشهر عسل مناسب .. فمنحت نفسي اليوم إجازة على أمل ألا يشعر أستاذي اليوم بغيابي
:- ألن يشعر بغيابك ؟ سيلقي المحاضرة أخيرا بذهن واضح بدون أن يشوش وجودك تركيزه كالعادة
قالت بدلال :- لن يفتقدني على الإطلاق إذن
صمت للحظات قبل أن يقول بعمق :- سيثبت لك لاحقا إلى أي حد يفتقدك خلال بعده عنك
صمتت عاجزة عن الرد على وعيده الحار فقال برقة :- هل ستنتظرينني الليلة ؟
همست :- أنت تعرف بأنني سأفعل
:- وستكونين عاقلة وتتوقفين عن إثارة جنون عمتي وريم في غيابي ؟
ضحكت بانطلاق وقالت :- لا أعدك .. ولكنني سأحاول
:- ممم .. أظنك تستحقين عقابا شديدا على قلة أدبك
عندما انتهت المكالمة كانت دموع نانسي قد سالت أنهارا من فرط سعادتها .. ضمت الهاتف إلى صدرها وهي تهمس بيأس :- لو تعرف إلى أي حد أحبك
عندما عاد في المساء وجدها في المكتبة تبحث عن كتاب ما .. عندما التفتت إليه فاجأها بقبلة حارة تملصت منها ضاحكة وهي تقول :- محمود .. نحن لسنا وحيدين
نظر إلى ابنة عمه التي كانت ممددة على الأريكة تتصفح مجلة والغضب الأعمى يطل من عينيها فقال باسما :- سامحيني يا ريم .. لم أستطع مقاومة جمال زوجتي
أقفلت مجلتها قائلة ببرود :- بالإذن
خرجت من الغرفة فنظر إلى نانسي قائلا :- لقد اشتقت إليك
قالت متهكمة :- لقد عرف سكان البيت جميعا بهذا
ضمها إليه قائلا وهو ينظر إلى وجهها :- هل تتذمرين ؟
:- لا .. يبدو الوضع غريبا علي قليلا فحسب
داعب وجنتها الناعمة قائلا :- لن يكون كذلك بعد الآن .. أنت زوجتي .. ومن الطبيعي أن أظهر لك مشاعري دائما .. وأنت أيضا ستظهرين للجميع كم تحبينني وكم اشتقت إلي
رفعت وجهها إليه وهي تقول بوقاحة :- أنا لم أقل بأنني قد اشتقت إلي
نظر إلى فمها قائلا :- لا .. لأنك ستخبرينني بالفعل لا بالقول
أحنى رأسه ليقبلها في اللحظة التي ارتفعت طرقات الباب ودخلت نجوى قائلة بحرج :- العشاء جاهز يا سيدي .. والكل في الانتظار
اسودت عينا محمود وهو ينظر إلى الباب حيث توارت نجوى المحرجة .. فضحكت نانسي وهي تبعده عنها قائلة :- من الأفضل أن نوافي العائلة إلى غرفة الطعام قبل أن يرسلوا شخصا آخر للبحث عنا
زمجر قائلة :- تستطيعين النجاة بنفسك الآن .. ولكن ليس طويلا
خلال العشاء لاحظ الجميع تغير العلاقة بين كل من محمود ونانسي .. لم يغفل أحد عن النظرات التي كانا يتبادلانها .. أو الطريقة التي كان يطعمها فيها بيده كأي زوج مغرم .. بينما تمنحه هي ابتساماتها الواعدة
كسا الوجوم أفراد العائلة المحيطين بهما باستثناء فراس الذي بدا غافلا عما حوله وهو يتناول طعامه دون أن يتوقف عن الكلام عن آخر إنجازاته في معهده ..بعد العشاء أصرت نانسي على الجلوس مع العائلة في الصالة ( لعجز العمة عن دخول غرفة الجلوس بسبب الأزهار التي امتلأت بها ).. ولاحظت بدقة نظرات محمود التي كانت ترسل لها الرسائل المتتالية دون أن تعيره اهتماما وقد استلذت بهجة أن يطاردها رجل كمحمود ويسعى لكسب ودها وهو ما لم تعرفه من قبل
اعتذر محمود من الجميع متعللا برغبته في النوم باكرا .. ثم نظر إلى نانسي بطريقة ذات معنى قبل أن يسبقها .. فابتسمت متجاهلة إياها وهي تفكر .. هل يظن بأنها ستركض لتلبية رغباته فور أن يشير إليها ؟ يجب أن يتعلم أن يحترم رغباتها وإرادتها هو الآخر .. بعد ساعة كاملة .. أدركت نانسي بأنها كانت أكثر شوقا إلى زوجها مما ظنت .. فتسللت إلى الأعلى .. ودخلت إلى الغرفة لتفاجئ بالظلام الدامس المخيم عليها .. عقدت حاجبيها بقلق .. هل يعقل أن يكون قد نام ؟
ما إن أغلقت الباب ورائها حتى التفت ذراع قوية حول خصرها ورفعتها عن الأرض وكأنها لا تزن شيئا مما جعلها تصرخ بذعر انقلب إلى ضحك مجنون وهي تصيح :- ما الذي تفعله ؟
زمجر وهو يضمها إليه بقسوة قائلا :- أعاقبك أيتها الماكرة الصغيرة ذات العينين الخضراوين .. لماذا لم تلحقي بي على الفور ؟
قالت له وهي ترتعش لملمس شفتيه على عنقها ووجنتها :- لأنني لست جاريتك كما لست سيدي لأهب نحوك فور إشارتك إلي ..
كانت تحاول أن تصبغ الصرامة على لهجتها إلا أنها لم تنجح وقد بدأت يداه بحل أزرار قميصها .. إذ بدأت على الفور تضعف أمام حبها له وشعورها نحوه .. حملها بين ذراعيه إلى السرير العريض ووضعها فوقه منضما إليها .. ونظر إلى وجهها عبر الظلام الشديد حيث تمكنت من سماع صوت أنفاسه واضحا .. وتمكن هو من الإحساس بخفقات قلبها تدوي بقوة كالطبل .. قال بصوت جعل كل خلية في جسدها ترتعش شوقا .. :- بل أنا سيدك يا عزيزتي .. وسأثبت لك الآن وحالا كيف تعاقب المرأة حين تخالف أوامر سيدها
لم تعترض نانسي أبدا على عقابه لها .. في الواقع .. لقد كان ألذ عقاب عرفته في حياتها كلها .. حياتها التي لم يكن لها أي معنى قبل أن يدخلها محمود
الفصل الثاني والعشرون
إلى الجنة
استيقظت نانسي متاخرة في صباح اليوم التالي ووجدت نفسها وحيدة إلا انها لم تبالي ... فهي ومحمود لم يناما حتى الساعات الاولى من الصباح .. تذكرت ما حدث وهي تبتسم لنفسها عاطفة محمود الجياشة .. أحاديثهما التي استمرت طوال الليل .. احمرت وجنتاها وهي تشعر بالسعادة في اللحظة التي ارتفعت بها طرقات الباب قبل أن يفتح لتطل حنان حاملة صينية الإفطار قائلة :- صباح الخير يا عروس
شدت نانسي البطانية حول جسدها وهي تقول بحرج :- صباح الخير يا حنان .. ما سبب دلال هذا الصباح .. فأنا لم أطلب فطورا إلى السرير
لست أنت من طلب يا عزيزتي .. بل الدكتور محمود قبل ان يخرج صباحا .. أصر على ألا يوقظك احد وأن آخذ لك إفطارا كاملا إلى السرير .. بدا راضيا تماما هذا الصباح
احمر وجه نانسي وهي تغمغم :- توقفي يا حنان ... أنت تحرجينني
بعد ان أخذت حماما سريعا .. جلست تتناول إفطارها برفقة حنان التي لم تستطع كبح دموعها وهي تراقب نانسي تأكل بشهية وبريق السعادة يطل من عينيها .. لاحظت نانسي دموعها قالت بقلق :- ما الأمر يا حنان ؟ لماذا تبكين ؟
مسحت حنان دموعها وهي تقول متأثرة :- أفكر بأمك .. وأتمنى لو كانت موجودة لترى سعادتك بعينيها
توقفت نانسي عن الاكل وهي تفكر بأسى في امها التي توفيت قبل أن تطمئن على بناتها فتمتمت :- وأنا أيضا
ربتت حنان على كتف نانسي قائلة بحرارة :- الدكتور محمود رجل رائع يا نانسي ..ويحبك بجنون .. حافظي عليه بكل قواك .. ولا تسمحي لنفسك بخسارته
ابتسمت نانسي وهي تقول بامتنان :- لن أفعل يا حنان .. أعدك
ارتفع رنين هاتفها في هذه اللحظة فأجابت باسمة .:- صباح الخير
اتاها صوته الدافئ يقول :- صباح النور أيتها الغالية .. نائمة حتى الآن ؟
قالت متهكمة :- لم يجرؤ احد على إيقاظي بناءا على أوامرك يا أستاذي العزيز .. ظننتك غضبت لغيابي عن الجامعة صباح الامس
:- لنقل بانني اقتنعت بوجهة نظرك وأدركت استحقاقك لشهر عسل حقيقي .. لذا أطلب منك إعداد حقيبة باحتياجات تكفي 3 أيام
قالت بلهفة :- إلى أين سنذهب ؟
ضحك لفضولها الطفولي وقال :- إنها مفاجأة .. سيحضرك مأمون إلى الشركة حيث أنهي الآن بعض الاعمال تحضرا لغيابي .. ومن هناك سننطلق معا
أنهى المكالمة فظلت نانسي تحدق في الهاتف حتى سألتها حنان بفضول :- حسنا .. ماذا قال لك ؟
قالت نانسي غير مصدقة :- سيأخذني بعيدا لمدة ثلاثة أيام بدلا من شهر العسل الذي لم أحصل عليه
أشرق وجه حنان وهي تقول :- هذا رائع يا نانس ي.. أنت محظوظة للغاية .. سأعد لك حقيبة صغيرة ببعض الضروريات على الفور
راقبتها نانسي وهي تبدأ بتوضيب بعض الأغراض داخل حقيبة صغيرة بينما هي تفكر بكلماتها قلقة .. إنها محظوظة بالفعل .. ولكن إلى متى ؟.. بهجة محمود ودلاله لها يسعدها إلى حد تشعر معه بالألم في قلبها وهي تتذكر كلمات ريم القاسية .. ماذا سيحدث لها إن مل يوما .. إن سئم من جمال وبهجو لعبته الحالية وأراد الحصول على المزيد ؟ ماكانت لتشك لولا تلك النظرة القاتلة التي تقفز لتطل أمام عينيها بين اللحظة والاخرى لتذكرها بأن محمود إن ضعف مرة .. فمن الممكن ان يضعف ألف مرة
أزاحت تلك الأفكار المسمومة من عقلها وقررت بأن محمود لها .. ولن يأخذه منها أحد.. وأنها ستستمتع بوقتها معه دون ان تسمح للشكوك بأن تعكر عليها صفو حياتها .. فمحمود يظهر لها في الوقت الحالي الشغف الكبير وما عليها إلا ان تسعى للحفاظ على هذا الشغف بكل جهدها
ارتدت سروالا ضيقا من الجينز الذي اظهر جمال ساقيها .. وكنزو حمراء جميلة التصميم عالية الرقبة .. وتبرجت برقة وهي تنظر إلى وجهها الذي امتلك وهجا مختلفا بسبب السعادة
في السيارة .. وبينما يقلها مأمون إلى مقر الشركة في قلب المدينة .. كانت نانسي تنظر إلى المدينة المبتلة عبر النافذة .. ماهي إلا اسابيع قليلة وينتهي الشتاء .. وياتي الربيع حاملا معه الخضرة والأزهار والبهجة والحب
عندما توقفت السيارة في كراج المينى الضخم للشركة خطر في بالها سؤال أقلقها .. جعلها تنظر إلى مأمون وتسأله :- أخبرني يا مأمون .. هل هناك موظفات في الشركة ؟
أجفل لسؤالها بعد صمتها الذي استمر طوال الطريق وقال وهو يطفئ المحرك :- بالتأكيد .. هناك الكثير من الموظفات .. منهن الآنسة هلا سكرتيرة الدكتور محمود .. إنها لطيفة جدا
سكرتيرة .. لطيفة جدا .. اشتعل بريق التحدي والشقاوة في عيني نانسي وهي تترجل من السيارة بعد أن فتح لها مأمون الباب .. نظرت إلى ملابسها البسيطة بحسرة متمنية لو أنها ارتدت شيئا أكثر أناقة .. سألت مأمون بقلق :- هل يبدو مظهري جيدا ؟
تأملها بنظراته المتفحصة وهو يقول :- تبدين رائعة يا سيدتي ..أي من الموظفات لا تقارن بك مهما كانت بساطة ملابسك
انتبهت فجأة إلى أنها قد تبسطت كثيرا مع مأمون الذي كان يشبه بطباعه البسيطة حنان .. كان مستعدا للتواطئ معها فور أن يلمح تشجيعا .. فقالت له متظاهرة بالحزم .. :- ما الذي تنتظره ؟ أوصلني إلى مكتب محمود
ابتسم وقد اعتاد على طباع سيدته المتناقضة وقال فاهما توترها :- بالتأكيد يا سيدتي .. تفضلي
قادها إلى داخل صالة الاستقبال حيث حياها رجل الأمن باحترام ووقفت موظفة الاستقبال لتحييها فور معرفتها بهويتها .. لا .. لا خوف من هذه الموظفة .. صعدت مع مأمون إلى الطابق الخامس حتى أشار إلى باب كبير قائلا :- هذا هو مكتب السيد محمود .. سأنقل حقيبتك إلى سيارته وأذهب .. هل تأمرينني بشيء
شكرته بتوتر وهي تسير نحو الباب المفتوح .. وتدخل إلى مكتب السكرتيرة الجميلة اتي انهمكت في العمل على شاشة الكمبيوتر بتركيز مماأتاح لنانسي الفرصة لتأملها جيدا .. كانت جميلة بالفعل .. بأناقة كلاسيكية متمثلة بطقم أبيض شديد الأناقة .. وشعر أسود مرفوع بإتقان فوق رأسها .. ندمت نانسي تماما على بساطة مظهرها .. ثم دخلت رافض أن يهز شيء سخيف كهذا ثقتها بنفسها .. فهي نانسي راشد .. زوجة محمود .. بملابس أنيقة أو لا
رفعت الفتاة رأسها نحو نانسي قائلة باستغراب :- هل من خدمة يا آنسة ؟
قالت نانسي بشموخ :- أنا هنا لرؤية محمود
ذكرها لاسمه بدون ألقاب جعل الفتاة تعبس وهي تتأمل الهيئة الشبابية لنانسي .. قالت ببرود :- ومن تكونين ؟
قالت نانسي ببرود مماثل :- لم لا تخبرينه بوجودي .. وتسألينه بنفسي عمن أكون
قالت الفتاة بغيظ من وقاحة نانسي :- لديه اجتماع مهم .. وهو لا يحب أن يقاطعه أحد أثناء عمله
خرج في تلك اللحظة العم طلال برفقة رجلين أنيقين .. ودعهما ثم نظر إلى نانسي بدهشة قائلا :- أهلا بك يا نانسي .. ما الذي تفعلينه هنا ؟
رفعت رأسها بتحدي وقد لاحظت بأن وجودها لم يسعده وقالت :- جئت لأرى محمود يا عمي .. أظنه متفرغ الآن لمقابلتي
أسرع يخفي كل مشاعره وهو يقول :- بالتأكيد .. تفضلي بالدخول إلى مكتبه
دخلت وهي تنظر إلى الفتاة السمراء مبتسمة بانتصار .. وسرعان ما كانت تقف داخل مكتب محمود الذي وقف وهو يقول مبتسما :- أحييك على سرعتك .. لم أتوقع وصولك باكرا
قالت بدلال :- أهذا تذمر يا دكتور محمود؟ أستطيع الذهاب والعودة لاحقا إن كنت مشغولا
وصل إليها جذبها نحوه قائلا :- تستحقين عقابا على لسانك السليط
قالت بوقاحة :- هل تعني عقابا شبيها بعقاب ليلة الأمس ؟
ضحك قائلا : - وعقابا آخر لوصفك ما حدث ليلة الأمر بالعقاب
قالت وهي تشير إلى الباب :- لقد قابلت العم طلال لتوي .. ولم يبدو سعيدا لرؤيتي هنا
اختفت ابتسامته وهو يقول بوجوم :- ولماذا يتذمر من وجودك ؟ لابد أنك تتوهمين
ندمت على ذكر عمه وهي التي تعرف مدى حساسية محمود اتجاه عائلته .. أحاطته بذراعيها قائلة :- ألن تخبرني إلى أين سنذهب ؟
ابتسم قائلا :- توقفي عن طرح سؤال تعرفين بأنني لن أجيبك عليه .. لقد قلت لك بأن مقصدنا مفاجأة لك
ابتسمت قائلة :- متى سنذهب إذن ؟ هل يحق لي بطرح هذا السؤال ؟
:- بالتأكيد .. سنذهب فور أن أنهي بعض الأمور .. سآخذك إلى مكان لا يسعك فيه التفكير بسواي
كأن غيره من الممكن أن يشغل عقلها .. لاحظ نظراتها التي سهمت بعيدا .. فلكز رأسها بطرف إصبعه قائلا :- هل فهمت ما أعنيه ؟
ابتسمت وهي ترفع نظرها إليه :- آسفة .. من الآن فصاعدا لن أفكر بسواك
ظهر الرضا في عينيه وهو يقول :- لنوقع على اتفاقنا هذا إذن ..
انحنى يطبع قبلة خفيفة على شفتيها .. ثم نظر إليها عابسا وكأن تلك القبلة الصغيرة لم تكن كافية .. فعاد ليقبلها بشغف أكبر أطاح بصوابها .. وإذ بصوت السكرتيرة المرتبك يقول :- أنا آسفة
ابتعد محمود عن نانسي بهدوء عندما قالت السكرتيرة بحرج :- لقد .. لقد طرقت الباب مرارا .. أنا آسفة
رمت نانسي نحوها نظرة انتصار بينما قال محمود بهدوء :- لا بأس يا هلا .. تعالي أعرفك على زوجتي نانسي .. نانسي .. هذه هلا .. سكرتيرتي منذ فترة طويلة ..
ظهرت الصدمة على الفتاة التي قالت :- لم أعرف هذا .. اعذريني يا سيدتي لأنني لم أعرفك خارجا
قالت نانسي بابتسامة القطة الشبعانة وهي تقول :- لا عليك .. يسهل نسيان الخطأ عندما نحرص على عدم تكراره
اعتذرت الفتاة مجددا وخرجت فضحك محمود وهو ينظر إلى نانسي قائلا :- لا يمكن أن تتغيري .. صحيح
قالت نانسي وهي تمط شفتيها بحدة :- من واجبي إيقاظ أي امرأة من أحلامها عندما يتعلق الأمر بك
داعب وجنتها وهو يقول بحنان :- أحب غيرتك علي
فكرت بصمت .. بشرط ألا تكون في محلها يا محمود
في الطريق التزمت نانسي بالصمت لعلمها بأن محمود لا يحب التحدث كثيرا أثناء القيادة .. دوى صوت موسيقاه المفضلة المنبعثة من جهاز التسجيل بينما ركز هو انتباهه الكامل على الطريق .. الطريق الذي استغرق منهما حتى الآن أكثر من 3 ساعات .. وقد لاحظت نانسي بأن محمود يسلك الطريق المؤدي ‘إلى الجبل .. ورغم فضولها الشديد أصرت على عدم سؤاله عن وجهتهما كي لا تفسد المفاجأة التي يخبأها لها
إلا أنها في النهاية عندا تجاوز المدينة الجبلية الصغيرة .. واتجه نحو منزل صغير محاط بسور حجري لم تستطع الانتظار .. فسألته بفضول :- ما هذا المكان ؟
ضحك بانطلاق وهو يقول :- ظننتك لن تسألي أبدا ؟ ستعرفين حالا
نزل من السيارة كي يفتح البوابة .. ثم عاد إليها كي يدخلها إلى الساحة الداخلية ويقف أمام باب المنزل الصغير .. ثم عاد لينزل كي يغلق البوابة خلفه بينما نزلت هي من السيارة لتصدم بالبرودة الشديدة بسبب ارتفاع المنطقة .. أسرع محمود يحيطها بذراعه كي يقيها الهواء الشديد ويسير بها نحو الباب ويفتحه بمفتاح خاص ثم يدخلها
الدفء في الداخل كان مذهلا .. وهو أول ما لفت نظرها بعد البرد القارس خارجا .. ثاني ما أثار انتباهها هو النار المشتعلة في المدفأة الحجرية وقد أثار فيها وهجها والطقطقة الصادرة عن احتراق الخشب احساسا لذيذا بالدفء .. عندها فقط جرت بعينيها في المكان لتفاجئ بالمساحة الصغيرة للغرفة الحميمية الديكور كانت مكونة من قسم جلوس بأثاث وثير مصنوع من الجلد البني الوثير .. وقد بسطت سجادة متعددة الألوان على الأرض أمام المدفأة .. ووزعت مصابيح ذات إنارة رومانسية في المكان جعلته يبدو كالحلم
إلى جهة اليمين وعلى ارتفاع درجتين كانت هناك طاولة صغيرة تتسع لأربع أشخاص غطتها ملاءة بيضاء وعلاها شمعدان فضي بشموع طويلة لم تشعل بعد .. وقد جهزت الطاولة بأدوات مائدة لشخصين بالإضافة إلى وردة حمراء طازجة توسطت المائدة بإناء طويل
نظرت إلى محمود مذهولة وهي تقول :- محمود .. ماهذا المكان
ابتسم راضيا عن تأثرها وقال :- هل أعجبك ؟
عادت تنظر حولها مبهورة :- إنه جميل جدا .. يذكرني ببيت اللعبة الذي كنت أمتلكه في صغري .. هل هو لك ؟
أحاطها بذراعه قائلا :- لقد اشتريته منذ سنتين .. وأنا أهرب إليه كلما أحسست برغبة بالانفراد .. من الآن فصاعدا هذا سيكون ملاذنا الخاص
قالت بابتهاج :- إنه رائع ..لا أطيق صبرا لرؤية ما تبقى منه
سحبها من جديد عندما تحركت وقال :- يفضل ألا تفعلي لأنني لا أضمن خروجك من غرفة النوم إن دخلت إليها
صدمتها صراحته .. والرغبة المستعرة في عينيه فصدقته .. وقالت بخجل :- ما الذي تقترح ان نفعله إذن ؟
ابتسم لخجلها النادر .. وقال :- لابد أنك جائعة .. أنا متأكد من وجود شيء في المايكرويف ينتظر أن يعاد تسخينه .. ما رأيك أن نلقي نظرة سويا
المطبخ كان صغيرا وحميما للغاية .. إلا أنه مجهز بكل وسائل الرفاهية .. كان محقا فيما يتعلق بالوجبة المعدة للتسخين فقالت بدهشة :- إنها وجبتي المفضلة
وضع الطبق في جهاز التسخين بينما قالت بحيرة :- كيف استطعت فعل كل هذا ؟ تجهيز الطعام .. تنظيف البيت .. المدفأة المشتعلة ..
قال وه وينظر إليها من خلف كتفه :- ليس الأمر صعبا .. أطلب دائما من الجيران العناية بالمكان في غيابي .. وطلبت منهما تجهيزه مساء الأمس .. أردت الأمر أن يكون مفاجأة جميلة لك .. وسعيد لأن المكان قد أعجبك
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك