رواية الذوق الاسباني -2
مرحبا.. أنا الدوق باتريشو أليخاندرو آلفاريز دي تيلدو و أنا هنا لأودع والدتي الكونتيسة مارسيلا غارسيا آلفاريز دي تيلدو لحياة أفضل من هذه التي نعيشها .. لحياة الخلود .. و لأعاهدها و أعاهدكم بأني سأسعى لتحقيق أمانيها و أحلامها و أكون مكملا لمسيرتها و مسيرة والدي و أجدادي لعلي أعوض عنها و عن نفسي سنين الغياب .. فأرجوا منها أن تقبل عذري .. و اخبرها بأنها ستكون هنا في ألبا بين أهلها و أصدقائها و بالأخص في قصرها و قلب ابنها ... احبك يا أمي .. و سأظل أحبك أبدا"
صفق له المعزون و وقفوا له احتراما و تقديرا .. و ما أن توقف التصفيق حتى صعد ماريو المنصة و همس بأذن الدوق .. ظل باتريك صامتا فأثار الحاضرين الذي أخذوا يتساءلون عن ما همسه ماريو في إذنه .. فهدأو عندما فغفر فاه و أضاف قائلا
- " و أنا آسف لأن أعلن لكم بان زوجها كارلوس دي بابلو قد فارق الحياة قبل ساعة و سنقوم بدفنه بطريقة تليق به كزوج كونتيسة بعد أن ندفن والدتي .. و شكرا لكم و لحضوركم إنني اقدر لكم تعازيكم "
نظر إلى وجه والدته للمرة الأخيرة قبل أن يقوم الكاهن بإغلاقه ثم وضع التابوت في الليموزين و حمل حتى المقبرة حيث دفنت الكونتيسة و بعدها أحضرت جثمان زوجها و وقف المعزون و قاموا بدفنه ليكون مع زوجته رفيقا تحت الثرى ...
استيقظ في صباح اليوم التالي و هو يشعر بالإرهاق بسبب اختلاف الوقت و بسبب الأحلام و الكوابيس المزعجة و الأفكار التي تداعت إلى رأسه فحرمته لذة النوم .. رأى والدته تأتي لتمسح على رأسه ثم تتركه و تمسك بيد زوجها كارلوس و تغادر بعيدا .. فقرر أن يغادر هو بدوره و يغفر لنفسه و هذا سيتطلب مجهودا كبيرا .. ارتدى ثياب عملية و خرج من حجرته ليقابل داني في طريقة للنزول لتناول الإفطار
- " صباح الخير باتريك .. كيف كانت ليلتك ؟ "
- " لا بأس بها .. ماذا عنك هل نمت جيدا ؟! "
- " ما أن وضعت رأسي على الوسادة "
- " هنيئا لك "
- " ماذا تنوي أن تفعل اليوم ؟! "
- " سأذهب لألقي نظرة على الكروم و الإسطبل و أرى كيف تسير الأمور في المصنع .. هل تحب أن ترافقني ؟! "
- " نعم و لم لا "
- " إذا بعد الإفطار سنذهب على ظهر الخيل "
- " فكرة جيدة "
اقترب من وانيتا الخادمة و أخبرها بأنه يود تناول الإفطار في الحديقة .. فجلس هو و داني لتناول فشاركتهم نانيرا و بعدها انضم إليهم ماريو ..
- " فكرة رائعة يا دون باتريشوا لتناول الإفطار في الهواء الطلق .. أن الجو رائع و نحن نحتاج للتغير .. آه كم تذكرني بالدون آليخاندروا كان دائما يحب أن يغير بين حين و أخر "
ابتسم لها و أومأ برأسه موافقا على كلامها ..
- " دون باتريك .."
- " ماذا يا ماريو ؟! "
- " لقد اتصل محامي العائلة يريدك أن تحدد موعدا له لمناقشة الوصية .. فماذا أجيبه "
- " غدا ..هو الأنسب .. اليوم أريد أن أمر على المصنع و أرى سير العمل و ألقي نظرة على الكروم و الإسطبل و نحب أن نمارس أنا و داني ركوب الخيل إن أردت مرافقتنا "
- " نعم بالطبع يا سيدي .. "
بعد الإفطار كان الثلاثة على ظهر الخيل فوق التل ينظرون إلى الكروم الأخضر الممتد إلى الوادي .. أوقف باتريك جواده و ترجل عن ظهره و تمشى بين الكروم فتبعه ماريو و داني .. أخذ يتلمس الأوراق و يقطف العنب ليتذوقه .. ثم ابتسم
- " لا يزال لذيذا كما كانت أعهده سابقا .. كنت اهرب إلى هنا و أنا صغير و أقطف العنب ثم أنزل إلى الوادي لأغسله و أتناوله و أقوم بتوسيخ ثيابي فتنهرني والدتي "
مد حبات من العنب إلى داني و ماريو
- " تذوقوه .. "
دفع داني ثلاث حبات إلى فمه فتغيرت ملامحه لاستيطابه طعمه فقال مبتسما
- " إنه مليء بالعصارة و لذيذ جدا "
- " انتظر حتى تتذوق النبيذ .. ستعشقه "
ضحك داني و قال
- " إنني أتحرق شوقا لأن أرى الفتيات يتقافزون فوقه لعصره .... "
ابتسم باتريك و أضاف معلقا
- " أوافقك الرأي .. سيكون ألذ .. أليس كذلك يا ماريو؟؟ "
شعر ماريو بالإحراج .. فأومأ برأسه .. و ضحك الاثنان عليه لأن ماريو لا يحب أن يناقش أمور الجنس الآخر مع باتريك و داني ...
مر بالقرب من المزارعين فأشار لهم محيا و ربت على ظهر أحدهم
- " أحسنتم عملا .. "
- " شكرا لك دون باتريشيو "
صعد على ظهر الخيل ليذهب إلى المصنع حيث يؤخذ العنب اللذيذ و يعصر بآلات العصر العملاقة ثم تصب العصارة في أفخر أنواع الزجاج الذي تحول إلى قناني فاخرة التي تصنع هنا و من ثم تسد في سدادة من فلين و توضع في صناديق ليتم شحنها إلى باقي أرجاء البلاد .. و يعتبر نبيذ آلفاريز أشهر نبيذ في أسبانيا و أفخرها .. فهو معروف منذ قرون طويلة .. فعمر هذا المصنع يعود إلى القرن السادس عشر لكن قام أجداد باتريك بترميم المصنع و تطوير آلاته مع السنين ..
بعد أن تأكد من حسن سير العمل دخل إلى مكتب مدير المصنع و أخبره بأنه سيقوم بترميمه و تحديثه بالأجهزة المتطورة و كل ما يحتاجه من المدير هو إعطاءه قائمة بالمستلزمات و أحسن الأجهزة و المعدات حتى يباشر هو بعملية الشراء ...
بعد الجولة في الكروم و المصنع اتجه إلى الإسطبل و تفقد الخيول و أمر المسئول عنها أن يرسل له تقرير عن الإسطبل و صحة الخيول و ما يحتاجه كل منهم ..
قرر بعد هذه الرحلة و الجولة الصغيرة في الكروم و المصنع و الإسطبل أن يركب الخيل و يركض به و هو يضحك و يصيح بصوت عال على داني و ماريو خلفه
- " هيا .. من يستطيع أن يسبقني ؟! "
- " إنك غشاش .. "
- " أثبتي لي ذلك .. هيا "
تسابق مع داني و ماريو حتى مدخل القصر و لأنه ركض بالخيل قبلهم استطاع أن يسبقهم و هو ضاحكا .. كانت نانيرا واقفة تطل عليه من نافذتها و هي تبتسم فلوح لها بيده و دخل المنزل ...
سألته و هي تناوله المنشفة
- " ماذا فعلت يا بني ؟! كيف كانت جولتك ؟! "
- " كل شيء يسير على ما يرام لكني أريد أن أغير في الإستراتيجية و أقوم بتحديث كل شيء بما فيهم القصر .. "
- " ماذا ستفعل بالقصر ؟! "
جلس على كرسيه و قام بإشعال سيجارة .. و أجابها قائلا
- " يحتاج إلى بعض التغيرات و الترميمات و سأنتقل أنا إلى جناح والدي و ستقفل حجرة والدتي و نهدم حجرتي فندخلها بجناح والدي و بالتالي يكون أوسع و سنبني بالخارج منزلين صغيرين لماريو و داني و عائلتهما المستقبلية.. و أنت يا نانيرا .. أنت سيكون عليك التأثيث .. "
- " يسعدني ذلك يا بني "
- " لديك كل ما تحتاجينه و داني سيقوم بمساعدتك "
التفتت إلى داني فقال ضاحكا
- " سنشكل ثنائيا رائعا يا نانيرا .. و أكثر شيء سنهتم به هو منزلي الصغير الجديد .. "
ضحكوا جميعا .. فأطرقت عليهم بسؤالها ..
- " و متى ستحضر عائلتيكما ؟! "
قال ماريو مبتسما
- " أنا عما قريب .. ما أن ينتهي المنزل الصغير سأقوم بعمل حفلة زفافي في القصر"
- " هذا رائع .. نحتاج إلى الاحتفالات هنا .. فمنذ زمن طويل و هذا القصر يعيش حالة من الحزن "
- ساد الصمت المكان .. حتى قال داني مغيرا الجو و مضيفا بعض المرح
- " أما أنا فمازلت عازبا .. و بينما نقوم أنا و أنت يا نانيرا بالاهتمام بتأثيث منزلي سنضيف إلى ذلك مهمة أخرى و هو البحث عن فتاة أسبانية أصيلة تليق بي "
ضحكت نانيرا و ربتت على كتفه
- " سيسعدني ذلك يا بني .."
ثم التفتت إلى باتريك و مسحت على رأسه
- " و ماذا عنك يا بني ؟ متى سأفرح بك ؟ "
- " عندما يحين الوقت "
- " و هل هو قريب ؟! "
سرح قليلا ثم ارتسمت على شفتيه ابتسامة صغيرة و قال
- " ليس لدي أدنى فكرة .. كل ما أعرفه باني مثل داني .. عازب .. و أنا الآن لا أفكر إلا بتلك الشقراء الهيفاء التي تجمهر حولها المعجبين في المطار .. أتذكرها يا داني ؟! "
- " نعم .. لكني لم استطع أن أرى ملامحها.. لعلها ممثلة مشهورة "
رفع كتفيه و قال
- " ربما .. "
أسند رأسه على ظهر الكرسي و أعاد في مخيلته صورة تلك المرأة و صورتها و هي تبتسم له .. و مرة أخرى و هي تجيب الرجل بصوتها الأنثوي الضاحك
- " سألف أوروبا "
يا ربي من عساها تكون تلك التي شغلتني عن النوم و منعتني عن التفكير بوالدتي و الذنب الذي يحكم علي أنفاسي .. فهل سأقابلها يوما ما ؟!!
- " أمي هل أنت هنا ؟! "
دخلت المنزل و هي تنادي على أمها التي خرجت مسرعة ما أن سمعت صوتا يناديها .. حضنتها بقوة إلى صدرها
- " آه يا لورا .. لقد اشتقت لك يا ابنتي .. كيف كانت رحلتك ؟! "
- " لا بأس بها .. لم نلف أوربا كما كان مخطط لنا أن نفعل "
أمسكت بشعرها و قد لاحظت بانه قص قليلا و صبغ بدرج أغمق مما كان عليه ..
- " أرى بأنك قصصت شعرك و قمت بصبغه .. هذا رائع .. "
- " نعم لقد أصر علي سام .. و ها أنا كعادتي أنصاع له .."
ألقت بنفسها على الكنبة و تمددت عليها ..
- " أين والدي ؟ "
حاولت أن تغير والدتها الموضوع فقالت معلقة
- " لقد اعتقدت بأنك ستغيبين لأكثر من أسبوع .. و ها أنت تعودين في اليوم الثاني.. ما الذي حدث ؟! "
- " لا أعرف حقا الأمر بالتفصيل لكن سام يقول بأنهم ألقوا العروض جميعها لأسباب ما .. إلا عرض باريس الذي أقيم بالأمس .. سأريك الصور إن أردت "
- " نعم لا أمانع .."
- " لكن أخبريني .. أين والدي فأنا مشتاقة له .. "
توترت والدتها و حاولت أن تغير دفة الحديث لكن لورا أحست بتوترها فقالت
- " أمي .. أين والدي؟ "
- " لا تقلقي بيتر على ما يرام.. !!"
ساورها القلق اثر تغير نبرة صوت والدتها
- " ماذا تعنين بيتر على ما يرام .. هل كل شيء بخير ؟! أين هو ؟ "
- " يحتسن أن أخبرك و نحن نحتسي القهوة ما رأيك ؟"
- " أمي .. "
جذبتها من يدها إلى المطبخ و قامت بإعداد القهوة لهما ثم ناولتها الكوب فرشفت منه و أسرعت لتعيد السؤال
- " أمي .. لم تجيبيني هل كل شيء على ما يرام ؟ هل الأمر يتعلق بوالدي ؟! "
- " نعم .. تقريبا ..آه لا أعلم "
ترددت قبل أن تضيف
- " اسمعي يا لورا .. بيتر .. آه كيف أقول لك هذا "
- " أمي أرجوك اخبريني فلقد جفت عروقي "
نفذ صبر لورا ووالدتها تردد أكثر من مرة قبل أن تضيف أي شيء .. هل الأمر بتلك الخطورة ؟؟...
- " حسنا ..اسمعي يا حلوتي .. قبل كل شي أريدك أن تهدئي أعصابك و لا تنفعلي "
- " سأبذل قصارى جهدي .. اخبريني من فضلك"
- " حسنا .. بيتر.. إنه .. بيتر .. ليس والدك الحقيقي "
فتحت عيناها باتساعهما و كأنها تلقت لطمه على وجهها ..
- " ماذا ؟! "
- " أنا آسفة يا ابنتي أعرف بأن الأمر مزعجا و محزنا لكن يجب أن تعرفي الآن .. لم أشأ أن أخبرك فلقد كنتما خير مثال لأب و ابنته المدللة .. لقد اعتبرك ابنته حتى أنه تبناك و أنت الآن تحملين اسمه .."
ما الذي تقوله والدتها ؟!! بيتر .. تبناها ؟!!
- " و .. والدي الحقيقي هل يعرف عني شيئا ؟! و أين هو ؟! و ما اسمه ؟!!!! "
- " اسمه كارلوس دي بابلو و هو أسباني تعرفت عليه عندما ذهبت في رحلة بحرية و بعد ذلك بشهر عقدنا قرانا لكن و للأسف لم يدوم هذا الزواج طويلا فتطلقنا و لم استطع العيش بعيدا عن موطني و كذلك هو رفض أن يغادر أسرته و بلاده .. و بعد عودتي إلى لوس أنجلوس علمت بأني حبلى فأخبرته بأمري و كان سخيا معي يرسل لي مصروفا شهريا و كنت أرسل له صورك .. "
- " أذن كان يعرف بأمري .. "
- " نعم .. هذا صحيح "
شعرت بالغضب فقالت بعصبية
- " ما دام يعرف بوجودي .. لم جعلني بعيدة عنه و ترك بيتر يتبناني ؟! أي أب هذا ؟! "
- " انتظري و دعيني أكمل .. و أرجوك اهدئي "
تنفست بعمق و نظرت إلى والدتها التي أردفت
- " بعد أن أصبح عمرك سنة تعرفت على بيتر و كنت مازلت شابة صغيرة و كنت في ذاك الوقت تحملين اسم عائلة والدك دي بابلو .. عندما رآك بيتر وقع في غرامك فلقد كنت فتاة لطيفة جدا و مطيعة له .عرض علي فكرة تبنيك بعد أن تزوجنا و لم نستطع الإنجاب .. بالطبع طلبت الإذن من والدك كارلوس الذي كان على اتصال معي و يسأل عنك و كانت فكرته أن تتربي في حضن والدين يحبان بعضهما و يلتزمان لتقديم حياة أسرية صالحة لك و أن يخفى عليك أمر والدك الحقيقي حتى لا تحقدي على بيتر كونه زوج والدتك .. و مع ذلك تغير اسمك من لورا دي بابلو إلى لورا آغنر "
تأثرت لورا بتلك القصة و خف غضبها قليلا .. لعل والديها أخطئا بزواجهما المبكر و بإخفاء أمر والدها الحقيقي عنها .. و لكن خلف ذلك هناك مغزى إيجابي و هو أنها عاشت في كنف والدين يحبانها كثيرا و لم تشعر يوما ما أن بيتر هو زوج أمها بل كان صديقها و والدها الذي اعتنى بها و حملت اسمه ..
فكرت قليلا بالسبب الذي يدعو والدتها لسرد هذه القصة الآن و بعد مرور أربع و عشرين سنة ..
- " و لم تخبريني بتلك القصة الآن يا أمي ؟! "
أنزلت ساندرا رأسها حزنا و قد امتلأت الدموع في عينيها ..
- " لقد دفن كارلوس صباح أمس "
و هذه صفعة أخرى تلقتها اليوم .. لا تعرف لورا لم شعرت بالحزن مع إنها لم تعرف ذلك الرجل لكنها أحست برباط داخلي غير طبيعي ..
- " لقد أحبك كارلوس رغم أنه لم يرك إلا في الصور و كان فخورا جدا بك و عندما أخبرته بأنك غدوت عارضة أزياء مشهورة حرص على أن يشترك بمجلة اكسبلوجر لتصله إلى أسبانيا من أجل أن يرى صورك على الغلاف في كل شهر .. و اليوم اتصل علي المحامي الخاص به و أخبرني بأنه يريد التحدث معك .. و هذا هو رقم هاتفه "
أخذت الرقم من والدتها و لم تعرف ماذا تفعل به
- " ألم يخبرك ماذا أراد ؟!"
- " لا .. لكني أعرف "
- " ماذا تعرفين ؟! "
- " أعتقد بأنك من الأفضل أن تقومي بالاتصال به "
أخذت الهاتف و ترددت قبل أن تضغط الأرقام .. فعدلت عن ذلك لأنها ليست مستعدة لان أن تسمع خبرا آخر قد يصدمها ..
- " لا أعتقد بأني أستطيع .. سأتصل به عندما أكون مستعدة لذلك "
- " لك ما شئت يا عزيزتي .. "
خرجت من المطبخ و المنزل بأكمله و عندما صعدت سيارتها رأت بيتر يركن سيارته في الكاراج و يترجل متجها إلى لورا التي كانت تنظر إليه بحزن .. هذا الرجل الذي شعرت نحوه بحنان الأبوة ليس بوالدها البيولوجي .. لكنه سيبقى والدها و صديقها و لن يغير ذلك شيئا .. فعلاقة الأبوة التي بينهما بنيت على أساس الحب و التقدير و الاحترام و لم تر فيه إلا الأب المثالي ..
حوطت خصره و وضعت رأسها على صدره كما تفعل دائما فلف ذراعيها ليحتويها بحنان الأب و يقبل رأسها
- " أميرتي الصغيرة .. لقد عدت باكرا "
- " نعم لقد ألغيت كل العروض ما عدا عرض باريس .. "
- " و لم ؟! "
- " لا أعرف الأسباب .. لا علينا .. كيف حالك ؟! "
- " على أحسن حال كما ترين .. مشتاق لك .. "
كانت لا تزال متعلقة به كطفلة صغيرة يحاول أحدا أن يجرها بعيدا عن والديها عن الأمان الذي تعيش فيه .. مسح على رأسها و هو ينتظر أن تتركه في أية لحظة و عندما لم تفعل سألها بارتياب
- " لورا ..هل تشكين من شيء يا ابنتي ؟"
- " أبدا .. لكني اشتقت إليك كثيرا .. و أريدك أن تعرف بأنك أفضل أب و صديق "
- " حقا ؟! و ما مناسبة هذا الكلام ؟! "
- " لا شيء .. مجرد تذكير لك بأني أحبك "
- " و أنا كذلك يا صغيرتي "
- " سأبلغ الخامسة و العشرين قريبا و أنت لا تزل تناديني بصغيرتي "
- " هل حقا تسأليني هذا السؤال ؟ أعتقد بأنك تعرفين الاجابة .."
- " آه نعم لقد حفظتها .. ستفضلين صغيرة حتى عندما أبلغ السبعين و عندما أصبح جدة.. هذا صحيح .. "
ضحك لتقليدها نبرة صوته فحضنها بقوة مرة أخرى
- " إلى أين أنت ذاهبة ؟! لم لا تتناولين العشاء هنا ؟"
- " آسفة لقد حجزتني جاكلين قبلكما .. لكني سأقبل دعوتكما غدا .."
- " بكل تأكيد .. اعتني بنفسك "
- " و أنت كذلك "
ثم انطلقت بسيارتها و هي تفكر بقصة والدها البيولوجي و بالرقم الذي أعطتها إياه والدتها ..
على العشاء مع جاكلين أخبرتها بكل الحكاية من البداية إلى النهاية ..
- " و الآن بعد أن عرفت كل شي يا جاكي ماذا أفعل ؟"
- " اتصلي به يا لورا "
- " لست مستعدة لان اسمع خبرا آخر صادما "
- " متى ستفعلين إذن ؟ "
- " لا أعرف .. إن ما يحزنني هو أبي.. بيتر .. لا أريده أن يحس بشيء قد تغير عليه لا أريده أن يعلم بأني أعرف حقيقة والدي.. يجب أن أخبر أمي بذلك "
- " إنه رجل متفهم يا لورا لا تقلقي "
وضعت يدها على رأسها و هي تقول بيأس
- " آه .. إنه شيء فظيع .."
- " أبدا .. لورا سهلي الأمور .. لن يغير معرفتك بحقيقة والدك البيولوجي شيئا .. فبيتر سيظل كما هو .. "
- " أتمنى ذلك من كل قلبي يا جاكي .."
بعد العشاء مع جاكلين عادت كل منهما إلى شقتها غيرت ثيابها و اندست في فراشها حيث تقلبت طول الليل و هي تشعر بالفضول و بنفس الوقت تشعر بالتردد و الخوف من فكرة الاتصال بذلك المحامي ..
و في الصباح ما أن استيقظت من نومها حتى قفزت من فراشها و كأنها لم تنم إلا لدقائق بحثت عن الرقم في معطفها و أخذت الهاتف و قامت بالاتصال .. أرادت أن تعدل عن ذلك و أن تغلقه لكن فات الأوان فلقد أجابها صوت رجلا بلكنة أسبانية ..
- " المحامي سانتياغو بانديروزا يتحدث "
- " مرحبا "
- " كيف أخدمك يا سيدتي ؟! "
قالت بصوت متردد و خائف بنفس الوقت ..
- " أنا لورا آغنر .."
- " آه آنسة آغنر .. و أخيرا اتصلت "
بدا و كأنها كان ينتظرها لفترة ليست بقصيرة ..
- " نعم لقد كنت مترددة "
- " أنا آسف لخسارتك فالسيد كارلوس كان رجلا محترما و .."
قاطعته .. شيء ما دفعها لتقاطعه .. لا تريد أن تسمع شيئا عنه ..
- " لا بأس .. لم أكن أعرفه لذا لا يحدث فرقا كبيرا معي "
- " هذا صحيح لكنه كان يعرفك جيدا مما جعله يورثك كل ما يملك "
- " ماذا ؟! "
صدمت من كلامه فقد كان واثقا و هو يقول لها ..
- " نعم يا آنستي .. إن الوصية التي كتبها عندي تنص بأن كل ما يملكه السيد كارلوس دي بابلو يورث لك .. آنسة لورا آغنر "
تجبست في مكانها و أعادت جملته الأخيرة أكثر من مرة .. فقالت بهلع
- " يا إلهي.. و ماذا عساي أن أفعل ؟! "
- " آنستي إن الأمر معقدا بعض الشيء و هو يتطلب سفرك إلى أسبانيا حتى تقومي باستلام ورثك و حقوقك "
السفر إلى أسبانيا ؟!! إذن الأمر كبير جدا و معقد مثل ما يقول ..
- " و .. و هل هو كثير ؟! "
قهقه بصوت خافت
- " لابد أنك لا تعرفين شيئا عن السيد دي بابلو"
- " نعم أصبت .. لقد عرفت بأنه والدي مساء أمس .."
- " السيد كارلوس كان متزوجا من الكونتيسة مارسيلا غارسيا آلفاريز دي تيلدو "
بدا أسمها مريبا للورا ..
- " و من عساها تكون ؟! "
- " إنها زوجة دوق ألبا السابق الدون آليخاندروا آلفاريز دي تيلدو الذي توفي منذ سنوات طويلة و ورثته منه الكونتيسة القصر الريفي "
لم تعرف مراد ذلك المحامي من تلك القصة الموجزة و إلى ماذا يريد أن يصل بها فسألته غير مكترثة بحديثه
- " حسنا .. و ماذا يعني ذلك ؟ "
- " آه آنسة آغنر إن الحديث طويلا جدا فسأقوله لك باختصار .."
- " نعم أتمنى ذلك "
- " حسنا .. لقد توفيت الكونتيسة قبل السيد كارلوس بيومين و طبيعي أن يرثها زوجها .. فلقد ورث جزء من نقودها و جزء من القصر الريفي و بما أن السيد كارلوس توفي و هو .. بالأمس .. فمن الطبيعي أنك يا آنسة سترثين كل ممتلكاته بما في ذلك القصر الريفي و .. و.. فهذا ما تنص عليه الوصية .. "
عقد لسانها فهذه بالفعل صدمة أخرى هي ترث قصر و يعود لدوق ألبا المدينة الاسبانية العريقة يا إلهي لا تعرف هل تفرح أو ترتعب .. لكنها ارتعبت بالفعل سألته متشككة و تحت تأثير الصدمة لكنها انتبهت ما قاله عندما عادت ذلك برأسها لأكثر من مرة ..
- " لقد قلت جزء من القصر ؟! "
- " نعم هذا صحيح جزء منه .. لأن الجزء الثاني ورثه الدوق "
يا إلهي عن الأمر معقدا بالفعل .. ماذا يقول ؟!! الدوق ؟!!
- " لم أفهمك يا سيد سانتياغو لقد قلت بان الدوق قد توفي قبل زوجته الكونتيسة "
- " نعم و لم اخطيء .. لكن هناك الدون باتريشو آلفاريز دي تيلدو .. ابن الكونتيسة و الدوق السابق و هو الدوق الحالي لألبا "
صدمة ثالثة أخرى تلقتها خلال يومين .. و مسلسل الصدمات في توالي .. شهقت و قالت برعب...
- " ماذا ؟؟!! هل أشارك دوق في ورثه "
- " للأسف نعم .. قلت لك بان الأمر معقد و يتطلب سفرك إلى أسبانيا .. لم يعرف الدوق بعد بأن هناك من يشاركه بالقصر لكنه سيعلم ظهر هذا اليوم "
- " حسنا .. شكرا لك سيد سانتياغو أرسل لي عنوان مكتبك من فضلك "
- " لك ما شئت آنسة آغنر و أرجوك أن تسرعي بالسفر .. حتى تأخذي كامل حقوقك و أكون أنا قد أوصلت الأمانة إلى أهلها "
- " نعم بكل تأكيد .. شكرا لك .. و إلى اللقاء "
سرحت في إحدى زوايا غرفتها و أعادت حوارها مع المحامي الذي أوقف قلبها بكلامه و كأنه كان يشرح لها درس في تاريخ أسبانيا .. هل كانت والدتها تعلم بكل هذا ؟!! لا .. مستحيل أن تعرف بأن ابنتها قد ورثت قصر تاريخيا يعود للدوق و أسلافه ... و كيف ستكون ردة فعل الدوق عندما يعرف بأن امرأة أمريكية لا يعرفها و لا تعرفه و تشاركه في ملكه و ميراثه ..
استقام واقفا و صرخ بعصبية
- " ماذا قلت ؟!! فتاة أمريكية تشاركني بهذا القصر !!! مستحيل .. لا يمكن "
بلل المحامي سانتياغو ريقه و قال و هو يشعر بالخوف من الدوق المتهيج
- " آسف يا سيدي .. أعرف بأن الخبر صادما لكني لم أقل لك إلا ما كتب على الأوراق و في مكتبي "
- " آه نعم هذا صحيح أنت لست مسئولا عن أي شيء يحدث هنا .. عن المصائب التي تحذف على من كل جانب .. "
لم يعلق المحامي بل ظل واقفا يحدق في الدوق الذي أصابته نوبة هلع و عصبية و أخذ يثور في المكان .. ثم نظر إليه بحقد .. و سأله بنفاذ صبر
- "و هل أخبرت تلك الأمريكية عن الأمر ؟! "
حرك كرسيه للخلف خطوتين حتى يتفادى غضب الدوق الذي قد يضربه في أية لحظة
- " نعم لقد اتصلت هي هذا الصباح و تكلمنا بالأمر "
زاد غضبه و احمر وجهه و بدأ بتصبب عرقا
- " اتصلت !! لقد تحدثت معها قبل أن تعلمني بالأمر .. ما بك يا سانتياغو هل جننت أين عقلك ؟! "
اقترب منه داني و حاول أن يهدئه
- " باتريك .. اهدأ .. اجلس .. أرجوك اجلس "
جلس على الكنبة و سكت قليلا حتى يهدأ .. لكن سرعان ما أضاف بعصبية
- " و ماذا كانت ردة فعلها عندما عرفت بأنها ورثت قصر تاريخي يعود لعائلة نبيلة ؟!! لا بد بأن توقف قلبها "
- " كانت مدهشة و غير مصدقة ما تسمعه .. "
- "بالطبع ... و هل ستأتي ؟!! يا لي من غبي لطرحي هذا السؤال ؟ و كيف لا تأتي و هي ورثت كنزا"
تحسس رأسه الذي بدأ ينبض ألما بسبب الغضب .. أغمض عيناه قليلا حتى يهدأ .. ثم قال بنبرة حادة و منخفضة
- " هل أخبرتك متى ستأتي ؟! "
- " لا .. لكني قلت لها بأن تستعجل القدوم "
- " و لم عساك تفعل ذلك ؟ "
أحس سانتياغو بأنه يريد أن يبكي .. ما هذه الورطة ..
- " آسف يا سيدي فلقد فعلت ذلك لأني .. لان لدي أمانة يا سيدي و هذا هو عملي "
- " نعم صحيح .. عملك .. لا تستطيع أن تنتظر حتى تخبرني أنا بالأول . ألا تعتقد بأنه سيكون من الصواب أن تبتدئ بصاحب الملك هنا ؟!! "
- " آسف يا سيدي "
- " و ماذا سينفع الأسف الآن .. أرجوك سانتياغو اغرب عن وجهي "
أراد أن يتكلم لكن ماريو جره خارج المكتب و أمره بالسكوت بينما ظل داني داخل المكتب يحاول أن يهدأ ذلك الرجل الثائر غضبا ..
كان المحامي يرتجف خوفا و سأل ماريو
- "هل تعتقد بأنه سيقوم بطردي ؟! "
- " لا اعتقد .. أهدأ .. لقد تصرفت بحمق و هذا جزاءك .. كان يجب أن تخبرني بالأول حتى افتح له الباب بنفسي لا أن تصدمه هكذا .. و كنت انتظرت أن يعرف الدوق و بعد ذلك أخبرت تلك الفتاة بالأمر .."
- " كل ما فعلته هو أن اتصلت بها لأخبرها بأن والدها توفي و أنه ترك لها ورثا .. اعتقد انه من حقها أن تعرف بأنه توفي "
- " لا علينا من ذلك الآن.. "
- " أرجوك لا تدعه يطردني .. لقد عملت عند والده منذ سنوات .. لقد خدمت هذه العائلة بإخلاص "
- " إنه يعرف ذلك جيدا .. و دون باتريك أفضل من والده فلا تخشى شيئا .. و بالمناسبة ما اسم الفتاة الأمريكية ؟! "
- " لورا آغنر "
- " حسنا .. هيا اذهب الآن و لا تنسى أن تتصل بي أنا أولا و تخبرني بالمستجدات "
- " سأفعل .. لن اكرر الخطأ "
- " جيد "
دخل ماريو مكتب باتريك حيث كان داني يهدأ صديقه و يخبره بأنه يستطيع أن يشتري حصتها و بذلك ينتهي من أمرها
- " و هل تعتقد بأنها إذا رأت هذا القصر الجميل و الإسطبل و الكروم و المصنع ..ستوافق "
- " سنرغمها "
لم يجبه بل كان يفكر بتلك المصيبة التي حلت عليه .. لم يعد يستحمل هذه الضغوطات فتركهم يتناقشون بأمر الميراث و خرج إلى الإسطبل ..
ركب حصانه ألفريدو و انطلق به يسابق الريح و يلقي بهمومه إلى الهواء فتطير كما تطير خصلات شعره السوداء ...
حطت الطائرة في مطار مدريد فنزلت لورا و اتجهت إلى القاعة الكبيرة حيث يقف المستقبلين .. تلفتت في عينيها تبحث عن أحد أتى ليأخذها .. وقفت لخمس دقائق تبحث و من ثم لمحت رجلا في الأربعين من عمره يرتدي بذلة رسمية طويل جدا و عريض يقترب منها
- " آنسة آغنر ؟؟"
أومأت برأسها مبتسمة .. فمد يده يصافحها
- " مرحبا بك آنستي .. أنا المحامي سانتياغو بانديروزا "
- " أهلا وسهلا "
أخبر السائق أن يحمل حقائبها و يضعها في دولاب الليموزين و فتح لها الباب لتدخل .. و بينما هما بالطريق سألها
- " كيف كانت رحلتك يا آنسة ؟!"
ابتسمت مجيبة
- " لا بأس بها .."
- " جيد .. أرجو أن لا تكوني متعبة لان هذه الرحلة ستكون طويلة أيضا .. سنركب طائرة خاصة إلى مطار ألبا و من ثم ساعتين أخرى من المطار و حتى القصر الريفي "
أومأت برأسها موافقة ثم أشاحت عنه لتنظر إلى الخارج .. إلى شوارع أسبانيا .. إن مدريد جميلة جدا في مبانيها و البيوت و العمارات ذات الطراز القديم .. مدينة تجمع الماضي و الحاضر..
حاول سانتياغو قدر الإمكان أن يبعد نظره عنها لكن دون جدوى فلها من الجمال الذي يجذب الشخص إليه و تجعل عيناه تلتصق بها .. ماذا سيفعل الدوق عندما يعرف بان التي تشاركه ورثه ما هي إلا شابة لها جاذبية و من الجمال الذي يخطف الألباب ..
بعد ثلاث ساعات حطت الطائرة الخاصة الفاخرة في مطار صغير أيضا و هناك استقبلها شابا هزيلا و طويلا جدا و له عينان صغيرتان و ابتسامة جميلة مد يده يصافحها فابتسمت له و تناولت يده مصافحة ..
- " مرحبا بك آنسة آغنر .. أنا ماريو "
أردف المحامي سانتياغو مشيرا إلى ماريو
- " إنه ذراع الدوق الأيمن و لا يمكن أن نفعل شيئا من دون أن نستشيره بالأول .. "
ثم غمز بعينه إلى ماريو مشيرا بتلك الحادثة التي جرت قبل ثلاثة أيام في مكتب الدوق ..
- " مرحبا ماريو تشرفت بمعرفتك "
- " و أنا كذلك .. لقد طلب منا الدوق بان نصحبك إلى القصر .. "
- " شكرا .."
فتح لها باب الليموزين السوداء و جلس في المقعد أمامها .. كان يتحدث بالهاتف بالاسبانية و قد بدا خائفا و متوترا .. فأيقنت بأنه ربما يتحدث مع الدوق ... يا إلهي هل يكون هذا الدوق رجلا مهيبا و عجوزا لا يرضى بسهالة و لا يعجبه شيء .. هل سيزعجها و يضيق عليها حياتها حتى ينال ما يريده ..
لم يتحدث إليها ماريو و لا سنتياغو طوال الطريق الممل لساعتين .. بل كانا الاثنان يتحدثان فيما بينهما بصوت خافت و بلغة إسبانية .. و أحست بان الحديث كان يدور عنها ..
توقفت السيارة أمام بوابة عملاقة و من ثم أكملت السيارة طريقها حتى توقفت عند مدخل القصر العملاق المنعزل عن الحياة .. فهو كالقصور المسورة المعزولة عن العالم و الذي يطغى عليها الظلام كالذين نراهم في السينما و أفلام الرعب ..
فتح لها السائق الباب و ساعدها على النزول .. وقفت تتأمل ضخامة هذا القصر .. إنه كبير جدا و يسع لأهالي المدينة كلهم .. قادها ماريو إلى داخل القصر .. ما إن دخلت حتى انبهرت و توقفت عند المدخل الواسع تنظر إلى جمال الثريات العملاقة و تلتفت لتجد اللوحات الزيتية المعلقة لكل العائلة النبيلة.. كلها تقريبا .. رأت رسومات النساء بثيابهن الفارهه و مجوهراتهم الثمينة التي تليق بمستواهم العالي و من ثم نظرت إلى رسومات الدوقات بهيبتهم و وقارهم البادي على وجوههم و وقفتهم العسكرية .. و خشيت أن يكون هذا الدوق الذي تشاركه في هذا القصر المرعب أن يكون مهيبا كتلك الرسومات .. ثم استدارت لتنظر إلى الدرج العملاق و قد صنعت الدرابزين من الذهب الخالص و الكريستال .. و امتدت الرسومات إلى أعلاه .. و من بعيد رأت فتاة صغيرة بالعشرين من عمرها تقترب منها و تنحي لها و تقول لها بالاسبانية
- " مرحبا بك . أنا وانيتا .. "
ابتسمت لها و صافحتها .. رأت ماريو يتحدث لتلك الفتاة بالاسبانية و لم تفهم منه شيئا لكن التفت إلى لورا و قال مبتسما
- " ستأخذك وانيتا إلى جناح الضيوف "
- " ألن أقابل الدوق ؟! "
- " للأسف لا يا آنسة .. لقد تأخر الوقت .. ستقابلينه في الصباح .. الآن ستأخذك وانيتا إلى جناح الضيوف لترتاحي خاصة بعد رحلتك الطويلة هذه "
شعرت بخيبة أمل فقد أملت أن تقابله اليوم و اعتقدت بأنه سيكون بانتظارها .. إذا حتما هو رجلا عجوزا ينام باكرا و له عاداته خاصة ...
أخذتها وانيتا إلى جناحها و عندما دخلت أحست بأنها في جناح فندق فخم .. و كان الجناح كبيرا جدا بحيث يسع شقتها في لوس أنجلوس و هي عبارة عن غرفة نوم ضخمة مع صالة صغيرة عبارة عن كنبتين ذو ثلاثة أنفار و منضدتين على الأجناب و أخرى مستديرة في الوسط و تلفاز كبير و مطبخ تحضيري صغير أشبه بالبار و في آخر الغرفة وضع سرير من خشب المهوجني الغامق له تاج خشبي مرتفع جدا يزينه لحاف من الحرير ذو لون كريمي و طرز عليه طاووس بألوان ريشه الرائعة و طرزت أطراف الوسادتان بنفس الألوان الأزرق و الذهبي و البنفسجي ...
- " سأحضر لك عشاءك يا آنسة ريثما تنزعي ثيابك بأخرى مريحة "
التفتت على وانيتا المرأة اللطيفة المبتسمة التي تحاول جاهدة أن تتحدث الانجليزية.. فبادلتها الابتسامة قائلة
- " شكرا لك .."
خرجت وانيتا فقامت لورا بنزع ثيابها و همت بدخول الحمام الكبير الذي يسبقه غرفة تبديل واسعة جدا و ما أن فتحته حتى صعقت فكان الحمام عبارة عن حجرة واسعة أخرى أكبر من حجم غرفة نومها في لوس انجلوس .. في وسطه (الجاكوزي ) الحوض الذي يسع خمسة أشخاص .. و دش في احد الزوايا و المغسلة العملاقة في الجانب المقابل للحوض و بالقرب من الباب وضع كرسيين و طاولة صغيرة .. و كأنها في حجرة منتجع (سبا) ذو سبعة نجوم يحمل طابعا تاريخيا لأوروبا القديمة ..
أخذت دشا دافئا و سريعا و بعدها ارتدت قميص النوم و فوقه ارتدت الروب ثم اتجهت إلى الصالة الصغيرة و فتحت التلفاز عندها دخلت وانيتا بعربة بيضاء تتحول إلى طاولة وضعتها أمام لورا .. بالضبط مثل الفنادق خاصة مع الأطباق البيضاء من الخزف الصيني المزينة أطرافة بالذهب .. و عندما رفعت وانيتا الغطاء الفضي عن الطبق وجدت تحته قطعة دجاج و خضراوات و في الطبق الثاني حساء الجزر .. ثم سكبت لها نبيذ العنب ..
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك