بارت من

رواية عرسنا في الجنة -2

رواية عرسنا في الجنة - غرام

رواية عرسنا في الجنة -2

وهنا رفع حسام يده ليجيب: ولكن الاسلام يقول "ولكم في القصاص حياة يا اولي الالباب" مقرا عقوبة الاعدام
للقاتل..
رفع المستر سميث نظارتيه السميكتين وقال ببرود "انا احترم الاسلام يا حسام، لكن انا اسألك عن رأيك
الشخصي لا عن رأي الدين."
فاستشاط اسامة غضبا و لكنه كظم غيظه وفال بهدوء : "نحن المسلمون لا نخالف امرا اقره الاسلام لنا،
يقول الله تعالى في كتابه الكريم "وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة
من أمرهم"
فانتبه المستر سميث الى انه يجابه سدا منيعا وحاول ان يلتف حول الموضوع فقال "نعم ولكن فهم الانسان
للدين يتطور مع الوقت.. الحياة في تقدم مستمر ولا ينبغي الوقوف عند تفسير جامد للنص.. خاصة اذا كان
قاسيا وعنيفا" ثم التفت الى عبير ضاربا على وتر منافستها مع اسامة وسألها "ما رأيك انت يا عبير؟؟" متوقعا
__________

ان توافقه في رأيه كعادة الفتيات المؤدبات حين يسألهن الاستاذ خاصة مع ما يدرك عنها من رقة قلب ولين
طبع واستهجان للعنف بكل اشكاله.
لكن عبير فاجئت الجميع حينما قالت وباقتناع كبير "رأيي مثل رأي اسامة". لقد شعر اسامة بشعور غريب في
قلبه فلأول مرة يلفط احدهم اسمه بهذه النعومة وكأنه موسيقى فيثارة ملائكية. لطالما اعتبر اسامة عبير العدو
الاول حتى قبل ان يراها.. لقد كانت الافعى التي فرقت بين الاصدقاء.. لم يكن يتصور انها ممكن توافقه على
رأي.. وحتى لو وافقته كان يتصور انها ستجيب بكلمات اخرى .. ولكن يبدو ان عبير لم تجد كلمات لتعبر
عن فكرتها بافضل مما تكلم اسامة. ومع ذلك فلم يقابل اسامة تصرف عبير بلباقة اذ خشي ان يفسر موقفه
عندها على انه تنازل او ضعف فجلس وقال متهكما بصوت خافت "ببغاء..". وفي الايام التالية بدأ تأثير عبير
يشتد على اسامة لدرجة انه بات يكره المدرسة وكل ما يمكن ان يذكره فيها. كره سماع صوتها او ذكر اسمها
لا بل وصل به الحد انه اصبح يتجنب اختيار كلمة "عبير" اذا اراد ان يكتب موضوعا ادبيا في حصة الادب
وآثر ان يختار بدلا من هذه الكلمة ما يناسب المعنى مثل "شذى" او "عطر".. وظلت ايامه جحيما متواصلا
يحاول ان يعتاد عليه بانتظار الفرج والخروج من هذه المدرسة اللعينة.
ومع حرصه على تجنب عبير شاء القدر ان يضعهما في مواجهة وجها لوجه ففي يوم من ايام تشرين الجليدية
كان المطر يهطل بقوة فاندفع اسامة بقوة الى داخل المدرسة هربا من المطر في نفس الوقت الذي كانت فيه
عبير تهم بالدخول فاصطدم بها عفوا ووقعت الكتب منه وتلوثت بالطين فثار في وجهها وقال بقسوة "لم لا
تنظري امامك يا خرقاء؟؟" فتفاجأت المسكينة ولم تعرف ماذا تجيب فقد كانت اول مرة يكلمها فيها احد بهذه
القسوة وقالت "اسفة.. دعني اساعدك.." وجلست القرفصاء بطريقة مهذبة جدا وحاولت ان تساعده في جمع
الكتب ومسح الطين الذي لوثها الا انه صدها بقسوة ظاهرة وقال "شكرا استطيع ان اتدبر الامر وحدي ولكن
انتبهي في المرة القادمة " فرددت عبير اعتذارها وانسحبت هي تحاول ان تخفي دموعها.
اشبال التنظيم
حتى ذلك الوقت كانت الحرب الاهلية متركزة في العاصمة كونها ملتقى الطوائف ومحور التناقضات
بالاضافة الى كونها الموقع الاستراتيجي الاهم الذي يخول المسيطر عليها الامساك بزمام البلد. الا ان الحرب
سرت رويدا رويدا في البلاد كلها كالنار تنتشر في الهشيم. ومع ان مدينتنا كانت مثالا للتعايش الطائفي الا انه
في وقت الشدة كل عنزة تلحق بقطيعها. ولم يكن هذا ليكون بالامر الخطير لو ان هذه القطعان يقودها الراعي
الصالح اما وانها قد تركت للتيوس كي تقودها فلم يكن من الصعب تخيل طبيعة الاقتتال فيما بينها. وبدأ الفرز
يحصل تدريجيا ونشأت من اللاشيء جدر وهمية قسمت المدينة بخطوط غير مرئية اسميناها خطوط التماس.
لم تكن هذه الخطوط مرسومة او مسيجة بخطوط واضحة ولكنها مع ذلك كانت معروفة للجميع لا يجرؤ على
تخطيها احد اذ بمجرد ان يفعل ذلك سيقع فريسة طلقة قناص محترف او ضحية لغم ارضي زرع بعناية جنبا
الى جنب مع شجرة ليمون يؤنس وحدتها.
ولما كانت الطوائف انفسها مشرذمة فلم يكن من الصعب تصور التناحر المحتمل. الطائفة الواحدة يحكمها
اكثر من رأس لدرجة ان صراع الرؤوس هذا كان ليطغى احيانا على الصراع مع الآخر.. الا انه شيئا فشيئا
بدا نجم احد الاحزاب القومية بالسطوع في مدينتنا مستمدا قوته من كاريزما مميزة لزعيم هذا الحزب الملقب
ب "ابو كفاح" الذي كان يخطب في الناس ويؤجج حماستهم بصوته الجهوري وباسلوبه المميز.. كما ان هذا
الحزب نال رضى الاشقاء لنزعته القومية ورضى دول المنظومة الشرقية لتبنيه افكارهم الاشتراكية. وشيئا
فشيئا بدأ هذا الحزب يجتذب الشباب من مختلف الاعمار اليه لدرجة ان بعضهم ترك احزابا خدم فيها سنوات
لاجل الانضمام الى هذا الحزب القوي. وبعد فترة سنة من نشوئه رفع التنظيم شعار توحيد البندقية متذرعا
بانه بدون هذا الامر فلن يتم الانتصار على العدو الذي يحاصر بالمدينة من كل جانب. ورضخ البعض بالمال
والبعض الآخر بالقوة الى ان استتب الوضع كاملا للتنظيم وسيطر على المدينة بكاملها وحده. وكان اسامة من
اشد المعجين بالتنظيم وقائده حتى انه علق صورة ابي كفاح جنبا الى جنب مع صورة الوالد الشهيد رغم
اعتراض الام التي لم تتقبل ان يأتي من ينافس زوجها في بطولته. وكان اسامة يحفظ خطب ابي كفاح عن
ظهر قلب ويسجل ما استعصى منها على اشرطة كاسيت ليعود فيلقيها على مسمع طلاب صفه بحماسة
واقتدار.
وكانت الحصة الخامسة من كل يوم خميس حصة فراغ للصف فكان اسامة ينتهز الفرصة ليثير نخوة شباب
صفه بخطب حزب التنظيم القومي. وفي ذلك اليوم ارتقى اسامة كعادته في مثل هذا اليوم منبر الاستاذ بعد ان
اشار الى مرافقين له من الشلة ان يحرسوا المكان جيدا.. واحد لينذره ان اقترب استاذ ما والآخر ان حاولت
احدى البنات الدخول. ثم بدأ خطبته المجيدة فنقر على الميكروفون ليتاكد من انه يعمل ثم افتح بالبسملة
والحمدلة بصوت خافت وقور وقال "قتل الإنسان العربي ما اجبنه !!!! استبدل نعيم الآخرة بدينونة الدنيا
وارتضى لنفسه الذل والهوان حتى تسلل الاعداء بين يديه ومن خلفه وكتبوا عليه الاستعباد. قتل الإنسان
العربي ما أفقره !!!! لأنه ترك رقابه يأخذ بسياقها المنحرفون ويستهزئ بوجوده المستهزئون .. فاهترأت
كنانته وصدأ سيفه وتعلم حصانه الرقص بدلا من فنون القتال. الم تسمعوا قول الرسول الكريم "ما ترك قوم
الجهاد إلا ذلوا". فلن يتركنا الذل والهوان والخنوع والاستسلام ولن يتوقف الأعداء عن ذبحنا إلا إذا ارتضينا
لأنفسنا أن نجاهد بدلا من معيشة الخراف التي لا يهمها إلا الكلأ والنوم وعيش العبيد الأذلاء. أيها الاصدقاء
ستنهار ميليشات الظلم مهما علا قدرها .. وستسقط احزاب الإرهاب مهما ارتفع صرحها.. لقد اقتربت ساعة
الحسم فما ضاقت إلا فرجت والله غالب على أمره والعاقبة للمتقين .. الدفاع عن المدينة اليوم واجب قومي
على كل شاب وفتاة قادرين على حمل السلاح.." وهنا انتبه اسامة الى انه لا يؤمن بان الفتيات عنصر فاعل
في المجمتع فحور كلام ابي كفاح وصحح ما قاله آنفا فقال "الدفاع عن المدينة واجب قومي على كل شاب،
ومدينتنا قلعة المسلمين وحصن العروبة .. اذا سقطت سقط الوطن كله بايدي الاستعمار والامبريالية.. "
وقاطعه سميح احد افراد الشلة قائلا بحماسة "حمستنا الى الجهاد يا زعيم لكن ما معنى الامبريالية يا اسامة؟؟"
فنظر اليه شزرا واجابه "كم مرة علمتكم، عندما يخطب الزعيم الا يقاطعه احد؟؟ الا تخجل من نفسك؟؟ لا
تعرف معنى كلمة امبريالية وتريد ان تجاهد.. الامبريالية شيء سيء للغاية يجب على كل العالم العربي
والاسلامي ان يشتمه.. هذه هي الامبريالية"
فاعتذر سميح وقال "عفوا زعيم.. اعتقد اني فهمت الآن.." ومن يومها تصدرت كلمة امبريالي قاموس الشتائم
في مدرستنا.
ثم اكمل اسامة فقال" لقد قتل الإنسان العربي نفسه .. حين قدم حياته واسترخص عمره وقيمته ووهبها للأعداء
وللشيطان بصمته وعجزه وتسليمه ابتغاء سلامته مدعيا بأنه يجب ألا يلقي بنفسه في التهلكة ... دون أن يدرك
أن التهلكة في العجز... والضياع في الصمت !!!!! والإنتحار هو في ابتغاء الأمان على حساب الوطن
والعروبة !!!! ... لقد كتب الإنسان العربي على نفسه الموت بالرغم أنه يمتلك كل كنوز التحضر والتقدم
ومصارعة الأقوياء لكنه ترك هذه الكنوز التي استثمرها الأولون فدانت لهم الدنيا واهتزت أمام قوتهم العروش
لقد صار يلهث وراء استثمار الموت والضعف والفناء بأن يكون تابعا ذليلا. "
وكانت عبير قد بدأت تعجب بكاريزما اسامة وشخصيته الابية التي تذكرها بوالدها، فكانت تسترق السمع الى
خطبه لعلمها ان الصف محرم على البنات في هذه الاوقات. وانهى اسامة كلمته وهم بالمغادرة كي يصطحب
اخته ليلى الى المنزل اذ لم يكن يرضى ان تسير وحدها في الشارع حين رأى عبير تتجه نحوه ولكنه لم يبالي
اذ لم يتوقع انها ستجسر ان تكلمه ولكن للمفاجأة فقد تقدمت منه بادب وقالت "اسامة اريد ان اتكلم معك..".
فنظر اليها في عينيها مباشرة وكانت هذه اول مرة ينظر اليها عن قريب وبتمعن.. كانت عبير رائعة الجمال..
وجه مستدير ابيض كفلقة البدر وعينين واسعتين كعيون المها.. وثغر ناعم ينفرج عن اسنان كاللؤلؤ المكنون.
ولاحظت عبير انه يمعن النظر الها فغضت طرفها ونظرت في الارض حياء ثم تابعت كلامها "اسمع يا
اسامة. انا لست كما تظن.. انا اكثر حياء منك في تعاملي مع الجنس الآخر. واقسم بالله اني اتمنى لو تنشق
الارض وتبلعني في كل مرة يتكلم معي فيها شاب.. ولكن نحن البنات مجبرين ان نتعامل مع الناس بلطف..
وانا لا استطيع ان اصد من يطلب مساعدتي في الامور العلمية. انت اول شاب ابادر في الكلام معه.. لاني لا
احب ان تأخذ عني هذه الفكرة وتنشرها بين الناس.. هذا مؤلم جدا.. انا اتمنى حقا لو كانت هناك مدرسة
محترمة للبنات فقط.. لكنت تركت هذه المدرسة منذ زمن. ثم صمتت لوهلة وكأنها امام خيار مصيري
وقالت: " اسمع.. ان كان يزعجك مني اني المنافس الاوحد لك في الصف فانا مستعدة ان اتخلى لك عن هذا
المركز. لكن ارجوك اوقف هذه الحرب ضدي"
واشعلت هذه الكلمات الطيبة قلب اسامة كالبركان خاصة انه يعرف مدى التضحية التي يقدمها من يكون الاول
في صفه حين يتخلى عن هذا المركز. ولكنه كان من النوع الذي يغالب ما بداخله فلم تتغير معالم وجهه بل
ظلت باردة كالثلج.
اليس عندك شيء تقوله؟ قالت عبير.. وهي تغالب دموعها..
فنظر الى ساعته ببرود وقال "بلى.. لقد اضعت خمس دقائق من وقتي.. ارجو ان تأذني لي بالانصراف.." ثم
خرج من الصف بدون ان يلتفت خلفه تاركا عبير غارقة في دموعها.
ذات الضفائر الذهبية
وبدأ كره اسامة للمستر سميث يتضاعف حينما اخبرته ما حصل في صفنا.. تذكرون اني اخبرتكم سابقا ان
اسامة كان اكبر مني بسنتين وبالتالي فقد كان اعلى مني انا واخته ليلى بصفين.. كانت ليلى صديقتي الحميمة
وموطن اسراري وكنت لها كما كانت لي بالضبط.. وكنا متفقين في كل شيء ونتشابه في كل شيء حتى في
شكلنا الخارجي ولطالما ظن الناس اننا اخوة.. غير انها تختلف عني في ناحية واحدة فقد قررت الحجاب منذ
بلوغي رغم معارضة اهلي يومها لهذا القرار وخوفهم من ان يؤثر على معاملة مدرسة الارساليات لي فيما لم
تلبس ليلى الحجاب رغم محاولتي الحثيثة اقناعها به ورغم محاولة اسامة فرضه عليها بالقوة. كان الجميع
يقول اننا نتشابه ولكن طالما نظرت الى ليلى ورأيتها اجمل مني فوجهها يشع براءة وذكاء وفي عينيها حزن
غريب وخوف من المجهول.. كانت ليلى تسرح شعرها الاشقر بعناية كل صباح وتجدل منه ضفيرتين
ذهبيتين ترخيهما على كتفيها بلطف.
في ذلك اليوم قرر المستر سميث ان يتكلم عن الحجاب.. وهو لطالما حاول ان يفرض على المدرسة قرارا
بمنعه بدون جدوى اذ لم تكن المدرسة تريد ان تثير حفيظة الاغلبية الاسلامية في المدينة. فبدأ محاضرته
باللغة الانكليزية بقوله :
في اوائل هذا القرن ابتدا عصر التنوير العربي حين طالب قاسم امين ومجموعة اخرى من الليبراليين
المصريين بخلع الحجاب. فالحجاب ليس جزءا من العقيدة الاسلامية كما يقول بعض رجال الدين، ولكنه عادة
اجتماعية تظهر وتختفي من وقت لآخر بحسب ظروف اجتماعية واقتصادية معينة. ما اشطر رجال المؤسسة
الدينية وهم يثيرون مثل هذه الزوابع في فناجين لكي تلهو النساء العربيات عن عدم المطالبة بحريتهن
وتحررهن من الجهل والامية التي ما زالت تزيد عن ستين في المئة في العالم العربي، أفلا يحق لمثل هذه
القضايا ان تحظى باهتمام رجال الدين اكثر من اهتمامهم بموضوع تافه كالحجاب؟ ان الحجاب من اختراع
رجال الدين وليس من الدين الاصيل. فما كان الدين الاصيل يوما يتمسك بمثل هذه القشور. علينا اليوم
استبدال الاخلاق الدينية بالاخلاق المدنية. فالحجاب في المدارس "عدواني" لأنه ليس من الدين، ولكنه من
تكوين الاخلاق الدينية التي تجبر الآخرين على الالتزام بها، وهي اخلاق خارجة عن روح العصر، ومن بقايا
زمان ومكان مضيا. فقوانين الاخلاق لا تنشئ قوانين الحياة، بل ان قوانين الحياة هي التي تنشئ قوانين
الاخلاق. ومن هنا كانت الفضيلة التي تنشأ من قوانين الحياة اكثر صدقا ورسوخا واصالة من الفضيلة التي
تقدمها لنا الاخلاق الدينية الجاهزة. فقوانين الحياة تقول لنا انظر الى المرأة في سمو، واختلط بها بأمانة حتى
لا تشيع عقد الجنس فينا، في حين ان الاخلاق الدينية تقول لنا، لا تقترب من المرأة، ولا تنظر اليها، ولا
تختلط بها، ففي هذا فتنة وضلال.
طبعا ولم يكن في الصف جريء مفوه مثل اسامة ليجيبه على كلامه الصعب المعقد فتابع سيره الحيثيث بين
مقاعد الطلاب مختالا كالطاووس الى ان وصل الي ..
نظر في عيني فرأى فيهما ثباتا وانفة على رغم كل الكلام السيء الذي قاله بخصوص الحجاب فحول نظره
الى ليلى التي كانت تجلس قربي وامسك بضفيرتها الذهبية ثم عاد ليخاطبني ويقول "حنين، لماذا تضعين على
رأسك قطعة القماش هذه ؟ لماذا لا تكشفي عن شعرك حتى تكوني حلوة وجميلة مثل ليلى؟؟"
فتلعثمت ولم ادري ماذا اجيب.. فقد فاجأني بكلامه.. لكن ليلى كانت اجرأ مني وقال له "لا يا استاذ.. حنين
هي الصح وانا المخطئة.. وانا نويت الحجاب منذ صباح الغد الباكر.. " فضحك كل الصف من جواب ليلى
الذي احرج المستر سميث كثيرا .. اما انا فبكيت تأثرا.. وقدرت لليلى كثيرا هذه اللفتة.. وكان لهذه الحادثة
اكبر الاثر على قاسم ايضا حينما سمع بها فقد ترك المستر سميث رغم ما كان يناله منه من عطف وحنان
وهدايا وعاد الى دروس الدين في مسجد الرحمة على يد الشيخ مسعود وشاهدته يترقب وصول ليلى بحلتها
الجديدة كل يوم وينظر اليها بكثير من الفخر والاعجاب.
الحب الاول
وفي ذلك اليوم لاحظ السيد رأفت ان ابنته المدللة عبير لم تكن على عادتها فقد اعتادت ان تملأ البيت حيوية
عندما تعود من المدرسة وان تقبل يديه بحرارة وتتدلل عليه اما يومها فقد توجهت إلى غرفتها فور مجيئها بعد
ان أعتذرت عن تناول الغداء بداعي المرض ولم تفلح جميع محاولات زوجته السيدة نادية في ثنيها عن
قرارها فتركتها لحال سبيلها. وما ان دخلت عبير الى غرفتها حتى ارتمت على السرير وشهقت بالبكاء اذ لم
تستطع ان تتحمل اخفاء حزنها اكثر من ذلك. حاولت ان تصلي علها تجد سلوى أو سكينة ولكن كما دخلت
الصلاة خرجت منها دون ان تعرف كيف توقف هذا الألم الذي يعتصر قلبها من شدة حرجها من الموقف الذي
حدث معها. ولماذا وكيف يحدث هكذا منه بالذات؟؟؟ ألا يرى ذلك في عينيها ألا يشعر بها ؟؟؟ مليون سؤال
يحز بها ويعصرها عصرا ولكن ما كان يؤلمها بشدة ويجعلها تبكي بهذه الحرقة هي أنها شعرت بمهانة لم
تشعر بها من قبل !!! ودخل الأب على أبنته ليراها في حالة يرثى لها ولكنها تجلدت واخفت دموعها احتراما
لمقامه. جلس بجوارها وأخذ يربت عليها بحنان ويمسح على رأسها ثم رفعها إليه واحتضنها بقوة فانفجرت
الفتاة بالبكاء من جديد!!! ثم ما لبث ان هدأت في أحضان ابيها الذي طالما اعتبرته حصنها الحصين وقلعتها
الأبدية وأطمأنت أنه يريد أن يساعدها فيما تمر به.
وتوجه السيد رأفت اليها بكل حنان: ماذا بك يا بنيتي ؟؟؟ ما الذي يؤلمك لهذه الدرجة ويحز في نفسك
ويجعلك تبكين كل هذا البكاء المر ؟؟؟ ثم رمقها بنظرة تحمل الكثير من الحب لها والخوف عليها في نفس
الوقت. شعرت عبير بحرج وحياء من أن تفصح لأبيها عن مكنون نفسها وما حدث لها ولكن رغبتها في
إيجاد حل لمشكلتها غلب حياءها خاصة انها لم تجد غيره يوما كي تبث له شجونها !!! ومع ذلك ظلت تفكر
بالطريقة المثلى للتعبير عما تشعر به. فقالت بتلكؤ: أبي.. إني .... إني ....إني .....
فتقدم السيد رأفت وقبلها على جبينها محاولا إدخال الطمانينة الى قلبها حتى تستطيع الكلام .. ثم قال لها: ماذا
؟ أنت ماذا؟؟ هاتي ما عندك ولا تخافي ابدا سوف نصل للحل المناسب سويا كما اعتدنا ان نفعل في كل
مرة، ولكن حتى نصل لهذا لا بد أن تقصي علي كل شيء وبالتفصيل الممل. وتسرب قبس من الطمأنينة الى
قلب الفتاة خاصة أن قلعتها الحصينة قد احتوتها وشعرت بالبركان في داخلها يخمد ويستكين ويتحول الى
مزيج من الحب والحنان فبدأت برواية قصتها لأبيها وقد أغرقت رأسها في حضنه ذلك انها لم تكن تستطيع
أن تنطق حرفا واحدا وهي تنظر في عينيه. حدثته عن مدى تعلق قلبها بزميلها في المدرسة اسامة وكيف انها
تشعر أن قلبها سوف يخرج من بين ضلوعها من شدة ضرباته لمجرد رؤيته. أخبرته كيف تراه بصورة
الشمس والقمر معا وكيف يتوقف الزمن عندما تكون بقربه. اخبرته كيف تضيق ذرعا بكنزتها الصوفية من
شده ما تشعر به من حر حتى في عز الشتاء، وكيف يحمر وجهها خجلا بمجرد ان ينظر اليها نظرة واحدة.
ورغم إعجاب الفتية الآخرين بها فإن عبير كانت تضيق ذرعا بهم اما هو فكانت تتمنى لو أنه يناديها باسمها
أو يتكلم معها حتى لو بحرف واحد يشعرها به بأنه يحبها أو معجب بها على الأقل !! ولكن بدلا من هذا كله
فقد قابلها بمنتهى الجفاء والألم بل صدها وحذرها ان تقترب منه أو تحادثه !!!!!!!!!! كان هذا منتهى الإهانة
لها وطعنها في صميم قلبها بلا رحمة ولا هوادة !!!!!! وعادت مرة أخرى الى البكاء بحرقة والم ولكن هذه
المرة بصوت مرتفع وهي تحتمي بصدر أبيها ...خائفة مما أخرجته من قلبها !!! حانقة على موقفها !!!
مشاعر تداخلت كلها في بعضها في ذلك القلب الصغير والعقل المحدود الذي لم يمر في أي تجربة مماثلة من
قبل !!! وظلت تبكي حتى كاد ان يغمى عليها بين يدي أبيها من شدة البكاء والتعب!!!!!!!!
ومكثت الفتاة على هذه الحالة لأيام بدون أن تأكل أو تشرب أو تدرس وكان الأب مع ذلك يدعوهم لتركها
وشأنها وعدم إزعاجها. وآثر ان ينعزل هو ايضا في مكتبه فقد بدأ يشعر بآلام غريبة في صدره عزاها الى
ارهاقه ولم يخبر احدا بها اذ كان يخشى ان يزيد على الاسرة هما اضافيا الى سائر الهموم التي تخاصر الناس
في الحرب. لقد استهتر الاستاذ رأفت بالاعتناء بنفسه وقد كلفه هذا الاستهتار بصحته غاليا كما ستظهر الايام.
شقائق الرجال
في فترة الاستراحة انتهز حسام فرصة انشغال الشلة بسؤال استاذ الرياضيات عن علاماتهم في المسابقة لينفرد
باسامة ويختلي به في الرواق الطويل بين الصفوف.. لكنه بدا متوترا وكلما فتح فاه ليتكلم تردد وراح يذرع
الرواق جيئة وذهابا.
مالك يا حسام؟؟ اثبت في مكانك للحظة يا رجل.. دوختني، قال اسامة
حسام: انت تعرف يا زعيم اننا لم نتعود ان نرفض لك قرارا او نراجعك في امر ما..
فتبسم اسامة وقال: حسام انت تعرف ان وضعك خاص عندي وانا لا اعاملك كمرؤوس بل كساعدي الايمن
ومستشاري وصديق الطفولة.. انت لك مطلق الحرية في ان تقول ما تريد لي..
حسام: يعني تعطيني الامان.. ولن تغضب؟؟
قاسم مبتسما: لك الامان يا سيدي
حسام وقد تشجع قليلا: حسنا اسمح لي ان اقول لك موقفك من البنات متشدد جدا..
وكان لهذا التصريح وقع الصاعقة على اسامة فجن جنونه وقال وهو يرغي ويزبد: ماذا؟؟ اهذا هو الموضوع
الذي تريد ان تناقنشي فيه؟؟ المقابلة انتهت يا سيد حسام..
حسام: لكنك وعدتني انك لن تغضب؟؟
اسامة وقد استرجع شيئا من هدوئه: "وانا عند وعدي.." ثم تابع بحنو: انهن يفتن الرجال عن الدين.. الم تسمع
قول الرسول صلى الله عليه وسلم "ما تركت بعدي فتنة هي اضر على الرجال من النساء؟؟"
حسام: ومن ينكر هذا؟؟ ولكن ان كن محتشمات مثل عبير مثلا.. فهل نلومهن ام نلوم انفسنا؟؟ الذنب ذنبنا
عندها اذا لم نغض البصر.. انت تقسو على هذه الفتاة كثيرا وانا برأيي هي لم تخطىء بأي شيء.. سوى
كونها خلقت انثى..
لم يكن اسامة من النوع الذي يعترف بخطأه فغير الموضوع سريعا وقال " اتعرف يا حسام اني احلم باحلام
شيطانية.. احلم بنساء يقمن معي باشياء غريبة وفي مواضع قذرة والعياذ بالله واستيقظ لارى ثيابي الداخلية
مبللة.. وبعد هذا تريد ان تقنعني ان النساء ليسوا شرا مطلقا.."
حسام: انا يا اسامة مررت بنفس الوضع وخفت مثلك لكني تجرأت وسألت عنها الشيخ مسعود..
اسامة: امجنون انت؟؟ كيف تسأله هكذا اسئلة؟؟ وماذا سيأخذ فكرة عنك؟؟
حسام: وهل الاحلام بيدنا حتى نحاسب عليها؟؟ قلت لعله مرض ما الم بي او لعل الله يبتليني بأمر ما.. او
لعل الشيطان مسني بسوء فاردت ان اخذ بنصيحته واستفتيه...
اسامة وقد تغيرت تعابير وجهه الى شيء من الرضى: وماذا كانت ردة فعله؟؟ لا بد انه وبخك ولامك.. ولا
بد انك سقطت من نظره.
حسام: على العكس.. عندما رآني اتحرج من ذلك الموضوع .. قال لي "إسأل ولا تخف.. لا حياء في
الدين.." فتجرأت وسألت
اسامة بشيء من الارتياح: وبم اجابك؟؟
حسام: ضحك وابتسم وقال لي هذا شيء طبيعي يمر به كل شاب فعليك ان تغتسل عندما ترى هذا منك..
وغدا عندما تتزوج وتجد الطريقة الصحيحة لارواء شهوتك فلن تأتيك هذه الاحلام
اسامة: لا لا اصدق.. الشيخ مسعود انسان متعلم ولا يقول هذا الكلام الفاحش.. اتقصد اننا اذا تزوجنا سنفعل
هذه الاشياء الشنيعة التي نراها في المنام مع زوجاتنا؟؟ انا لا اصدق..
حسام: بلى يا اسامة .. نحن لم نتلق تثقيفا كافيا فنظن ان هذه الامور خطأ وإنها مقرفة ونجسة. لكنها في
الحقيقة طبيعية جدا وكل الرجال يقومون بهذه الامور حتى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبدون هذه الامور
لا يمكن ان تعمر الارض او يتكاثر الناس ويتناسلون.
لم يجد اسامة ما يجيب به حسام فقد اعطاه البرهان الحاسم على كلامه حينما تكلم عن قدوة المسلمين محمد
عليه الصلاة والسلام.. فانصرف وهو مدهوش لغرابة ما سمعه في ذلك اليوم واقسم ان يتعلم اكثر عن هذه
الامور ويتثقف وبالفعل فقد اشترى كل كتاب ديني عن الزواج وقع تحت يديه وحينما قرأ هذه الكتب تغيرت
كل نظرته نحو النساء ونحو عبير الذات وادرك كم ظلمها دونما ذنب وندم ندما فظيعا.. لكن بعد فوات الاوان
فلم تكن هي مستعدة ان تكلمه بعد الآن.. ولا كان هو من النوع الذي يعتذر عن اخطائه.. كان يظن ان
الاعتذار دليل ضعف وهو ...الرجل الخارق السوبرمان.. فمن غير المفترض ان يضعف ابدا او ان
يخطىء..
في احضان الحصن المنيع
وتطلب الامر اسبوعا كاملا حتى عادت عبير الى طبيعتها وقامت من تلقاء نفسها وبحثت عن أبيها فوجدته
في غرفة مكتبه يقرأ. ولما رآها مقبلة عليه هش لها وأجلسها على ركبتيه ونظر إليها نظرة كلها شفقة وحنان
وأخذ يرتب خصلات شعرها الفاحم ويرفعها عن جبينها الناصع البياض فاستسلمت ليده الحانية وارتمت في
حضنه الدافىء !!!
الأب: أهدأت الآن ؟؟؟
الأبنة : نعم يا ابي الحمد لله
الأب : أتودين التحدث معي ؟؟
الأبنة وقد عدلت من جلستها في حجر أبيها "نعم يا ابي أريد نصيحتك وأريد أن أعرف هل هذا حرام أم
حلال ما أشعر به. هل الله غاضب علي ؟؟؟" وبدأت في البكاء مرة أخرى ثم تابعت بصوت متهدج: " أني
أشعر أن الله لا يحبني ويعاقبني بهذا ؟؟؟ ألم تقل لي أن احبنا الله أهدانا من نحب ؟؟؟ هل أنا هكذا عاصية ؟؟؟


يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات