رواية الذوق الاسباني -6
على الرحب و السعة يا آنسة لورا "
- " ارجوك .. ناديني بلورا "
- " حسنا .. لورا .. هل يعجبك هذا ؟! "
- " بالطبع.. خاصة و أنك أصبحت صديقتي المقربة و اعترفت لك بسري الدفين .. "
ابتسمت لها وانيتا بابتهاج
- " و أنت كذلك يا آنسة.. أقصد يا لورا .. امرأة متفهمة و ناضجة و عادلة و لك قلب أبيض كبير"
- " شكرا لك .. إنك تحرجينني "
- " بل هذه الحقيقة يا لورا و الدوق يقن لذلك "
تورد خدي لورا لكلام وانيتا و لأنها ترسم لها آمال و أحلام بعيدة المنال .. فحتى و ان يكن الدوق يعشقها فهو لن يبوح لها بذلك فآخر ما يريده هو أن تكون بينهما علاقة .. سترضى بالأمر الواقع ..
دخل باتريك القصر في وقت متأخر جدا من الليل و كان يبدو عليه التعب و الإرهاق .. صعد الدرجات بهدوء .. شيئا ما دفعه لان يقترب من جناح لورا .. وقف لدقائق و هو يسمع بهذا الهدوء ضربات قلبه المتسارعة .. آه كم يتمنى أن يفتح الباب فقط لأن يراها من بعيد نائمة و مرتاحة في فراشها ..
كانت جالسة على الكنبة و ملتحفة بغطاء صغير تقرأ كتاب "لجين أوستن" بعنوان "الليدي سوزان "عندما رأت ظل أقدام عند أسفل فتحة الباب .. قامت بهدوء و اتجهت لتفتح الباب .. ارتجفت يديها و ضرب قلبها بشده .. لعله يكون داني !! .. استطاعت أن تضع يدها على المقبض و تجذبه .. اهتز بدنها و اقشعر عندما رأته واقفا ينظر إليها بدهشة .. فتح فمه ليتكلم لكنه أغلقه و فعل ذلك أكثر من مرة حتى أخيرا قال
- " آسف لم أكن أريد إزعاجك آنسة آغنر "
لم ترد عليه ..بل اكتفت بان نظرت إلى أجمل عينين مرهقتين و أوسم وجه متعب رأته .. تجهم وجهه و كأنه تضايق من نفسه و من تصرفه .. فماذا كان يفكر بان يقف عند باب حجرتها في هذا الوقت من الليل و هو بهذه الحال الرثة و بتلك الثياب المتسخة و الشعر المبعثر الذي أضفى إليه منظر الشاب الشقي.. نظرت إلى ثيابه و ساورها القلق ففتح الاثنان فمهما للتكلم في نفس الوقت .. ثم سكتا معا و انتظرا أحد منها أن يتكلم أولا .. و عندما طال الانتظار فتحا فمهما معا للمرة الثانية .. قهقه بهدوء و ابتسمت بخجل.. أشار لها بيده بأن تبدأ أولا .. ترددت ..لان تسأله عن سبب منظره الرث و هي لأول مرة تراه هكذا فهو دائما ما يكون متأنقا حتى و هو يمتطي الخيل .. لكنها عوضا عن ذلك غيرت السؤال بآخر
- " كنت أريد أن أشكرك لما فعلته بالأمس .. أنقذت حياتي "
- " لا داعي يا آنسة فهذا واجبي .. أنت ضيفتي و أنا مسئول عن أي شيء يصيبك .. خاصة إنني لم أكن مضيافا لك في الآونة الأخيرة.. فاعذريني "
نعم هذا ما كرهت أن تسمعه .. ابتسم لها و سألها
- " كيف حالك الآن ؟! "
- " على أحسن ما يكون .. الفضل يعود لك و لوانيتا و الطبيب جيوفاني الذي آلمني بحقنته"
عبس وجهه و قال قلقا
- " حقا ؟! هل آلمتك كثيرا؟!"
هبط قلبها إلى بطنها و هي ترى تغير ملامح وجهه.. لقد صدق كلام وانيتا .. قالت بخجل
- " لا .. ليس كثيرا .. إنه ألم أستطيع تحمله .. "
بعكس الألم الذي أشعر به الآن من نظراتك .. و جفاءك .. و كبريائك و عنادك .. هذا ما تمنت أن تقوله له
- " هذا أكيد فأنت امرأة قوية آنسة آغنر .. أتمنى أن تستعيدي عافيتك قريبا فهناك العديد من الفعاليات ستقام في بداية الأسبوع و آمل أن لا تفوتيها "
- " فعاليات ؟! "
أومأ قائلا
- " نعم .. إنها مجرد عادات و تقاليد تقام كل سنة ,,سترين .. حسنا آنسة آغنر .. سأتركك لترتاحي.. اعتني بنفسك و آسف على إزعاجك "
- " لا أبدا ليس هناك إزعاج .. و أنا متشوقة لتلك الفعاليات لذلك سأعتني بنفسي .. شكرا لك دون باتريك "
أومأ برأسه لها ثم رجع خطوات للخلف و هو يودعها تمنى أن يبقى في مكانه و ينظر إليها
- " عمتي مساء آنستي "
أغلقت الباب خلفها و استندت عليه و هي تعيد رسم ملامحه حتى تحفظها في ذاكرتها جيدا .. خفق قلبها بقوة لكلمته الأخيرة التي ظلت ترن بمسمعها ( آنستي ) و كأنها تخصه .. و آه كم تتمنى أن يناديها باسمها الأول و يلقي الحواجز و الرسميات بينهما ..
إن ما يحدث بينهما مثل رواية من روايات "جين أوستن" .. و صدقت "جين أوستن" الكاتبة المشهورة بوصفها الدقيق لمعاني العشق .. فلورا حتما معتلة به ...
استيقظت صباح اليوم التالي و هي تشعر بنشاط و حيوية فارتدت ثياب عملية مريحة و حذاء رياضي و نزلت الدرج قفزا و كأن حقنة الطبيب جيوفاني قد أدت مفعولها جيدا .. توقفت عند باب غرفة الطعام عندما سمعت صوت نانيرا تتحدث مع شخصا ما .. و لأول مرة كنا يتحدثان بمفردهما بالإنجليزية ..
- " ألن تتصل به يا دون باتريشيو ؟! "
- " لا لن أفعل "
- " لكنه صديقك المقرب "
- " لقد ارتكب خطأ و يجب أن يعاقب عليه"
- " و ما الذي يجعلك تلومه وحده فهي أيضا تتحمل جزء كبير من الخطأ.. فماذا كانت تفعل في حجرته ؟! و لم كانت عارية .. إنه رجل و لابد أنها أغرته "
قال بعصبية
- " نانيرا .. أنت لا تعرفين شيئا "
- " إذا أخبرني بالذي أجهله .. كل ما أراه هو أن تلك الخبيثة دائما وراء المشاكل .. لا تدعها تفرق بينك و بين صديقك المقرب .. اتصل به و تصالحا .. غدا يوم مهم بالنسبة لك و ينبغي أن يكون هنا يساندك كما يفعل دائما.."
فتح جريدته و هو يقول لها
- " إذا هذه السنة لن يكون هنا "
- " بالله عليك يا بني لقد سامحته و سامحك على كثير من الزلات ألا يمكنك أن تسامحه على غلطته هذه .. أنتما صديقين منذ الطفولة و واجهتما الكثير معا "
فكر بكلام نانيرا ..
- " حسنا نانيرا .. سأتصل به لكن ليس الآن .. "
احتضنته و قبلت رأسه ..
- " هذا هو باتريشيو الذي أعرفه .. هيا تغذى جيدا فلديك تدريب .. و أنا متأكدة بأنك ستضيف كأسا عاشرا على تلك الكؤوس .. بالمناسبة أين كنت أمس ؟!"
- " هنا .. في حجرتي"
عرفت لورا بأنه يكذب فلم يكن بحجرته .. لقد عرفت ذلك من ملابسه الرثة ...
قررت أن تعود إلى جناحها فذلك أفضل لها .. لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن كما يقول المثل ..
- " آنسة آغنر حمدا لله على سلامتك "
التفتت لتجد ماريو خلفها
- " شكرا لك "
- " هيا تعالي و تناولي الإفطار معنا "
- " لكن.."
لم يدعها تكمل كلامها لأنه دفعها من كتفها بهدوء إلى داخل غرفة الطعام .. رأتها نانيرا بعين حادة طويلا ثم غادرت المكان .. أنزل باتريك جريدته و أخذ ينظر إليها و قال مبتسما عندما رآها مرتدية فستان مشجر قصير و قد تزينت بمكياج خفيف .. و هذا يدل على أنها قد استعادت عافيتها من جديد ..
- " ماذا تفعلين ؟! ألا يفترض بك أن تكوني في فراشك ؟ "
- " لقد أصبحت أفضل .. كما أن شفائي سيطول إذا حبست نفسي بالحجرة "
- " نعم أصبت .. تفضلي "
وقفا حتى تجلس .. كانت تنظر إليه .. بدا مرتاحا و غير عدائيا تجاهها على غير عادته .. جلست فسكبت لها إحدى العاملات القهوة الساخنة .. شرفت منها قليلا لتزيدها نشاطا ثم نظرت إلى باتريك الذي كان يحملق فيها .. لكن ما أن أحس بها تلتفت إلها .. رفع جريدته و اصطنع بأنه يقرأ باهتمام ..
- " دون باتريك .. "
رفع رأسه عن الجريدة
- " نعم آنسة آغنر .."
- " كنت أريد .. أعني لو نتحدث عن مسألة الميراث لننتهي منها و يرتاح كل منا "
أعاد الجريدة إلى عينيه ..
- " ليس الآن بالوقت المناسب "
دائما يؤجل هذا الحديث ..لا تعرف ما يخشاه ..و ها قد عاد إلى برودته مرة أخرى ..
- " لكن في كل مرة تؤجل الحديث و تغير الموضوع و أنا أرى بأن الآن هو الوقت المناسب"
أنزل جريدته و قال بصوت جدي و حاد يقطع الأحشاء ..
- " حقا ؟! حسنا إذا هيا تكلمي فلدي فقط خمسة دقائق كنت أنوي أن أقرأ فيها الجريدة و أغادر لأن لدي أعمال مهمة في مجلس الشيوخ بالمدينة .. فهل باستطاعتك أن تنهي المسألة بخمسة دقائق يا آنسة؟!"
استقامت واقفة و قالت بانزعاج
- " أنا آسفة لتضيع وقتك .. اعذرني "
ثم خرجت من غرفة الطعام و صعدت إلى جناحها .. تضايق لتركها قهوتها لكنه حاول أن يدعي عدم الاكتراث ..
دخلت وانيتا بعربة الإفطار جناح لورا و سعدت عندما رأتها مرتدية ثياب أخرى غير قميص النوم و بدت أكثر نضارة مما كانت عليه بالأمس ..
- " أرى بأن صحتك قد تحسنت ؟! "
- " نعم أشعر بذلك "
- " إذا لم لا تنزلين لتناول الإفطار ؟! "
- " فعلت و لقد صعدت للتو .. لكني لم أتناول شيئا "
- " و ما الذي يضايقك ؟! "
- " و من يكون غيره .. دائما ما يتعذر عن الحديث بسبب انشغاله "
- " نعم .. أنا آسفة لذلك "
- " كما أنني متضايقة لأني سمعته بالخطأ يتحدث مع نانيرا التي تعتقد باني السبب فيما حدث بيني و بين داني .. آه تلك العجوز كم هي مزعجة .. إنها تكرهني أكثر مما يفعل دون باتريك لا أعرف هل حلالها هو الذي أشاركها به ؟! "
- " إنها من قامت بتربية الدوق و كانت أمه أكثر من الكونتيسة .. لكن لا عليك منها فكما قلت هي عجوز مخرفة "
تناولت خبزا من أمامها ثم قالت
- " آه نعم .. ما هذه الفعاليات التي تقام كل سنة ؟! لقد سمعت نانيرا تقول لدون باتريك بأن يتغذى جيدا حتى يربح و يحصل على الكأس "
- " نعم .. تقام كل سنة في هذا الوقت سباق للخيل بين سكان مدينة ألبا النبلاء و يقام احتفالا كبيرا ويرتدون فيه النساء ثياب أنيقة و يبدعون في قبعاتهن و في كل سنة يفوز الدوق.. هذا كان قبل أن يغادر أسبانيا و يحدث ما حدث بينه و بين الكونتيسة .. و الآن يبدو بأنه يعيد هذه الفعاليات لمثوى والدته "
- " لم أكن أعرف ذلك .."
- " و كانت الكونتيسة في الليلة التالية من فوز ابنها تقيم احتفالا لهذه المناسبة و تدعو النبلاء إلى وليمة كبيرة .. ستتعجبين مما سترين من فساتين سهرة و أطقم و نساء جميلات و رجال متأنقين يرقصون السامبا و الرومبا و الفالس ... لكني لا أعرف إذا كان الدوق سيقيم حفلة هذه السنة أم لا ؟! "
- " و لم لا يفعل ؟! "
- " لان الكونتيسة هي التي اعتادت أن تقيميها و لابد أن ذلك سيحزنه كثيرا .. لكننا سنعرف ذلك غدا بعد السباق "
اتسعت حدقتا عين لورا و قالت بدهشة
- " السباق غدا ؟! "
- " نعم .. أتمنى أن يكون لديك ثياب مناسبة لذلك وأهم شيء قبعة "
- " لا .."
- " لا عليك سنتدبر ذلك لاحقا .. بالمناسبة .. هل تجيدين الرقص ؟!"
ضحكت لورا و هي ترشف من عصير البرتقال فأجابتها
- " و من سعيد الحظ الذي سيرقص معي ؟! "
- " دون باتريك ؟ "
زاد ضحك لورا و لم تعلق على جواب وانيتا ..
طرأت فكرة ببالها بأن تذهب إلى المدينة اليوم للتسوق و تحاول أن تقنع الدوق بأخذ وانيتا معها ..
انتظرته حتى يعود .. نفذ صبرها و هي تنتظره قررت أن تذهب بنفسها إليه .. لكن الحراس أخبروها بأنه غادر القصر و أخذ معه السائق و لم يعد حتى الآن.. إذا ليس بإمكانها الذهاب إلى المدينة للتسوق و لن تستطيع أن تذهب إلى السباق غدا و هي ليس لديها شيئا مناسبا لترتديه ..
سمعت صوت هدير سيارة في الخارج في وقت متأخر جدا من الليل .. نظرت عبر النافذة لترى باتريك يخرج من السيارة و ماريو خلفه و شخصا ثالثا ...
داني ؟!!!
إذا لقد ذهب لإحضار صديقه .. يا إلهي كيف ستواجه داني بعد الذي فعله لها ؟!
و قررت بينها و بين نفسها بأنها ليست مستعدة لن يتلاقيا غدا لذلك لن تذهب إلى ذلك السباق و ستقضي اليوم هنا بين جدران القصر ..
استيقظت على صوت طرقات الباب على حجرتها .. و كانت وانيتا ..
- " ألم تستيقظي يا لورا ؟! بعد قليل سيبدأ السباق .. هيا تجهزي بسرعة "
- " لا لن أذهب يا وانيتا "
- " و لم ؟! "
- " أشعر بالنعاس .. كما أن ليس لدي شيئا لارتديه "
- " ارتدي أي فستان لديك .. و أنا متأكدة بأنك ستبهرين الجميع "
- " لا.. لا أريد الذهاب .. "
- " حسنا كما تشائين لكن أخبريني إذا غيرتي رأيك "
- " سأفعل "
خرجت وانيتا و تركت لورا لوحدها تتحسر فهي تود الذهاب لكنها لا تريد أن تواجه طبقات المجتمع الراقي و تتمنى أن تشاهد فارسها على ظهر الجواد يتسابق مع بقية الرجال ثم يحرز الفوز .. لكنها لا تريد أن تلفت الانتباه إليها.. كما و أنه لم يدعوها بالأمس شخصيا إلى الحضور بل أخبرها تلك الليلة بأن تتشافى حتى تستطيع الذهاب معهم .. لعله لا يود اصطحابها و انه يفضل أن تكون مريضة في فراشها بدلا من وقوفها مع نبلاء ألبا ..
استلقت على الفراش عندما سمعت جدال بين رجال و صوت امرأة بالخارج في البداية تجاهلت الأمر لكن بعد أن أدركت بأن المتكلمين كانا يتحدثان بلغتها الانجليزية و بلكنة أمريكية همهما الأمر فقامت لإلقاء نظرة من النافذة و .. شهقت أثر ما رأته ...
ارتدت روبها و نزلت الدرج ركضا حتى فتحت الباب ..قالت بدهشة
- " سام .. جاكي ؟!! ماذا تفعلان هنا ؟! "
اقترب سام ليحتضنها ثم قال للحراس بغضب
- " انظروا إنها تعرفنا.. لورا عزيزتي اشتقت لك "
كانت تحت تأثير الصدمة
- " و أنا كذلك لكن ماذا تفعلان هنا ؟ و كيف عرفتما بأني هنا ؟! "
ضمتها جاكي و قالت ضاحكة
- " تلك الليلة بعد أن تحدثنا شعرت بأنك لست على مايرام ثم تحدثت إلى والدتك و أخبرتني كل شيء عنك و قمت بعمل بحث صغير عن مكان إقامتك ثم حجزت .. مفاجأة.."
ابتسمت لورا بتوتر ثم جذبت جاكلين بعيدا و همست بأذنها
- " لكن ماذا يفعل سام معك ؟! "
- " زارني قبل ثلاثة أيام يسأل عنك .. و عندما رآني أوضب حقيبتي أصر علي أن يأتي معي .. و أنت تعرفين سام عندما يصر على رأيه "
ضحك سام و أضاف قائلا
- " بالطبع كنت سآتي لأقنعك بالعودة .. و كيف لا أفعل و عرض الأزياء سيقام في أسبوعين و يجب أن نجهزك .. يا إلهي لا تبدين على ما يرام يا عزيزتي ؟! انظري يا جاكي إلى السواد تحت عينيها "
و أخذ وجهها بين يديه و هي تقاومه و تضحك
- " تفضلا بالدخول "
منذ دخولهما من الباب و عينياهما لم تتوقف عن الدوران في التأمل بهندسة القصر الفخم و الأثاث الراقي .. حتى فتحت لهما باب جناحها و دعتهما للدخول
- " إذن هذا هو جناحك ؟! "
سألها سام و هو يتمشى في الجناح
- " نعم .. إنه كبير كحجم شقتي في لوس أنجلوس "
أضافت جاكلين .. فقالت لهما لورا
- " القصر بأكمله رائع و العجيب فيه هو تاريخه القديم "
جلس سام و مد رجليه على المنضدة أمامه
- " آه صحيح أين الدوق؟ أريد أن أقابله "
- " سام .."
حدجته جاكلين بنظرة حادة .. ابتسمت لورا فهو لا يعرف شيئا عن من يسأل وإن عرف الدوق بوجودهما سيشتاظ غضبا .. آه كم تريد أن ترى تعابير وجهه عند مقابلته إياهما ..
- " إنه في سباق للخيل "
- " و أين بقية الناس الذين يعيشون في هذا القصر "
- " معه .. يشجعونه!! "
رأت جاكي نظرات حزن في عين لورا فسألتها قائلة
- " و أنت ؟! لم لست معهم؟ "
- " ليس لدي شيء لارتديه خاصة و أن هذا السباق لنبلاء المنطقة فتوقعي ما سترتديه النساء من فساتين أنيقة هذا بالإضافة إلى القبعات التي ليس لدي منها "
- " يا حبيبتي .. كنت طلبت من الدوق أخذك إلى السوق "
قال سام .. و كأن الأمر بسيط هنا ..
- "كلا يا سام إن الأمر معقد .. الدوق لا يتحدث معي .. حتى أنه لم يتعب نفسه بدعوتي و كأني لست موجودة .."
- " كنت سأفعل لكنه أتى في وقت متأخر و فات الأوان "
- " إذا الحل عندي فأنا سام ديكاري .. أم نسيتني؟! "
قالها غامزا بعينيه .. ثم طلب بإحضار حقائبه و ما إن وصلت حتى أخذ بفتحها و هو يخرج ما بها فانفجرت لورا و جاكلين ضحكا عندما رأت بأن أغلب الثياب التي أحضرها سام هي للورا و التي تفوق ثيابه .. عبارة عن ثلاث حقائب مليئة بالبدلات الباهظة الثمن و الفساتين لأشهر المصممين و حقائب و أحذية و الإكسسوارات و حقيبة رابعة لملابسة هو و الخامسة لمعدات التصوير .. و كأن سام قد احضر معه الأستوديو بأكمله.. انتقى لها ثلاث بدلات بأحذيتهم و حقائبهن و لحسن حظ لورا بأنه أحضر معه قبعتان أنيقتان ..
- "من حسن حظك يا لورا بأن موضة الموسم هي القبعات .. هيا اختاري البذلة التي تعجبك يا و سنذهب جميعا إلى ذاك السباق "
ضمت بقوة و قبلته
- " أنا سعيدة لوجودكما هنا .. "
- " و نحن كذلك .. لا تضيعي الوقت .. هيا أسرعي "
اصطف المتسابقين في حيزهم .. رفع نظره إلى المدرجات حيث يجلس الجمهور متفرجين .. و أخذ يبحث بين الوجوه عن وجه يحب رؤيته .. وجه جميل كنور الصباح .. لقد أمل أن يراها جالسة بين الحضور .. لكن للأسف لا أثر لها .. ابتسمت له الكثير من الفتيات الصهباوات الجميلات و بادلهن الابتسامة قدر ما يستطيع .. فبعضهن وجهها مألوف و الأخرى يعرف أبويها و ثالثة كان بينهما علاقة فيما ما مضى قبل مغادرته ألبا .. لوح لها بيده .. ثم انطلق بخيله ما أن سمع صوت طلق النار و فتح له الباب .. في البداية كان المتسابق رقم خمسة يتفوق عليه بخطوات .. ضغط على نفسه حتى أسرع جواده و أصبح هو في المقدمة ..
- "هذا هو .."
أشارت لورا بيدها على الدوق .. و كانت مبتهجة لرؤيتها له في المقدمة .. كانت واقفة في آخر صف بالمدرج و سام و جاكلين بالقرب منها
- " يا إلهي إنه شاب !! لقد اعتقدت بأنه كبير في السن .. كم يبلغ من العمر ؟! "
سألتها جاكلين و هي ترى الدوق يركض بحصانه و يتفوق على جميع المتسابقين
- " سيبلغ الثلاثين على ما اعتقد .. هذا ما قالته لي وانيتا.. أنا مثلك قبل أن أقابله اعتقدت بأنه رجل كبير بالسن "
لكزتها جاكلين و هي تقول
- " أتساءل إن كان هذا الجسد الرياضي يحمل وجها وسيما ؟ .. فما قولك ؟! "
و فجأة صفق الجمهور بحماس و وقفن السيدات و الشباب .. و كما يقول المثل ( أنقذت بالتصفيق) كان الدوق يتمشى بجواده و يقترب من مدرج الجمهور فيرفع قبعته و يطأطئ رأسه .. ثم غمز بعينيه لنانيرا فأرسلت له قبلة في الهواء فرفع يده ليلتقطها .. التقط قلبها في رقي أسلوبه .. إنه يستحق لقبه ..
قدم له الحكام الكأس و أخذه بكل شموخ ثم أمسك المايكروفون وقال كلمة بالاسبانية فزاد الجمهور حماس و تصفيقا ..و تمنت لو أنها تعرف ما قاله .. لكن ذلك لا يهم فبمجرد سماع نبرات صوته بتلك اللكنة المثيرة ارتفع قلبها ثم هبط بقوة ليقع أرضا..
بعد ذلك اجتمع الحاضرين من النبلاء (الطبقة الراقية ) حيث رجال الإعمال و التجار المعروفين و النساء المتأنقات و الفتيات الجميلات اللاتي تحومن حول الدوق و كل واحدة منهن تحاول أن تجعله يلتفت ناحيتها .. ضغطت لورا بعصبية على يديها و زاد من غضبها بأنه لم ينتبه لوجودها ..
هو لا يهتم بي .. قالت في سرها .. إذا لم أزعج نفسي .. و لم أشعر بالغيرة ؟!
كانت جاكلين تراقب تصرفات صديقة الطفولة و هي تعرف كيف تكون لورا عندما تقع في الحب أو تعجب بأي شاب .. و ما تراه الآن هو ما رأته من قبل ...
اقتربت منها و دفعتها بخفة من كتفها و همست
- " امشي أمامه .. افتعلي إعصار .. أوقعي كأسك .. افعلي شيئا .. دعيه يلتفت إليك "
- " لا .. فهذا آخر شيء أريد فعله "
- " إذا سأخبر سام .. و أنت تعرفين ما سيفعله سام إن عرف بأنك واقعة في غرام الدوق و هو يتجاهلك تماما أو حتى لا يعرف بوجودك و أنت لا تحركين ساكنا .. خاصة و أنه بذل جهدا في إعطائك هذا المنظر الساحر .."
- " حسنا .. حسنا .. سأمر من أمامه .. لكن معك "
- " هذه لورا التي أعرفها .. "
جذبت يد جاكلين و مشت أمام الدوق و هما تضحكان بصوت مسموع مما جعل باتريك يرفع نظره عن الفتيات المتحومات حوله ليجد تلك التي تحبها عيناه و يعشقها قلبه و تنجذب لها كل حواسه .. كانت ترتدي معطف أبيض يصل إلى ركبتيها و مطرز عليه بنقشات باللون الأبيض .. و ارتدت قبعة حمراء و بها ورود سوداء و بيضاء .. و شعرها الأشقر لامس رقبتها و أطراف كتفيها .. و تزينت بقرطين من اللؤلؤ.. و ارتدت كعب أحمر عالي أعطاها منظرا أنثويا ساحرا .. بالإضافة إلى ماكياجها الأسود الذي أبرز من لون عينيها .. و الحمرة الحمراء الفاقعة .. جعلته يتناسى الجميلات و ذهب خلفها مثل حديد منجذب إلى مغناطيس... لقد أحسن سام ديكاري في إنقاذها ..
أوقفها من كتفها بلمسة من يده
- " لورا !! أقصد ..آنسة آغنر .. لقد أتيت "
اختلست نظرة إلى جاكلين المبتسمة بابتهاج و هي ترى نظرات الإعجاب في عيني الدوق الوسيم.. فأجابته بثقة
- " لقد دعوتني في تلك الليلة أتذكر ؟! "
أرادت أن تحرجه لأنه لم يطلب قدومها بل تمنى لها الشفاء حتى يتسنى لها القدوم .. لكنه قال
- " اعتقدت بأنك مازلت مريضة و ليس لديك نفس في الحضور.. لم ألاحظك بين الجموع.."
- " نعم لقد وصلت على نهاية السباق.. و أهنئك على الفوز "
- " شكرا لك .. و لقدومك "
- " على الرحب و السعة .."
انتبه إلى جاكلين الوجه الغريب بالنسبة له و هي لا تبدو له من هذه البلاد فوجه سؤاله إليها
- " أنت لست من هنا .. أليس كذلك؟"
ابتسمت له جاكلين و هي منجذبة لانجليزيته المتقنة الممزوجة بلكنة خفيفة لا ينتبه لها إلا المتحدثون بها ..
- " نعم أنا جاكلين صديقة لورا و لقد وصلت للتو من لوس أنجلوس "
سرعان ما تغيرت ملامح وجهه و كان في حيرة من أمره .. فقال باستغراب يسأل لورا
- " حقا ؟!! "
اضطربت لورا و هي تجيبه
- " كنت أريد أخبارك لكني أيضا تفاجأت بحضورهما "
زادت دهشته فأردف سائلا
- " حضورهما ؟! هناك شخص آخر ؟! "
زادت ضربات قلبها و شعرت بأنها ستقع أرضا لولا أن سام اقترب منهم و بيده ثلاثة كؤوس
- " لورا .. جاكي .. أين اختفيتما عني ؟! لقد بحثت عنكما في كل مكان .|"
سكت ثلاثتهم .. الدوق سكت استغرابا .. و سكتت لورا و جاكي إحراجا و خوفا من ردة فعل باتريك
لكن سام لم يكترث للأمر فقال بمرح
- " مرحبا .. لابد انك الدوق .. لم أعتقد بأنك شابا يافعا تتمتع بصحة و جسد رياضي ..آه صحيح أهنئك بفوزك .. "
ثم مد يده ليصافحه .. لكن باتريك لم يستوعب الأمر إلا بعد ثواني قليلة ثم مد يده ليأخذ بيد سام
- " شكرا لك "
كان لا يزال باتريك تحت تأثير الصدمة .. و هذا ما خشيته لورا .. حدج لورا بنظرة غريبة ثم جذبها من ذراعها و ضغط عليها كادت تطلق آهة لكنها أبقتها لنفسها .. قال لها هامسا صارا على أسنانه
- " سنتحدث أنا و أنت عندما نعود إلى القصر "
ثم أفلت يدها ليعود الدم بالتحرك في مجراه .. رأته يبتعد عنها و يتجه ناحية تجمع من الرجال..
فقالت بحزن لصديقيها
- " هيا لنعد .. "
- " لكن لم نتشرب من ذلك النبيذ اللذيذ .. و لم نرقص .. أنظري إلى تلك الأسبانيات بلباسهن .. أريد أن التقط صور للمجلة .. "
قال سام معترضا و هو يحاول أن يثير حماسها.. فقالت له غاضبة
- " سام ... "
جذبته جاكلين تعاتبه
- " هيا يا سام نحن متعبين .. أتذكر بأنك تذمرت كثيرا بأن الرحلة طويلة و متعبة.. و الآن تريد الرقص و التقاط صورا .. من أين تأتي بكل هذا النشاط ؟"
- " حسنا .. حسنا .. سأذهب معكما .. لكن لا داعي لهذه العصبية يا لورا .. و أنت .. جاكي .. لا تحسدين شبابي و روحي المرحة "
- " صدقني لا أنوي ذلك .. "
عاد ثلاثتهم إلى القصر .. و لم يكن لها رغبة بتغير ثيابها التي ارتدتها من أجل أن تلفت نظر باتريك الذي بدا له بأنه لم يكترث لها .. إن ذلك الرجل يحيرها .. فمرة يبدي استحسانا تجده في عينيه في كل مرة يراها و مرات أخرى تطغي نظرة عدم الاكتراث التي تعذبها ..
جلست على الكنبة و انضمت إليها جاكلين .. و كذلك فعل سام لكنه أحضر معه زجاجة شراب و فتحها لهم.. شربت و هي لا تشعر بلذة الشراب و لا بطعمه .. كل ما كانت تفكر فيه هو تجاهل باتريك لها اليوم .. حتى أنه لم يعلق على شكلها أو مجيئها.. كل ما فعله هو أن عاملها بقسوة و جفاء كما يفعل دائما حتى و لو رسم ابتسامة ودودة على شفتيه فهذا لا يعني شيئا..
لم تكن تعر أي اهتمام لحديث جاكي و سام .. و شعرت برغبة في الخروج إلى الحديقة و تنفس هواء منعش بدل من دخان سجائر سام ..
جلست هناك دون أن تشعر بمرور الوقت و أن السماء قد أظلمت و حل الليل..
وقفت لتعود أدراجها و عندما استدارت لتدخل ارتطمت بجسد عريض فرفعت رأسها لتنظر إلى أجمل عينين لرجل رأتهما في حياتها .. ساعدها على استعادة توازنها و بسرعة أشاحت عنه .. و رتبت هندامها و هي عابسة..
- " آسف لأني أفزعتك "
- " لا .. لم تفعل كنت أهم بالدخول .."
قالتها بعصبية .. حاولت أن تمر من أمامه لكنه قطع عليها الطريق بجسده العريض الطويل مجبرا إياها على النظر إليه ..
- " كنت رائعة اليوم .. أحببت قبعتك "
حاولت قدر الإمكان تجاهله .. لكنه أمسك وجهها بين يديه و قرب شفتيه منها محاولة منه لتقبيلها .. لكنها دفعته بعيدا عنها و قالت بضيق و غضب ..
- " أرجوك .. أريد الذهاب إلى حجرتي "
أمسك بمعصمها بعنف عندما ابتعدت عنه ... و قال بعصبية
- " لا .. ليس قبل أن نتحدث عن وجود أصدقاءك هنا "
- " عن ماذا نتحدث؟؟ .. لقد قلت لك بأنهما فاجأني "
- " و كيف عرفا المكان ؟ "
- " لم أعطهما العنوان كما أنهما لا يستطيعان الاتصال بي من حيث يقيمان .. "
قاطعها قائلا بحدة صوته
- " اسمعيني جيدا يا لورا ... نحن لم نتحدث بعد عن الورث لعدم رغبتي بذلك لأكون صريحا معك ... لكن هذا لا يدعك تتصرفين و كأنك قد حصلت على ورثك و تفعلين ما يحلو لك و كأن هذا القصر ملكك و تقومين بدعوة من تريدين .. لا ... و لن يحدث ذلك أبدا .. مهما حدث و مهما حصلت على حصتك فستبقي هنا تحت الشروط و القوانين و عادات و تقاليد القصر و إن لم يعجبك هذا فأنا سأشتري حصتك من الورث و فوقها إكرامية ..فما رأيك ؟؟ أعطيني السعر المناسب و سأقوم بدفعه .. كل ما تريدينه !! ما قولك ؟!"
حدقت فيه و عيناها مغرقتان بالدموع العالقة .. إنه يزيدها تحطيما .. تمنت أنه أصر على تقبيلها و حاول رغم مقاومتها إياه بدل من أن يلقي بحجارته عليها ..
تركته و سارت من أمامه و الدموع تنهمر من عينيها .. وقفت عند باب الحجرة و مسحت أثر الدموع حتى لا يراها سام و جاكي بتلك الحالة .. و لحسن حظها كان سام نائما على الكنبة و جاكي على الفراش .. فأسرعت بالدخول إلى الحمام اغتسلت ثم اندست تحت الفراش و نامت بعد تقلب دام لأكثر من ثلاث ساعات ..
فتحت عينيها لتجد عينان خضراء ملتصقة بها .. شهقت و ابتعدت للخلف و إلا بها تنظر إلى وجه سام المبتسم و قال بلغته الفرنسية
- " بون جور "
- " آه سام .. "
- " آسف .. هيا استيقظي .. فلدينا أعمال كثيرة "
- " أعمال ؟!! "
- " نعم .. سنذهب لنستكشف الطبيعة ثم نأخذ مكان مناسب للتصوير "
- "تصوير .. لكن .."
- " لا يا لورا لا أريد أن اسمع هذه الكلمة .. هيا غيري ثيابك و تعالي معي "
فعلت ما طلبه منها غيرت ثيابها و تناولت معهما الإفطار ثم خرجوا ثلاثتهم خارج القصر و بعيدا عنه إلى الطبيعة الساحرة.. حيث السهول الخضراء من خلفها الجبال المرتفعة الرمادية و من فوقها السماء الزرقاء الصافية و الشمس الساطعة .. ابتعدا كثيرا حتى توقفا عند نقطة خلابة فيها شلال صغير ..
جهز سام آلات التصوير و المعدات و أخرج فستان عنابي من تصميم أرماني ارتدته لورا و قامت جاكلين بتسريح شعرها و وضع مساحيق التجميل لها ..
- " أجلسي على تلك الصخرة و مدي رجليك داخل الماء و دعي الفستان يطفو "
- " لكنه .. الفستان .."
- " لا عليك يا لورا إنه مجرد ماء .. هيا .. اتركي التصوير لي .."
جلست بتلك الوضعية و أخذ لها سام أكثر من صورة .. ثم غيرت فستانها إلى آخر و آخر .. و تنقلوا من مكان إلى آخر ..
و عادوا في وقت العصر إلى القصر ..
رأته واقفا عند باب مكتبه يحدق فيهم .. اقترب منها ليتحدث معها لكنها أشاحت بنظرها عنه و صعدت الدرج إلى حجرتها.. و خشيت أن يقف سام و يتحدث معه فيزيد الطين بله .. لكن و لله الحمد أن سام لم ينتبه لوجود باتريك .. على عكس جاكلين..
صاح سام ما أن فتح باب الجناح
- " يا لكرمهم .. انظري لقد أحضروا لنا طعام الغداء رغم أننا تأخرنا في العودة "
انضمت إليه جاكلين لتناول الغداء .. لكن لورا أحست بالإرهاق و أن شهيتها مسدودة لذلك دخلت الحجرة الصغيرة و ارتدت ثياب عملية مريحة و استلقت على الفراش ..
أحست بشيء أسفل رجليها .. كيس أسود كبير.. وضع على الفراش .. رفعته و فتحته .. و إذا بها ترى فستان حريري أخضر اللون.. وضعت يدها على فمهما و هي تنظر إلى جمال هذا الفستان .. أخرجته من الكيس و تلمسته على بشرتها .. ثم انتبهت وجود ورقة بيضاء مثنية معلقة عليه ... فتحتها لتقرأ
( شرفيني بارتدائه لحفلة اليوم الراقصة .. )
قهقت.. إن سام يجيد اللعب .. و يصل إلى مراده بطرق ملتوية .. لم تستطع أن تقاوم جمال الفستان و ملمسه فأسرعت بارتدائه.. لينساب مثل الماء على جسدها و يلتف حوله بارزا ثناياها و جمال قوامها .. و كاشفا ظهرها بأكمله و جزء من صدرها ..ارتدت معه كعب عال ليزيدها طولا و رشاقة .. و لا يكتمل جمال الفستان من دون قرطين ذهبيين مرصعين بالزمرد الأخضر .. و زينت عيناها بضلال أخضر و كحل أسود ليبرز لونهما الشذري ... وضعت أحمر شفاه ذو لون عنابي غامق .. و في النهاية أسدلت شعرها و تركته يتموج على كتفيها .. ثم دخلت عليهما في غرفة الجلوس ...
انبهر سام و جاكي .. و تعلق فمه في الهواء و هو ينظر إلى لورا الآسرة للقلوب ..
- " يا رب السموات .. إنها تحفة فنية "
دارت أمامهما بالفستان و استعرضته و هي مبتسمة ...
- " إنك خلابه يا لورا .. سيجن الدوق إن رآك "
ضحكت و دارت مرة أخرى .. فأسرع سام بإحضار كاميرته و أخذ يلتقط لها ملايين الصور .. و لحسن حظه أنها في مزاج مناسب للتصوير ...
ما أن أمسى الليل حتى أقبل المعازيم على الحضور .. و كان الدوق و داني و ماريو في استقبالهم .. أخذ يتمشى بين المعازيم يسلم على هذا و يلقي التحية على آخر .. يقف و يتحدث مع مجموعة .. و من ثم مجموعة أخرى .. يبادل فتاة ابتسامة .. و ثانية .. يقف مع داني فينضم إليهما رجال آخرين و يفتحون باب لنقاشات مختلفة .. و مع كل هذا التجمع كان باله متلهي .. ينظر إلى الدرج بين حين و أخرى .. ينتظرها بفارغ صبر أن تبهره بطلتها في أية لحظة .. لذلك كان يخشى أن يبعد عينيه للحظة عن الدرج حتى لا يضيع ثانية دون النظر إليها ..
وقف و قلبه و عيناه متلهفتين لرؤيتها.. لكنها تأخرت .. ماذا عسى أن يكون أصابها ؟! ربما لا تزال متضايقة من ما جرى بينهما من نقاش بالأمس ؟! آه كم يكره نفسه .. فهو دائما ما يفسد الأمور بينهما ..
- " دون باتريك .. في ماذا سرح فكرك ؟! "
أيقظه صوت أحد الرجال الواقفين معه من أفكاره .. فابتسم و قال
- " لا شيء أبدا .. لكني أترقب شخصا ما.. اعذروني "
ثم تركهم و ابتعد و أخذ يبحث في أرجاء القاعة و بين الحضور عنها لعلها نزلت و هو لم ينتبه.. لكن هذا مستحيل .. أو ربما لم تعد بعد..كيف و هو رآها تدخل المنزل و تشيح عنه .. الأمر الذي آلمه كثيرا.. كما و سمع صوت سام في جناحها .. إذا لم كل هذا التأخير؟!
لمح وانيتا تقدم الشراب فاقترب منها يسألها إن رأت لورا .. لكنها أجابته بالنفي ..
آخذ يتلفت يمينا و شمالا .. حتى رأى وميض أبيض يبرق من أعلى الدرج .. ثم يقترب هذا الوميض أكثر فأكثر .. و حاول أن يقترب هو من الدرج .. و بالفعل استطاع أن يرى سام يأخذ صورا .. صورا للورا بفستان أخضرا خلاب..
تجمد باتريك في مكانه .. و لم يعد قادر على التفكير أو تحليل أي شيء مما كان يراه..
كانت تدفع سام و تطلب منه أن يوقف التصوير و كذلك فعلت جاكي .. حتى رضخ للأمر و أخذ يضحك .. نزلت الدرج و كأنها ملكة هذه الحفلة .. أحدثت جلبة عارمة ما أن لامست قدميها أرض القاعة الرخامية .. و على الرغم من العيون التي كانت تحملق فيها و تراقبها إلا أنها لم تلمح إلا عينيه ..
كان يحدق فيها دون تعبيرات على وجهه.. غير الفراغ و التلبد .. ألقت عليه نظرة باردة كالثلج ثم أشاحت عنه و تأبطت ذراع سام و ذهبا بعيدا عن الأنظار .. بالضبط كما حدث من قبل ..
لم يصدق عينيه .. بل لم يصدق كيف كانت عيناه معمية عن رؤية الحقيقة التي أمامه ؟! وميض آلات التصوير جعلت عقله يومض من جديد ..عاد تفكيره أسابيع للوراء .. حيث كان واقفا في قاعة الدرجة الأولى في مطار لوس انجلوس .. ينظر إلى الناس .. عندما لمحت عيناه امرأة جميلة تتحدث مع رجل و تضحك .. حتى رفعت رأسها .. ظن للوهلة الأولى بأنها لا تستطيع أن تراه .. لكن عندما ابتسمت له أيقن بأنه وقع في غرامها ..
إذن لورا هي تلك الهيفاء الجميلة التي لمحها في المطار و تعلق بها قلبه .. و كيف لم يدرك ذلك و هي أمامه كل يوم .. و خاصة عندما أتى سام .. كان وجهه مألوف بالنسبة له .. يا إلهي .. إذا الفتاة التي تعلق بها قلبه ما هي إلا لورا التي يعشقها بجنون .. إذا لقد أحب نفس الشخص مرتين .. فهل هذا منطقي؟!!
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك