بارت من

رواية عندما تنحني الجبال -7

رواية عندما تنحني الجبال - غرام

رواية عندما تنحني الجبال -7

تردد للحظات قبل أن ينزلها أرضا ويتركها لحنان مغادرا المكان تماما .. بعد الحمام ساعدتها حنان على ارتداء ملابسها وهي تقول :- لو لم أتدخل .. لأصر الدكتور محمود على مساعدتك بنفسه في الحمام .. ترين هنا بأنك تدينين إلي بالكثير يا عزيزتي
كانت نانسي أكثر إرهاقا من أن ترد على مداعبة حنان التي أكملت :- لقد كان الدكتور محمود قلقا عليك .. لم يترك أحدا إلا وسأله إن علم بوجهتك .. لقد بدا كالوحش الكاسر وهو يتخيل مكروها أصابك
ساعدتها بحذر على التمدد على السرير .. فدخل محمود في هذه اللحظة وهو يقول :- يمكنك الانصراف الآن يا حنان
أمسكت نانسي بيدها متوسلة لها بعينيها أن تبقى .. ولكن حنان ربتت عليها مطمئنة .. ثم خرجت .. اقترب منها محمود قائلا بوجوم :- كيف تشعرين الآن ؟
تمتمت بإرهاق :- بخير .. ما دمت بعيدا عني
لم يعلق على كلامها .. ولكنه قال باقتضاب :- لقد أحضرت مطهرا لجروحك
جلس إلى جانبها على طرف السرير وأزاح الغطاء عنها متجاهلا احتجاجها الضعيف .. رفع قميص نومها ليكشف عن فخذها الأيمن حيث وقع بصره على الجرح الكبير السطحي إنما مخيف الشكل .. وقال بانزعاج :- أنت محظوظة لعدم إصابتك بكسور خطيرة
حاولت أن تنزل القميص فمنعها .. ثم راقبته وهو يبلل قطعة قطن بالسائل .. ثم يمررها على الجرح فأغمضت عينيها متألمة وهي تقول :- أنت عنيد .. أليس كذلك ؟ تحصل على ما تريد بسهولة
قال بهدوء :- كما ترين
كانت قد بدأت تتحدث دون وعي وقد استولى عليها الإرهاق :- أكره عنادك .. أكره عجرفتك .. اكره إهاناتك المستمرة لي
قال بصبر :- أنا لا أحب أن أهينك يا نانسي .. أنت من يضطرني بتصرفاتك الرعناء
أدارها لتتمدد على جانبها .. وكشف عن الجروح التي سبق ورآها في كتفيها وذراعيها .. وأخذ يطهر الجروح بينما كانت تقول بمرارة :- أنت شرير .. أنت لا تختلف عنهم .. أنت مثلهم بالضبط
سالت دموعها بينما سألها بتوتر :- من تقصدين ؟
لم تسمعه .. بل أكملت :- هم أرادو أذيتي .. أرادو إهانتي وإذلالي .. وأنت أيضا
تحت ملمس يديه الرقيقتين بدأت تشعر بالراحة والاسترخاء .. فأغمضت عينيها باستسلام لسلطان النوم ... إلا أنه أدارها إليه وهو يقول متوترا :- من هم يا نانسي ؟
قالت بنعاس :- لماذا تجلس معي هنا ؟ اذهب إلى صديقاتك .. هن يناسبنك أكثر مني .. على الأقل أنت تكن لهن بعض الاحترام والتقدير ..ولا تكرههن كما تكرهني
تنهد قائلا :- أنا لا أكرهك يا نانسي
:- اذهب إلى ريم .. بل إلى نسرين .. أليست خطيبتك ؟
ردد عاقدا حاجبيه :- نسرين
فتحت عينيها .. ونظرت ناعسة إلى وجهه الغامض .. ثم رفعت يدها تتحسس ذقنه الخشنة وهي تهمس :- أنت وسيم جدا
لمست أناملها شفتيه .. ثم انزلقت إلى عنقه قبل أن تسقط إلى جوارها وقد غرقت تماما في النوم .. زفر بقوة وهو يصارع المشاعر المتضاربة داخله .. دثرها جيدا بالبطانية الناعمة .. ثم أزاح خصلة من الشعر عن جبينها وهو يتمتم :- أنت أيضا جميلة يا نانسي

الفصل السادس عشر

القط والفأر

أصر محمود على أن تلازم نانسي السرير حتى تشفى تماما من جراحها .. مانعت في البداية .. ولكنها أذعنت عندما فكرت ببشاعة ذهابها إلى الجامعة بوجه مكدوم .. واستسلمت تماما إلى رعاية حنان التي أصدر لها محمود أوامر صارمة بالعناية بها .. في اليوم التالي للحادث .. فاجئها محمود بهاتف جديد أعطاها إياه قائلا :- يجب ألا يفرقك هذا الهاتف حتى أجدك أينما كنت
كانت تقدر أسباب قلقه الشديد .. فقد عرفت من حنان كيف جن جنونه عندما غابت لساعات طويلة خارج البيت دون ان يعرف طريقا لها .. ولكن ما إن خفت كدماتها حتى أصرت على العودة للمواظبة على الدوام في الكلية رغم اعتراضات محمود الشديدة ..
منذ شجارهما وهي بالكاد تتبادل معه الحديث .. عندما يطرح عليها سؤالا تجيبه بقرف بأقل كلمات ممكنة .. وفي الليل تسبقه إلى السرير متظاهرة بالنوم .. وعندما كان يلحق بها كان ينام بدوره فور وضع رأسه على الوسادة دون أن يلقي عليها نظرة
هي لم تسامحه على الإطلاق على صفعه لها .. حتى لو كان معذورا بعد صفعها له أولا .. إلا أن أي شيء لا يمنحه العذر لتوجيه تلك الكلمات القاسية التي قالها ذلك اليوم
لقد أظهر لها بوضوح مقدار ازدراءه لها .. وتفضيله لريم عنها .. بحق الله إنه حتى لم يسألها عن سبب شجارها مع ريم .. بعرفها .. لقد استحق تلك الصفعة .. وكانت لتكررها مجددا لو عاد بها الزمن
لن تسمح لأحد .. أي أحد بالحديث عن والدها بسوء .. بالذات محمود الذي يظن بأنه قد اشتراها ..
كانت قد نوت من قبل على الانتقام منه ومعاقبته على معاملته السيئة لها .. ولتفعل هذا .. كان عليها أن تكتشف نقطة ضعف لديه تساعدها في مهمتها .. وقد اكتشفت بأن نقطة ضعفه تلك كانت جسدها
لقد سبق ودخل عليها فجاة اثناء ارتدائها ملابسها .. لاحظت إجفاله .. وفقدانه لتماسكه وهو ينظر عبر أزرار قميصها المحلولة .. ومتابعته لها بعينيه وهي تترك الغرفة إلى الحمام دون ان تنطق بحرف
لقد وجدت سلاحها .. ستفقد عقله و وقاره الذين لطالما ميزاه .. ستنتقم منه أشد انتقام .. في الأيام التي تلت كانت تتعمد ارتداء الملابس المثيرة .. أسلوبها كان يعتمد على الملابس ذات الحشمة الخادعة .. التي تظهر بما تستره كل ما تخفيه .. كان ينظر إليها واجما كلما تبخترت امامه .. فتلاحظ هي انقباض أصابعه وكأنه يمنع نفسه بصعوبة على ضربها علة استفزازها له .. بينما كانت هي تتجاهله راسمة على وجهها علامات البراءة التامة .. وكأنها لا تفهم سبب غضب زوجها العزيز
رغم سعادتها بإزعاجها له .. فقد كانت تعرف بأنها ستدفع الثمن على ما تفعله قريبا .. محمود ليس من النوع الذي قد يسكت على مشاكسة زوجته له .. لقد حولت الأمر بينهما إلى حرب بتجاهلها له واستفزازها العلني له
كانت تفكر بهذا كله وهي تقف أمام خزانة ملابسها في محاولة لاختيار ما ترتديه .. فاختارت كنزة صوفية ناعمة .. وتنورة قصيرة حمراء اللون .. ارتدت تحتها جوارب سوداء سميكة أظهرت طول وجمال ساقيها .. أكملت مظهرها بحذاء عالي الرقبة وتسريحة شعر طفولية .. ثم تناولت حقيبة ظهر صغيرة وخرجت
عندما رآها ماهر في الجامعة أطلق صفيرا طويلا وهو يقول حائرا :- تبدين رائعة
قالت بحدة :- أنا دائما رائعة
:- بالتأكيد .. ولكنك ما عدت ترتدين ملابسك بهذه الطريقة منذ فترة طويلة .. ألا يغضب مظهرك الدكتور محمود ؟
قالت بانزعاج :- لا علاقة بمحمود بما أرتديه .. أنا ألبس بهذه الطريقة من قبل زواجه بي .. ولن أغير طريقتي لأجل أي أحد كان
هز كتفيه قائلا :- كما تشائين .. هل تشربين كوبا من الشاي قبل بدء المحاضرة ؟
ابتسمت قائلة :- بالتأكيد .. أرغب بأكل شيء أيضا فأنا لم أتناول إفطارا اليوم
في الكافيتريا .. جلسا في مكانهما المعتاد .. وطلبا بعض الشطائر .. وأخذا يتناولانها وهما يتبادلان الحديث والضحك . توقفت عن الأكل عندما دخل محمود برفقة أستاذين آخرين .. عندما رآها .. عقد حلجبيه وقد أطل من عينيه غضب شديد .. ثم تابع طريقه ليجلس مع زميليه حول طاولة مخصصة للأساتذة .. قال ماهر بقلق :- نانسي .. أنا أشعر بأن الدكتور محمود لا يحب تواجدنا معا .. أرى هذا في نظراته كلما رآنا معا
قالت بحزم :- لا تهتم .. علاقتنا ليست من شأنه
إلا أن ماهر قال بحدة :- لا أريد أن أكون سببا للمشاكل بينكما يا نانسي
قالت بانزعاج :- هلا توقفت عن الولولة كالنساء .. أخبرتك بألا تهتم .. أي مشاكل قد تحدث بيني وبين محمود لن تكون بسببك
راقبت محمود وهو يغادر معتذرا ليلحق بمحاضرته .. المحاضرة التي سيكون عليها حضورها مع ماهر بعد دقائق
ألقى المحاضرة بهدوء وجفاف على غير عادته .. استطاعت هي أن تلاحظ الغضب المبطن داخل صوته .. وعندما أنهى المحاضرة .. اجتمع الطلاب حوله كالعادة .. وعندما أرادت الخروج من القاعة برفقة ماهر .. فاجأها صوته يقول بصرامة :- نانسي .. أرجو أن تنتظريني في مكتبي
استدارت نحوه بحدة لتجده قد عاد يجيب عن أسئلة الطلاب الكثيفة .. فقال ماهر مترددا :- إذن .. لن نراك قبل الغد
قالت بحدة :- بل ما زلنا على موعدنا
صعدت إلى مكتب محمود .. وألقت نفسها على الأريكة الجلدية الصغيرة وهي تزفر بقوة .. ما الذي يريده منها ؟ .. كانت تعرف بأن شجارا جديدا في انتظارها .. لقد نجحت بكسر برود محمود اتجاهها والذي استمر لأيام منذ شجارهما الأخير ..
والآن .. هي خائفة من نتيجة تصرفاتها .. من الواضح أن صبر محمود قد بلغ نهايته
اعتدلت عندما دخل إلى المكتب .. ألقى أوراقه على المكتب .. واستدار نحوها قائلا بصرامة :- قفي
وقفت بحيرة .. فنظر إليها من رأسها وحتى أخمص قدميها ببرود شديد وهو يقول :- ما هذا الذي ترتدينه ؟
قالت ببساطة :- هذه ملابس
لمعت عيناه بغضب وهو يقول :- أعرف بأنها ملابس .. منذ متى ترتدين ملابس تظهر جسدك كاملا يا نانسي ؟ انظري إلى نفسك جيدا .. أهذا مظهر طالبة جامعة محترمة ؟ تبدين وكأنك لا ترتدين شيئا
قالت بعناد :- إن ملابسي محتشمة يا دكتور محمود ولا تظهر سنتيمترا من جسدي .. كما أنني كنت دائما أرتدي ملابسي بهذه الطريقة
قال بعنف :- كان هذا قبل أن أتزوج بك .. أنا أرفض أن يراك الناس بهذا المظهر السخيف .. هيا بنا .. سنعود إلى البيت
قالت رافعة رأسها بتحدي :- أنا لن أعود معك
ساد صمت ثقيل تخلله التوتر بكثافة شديدة قبل أن يقول محمود ببرود :- ماذا قلت ؟
قالت بعصبية :- لقد قلت بأنني لن أعود معك إلى البيت .. لدي موعد مع أصدقائي .. سنحضر المسرحية التي تقيمها فرقة الكلية مساء هذا اليوم في قاعة المؤتمرات
قال ببرود :- وأصدقاءك هؤلاء هم ماهر بالطبع
هزت كتفيها بلا مبالاة وهو تقول :- طبعا ماهر من ضمنهم
أمسك ذراعها بقوة وهو يقول بلهجة مخيفة :- هل تتحدينني يا نانسي ؟ تجوبين الكلية مع حبيبك القديم .. وترتدين ملابس مبتذلة ناسية أن زوجك أستاذ في هذه الكلية .. هل تحاولين السخرية مني ؟ أنت لن تذهبي إلى المسرحية .. بل ستعودين معي إلى البيت .. ومن الآن فصاعدا .. لا أريد أن أراك مع ذلك الفتى ماهر .. أتفهمينني ؟
صاحت بحدة :- بالطبع لا أفهم
نظرت إلى عينيه وهو تقول :- ما لا تعرفه يا دكتور محمود هو أنك لا تمتلكني .. ولن تجعل مني أبدا أحد مقتنياتك .. أنا حرة في تصرفاتي .. أصاحب من أريد .. وأعود إلى البيت متى أريد .. لم يكن ضمن اتفاقية زواجنا أن أغير من نمط حياتي لأجلك
كانت تعرف بأنها تلعب بالنار .. قال ببرود مخيف :- إن لم تفعلي ما آمرك به يا نانسي فستندمين
قالت بتحدي :- أنا لست خائفة منك
سحبت ذراعها من بين أصابعه .. ودلكت مكانها وهي تقول بجفاف :- لقد أخبرت مأمون أين ومتى يجدني
غادرت المكان مسرعة قبل أن تسمح له بإضافة أي كلمة قد تثنيها عن قرارها .. قابلت ماهر عند باب الكلية برفقة بعض زملاءهما .. وانطلقوا معا
في تمام الساعة الثامنة مساءا .. خرجت نانسي مع زملاءها وهم يضحكون تحت تأثير المشهد الختامي من المسرحية .. همست إحدى زميلاتها في أذنها قائلة :- تريدين الصدق .. لم أتوقع أن يسمح لك الدكتور محمود بالحضور .. فالأساتذة يكرهون هذا النوع من ال مسرحيات لاعتقادهم بأنه نوع من الفن السطحي والمبتذل ..
قالت نانسي بهدوء ك- محمود يقدر اختلاف الأذواق بين أفراد جيله وأفراد جيلنا
تمتمت صديقتها بحسد :- تبدين سعيدة بزواجك يا نانسي .. لابد أن تكون سعيدة من تتزوج برجل كالدكتور محمود
منحتها نانسي ابتسامة باردة وهي تفكر بأن المظاهر خادعة .. إن علمت أي من زميلاتها بما تعانيه في حياتها مع محمود فإنها لن تصدق .. بدأت الأمطار تهطل فجأة بغزارة مما جعل الفتيات تصرخن بذعر .. والفتيان يضحكون بسرور .. ضحكت نانسي التي أغرقها المطر قائلة :- من حسن حظي بأن السائق قد وصل .. أراكم غدا يا رفاق
أطلت نظرات الحسد والغيرة من أعين زميلاتها .. بينما لوح لها ماهر مودعا .. ركبت السيارة مسرعة ممتنة للدفء الشديد داخلها .. إلا أنها عندما وصلت إلى البيت كانت ترتجف من البرد .. فكان أول ما خطر ببالها هو أخذ حمام ساخن تدفئ به عظامها ..
وبالفعل .. أمضت وقتا طويلا داخل الحمام تقف تحت سيول المياه الساخنة بامتنان .. حتى أحست باسترخاء كل خلية في جسدها .. أجبرت نفسها على الخروج أخيرا .. وأحاطت جسدها بمنشفة كبيرة وخرجت بعد أن جففت شعرها بقوة .. بالرغم من دفء الغرفة .. فقد بدت لها باردة بعد حرارة الحمام .. جلست أمام منضدة الزينة تمشط شعرها الرطب .. وتنظر إلى وجهها المتورد بفعل أبخرة الحمام .. استغرقت ثواني كي تتبين بأنها ليست وحيدة في الغرفة .. وأن شبحا يقف مستندا إلى الجدار إلى جانب باب الحمام بحيث لم تلمحه عند خروجها .. أطلقت شهقة ذعر وهي تستدير نحو محمود الذي عقد ساعديه أمام صدره الذي ظهر عبر قميصه المفتوح .. وأطلت من عينيه نظرة أخافتها .. تشبثت بالمنشفة وهي تقول باضطراب :- محمود .. لم أدرك أنك هنا .. متى عدت ؟
قال بهدوء :- منذ دقائق .. لا تبدين مسرورة برؤيتي .. هل كنت تفضلين رفقة ماهر عوضا عني ؟
نهضت واقفة وهي تقول متوترة ك- لم أتوقع عودتك الآن .. هذا كل شيء
كانت نظراته تمسح جسدها ببطء ما جعل خوفها واضطرابها يزدادان .. سارت بخطوات سريعة نحو الحمام.. فوقف في طريقها قائلا :- إلى أين تذهبين ؟
قالت بتوتر :- سأرتدي ملابسي في الحمام
:- أفضلك هكذا
احمر وجهها بشدة وهي تقول متظاهرة بالنزق :- محمود .. ابتعد عن طريقي
لوى فمه وهو يقول متهكما :- أظنك ستقولين لي الآن بأنك لست إحدى مقتنياتي .. وأن أتركك وشأنك
صاحت بعصبية مخفية خوفها الشديد :- بالتأكيد
حاولت تجاوزه .. ولكنه أمسك بذراعها بشدة .. وجذبها نحوه مما جعلها تطلق شهقة عنيفة عندما وجدت نفسها ملتصقة بصدره القوي .. كان وجهه قريبا للغاية من وجهها عندما قال بصوت جمد الدماء في عروقها :- دعيني أصحح لك معلوماتك يا عزيزتي .. أنت ملكي .. منذ وقعت على وثيقة زواجنا التي تثبت بأنك زوجتي .. ونعم .. إن شئت فأنت إحدى مقتنياتي
صاحت بغضب :- لن أكون كذلك ولا في أحلامك
قال بصوت أجش :- أنت زوجتي يا نانسي .. وقد تركتك خلال الأيام السابقة لأنني رجل يعرف كيف يتسلى .. كيف يجعل طعامه أكثر شهية كلما تأخر في أكله .. كنت ألعب معك لعبة القط والفأر مستمتع بكل مرة تظنين فيها بأنك قد نجوت من قبضتي .. أما الآن .. فقد مل القط .. وحان الوقت ليستمتع بفريسته
قاومته بشراسة وهي تصيح :- إياك أن تقترب مني يا محمود فاضل .. وإلا فإنني سأصرخ عاليا وأتسبب لك بفضيحة
شهقت بقوة عندما دار حول نفسه فجأة ساحبا إياها معه ليلصقها بالجدار ويحاصرها بجسده مثبتا إحدى يديها إلى الجدار .. بينما تشبثت يدها الثانية بمنشفتها خوفا من سقوطها .. قرب وجهه منها حتى أحست بأنفاسه تلفحها وهو يقول:- اصرخي يا نانسي .. لن يجرؤ أي فرد في هذا البيت على دخول هذه الغرفة ما دمنا فيها معا
شعره بأنفاسه الحارة تحوم حول وجهها .. وبيده الكبيرة الدافئة تتحسس عنقها الرقيق بلطف .. انحنى يطبع قبلة ناعمة على بشرتها .. فارتعدت وهي تغمض عينيها مقاومة المشاعر الغريبة التي أخذت تعتريها .. عاد يقبل عنقها .. إلا أن قبلاته كانت تزداد حرارة .. وهي تصعد ببطء نحو وجنتها .. همست لاهثة :- توقف .. أرجوك
كان جسدها يرتعش في كل مرة تلمس فيها شفتاه بشرتها .. أخذ قلبها يخفق بجنون عندما أمسك ذقنها ورفعها لتنظر إليه ترقرقت الدموع في عينيها وهي تهمس :- أرجوك
ولكن عينيه كانتا تنظران إلى شفتيها المنفرجتين رتوق شديد .. ارتعشت شفتاه باضطراب .. إنه يريدها .. بل هو يرغب بها إلى حد الجنون .. وما كان ليتركها لتفلت من بين يديه هذه المرة
بدون إنذار .. قطع المسافة الصغيرة الفاصلة بينهما .. وتناول شفتيها بقبلة عنيفة جعلت جسدها ينتفض بقوة .. ترك يدها ليتمكن من احتضانها جيدا بين ذراعيه فتشبثت به بقوة مصدومة من ذلك الكم الهائل من المشاعر الذي اجتاح جسدها .. مشاعر غريبة وجديدة من التوق والحاجة واللهفة .. لم تعرفها من قبل .. لقد أشعل محمود نارا داخلها .. وشوقا إلى هذا الرجل الذي ضمها إليه بقوة كادت تسحقها وهو يمطرها بقبلاته المحمومة .. توقفت للحظات عن مقاومته ووجدت نفسها تبادله تلك القبلات .. وتتقبل يديه اللتين أخذتا تلمسان جسدها من فوق المنشفة الرطبة في اكتشاف مثير لمعالمه الأنثوية .. همس في أذنها لاهثا :- أنت لي يا نانسي .. لي وحدي
ارتعدت وقد أصابها خوف كبير .. دوت همساته في أذنها .. بينما تذكرت فجأة ريم .. وهديل .. ونسرين .. وغيرهن من النساء اللاتي ينتظرن أن يمل منها محمود بعد أن يأخذ منها ما يريد .. وبعدها .. سيبعدها عنه .. ويبحث عن أخرى تمنحه المزيد من الإثارة
لا .. هي لا تريده أن يبعدها .. بل لا تريده أن يكون لغيرها ..
أبعدته عنها وهي تصيح بين دموعها :- توقف .. توقف
تراجعت حتى التصقت بالجدار .. وأخذ جسدها يرتعش بقوة وهي تنظر إلى مظهره المشوش والمتوتر .. لقد كان يبدو مثيرا بشعره الذي تشعث بفوضوية .. وقميصه المفتوح الأزرار .. وذلك الوميض الجائع إليها في عينيه .. صاحت بحرقة :- إياك أن تلمسني .. أنا أكرهك .. أكرهك
زمجر صائحا :- أنت لا تكرهينني يا نانسي .. بل ترغبينني كما أرغبك
انكمشت عندما سحبها نحوه مجددا بوحشية وهو يقول بخشونة :- كبرياءك هذا لم يقف حائلا أمامي يا نانسي .. أنا أريدك .. وأريدك الآن
صرخت بذعر عندما حملها بين ذراعيه واتجه بها نحو السرير ليرميها فوقه بقسوة .. قبل أن حتى أن تفكر بالهرب .. كان قد كبل حركتها بجسده الضخم .. وأسكت صراخها بقبلة وحشية .. فأدركت مذعورة بأن أي صراخ منها لن يأت بنتيجة .. لقد قرر القط بأن الوقت قد حان ليستمتع بفريسته
وما على الفريسة إلا أن تبكي بصمت مستسلمة لمصيرها


الفصل السابع عشر

حب أم كراهية
دخلت نانسي إلى الحمام بسرعة وهي تقفل الباب خلفها بإحكام بيدين مرتعشتين .. واستندت إليه وهي ترتجف بقوة .. سمعت طرقات قوية عليه وصوت محمود يصيح :- نانسي .. افتحي الباب
صرخت بذعر :- لا .. لا .. اذهب من هنا .. اتركني .. أنا لا أريد أن أراك
تفجرت دموعها بغزارة .. بينما عاد صوته يقول بنبرة أهدأ إنما أكثر توترا :- نانسي .. أرجوك افتحي الباب
صاحت وهي تبكي :- ارحل .. ارحل .. أنا أكرهك .. أكرهك
جثت على الأرض وهي تبكي بحرقة .. دون أن يتوقف جسدها عن الارتعاش .. توقف فجأة عن الاصرار عليها .. ولم تعد تسمع صوته .. لم تدر كم بقيت على هذه الحالة .. ولكنها في النهاية وجدت نفسها تغفو جالسة على أرض الحمام .. ولم تشعر إلا بصوت حنان يوقظها وهي تطرق الباب قائلة بقلق :- نانسي .. هل أنت بخير ؟
هتفت بلهفة :- حنان
نهضت .. ووضعت عليها روب حمام مان معلقا وراء الباب .. فتحته فذعرت حنان من مظهرها المشوش .. وعينيها المنتفختين من البكاء :- يا إلهي نانسي .. ما الذي حدث ؟
ألقت نانسي بنفسها بين ذراعي حنان وهي تبكي بحرقة .. حنان هي الوحيدة التي تستطيع نانسي أن تبوح لها بآلامها ومشاكلها
بعد قليل كانت نانسي قد اخذت حماما وتركت حنان تمشط شعرها بينما هما جالستان على السرير .. لم تستطع نانسي منع دموعها من الانسياب وهي تكرر :- انا أكرهه .. أكرهه .. وسأكرهه إلى الأبد
منعت حنان نفسها من الابتسام بصعوبة وهي تقول :- اهدئي يا عزيزتي .. لو ان كل امرأة كرهت زوجها لهذا السبب لما بقي حب بين زوجين على وجه الأرض
صاحت نانسي وهي ترتعش :- ولكنه مختلف .. إنه قاسي ومتوحش .. أنا واثقة بان أبي لم يكن يعامل امي بهذه الطريقة
تنهدت حنان قائلة :- ما حدث كان متوقعا يا نانسي .. لقد تمنعت كثيرا .. ويصعب على الرجل أن يعيش كل هذه الفترة تحت سقف واحد مع زوجته دون أن يلمسها .. لقد كان نبلا منه أن ترك لك بعض الوقت كي تتخطي ازماتك .. ولكن الأمر قد زاد عن حده .. إن لكل رجل احتياجاته .. وإن لم يجدها عند زوجته فسيبحث عنها خارجا
هتفت نانسي بخشونة :- هل أنت في صفه أم في صفي ؟
ابتسمت حنان قائلة :- طبعا في صفك .. ولكن كل امرأة ينتابها هذا الشعور في البداية .. خاصة وهي لم تتعود بعد على زوجها .. تشعر بالصدمة والكراهية نحوه .. ثم يتحول إحساسها إلى المودة والألفة فلا تستطيع العيش من دونه
قالت نانسي ساخرة :- إن كان الأمر كذلك فلماذا طلبت الطلاق من زوجك ؟
صمتت حنان للحظات وكأن السؤال قد آلمها .. ثم قالت بهدوء :- هل تظنين بأنني قد طلبت الطلاق من نبيل لأنني كنت أكرهه ؟ العكس هو الصحيح يا نانسي .. لقد تركته لأنني أحببته بجنون
بدت الدهشة على وجه نانسي فأكملت حنان :- لقد كان حبي الاول والأكبر .. هو أيضا أحبني منذ الطفولة .. سنوات زواجنا الاولى كانت كالجنة ..كادت حياتنا تكون كاملة لولا ان نبيل كانت له عادة سيئة .. وهي إقامة العلاقات الغرامية العابرة .. لقد كان يفعل هذا قبل زواجنا .. واستمر بعده .. يعلم الله أنني حاولت تغييره .. وأنه حاول بدوره ان يتغير .. ولكن رفقاء السوء وقفوا حائلا دون هذا ..وهو لم يستطع التخلي عن أصدقائه فكان الثمن ان تركته
سالت دمعة ساخنة من عين حنان فهتفت نانسي بتعاطف :- أنا آسفة يا حنان .. لو كنت أعرف لما سألتك
لم تتخيل أبدا أن يحمل القلب الطيب لحنان كل هذا الألم .. حنان التي أفنت عمرها في خدمة عائلة نانسي دون أن تجلب معها مشاكلها الشخصية .. قالت نانسي :- إن كنت تحبينه إلى هذا الحد فلماذا تركته ؟
مسحت حنان الدمعة الفارة وهي تقول :- لأنني أحبه تركته .. ما كنت أستطيع العيش معه وانا اعرف بأن الكثيرات تشاركنني به .. لو أنني لم احبه كل هذا الحب .. لربما تمكنت من البقاء معه .. ولكن لا تقلقي .. مضت سنوات طويلة على هذه القصة .. ولم تعد تؤثر بي كالسابق
ربتت على كتف نانسي قائلة :- أرجوك يا نانسي أن تمنحي الدكتور محمود فرصة .. أنا واثقة تماما بانه يحبك .. أتمنى أن تتمكنا من العيش بسعادة دون مشاكل
ومض بريق عنيف في عيني نانسي وهي تتذكر الليلة السابقة .. ثم صاحت بحدة :- لا .. لن أسمح له بلمسي مجددا حتى لو كانت حياتي على المحك
تنهدت حنان قائلة :- لا فائدة .. لن تتعلمي أبدا .. هل أحضر لك الافطار إلى هنا .. أم تتناولينه في الأسفل مع العائلة ؟
تمتمت :- سأتناوله هنا .. لست جاهزة بعد لمواجهة أي احد
خرجت حنان فتمددت نانسي على السرير تبكي بمرارة .. كانت تعرف بان اليوم الذي سينفذ فيه صبر محمود قادم لا محالة .. ولكنها لم تتخيل أبدا ان يكون الأمر بهذه الطريقة .. لقد كان قاسيا معها .. عنيفا .. ربما لانها لم تتوقف عن مقاومته لحظة واحدة .. كانت كالقطة الشرسة وهي تدفعه عنها .. هل كان عليها ان تكون أكثر خضوعا ؟ أكثر تعاونا ؟ ولكنها ما كانت لتمنحه نفسها بهذه البساطة .. إن كبريائها يمنعها من ان تقدم له نفسها وكأنها حقا كما قال .. أحد ممتلكاته .. ولكن ماذا كانت النتيجة ؟ ما شعرت به الليلة السابقة كان الإذلال والإهانة .. وعندما تركها اخيرا هربت إلى الحمام كارهة أن ترى وجهه بعد الآن .. تمنت أن تفتح باب الحمام لتجده قد اختفى .. وهذا بالضبط ما حصل .. فكما عرفت من حنان .. غادر محمود في وقت مبكر للغاية .. هي لا تعرف وقت عودته ولكنها ترفض ان تراه .. تتمنى ان تموت قبل ان يلمسها مجددا .. طرق الباب ودخلت لينا التي قالت وهي تنظر إلى وجهها الباكي :- ما الامر يا نانسي ؟ لماذا تبكين ؟ .. هل تشاجرت مع محمود ؟
كذبت قائلة :- لا تقلقي يا عزيزتي .. لقد تذكرت امي فحسب
عانقتها لينا بقوة وهي تقول :- أتعلمين ؟ لقد أرسلت صباح اليوم رسالة جديدة لخالي في فرنسا
تمتمت نانسي :- أما زلت تأملين بان نجده .؟
قالت لينا :- انا متأكدة بانه مسافر إلى مكان ما .. يجب أن يعرف بما حصل .. فهو منذ الآن عائلتنا الوحيدة
تمتمت نانسي ك- انت محقة .. كيف تسير امورك هذه الأيام ؟
مطت لينا شفتيها قائلة :- أشعر بملل كبير .. امارس الرسم .. استمع إلى الموسيقى .. كل يوم أقوم بنفس النشاطات ولا اعرف كيف أضيع وقتي
قالت نانسي بهدوء :- ألا تفكرين بالعودة إلى المدرسة ؟
صاحت لينا بحدة :- لا
عبست نانسي وفتحت فمها لتناقشها .. إلا ان لينا نهضت وهي تقول بعناد :- لا أريد مناقشة الموضوع الآن ..
تركت الغرفة قبل ان تنطق نانس يحرف واحد .. شعرت بالغضب الشديد وكأن مشاكل لينا هي ما ينقصها الآن .. يجب ان تتحدثا في الموضوع ذات يوم .. لا يمكن أن تستمر لينا على هذه الحالة
لم يأت محمود ذلك المساء .. تجرأت ونزلت لتناول العشاء خشية أن يشك أحد أفراد المنزل بشيء . تناولت العشاء صامتة فحدثها السيد طلال قائلا :- أرجو ألا يزعجك غياب محمود هذه الليلة .. لديه عمل كثير يتطلب منه البقاء في المدينة
توقفت عن الاكل .. إذن .. محمود لن يأت الليلة .. وعمه يظن بانها تعرف هذا .. قالت بهدوء ك- لقد أخبرني بالأمر .. وانا أعذره
أشعرها غياب محمود بالراحة .. بالرغم من هذا كانت تشعر بتحفز تام اثناء تمددها فوق سريرها في محاولة منها للنوم ...ماذا إن عاد ؟ ماذا لو أراد الحصول عليها مجددا ؟ تقلبن فوق السرير بتوتر .. كانت مع كل حركة تصدر تنتفض وتنهض ظنا منها انه محمود .. ولكنه لم يأت .. لا هذه الليلة .. ولا الليلتين التاليتين .. وبدأت هي تشعر بالقلق .. خاصة عندما امسكتها ريم فجأة في صباح أحد الأيام وهي تقول ساخرة :- ما الأمر ؟ هل بدأ محمود يمل منك ويشرد بعيدا ؟ لم اتوقع أن يحدث هذا بهذه السرعة .. ألا تتساءلين عما يفعله وحده في المدينة .. في تلك الشقة الواسعة والخالية ؟
ردت نانسي بهدوء :- طبعا لا أتساءل .. فهو يكلمني يوميا عدة مرات .. ونقضي الليل بطوله ونحن نتحدث عبر الهاتف .. فهو لا يستطيع ان ينام دون ان يسمع صوتي
رفعت ريم رأسها قائلة :- هل تظنين بانك تخدعينني ؟ لقد سمعتكما تتشاجران قبل يومين ..
ضحكت نانسي بدلال وه يتقول :- هل ظننت باننا كنا نتشاجر ؟ كنت لأخبرك بما كنا حقا نفعله لولا خوفي على حيائك .. فانت فتاة غير متزوجة .. وأخشى عليك من الصدمة .. إنما أخبريني .. هل تمضين جل وقتك خلف باب غرفتنا تحاولين معرفة ما يدور بيننا ؟ لم لا تجدين لنفسك عملا أفضل ..كالبحث عن عريس مناسب قبل ان يفوتك القطار ؟
تركتها واقفة وانسحبت إلى غرفتها .. كانت غاضبة وقلقة .. ماذا لو كانت ريم محقة ..وأن محمود يسلي نفسه مع امراة اخرى أكثر تعاونا ... احمر وجهها وهي تجوب الغرفة بعصبية .. ما الذي اصابها ؟ هبل تشعر بالغيرة ؟ هل تفتقد إلى محمود ؟ بالتأكيد ثمة رفض قاطع داخلها من فكرة تواجده مع امراة اخرى .. فما الذي يعنيه هذا ؟
رمت نفسها على الأريكة بإرهاق ..إنها لا تعرف حقيقة مشاعرها اتجاه محمود .. أهي تكرهه ؟ .. ام تفتقده ؟ تمتمت بمرارة :- آه لو أعرف حقيقة مشاعري
تلك الليلة .. نامت وهي تحارب صراعا داخلها .. وأسئلة كثيرة لا اجوبة لها .. شعرت بلمسة دافئة على كتفها .. فتحت عينيها بنعاس لتنتفض بعدها وهي ترى محمود يجلس غلى جانبها .. يكسو وجهه شحوب غريب .. وفي عينيه تعبير آسر لم تفهمه .. بدا كئيبا وهو يحاول تهدئتها .. قالت وهي تتراجع مبتعدة عنه :- ابتعد عني .. لا تلمسني
قال متوترا :- اهدئي يا نانسي .. انا لن أؤذيك
سالت دموعها وهي ترى يديه تمتدان إليها :- أرجوك ابتعد عني
امسكها وسحبها إليه فقاومته بضعف في البداية عندما ضمها إلى صدره بقوة .. وسرعان ما استسلمت لعناقه وهي تجهش بالبكاء بين طيات قميصه .. ربت على ظهرها بحنان وهو يقول :- انا آسف يا نانسي .. لم أرد أن أسبب لك الأذى .. لم أرغب بهذا أبدا
رفع وجهها المغطى بالدموع إليه .. وقال بصوت أجش :- لن أؤذيك مجددا يا نانسي .. أعدك
عاد يضمها إليه بقوة .. فاستكانت بين ذراعيه شاعرة بحنان غريب يلفها .. بالأمان والراحة .. أي تناقض هذا .. فتارة تراه وحشا كاسرا تخاف منه حتى الموت .. وتارة تشعر بانه ملجأها الوحيد .. وأن احدا لن يصل إليها بين ذراعيه وتحت حمايته .. تمتمت بين خصلات شعرها الذهبية :- لم أستطع مواجهتك بعد ما حدث .. كان علي ان اغيب لفترة كي أحاسب نفسي .. ولكنني لم استطع ان اغيب اكثر .. لا أستطيع الابتعاد عنك يا نانسي
مددها على السرير .. وتمدد إلى جوارها دون أن يتركها أو يتوقف عن ترديد عبارات مهدئة في أذنها كان عليها أكبر تأثير .. إذ استرخت حواسها .. وهدأت نفسها
ووجدت نفسها تغرق بين ذراعيه في نوم عميق


الفصل الثامن عشر

منقذي أنت
شحب وجه لينا وهي تقول :- لقد سبق وأخبرتك بانني لست جاهزة بعد
قالت نانسي بحدة :- انا أظنك قد أصبحت جاهزة تماما للعودة إلى المدرسة .. لقد مرت فترة طويلة منذ وفاة والدنا .. لم يعد احد يذكر اسمه .. أنامتأكدة بانك لن تواجهي المشاكل خاصة في المدرسة الجديدة التي اخترتها لك
وقفت لينا وهي تهتف بعنف :- انت لا تفهمين .. لن ينسى احد على الإطلاق اسم سلمان راشد .. سيظل الجميع يعايرنا ..
قاطعتها نانسي وهي تقف بحزم :- لقد اتخذت القرار يا لينا .. ستبدأين بالذهاب إلى المدرسة منذ الصباح .. لن أسمح لك بالتسكع اكثر وقضاء الوقت بلا فعل أي شيء سوى مصاحبة فراس .. لقد حان الوقت للنظر في أفعالك
اتسعت عينا لينا الزرقاوان فبدا الذعر فيهما وهي تجد نفسها عالقة بلا مخرج .. دوى صوت محمود الهادئ يقول :- ما الذي يحدث هنا ؟ أصواتكما تملأ البيت
كان يبدو قد عاد لتوه من عمله وقد ظهر الإرهاق جليا عليه وهو يضع حقيبة أوراقه فوق المكتب فأسرعت لينا نحوه وهي تقول شاكية :- تريدني نانسي ان اعود إلى المدرسة
شعرت نانسي بالغيظ من تصرف لينا التي نسيت بأن نانسي هي المسؤولة عنها .. وهاهي تشتكيها إلى محمود وكأنه والدهما البديل
منذ تلك الليلة التي عاد فيها محمود معتذرا من نانسي بعد غيابه لأيام عن البيت .. عندما نامت بين ذراعيه باكية كالبلهاء .. وهما يتعاملان مع بعضهما بأسلوب التجاهل التام ..
يتحدثان أمام الآخرين بشكل طبيعي .. ووحدهما كالغرباء تماما .. كما كانا يتصرفان سابقا .. تتظاهر هي بالنوم .. وينام هو دون ان يوجه لها أي كلمة لينهض صباحا ويغادر قبل استيقاظها .. مع فرق بسيط وهو انها لم تعد تستفزه كالسابق .. وكأنها باتت تخشى أن تثير غضبه مجددا وقد عرفت ما الذي يعنيه غضب محمود
سمعته يقول للينا بهدوء :- وأين المشكلة ؟ نانسي تفكر بمصلحتك ليس إلا
ارتد وجه لينا إلى الوراء وهي تقول مصدومة :- ماذا ؟ . ولكن .. أنا ...
أحاط كتفيها بذراعه وهو يقول بلطف :- ليس هناك داعي لقلقك يا لينا .. لقد سبق وأخبرتك بأنني سأمحي كل من يوجه نحوك كلمة مزعجة واحدة .. المدرسة الجديدة ممتازة وقد تحدثت بنفسي إلى ...
أكمل إقناعه السحري للينا وهو يقودها إلى الأريكة الجلدية بينما توجهت نانسي نحو نافذة غرفة المكتب المطلة على الحديقة وأخذت تنظر عبرها إلى الشمس الغاربة بكآبة
تكره الاعتراف بهذا .. ولكن لمحمود تأثير كبير على لينا .. إنه الوحيد القادر على إقناعها بالأمر .. لقد أصبحت شقيقتها تعتمد عليه تماما في كل شيء
سمعت لينا تقول باضطراب :- ولكن ماذا لو .. ماذا ..
صمتت وهي تعض على شفتها السفلى فربت على شعرها الناعم وهو يقول :- أعرف بالضبط ما يخيفك .. الحادث الذي تعرضت له نانسي لا يمكن ان يتكرر معك .. حياة نانسي فيها الكثير من التعقيدات .. وبالتالي لديها الكثير من الاعداء في الجامعة .. أما أنت فلا أظن احدا بقادر على أذيتك أو حتى كرهك
التفتت نانسي نحوهما مصدومة وكأنها قد تلقت صفعة قوية .. لم يشعر أحدهما بشحوب وجهها وارتعاشها وهي تحدق بهما .. بل لم يشعرا بها وهي تترك المكتب وتجري كالمجنونة بين أروقة البيت حتى وصلت إلى المطبخ .. دخلت وهي تقول لاهثة :- أين حنان ؟
تبادلت الطاهية نظرات الحيرة مع نجوى التي قالت :- لقد كانت تنفض الغبار في غرفة الجلوس
أسرعت نانس إلى هناك لتجد حنان منهمكة فعلا في مسح الغبار عن الأسطح الزجاجية .. ولكنها توقفت فور أن لمحت نانسي .. قالت بقلق :- ما الامر يا نانسي ؟ هل انت بخير ؟
حاولت نانسي تهدئة أنفاسها المبهورة ثم قالت :- حنان .. أنت كنت موجودة في كل مرة انفرد فيها محمود مع والدتي ولينا في منزل الشاطئ .. صحيح ؟
قالت حنان بحيرة :- صحيح
قالت نانسي باضطراب :- هل سبق واخبرته أمي عن الحادث الذي تعرضت له .. ذلك الاعتداء أثناء عودتي من الجامعة ؟
قالت حنان :- لا يا نانسي .. والدتك رحمها الله كانت تعرف مدى حساسيتك من الموضوع .. وكانت تعرف بأنك ما كنت ترتاحين للدكتور محمود في ذلك الوقت .. وما كانت لتخبره بسر كهذا
أغمضت نانسي عينيها وهي تقول :- ماذا عن لينا ؟
:- لقد كرهت لينا دائما الاستماع إلى القصة .. فكيف بالتحدث عنها ؟ هل نسيت بانها كانت ترى الكوابيس بسببها ؟
انهارت نانسي جالسة على المقعد وكل عضلة في جسدها ترتعش وهي تقول :- كيف عرف محمود به إذن ؟ كيف عرف بحادث لم يعرف به سوى أربع أشخاص ؟
أمسكت حنان بكتفها قائلة :- نانسي .. أين المشكلة في معرفة الدكتور محمود بالقصة ؟ إنه زوجك الىن .. ومن حقه أن يعرف دقائق حياتك
لكم تكن نانسي تستمع إلى ما تقوله حنان .. بل كان عقلها يفكر كالمجنون .. ولم يهدا عن التفكير لحظة واحدة حتى أثناء تناولها العشاء مع العائلة .. الكل كان يتحدث وكأن شيئا لا يشغله لإلا هي .. كانت تتناول طعامها بصمت وهي ترمق زوجها بنظرات مختلسة وهو يتحدث إلى عمه .. تأملت وجهه الرجولي الوسيم .. نظراته القوية .. كتفيه العريضتين .. يديه الخشنتين وهو يلوح بهما أثناء حديثه فارتجفت عندما تذكرت ملمسهما عليها .. ما الذي يخفيه عنها محمود يا ترى ؟ متى ستفك غموضه وتعرف ما يفكر به عقله المعقد ؟ .. أحس بنظراتها فالتفت إليها متعجبا .. فعادت تغوص في طبقها الذي أنهته دون ان تحس بطعمه ..وبعد العشاء .. اعتذرت على الفور وصعدت إلى غرفتها متعللة بالصداع ..
وعندما أغلقت الباب على نفسها .. بدلت ملابسها .. وأحكمت إغلاق روبها فوق بيجامتها الحريرية .. وانتظرت وهي جالسة باستقامة فوق الأريكة الصغيرة .. تحدق امامها بجمود .. حتى دخل محمود ليفاجئ برؤيتها صاحية على غير العادة .. أقفل الباب وراءه بهدوء قائلا :- ظننتك مصابة بالصداع
وقفت وهي تقول بتوتر :- لقد كنت كذلك
:- لماذا لم تخلدي إلى النوم إذن
خلع حذائيه .. ثم بدأ يحل أزرار قميصه عندما تتبعت ما يقوم به وهي تقول :- لقد كنت في انتظارك
التفت نحوها .. ولاحظ وجهها الشاحب وعينيها القلقتين .. قال بقلق :- ما الأمر ؟ .. هل من مشكلة ؟ هل هي لينا مجدا ؟
أغمضت عينيها بقوة للحظات ثم فتحتهما قائلة :- كيف عرفت ؟
رمش بعينه مستغربا وهو يقول :- عرفت بماذا ؟
قالت بعصبية :- تعرف بالضبط ما أقصده .. لقد سمعتك تتحدث إلى لينا .. كيف عرفت بأمر الحادث الذي تعرضت له قبل أشهر ؟ أعرف بأن أمي لم تخبرك .. هل هي لينا ؟
صمت للحظات طويلة وهو ينظر إليها دون تعبير على وجهه قبل أن يقول بهدوء :- لا .. لينا لم تخبرني
ازداد وجهها شحوبا .. وتسارعت نبضات قلبها وهي تقول :- كيف عرفت إذن ؟ من أخبرك بالأمر ؟
استدار نحوها و واجهها تماما وهو يقول :- كيف تظنينني عرفت يا نانسي ؟
ارتدت إلى الخلف ..واتسعت عيناها وقد هبط الإدراك عليها مرة واحدة .. وعرفت ما كان قلبها يعرفه منذ البداية .. قالت بصوت مختنق :- لقد كنت أنت .. أنت من أنقذني ذلك اليوم من بين براثن جابر ورفيقه .. صحيح ؟
صمت للحظات ثم قال :- هذا صحيح ..
أحاطت نفسها بذراعيها وهي تقول باضطراب :- ولكن كيف ... كيف كنت هناك في الوقت المناسب ؟ أنت من بين جميع الناس .. كيف ؟
توتر فمه وهو يقول :- لقد صارحني ماهر قبل الحادث بأيام بقلقه من تهديد جابر الذي لم يطلق يوما تهديدا لم يعنه حقا .. نهار الحادث كنت قد أمسكت ذلة على أحد رفاق جابر المقربين .. وابتززته بها مقابل إخباري بنوايا جابر .. فعرفت بأنه كان من المفترض به أن يعترض طريقك في تلك اللحظة ..
عنما وصلت .. كان الوقت قد تأخر على منعه من إلحاق أي ضرر بك .. فكرت بأنني لو كنت قد تأخرت قليلا بعد ...
ظهر غضب عنيف في عينيه وهو يتذكر مظهرها .. ملقاة على الأرض .. مضرجة بالدماء وممزقة الثياب .. وذلك الحقير يهم باغتصابها .. ارتجفت نانسي وقد انتابتها نفس الذكرى .. إلا أنها كانت تفكر بشيء مختلف تماما .. تمتمت بصعوبة :- وبالطبع .. كنت انت من حملني إلى المستشفى ودفع جميع تكاليف العلاج .. ورفض ذكر اسمه كي لا أعرف من يكون
قال بقلق :- علاقتنا كانت حساسة في تلك الفترة يا نانسي .. معرفتك بالحقيقة كانت لتؤذيك أكثر مما قد تساعدك
بدت وكأنها لم تسمعه وهي تكمل :- ثم قمت بطرد جابر من الجامعة عقابا له على فعلته
أشتدت قبضتاه غضبا وهو يقول :- لولا خوفي من معرفة الناس بما حدث لتسببت بدخوله السجن لفترة طويلة للغاية
أغمضت عينيها وهي تقول بصوت بدأ يفقد تماسكه :- وهذا كله لم يكن كافيا لتتخلص من إحساسك بالذنب لأنك لم تستطع إنقاذي تماما .. فلحقتني وعائلتي إلى منزل الشاطئ .. صحيح ؟ وجودك هناك لم يكن صدفة على الإطلاق
ساد صمت ثقيل بينهما .. نظر خلاله محمود إلى نانسي وكأنه يتمنى أن يتوقف هذا الحديث عند هذا الحد .. ولكن مرأى حالتها المضطربة جعلته يدرك بأنها لن تهدأ حتى تعرف الحقيقة .. اعترف قائلا :- لا .. لم يكن وجودي هناك صدفة على الإطلاق .. لقد وضعت من يراقبكن بعد الحادث مباشرة خوفا من عودة جابر ومحاولته أذيتك مجددا .. عرفت من خلاله بأنكن قد غادرتن المدينة وتوجهتن إلى منزل الشاطئ العائد إلى خالك

يتبع ,,,,

👇👇👇


تعليقات