بارت من

رواية عرسنا في الجنة -9

رواية عرسنا في الجنة - غرام

رواية عرسنا في الجنة -9

فردد اسامة في نفسه "لتكون كلمة الله هي العليا؟؟" ثم رفع صوته وقال مستفهما "اتراني لم اكن احارب بهذه
النية؟؟"
قاسم: دعني اسألك : متى انضممت الى التنظيم؟
اسامة: عندما اقتنعت بأنه علي الدفاع عن مدينتي..
قاسم ببرودة: خطأ.. عندما قتلت والدتك.. اردت الانتقام ممن قتلها..
فنكس اسامة رأسه ولم يجب..
تابع قاسم: متى انقلبت على التنظيم؟؟
اسامة: حينما كشفت زيف مبادئهم..
قاسم: خطأ.. لقد ثابرت معم تدافع عنهم وتضرب بسيفهم رغم كل شواذاتهم ولم تنقلب عليهم الا حينما
اكتشفت انهم هم من قتلوا والدتك..
وفتح اسامة فمه يريد الاجاية لكنه لم يجد ما يجيب به فنكس رأسه مجددا ...
وتابع قاسم استجوابه كالرشاش: متى بدات الانتقام من ابي كفاح ورجاله الواحد تلو الآخر؟ لم انشات
مجموعتك السرية: خفافيش الليل؟؟ قل لي لما سكت؟
اسامة بانفعال: كي اخلص الناس من شرورهم.. كي ارفع الظلم عن الناس... كي... كي..
قاسم بهدوء: اكمل.. كي
فاجهش اسامة في البكاء وقال: كي انتقم لشرف اختي... ثم تمالك اسامة نفسه وقال "لكن اليس من يدافع عن
نفسه وماله وعرضه شهيدا؟"
قاسم: نعم اذا اخلص نيته له تعالى.. لكن انت كنت مدفوعا بشهوة الحقد والانتقام.... الا تذكر يوم كنا صغارا
وقص علينا الشيخ "مسعود" موقف علي ابن ابي طالب رضي الله عنه عندما جاء ليقتل ذلك المشرك فبصق
المشرك عليه
اسامة: معم اذكر لقد أحجم رضي الله عن قتله وقال كنت اريد قتله اول الامر لنصرة دين الله فلما بصق علي
خفت ان اقتله انتصارا لنفسي. نعم صدقت.. كل قتالي كان حمية وثارا وانتقاما.. ثم لمع في عينيه بريق
الامل وقال " لعلني اكفر عن ذنبي الآن اذ جئت للجهاد.."
قاسم بحزم: وهل انت ضامن حقا انك جئت لاجل الجهاد
اسامة: ماذا تقصد؟؟ اتشكك في نيتي حتى في هذه النقطة ؟؟
قاسم: ارجع ياأ سامة.. ارجع.. فانك لم تأت للجهاد..
اسامة بغضب: ماذا تظن نفسك؟ تقرأ افكار الناس ولم جئت اذن برأيك؟؟
قاسم بحزم: جئت لنفس السبب الذي دعاك الى طردي من شلتك منذ عشر سنين.. ارجع يا سامة ارجع
وصف نيتك ثم تعال الى هنا عندما ترسخ الهدف من مجيئك.. ان الله لا يقبل الا ما كان خالصا لوجهه.
اعذرني ان كنت قاسيا معك.. لكنك كنت بحاجة لصدمة كي تستيقظ فارجوك كن مثل سحرة فرعون لا كقوم
ابراهيم عليه السلام.
فصمت اسامة لفترة ثم قال بصوت متهدج: "انت تكرهني يا قاسم.. لم تنس لي ما فعلته يوما بك"
فابتسم قاسم ابتسامة واسعة وقال "وهل يكره احد ابن حماه المستقبلي؟؟ اسمع يا اسامة انا اطلب منك رسميا يد
اختك ليلى.. "
اسامة: ولكن انت تعرف ...
قاسم: وما ذنبها هي؟؟ كانت ضحية يا اسامة.. ليلى اشرف من الشرف نفسه..
فضم اسامة قاسم اليه ضما شديدا وشرع بالنحيب كالطفل اذا ادرك مدى شهامة قاسم وايمانه..
فربت قاسم على كتف اسامة بحنان وقال : "اسامة؟؟ الرجل الشجاع الذي لا يهاب الموت؟؟ انت تبكي؟؟"
اسامة: ارجوك لا تنادني بهذا الاسم بعد الآن فانا لا استحقه.. انا مجرد حشرة.. ارملة سوداء.. آلة قتل
متحركة..
فتمتم قاسم وقال "قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ان الله يغفر الذنوب جميعًا
"...
الاسد والثعلب
وشيئا فشيئا ازدادت المقاومة ضراوة فبدأ العدو يغرق في مستنقع لم يحسب له حسابا.. أي نعم نجح مرحليا
في طرد الفدائيين ولكنه غرق في حرب كر وفر مع المقاومة الوطنية الباسلة. في البدء لم يعترف العدو
بالمقاومة و اعتبرها مجرد عمليات بهلوانية لن تلبث ان تنحسر امام عظمة جيشه الجبار –الجيش الذي لا
يقهر- ولكن بعد عدد من العمليات النوعية الناجحة بدأت قيادة اركان العدو تحسب للمقاومة حسابا واجبرت
ان تدخل في مفاوضات سرية اخفتها عن شعبها مع المقاومة لثنيها عن مهاجمتها. وبعد وساطات سرية عقدت
اول جلسة مفاوضات بين الطرفين في قرية حدودية تقع على خط النار. وانتدبت قيادة المقاومة الشيخ قاسم
للتفاوض بأسمها لما لمست فيه من حنكة ودراية فيما ظل اسم مندوب العدو سريا حتى آخر لحظة.
جلس الشيخ قاسم على الطاولة المستديرة يحيط به عدد من مستشاري المقاومة العسكريين وانتظروا خمسة
دقائق حتى وصل المفاوض من طرف العدو. وكم كانت دهشة الشيخ قاسم شديدة لرؤية المستر سميث ممثلا
لطرف العدو. وطبيعي ان يتفاجأ المستر سميث ايضا بالمفاوض الذي يقف امامه ولكنه ما لبث ان تفاءل خيرا
حينما تذكر التأثير الهائل الذي كان يملكه على قاسم فامسك يده وهزها بحرارة قائلا "قاسم.. تلميذي
المفضل.. هذا سيسهل المهمة علينا كثيرا.."
لكن قاسم سحب يده بسرعة من يد استاذه وقال "لا اعتقد.. لقد تغيرت الايام مستر سميث.. ولم اعد هذا
الشخص الذي كنت
تظنه"
لكن المستر سميث بدا واثقا اكثر من اللزوم وقال " طبقا لنظريات فرويد الانسان لا يتغير مئة وثمانين
درجة.. لا بد وانك ما زلت تحمل مبادئي في اللاوعي دون ان تشعر.."
"مستر سميث قد يكون ما تقوله صحيحا عند مرضى فرويد من امثالكم ولكن الاسلام يغير الناس مئة وثمانين
درجة.. انه يحييهم بعد مماتهم.. انه يخرجهم من الظلمات الى النور."
فتبسم مستر سميث بخبث وقال "والاسلام هل يأمرك بان تقتل نفسك؟؟ الم يقل "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"
الم يقل "ولا تقتلوا انفسكم.."
تابع قاسم بنفس الوتيرة الهادئة ودون ان يرف له جفن: القاء النفس بالتهلكة يكون بالتخلف عن الجهاد.." إن
الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون"
فبدأت آثار الغضب تبدو على المستر سميث و لكنه كتم غيظه وقال بهدوء "اسمع يا قاسم.. يا تلميذي
العزيز.. انا لست بحاجة للمواعظ... مشكلتنا ليست معكم.. انها مع الفدائيين فقط فارجوكم تنحوا جانبا.. انت
مثلا.. ما الذي جلبك من الشمال لتقاتل مع اهل الجنوب ومع الفدائيين؟؟" هل هاجمناكم في الشمال؟؟"
قاسم: "إنما المؤمنون إخوة " ونحن لن نترك اخوتنا في الدين والوطن في مأزق دون ان نساعدهم.. ومع كل
ارض عربية او اسلامية تقع تحت نير الاحتلال يصبح لزاما على الامة جمعاء ان تدافع عنها..
وانتقل مستر سميث من اسلوب الحوار الهادىء الى الاستهزاء فقال ساخرا: "امة؟؟ اين امة الاسلام هذه؟؟ لقد
باعكم اخوتكم في البلاد المجاورة الف مرة.. من تحرك من اخوتكم لنصرتكم؟؟ لقد كانوا يتابعون مباريات
كرة القدم ونحن ندك منشآتكم وجسوركم.. زعماؤهم يتصلون بنا ويترجوننا ان نقيم العلاقات معهم.. اية امة
هذه؟؟ اما زلت تعيش احلام الخلافة والمهدي المنتظر؟؟ لقد سقطت الخلافة منذ سبعين سنة.. استيقظ يا قاسم
استيقظ.. عصركم ولى..
اجاب قاسم ببرودته المعهودة: لم اكن يوما بهذا الوعي يا سيدي حتى تطلب مني ان استيقظ.. "وتلك الايام
نداولها بين الناس".. بايدينا وبايدي اولادنا ان شاء الله سنعيد الخلافة الراشدة ونحن لسنا مستعجلين..
فالانسان منا يحاسب على قدر طاقته..
فعض المستر سميث على شفتيه من الغيظ وقال "انت غير منطقي على الاطلاق انت تعيش في الاوهام..
اسمع لم اعد استطيع ان احاورك .. هل من احد آخر اكثر عقلانية اتفاوض معه.." ثم نظر في الفريق
المرافق لقاسم فوجدهم يحملون جميعا نفس النظرة وكأنهم مستنسخين عنه فعاد الى هدوءه وقال "اسمعني يا
قاسم.. نحن دولة قوية جدا والعين لا تقاوم المخرز.. فكفى لعبا بالنار .. نحن لم نستخدم كل قوتنا معكم
بعد.."
"فلله العزة جميعا".. لن تكونوا اقوى من الله.. " إن ينصركم الله فلا غالب لكم".. قال قاسم..
الله؟ اين الله؟؟ قال سميث "لم لم يساعدكم حينما دكت طائراتنا مدنكم؟؟"
ان الابتلاء من سنن الله في المؤمنين قال قاسم بيقين تام وتابع "يقول الله تعالى "ولنبلونكم بشيء من الخوف
والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين " ولا نصر الا بعد التمحيص وقد ابتلي من
هو خير منا باشد من ذلك وصبروا.. افلا نصبر نحن؟؟.
سميث: اسمع يا قاسم للمرة الالف اقولها: نحن لسنا في موقع ضعف ابدا وانت تعرف هذا تماما.. نحن نملك
من القوة التدميرية ما نستطيع ان ندك به البلد على رؤوسكم ولكننا لا نريد ان نظهر بمنظر الهمجي امام
الرأي العام الغربي.. نريد ان نظهر بمظهر الدولة الدمقراطية العادلة.. لكن ان ثابرتم على استهدافنا قسما
عظما لنحول هذه الارض الى هيروشيما ثانية..
مستر سميث .. لا تهدد ارجوك.. نحن جنتنا في صدورنا فكيف تسلبوها منا؟؟ نحرص على الاستشهاد كما
تحرصون على الحياة..
وفي النهاية لن تلحقوا بنا الا احد الحسنيين النصر او الشهادة.. فلا تتعب نفسك بالتهديد..
فتنهد المستر سميث تنهيدة اشعرت من حوله بأن صبره بدأ ينفذ ولكنه كمحاور خبير لم يفقد الامل بعد فقال
"انظر يا قاسم.. نحن لن نتفق ما دمنا نتكلم في العموميات.. فكل منا ينطلق من عقيدة مختلفة.. فليعرض كل
طرف منا طلباته ولنرى ان كان يمكننا ان نتفق على التفاصيل.. ما هي طلباتكم؟؟"
"بكل بساطة ان تنسحبوا من ارضنا.."
"عال ها قد بدانا نتفق.. نحن لا مطامع لنا في ارضكم.. ومستعدين ان ننسحب بمجرد ان نعقد اتفاقية سلام
معكم.. "
فهز قاسم رأسه رافضا الفكرة وقال "نريد انسحابا غير مشروط.. كما دخلتم ارضنا بدون استئذان عليكم ان
تحملوا امتعتكم وترحلوا.."
فاستفز هذا الكلام مستر سميث وطرق الطاولة بقسوة بقبضة يده قائلا "ها قد عدنا الى منطق التكبر.. اتظن
نفسك في موضع قوة حتى تفرض شروطك؟؟"
لم يجب قاسم باي جواب ولم تبد عليه آثار أي انفعال.. فتمالك سميث اعصابه من جديد وضرب آخر سهم في
جعبته فقال "صدقني يا قاسم.. نحن شعب مسالم.. نريد ان نعيش بسلام وان ينعم اطفالنا بالامن.. نحن لسنا
سرطان الشرق الوسط كما تظنون ولا مطامع لنا في ارضكم .. على العكس نحن نريد ان نساعدكم على بناء
دولتكم ونحيدكم عن هذا الصراع في المنطقة فانتم لا ناقة لكم ولا جمل فيه، نحن نريد ان تكونوا متحضرين
مثلنا وتنبذوا الارهاب"
"الارهاب هو ما تمارسونه انتم.. انتم الذين طردتم اخوتنا من ديارهم وشردتموهم في ارجاء المعمورة"
"سيد قاسم، الن ننتهي من هذه القصة؟؟" قال سميث متأففا "لقد مر خمسون عاما عليها.. اما آن لكم ان
تنسوها؟؟ لقد ولد ابناؤنا على هذه الارض؟؟ هل تريدون منا ان نرميهم في البحر؟؟" يا اخي لا افهم.. انتم
العرب تملكون من الاراضي الكثير.. اضاقت اعينكم بهذه الارض الصغيرة التي طالما اعتبرناها موطن
اجدادنا وارضنا الموعودة؟؟"
"من جاء بكم الى هذه الارض يجد حلا لكم ولاولادكم.. لا يمكن ان نقبل وجودكم بين ظهرانينا.. نحن لم
نرث هذه الارض عن ابائنا حتى نبيعها لكم... بل استعرناها من اولادنا.. ولن نخون الامانة ونتخلى عنها.."
فضحك سميث وقال "كنا في قضية ارضكم فاصبحنا في قضية الارض التي نعيش فيها.. انا لا افهمكم حقا..
هل تظنون انكم ستطردونا منها بصواريخكم البدائية الصنع؟؟"
"قد لا نستطيع تحريرها ولكن ابدا لن يسجل في التاريخ اننا بعناها لكم او ارتضينا ان تسكنوا فيها.. يكفينا ان
تبقى جذوة المقاومة والرفض حية في النفوس.."
فهز سميث رأسه بأسى وقال "انا لا استطيع ان افهمكم لا منطق ابدا.. عشت معكم عشرين عاما ولم استطع
ان افهم عقليتكم.. لماذا اتعب نفسي؟؟ كنت احاول ان انقذ ما يمكن انقاذه وفاء للعشرة ولكن واضح ان لا
حلول وسطى عندكم.."
ولاول مرة في هذه الجلسة يضحك قاسم ويقول "وفاء للعشرة؟؟ مستر سميث لا تنس اني تلميذك السابق
واعرف مبادئك.. واعرف ان لا وفاء عندك الا لمصالحك الشخصية... اسمع جيدا مستر سميث.. كلامي كله
منطق ولكنك لا تستطيع رؤيته.. اتعرف لماذا؟؟ لانك تفكر في اطار هذه الدنيا فقط.. انت لا ترى الصورة
كاملة كما نراها نحن المؤمنون.. انت لا ترى الا الظلال وحتى هذه الظلال فانت تراها مشوهة.."
وفتح مستر سميث فمه ليجيب لكنه لم يجد كلاما ليقوله .. فجمع اوراقه عن طاولة المفاوضات وقام بغضب
قائلا "هي الحرب اذن بيننا وبينكم.." وانصرف.. ولبث قاسم خمس دقائق في مكانه متأملا ثم قال هو الآخر
"هي الحرب.."
من حضن الى حضن
وحانت لحظة الفراق حيث لم تنفع توسلات عبير في ثني زوجها حسام عن الانضمام الى المقاومة لتحرير
الجنوب من العدو الغاصب.
فلبست في وداعه ازهى ثيابها واسدلت شعرها الاسود الفاحم على كتفيها وقالت والعبرات تخنقها: اتتركني
ولم يمض على زفافنا الا بضعة اشهر؟؟ هل فراقي سهل عليك هكذا؟؟ انت لا تحبني اذن؟؟
حسام بحزن: كيف تقولين هذا؟؟ انت ملهمتي ونور عيوني وروحي.. انت الدم الذي يجري في عروقي فاذا
غبت عني فكيف اعيش؟
عبير بدلال: حقا؟؟
حسام وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة حانية: انا لا اعرف كيف استطعت ان تسحريني هكذا؟؟ الا تعلمين
ان السحر حرام في ديننا؟
هزت عبير راسها موافقة فيما نظر حسام الى الافق وقال : اتذكر كل لقاءاتنا مشهدا مشهدا وكأنها حصلت
البارحة.. كل حواراتنا كلمة كلمة كل تعبير من تعابير وجهك.. كل بسمة.. انت قصيدتي التي ساقضي كل
عمري اكتب فيها يا عبير..
عبير: اذن لم تتخلى عني؟
حسام: والله يا عبير ان حضنك الدافى اجمل عندي من الدنيا وما فيها.. ولكن الواجب يناديني.. كيف انعم
بمحبوبتي واخواني وخلاني يبذلون دماءهم وأزواجهم للدفاع عن الوطن والدين؟؟ افترضين ان اكون من
المخلفين؟؟
فاستجمعت عبير قواها وقالت: لا .. لن ارضى لك هذا.. فانا ما احببتك الا لرجولتك وشجاعتك وتدينك..
فلن اقف حجر عثرة امامك بل لن تجد مني الا الدعم والدعاء.. عسى الله ان يردك الي سالما معافى.. اسمع
يا حسام.. انا مقتنعة بما تقول.. ان عدونا سرطان ولا ينفع التعايش معه او خطط السلام فهذه كلها ستزيد من
قوته وسيستشري حتى ينهك جسد الامة.. قالت هذا وهي تتذكر معاناتها مع والدها ثم اردفت: لا يلدغ مؤمن
من جحر مرتين.
سر حسام لسماع زوجته وقد لان موقفها فأمسك خصلا من شعرها الاسود الحريري وداعبه وهو يقول لها
مبتسما: اتعرفين اني حلمت اياما وليالي بك ولطالما تمنيت ان اعرف لون شعرك؟؟
عبير مندهشة: لكنك انكرت انك كنت تسأل هذا السؤال في فترة الخطوبة.. و ادعيت انهم اصدقاؤك اما انت
فكنت ملتزما.
حسام: وانالم اكذب .. انا لم أسأل هذا السؤال امام احد بل في قلبي فقط.. وهل تظنين ان الملتزم بلا قلب..
بلا وجدان.. بلا مشاعر؟؟ نحن نشعر بما يشعر به بقية الناس.. لكننا نضبط مشاعرنا ان تفيض وتغرقنا..
نحب بصمت.. ونتعذب بصمت.. نرسم فوق شفاهنا ابتسامات نحاول بها اخفاء البراكين التي تشتعل في
صدورنا.. نبكي بلا دموع.. نتألم بلا انين.. نعاند الف شيطان وعفريت ومارد متمرد حتى نستطيع ان نحول
اعيننا عمن نحب.. تقولين اغض بصري ؟؟ نعم لكن اول نظرة مني لك كانت كافية لتطبع صورتك في ذهني
وتنشب به اظافرها الى الابد.
عبير بدلال: لكني لا اعترف بالحب من اول نظرة..
حسام: ومن قال انها اول نظرة؟؟ لقد التقينا من قبل يا عبير.. التقينا مرارا في عالم الارواح وتآلفنا.. ثم
اردف بابتسامة محببة: لكنك نسيتني وانا لم انسك..
ضمت عبير زوجها اليها وغرقت في حضنه وقالت: هذا محتمل.. الحرب انستني كل شيء.. من اين لك هذه
الشجاعة يا حسام؟؟ الا تخاف من الحرب مثلي؟؟
حسام: عبير انت ولدت خارج هذه البلاد ونعمت بالامن.. نحن فتحنا اعيننا على الحرب.. الحرب كانت الام
الحنون التي احتضنتنا فكيف نخاف منها؟؟ ازيز رصاصها وقذائفها كان الاغنية اللطيفة التي تهدهد مهدنا كل
ليلة.. صواريخها __________خبزنا اليومي.. كنا نفرح في ايام الاشتباكات كما كنتم تفرحون بالاعياد اذ كنا نجد فيها
فرصة للغياب عن المدرسة.. كنتم تجمعون العملات والطوابع ونحن هوايتنا كانت جمع الشظايا وبقايا
الصورايخ. الحرب احتضنتنا يا عبير.. الحرب ربتنا.. وهل رأيت احد يخاف من حضن امه؟؟
وتذكرت عبير حصنها الحصين فاندست اكثر في حضن زوجها وقالت "اشتقت اليه جدا.."
ففهم حسام انها تتكلم عن والدها فقال "حبيبتي.. لا تحزني انه ينتظرنا في الجنة ان شاء الله.. "
" الا تشتاق انت لوالدك؟؟" سألت عبير برفق وهي تنظر في عيني زوجها.
فضمها بحنان واجابها اجابة اثارت دهشتها "لا" وقبل ان تسأل تابع قائلا "اتعرفين لم لا اشتاق اليه؟ لأنه دائما
معي.. لأنه في داخلي.. لم تكن علاقة والدي بي علاقة صداقة وحنان مثل علاقة والدك معك.. لكها كانت
علاقة قدوة وتوجيه.. تأثرت فيه لدرجة ان المقربين منه يظنوني مثله.. في الشكل.. في التصرفات.. في حبه
للكتابة.. في محبته للناس.. في تواضعه.. لم يكن والدي يتكلم معي كثيرا او ينصحني.. ولكنه كان يأخذني
معه في زياراته الى الاسرة والاصدقاء والسوق فكنت اراقب تصرفاته والمس مدى اعجاب الناس به .. كان
محبوبا من الكل لدرجة انه ان مشي في السوق استغرق نصف ساعة لقطع مسافة مئة متر من كثرة ترحيب
الناس به ولهفتهم عليه.. عرف والدي انه لن يكون معي طوال الوقت فلم يحاول ان يحل مشاكلي عني بل
علمني كيف أحلها.. "
عبير: كان يتحاور معك؟
حسام: ليس بالضرورة .. كان يعلمني بتصرفاته.. اسمعي يا عبير هناك كثير من الناس يقولون ما لا
يفعلون.. لم يكن والدي كثير الكلام ولم يكن من النوع الذي يعرف ان يعبر عن مشاعره كما كانت تردد
والدتي امامه.. ولكنه كان يعبر عن حبه للناس بالافعال لا بالاقوال.. كان يلتزم بكلامه ولا يتراجع عنه، كان
يحن على الفقير وعلى الضعيف..
وماذا علمك ايضا؟ قالت عبير وهي مشدوهة لما تسمع
حسام: علمني ان سعادة الانسان بيده وليست محكومة بظروفه.. علمني ان اكون مع الحق ولا ابالي ولو كان
العالم كله ضدي. كان يردد علي ماذا ينفعك ان ربحت الناس وخسرت نفسك؟ ماذا يستطيع ان يسلبك الناس
ان كانت جنتك في صدرك؟؟
عبير: لهذا اراك تجازف بحياتك؟؟ وتصر ان تمضي مع المقاومة مع معرفتك بالخطر الذي يترصدك؟؟
حسام: يا عبير .. لو ان الانس والجن اجتمعوا على ان يضروني بشيء فلن يضروني الا بما كتبه الله علي..
"ليتني املك جرأتك ويقينك" قالت عبير وغاصت في صدر زوجها ثم تمتمت "لكني اخاف.." فربت على رأسها
وقبل جبينها قائلا "ومن منا لا يخاف؟؟ الشجاعة يا عبير ليست بانعدام الحوف.. ولكنها بالتغلب عليه.."
"صدقت" قالت عبير "فليس هناك ما يستحق ان نخاف منه الا رب العالمين.. اذهب الى واجبك يا زوجي
العزيز فقد وكلت امرك وامري الى الله فلن يضيعنا.."
اعز ما نملك
ومرت ايام عصيبة على الوطن وعلي.. توفي والدي بعد معاناة طويلة مع المرض واضطررت ان اقيم
وحدي انا واخي الصغير رائد لمدة من الزمن في منزلنا الا ان خالتي "سهيلة" اصرت علي ان امضي العطلة
الصيفية في العاصمة معها ومع ليلى فوافقت بدون تردد خاصة واني اشتقت لرفيقة عمري كثيرا.. في الحقيقة
لم المس أي تحسن كبير على شخصية ليلى كما كنت اتوقع اذ لم يساعدها انتقالها بعيدا عن مسرح الاعتداء
الذي حصل لها في تجاوز معاناتها من آثار ما تعرضت له او في تخطي كرهها لجنس الرجال خاصة وان
خالتي العانس سهيلة لم تكن تكنّ لهذا الجنس تقديرا افضل حتى اني لقبتهما لقبا كان يضحكان منه "اشك لي" و
"اشكو لك". لذا لم اتفاءل خيرا حين كلمني اسامة بموضوع قاسم بل قلت له : انس الموضوع.. اختك لا يمكن
ان تتزوج ابدا.. ما حصل لها لم يكن بالسهل واي شخص سيفتح معها هذا الموضوع مصيره الذبح.. وانا لن
استغني عن حياتي.
اجاب اسامة بابتسامة وقال لي "انت لا تعرفين الشيخ قاسم.. ان كان نجح في ترويض الاسد الذي امامك فلن
تعجزه انثى"
"ليلى لم تعد انثى.." قلت لاسامة "ليلى اصبحت شبح انسان يعيش في هواجس الماضي بلا اسم او جنس
اوعنوان.. ان مجرد طرح الموضوع امامها مستحيل."
فاجاب اسامة بتؤدة: ليلى لن تتعرف على قاسم كعريس ...
كانت خطة اسامة ان تتلقى ليلى معي ومع خالتي دروسا دينية ومحاضرات على يد قاسم كما درجت اسرنا
على ذلك في مدينتي لكن ليلى رفضت وقالت ان لها في الكتب مندوحة عن هذا الامر. وبالفعل كانت ليلى في
الدروس الاولى تعتزل مجلسنا وتغلق الباب على نفسها في غرفتها. لكننا تقصدنا ان نجعلها تسمع كلامه الذي
كان يجمع فيه بين الاسلوب الجذاب والمضمون المميز . ولعل اشد ما جذب ليلى اليه هو صوته الرائع في
تجويد القرآن وخشوعه العميق في الدعاء لدرجة ان لحيته كانت تبتل من الدموع. وشيئا فشيئا بدأت ليلى
تتشوق لمعرفة صاحب هذا الصوت الجميل والاسلوب المؤثر.. وراحت ترسم في خيالها عدة صور له.. لم
تكن تستطيع ان ترسمه بصورة رجل فقد كرهت الرجال كلهم فرسمته بصورة كائن سماوي نوراني لا جنس
له ولا لون. واحبت ليلى قاسم.. احبت صوته وخشوعه وصورته النورانية الني رسمتها في خيالها.. وتاقت
نفسها الى رؤيته والاقتراب منه.. لذا لم نتفاجأ يوما حينما دخلت علينا في احد دروسه والقت السلام بحياء
شديد متوقعة منه ان يتفاجأ بهذا الضيف الغريب.. لكن قاسم تعامل بتلقائية مطلقة مع دخولها وكأنه متوقع كي
لا تشك بوجود أي بادرة اهتمام منه واكتفى برد السلام بتهذيب ثم تابع درسه وسط دهشة ليلى لهذه
اللامبالاة..
في البدء لم يجرؤ قاسم ان ينظر الى ليلى ولا هي نظرت اليه.. ولكن بعد مرور خمس دقائق لم يستطع ان
يغالب شوقه لرؤية الفتاة ذات الضفيرتين الذهبيتين التي عرفها في صغره فرفع عينيه ونظر اليها ليجدها
اجمل مما كانت فقد ازادد جمالها نضجا وبهاء واضفى الحجاب عليها بهاء ونورا ولم يفته بالطبع ان يلاحظ
مسحة الحزن التي تعكر صفو هذا الجمال الهادىء. وبدورها رفعت ليلى نظرها لتنظر الى هذا المخلوق
النوراني فتلاقت نظراتهما لوهلة وحملت هذه الثواني القليلة مئات الرسائل والمعاني المختزنة في القلوب. الا
ان ليلى كانت البادئة بغض بصرها بقوة وعنف وكأنها عادت لترى فيه الرجل وليس الكائن السماوي الذي
رسمته في خيالها.. فاستأذنت بالانصراف الا ان الشيخ قاسم ناداها باسمها "اخت ليلى.. لحظة من فضلك.."
فتعجبت ليلى وسألته "اتعرفني؟؟"
قاسم: كيف لا؟ وانا صديق شقيقك اسامة..
فقالت بنبرة قاسية "لا شقيق لي اسمه اسامة.. ماذا تريد مني يا فضيلة الشيخ؟"
قاسم: لا يجوز ان نقطع الرحم يا اخت ليلى فالرحم معلقة بعرش الرحمن.. قاسم شقيقك والدم لا يتحول الى
ماء...
"مع قاسم الماء يتحول الى دم.." قالت ليلى هذا واجهشت بالبكاء حينما تذكرت مأساتها التي لن تفارقها كل
حياتها وكيف يتحول الماء الذي تتطهر به الى دماء غزيرة في كوابيسها التي لا ترحمها لا في اليقظة ولا في
المنام.. وطبعا لم يفقه اسامة ما تعنيه ليلى فتابع وقال: "اسامة تغير الآن.. انه معنا.. مع المقاومة"
ليلى: انا لا اؤمن بجدوى المقاومة.. انتم تتسببون بمآسي كثيرة.. المئات من الاطفال يموتون بسببكم؟؟
فعلق قاسم متعجبا: نحن لا نقتل الا الجنود..
ليلى: ولكن العدو يرد عليكم بأن يقتل الاطفال..
فضرب قاسم على الوتر الحساس وقال: لم اتصور انك تفكرين هكذا يا اخت ليلى.. تلومين الضحية بدل ان
تلومي الجلاد..
فانفجرت ليلى بالبكاء مجددا حينما تذكرت مأساتها وقالت: كلهم يلومون الضحية.. كل الناس تلوم الضحية..
فلم تعاتبني اذن ان فعلت مثلهم؟؟
قاسم: لا تعممي احكامك على الناس اخت ليلى. الناس فيهم الصالح وفيه الطالح.. والمؤمن لا يظلم اخيه
المؤمن بجريرة جرم ارتكب بحقه كرها عنه.
فتمالكت ليلى اعصابها وقالت: اسمع يا شيخ قاسم.. انا ضد الحرب.. وضد كل من يشارك بها.
قاسم: كلنا ضد الحرب.." كتب عليكم القتال وهو كره لكم.." لكن ماذا نفعل ان فرضت علينا ؟
تابعت ليلى وكأنها لا تسمع ما يقول: الحرب كلها مآسي وشجون.. اطفال تمزقها الصواريخ.. شيوخ تدفن

يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات