رواية طلاب الطب -3
ثم أخذت ميادة تكح في عنف .. فوضعت كفها على فمها .. حتى ظننت أنها ستموت ..
ارتعدت من رأسي لأخمص قدمي ..
قلت لها وأنا أقوم : سوف أذهب لأنادي لك والدتك ..
فأمسكت بيدي وأوقفتني .. وقالت : لا عليك .. إن هذا يحدث كثيراً ..
وأنا أتناول العلاج لهذا ..
ثم قامت وقالت : آسفة .. لقد نسيت أن آخذ دواء القلب ..
ذهبت إلى منضدتها وتناولت بعض الأقراص .. وشربت قليلاً من الماء ..
ثم اقتربت مني وجلست وقالت :
أشكرك من أعماق قلبي ..
أشكرك كثيراً .. فما من أحد فعل لي مثلما فعلت ..
ما من أحد استمع لي .. وتحملني .. ما من أحد حمل معي الهم إلا أنت ..
شكراً جزيلاً ..
شكراً ..
وبعدها خرجت من مقبرة ستدفن فيها ميادة بالتأكيد .. ولا أعتقد أنها بعد مدة طويلة ..
------------------
( الجزء الخامس )
لعلي لا أجد مكاناً أفضل من الأوراق .. لأصب فيها صهارة قلبي المشبعة بالأبخرة السوداء ..
لعلي لا أجد إلا الكتابة سبيلاً وحيداً كي تخرج من جسدي المشحون كل هذه الأحاسيس والمرارات ..والآلام والأفكار..
فأنا كل يوم أتذكر أمجد ..كل يوم أعيد على عقلي قصته بكل حذافيرها
كأنها فلم سينمائي .. حاز من عقلي على كل جوائز الأوسكار للتراجيديا ..
إنها مأساة .. مأساة مشاعر ..مأساة شباب قد ضاع ..
بل مأساة أجيال تضيع .. مأساة مسئولين غير مسئولين ..
مأساة الحياة الغابرة القادمة ..
مأساة المستقبل الذي وضعه ماضيه في نعش قبل أن يولد ..
لن أتحدث عما لم تره عيناي ..فأختي هي التي سمعت ورأت بأم عينيها ..
هي التي كانت قرب ميادة .. هي التي كانت في قرب الموت متجسداً في إنسانة ..ما بقي منها إلا هيكلها الدعامي ..
أنا (راوية ) أخت يزيد ..
أنا .. ماذا يمكن أن أقول عما أصابني ؟؟
ماذا أقول وبأي وجه أخبركم عن المأساة والكارثة الإنسانية ..
وفي الوقت الذي تزامن مع الضربة الموجة لأمريكا ..
لم يهتم من عرف بقصة أمجد وميادة بأمرهم .. ولكن راح يتعلق بالأخبار التي تملأ شاشات التلفاز ..
و الجرائد البلهاء .. وسخافات المحللين السياسيين ..
أو من يسمون أنفسهم محللين .. وهم في الأساس أبر ع من باع الكلام ..
أما أنا فقد كنت عندها قبل أربعة أيام..فبعد آخر لقاء لي بها .. لم أستطع أن أمسح صورتها من بؤبؤ عيني .. لم أستطع أن أنساها.. تلك المسكينة ..
فكرت البارحة في زيارتها ..فاتصلت على والدتها ..
التي لم تسأل حتى : لم أهتم أنا لأمر ميادة وأهتم رغم أني لا أعرفها ..
فقلت لها : هل يمكنني يا خالة أن أزور ميادة ؟
فقالت : يا بنيتي لا تتعبي نفسك ..
فقلت : أتمنى يا خالتي ألا ترفضي لي رجائي ..
فقالت : كما ترغبين .. تفضلي في أي وقت تشائين ..
وذهبت لها .. وأوصلني يزيد بسيارته .. وحاولت أن أضفي على نفسي جواً من المرح ..
لكني لم أستطع أن أتفوه بأي كلمة ..قلت له أني سوف اتصل به ليأخذني ..
دخلت من الباب .. التي تحول إلى بوابة لبيت الوحوش كما في الأفلام المرعبة ..بذلك السواد القاتم ..
خطوت على الأرض .. فاحتكت قدماي بالتراب .. بذلك الصوت الذي ينم عن إهمال في النظافة ..
نظرت إلى ذلك المنزل .. ولم أرى سوى غرفة واحدة مضاءة ..
الظلام يغلف البيت في حزن عميق ..كأنه قد أحس بالكارثة التي أصابت ساكنيه ..
الأغصان التي ماتت أوراقها .. والتي قد شاهدتها آخر مرة .. قد زالت .. ولم يبق سوى التراب ..
كأنها صحراء قاحلة جرباء ..
جفت من أي معنىً للحياة .. جفت من أي قطرة ماء .. حتى بدت التشققات واضحة جلية ..
صعدت الدرج ودققت الجرس ..كأنه ناقوس يدق في مآتم المسيحيين ..
دق قلبي بعنف .. فها أنا ذا مرة أخرى سأقابل أتعس مخلوقة في تاريخ الأرض ..ميادة ..
بعد لحظات .. فُتح الباب .. وظهر على عتبته .. والدة ميادة ..
قبلتها .. ثم دعتني للدخول ..
دخلت معها .. فقالت : انتظري لأنادي لك ميادة .. فأنا لم أخبرها أنك قادمة ..
صمتت قليلاً قبل أن أقول :
خالتي هل يمكن أن أتحدث معك قليلاً ؟؟
نظرت إلي وقالت : بالطبع .. تفضلي بالجلوس ..
فجلست .. ثم جاءت الخادمة بعدها بقليل وأحضرت كوباً من العصير ..
نظرت إلي وكأنها تقول : ماذا تريدين أن تقولي؟
فقلت بارتباك : كيف حال ميادة الآن ؟؟
صمتت ثم قالت : إنها تنتظر ..
فقلت : تنتظر ماذا ؟؟
قالت بحسرة تملأ القلب : تنتظر أن تذهب إلى أمجد ..
ارتبكت أكثر .. فتنحنحت وقلت :
ألم تعرضوها على طبيب أو قارئ ؟؟
فقالت : الكثير جداً يا ابنتي ..
الطبيب قال : إنها صدمة عصبية حادة .. وطلب منا أن نغير مكان إقامتنا ..
وهو الأمر الذي يعمل عليه أبو ميادة ..
وحتى القراء ..لكن دون جدوى ..
وإن كانت قد أظهر تحسناً ملحوظاً ..
تأتي وتذكر الله .. وتستغفر وتحتسب .. لكنها ما إن تلبث تذكر أمجد .. فتعود لحالتها ..
كأنها لم تسمع شيئاً ..
قسماً يا ابنتي .. لو كنت أعلم أن كل هذا سوف يحدث ..
لكنت زوجته إياها وصرفت عليهما من دمي ..
أمجد كان شاباً طيباً .. ولكني وأبو ميادة .. قلنا له .. بأننا سنزوجها إياك حباً وكرامة ..
بعد أن تنتهي من السنة السادسة .. حتى يستطيع أن ينزلها في حياة كريمة ..
حتى أمه وأبوه يقولون هذا الكلام ..
ولم يعارض هو .. بل عمل بكل جهده .. حتى أتت هذه الفاجعة يا ابنتي ..
عندما مات .. لم تتكلم ليوم كامل ..
وعندما نطقت .. صرخت صرخة .. خرجت معها نياط قلبي .. وأفزعت روحي ..
أنت لم تعلمي بم حدث لها .. لقد أغمي عليها لثلاثة أيام متواصلة ..
وأبوها يتنقل بها من مستشفى إلى مستشفى..
وفي النهاية استيقظت لتبدأ نوبة بكاء لم تبكي عليها والدة أمجد مثلها ..
وما أوقفها من هذا إلا المهدئات والحقن ..
والله .. لم أستطع حتى أن أنهرها عن هذا كله ..
لقد بكيت من أجلها ..كأني قد فقدتها ..
فقد كانت على شفا اللحاق به ..
لم يستطع والدها أن يقول لها أن ما تفعله عيب .. ولا يصح ..
لأنه لم يتصور يوماً أن ميادة يمكن أن تصل لهذه الدرجة من التدهور ..
لعلها هي مرة واحدة حاولت أن أفعل ..
إني لا أستطيع أن أنسى تلك النظرات التي انبعثت من عينيها .. كأنها من قلب البرزخ ..
وهي تقول : لقد ضاع .. ضاع ..ذهب ولن يعود ..ذهب ..
ونزلت بعدها في بكاء حاد ..
أنت لم تري عينيها ..لم تريها تذبل يوماً بعد يوم ..
كل يوم تظهر ملامح في وجهها أخذ تغيرها شيئاً فشيئاً ..
حتى لم نكد نعرف .. هل هي ابنتنا أم لا ..
لم تري الحمى التي لازمتها أياماً ولياليٍ ..
لم تري حالات الهذيان ..
لم تري .. ولم تحسي أن ابنتك تموت كل يوم آلاف المرات ..تتجرع فيه كل آلام الموت ..
فلا هي تعيش ..
ولا هي تموت ..
كل يوم تنتظر يوماً آخر من سكرات الموت ..
يا ابنتي .. إن كل ما أتمناه .. وأدعوه في صلاتي .. أن تعيش ميادة ..
وأغروقت عيناها بالدموع ..
كان منظراً لا يسر أحداً ..
امرأة في مثل سنها تبكي.. وتمسح دموعها..
وصوتها الذي بدأ يرتعش .. صوتها الذي اختلطت معه التشنجات ..
لم أعرف ما أقول ..
ولكني أطرقت .. ووجهت بصري إلى كفاي ..
مسحت أم ميادة دموعها .. وصمتت قليلاً .. ثم قالت :
سأنادي لك ميادة حالاً ..
وبقيت وحدي في الصالة بعد ذهابها ..
صحيح أن الأنوار كلها مضاءة .. والألوان زاهية في أنحاء الصالة ..
وليست كالأفلام الرخيصة .. التي تخبو فيها الأنوار حتى تشعرك بالحزن ..
حتى رائحة العطر .. تعبق في الجو ..
إلا أني أحسست أني في عالم آخر ..
فكأنما هذه الأنوار لا تبدد الظلمة التي تكسو الملامح ..
ذلك الثوب الأسود الذي يطغى على الأحاسيس ..
تلك التقاسيم التي لا تعكس سوى حالة البؤس في أعلى درجاته ..
وكأنما رائحة العطر .. هي رائحة الكافور الذي يكفن به الموتى ..
تنهدت بعنف وأنا أتذكر كلام أخي يزيد ..
"نحن مطالبون في كلية الطب بالتفوق في كل شيء .. حتى فيما نكره ..
وأن نتعلم ونتحدث ونحفظ ونكتب بغير أن نفهم أو نقتنع ..
أحياناً كلاماً خطأً ً .. وأحياناً غير مفهوم ..
المهم أنه يؤدى ..
وعندما ينتهي الاختبار .. نسحقه .. ونلقيه في أقرب حاوية قذرة للمهملات ..
لنحصل بد هذا كله .. على ما يحسن به الدكاترة إلينا ..
بنظرات المن تلك ..
وعلامات الاستكبار والازدراء..
بأننا مجرد طلاب بلهاء .. لا نعلم ما يعلمه هؤلاء ..
صحيح أن هذا لا ينطبق على الكل ..
لكن يكفيك .. نظرات الإذلال تلك.. لتطغى على جميع الحواس الأخرى .. وعلى كل مشاعرك ..
حتى إن كنت حيواناً.."
وبعدها بقليل جاءت ميادة ..
جاءت بمفاجأة .. سقط لها قلبي .. وارتعشت لها مفاصلي ..
وأصابتني بقشعريرة باردة كالجليد ..
حتى أنني لم أستطع أن أقوم من مقعدي ..
فقد جاءت ..
جاءت على كرسي متحرك ..
تجمدت ملامحي .. وتصلبت أطرافي .. وأصبحت عيناي .. كرتان زجاجيتان ..
تكاد تخرج من محجريهما ..
ثم .. سكبت عيناي دموعاً صادقة ..
وتقدمت لها في تؤدة .. وصافحتها بيد مرتجفة ..
ثم جلست على ركبتاي .. أنظر لها ..
فلم أستطع أن أتحمل أكثر من ذلك ..
فاحتضنتها .. وتركت نفسي أبكي ..
أبكي عليها بكل حرقة ..
بكل عنف .. ومرت في بالي صور لها في كل مرة كنت قد قابلتها ..
إلى أن جاءت صورتها التي أراها بها الآن ..
فقالت ميادة بهدوء : لا عليك ..
مسحتُ دموعي .. ثم أمسكت رأسها .. وقبلت جبينها .. الذي نبتت فيه الشعيرات البيضاء ..
وكأنها امرأة في الستين من عمرها ..
بنت .. قد شابت قبل أن يكتمل شبابها ..
فتاة عجوز .. مع أنها بكر .. لم تبلغ حتى العشرين من عمرها ..
قفزت فجأة .. قفزةً مذهلة .. ومرة واحدة .. أربعين سنة عمراً وروحاً..
والسبب كلية طب أمجد..
أقصد المتوفى أمجد ..
لعلي لو كنت مسئولة .. في يدي القدرة على أن أقرر قراراً واحداً ..
لكان أن ألغي نظام الدراسة الجامعية من كوكب الأرض ..
وأعلم أنه قرار غير صائب على الإطلاق ..
لكن هذه الفاجعة الإنسانية .. هي منافية بالتأكيد لكل القوانين .. ابتداءً بالدينية ..
وانتهاءً بأعراف الأحياء الشعبية النائية ..
إنها كارثة بشرية .. وهذه حادثة واحدة فقط .. وإني أعلم أن هناك آلاف القصص ..
تخر لها طيور السماء ..
وتئن لها بحار الأرض ..
قالت ميادة : كيف حالك ؟؟ إن شاء الله بخير ..
تجمدت الكلمات في فمي .. ولم أعرف بم أنطق .. ففي حلقي غصة رهيبة ..
وفي صدري بركان دموع يريد أن يزف حممه على خدي ..
ولكني اغتصبت كلمات معدودات : ماذا حدث لك ؟
فقالت بابتسامة تنم عن عدم المبالاة : لا عليك .. أنا على الأقل لم أمت ..
بل هي بسبب قلبي وضغطي المرتفع .. نصحني الطبيب أن لا أبذل أي جهد ..
ثم قالت : هل لك أن تدفعي لي الكرسي إلى غرفتي كي نتحدث ؟.. فأنا أحب الحديث معك كثيراً ..
انتظرت برهة قبل أن أنفض عني كل مشاعر الحزن والشفقة ..
ودفعتها إلى غرفتها ..
أغلقت الباب .. وجلست على كرسي بجوار ميادة .. التي قالت :
كيف حالك ؟
فلم أرد .. فقالت : ما بك ؟
قلت بعد صمت .. وصوت الحقد في كلماتي يكاد يجعلها تخرج أحرفاً بارزة : لعن الله كلية الطب ..
نظرت في ميادة لحظة قبل أن تمتليء عيناها _ التي كان لها اسم العينان _ بمياه مالحة ..
مليئة بالمرارة .. مليئة بالملوحة .. مليئة بالحزن ..
ثم تنهدت تنهيدة طويلة وقالت : آمين ..
نظرت لي بابتسامة حاولت أن تجعلها عذبة : هل تعلمين .. لقد بعثت مقالاً لجريدة عكاظ ..
ثم ضحكت بسخرية وقالت : ولكني لا أعتقد أنهم يجرؤون على نشره أبداً
قلت هلا : ولماذا ؟
هل امتلأت بألفاظ جارحة .. وسباب ؟؟
قالت بسرعة : لا ..
قالت بتنهيدة : لقد علمني أمجد .. ألا أسب أحداً أبداً مهما حصل ..
علمني أن أعذر وأسامح ..
علمني كيف أحب .. وأنساني كيف أكره ..
ولكنهم .. ولكنهم قتلوه ..
أغمضت عيناها .. وكأنها تحفظ دموعها هناك وإلى الأبد .. قلت لها : وأين المقال ؟؟
فقالت : هل تريدين قراءته حقاً ؟
قلت لها : إن لم يكن هذا ليضايقك .. لأني سأحاول بطريقتي أن أنشره ..
فقالت : ليس هذا ما أقصده .. لأنني فعلاً أخشى عليك ..
فقلت بتساؤل : ومم؟
قالت بهدوء : لأنك بعد قراءته ستكتئبين .. وتصابين بالإحباط..
قلت : ولمه ؟
قالت : لأنها رسالة من قلب فتاة .. رسالة من قلبي .. وهي رسالة لا يحس بها إلا إنسان ..
وإني حين أنشر مقالتي .. لن يحس بها من أخاطبهم .. لأنهم ليسوا بشراً من لحم ودم ..
لا روح لديهم ولا رحمة ..
بل يحس بها فقط الآدميون ..
وأنا أعلم أن لك قلباً وستألمين ..
ولكنها قالت كأنها تمسح كل كلامها السابق :
افتحي درجي .. ستجدين فيها كتاباً أحمراً .. بداخله المقال ..
أما أنا فسأذهب .. لآخذ الدواء ..
فشرعت أساعدها في دفع كرسيها ..
فقالت : لا عليك ستأتي الخادمة وتساعدني .. ثم أخذت تنادي على خادمتها ..
و بعد لحظات .. وخرجت من الغرفة ..
توجهت إلى مكتبها .. وفتحت درجها .. فرأيت الكتاب الأحمر الذي يميل إلى السواد قليلاً ..
وهو في الواقع ليس كتاباً بل مجلد .. للمذكرات .. قلبت صفحاته ..
إلى أن وجدت بداخله تلك الأوراق ..
فتحتها وقرأت ..
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الدكتور / ع . ف وأمثاله من الدكاترة
أحرق الله قلبه .. وأسكنه جهنم مخلد فيها
وغضب الله عليه وأعد له عذاباً عظيماً
من ميادة ..
أبعث لك بمقال أنشره على الملأ ..
على مرأى آلاف البشر والشهود العيان .. أبعث لك بلا معروض .. وبرتوكولات فارغة ..
وأساليب فيها من النفاق والاستعطاف .. ما يثير الاشمئزاز ..
أبعث لك بكلام صادق .. ولا يهمني أبداً إن لم يعجبك .. أو لم يعجب أمثالك ..
ولا يهمني حتى إن نقدني ناقد أو حاقد أو منافق كذاب .. يجري ورائكم يجمع فتات أحذيتكم ..
فالكثيرون قد كتبوا عنك وعن أمثالك بكل احترام وتقدير ..
فما اهتميتم ولا أعرتموهم من وقتكم الفارغ الذي تجلسون فيه فوق أبراجكم العاجية ..
إلا الوقت الذي تسطرون فيه بإهمال ردوداً جوفاء .. في مجلس جامعي غير مبالي ..
إنك أيها الآدمي الضعيف مسئول أمام الله الجبار العزيز المنتقم ..
عن كل ما سيؤول إليه مصير الطلاب تحت يديك ..
كل مظلمة لدى طالب .. لم يسطع أن ينتزعها منك في هذه الحياة الفانية ..
سيجتزها من جسدك .. يوم تزل الأقدام .. يوم يشيب الولدان ..
وهناك لن يتركك أحد دون أن يجتث حقه منك ..
يقول صلى الله عليه وسلم ( في ما معنى حديثه ) :
(اللهم من ولي شيئاً على أمتي فشق عليهم .. اللهم فاشقق عليه )
وهذه دعوة من رسول رب العالمين
إني لست في هذا الخطاب استعطفك .. لست في هذه الأسطر إلا أذكرك .. أن مالك الذي تجمعه ..
سيسألك رب العزة كم أين اكتسبته ؟؟
فبم ستجيب ربك أيها العبد الفقير ؟؟
قل لي بربك : أما تخجل من نفسك .. كل يوم .. تزيد على من هم المفروض أبناؤك المتاعب ..
تأخذ أجراً دون مقابل .. دون أن تهتم بتعليمهم ..
طبعاً ما دامت الأموال تسخرها لشراء حاجياتك ..
جرب أن تسأل الناس يوماً ما رأيهم فيك ؟؟ رأيهم الحقيقي .. الموجود في قلوبهم ..
حينها ستعرف قدرك ..
أيها التافه .. إن المهنة التي أنت ملزم بها .. لا بد يوماً أن تلفظك يوماً .. لأنها تتقزز منك ..مهنة إنسانية .. ولكنك لست من بني البشر .. بل لست من المخلوقات الحية التي أودع الله فيها القلب ..
وبعدها لن يكون لك منصب تحتمي به .. ستشاهد الوجوه الحقيقة .. التي غطيتها أنت بتلك الأقنعة الباسمة .. التي تخفي ورائها حقداً دفيناً ..
وكرهاً من الأعماق .. وأمنية عاجلة لك بالمرض .. وتمتمة تدعو لك بالموت ..
ماذا ؟؟ هل تريد أن أزيد ؟؟ هل تريدني أن أفرغ شحنة الحقد في بقية السطور .. أنا مستعدة ..
إذن اسمع أيها المختبيء خلف مركزك .. وتحت سلطتك ..
اسمع صوتاً يهتف بالحق ليخرق أذنك الصماء .. فصدقني لن تحميك جدرانك المجوفة من دعوات طلابك .. التي لا أعتقد أنها تنقطع إلا نادراً..
وقرب أذنيك مني .. فلسوف أخاطبك بلهجة أقسى من كل الذي قلته سابقاً ..
فأنا سأدعو عليك من قلب المظلوم الذي لا ترد له دعوة ..
أحرق الله قلبك .. وحرمك متعة حياتك .. وأزال عنك نعمة البصر ..
أفقدك الله عافيتك .. وجعلك تلهث مثل الشحاذين بفقر مدقع .. لا تجد ما يسد رمقك من الجوع ..
اللهم شل عليه أركانه الأربعة .. اللهم انسف له كل ما يملك من مال وجاه وسلطان ..
وصدقني أيها الضعيف أمام جبروت العزيز .. لربما لم أدع على يهودي هكذا ..
فأنت قد كنت سبباً في وهن عافيتي ودمرت علي حياتي ..
منك لله يا ظالم ..
منك لله يا ظالم
منك لله
طويت الخطاب .. وأمسكت فيه بيدي طويلاً .. ابتسمت ابتسامة ساخرة ..
إن ما كتبته هذه الفتاة .. لا يمكن أن ينشر في أي مكان ..
ولا يمكن أن ينشره شخص مهما بلغ من جرأة ..
أخذت الورقة ثم وضعتها في وسط المجلد .. وأغلقته ..
انتظرت للحظات .. بعدها أتت ميادة .. وقالت بابتسامة تخفي ورائها صومعة الحزن الأزلية :
ما رأيك جنون .. أليس كذلك ؟؟
لكنه ما عاد يهم .. إن نشر أو لم ينشر ..
وصدقيني لربما إن قابلت هذا الدكتور فلن أقول له شيئاً ..
فحتى لو قتلته .. فهل سيعيد ذلك لي أمجد ؟؟
قولي لي ..
إن أنت ضمنت لي ذلك .. سيكون هذا تاريخ مولدي الجديد .. وشطبٌ لشهادة وفاتي ..
أمجد .. آه يا أمجد ..
لقد ضعت .. لقد رحلت وتركتني ..
ثم تراخت قواها .. وتركت رأسها بتيه في الهم ..
لم أعرف ماذا أقول لها .. سوى أني خرجت .. فلم أستطع مرة أخرى أن أتحمل كل هذا القدر من المشاعر ..
ولربما لن تصدقوا إن قلت لكم .. لم يمضي أكثر من يومين على هذه المقابلة حين وصلني الخبر الذي كنت أنتظره ..
وصلني نعيها ..
نعي فتاة أحبت حباً صادقاً من قلبها ..
وطبعاً لن تستطيع الكلمات أن تصف ما حصل لي عندما ذهبت لأعزي أهلها ..والدتها التي لم تتوقف الدموع عن تقبيل خديها ..
وتلك الرجفة التي أصابت يدها ..
أما أم أمجد .. فقد تجمدت .. وصارت تمثالاً من الشمع ..
وعندما رأتني أم ميادة .. أسرعت إلي واحتضنتني بألم .. احتضانة أم فقدت ابنة في عمر الزهور ..
وصارت تصرخ .. ماتت حبيبتي ..
أحسست أني أختنق .. ولكني سلمت نفسي لها ..
فالموت كان أهون علي من أن أترك هذه المرأة المسكينة بهذه الحالة التي يُرثى لها ..
دون أن أقدم لها أطرافي لتضخ فيها دموعها ..
أنها قصة واقعية من قسوة الحياة .. خُتم على نهايتها .. وبارك على خاتمتها كلية الطب ودكتور متعجرف حقير..كلية صارت أكثر إيلاماً ورعباً من بيت الشيطان ..
كلما رأيت الجامعة أو سمعت عن كلية الطب من أخي .. تذكرت مأساة أمجد وميادة
.. وصدقوني .. لن يغدو أمجد وميادة سوى رقم في سجل الوفيات ..
لن يقال عنهم إلا .. مات شاب وفتاة ..
ولعلك أنت أيها القارئ تقول في نفسك ..
لم تكن أول فتاة تموت .. ولم يكن أول شاب يموت ..
لكنك لم تقدر حينها أن هذا كان شاباً صالحاً .. لم يكن عربيداً ولا سكيراً و لا زير نساء ..
في زمن ظهر فيه الفساد في البر والبحر ..
وأن هذه الفتاة .. كانت في يوم من أيام فتنة .. مليئة بالحيوية والسعادة ..
في طور تنتشي فيه أزهار الفل والياسمين ..
وأنها كانت صادقة .. ولم تكذب .. وفية لم تخن ..
لكني عزائي الوحيد أني سأدعو لهما عل الله يجمعهما في الجنة ..
إنها قصة بائسة .. لكنها معبرة عن واقع مؤلم .. لا يتغير مهما حصل ..
وإن كانت قصة أمجد وميادة لم تحرك في أجساد القائمين على مصير مستقبلنا من الدكاترة ..
فهو مؤشر ليس بالجديد .. على الاستمرار في الصعود نحو الهاوية ..
بل السباق في الوصول إليها ..
إنها قصة إنسانية .. تعطي درساً ساخناً للمسوخ البشرية .. الذين نسوا معنى الرحمة والإنسانية ..
قصة مشاعر وأحاسيس لفتاة أخلصت في حبها ..
فماتت.
تمت
د.خالد أبوالشامات
أنتهت روايـه أو مـآسـاة أمجد و ميادة
بصراحة أكبر مأساة لطلاب الطب
و مافي اللي يحس بحرقه ميـادة هم طلاب الطب فقط !!
قريت هذي الروايـه فوق المليون مرة و انا أبكي بحرقه
لأني درست الطب سنـه و طلعت بعد سنه و ماقدرت أكمل حلمي
و أبارك اللي وصلـوه المستوى الثالث و الخامس و ايضاً الأمتيـاز
و انتهت روايه أمجد و ميـادة
و راح أنزل لكم خـبير في البنـات
تجميع ورد الجوري
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك