رواية البركين -1
رواية البركين
الكاتب : عبدالله سعيد باقلاقل أو النكنك
منتديات غرام | أقلام لا تتوقف عن الإبداع
احبتي أعضاء هذا المنتدى الرائع
لقد اشتركت منذ فترة في منتدى غرام ولكني لم اقدم اي مشاركة والان سوف اطرح بين ايديكم رواية اتمنى أن تنال اعجابكم ولكن قبل أن أضعه أحب اعرفكم بنفسي
اسمي عبدالله سعيد باقلاقل
كاتب قصصي روائي
لي مؤلف بالاسواق قلوب لا تعرف الرحمه مجموعة قصصية
مع احترامي لجميع اعضاء المنتدى ولكن انا اختلف معكم حيث لا احب أن اضع روايتي باللغة العامية وأنما باللغة العربية الفصحى سوف اكتب جزء منها وان وجدت منكم ترحيب ورد سوف اكملها وأن لم أجد اكتفى بالشرف بأني كتبت في هذا المنتدى الرائع
ملاحظة هامة جدا لا ينصح بقراءة هذه الرواية لاقل من 18 سنة أو قراءتها في الليل
الـــــبـــــركــــــيــــن
المقصود بالبركين نوع من الجان وليس جمع بركان
تأليف
عبد الله سعيد باقلاقل
مالت الشمس للغروب معلنة انتهاء وقتها لتفسح الطريق للقمر أن يضئ الكون بأشعته الفضية في هذه الساعة كان وقت الغروب جميلاً يجذب العشاق والشعراء إلى الجلوس على الشاطئ ليكتبوا الإشعار الغزلية كان الجو منعشا للنفوس لم يعكر صحوة هذا الجو الجميل سوى صياح أحدى الأطفال الصغار الذي لم يتجاوز عمره الثلاثة أشهر ، بينما كانت أمه منهمكة في أعمال المنزل ، والطفل بمفردة في الحجرة ويصيح بأعلى صوته حتى احمر وجهه من كثرة الصياح ,, وفجأة أطفئت أضواء الحجرة دون سابق إنذار ، وأضئ لون بنفسجي خافت أحاط الطفل ،وصمت الطفل عن البكاء ، وفي منتصف الجدار الجانبي للحجرة أضيئت منطقة بنفس اللون ، وخرج من هذه المنطقة مخلوق عجيب وجهه شاحب كوجوه الموتى ، ولون بشرته يميل إلى الرمادي الداكن له أسنان وأنياب طويلة على نحو مخيف ، وله قرنان صغيران بارزان من جانبي رأسه ، نظر المخلوق إلى الطفل يعينيه الحمراء نظرة غامضة ، ثم رفع يده اليسرى قليلا وأشار بها إلى الطفل مما جعل الطفل يرتفع عن سطح الأرض ويسير في اتجاه المخلوق ، عاد المخلوق إلى مكانه وتبعه الطفل ، واختفى الضوء البنفسجي ، وأضيئت الغرفة كما كانت وعاد كل شي إلى طبيعته الأولى .
جاءت الأم من المطبخ مسرعة وهي تقول :
- حسناً يا بني لا داعي للبكاء أنا ..............
بترت عبارتها فجأة حينما فوجئت باختفاء طفلها من المكان الذي وضعته به ، وأطلقت صرخة مدوية اهتز لها المكان ، ثم أخذت تبحث عنه وهي تصرخ بقلق :
- أين أنت يا بني ؟ من الذي أخذك مني ؟
أخذت تبحث عنه في كل مكان لم تجده وحينما يئست من العثور عليه جلست على طرف السرير والدموع تتساقط من عينيها ووضعت كفها على جبهتها ثم شعرت بشيء يلامس ظهرها فانتفضت بذعر حقيقي والتفت على الفور خلفها ، تراجعت للخلف مذعورة حينما وجدت طفلها خلفها على السرير ، احتضنته بسرعة وكأنها تخشى أن يختفي مرة أخرى ، ثم عقدت حاجبيها بدهشة وهي تغمغم :
- ولكن أنا لم أضعك على السرير ! من الذي جاء بك إلى هنا ؟
صمتت لحظة ثم أردفت:
- هذا لا يهم ، المهم أنك عدت إلي سالماً
رمت هذه الأفكار جانباً خلف ظهرها وحينما أرادت أن تطبع قبلة على وجنته ووقع بصرها على وجهه وجسمه انتفضت مذعورة وأفلتت الطفل من يديها ، ثم نهضت بسرعة وأخذت تتراجع بذعر ازدردت لعابها في جزع وهي تقول بقلق :
- لا ، أنت ليس أبني ، أنا واثقة من ذلـ......
بترت عبارتها فجأة وأبدلتها بصرخة فزع إثر اصطدامها بشخص ما ثم سقطت فاقدة الوعي انحنى الشخص القادم وحملها بلطف حتى أرقدها على السرير ثم أخذ يفحصها ثم تنهد قائلا :
- حمداً لله أنها بخير .
ضرب القادم بلطف على خدها وهو يقول بصوت أقرب إلى الهمس :
- استيقظي يا عزيزتي ، ما الذي حصل لكِ ؟
استعادت الأم وعيها أنبعث الضوء إلى عقلها بغتة ، وأضاء ذهنها دفعة واحدة ، واستعادت ذاكرتها ببطء ثم أخذت تفتح عينيها ببطء ، وتنظر إلى القادم بشرود ، ثم اعتدلت مسرعة تصرخ وكأنها تذكرت شيئا هامة قائلة :
- أين أبني يا " باسم " ؟
صمتت لحظه ألقت خلالها نظره إلى الطفل الملقى بجانبها ثم استطردت وهي تشير إليه :
- انظر يا " باسم " اخبرني بالله عليك هل هذا ابننا ؟
قالت عبارتها الأخيرة ثم انهالت الدموع تتساقط على وجنتها قبل أن تقول :
- لم يكن يوماً كذلك
حاول " باسم " أرباط جياشة ، ثم جلس بجوارها وارتسمت على شفتيه ابتسامة حانية ، و اخذ يحسس شعرها الجميل الناعم بلطف وهو يقول بصوت خافت خانق :
- اهدئي يا " سلوى " الأمر لا يحتاج كل هذا التوتر والانفعال ، هذا هو أبننا
صمت لحظات ألقى خلالها نظرة متفحصة على الطفل النائم على السرير ، أيقنت أعماقه بأن الطفل النائم على السرير ليس طفلة ، ولا يمت إليه بأي صلة ، فقد تحول لونه من الأبيض إلى الأسمر وعيناه إلى أعلى ، وجسمه أصبح هزيلا ، هز " باسم " رأسه بقوة لطرد الفكرة من رأسه ثم اقترب من الطفل وحملة وطبع قبلة حارة على وجنته ، ابتسم ابتسامة شاحبة وهو يقول بقلق واضح :
- ما شاء الله على جماله وهدوءه ودلاله هذا هو ابننا ، يبدو عليكِ الإعياء والإرهاق
تجاهلته " سلوى " ونهضت من على السرير وخرجت من الحجرة ، بينما نظر " باسم " إلى عيني الطفل مباشرة وقال والقلق واضح من نبرات صوته :
- أنا واثق تمام الثقة بأنك لست أبني !
صمت لحظة وأخذ يهز الطفل بشدة وهو يقول بعصبية :
- اخبرني أين أبني الحقيقي ، أخبرني وألا سوف أقتــ...........
لم يكمل جملته بل أستبدلها بجملة رقيقة وقبله على رأس الطفل فور دخول " سلوى " الحجرة ومعها رضعه الحليب ، اقتربت " سلوى " وحملت طفلها من " باسم " وأخذت ترضعه الحليب ، لم تمر دقيقة واحدة حتى أنهى الطفل رضعه الحليب ,, ارتفعتا حاجبا " سلوى " بدهشة عارمة ، وفغر " باسم " فاه باستغراب ، بينما قالت " سلوى " بتعجب :
- مستحيل ! لا ، لابد أني احلم كيف استطاع الانتهاء من شرب الحليب بهذه السرعة الخيالية ؟
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي " باسم " قبل أن يقول :
- قد يكون الطفل جائع ، لا مبرر لشكوكك وظنك فليس لها أساس من الصحة
قال عبارته الأخيرة وهو يعلم تمام العلم بأن حديث " سلوى " على حق وأنه مخطئ بتحليلاته فلم يكن طفلهما بهذه الشراهة يوماً ما ، نظرت إليه " سلوى " في حنق ثم هتفت بضيق :
- حسنا ، سوف أذهب وأعمل له أخرى ، من يدري ربما يكون جائع
أعقبت حديثها بنهوضها متجهها إلى المطبخ وتدفقت إلى رأسها عشرات الأسئلة
- عجباً ! لم يكن ابني يوماً ما هكذا ؟
ما الذي يحدث لي ؟
هل أنا في وهم أم الذي أراه حلماً أم كابوساً ؟
صمتت لحظة وضعت خلالها مقداراً من الحليب على الماء الفاتر في زجاجة الرضعة ثم أردفت وهي تهز رأسها :
- ربما كان " باسم " على حق ، قد يكون الطفل جائع
قالت عبارتها الأخيرة وخرجت من المطبخ متجهه إلى الحجرة ، على الرغم من أن أعماقها تنفي حديثها إلا أنها أقنعت نفسها بذلك ، دخلت " سلوى " الغرفة والكآبة والحزن واضحين على وجهها ثم أخذت ترضع طفلها رضعه الحليب ، وفوجئ الاثنان بالطفل يشرب رضعه الحليب بشراهة لا مثيل لها وخلال دقيقة واحدة كان قد شربها كاملة ، وكأنما لأول وهلة يشرب الحليب مما جعل " سلوى " تحدق في وجه الطفل بدهشة قبل أن تصرخ بغضب :
- كفى ، من المستحيل أن يكون طفل هـ.........
بترت عبارتها بغتة وأبدلتها بشهقة فزع حينما رأت طفلها يقي جميع ما شربه ، لم يقيء من فيه مثل بقية الأطفال وإنما من أنفه
حدق " باسم " فيه بدهشة قبل أن يقول :
- ما هذا ؟ كيف فعل ذلك ؟ حسبما أعلم بأن الأطفال يقوء من أفواههم وليس من أنوفهم
ارتجف جسد " سلوى " وبدت الحيرة والذعر في كل لمحة من ملامحها ثم لم تلبث أن غمغمت بحنق وضيق :
- افعل شيئا ، لا تجلس هكذا صامتا، لا أستطيع الصبر ، أرجوك افعل شيئاً
قالت جملتها الأخيرة والدموع تتساقط من عينيها ، التقط " باسم " نفسا عميقا ثم قال :
- وما الذي تريدين مني أن أفعله ؟
نظرت " سلوى " بعيني " باسم " مباشرة وهي تقول بإصرار :
- سمعت من صديقتي " سميرة " أنها ذهبت مع زوجها إلى عالم الأرواح الشيخ " عباس " وقالت أنها استفادت منه هي وزوجها
أطلق " باسم " ضحكة قصيرة ثم أبدلها بسرعة بابتسامة ساخرة قبل أن يستطرد :
- وهل تصدقين هذه الخزعبلات والخرافات ؟
قالت " سلوى " والدموع تتساقط منها بغزارة :
- أرجوك يا " باسم " إذا لم يكن من أجلي من أجل طفلنا الوحيد
تردد " باسم " لحظات ولكن أمام إصرار " سلوى " هز رأسه وقال :
- حسناً ، سنذهب إلية في الصباح الباكر
هبت " سلوى " من على السرير وهي تغمغم بإصرار :
- لا أرجوك الآن ، لا أستطيع الصبر حتى الصباح
زفر " باسم " بشدة ثم قال :
- حسناً ، كما تريديني
لم يعلم " باسم " بأن القدر يخفي لهما الكثير الكثير .....
****************************************
سقطت أشعة القمر الفضية على مجموعة من البيوت الشعبية ، وبينهم بيت يعرفه الجميع لا أحد يستطيع الاقتراب منه خشية أن يكون وكراً للأشباح أو الجان ، في هذا البيت يسكن عالم الأرواح الشيخ " عباس "
كان الشيخ " عباس " جالسا على كرسي فاخر بلحيته البيضاء ، فدخلت فتاه لم تتجاوز العشرين من عمرها ، فأشار لها الشيخ بالجلوس جلست الفتاة على المقعد المجاورة له ثم ازدردت لعابها بصعوبة وهي تقول :
- أحبه يا شيخ ، حاولت نسيانه ولكني دائماً أفشل بذلك
نظر إليها الشيخ نظرةً متفحصةً ثم قال :
- وماذا عن شعوره هو ؟
التقطت الفتاة نفساً عميقاً ثم هتفت بصوت أقرب إلى الهمس :
- قلبه فندق يا شيخ ، بعد كل يومين يتعرف على فتاه جديدة ، وحينما يصيبه الملل يعود إلي
وضع الشيخ مجموعة من البخور على نارٍ كانت هادئة وحينما ألقى لها البخور اشتعلت جعلت الفتاة تتراجع للخلف مذعورة وهو يقول :
- هل أحضرتِ شيئا من أثره ؟
أخرجت الفتاه من حقيبتها منديلاً وقالت وهي تناوله للشيخ :
- نعم أحضرت ، تفضل هذا المنديل
أخذ الشيخ المنديل منها ثم وضعه فوق المبخرة التي على الطاولة التي أمامه وأخذ يقول حديثاً غير مفهوم ، ثم أخرج من تحت الكرسي الذي يجلس عليه منديلاً يشبه المنديل الأول وناوله للفتاه وهو يقول :
- أعط له هذا المنديل وخلال أسبوع يعود لكِ لوحدك
تهلل وجه الفتاه ونهضت وهي تقول له :
- شكراً ، شكراً ، شكراً
هز الشيخ رأسه وقال بصوت عالي :
- الذي يليه
دخل " باسم " ومعه " سلوى " متعلقة بكتفه خائفة ترتجف، فإذا بالبخور يملأ أرجاء المكان بألوانه المختلفة ، وفجأة انتفضا إثر سماعهما الشيخ " عباس " يقول بصوت عميق :
- تفضلا بالدخول
نظر " باسم " إلى مصدر الصوت فإذا بشيخ قد تجاوز الخمسين من عمره ، لحيته كثيفة بيضاء ، يجلس على كرسي فاخر وأمامه طاولة مستديرة متوسطة الحجم وبها مدخنة بخور ، اقتربا أكثر من الشيخ فجلسا على المقعدين المجاورين للشيخ فبادرهما الشيخ سائلا :
- خيراً ، ما هي مشكلتكما ؟
وضعت " سلوى " طفلها على طرف الطاولة ثم قالت :
- طفلي يا شيخ لست أدري ما الذي أصابه ، كان في الصباح أفضل حالاً من كذا ، حتى وقت المساء انقلبت حالته
صمتت لحظة وأخذت تمسح دموعها ثم استطردت :
- وفي المساء كان يبكي بأعلى صوته ، كنت منهمكة بعمل المنزل من ترتيب وتنظيف ، وحينما عدت إليه ، لم أجده في مكانه وبعد ما بحثت عنه في كل مكان وجدته على السرير برغم أن كان بسريره فلا ادري كيف جاء إلى سريرنا ، وحالته ............
لم تستطع " سلوى " إكمال حديثها وانفجرت باكية ، ازدرد " باسم " لعابة بجزع وهو يكمل :
- وحالته مثل ما ترى أمامك ، عيناه إلى الأعلى ، وجسمه أصبح هزيلاً ، ولونه الأبيض اختفى وأصبح أسمر اللون ، وعيناه كعيون الموتى
صمت لحظة سالت خلالها دمعه حارة على خده لم يستطع منعها ثم أردف :
- وأيضا أصبح يشرب الحليب بشراهة لا مثيل لها وبطريقة غريبة ، ويتقيأه من أنفه
نظر الشيخ نظرة طويلة إلى الطفل ثم نهض من على كرسيه وأخذ يتفحص الطفل وهو يقول بعض الكلمات الغريبة ثم ابتعد عن الطفل وهز رأسه مغمغما :
- هذا ما كنت أخشاه !
انقبض قلب " سلوى " واحتبست غصة بحلقها وهي تمنح صوتها كل ما تبقى من القوة والشجاعة وهي تسأل بخوف واضح :
- ما الذي تقصده ؟
مط الشيخ شفتيه بأسى ثم التقط نفساً عميقاً وهو يقول :
- طفلكم خطفة " البركين " وأبدله بهذا الطفل
ارتفع حاجبا " باسم " ثم عادا تلتقيان بتوتر حائر ثم عض شفتيه بغيظ وصاح بغضب :
- ومن يكون " البركين " الذي خطف طفلي ؟ سوف أذهب له ولو كان في آخر الدنيا !
زفر الشيخ بشدة وهو يقول :
- للأسف لن تستطيع ، ليت الأمر بهذه البساطة
ارتجف جسد " باسم " وبدت الحيرة والذعر في كل لمحة من لمحات وجهه ثم لم يلبث أن غمغم بحنق :
- ولماذا ؟ أرجوك أريد أن أفهم ؟
انعقد حاجبا الشيخ " عباس " بتفكير عميق وهو يقول :
- " البركين " مخلوق من الجان وعمله خطف الأطفال الصغار الذين يمهلونهم أمهاتهم ويقوم باستبدالهم بأطفال الجان المرضى
صمت لحظة واخذ يلتفت يميناً ويساراً كأنه يخشى أن يسمعه أحد ثم قال بصوت أقرب إلى الهمس :
- وتوجد حالات استطعنا منها إعادة الأطفال الذين تم اختطفاهم
تنهدت " سلوى " بارتياح وهي تغمغم :
- افهم من حديثك بأن هناك أمل بعودة طفلي إلى حضني
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي الشيخ " عباس " وهو يقول :
- احتمال ضئيلُ جداً 1%
غمغمت " سلوى " بضراعة :
- أرجوك حاول ، ولو 0.25% أنا موافقة
حك الشيخ ذقنه وصمت طويلاً وبدت على ملامحة دلائل التفكير العميق ثم قال :
- ولكننا سنخاطر بحياة هذا الطفل
ارتسم الذعر على وجه " باسم " وهو يقول :
-لم أفهم شيئاً ، أرجوك بسِّط لنا الأمر الذي تقصده
جلس الشيخ " عباس " على كرسيه ثم استطرد وهو يضغط على زر أحمر على مسند الكرسي :
- الآن سأوضح لكم
بعد لحظات دخل رجل قوي البنية ، عريض المنكبين ، أصلع الشعر ، انحنى الرجل باحترام مبالغ فيه ثم اعتدل قائلا :
- يما يأمرني سيدي الشيخ
نظر إليه الشيخ وهو يقول :
- أحضر لي جلد شاة في الحال
أومأ الرجل برأسه إيجاباً ثم انصرف ، سأل " باسم " والقلق واضح عليه من نبرات صوته :
- ما الذي تريده بجلد الشاة ؟
أغمض الشيخ " عباس " عينية لحظة ثم قال بهدوء :
- لا تقلق يا بني ، سوف تعرف كل شيء بوقته لا تستعجل
صمت لحظة يفكر فيها ثم استطرد :
- سوف أضع طفلكم بجلد الشاة ساعة من الزمن ، وعقب الساعة أن كان له نصيب بالحياة سوف نجده
تهللت أسارير " سلوى " بالسرور ولكن الشيخ لم يدعها تكمل فرحتها حينما أكمل حديثه قائلا:
- ولكن ، لو كان " البركين " يريد طفلكم سوف نجد
صمت لحظة فقال له " باسم " خلالها يستحثه على المواصلة :
- ماذا سوف نجد ؟
تردد الشيخ ثم قال :
- سوف نجد جثة هذا الطفل !
انتفضت " سلوى " بذعر وشعر " باسم " بقشعريرة باردة تعبر جسمه وهو يغمغم :
- معنى ذلك بأن طفلنا الحقيقي لن يعود لنا وهذا الطفل سوف يموت أيضاً
اطرق الشيخ رأسه إلى الأرض وهو يقول :
- لا أستطيع الجزم بذلك
ساد على المكان صمتٌ رهيب إثر هذا الخبر المفاجئ لم يقطع أوتاره سوى دخول الرجل ومعه جلد الشاة ، وضع جلد الشاة على الأرض ثم انحنى وهو يقول :
- أي خدمة ثانية يا سيدي .
أشار الشيخ للرجل بالانصراف ، فانصرف على الفور ، نظر الشيخ " عباس " إلى " باسم " و " سلوى " ثم قال :
- ما رأيكما فيما قلت ؟
ساد صمت مطبق على المكان قطعت أوتاره صوت " سلوى " قائلة بتردد واضح :
- ليس لدينا خيار آخر
حمل الشيخ الطفل ووضعه داخل جلد الشاة ، ثم أخذ يراقب الجلد ، بدأ الجلد بالتحرك والدوران أسرع فأسرع فأسرع ، كان الوقت يمر بطيءٌ جداً ، ثقيل ، أمسكت " سلوى " بيديها على قلبها ولم ينبس " باسم " ببنت شفه ،وبعد مرور ساعة بدأ الجلد بالتخفيف من الدوران رويداً رويداً حتى توقف نهائياً عن الدوران فتح الشيخ جلد الشاة وأخرج الطفل نظر " باسم " إلى الطفل فاتسعت عيناه برعب بينما ارتسم الذعر على وجه " سلوى " وهي تقول :
- مستحيل ، مستحيل
وأخذت تتراجع ثم سقطت فاقدة الوعي
فلم يكن الطفل الذي وجداه سوى جثة طفلهما الحقيقي
اشكر من كل قلبي جميع من رد علية وأشكركم على مروركم
الان سوف اكمل الرواية وأنزل البار الثاني باكملها ولكن أتمنى تعطوني رئيكم بمنتهى الصراحة
استرخى باسم على المقعد وهو ينظر إلى جسد سلوى الممد على السرير وهي فاقدة الوعي ثم اخذ يسترجع شريط ذكرياته فقد كانت الأيام الماضية مؤلمة بحق ، كم تمنى هذا الولد وكم حلم به ، لا زال لا يصدق كيف اختفى أبنه ، لم يظهر أي دليل يقوده إليه و ......
قطع شريط ذكرياته صوت خفيف وتأوي صادر من عند سلوى وهي تغمغم :
آه أين أنت يا بني ، لا أرجوك ، اترك أبني الوحيد ، لا تأخذه معك
ثم فجأة انتفضت ونهضت وجلست على السرير وهي تصرخ :
لالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالا
مما جعل باسم يسره وهو يهتف :
- " سلوى " ، ماذا بكِ
قالت سلوى والعرق يتصبب من وجهها :
- كابوس فظيع يا " باسم "
ثم انهارت باكية بينما جلس " باسم " بالقرب منها وهو يغمغم بضيق :
- ليس بوسعنا عمل أي شيء هذه مشيئة الخالق عز وجل
أشارت سلوى بسبابتها إلى صدرها وهي تجيب والدموع تتساقط من عينيها بغزارة :
- ولكن أنا السبب يا " باسم " فلو لم أهمله لما خطف
التقط " باسم " نفساً عميقاً ثم قال بصرامة :
- ألم اقل لكِ سابقا أكثر من مرة لا أريد سماع منك كلمة " لو " على لسانك ؟
صمت لحظة زفر خلالها بشدة وهو يغمغم :
- قد جرى ما حدث والدموع لن تجدي نفعاً أو ترجع طفلنا إلينا ، من يدري ربما يكون ذالك خيراً لنا
حدقت "سلوى " في وجهه " باسم " بدهشة وهي تقول مستنكره :
- خيراً لنا ؟ لم أفهم ؟
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي " باسم " وهو يقول :
- ربما ينفعنا في الآخرة عند رب العالمين من يدري
مطت " سلوى" شفتيها الجميلتين وهي تردف :
- ربما ، من يدري
نعم من يدري ، السنوات القادمة ماذا تحمل لكما
ظلت ذكرى طفلهما عالقة بذهنهما ولم ينساه
وتمر الأيام
وتمر الشهور
وتمر السنوات
*******************************
وبعد مرور عشرة سنوات
تصاب " سلوى " بسرطان في الدم وتحتاج إلى إجراء عملية جراحية
دخل " باسم " إلى مكتب الدكتور المسئول عن حالة " سلوى " وسأله بلهفة :
- أرجوك يا دكتور أخبرني هل حالتها خطيرة إلى هذه الدرجة
رفع الدكتور عينيه من الملف الذي كان يتفحص أوراقه ثم قال في أسى :
- أجلس يا " باسم " ، استرح أولاً
جلس " باسم " على أقرب المقاعد إليه ، أطلق الدكتور من أعمق أعماق صدره زفره حارة ثم قال :
- زوجتك حالتها خطيرة جداً فهي مصابة بسرطان في الدم
وقعت عبارة الدكتور على " باسم " كالصاعقة أخرسته تمالك " باسم " أعصابه وقال بثقل :
- أخبرني يا دكتور بالله عليك ، أيوجد أمل في علاجها
ارتسمت ابتسامة ودودة على شفتي الدكتور وهو يقول :
- أهدأ يا " باسم " الأمل في الله كبير
صمت الدكتور لحظة غير طويلة ثم قال :
- ولكن .........
ثم عاد إلى صمته مما جعل " باسم " يهب من مقعده قائلاً يستحثه على المواصلة :
- ولكن ماذا يا دكتور ؟
غمغم الدكتور بصوت خافت خانق :
- ولكنها تحتاج إلى إجراء عملية جراحية في الحال
تهللت أسارير " باسم " وقال بظفر :
- وكم يكلف إجراء هذه العملية ؟
زفر الدكتور بشدة وهو يقول :
- مائة ألف ريال
صدم " باسم " بهذا الخبر وسقط على مقعده مندهشاً ثم غمغم بعد أن أفاق من ذهوله :
- حسناً ، متى تريد إجراء العملية ؟
استرخى الدكتور في مقعده وهو يقول :
- في أسرع وقت ممكن .
حك " باسم " ذقنه بتفكير عميق ثم نهض مسرعاً وفتح باب مكتب الدكتور وقبل أن يغلق الباب هتف الدكتور :
- حاول أن تسرع فالتأخير يؤثر سلبياً على حالتها
أومأ باسم برأسه إيجاباً ثم أغلق الباب خلفه ، سار " باسم " في ممرات المستشفى ببطء وتكاسل وانبثقت في رأسه عشرات الأسئلة
من أين لي هذا المبلغ ؟
أين كان مختبئ كل هذا لي ؟
يجب أجراء العملية وبأي ثمن ؟
ماذا سوف افعل وكيف أتصرف ؟
من يصدق ذلك " سلوى " الوردة اليافعة ، الينبوع المتدفق تصاب بورم سلطاني
لا أتخيل حياتي بدونك يا " سلوى "
ألا يكفي أني فقدت أبني الوحيد ، لا لن أتخلى عنك لو بعت حياتي ثمناً لإنقاذك
من الصعب على " باسم " التخلي عن " سلوى " فقد كان يربطهما قصة حب تنافس قصة قيس وليلي إنه حب أزلي ، نعم يحبها حتى النخاع ، حينما فقدت طفلها لم يتخلى عنها " باسم " وإنما ساعدها على تجاوز هذه المحنة بنجاح ، ثبت لهذه الحياة لا أستطيع تدبير مبلغ كهذا لكي أنقذ زوجتي العزيزة زفر بشده حينما وصل تفكيره إلى هذه اللحظة ، ثم توقف أمام المصعد وصعد به إلى الدور الثاني وحينما وصل الدور خرج مسرعاً وهو يخاطب نفسه :
مائة ألف ريال مبلغ كبير ، لا يوجد لدي خيار ثاني ، غداً صباحاً سأذهب إلى المؤسسة واقترض المبلغ على الرغم من علمي اليقين بأنهم لن يقرضوا لي
ثم طرد هذه الأفكار من ذهنه وأسرع من خطواته حتى وصل إلى إحدى الحجرات طرق الباب بلطف ولكن لم يلق أي إجابة فعاد وطرق الباب ولكنه حينما لم يجد أي إجابة دفع باب أحد الحجرات بهدوء ولكنه فوجئ بالحجرة فارغة لا يوجد بها أي احد فخرج مسرعاً وسأل أول ممرضة صادفته :
- أليس هذه غرفة المريضة " سلوى سعيد " أين ذهبت لا أجدها على سريرها ؟
ارتسمت ابتسامة هادئ على شفتي الممرضة وهي تجيب بأدب :
- عفواً يا أستاذ ، لقد تم نقلها إلى غرفة ( 301 ) التي تقع بآخر الممر
تنهد " باسم " بارتياح ثم سار على الفور باتجاه الغرفة فطرقها بلطف حتى جاء صوت من الداخل
يقول له :
- تفضل بالدخول
فتح " باسم " الباب بهدوء ودلف إليها وجلس إلى المقعد المجاور لها وهو يسألها بحنان قبل أن يمسك يديها ويقبلها بحنان :
- كيف حالك يا عزيزتي ؟
تطلعت إلية " سلوى " في شرود ثم مطت شفتيها في أسى وهي تقول :
- بخير ولله الحمد
حاولت أن تجلس ولكنها لم تستطع مما جعل " باسم " ينهض مسرعاً وهو يقول :
- ارتاحي يا عزيزتي ، لا تتعبي نفسك
استرخت " سلوى " على السرير وهي تغمغم :
- باسم أنا آسفة يا عزيزي لقد سببت لك الكثير من المتاعب
صمتت لحظة ثم انفجرت باكية وهي تقول :
- من أين لك تكلفة العملية ، أنا على علمٍ بكل شيء ، لا أريد أن أجري العملية ، لا أريد
ارتفعتا حاجبا باسم ثم عادا يلتقيان في توتر وهو يستطرد :
- لا تشغلي بالك يا عزيزتي بأمر النقود ، أنا سأتصرف ولو كان ثمن ذلك حياتي من أجلك ، والعملية بإذن الله سوف تجرينها
قال عبارته وهو ينصرف مغادراً المكان تاركاً سلوى تبكي بحرارة
لم تعلم ساعاتها بأنها قد لا ترى زوجها نهائياً ، وبأن القدر يخفي الكثير لزوجها
**************************
- غير معقول أن نخسر مليون دولار من أجل عناد المهندس " باسم " والمهندس "عصام "
نطق مدير المؤسسة التي يعمل بها "باسم " بهذه العبارة بمزيج من الحنق والكراهية مما جعل مستشاره الخاص يغمغم :
- أهدأ يا أستاذ " خالد " الأمر لا يستدعي كل هذه العصبية
صمت لحظة ثم انعقدا حاجباه في تفكير عميق وهو يستطرد :
أمور كهذه تحتاج إلى تدبر في الأمر ، دعنا نفكر بطريقة نقضى فيها على الاثنين معاً
تمتم " خالد " بلهجة أقرب إلى السخرية :
- القضاء على " باسم " و" عصام " معاً ولكن كيف ؟
قبل أن يجيب المستشار الخاص سمع الاثنان طرقاً على باب المكتب اعتدل " خالد " في مقعده وهو يقول
- تفضل بالدخول
دخل السكرتير وهو يقول :
- أستاذ " خالد " المهندس " باسم " في الخارج يرغب في مقابلتك في موضوع خاص
جلس المستشار على احد المقاعد المجاورة لمكتب " خالد " الفاخر وهو يقول :
- دعه يدخل
انصرف السكرتير وبعد لحظات دخل " باسم " خافضاً رأسه في حياء ثم تقدم إلى الأستاذ
" خالد " وناوله ورقة مطوية ، فتح خالد الورقة وهو يقول :
- خيراً يا " باسم "
قرأ " خالد " الورقة بصمت ثم مط شفتيه في أسى وناول الورقة لمستشاره الخاص وهو يغمغم ولكن – ولكن هذا مبلغ كبير
ازدرد " باسم " لعابه في صعوبة ثم قال بصوت خافت :
- ولكن أنا في أمس الحاجة إلى هذا المبلغ فزوجتي في المستشفى وتحتاج إلى أجراء عملية جراحية و إن لم تقم بإجراء العملية ستموت
التفت الأستاذ " خالد " إلى مستشاره الخاص وهمس في أذنه :
- ما رأيك يا مستشاري ؟
التمعت عينا المستشار بظفر وهو يقول :
- ولكن يا " باسم " الأمور المالية والقروض ليست من اختصاص المدير العام لماذا لا تذهب إلى رئيسك المباشر المهندس " عصام " وهو الذي يقوم بتحويل طلبك إلى الشؤون المالية
هز باسم رأسه موافقا وهو يقول :
- أعلم ذلك ولكن كما تعلما الخلاف الذي بيني وبين المهندس " عصام " ولا أظنه سوف يوافق على طلبي مهما كانت الأسباب
صمت لحظة ابتلع ريقه خلالها ثم استطرد :
- في ليلة البارحة نشب بيننا خلاف كبير كنا سنقتل كلانا الآخر من أجل سببٍ تافه
نهض المستشار من مقعده ثم أخذ يربت على كتف " باسم " وارتسمت ابتسامه غادرة على شفتيه وهو يقول :
- ولماذا كل هذا الضيق ؟ سوف أسعى لكي أصلح بينكما وأزيل الخلاف
صمت لحظة ألقى خلالها نظرة ذات معنى " لخالد " ثم أردف :
- أذهب إلى بيتك واسترح وانتظر اتصال المهندس " عصام "
أطلق الأستاذ خالد ضحكة قصيرة وهو يقول :
- لقد أصبح لديك واسطة
نظر " باسم " إلى عيني المستشار مباشرة وتدور بذهنه عشرات الأسئلة :
- ترى ما الذي تخفيه داخل قلبك ؟
لم تكن يوما تعاملني هكذا !
هز " باسم " رأسه محاولاً طرد هذه الأفكار وهو يقول بعد أن مد يده لكي يصافح المستشار :
- شكراً جزيلاً ، أنا عاجز عن شكرك
تمتم المستشار بلهجة أقرب إلى السخرية :
- تشكرني على ماذا يا بني أنا لم افعل سوى الواجب .
ارتسمت ابتسامة شاحبة على شفتي " باسم " قبل أن يقول :
- أشكرك مرة أخرى سوف أنتظر مكالمة المهندس " عصام " بفارغ الصبر
أعقب جملته بخروجه من المكتب على الفور تاركاً الأستاذ " خالد " يسأل بذهول :
- ما الذي أراه ؟ ولماذا فعلت هكذا ؟
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك