رواية الذوق الاسباني -9
نانيرا بأنني لم أجد الدوق في الإسطبل .. لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن
عندما استدار اصطدم بداني .. فقال بهلع
- " داني !! "
شعر داني بريب و شك و هو ينظر إلى وجه ماريو المضطرب
- " من بالداخل يا ماريو ؟"
- " لا أحد "
صد ماريو عن الباب حتى لا يقوم داني بفتحه
- " دعني أمر "
- " لا يا داني "
حاول داني دفعه .. دون جدوى لأن ماريو كان متشبثا بالباب بقوة ..
لكن الباب فتح .. و كاد ماريو أن يقع أرضا لو أن باتريك لم يمسكه .. وقف ينظر إلى الاثنان و تساءل ..
- " ماذا يجري هنا ؟"
نظر إليها داني متفحصا .. و هو يرى قميصه مفتوح و شعره مبعثر !!
- " نبحث عنك .. ماذا تفعل هنا يا باتريك ؟"
قال داني ذلك بانزعاج .. فأضاف ماريو
- " نانيرا تبحث عنك .. تقول بأنك يجب أن تنضم إليهم على الإفطار "
- " ألم يعد السيد سيلفادور إلى منزله بعد ؟ "
قالها بعصبية و كتف يديه .. مما جعل داني يضحك عليه و يقول
- " لا .. و لن يفعل حتى تخطب ابنته منه "
- " ماذا ؟! "
سأله باتريك بعصبية .. فأجاب داني مبتسما و كأنه يستهزأ بصديقة
- " ألم تكن تعرف سبب قدومه.. الأمر واضح يا باتريك "
جذبه باتريك بعيدا حتى لا تسمعه لورا فتتضايق .. و قال و هو صارا على أسنانه
- " اذهبا إلى القصر و سأوافيكما حالا "
- " لك ما شئت "
حاول داني أن ينظر من في الداخل .. لكن باتريك استوقفه و قال ناهرا
- " حالا يا داني .."
الأمر واضح يا داني .. من يكون في الداخل ؟؟ مستحيل أن تكون ماريا .. إذن ... لورا بكل تأكيد
قال في سره .. ثم غادر
عاد إلى الداخل فلم يجد لورا جالسة على الكنبة ...
- " لورا .. أين أنت ؟ "
خرجت من الحجرة الصغيرة و نظرت إليه بفتور ..
- " اذهب يا باتريك .. فضيوفك بانتظارك "
اقترب منها و أمسك بخصرها
- " سأفعل .. لكن ماذا عنك ؟ "
- " سأبقى هنا قليلا .. "
- " حسنا "
رفع رأسها و أبعد شعرها عن وجهها ثم أخذها في قبلة طويلة .. دفعها على الكنبة و ما فوقها و قال ضاحكا
- " أستطيع أن أذهب لاحقا "
ضحكت .. و أكمل تقبيلها لكنها أوقفته قائلة
- " يستحسن أن تذهب .."
- " هل تريديني أن أفعل ؟"
- "لا .. أعني ... إنهم ضيوفك"
- " أصبت .. ضيوف ثقال على قلبي بعكسك "
حاول تقبيلها مرة أخرها لكنها أشاحت عنه لتجلس و قد بان على ملامحها الضيق .. أمسك ذقنها و رفعه لتنظر إليه بإبهامه
- " ما بك ؟ "
أنزلت رأسها .. ما بها ؟! تذكرت كلام ماريا ذلك اليوم عندما أوقفتها و هجمت عليها مما ترك جرحا نازفا في قلبها .. جعلها تدرك الحقيقة .. و إن كانت مرة ..
- " لا شيء .. هيا باتريك يجب أن تذهب "
أومأ برأسه و استقام واقفا وقال بضيق
- " أراك لاحقا إذن .."
ثم خرج دون أن يلتفت إليها .. و آلمها ذلك كثيرا .. لكن أليس هذا ما أرادته ؟!
رأته نانيرا داخل فأمسكت به موقفة إياه عند المدخل .. و قالت بنبرة الأم المعاتبة
- " أين كنت ؟ و هل هذه ثياب أمس ؟ "
- " نعم .. لقد غفوت في البيت الصغير "
- " و لم فعلت ذلك يا بني ؟ ماذا كنت تفعل هناك ؟!"
- " نانيرا أرجوك .. دعيني أدخل حتى أقوم بتغير ثيابي و انضم إليكم .. "
- " تفضل "
مر من أمامها فلمحته ماريا .. التي قامت من كرسيها و اقتربت من نانيرا سألتها و هي تنظر إلى باتريك يصعد الدرج ..
- " هل بات في الخارج ؟ "
- " نعم .. هذا ما قاله لي .. في البيت الصغير "
- " معها ؟! "
- " لا اعتقد .. إنها في حجرتها على ما يبدو "
كانت ماريا تشك بالأمر و نظرت باتجاه حجرة لورا .. و قالت
- " هل من عادتها النوم إلى هذا الوقت المتأخر .."
- " لا أعلم يا عزيزتي .. ما الذي يقلقك ؟هل لورا تقلقك ؟"
تأففت و قالت بضيق صدر
- " إنه يقضي معها معظم الأوقات .. إذا نعم أظن إن لورا تزعجني و تؤرق نومي "
في هذه اللحظة كانت لورا تهم بدخول القصر لكنها توقفت عندما رأت نانيرا و ماريا واقفتان عند المدخل و يتحدثان بصوت خافض كي لا يسمعهما أحد .. حاولت ان تنصت لما يقولون لكنها و مهما فعلت لن تفهم شيئا .. فهما يتحدثان بالإسبانية ..
شهقت عندما أحست بيد توضع على كتفها فاستدارت لتنظر إلى وجهه
- " داني !! "
سألها و بفمه ابتسامة سخرية ..
- " ماذا تفعلين هنا يا لورا ؟ هل تتنصتين على ماريا و نانيرا ؟؟"
أرادت أن تنفي لكن هذه الحقيقة .. فقالت معترضة تصرفهما و كأنها تدافع عن نفسها
- " إنهما يتحدثان عني "
- " حقا ؟ و كيف عرفت ؟ هل تفهمين الإسبانية ؟! "
- " لا .. لكني سمعت اسمي "
تنصت داني قليلا و قال
- " أصبت ..إنهما يتحدثان عنك "
لم تستغرب فقد سمعتهما يحضران اسمها
- " حقا ؟ و ماذا يقولان ؟"
- " لا .. لن أخبرك "
- " أرجوك يا داني يجب أن أعرف "
- " لن يعجبك هذا يا لورا "
- " داني .. أرجوك "
سكت قليلا .. ثم قال بصوت مؤثر
- " أعرفي يا لورا باني كنت الشخص الوحيد الذي لم يحاول أن يؤذيك هنا"
- " نعم .. لكن ذلك اليوم ... "
قاطعها قائلا
- " ذلك اليوم .. كان خطأ فادح .. و أنا نادم أشد الندم يا لورا .. لقد اعتقدت بأنك تبادليني الإعجاب نفسه .. لكن هذا لا يبرر فعلتي الشنيعة .. أتمنى أن تسامحيني "
وضعت يدها على كتفه و قالت بهدوء ..
- " لا عليك .. سأحاول أن أنسى ذلك .. أرجوك الآن أخبرني بحديثهما "
- " لكن الأمر لن يعجبك "
- " لا بأس .. أريد أن أعرف فالأمر عني أليس كذلك ؟! "
- " نعم ..حسنا .. سأخبرك.. "
قرب أذنيه من الباب ليسمع جيدا .. و اخذ يترجم كل كلمة دارت بينهما للورا ...
ربتت نانيرا على كتفها و قالت
- " ألا تعرفين ما يفعل دون باتريشيو ؟"
أجابتها ماريا و قد بان على صوتها الضيق
- " لا ..لكن يبدو لي بأنه معجب بها كثيرا.. و هذا ما قاله لي ذلك اليوم .. "
- " أبدا يا عزيزتي .. إنه يحبك أنت ..أنت حبه الأول و من الصعب أن ينسى الإنسان حبه الأول.. كل ما يفعله باتريك هو دفعك للشعور بالغيرة .. "
- " لا أعتقد ذلك"
- " صدقيني .. كما أن ماريو أخبرني بأنه يريد أن يكسب ودها فيجعلها بذلك تتنازل عن كل شي أو أن تبيعه حصتها من الورث .. "
- " حقا ؟! و هل هذا صحيح ؟!"
- " كوني متأكدة .. "
- " و كيف أتأكد ؟!"
- " لأن بكل ببساطة لا يمكن أن يعشق هذه الفتاة الجريئة فهو ينتقدها في كل مرة يراها .. إنه يحاول دفعها للجنون .."
- "لقد طمأنتني يا نانيرا .. شكرا لك "
- " على الرحب و السعة ... و اعلمي يا ماريا بأن باتريك لن يتزوج غيرك فقد رأيته تلك الليلة يخرج خاتم زواج الكونتيسة و ينظر إليه .. و عندما انتبه إلي أدخله في درجه بسرعة .. سألته إن كان ينوي الزواج فلم يخطئني و قال لي ببساطة .. ربما .. و كان ذلك بعد أن راقصك في حفلة فوزه بالسباق "
انبسطت ماريا و ابتسمت .. قائلة
- "و أنا لا أريد غيره "
- " جيد .. و الآن تعالي معي و حاولي التقرب منه أكثر يا عزيزتي .."
كادت لورا أن تسقط أرضا و هي تسمع هذه الكلمات تخرج من فم داني ..تجمعت الدموع في عينيها .. أراد أن يضع يده عليها لكنها ابتعدت عنه فقال لها
- " أنا آسف يا لورا قلت لك بان هذا لن يعجبك "
أومأت برأسها قائلة بصوت متألم
- " لا عليك .. شكرا لك.. فانا من طلب ذلك منك و ألح عليك "
- " لورا هل ستكونين بخير ؟"
- " نعم أعتقد .."
- " ماذا ستفعلين الآن بعد أن عرفت الحقيقة ؟"
نظرت إليه بغضب و قالت
- " الحقيقة ؟ إذا أنت تعرف أيضا بأن باتريك يريد التقرب مني كي ... يا إلهي .."
أنزل رأسه و اكتفى بالنظر إلى الأرض .. فثارت ثائرتها و لكزته
- " أخبرني يا داني .. هل كنت تعلم ؟ "
- " نعم يا لورا .. كلنا .. و أنت أيضا .. في داخلك كنت تعلمين بأن لا يمكن أن يحدث شيئا بينكما أنت و باتريك .. و كما تعلمين بأنه لن يتزوج إلا من ماريا "
وضعت يدها على فمها تكتم صرخة قهر كادت أن تخرج منها .. حاول أن يقترب منها مجددا لكنها أوقفته بإشارة منها و قالت
- " توقف .. اتركني وحدي .. "
- " لورا .."
- " داني .. اتركني وحدي .. سأعود إلى حجرتي "
- " افعلي ما تريدين .. لكن صدقيني لم أنوي لك سوءا أبدا .."
لم ترد عليه بل اتجهت إلى حجرتها و قامت بفتح النافذة بقوة .. فهي لا تريد أن يظن الجميع بأنها قد باتت في الخارج مع باتريك خاصة و هي ترتدي قميص النوم و كمشيرها الأبيض فوقه .. دخلت حجرتها و ارتمت على السرير و انهارت باكية .. بكت قهرا و ألما و حزنا لأنها ضيعت من وقتها الكثير ..على شيء ليس هي بحاجة إليه .. و الآن سترحل .. بكرامتها و عزتها فمنذ أن جاءت إلى هنا و هي تشعر بالمرارة و الندم لقدومها .. و ما الذي يجبرها على البقاء بعد كل ذلك .. لقد طفح الكيل .. لا تريد شيئا .. لا الورث ولا ذلك الحب المؤلم ..
اتصلت على سام و أخبرته بأنها سترحل عن هذا المكان و ستعود إلى وطنها و روتينها اليومي ..و بعد أربع ساعات أتى لاصطحابها دون علم أحد و أخذها إلى الفندق حيث يقيم هو و جاكلين ..
قصت عليهم سبب قرارها المفاجئ ..سام وافقها على قرارها لكن جاكلين كانت مترددة .. و فضلت أن تصر لورا على موقفها أكثر ... و لم تعد لورا تستحمل المزيد من الإهانات و المؤامرات .. لدرجة بأن باتريك تجرأ لأن يلمس عواطفها و يلعب بها كدمية ثم يرميها بعد أن ينتهي منها ..
- " على الأقل يا صديقتي تكلمي مع المحامي سانتياغو لعله يستطيع رفع دعوى قضائية "
قالت لها جاكلين .. فأجابت لورا بعصبية
- " آخر ما سيقوم به ذلك المحامي هو رفع دعوى على سيده .. أنت لا تعرفين .. هنا الجميع يعمل ألف حساب للدوق "
- " يا له من مجتمع ديكتاتوري"
- " أتعلمين رغم كل شيء سيء استطعت أن أبحث في الأمور المشرقة فيهم .. و استطعت أن ... أن .. أحبه رغم قسوته .. لأني حاولت أن أرى فيه الإنسان ..."
لم تستطع أن تكمل جملتها لان العبرة خنقتها و ضيقت عليها أنفاسها ..
عاد سام و قد أحضر معه تذاكر رحلة العودة إلى لوس أنجلوس ..
- " سنغادر غدا ظهرا فهذا أقرب وقت ... لن تغادر أية طائرة الآن لتدهور الأوضاع الجوية "
- " لا بأس .. سنحاول أن نقضي وقتا ممتعا هنا "
قالت جاكلين مشجعة صديقتها لتنسى حزنها و ألمها ..
- " ستقام حفلة في الفندق هنا .. "
سألها سام بابتهاج و هو يضع التذاكر جانبا .. و يمسح دموعها بيده ..
- " رائع .. ما رأيك يا لورا ؟ "
- " لا أشعر برغبة في الذهاب .. لكني مع ذلك سأذهب معكما فهذا أقل شيء أستطيع فعله من أجلكما .. "
فتحت ذراعيها لتضمها في آن واحد ..
في المساء افتقد باتريك لورا .. و كان بين حين و أخرى يمر بالقرب من حجرتها و يحاول أن يتنصت .. لعله يسمع لها حسا .. لكن لا شيء ..
رأته ماريا واقفا وحده فاتجهت إليه ..
- " ما رأيك بان نركب الخيل و نتسابق كالأيام الخوالي يا باتريك ؟"
أجابها بفتور دون أن يكلف نفسه بالنظر إليها ..
- " أنا متعب قليلا يا ماريا .. ربما في وقت لاحق .. اعذريني "
- " حسنا كما تشاء .. أبي يبحث عنك .. في الحديقة يريدك أن تشاركه التدخين و التكلم عن التجارة و الأشياء السخيفة هذه .."
- " حسنا .."
تركته بسرعة .. فلمح وانيتا و هو خارجا من بعيد .. نادى عليها و سألها
- " ألم تر لورا اليوم ؟ "
- " لا يا سيدي لم أفعل "
تأفف .. ثم خرج لينضم إلى السيد سيلفادور في الحديقة و جلس معه مشعلا سيجارته و أخذ ينفثها بعصبية .. لا يعرف لم أتاه حدس بأن شيء سيء سيحدث ؟ أو أنه حدث و انتهى و هو في غفلة عن الأمر .. كان السيد سيلفادور يتكلم عن الوضع الاقتصادي و كيفية تحسينه في ألبا و جعلها منطقة سياحية ريفية .. و من الطبيعي أن يتناقش في هذا الأمر مع الدوق .. دوق ألبا .. الذي لم يكن فكره معه بل بشيء آخر .. بإحساسه الغريب .. بلورا !!
- " ما قولك يا دون باتريك ؟"
أيقظه صوت السيد سيلفادور من أفكاره العميقة فالتفت إليه و قال باسما
- " عفوا ؟ "
- " ما بك ؟؟ ما رأيك أن نذهب غدا للصيد ؟ "
- " الصيد !! "
- " نعم .. لديك بندقية أليس كذلك ؟ "
- " آه الصيد .. نعم بكل تأكيد.."
- " رائع .. "
نظر العجوز إلى ساعاته و قال
- " لقد تأخر الوقت .. يجب أن يذهب هذا العجوز إلى فراشه .. و أنت كذلك لأننا سنغادر في الصباح الباكر "
ثم وقف و هو يضحك
- " بلغ سلامي للآنسة آغنر .. آه صحيح أين هي اليوم ؟ "
أحرجه سؤاله فأشار بيده بأنه لا يعلم .. و ليته يعرف أين هي .. فأنه مشتاق لها على الرغم من أنه رآها هذا الصباح
- " عمت مساءا يا بني "
- " و أنت كذلك "
ظل جالسا ينظر إلى نافذة حجرتها المظلمة ... أين عساها تكون ؟!
- " باتريك .."
سمع صوتا فقفز قلبه فرحا .. لكنه عندما استدار تجهم وجهه و عبس
- " ماريا ؟! "
- " انظر ماذا وجدت ؟ "
وضعت أمامه ألبوم صورا لهما عندما كانا مراهقين و شابين يافعين ..
لا يشعر برغبة في النظر إلى تلك الصور .. فباله مشغول .. ألا ترين ؟!
كانت تقلب الصفحات أمامه و تضحك و هي تتذكر كل موقف التقطت فيه الصورة .. لم يكن يشاركها الضحك حتى .. و أحست بذلك الجفاء منه فنظرت إليه بغضب قائلة
- " أين يسرح فكرك يا باتريك ؟ "
- " لا شيء .. بالصور .. "
- " حقا ؟! "
قالها برود
- " نعم "
- " لا أعتقد ذلك .. إنك لا تنظر إلى الصور حتى "
لم ينطق بكلمة .. بل قام بإشعال سيجارة أخرى ... أحست بانها مثل هذه السيارة التي تشتعل و تحترق و هو بكل برود ينفث دخانها ... فصرخت بوجهه
- " حسنا .. سأعترف لك .. إني أموت في اليوم غيرة مئة مرة .. فتوقف عن لعبتك.."
و كأنه تلقى لطمة على وجهه و نظر إليها مستغربا ..
- " لعبة ؟! "
- " أنت تعرف ما أقصد "
استدارت لتغادر لكنه جذبها من يدها بقوة لتقف و قال لها بصوته المهيب ..
- " وضحي لي .."
توقفت لحظات و هي تشعر بشيء من الخوف .. و بعد فترة صمت قالت ..
- " أنت و لورا .. لقد نجحت في إشعال الغيرة داخلي فتوقف و دعنا نبدأ من جديد .. "
قهقه قهرا و سخرية من القدر .. و ترك يدها
- " هل تعتقدين بأن ما يحدث بيني و بين لورا هو لعبة لأجعلك تشعرين بالغيرة و من ثم تعترفين لي فنبدأ من جديد ..؟ "
- " ماذا تعني ؟ "
- " أنت مخطئة يا عزيزتي .. أنا و أنت كنا خدعة .. فرضنا أهلنا على بعض .. لم نكن نحب بعض أبدا .. "
تجمعت عيناها بالدموع و هي تسمع هذا الكلام الجارح من باتريك .. و قالت بانكسار بضعف ..
- " بلى .. أنا أحبك يا باتريك"
نظر إليها .. لا يعرف ماذا يقول .. لا يريد أن يجرحها أكثر ..فاستقام واقفا ليقترب منها و طبع قبلة على جبينها و قال بضيق
- " عمت مساءا يا ماريا ... و لا تنتظري مني شيء .. و إن كنت تعتقدين باني ألعب عليك فأنت مخطئة "
- " ماذا يعني هذا ؟ "
- " تصبحين على خير "
- " باتريك توقف.. ماذا يعني هذا ؟!! "
لكنه تركها و غادر ليدخل حجرته و يقفل على نفسه الباب .. أخذ يجول في الجناح ذهابا و إيابا و القلق يتاءكل بداخله ... نظر إلى ساعته التي تشير إلى الواحدة صباحا .. يا إلهي الوقت يسير ببطء و كأنه قد توقف ... خرج إلى شرفته و أخذ ينظر ناحية حجرة لورا بالأسفل .. الأنوار لا تزال مطفئة .. ما الذي يحدث ؟ّ
لم يعد يستحمل أكثر .. خرج من غرفته و كالطائرة اتجه إلى حجرة لورا .. طرق الباب .. لا أحد يجيب .. طرق مرة أخرى .. فثالثة .. دون أي حس أو حركة تصدر .. فتح طرف الباب و قال
- " لورا .. لورا .. هل أنت هنا ؟ "
أجابه صوت زفير الهواء من النافذة المفتوحة.. دخل الحجرة و أضاء الأنوار .. لا أحد بالداخل .. قرصه قلبه بقوة .. و لأول مرة يشعر بان لا حول له و لا قوة .. التف يبحث عن شيء ما .. فلم يجد حقائبها و لا ثيابها !!! أين ذهبت لورا ؟!! هل غادرت ؟!! و لم ؟!!
وقفت على الطاولة و أخذت ترقص بجنون كانت ثملة جدا .. و الرجال يحومون حولها و يرقصون فرحين بالقرب منها .. و هي بلا اكتراث .. كان سام جالسا يراقبها و بيده كاميرته و يأخذ لها عدة لقطات .. لكزته جاكلين بانزعاج قائلة
- " إنك لا تضيع وقتك أليس كذلك ؟"
نظر إليها معترضا
- " ماذا ؟! "
أشارت ناحية لورا التي كانت تبدو لها إنسانة غريبة غير صديقتها
- " انظر إليها !! "
قال بلا مبالاة
- " إنها تحاول نسيان ذلك المعتوه .. بقضاء وقت ممتع "
- " أعتقد أن أحد المرعبين سوف يهجم عليها "
- " لا تقلقي .. إنها تعرف كيف تدافع عن نفسها .. بالله عليك إنها لورا آغنر "
فأجابته جاكلين باستهزاء من عدم اكتراثه
- " نعم أصبت .. تحمي نفسها .. و هي بهذه الحال "
فجأة توقفت لورا عن الرقص و دفعت أحد الشباب الراقصين بعيدا عنها..و اتجهت ناحية البار حيث سام و جاكلين .. تطلب كأسا آخر .. و تشربه دفعة واحدة .. و بعدها وضعت رأسها على المنضدة ... و ما هي إلا دقائق حتى دخلت بسبات عميق ..
- " سام .. ساعدني على حمل لورا إلى الحجرة .. لقد أفرطت في الشرب ..إنها نائمة "
حملها سام و صعد بها الحجرة .. وضعها في الفراش .. فاستلقت كالطفلة الصغيرة ..
قال معلقا و هو ينظر إليها
- " تلك المجنونة .."
- " إنها ليست مجنونة بل مجروحة.. لقد كنت تقول بأنها كانت تقضي وقت ممتع.. "
- "هذا صحيح ..لكن كان المفروض منذ البداية أن تقوم برفع دعوى قضائية على ذلك الدوق المتعجرف .. كنت وكلتها أشهر المحامين في لوس أنجلوس لو تركتني أفعل "
- " ليس الآن هو وقت اللوم يا سام .. همنا الوحيد أن نبعدها عنه الآن .. هل يعرف باتريك أين نقيم ؟ "
- " لا .. كما أنني لا أظنه سيبحث عنها .. "
- " كيف و هي لم تقدم تنازل أو أي شيء بشأن ذلك الورث اللعين الذي لم يجلب إلا المشاكل ؟ "
- " أتمنى لو أني أوسعه ضربا .."
صوت لورا الحالمة قاطعهما .. اقترب منها سام ليسمع بماذا تتمتم لورا ..
- " باتريك !! .. باتريك ّ!! "
12-
مر شهر و نصف و لورا تحاول أن تنهك نفسها بالعمل و الدراسة .. إكمال دراستها للحصول على درجة الماجستير في علم الآثار , فتذهب منذ الصباح الباكر إلى الجامعة و تعود عصرا لتناول وجبة مع سام و من بعدها تبدأ في العمل بالأستوديو و التصوير و عروض الأزياء و الحفلات التي تدعو إليها و من ثم تعود إلى المنزل في وقت متأخر جدا .. فتضع رأسها على الوسادة و تغط في سبات عميق ثم تستيقظ في الصباح و هكذا ... كل ذلك حتى تنسى باتريك و الحب الذي يعتصر قلبها كل وقت و كل دقيقة تنفرد بنفسها , فتأتي صورته لتزعزعها من جديد..
و في ذلك اليوم و بعد الانتهاء من التصوير ذهبت هي وسام لاصطحاب جاكلين إلى إحدى عروض الأزياء لشراء فستان زفافها .. فجاكي ستتزوج من صديقها براد ويسلي في نهاية الأسبوع ..
- " ماذا ؟! نهاية الأسبوع لابد إنك جننت يا جاكي "
تبادلت لورا و جاكي النظرات مستغربين من سام المعترض
- " و لم لا يا سام ؟ "
- " كيف ستنهي كل شيء خلال أسبوع واحد .. "
- " لا تقلق فلقدنا بدأنا بذلك منذ فترة طويلة "
و أخذتا تضحكان و تلكزان بعضهما البعض الأمر الذي جعل سام يثور و يصيح بجنون ...
- " لكن ماذا عن عرض مارك جيكوبس يا لورا ؟! .. فهو أيضا في نهاية الأسبوع .. "
توقفتا عن الضحك فجأة بالفعل ماذا ستفعل حيال ذلك فلا تستطيع أن ترفض عرض مارك جيكوبس خاصة و أنها قامت بالتوقيع على العقد .. سيكون الأمر صعبا
- " لن تقولي شيئا سلبيا يا لورا بل ستذهبين .. لأنك وقعت على العقد و لن ترفضيه .. إنه مارك جيكوبس .. و أنت يا جاكي حاولي أن تغيري موعد زفافك .. من أجل لورا "
فأجابت جاكي مبتسمة و مطمئنة
- " أعتقد بأن حفل الزفاف سيكون بعد عرض الأزياء .. اهدأ يا سام"
لكن لورا قالت بقلق ..
- " لكني لن أكون موجودة في ليلة العشاء يا جاكي فكيف ذلك و أنا صاحبة الشرف ؟!"
ربتت على كتفها و قالت
- " سنذهب جميعنا إلى عرض مارك جيكوبس .. نحن مدعوون أليس كذلك يا سام ؟ "
- " نعم بكل تأكيد "
- " جيد و بعد عرض الأزياء .. سنقيم حفل العشاء .. و سنذهب جميعنا معا .. "
ضمها سام بقوة .. و قبلها
- " ستكونين أجمل عروس يا جاكي ... "
- " يا محتال "
كان ينظر من نافذته إلى جبل هوليوود عندما اقترب منه ماريو ليقول له بأن الطائرة قد حطت .. ما أن نزل من الطائرة حتى لفحه الهواء البارد و شعر بأن الروح تعود له من جديد .. فتفكيره و إحساسه بأن لورا موجود على هذه الأرض يبعث في نفسه الدفء و السرور و البهجة ..
اتجه إلى قصره في إحدى ضواحي لوس انجلوس .. قال له ماريو بأنه يجب أن يقابل أصحاب العقد الذي أبرمه معهم في ألبا مساء اليوم ..
- " ليس اليوم يا ماريو ...أبلغهم باني متعب .. فلدي أمر أهم من ذلك "
- " ألن تذهب إلى الشركة يا سيدي؟ "
- " لا .. غدا .. ربما .. أو الذي بعده .. "
- " لكن .."
قاطعه باتريك قبل أن يضيف أي شيء و قال بصوت حاد ..
- " ماريو ألغي كل ارتباطي لهذا الأسبوع .. فلقد قلت لك لدي أمر أهم من العمل كما و إنني وصلت للتو .. بالله عليك يجب أن آخذ قسط من الراحة ... و أنت تعلم جيدا السبب الرئيسي لقدومي إلى لوس انجلوس .."
ثم دخل حجرته و أخذ الهاتف ليتصل بصديقه ( بن ) الذي يعمل صحفي لأحد المجلات المشهورة في الولايات المتحدة .. و ما أن أغلق باتريك الهاتف منه حتى وصل بن بعد دقائق قليلة .. و هو يحمل بيده مجلات و جرائد مختلفة..
- " مرحبا يا صديقي كيف حالك ؟"
- " بخير"
صافحه باتريك و دعاه للجلوس .. فمد الأخير المجلات له و هو يبتسم بخبث ..
- " هذا ما طلبته أليس كذلك ؟! "
- " نعم شكرا لك .."
أخذ مجلة (اكسبلوجر) التي يحتوي غلافها على صورة للورا بفساتن أبيض أسباني و هو الذي ارتدته لمهرجان دوس العنب .. فتح المجلة إلى الصفحات التي تتكلم عن لورا .. و كان العنوان ( لورا آغنر .. عشت قصة خيالية في ألبا )
و من بعدها عدة صور لها في القصر و في الشلال و هي ترقص بالقرب من باتريك .. لكن لم يظهر وجهه إلا جزء من ظهره .. و صورا عديدة أخرى آلمته و أبهجته في نفس الوقت ..
أغلق المجلة بسرعة و تركها مع المجلات جانبا و سأل بن و هو يحتسي فنجان القهوة ..
- " ماذا لديك لتقول لي يا بن ؟ "
- " لم أنت مهتم جدا بالآنسة آغنر ؟ "
- " ستعرف ذلك لاحقا .. لكن أخبرني الآن "
- " حسنا ..ما عرفته بأن لديها غدا عرض أزياء لمارك جيكوبس .."
تغيرت نبرة صوت بن و هو يضيف , مما جعل القلق يجتاح باتريك فيستحثه على النطق بنفاذ صبر فقال ..
- " و في اليوم الذي بعده سيقام حفل زفافها "
ترك باتريك قهوته و سأله بعصبية
- " ماذا ؟ زفافها ؟ هل أنت متأكد ؟! "
- " نعم .. إن الكل يتحدث عنها و عن زفافها .. فهي منذ أسابيع ترتاد دور الازياء المتعلقة بفساتين الأعراس .. و الجرائد تتكلم عنها .. اقرأ .. "
شعر باتريك بطعنة خيانة في قلبه .. إذا قد تكون لورا هي من كان يلعب لعبة و يحاول التقرب منه من أجل حصولها على الورث و كل شيء .. استقام واقفا بعصبية ... و أخذ يجول في أرجاء الحجرة ..أمام مرأى ماريو الذي دخل و سأل بن
- " ما به دون باتريك ؟ "
كان بن يشعر بالضيق من تصرف باتريك المفاجئ .. فأجاب ماريو
- " لقد أخبرته أن لورا آغنر ستتزوج بعد غد "
- " ماذا ؟!!"
علا صوت ماريو بسبب الصدمة,,
فالتفت باتريك ينظر إليهما بغضب .. و قال موجها الحديث إليهما
- " كيف أستطيع الحصول على بطاقة دخول لعرض مارك جيكوبس ؟! "
جلست في غرفة التبديل مع باقي عارضات الأزياء و هي تشعر بتوتر .. على الرغم من اعتيادها على عرض الأزياء أمام ملايين من الناس و آلات التصوير إلا أنها دائما ما تشعر بالرهبة و الخوف .. و هو أمر طبيعي لامرأة ناجحة مثلها ... وقفت لتطل من خلف الكواليس على الجالسين لعلها تلمح والديها أو أي أحد يطمأنها ..
تصلبت في مكانها عندما لمحت من بعيد شخصا طويل و عريض المنكبين يدخل و خلفه رجلين و يجلس بعيدا عن المسرح .. و بدا لها كأنها رأت باتريك !!
حاولت أن تدقق النظر أكثر .. لابد أنها قد جنت ..
دخل سام و هو ينظر إليها متوترة و متصلبة .. جذبها إلى الكنبة فقدم لها كأسا لتهدأ أعصابها قليلا
- " ما بك يا عزيزتي ؟! "
لم تنطق .. فمازالت تنظر ناحية المقاعد و تعيد في مخيلتها ذلك الشخص الذي يشبه باتريك كثيرا .. هزها سام بقوة فانتبهت له و نظرت إليه ..
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك