بارت من

رواية الذوق الاسباني -4

رواية الذوق الاسباني - غرام

رواية الذوق الاسباني -4

صباح الخير آنسة آغنر .. أرى بأنك استيقظت باكرا اليوم ..هل نمت جيدا؟!"
أجابته بلا نفس في التحدث و حاولت أن تتجنب النظر في عينيه و وجه حتى لا تتأثر بذلك السحر ..
- " لا لم أنم قط "
رفع الجريدة إلى عينيه حتى يبين لها بأنه غير مكترث بها .. لكنه سألها كنوع من التهذيب
- " هل كل شيء على ما يرام آنسة آغنر ؟! "
- " هل تسمح لي بدقيقتان من وقتك نتحدث فيهما على انفراد "


- " نتحدث عن ماذا ؟! "
قالها دون أن ينزل الجريدة عن عينيه .. فقالت بعصبية
- " أنت تعرف يا دون باتريك ما أعنيه ؟! "
تكلمت نانيرا بانزعاج موجهة حديثها إلى لورا
- " لابد انك لا تعرفين الأصول يا آنسة .. ألا تعرفي بأنه لا يسمح لك بالتحدث مع الدوق و هو يتناول إفطاره !!!"
و قبل أن تفتح لورا فمها لإسكات تلك المزعجة قال الدوق ..
- " آسف يا آنسة لورا ليس لدي وقت .. قلت لك تحدثي مع ماريو و سنتياغو "
- " لكن .."
و فجأة ترك الجريدة بعصبية ووضعها على الطاولة من أمامه .. استقام واقفا و قبل رأس نانيرا ثم خرج من غرفة الطعام .. غضبت لورا من تصرفه الطفولي و رأت نانيرا منبسطة السريرة و قالت بلكنة انجليزية ضعيفة
- " من الأفضل أن ترحلي عن هنا بكرامتك آنسة آغنر "
أرادت أن تبين لها لورا بأن أعصابها باردة جدا و لم تتأثر بحديث تلك العجوز الشمطاء فقالت مع ابتسامة باردة على شفتيها
- " لن يحدث هذا أبدا .. أتصدقين أنني أقع في غرام القصر يوما عن يوم .. لعلي أنقل إقامتي إلى هنا .. و للأبد "
قبضت نانيرا يدها حتى توقف الدم في معصمها و صرت على أسنانها بعصبية .. استمتعت لورا بانتصارها , كانت ستقول للدوق بأنها تريد التنازل عن الميراث لكنها عدلت عن ذلك عندما أصر على عناده .. و كان مستواه لا يسمح له بالتحدث معها و هي الأمريكية البسيطة ..
خرجت إلى الحديقة تنتظر ماريو و المحامي ..
اقترب منها داني مبتسما ..
- " صباح الخير لورا "
كانت منزعجة لكنها مع ذلك أجابته بابتسامة بالكاد رسمتها على شفتيها
- " أهلا داني .."
- " تنتظرين ماريو و سنتياغو أليس كذلك ؟! "
- " نعم أصبت .. لا أعرف كم من الوقت سأنتظر هنا .. "
- " هل تناولت إفطارك ؟! "
- " لا ليس بعد "
- " إذا ما رأيك أن نتناول الإفطار في شرفتي "
فكرت قليلا ثم ابتسمت له .. فمن الجيد أن تحظى برفيق لطيف و مرح تقضي وقتا معه بدل الجلوس وحدها .. أومأت برأسها موافقة و صعدت معه الدرج و هما يضحكان على نكتة ظريفة ألقاها داني .. و في نصف الطريق إلى جناح داني توقفا حتى يلتقيان بذلك الأسمر المغرور واقفا ينظر إليهما و في عينيه شرر.. كان يحدق في داني المبتسم الذي سرعان ما اختفت ابتسامته عندما رأى تجهم وجه صديقه و قال حتى يخفف من حدة الجو بينهما و نظرات باتريك الثاقبة الحاقدة
- " باتريك .. صباح الخير .. هل استيقظت للتو ؟! هيا تعال و تناول الإفطار معنا "
رفع باتريك حاجبيه و نظر إليه باستغراب .. هل يعني داني ما يقوله أم إنه يدعي الغباء ؟! أجابه باتريك بصوت بارد مستهزئا
- " ألا تعرف بأني أستفيق من نومي قبل الطيور و العصافير .. و أحيانا أوقظهم بنفسي "
ضحك داني بتوتر و تلفت لينظر إلى وجه لورا التي كانت تراقبهما بحذر
- " أه هذا صحيح .. أرأيت يا لورا إنه ليس سيء بتلك الدرجة إنه يجيد إلقاء النكت أيضا "
فتح عينيه على اتساع عندما رأى داني يوجه الكلام إلى لورا .. و كان الأمر يتعلق به .. وضعت لورا يدها على فمها فقد ارتكب داني خطأ فادح رأت نتائجه في عيني باتريك اللتان تتوهجان غضبا و قال بصوت حاد لكنه ساخر
- " و هل تتحدثان مع بعض عني يا دانيال ؟! "
الآن أيقن داني بأنه في مأزق لا يستطيع النفاذ منه .. فأجابه بصوت مرتجف
- " لا يا باتريك ليس كما تعتقد .. كنا .. أعني أنا .. "
لوى شفتيه بابتسامة خبيثة و ربت على كتف داني معلق بمكر
- " أتمنى لكما قضاء وقت رائعا "
ثم سار بكل ثقة مبتعدا عنهما .. وقفا في البهو غير مصدقين ما حدث للتو .. كان قلب داني يخفق بقوة فترك لورا واقفة وحدها و تبع باتريك نازلا الدرج بسرعة و ركض خلفه حتى الإسطبل .. فأسرعت لورا إلى حجرتها فتحت النافذة و أخذت الكاميرا التي أحضرتها معها و قامت بتقريب الصورة حتى استطاعت أن ترى داني واقفا من بعيد ينادي و يركض خلف باتريك الذي امتطى حصانه و انطلق به ..
هل هو هكذا ذو بأس عنيد و جاف مع من حوله حتى مع صديق الطفولة ؟؟.. لم يخشونه هكذا؟؟ عاد داني مطأطأ رأسه ..
- " داني .. أين دون باتريك ؟! "
التفتت ناحية الصوت ليجد المحامي سانتياغو واقفا .. فأجابه بلا نفس قائلا
- " إنه يركب الخيل .. سينوب ماريو عنه "
- " لكن الأمر يتوجب حضوره "
- " لا أعرف شيئا يا سانتياغو أرجوك أتركني في حالي "
دخل داني القصر و صاح ينادي ماريو ثم دخل جناحه و أغلق الباب خلفه ..
تقابلت لورا مع المحامي في غرفة الاستقبال .. صافحته و دعته للجلوس
- " كيف حالك آنسة آغنر ؟ "
- " إنني بخير "
- " هل كل شيء على ما يرام ؟ "
- " نوعا ما ..نعم "
- " هل تحدثت مع الدوق بأمر الميراث ؟! "
- " إنه يرفض التحدث معي بهذا الشأن و يترك الحديث لماريو .. "
دخل ماريو الغرفة قاطعا عليهما الحديث و تصافح مع سانتياغو ..
- " مرحبا .. حسنا لا نضيع وقت لنبدأ فلدي أعمال أخرى أهتم بها و أرجو أن تكونا متعاونين .. بالأخص أنت آنسة آغنر "
هذا هو ماريو حار بطبعه و سريع في عمله و مخلصا للدوق بشكل لا يصدق
- " حسنا يا ماريو ماذا لديك لتقوله نيابة عن دون باتريك مع إني كنت أفضل وجوده بنفسه"
- " الدوق ليس فاضي لتلك الأشياء ... كل ما لدي قوله إنه يجب على الآنسة آغنر تقديم تنازل بشأن الميراث .. أو .."
انزعجت و قالت قاطعة بصوت عال .. يا لجرأته .. هل يعتقد أن الأمر بهذه السهولة أو أنه يتحدث نيابة عنها ..
- " أعترض .. أتنازل .. لا .. أبدا "
قال ماريو مضيفا لكنه كان هادئا و يتكلم باحترام معها
- " انتظري آنسة آغنر أنا لم أنهي كلامي بعد.. لن تتنازلي عن كل الورث .. فقط عن جزءك من القصر "
أصرت على رأيها و قالت بعناد
- " لا لن أفعل "
- " يجب أن تتفهمي يا آنسة بأن هذا القصر هو ملك لعائلة آلفاريز دي تيلدو منذ قرون و لن يسمح الدوق بأن يتدخل أحد غريب في الملك الذي شيده أسلافه "
- " إنني أتفهم ذلك و أعرفه جيدا ... لكني لن أتنازل عن حقي فيه "
لأول مرة يشعر ماريو بالانزعاج من هذه الآنسة العنيدة الجريئة التي تجرأت اليوم على الدوق كما فعلت بالأمس .. إنه يعتبرها سليطة اللسان لكن مع ذلك حاول أن يكون محترما في التعامل معها فهي ضيفة .. لكن ضاق من إصرارها .. فهو الذراع الأيمن للدوق بكل شيء
- " ماذا تريدين من هذا القصر ؟! ليس لك مكان فيه "
- " بلى .. لي فيه جزء "

قال سانتياغو مضيفا

- " و هذا الجزء صغير جدا .. فالدوق قد ورث ثلاث أرباعه و لم يبق لك إلا ربع فقط "
- " ما دام لدي ربع سأقبل فيه.. و سأقيم فيه .. "
تضايق ماريو كثيرا حتى أصبح أسلوبه أكثر حدة ..
- " لم أنت عنيدة هكذا يا آنسة ؟ لن يفيدك هذا القصر بشيء "
استقامت واقفة و قالت بعصبية و صوت مرتفع
- " اسمع لن أتفاوض معك أنت.. اسمح لي يا سيد ماريو فأنت لست صاحب هذا الملك .. لن يتناقش معي إلا الدوق .. أنا آسفة لن أتنازل عن حقي أو ورثي مهما حصل .. "
خرجت من الغرفة إلى الحديقة و أخذت تركض بعيدا خارج السور إلى حيث الغابة الكثيفة ..و بعيدا عن القصر الريفي و ماريو و داني و سانتياغو و تلك العجوز نانيرا و بالذات .. بعيدا عن ذلك الأسمر ذو الوسامة الطاغية و القلب المتحجر .. و التكبر .. ذلك الدوق المتعجرف..
جلست أمام جدول صغيرا لترى انعكاس صورتها عليه .. من هذه المرأة التي تراها إنها ليست لورا آغنر إنها إنسان آخر .. لقد سئمت لعب دور البريئة المظلومة .. و سئمت أن تحترمهم و هم لا يبدون لها إلا سوء النية ..
ستبين للدوق المغرور و حاشيته التابعة بأنها أقوى منه حتى و إن لم تحمل لقب رفيع .. أ يعتقد بأنه وريث عائلة نبيلة أن يكون له السلطة و الرفعة .. لا .. لن تسمح له بذلك أبدا .. لقد أتت إلى هنا في بداية الأمر لفضولها لرؤية ما ورثته من والدها .. ثم شيئا فشيئا بدأت تحب هذا المكان رغم وحشية الناس الساكنين فيه .. أما الآن فكل هدفها للإصرار على عدم التنازل عن حقها .. كل هذا هو لأن تكسر عين باتريك ... فمن من هو حتى لا يتفاوض و يتناقش معها بشأن الورث ؟ هل يرى نفسه أفضل منها ؟! .. ليس بالنسبة لها ..

صرخ قائلا و قد استشاظ غضبا و حنقا على لورا
- " ماذا ؟!! من تعتقد نفسها تلك المرأة الأمريكية الوقحة .. كيف تجرؤ ؟! "
أجابه ماريو المنزعج أيضا من تصرفها اليوم ..
- " لقد حاولت أن أقنعها يا سيدي لكنها عنيدة جدا و وقفت بوجهينا أنا و سانتياغو و قالت بأنها لن تتنازل عن أي شيء و لن تتناقش في هذا الأمر إلا معك "
كور يده بقبضة و ضرب بها الهواء ..
- " تلك اللعينة العنيدة.. ماذا سينفعها أن تناقشت معي ؟! إنها جريئة و وقحة "
التفت ينظر إلى داني الجالس يراقبهم بصمت و هو يشعر بتأنيب الضمير لأنه يشعر بأنه خان صديقه و بدأ يصادق عدوه المتنكر بشكل امرأة فائقة الجمال ..
قالت نانيرا بخبث
- " لابد إنهاطامعة بثروتك يا دون باتريشيو و لعلها لن تتنازل إلا إذا حصلت على مبلغ من المال مقابل نصيبها في القصر"
زاده تعليق نانيرا إيزابيلا غضبا و حقدا أكثر على تلك الغريبة .. فقال بصوت مخنوق
- " أين هي ؟! إنها تريد من يؤدبها .. و أنا سأتكفل بذلك "
- " ماذا تنوي فعله يا دون باتريك ؟! "
سأله المحامي سانتياغو بقلق .. فإن أصابها مكروه سيقع اللوم عليه هو .. فهو من أحضرها إلى هذا المكان .. باعتقاده أنه يقوم بالصواب .. فهذا ما ينص عليه القانون .. لكن ماذا يفعل أمام حضرة رجل ذو سلطة و مكانة مرموقة في المجتمع الذي يعيش فيه .. فقط بأمر واحد من الدوق و ينهي حياة هذا المحامي المسكين الذي لا حول له و لا قوة ..
أجابه باتريك ..
- "أنت آخر من يسألني هذا السؤال يا سانتياغو فأنت السبب في كل شيء .. لكن لا عليك .. احضروها لي فقط و أنا سأتكفل بها"
قال ماريو مضيفا
- " لقد رآها الحراس تغادر حدود القصر و تتجه إلى الغابة "
- " و لم لم يوقفوها ؟! "
سأله و هو يصر على أسنانه
- " لا أعرف يا سيدي "
جلس على الكرسي و أشعل سيجارة لعله يهدأ قليلا .. و تحترق السيجارة كما يحترق هو في الداخل .. قال بهدوء
- " حسنا سأكون بانتظارها حالما ترجع "
أمسى الليل و دون أن تشعر لورا بأنها ابتعدت كثيرا عن القصر و من الأفضل لها أن تعود .. سارت على أطراف أصابعها و هي داخلة إلى القصر حيث كان مظلما لتأخر الوقت فساعتها تشير إلى الثانية صباحا و لابد بأن الجميع نيام ..
أغلقت الباب خلفها بهدوء .. لكنها توقفت عندما شعرت بأنفاس دافئة خلفها .. و حاولت عبثا أن تستدير لتنظر من الذي يقف خلفها .. لكن يدا قوية كانت أسرع منها و قبضت عليها من الخلف و تجرها خارج القصر .. كانت تصرخ لكن تلك اليد الرجولية منعتها عن الصراخ .. فحاولت أن تفلت بكل ما أتيت من قوة من تلك القبضة .. تقاوم و ترفس الهواء و تضرب الرجل ذو الساعدين القويين..
حملها على كتفه و مشى بها بعيدا و هي تضرب كتفه و لا تستطيع أن ترى إلا أقدامه على الأرض
- " أنزلني .. اتركني .. ماذا تريد مني؟ "
أدخلها غرفة مظلمة و من ثم دفعها على الكنبة بعنف..لم تر وجهه حتى الآن لأنه بسرعة استدار ليقفل الباب خلفه.. و ما إن ابتعد عنها لخطوات حتى اندفعت عليه و انهالت عليه ضربا و ركلا.. لكنه استدار مرة أخرى و أجلسها بعنف على الكنبة ثم أنار الأضواء .. تشنجت في مكانها عندما رأته واقفا أمامها يحدق فيها بغضب .. قالت بصوت مخنوق
- " لم فعلت هذا ؟! "
تنهد بعمق و قال كعادته بصوت بارد و واثق
- " هذا ما تريدينه "
لم تفهم ما عناه ..
- " أريده ؟! و ما هو هذا الشيء الذي أريده ؟"
- " تريدين نصيبك من القصر و لن تتنازلي عنه.. "
رفعت رأسها بكل ثقة و قالت بحدة
- " نعم "
- " إذن تفضلي هذا هو نصيبك "
لم تفهم شيئا مما يقوله .. لذلك صرخت بوجهه
- " هل من الممكن أن تكون نبيلا و لو لمرة واحدة و توضح لي ما تقصده "
و كأنها بذلك أثارته فاندفع ناحية الباب و أنار جميع الأضواء ليتضح لها المكان الذي تجلس فيه ليس إلا غرفة جلوس صغيرة ..
- " هذا هو نصيبك آنسة آغنر ... منزل صغير منعزل عن القصر أقام فيه والدك كارلوس عندما كان يعمل هنا كمستشار قانوني لوالدتي .."
دارت عيناها في المكان الصغير المهجور ثم قالت و هي تنظر إليه بغضب
- " لابد إنك تمزح "
- " أبدا .. إن كنت تريدين أن تأخذي نصيبك من القصر.. فهذا هو.. و لن تقيمي إلا فيه.. حتى أن قدمك لن تطأ مكان إقامتي أنا .. و لن يخدمك أي أحد .. فأنت هنا بمفردك .. مستقلة كما كنت في موطنك.. هل يعجبك هذا آنسة آغنر؟؟ "
سكتت لبرهة ثم قالت بهدوء ..
- " للأسف يا حضرة الدوق .. لا أصدقك .. لذلك لن أقبل عرضك و سأعود إلى القصر حيث جناحي "
قهقه ثم سرعان ما عادت ملامحه إلى الجد
- " عرض ؟؟.. هه ..أنا آسف .. لن يحصل ذلك "
وقفت و سارت ناحية الباب غير مكترثة به و أيا كان ما يكون.. دوقا.. ملك .. إمبراطورا.. قيصر الروم ..
لكنه سد عنها الطريق بجسده العريض و جذبها بقوة من يدها .. فسقطت على الكنبة مرة أخرى وقف يحدق فيها ..نظرت إلى عينيه الجميلتين و للحظة كادت أن تضعف أمام سحرهما لكنها سرعان ما تذكرت بأن الذي يقف أمامها هو الرجل الذي رفض التناقش معها بحجة أن النبلاء لا يتفاوضون مع عامة الناس بشأن الميراث و الآن يتصرف معها كهمجي و يجبرها على التنازل بقول الأكاذيب ..
- " و هل تصرفك الآن يدل على عرقك النبيل يا حضرة الدوق ؟! "
- " هذا من يدعيني إليه واجبي .. و هو حماية عرقي النبيل يا آنسة آغنر .. "
- " و ماذا ستفعل ؟ هل ستقيدني ؟! "
قرب وجهه منها و قال بصوت هامس مع ابتسامة متطرفة على شفتيه
- " إذا اضطرني الأمر .. "
- " لن تستطيع "
- " أرجوك لا تجبريني على فعل شيء لا أحب القيام به "
- " و هل ستصل بنتيجة أن قيدتني و حبستني هنا ؟! "
- " ربما .. "
- " إذا قيدني .. و سأريك بأنك لن تحصل على تنازل مني "


كانت نظراتها إليه باردة و ماكرة مما جعلها مثيرة في نظره .. أتت خاطرة في باله بأن يأخذها بين يديه و يقبلها.. لكن أعدل عن هذه الفكرة ..
- " لن تستطيعين التأثير بي بكلامك هذا .. انك تظهرين بمظهر الذكية الشجاعة لكنك بأعماقك ترتجفين خوفا "
- " يا لك من مسكين تعتقد بأن الجميع يهابك.. فأنت مخطئ .. أنا لا أراك إلا شخصا عاديا .. مثلي "
ضغط على معصمها فصرت على أسنانها حتى لا تصيح ألما و قال
- " أنت سليطة اللسان و جريئة "
- " و أنت مغرور و متكبر "
ابتسم بطريقة شيطانية و قال و هو يقرب جسده منها ..
- " اعترفي بأن ذلك يعجبك و يغريك"
قالت برباطة جأش و ازدراء منه
- " أنت واثق جدا من نفسك "
لوى شفتيه و رفع حاجب واحد و قد اقترب كليا منها
- " حقا ؟! "

إنها الآن تحت رحمته فقد استطاع أن يستحوذ على عقلها و قلبها بسحره.. ظلت تحدق في عيناه بلا حول و لا قوة.. أخذها بين يديه .. يمعن النظر فيها .. و يدقق في ملامحها .. و كأنه يحاول أن يتذكر أين رآها من قبل؟ شعر برغبة جامحة في تقبيلها فقرب شفتيه منها .. و هي استسلمت له و تركته يتحكم في جسدها و يجذبها إليه مثل المغناطيس ..لكنه في آخر لحظة أفلتها بهدوء ..فتراجعت خطوات للوراء و قلبها يهبط و يرتفع بسرعة غير طبيعية .. احمر وجهها خجلا فأشاحت عنه و عن نظراته الفاحصة..
لكنه اقترب منها و أجلسها بهدوء هذه المرة على الكنبة و دنا منها .. قال لها بصوت ودي
- " ستبقين هنا الليلة .. لديك كل ما تحتاجينه من وقت للتفكير .. أتمنى أن تعودي إلى رشدك يا آنسة .. عمتي مساءا "
تجمعت الدموع في عينيها و ارتجف فمها و هي تراه يفتح الباب فقالت بصوت مخنوق
- " أكرهك .. "
توقف بدهشة عندما سمع كلمتها الطاعنة ثم استدار و حدجها بنظرة آلمتها كثيرا .. نظرة خيبة أمل.. فهو على الرغم من العداء بينهما إلا إنه يحس بشيء تجاهها و يحاول قدر الإمكان أن لا يجرحها أو يؤذيها .. خرج بكرامته ..و صفق الباب خلفه ..


صهيل الحصان في الخارج أيقظها من سباتها .. فتحت عينيها بتثاقل و نظرت حولها.. كانت أشعة الشمس قد تخللت من خلال نافذة البيت الصغير المنعزل عن القصر و على حسب صوت الخيول القريبة في الخارج أيقنت بان البيت بعيدا جدا عن القصر.. وقفت بصعوبة و هي تشعر بان جسدها متكسر لنومها على كنبة صغيرة جدا مما أضطرها أن تتكور حتى تسعها .. فتحت النافذة لتلقي نظرة على الخارج .. بالفعل.. صدق حدسها .. إنها قريبة جدا من الإسطبل و بعيدة لمسافة ليست بقصيرة عن القصر ..
جالت في أرجاء البيت الصغير الذي هو عبارة عن حجرة نوم ضيقة مع حمام لا بأس به .. و غرفة جلوس مشمولة مع طاولة طعام تسع لأربعة أشخاص و مطبخ صغير و مكتب.. و كان مؤثث بطريقة راقية و ذوق رفيع .. لكن يبدو و كأن لم يدخل هذا البيت أحدا منذ قرون..
قرصها بطنها من الجوع فهي لم تأكل منذ الأمس ..
نظرت إلى ساعتها بيدها التي تشير إلى السابعة صباحا .. قالت في نفسها مع ابتسامة شيطانية
- " جيد .. دون باتريك لم يستيقظ بعد .."
رتبت من هندامها و قررت أن تفعل شيئا خارج عن المألوف .. شيئا قد يؤدي بحياتها ..
خرجت إلى الإسطبل و دخلت من الباب الخلفي حتى لا يراها سائس الخيل الذي يقوم بتنظيف الإسطبل .. سارت إلى أقرب حصان لها .. نظرت إليه و هي تشعر بالخوف من لمسه و هو كذلك ارتعب عندما رأى إنسانة غريبة عن هذا المكان .. استطاعت أن تهدئه بجزرة جذبتها من السطل الموضوع أمام الحصان ..أطعمته إياها و هي تمسح على شعره الأسود الناعم ..بعد أن هدأ فتحت الباب له و أخرجته من حيث دخلت هي .. الباب الخلفي .. و من الجيد بأن ذلك الحصان كان يرتدي سرجا ..لابد أن سائس الخيل قد أعد السرج لباتريك ..
صعدت على صخرة صغيرة و امتطته.. تمتمت بصلاة قصيرة ثم ضربت برجلها جنب الحصان فانطلق راكضا بطريقة جنونية ..اتجاه القصر .. بدأت تصرخ بخوف ... و لم تعرف كيف توقف ذلك الحصان السريع الهائج الذي كان يركض بلا توقف و بسرعة غير طبيعية .. تشبثت بالسرج و مالت على ظهره و أحست بأنها ستقع أرضا عندما دخل إلى الحديقة و ركض باتجاه باب القصر الضخم .. لم تعرف هل تبكي أم تضحك أم توقف الصراخ أم تزيد منه حتى يأتي أحد لنجدتها ... أيقنت بان ما فعلته شي خارج عن العقل .. لقد جنت لورا بان فكرت امتطاء الحصان .. و لأنها تشعر بالخوف و لا تعرف كيف تتصرف أفلتت السرج من يدها و غطت عيناها و أخذت تبكي .. و ما هي إلا لحظات و توقف الحصان .. لكنها لم تتوقف عن الصياح و الصراخ ..
جذبتها يد قوية أنزلتها على الأرض .. و ما أن رفعت يدها عن وجهها حتى رأت كل العائلة السعيدة يحدقون فيها بغضب ..
صرخ باتريك في وجهها بعد أن لامست رجليها الأرض
- " بماذا كنت تفكرين ؟! هل تريدين قتل نفسك ؟! "
حدقت في عينيه المشتعلتين غضبا و حاولت البحث عن جواب ملائم لكنها لم تجد أي شيء غير السكوت .. عندما لم يجد جوابا منها تركها بالخارج و دخل القصر.. فتبعه الجميع ما عدا داني الذي بقي معها في الخارج .
. ساعدها على الجلوس و هو يسألها
- " هل أنت بخير يا لورا ؟! "
أخذت نفسا عميقا و هي ترى سائس الخيل يأخذ بالحصان إلى الإسطبل مرة أخرى .. ثم وضعت يدها على قلبها تتحسس النبض ..
- " نعم .. أعتقد ذلك .. يا إلهي لا أعرف بماذا كنت أفكر عندما امتطيت ذلك الجواد "
أجابها داني ضاحكا و هو يربت على ظهرها ..
- " لا و ليس أي جواد .. إنه اسبرينسيس .. "
وضعت يدها على رأسها .. ثم انفجرت ضاحكة .. و ما هي إلا لحظات حتى تحول هذا الضحك إلى بكاء مرير .. كانت تبكي لما حدث معها و الأحداث المفاجئة التي جرتها إلى هنا .. و كونت لنفسها أعداء هي في غنى عنهم .. ما الذي دفعها إلى هذا الجنون ؟؟
ضمها داني إليه و أخذ يربت على رأسها و يهدهدها..
في تلك اللحظة كان باتريك يقف في غرفة الطعام و ينظر إليهما .. بلا تعابير .. بل التعابير ارتسمت في أعماقه .. إلى الازدراء و الخيانة و العداء و .. الغيرة.. هل حقا يشعر بالغيرة ؟! من داني أم من لورا التي استحالت على داني صديق الطفولة ؟!!
- " هيا يا لورا تعالي لتناول الطعام في الداخل ؟!"
رفعت رأسها عن صدر داني و هي تمسح دموعها ..
- " لا يا داني لا أريد .. ليس الآن "
- " لكنك لم تأكلي منذ الأمس "
- " أعرف .. كما إنني أتضور جوعا لكني لن ادخل و أنا على هذه الحال .. "
- " لا أرى شيئا غير مرضي .."
ابتسمت له
- " شكرا لمجاملتك اللطيفة .. اسبقني أنت و سأدخل لأواجه ذلك المتعجرف "
- " تقصدين باتريك "
- " نعم دون باتريك المغرور المتعجرف القاسي الشرس المتوحش .."
قاطعها و هو يضحك
- " لا لا يا لورا توقفي .. كل هذه الألقاب لباتريك ؟! "

أجابته بصوت دفاعي ..

- " نعم و هناك المزيد لو تركتني أكمل "
- " و لم كل هذا العداء ؟! "
- " أتعرف بأنه تركني في البيت المهجور القريب من الإسطبل بالأمس .. "
استهجن وجه داني و سألها مستنكرا فعل صديقه
- " لكن باتريك لا يقوم بهذا الفعل .. أبدا "
- " إذا كيف أتيت من الإسطبل إلى هنا على الخيل ؟! "
- " ما السبب الذي يدفعه لفعل ذلك ؟! "
- " لا أعرف .. سأدخل الآن لأوقفه عند حده "
- " لا يا لورا لا تفعلي شيئا قد تندمي عليه "
- " لا عليك يا داني لا تخشى علي.. أرجوك اتركني افعل ما أراه صواب "
- " لكن أنا ليس لي علاقة بأي شيء .. "
- " بالطبع .. لا تقلق "
- " أرجو أن تعودي لرشدك يا لورا "
- " هو الذي دفعني لذلك .. لقد أخرج المارد في داخلي و لن أسكت له هذه المرة "
نظر إليها و قد ازداد إعجابا بتلك الفتاة التي تحملت الكثير و صبرت و اليوم أتت لتنفجر...
دخل داني غرفة الطعام و جلس أمام نانيرا .. نظر إليه باتريك بنظرة باردة كالثلج .. ثم رفع رأسه ليجد لورا واقفة أمامهم و الشرر يتطاير من عينيها .. رفع حاجبيه بدهشة فهي آخر شخص يتوقع أن ينضم إليهم على مائدة الإفطار .. خاصة بعد ما حدث بالأمس و قبل قليل ...
قال ببرود ..
- " آنسة لورا .. ما الذي أتى بك إلى هنا ؟! "
- " أعتقد بأنك تعرف يا دون باتريك .. "
- " ماذا أعرف ؟! نوريني .."
- " اسمعني جيدا يا ...."
قاطعتها نانيرا ناهرة إياها
- " ويحك .. كيف تسمحين لنفسك بالتحدث مع الدوق بتلك الجرأة "ا
- " اسمعي يا .. يا نانيرا إيزابيلا .. لقد ولدت مستقلة و تربيت على أن أكون مستقلة بنفسي فمن حيث أتيت ليس لدينا ما تطلقين عليه أنت " بدوق " ففي موطني هناك المساواة و الديمقراطية .. و الديمقراطية التي يظهر عليك بأنك لا تفقهين فيها شيئا ..و يسعدني أن أوضح لك بأنها تعني أن لكل شخص حقه في العيش في هذه الحياة بكرامة و ليس هناك أي أحد يفرض رأيه عليه .. أو يسلب حقوقه .. بل الجميع يتشاركون في اتخاذ القرارات و ليس شخص واحد يهابه الجميع .."
ثم نظرت بطرف عينيها إلى باتريك الذي كان يسمعها جيدا و هو يلعب بأعصاب وجهه .. فأضافت و هي تشعر بالانتصار
- " و كلنا نبلاء .. لا يوجد لشيء اسمه طبقات ,, فالولايات المتحدة هي الدولة التي أنشأها الأحرار الذين هربوا من فساد أوروبا لوطنا لا طبقات فيه بل المساواة .. انظري حولك إننا لا نعيش في القرن السادس عشر..."


أرادت نانيرا أن تقطع كلامها لكنها أشارت لها بالسكوت و أردفت قائلة
- "أرجوك تتوقفي لأنني لن اهتم بما ستقولينه .. لقد احترمتك على الرغم من أنك تطاولتي علي و أنتم كذلك احترمتكم جميعا بالأخص الدوق لأنني اعتقدت بأنه سيكون مضيافا لكني لم أرى من ذلك شيئا عدا التقليل من قدري و احترامي .. حتى أنك لم تنزل من نفسك يا دون باتريك للتحدث معي بطريقة حضارية بل عاملتني و كأنني إحدى جواريك .. فمن تعتقد نفسك ؟! أنت لست بسيدي .. و لن تكون أبدا .. لذلك توقف عن فرض أوامرك علي فأنا لا أتلقى أوامر من أحد ..أنا سيدة نفسي ..و لن أسمح لك و لغيرك بالتطاول علي .. كما فعلت بالأمس .. لقد تركتك تفعل ما فعلت لأني كنت مصدومة من تصرف رجل نبيل مثلك أو يفترض أن يكون نبيلا أن يقوم بحبسي في بيت مهجور و أنا الغريبة هنا .. و الأسوأ من ذلك بأنك كنت تكذب علي .. هل تظن أني غبية ؟! معتوهة لا أفهم شيئا ..أجبني من فضلك .. "
انصدم الجميع عندما نظرت بكل جرأة إلى الدوق المهيب الجالس أمامها .. بينما هو فقد عقد لسانه بعد أن سمع هذا الخطاب الطويل المليء بالتجريح و لم يعرف بماذا يجيبها ..
كررت السؤال و هذه المرة امتلأت عيناها بالدموع
- " قل لي .. يا دون باتريك ماذا فعلت لكم لأتلقى كل هذا؟! أجبني .. هل اعتقدت بأني لا أفهم شيئا .. أجبني .. هيا ماذا تنتظر .."
و أخيرا نطق .. بهدوء .. متحكم بأعصابه قدر الإمكان ..
- " لا .. لا أعتقد بأنك غبية .. "
- " إذن لماذا ؟؟ و أنت تعاملني و كأنني كذلك .. و تكذب علي "
- " لم أكذب عليك .. كل ما قلته بان لك الربع في هذا الورث .. و الربع في نظري هو البيت الذي أقام فيه والدك "
- " هذا صحيح .. لكن هذا قبل أن يتزوج من الكونتيسة و قبل أن يرثها.. "
عض على شفتيه و تبادل النظرات مع الجالسين حوله .. فقالت بسخرية
- " هل اعتقدت بان الأمر سيغيب عني ؟! "
استقام واقفا بكل شموخ و كأن كلامها لم يحرك ساكنا .. لم يؤثر فيه .. قال بصوت حازم
- " آنسة لورا .. أتمنى أن تتوقفي تهجمك علينا و تتركين ذلك لوقت لاحق .. سنتحدث أنا و أنت على انفراد .. عندما يتسنى لي الوقت لذلك .. "
مر من أمامها و ذهب ناحية الباب ليخرج لكنه توقف و قال لوانيتا
- " وانيتا .. خذي آنسة آغنر إلى جناحها .. و اعتني بها .. "
ثم استدار لينظر إلى الجالسين
- " و انتم .. كونوا مضيافين للآنسة .. على الأقل حتى نحل المشاكل العالقة .."
بعد ذلك نظر إلى لورا و قال مبتسما بخبث
- " هل رضيت عنا الآن ؟! "
نظرت إليه و الحقد يملأ عينيها .. لكنه لم يكترث بل فتح باب غرفة الطعام مغادرا ...
أخذتها وانيتا إلى جناحها و أحضرت لها طعام الإفطار .. تناولته لورا و كأنها لم تأكل منذ سنوات .. و بعد ذلك دخلت الحمام و أخذت شاور سريعا بعد أن انتهت و ارتدت ثيابها العملية تذكرت بأنها منذ قدومها إلى هنا لم تقم بالاتصال على والدتها ..
- " ألو .."
- " أمي .. كيف حالك ؟! "
- " أهلا يا عزيزتي أين أنت؟؟ لم لم تتصلي بي فور وصولك؟؟ ... هل أنت بخير ؟ هل كل شيء على ما يرام ؟! "
ضحكت لورا و أجابتها
- " صبرا علي يا أمي .. سأخبرك بكل شيء .. انتظري .. أولا أنا بخير .. و أنا في منطقة بعيدة و منعزلة عن العالم لكن يوجد بها قصر رائع و خيالي و كأننا في عصر الإقطاعيين"
- " رائع.. و كيف جرت الأمور معك ؟!"
أغروقت عيناها بالدموع لكنها حاولت قدر الإمكان أن لا تبين لوالدتها ضيقها حتى لا تقلق عليها
- " في بادئ الأمر كانت الأمور معقدة و لم أتلق الترحيب الكافي من هذه العائلة الغريبة الأطوار.. لكن كل شيء بخير الآن "
- " و متى ستعودين ؟! "
- " لا أعرف ذلك بعد .. لكن ليس في أي وقت قريب .. أحتاج إلى أن أبقى هنا حتى أهتم ببعض الأمور .. كيف حالك أنت و أبي ؟! "
- " بخير .. والدك مشتاق لك .. أتعرفين بأنا لا نستطيع الاتصال بك .. لا أعرف لماذا؟ لكن الخطوط لا تعمل هنا "
- " حقا ؟ لم اعرف ذلك ؟! "
- " نعم .. و لقد حاول سام الاتصال بك مرارا و لم يستطيع .."
أضافت بصوت ضاحك
- " ينبغي لك أن ترين سام كيف جن .. أنه يحاول الوصول إليك .. يقول بأن لديكما أعمال كثيرة "
ضحكتا معا و هما تتخيلان حال سام و كيف أنه يصيبه انهيار عصبي و يجن عندما تتوقف أعمالهم لدقيقة فكيف و أن توقفت لشهر أو اثنان
- " أنا هنا للراحة و الحمد لله أن سام لا يستطيع الوصول إلي حتى لا يزعجني .. أخبريه باني سأتصل به قريبا .. و لا ضير بأن نأخذ فترة للراحة بين حين و أخرى "
- " سأفعل يا عزيزتي .. استمتعي .. و لا تتأخري في العودة فلقد اشتقنا لك جميعا و نتحرى عودتك .. لا تنسي الاتصال بنا عندما تتسنى لك الفرصة"
- " بالطبع لن أنسى .. اعتني بنفسك و بوالدي .. أحبك .. إلى اللقاء "
- " إلى اللقاء "
ارتاحت بعد أن سمعت صوت والدتها و أطمأنت بأن كل الأمور بخير هناك .. فتحت التلفاز و قلبت في القنوات .. سئمت جلوسها في الحجرة هكذا تريد أن تفعل شيئا جنونيا كما فعلت هذا الصباح .. ضحكت بينها و بين نفسها و تذكرت صباح اليوم كيف تجرأت و امتطت الخيل و كيف هجمت على باتريك .. ذلك الرجل المتلبد الأعصاب ..


سمعت صوت باب القصر يفتح في وقت متأخر من الليل و أيقنت بأنه باتريك قد عاد و أخيرا .. حان الوقت للتحدث يا باتريك .. قالت في سرها .. خرجت من غرفتها لتقابله في الممر الطويل .. توقف فهو لم يتوقع أن يكون أحدا مستيقظا إلى الآن ..نظر إليها لم تكن ترتدي فستان نوم كما تمنى أن يراها في هذا الوقت من الليل .. بكل كانت ترتدي جينزا و قميص ملونا و رفعت شعرها برباط أضفى عليها جمال أنثوي طاغي .. اقترب منها بهدوء
- " آنسة آغنر .. لم أنت مستيقظة حتى هذا الوقت ؟! "
- " كنت أنتظرك "
- " تنتظريني ؟! "
لا يعرف لم أحس بشعور جميل .. وجود أحدا ينتظره .. لكنه طرد هذه الفكرة من رأسه و قهقه ثم أردف سائلا
- " و لم تنتظريني يا آنسة ؟! "
حدقت فيه بحقد و قالت بثقة
- " لقد أخبرتني صباح اليوم بأننا سنتحدث على انفراد أنا و أنت يا دون باتريك "
أومأ برأسه مجيبا إياها
- " نعم ..هذا صحيح لقد أخبرتك بذلك صباح اليوم .. لكنني قلت عندما يتسنى لي وقت للتحدث و كما ترين بان الوقت الآن متأخر جدا و انا متعب .. "
دنا منها أكثر حتى كاد يلتصق بها و لاستغرابها من تصرفه تجمدت رجليها و تسمرت في مكانها تحملق فيه و هو يقرب شفتيه ناحية أذنها و يهمس قائلا
- " كما أن إذا جلسنا أنا و أنت بانفراد و في مكان منعزل بهذا الوقت المتأخر سيظنون بأن ... أنت تعرفين ما أقصده "
ابتعد عنها و هو يضحك بسخرية عندما التفتت و حدجته بنظرة حادة و قالت باستهزاء
- " أنت خفيف الظل يا دون باتريك .. أنا و أنت .. هذا فعلا مضحك.. "
كلما تحدثت في هذه النبرة كلما زادته إثارة .. قاومها قدر الامكان و قال بصوت ماكر و نظرة خبيثة جريئة
- " حقا ؟ تجيدينه ممتعا أم مغريا ؟! "
زاد ضحكه و هو يرى وجهها الذي تورد خجلا ..أحست لورا بأنه ليس بطبيعته لابد أنه ثمل أو يعاني من شيئا ما ..
- "حسنا أتمنى أن تجد وقتا صباح الغد في التحدث أريد أن انتهي من هذه المسألة "
توقف عن الضحك و علت ابتسامة سخرية على وجهه و هو يفتعل الدهشة
- " حقا ؟! و عندما تنتهين منها هل ستغادرين إلى بلادك ؟! "
- " هذا يعتمد .. "
- " على ماذا ؟! "
لم تستحمل رؤيته يستهزأ بها .. فقالت
- " يبدو عليك التعب يا حضرة الدوق.. سأتركك لترتاح.. عمت مساءا "
استدارت لتعطيه ظهرها و مشت باتجاه حجرتها دون أن تلتفت .. و بحركتها تلك أشعلت النار في صدره.. نار الافتتان و الإعجاب ..


يتبع ,,,,

👇👇👇

تعليقات