رواية عهد الطفولة -5
كثير الغضب
و قليل الصبر
باختصار يشتعل بسرعة !
كما أنه أصبح لا يطيق البقاء في المنزل
يأتي إليه فقط للنوم
, وكثيرا ما يتناول الوجبات في الخارج
دخل المنزل
ليرى جدته تجلس في الحديقة كعادتها تستمتع بوقت الأصيل
برفقة صديقة منال تلك
ريم على ما يعتقد
ألقى التحية
لتطرق ريم رأسها باستحياء
انحنى ليقبل جدته على رأسها
" كيف حالك جدتي ؟"
كان صوته يوحي بأنه يقولها من باب الواجب
" الحمد لله يا بني , كيف أنت ؟"
" الحمد لله "
قالها متجها إلى المنزل
إلا أن صوتا استوقفه قبل أن يخطو خطوته الثانية
" كيف حالك مروان ؟"
رفع حاجبه ساخرا أكثر منه تعجبا
فهي مع مرور الأيام تزداد جرأة في التعامل معه
رد دون أن يلتفت إليها
" على خير ما يرام "
تعمد إظهار السخرية في صوته
علها تفهم بأنه يلاحظ محاولتها للفت انتباهه
سار في طريقه
لكنه سرعان ما عاد ليقول و كأنه قد تذكر شيئا
" بالمناسبة ... حفيدتك قد تخرجت و بامتياز أيضا "
لم تغب عنه الرعشة التي أصابة جدته
فلم تتوقع منه أن يذكر اسم منال بعد كل هذا الوقت
لم ينتظر أن يسمع أي شيء منها بل اتجه نحو غرفته ليرتاح قليلا من عناء هذا اليوم
دخل إلى الغرفة
و ما أن فتح بابها حتى سقط بصره للمرة التي لا يعرف رقمها على ذالك المكان قرب النافذة
حيث كانت تقبع تلك اللوحة
لم يستطع أبدا أن يتخلص من هذه العادة
رغم أنه أبعدها من هنا
زفر بقوة و هو يمرر يده في شعره
تأمل غرفته بضيق و كأنه يراها لأول مرة
ثم أخذ يفك أزرار سترته ليرمي بها على السرير
و كأنه بذالك يبعد تلك العينين عن مخيلته
فهو لا يرغب أبدا بالتفكير بهما
لو تعلمون كم كره نفسه لعدم قدرته على نسيانها
" مبارك لك تخرجك منال "
كانت هذه أختها ندى تهنئها على تخرجها
" ألا تظنين بأنك تأخرت في ذالك "
قالت أمل بصوتها الهادئ المعتاد
لكن منال ابتسمت لتقول
" شكرا لك "
ندى هي الأخت الكبرى بعد سعيد متزوجة و لديها و لد في الخامسة
أكانت تمتلك كل مقومات الجمال في نظر منال
جمال الروح و الظاهر
أما أمل تكبرها بسنتين هي فتاة جميلة إلا أنها ممتلئة قليلا بسبب قلة حركتها
فهي دائما منطوية على ذاتها و كثيرة القراءة
كانت منال منذ ظهور النتائج و هي تتلقى التهاني من أفراد عائلتها و زميلاتها في المدرسة اللتي انتقلت إليها
تبتسم للجميع شاكرة
إلا أنها في أعماقها كانت ترغب بشيء واحد فقط
و هو أن يشاركها مروان و الجدة فرحتها
هي حتى لم تتلق أي اتصال منهما
كما أن ريم قد نسيتها تماما
غصة خنقتها
شبكت أصابعها في حجرها تتمالك نفسها
" أين ذهبت ؟"
سألتها ندى
" ليس بعيدا "
أحست برغبة في الاختلاء بنفسها
أخذت نفسا لتقول بعده
" أحس ببعض التعب أظنني سأنام مبكر ا"
ثم وقفت مغادرة
قالت لها ندى
" لك ذالك بعد كل هذا التعب، فالحصول على امتياز ليس بالأمر السهل "
نعم ليس بالأمر السهل
فقد كانت تهرب إلى المذاكرة كل ما خطر على بالها مروان
كانت تلجأ إلى الدراسة فقط كي لا تعطي نفسها فرصة لتفكير به
أغلقت الباب خلفها
لتتكأ عليه مطلقة العنان لدموعها بأن تنساب بحرية
لطالما تخيلت نفسها تفرح بهذا اليوم معهما
أخذت شهيقا مرتجفا و هي ترفع وجهها في محاولة لتمالك نفسها
فهي قد ملت و تعبت البكاء
تذكرت ذالك اليوم حين أحضرت إلى هنا
كان قد أغمي عليها من هول المفاجئة و حين صحت
و جدت نفسها في مكان آخر
كيف بكت يومها رافضة التصديق بأن جدتها هي من طلبت منهم إحضارها
و كيف منعوها هم من الزيارة أو حتى الاتصال بهم
لقد عانت كثيرا
كان الأمر يبدو ككذبة بالنسبة لها أخبروها بأن جدتها منعتهم من الاتصال بها طوال تلك المدة
ثم و فجأة طلبت منهم أخذها دون أي سبب
يبدو الأمر بسيطا بالنسبة لها تلك العجوز
أما مروان فلم يحاول حتى السؤال عنها
يا إلاهي ما كل هذا ؟
هل أخطأت في شيء؟
هكذا
بسهولة تتغير حياتها فجأة من دون أي سابق إنذار
لكنها الآن قد تأقلمت مع إخوتها و ستحاول أن تبدأ حياتها معهم
أو
هذا هو الخيار الوحيد الذي أمامها
و ها هي تحاول إقناع نفسها به
بيدين مرتجفتين مسحت دموعها
الحياة ستستمر شاءت أم أبت
اتجهت نحو السرير لتلقي بنفسها عليه
يا ترى كيف تسير حياتهم ؟
كيف هم ؟
هل يشتاقون لها كما تفعل ؟
أدارت رأسها ليقع بصرها على هاتفها النقال
هنا مدت يدها إليه
لتحدق فيه مفكرة
هل تتصل؟
إنها تريد الاطمئنان عليهم فقط
فهي مهما كان لن تنسى جميلهم معها
لكن
أعادت الهاتف إلى مكانه
كلا لا تستطيع
فهي حتما لن تقدر أبدا على تحمل الأمر
و ستعود إلى نقطة الصفر
اسدلت جفنيها بتعب لتنام بعمق بعدها
***************************************
" هل أنت ذاهب؟"
كانت هذه الجدة تسأل مروان و نبرة الرجاء في صوتها
أجابها و هو يجمع أغراضة ليضعها في جيبه دون أن ينظر إليها
" نعم، هل تحتاجين إلى شيء"
تقدمت نحوه و معالم الكبر و ضاحة في مشيتها
" بني إني لا أراك حتى" أردفت " إن لم تكن هناك حاجة ضرورية إبق معي "
استدار إليها و هو يعلم بأنه أصبح مقصرا في حقها
ليقول متوسلا
" لقد و عدت صديقي يا أمي "
ابتسمت الجدة لتظهر التجاعيد على وجهها أكثر
و قالت و هي تضع كفها على جانب و جهه
" حسبتك نسيتها "
علم ما تعنيه
جدتي الأمر ليس بيدي أرجوك أن تفهميني
أمسك كفها ليبعدها عن و جهه و يقبلها بدفء
" آسف, أعدك بأن أحاول البقاء معك أكثر"
ثم استدار مغادرا
كل ذالك بسببك منال
لقد رحلت في لحظة من حياتي
و ها أنا ذا لا أستطيع أن أذهبك من عقلي و قلبي
يال سخرية الزمن
"ظننتك لن تصل أبدا"
قال مروان ذالك و هو يخرج عود سيجارة من العلبة التي أمامه
ليشعلها
" ما بك يا أخي احمد ربك أنني جئت "
جلس خالد مقابل مروان ليقول ذالك مستنكرا
زفر مروان نفسا عميقا من الدخان
ليدير و جهه و ينظر إلى البعيد
" مروان ما بك حالك لا يعجبني؟ كما أنك صرت تدخن بكثرة"
سأل مروان و هو يشير بيده إلى النادل
" ماذا تشرب؟"
فهم خالد بأن مروان يريد تغير الموضوع
" قهوة "
" فنجانان من قهوة لو سمحت "
وجه مروان كلامه للنادل
ليقول بعدها لخالد
"كيف هي أمورك ؟"
أرجع خالد ظهره و هو يجيب
"من يسمعك يقول بأننا لم نلتقي منذ أشهر و ليس منذ يومين "
أخمد السيجارة ليقول بعد أن تنهد
" آسف إن كنت أحرجك معي "
اتكأ خالد على الطاولة ليقول بشيء من الأسف على مروان
" لا داعي للأسف . كل ما يهمني أن أعرف مابك "
إنه متأكد تماما بأن خالد يعرف سبب ضيقه إلا أنه يسأل في محاولة لجعله يتكلم
" لا شيء فقط أشعر ببعض التعب فقد أرهقت نفسي بالعمل "
إذا لا مجال للكلام
هذا بالتأكيد ما فكر به خالد
لم يحاول معه أكثر فهو يعرفه بأنه لن يتكلم إن لم يرد ذالك
عاد مروان إلى المنزل متأخرا فقد دعاه خالد إلى السينما
و جد جدته تجلس في انتظاره
" مساء الخير "
ردت عليه الجدة بقلق
" لم تأخرت يا بني ؟"
رد عليها معاتبا
" لقد اتصلت و أخبرتك بأن لا تنتظريني فسوف أتأخر"
تقدم منها ليمسك بذراعها و يساعدها على الوقف
" هيا الآن لتنام "
قالت له
" لم أستطع النوم و أنت في الخارج"
قال مستنكرا
" لم أعد صغيرا أمي,
فأنا الذي أسهر على أمن الوطن أنسيت"
أضاف جملته الأخيرة مداعبا
قالت برجاء و هي تجلس على سريرها
" أعرف ذالك لكن في الآونة الأخيرة أصبحت تصرفاتك تقلقني "
قال مغيرا الموضوع و هو يدير بصره في الغرفة و كأنه يبحث عن شيء ما
" هل تناولت دوائك؟"
فهمت مقصده
لذا استلقت و هي تجيبه
" نعم أخذته "
تنهد
" إذا تصبحين على خير"
انحنى ليقبل رأسها و يقول معتذرا
" آسف لأني أقلقك "
ابتسمت العجوز و هي تمسح على و جهه كعادتها
" تصبح على خير "
بادلها الابتسام ليخرج بعد أن أطفأ النور
عليه أن يهتم بها أكثر
هذا ما فكر به و هو يتجه إلى غرفته
ما إن و ضع يده على مقبض الباب
حتى رن هاتفه
أخرجه من جيبه ليرى من المتصل
إنه رقم لا يعرفه
تجاهله فهو ليس في مزاج لأحد الآن
رمى بنفسه على السرير بتعب
لينام حتى دون أن يبدل ملابسه
************************
في اليوم التالي استيقظ مروان متأخرا بحكم أن عمله اليوم يبدأ الساعة الرابعة عصرا
كانت الساعة هي العاشر حين خرج ليجد جدته في الصالة
كانت تتحدث في الهاتف على ما يبدو
و حين اقترب منها
و جدها تبكي و سماعة الهاتف ترتجف في يدها
" مالأمر ؟"
نظرت إليه بعينين ملئها الدموع دون أن تقول شيئا
" هل حدث أمر ما ؟"
قالت و هي تهم لتغلق الهاتف
" لا شيء "
لكنه تداركها قبل أن تغلقها
" مرحبا"
قال ذالك بعد أن و ضع السماعة على أذنه
" مروان "
جائه صوتها مرتجفا باكيا
ليرتج قلبه هو الآخر
لم يحتج إلى وقت ليعرف صاحبة الصوت
هتف باسمها مذهولا
" منال؟"
هل يعقل بأنه أخطأ
هي لم تتصل منذ أن رحلت
عم السكون على كلا الطرفين
*****************************
أخذت السماعة ترتجف في يدها
و جد صوته طريقه إلى قلبها الذي تسارعت ضرباته
ليضخ تيارا كهربائيا في كل خلية من خلايا جسمها
لتجعلها ترتعش مذهولة
لا
بل شوق إلى صاحب هذا الصوت الدافئ
استطاعت أن تسمع تنهيدته التي أحست بها في رئتيها
" نعم ؟"
قالها ساءلا
ازدرت ريقها
لتستجمع قواها و تقول
" كيف حالك ؟"
أخذ نفسا عميقا مرة أخرى
" بخير و أنت ؟"
للحظة شكت في صاحب الصوت
كان صوته فيه من البرود ما يكفي لتجميد قارة بأكملها
حشرج صوتها و هي تقول
" بخير "
لكن في أعماقها كان الجواب عكس ذالك تماما
كانت تود بأن تجيب بـ
تعبه
منهكه
مشتاقة
إلا أنها يصعب عليها ذالك
و خصوصا و هي تسمع صوته البارد هذا
" هل أردت شيئا ؟"
قالها و هي تلاحظ بأنه يستعجلها لتنهي المكالمة
لم تستطع أن تنطق بأي كلمة
فقد كانت غصة كبيرة تخنقها
فسماع صوت مروان بعد كل تلك المدة ليس بالأمر اليسير عليها
واصل كلامه
" إن كنت لا تريدين شيئا فلا داعي لتضيع الوقت "
أحست بكل كلمة كسكين تطعنا
هل هذا مروان الذي تعرف
يحدثها و كأنه لا يعرفها
قال حين لم تجب
" مع السلامة "
أغلق الخط
لتبقى للحظات تصغي إلى طنين الهاتف
حدقت إلى الهاتف بين يديها
غير مصدقة
منذ متى كان مروان باردا بهذا الشكل
هوت على الأرض
لقد جاهدت للتقنع نفسها بالاتصال و السؤال عنهم
لكنها لم تتوقع أن تكون ردت فعلهم كهذه
أو على الأقل أن تكون ردت فعل مروان هكذا
انسابت دموعها بصمت
إذا هي الوحيدة التي تتعذب و تحترق شوقا لرؤيتهم
يالها من ساذجة
كيف فكرت بأنهم يشتاقون لها
أيعقل بأن تلك السنن التي عاشتها معهم استحالت إلى لا شيء
أخذت نفسا عميقا
تعطي قلبها فرصة ليرتاح
بظاهر يدها مسحت دموعها
لتتجه بعدها إلى المرآة تحدق في نفسها
و تقول باصرار
" هناك شيء ما يجري بين جدتي و إخوتي و يجب أن أعرفه "
ثم أردفت مفكرة
حينها فقط تصطلح الأمور
جمعت شعرها المنسدل على أكتافها بحركة سريعة
لتربطه على شكل ذيل الحصان
" أتحنين إلى أيام الطفولة؟ "
جاءها الصوت من خلفها
علمت على الفور صاحبته من صوتها البارد
نظرت إليها مستفهمة
تقدمت نحوها لتجلس على السرير
" لقد قرأة مرة أن من تسرح شعرها بهذه الطريقة، لطالما تشتاق إلى الطفولة و ترغب بعودة الزمن "
ابتسمت منال بشحوب
صحيح أنها لم تعرف هذه المعلومة من قبل إلا أنها بنالسبة لها صحيحة مئة بالمئة
" أخي يرغب برؤيتنا "
قالت ذالك بملل
أطلقت منال قهقهة قصيرة
" و لم تقولينها هكذا ؟"
قالت و هي تنظر إلى ساعتها
" إنه يضيع و قتنا، فدائما ما يطلب منا أنن نجلس معهم من دون سبب"
و ضعت منال يدها على كتف أختها
" لا تنسي بأنه الأخ الأكبر و يجب أن تطيعي كلامه "
تابعت
" هيا الآن و إلا بدأ بالصراخ "
ثم أردفت في داخلها
و هناك شيء أود أن أقوله له
سعيد هو الأخ الأكبر
رب الأسرة
من يعرفه لأول مرة قد يقول بأنه شخصية مستبدة
إنه صاحب شخصية قوية
لا يستطيع أحد عصيان أوامره حتى أمه
و دائما ما يطلب من الجميع أن يجتمعوا في أوقات معينه
و كأنه بذالك يتأكد من أن الجميع بخير ولا يوجد هناك من يتصرف بحماقة أو يوقع نفسه بالمشاكل
جلس الجميع في غرفة المعيشة يتبادلون أطراف الحديث
و فجأة سألت الأم آمنة و هي تبتسم بحماس
" منال يا ابنتي، هل قررت أين ستكملين دراستك ؟"
ردت منال الابتسامة بمثلها لتقول و هي قد حضرت جوابا مسبقا لأنها تعلم بأنها حتما ستسأل هذا السؤال
" لا أريد أن أكمل دراستي"
" ماذا؟"
شهق الجميع متفاجئين من ردها الغير متوقع
" ألن تكملي دراستك ؟"
كان سعيد هو من سأل هذا السؤال
عقدت أصابعها في حجرها لتجيب بارتباك
" ليس لدي الرغبة في إكمال دراستي"
قالت ندى و هي تضع طفلها ذو الخمس سنوات أرضا بعد أن كان يجلس في حجرها
" أتقولين بأنك ستضيعين جهدك هذا هباء؟"
قالت الأم مبررة الوضع بتعاطف مع منال
" قد تكونين مرهقة الآن من الامتحانات و لا تفكرين بالدراسة لكنك في ما بعد ستغيرين رأيك "
رأت منال استنكارهم
معهم حق فلم يتوقعوا أبدا من فتاة كانت تأكل الكتب بأن لا تكمل دراستها
لكنها حقا لا ترغب بذالك
فلم يعد لديها أي دافع فقد سأمت خيبات الأمل
قال سعيد و هو يضع رجلا على رجل
" إن كان كذالك إستريحي سنة ثم أكملي فيما بعد "
لم ترد منال أن تخيب ظنهم لذا قالت غير واعدة
" سأفكر في الأمر "
أطرقت رأسها و السؤال الذي أرادت أن تسأله يمر أمامها
شبكت أصابعها خائفة من ردة فعلهم لتقول و الارتباك واضح في صوتها
" أنا ...لدي طلب؟"
ردت الأم مرحبة
" أطلبي يا ابنتي"
رفعت رأسها و نظرت إلى أخيها برجاء
" أريد زيارة جدتي ؟"
نظر إليها ببرود و كأنه كان يتوقع سؤالها
" هذا الأمر إنتهينا منه"
و قفت لتقول متوسلة
" أرجوك دعني أزورها و أطمئن على صحتها "
إلتفتت الوجوه الثلاثة الأخرى إليه بنفس النظرة
تابعت حين لم تتلقى أي إجابة
" يجب أن أطمئن عليها فمهما كان هي من ...."
صمتت
فالرؤية استحالت ضبابية
و لسانها انعقد برغبة في البكاء
لأن ذكرى تلك الأيام الجميلة قفزت أمامها لتعيد إليها الحنين
غطت الأم بيدها كف ابنها لتقول له راجية
" بني دعها تذهب لتطمئن عليها فمهما كان لا تزال جدتها "
******************************************
رن هاتفه أخرجه ليرى من المتصل
كان هو نفسه ذالك الرقم الغريب
حين هم بالإجابة
توقف الرنين
قرر بأنه سيعاود الاتصال به بعد أن يرتاح من عناء العمل
نظر إلى الساعة التي كانت تشير إلى التاسعة
دخل إلى المنزل
فلم يجد جدته في غرفة الجلوس
اتجه إلى غرفتها
قرع الباب لكنها لم تجب
ففتحه على مهل فقد تكون نائمة
اللتوا فمه بابتسامة حين و جدتها ساجدة
دخل ليجلس على السرير حتى تنتهي من صلاتها
تنهد و هو يمرر يده في شعره
عجبا لأمره
كيف يحس براحة كبيرة اليوم
رغم أن اتصال منال ذاك
قد أزعجه
لم تتصل بعد تلك المدة من الانقطاع؟
مروان ما بك تكذب على نفسك
لا تنكر بأنك سررت في أعماقك
فهي لم تنسكم
وصله صوتها المرتجف هاتفة باسمه
كأنها أيقظت شيء في داخله
لكنه كره نفسه لأنه قسى عليها
إنه متأكد تماما بأنه جعلها تبكي
انتبه إلى أن جدته انتهت
تقدم منها ليقبل رأسها و قال مداعبا
" ها ؟ هل دعيتي لي ؟"
قالت بابتسامة
" و هل تحتاج لسؤال؟"
سألها و هو يساعدها على الوقوف
" كيف حالك اليوم ؟"
جلست ببطء على السرير
" بخير يا بني "
هنا قرع جرس الباب
ابتسم ليقول
" يبدو بأنني لن أظفر بوقت مع أمي "
" الوقت كله لك "
قالت له ذالك و هي مسرورة بمزاجه المرتاح هذا اليوم
حيث أنها لم تتوقع أبدا أن يكون كذالك بعد تلك المكالمة
"سأذهب لأرى من الزائر في مثل هذا الوقت "
قال ذالك و هو متجه نحو الباب
فتح الباب لتتجمد الابتسامة على شفتيه
و تعلق كلمات الترحيب في حلقة
اتسعت عيناه مذهولا
هل ما يراه واقع أم محض خيال ؟
__________________
أعتذر على تأخري
(الجزء الثامن ......لا أكترث؟)
كانت تقف تضم يديها إلى صدرها و التردد باد في محياها
" منال ؟"
هتف بالاسم مستغربا
قالت هي وقد رسمت شفتاها ابتسامة ليست واثقة منها
" مرحبا"
بعد لحظات لاحظت فيها أنه قد يرحب بقدومها علا وجهه البرود
ليقول برسمية
" مرحبا بك "
أحست بوخز في قلبها حيال ذلك
تراجع مفسحا لها الطريق
" تفضلي "
دخلت بصمت بعد أن لاحظت ردت فعله هذه
معه حق
فهي لم تزرهم منذ أن رحلت من هنا
أحست بتقلص في معدتها لذكر تلك الكلمة
التي تفرض واقع لا مفر منه
قال لها بعد أن أغلق الباب
" جدتي في غرفتها " ثم أضاف بسخرية حين التفتت محدقة به
" هل أرشدك إليها أم أنك لازلت تذكرين "
فغرت فاهها ثم عادت و أطبقته بألم
غير قادرة على الرد
فجموده هذا يجعلها تشك في هوية الشخص الواقف أمامها
أطرقت رأسها
لو تعلمون كم هي متلهفة إليه
لكنها لا تستطيع أن تعبر عن ذلك
لأن هناك جدار قوي لا تدري متى وضع بينهما
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك