بارت من

رواية وش رجعك -9

رواية وِش رجعك - غرام

رواية وش رجعك -9

تبسمت بإحراج .. وأخرجت من حقيبتي المفتاح الذي أعطتني إياه رنا في المدرسة .. ووضعته في كف أم رنا : هذا مفتاح شقة من شققنا .. والمستأجرين طلعو .. رنا قالت لنا بالي صار .. فأنا أقول دام اللحين ابو رنا بالمستشفى .. والأيام تمشي .. والمدة تخلص .. لو تنتقلون .. تعيشون فيها لين ما يفرجها الله ..
لتقول لي بوجع كبير : مشكورة يبنيتي .. ما يحتاج .. ( وحاولت وضع المفتاح بكفي لكنني رفضت ) ليش تكلفين على روحج ؟
قلت لها بابتسامة صادقة : لا كلافة ولا شي .. وبعدين احنا أهل خالة .. ومثل ما قالت فطوم الناس لبعضها ..
تبسمت بألم : طيب كم تبون الأجار ؟
قلت لها بارتباك لأنني اساسا لم أرى الشقة لأسعرها لكن .. ما دام أنها لذاك المغرور .. فلابد أن تكون واسعة .. لكن .. لابد من مبلغ يستطيعون تأمينه .. لأبتسم : والله ما ادري .. انتو شوفوها .. اذا عجبتكم .. بسأل أبوي ..
بعد عدة محاولات .. رضخت للأمر الواقع .. ودعناهم ثانية .. ودعينا لأبو رنا بالصحة .. ونحن في طريق الخروج .. استوقفنا .. أحدهم .. بهيئته ..
أجل .. كان هو .. وهو يرتدي ثوبا ناصع البياض .. وابتسامة تلتصق على ثغره .. ويحمل بيده باقة ورد كبيرة ..
==
أوقفت سيارتي بجانب المشفى .. وترجلت وأنا أحمل باقة الورد .. قصدت المصعد الكهربائي .. وصلت لحيث غرفة أبو رنا .. وما إن هممت بالدخول .. حتى انصدمت بخروج عمار .. وخلفه .. بيـــان .. والفتاة التي كانت بجانبها في المدرسة !
أجبرت نفسي على رسم الابتسامة وهمست له : عمــار ..
رمقني ثم قال : هلا عـــادل ..
مددت كفي لمصافحته : اهلين فيك ..
ليقول لي : شتسوي هني ؟
تلاشت ابتسامتي الآن .. أيعقل أنه يقرب لرنا : أزور الأهل .. وانت ؟ ما دريت ان أبو طلال يقرب لك ..
ليقول وهو يصوب عينيه إلى عيني : واللحين دريت ..
استفزني بكلماته .. استفزني بنظراته .. قلت له وأنا أود استفزازه : والي معاك ؟ يقربون لك ولة ؟؟
ضغط على أسنانه وقال بهمس : اذا صرت مسئول عني .. وقتها يحق لك تستجوبني .. ( والتفت لبيان والتي معاها ) مشينا ..
ومشوا خلفه ولم تعيراني حتى نظرة !
حاولت أن أبدو طبيعيا وطرقت الباب .. لتطل علي رنا بهيئتها الزاهية .. همست لها : رنــا ..
اقتربت مني وقالت بهمس : عادل .. شتسوي هني ؟
تبسمت لها .. اشتقت لها .. اسبوع بأكمله لم أرها .. اقتربت منها أكثر .. فابتعدت خطوتين .. مددت لها كفي بباقة الورد : لا تخافين .. جاي ازور ابوج .. إلا هو عمي ..
رأيت ابتسامتها تبهت .. ووجها الأبيض تتضح عليه علامات الاستياء : عادل والي يسلمك ..
قاطعتها وأنا أجبرها على حمل الباقة .. وبهمس : حبيبتي لا تضايقين مني .. أنا لا يمكن أأذيج ..
رأيت الدمع قد تجمهر بعينيها وضعت الباقة بين كفيها .. وتقدمت من السرير .. لأسلم على أم رنا .. وأسألها عن أحوال زوجها .. وأنا أشعر بالذنب .. فكل ما حصل لهذه العائلة .. سببه والدي ..
==
أغلقت باب السيارة والتفت لهما : صديقتكم شنو يقرب لها هـ الخايس ؟
لم تجيباني .. بل غرقتا في صمت مطبق .. صرخت عليهما : ردو ؟؟ شفيكم خرستوا ؟
لتقول بيان بضيق : واحنا شدرانا ؟ قلتها صديقتنا .. حتى لو كان يصير لها .. شعرفنا فيه ..
قلت بضيق : واللحين انتوا عرفتوا .. ما ابي أسمع انكم ترافقونها .. وخلكم بس تقطون كلامي بحر وتعاندون .. يا ويلكم ..
لتقول فطوم : عمار .. اللحين انت ليش معصب ؟ اللحين هي صديقتنا .. شدخله الي يصير لها فينا ..
قلت بعصبية : اهم شي انه يقرب لها .. يعني لا تقربون منها ..
لتقول بيان : كلامك مو منطقي .. ولا يدخل العقل ..
صرخت عليها : انتي بالذات سكتي .. ولا تتكلمين ..
لتقول بعصبية : والله عاد كيفي .. بتكلم ولا بسكت .. ويكون بعلمك .. رنا .. صديقتنا من يوم كنا باعدادي .. ومستحيل نبتعد عنها ..
أوقفت السيارة والتفت لها .. يكفيني أنني رأيته .. يكفيني الشعور بالقهر : وربي مو ناقصج .. ولا ناقص تفاهاتج .. انتي ما تهميني بشي .. الي تهمني اختي .. اذا تبين ترافقين هـ الخمة .. ابتعدي عن اختي .. فاهمة ..
استفزني صراخها : الخمة انت .. رنا أشرف منك .. على الأقل .. ما ..
لا أعلم كيف مددت كفي عليها .. لم أفق إلا بعد أن صفعتها .. لم أفق .. إلا حينما حل السكون لطرفة عين .. نتج بعده .. صوت باب السيارة ... وهو يفتح !
==
همسة : لا تجزع إذا ما ناب خطب فكم لله من لطف خفي
,
.
؟
نهاية الجـزء التاسع ..
[ 10 ]
تائهة .. ولكن .. ليس أي تيه ..
ليس في مدن حفظت شوارعها ..
ورسخ بذاكرتي أزقتها ..
فأسير مغمضة العينين ..
إنمـا ..
أنا تائهة .. في غابات كثيفة الأشجـار ..
ترتفع فيها الرطوبة ..
تزورها خيوط الشمس نادرا ..
ولا تتوقف السماء في تلك المنطقة ..
بذرف المطر ..
وكأنها .. تبكيني ..
متألم قلبها على تيهي .. وحيرتي .. وجنوني ..


ترجلت بهدوء .. وأغلقت باب السيارة بهدوء أيضا .. مشيت بجانب الشارع .. بخطوات مبعثرة .. هادئة .. ودمعي متجمهر في عيناي .. ينتظر اشارة مني ليسقط .. لكنني لن أسمح له بهذا أبــدا .. فلست أنا التي يبكيها ذاك المغرور ..
مشيت عدة خطوات .. كلا .. مشيت مسافة ما يقارب المتر أو المترين .. وأنا في حالة من الذهول والصدمة .. وأحاول استيعاب ما قاله .. وما قام بفعله ..
رفعت كفي أتحسس خذي الذي لامسه كفه الخشن .. أتحسس الحرارة التي أشعر بها .. علها تنطفئ .. وتبرد .. ولكن .. حتى وإن تلاشت .. لن تهدأ ثورة أنفاسي .. ولا ضجيج النبض بقلبي .. الذي خدش بعنف جراء صفعته تلك !
لأصحو من أفكاري على صوت هرن سيارته .. وهو يقترب مني .. لم أعره أية أهمية .. ولم ألتفت إليه .. بل واصلت مسيري .. لحيث لا أدري .. لتستوقفني فطوم وهي تحاول ضمي .. لكنني أبعدتها عني .. بنفور أحهل أسبابه : تباعدي فطوم ..
قالت لي ودمعها يجري على خديها : بيان ردي السيارة .. والله آسفة ..
قلت لها وأنا أبعدها عن طريقي : ما سويتي شي علشان تتأسفين ..
لتتكلم هذه المرة ولكن ليس معي .. مع ذاك الحقير الذي يبدو أنه خلفي : عمار ..
ليقول بصوت خشن : بتردين السيارة ولا شلون ؟
قلت له بدون أن ألتفت : ما انا رادة ..
اقترب مني .. ووقف بجانبي : كسري الشر وردي أحسن لج ..
صرخت بوجهه : كيفي .. معاك ما انا رادة ..
ليصرخ هو الآخر : غصب عليج بتركبين ..
قلت له وأنا أفرغ كومة الغضب التي تسري بدمي : ههههه .. راوني شلون بتدخلني غصبا علي يا ..
قاطعني .. حينما مد ذراعه ليجرني إليه .. لكنني ابتعدت عنه .. وأخذت أركض للأمام .. وبدأ ذاك الدمع بالجريان على وجنتاي .. وبعد دقائق معدودة .. أحاط بكفاه ذراعي لأصرخ عليه : شيل يدك .. تراني مو من بناتك الـي تلعب عليهم ..
ليصرخ بي : انطمي ..
قلت له وأنا أرفع صوتي أكثر : انت الي انطم .. ( وانتزعت يداه عني ) مرة ثانية ان لمستني بكسر يدك ..
قهقه ضاحكا : خوفتيني ماما .. ( وبحدة قال ) تراني ما بترجاج وبقولج تكفين بيان ردي .. بنتظر خمس دقايق .. رديتي السيارة رديتي .. ما رديتي .. والله العظيم بمشي وبخليج ..
قلت له وأنا أستعد للسير : ولا أنا بترجاك وبقولك ارجوك انطرني .. خذني معاك .. تحلم .. تحلم يا عمار اترجاك ..
ليقول : بيان خلي عقلج براسج وركبي السيارة .. تراني مو فاضي لعقلج التافه .. ماما .. تراني موب ميت عليج .. واذا ما ركبتي معاي بتلفظ أنفاسي الأخيرة ..
مسحت دمعي والتفت له : ارجوك عاد .. أنا الي بموت عجل .. انقلع عني .. ومثل ما قلت لك .. معاك ما بركب ..
كنت حينها متقلبة المشاعر .. لا أرغب بالذهاب معه .. فقد أهانني .. حطم كل كبريائي .. لذلك قررت أن أستعيد ولو بعضا منه بعدم الانصياع اليه .. لكنني في ذات الوقت .. كنت خائفة .. أخشى المكوث في هذا الشارع الذي أجهل اسمه حتى .. واود بالذهاب معه .. فأنا أخاف من البقاء وحدي .. ولكن .. كبريائي .. وعزة نفسي .. أبت الذهاب .. وفضلت البقاء هنا ..
أنصت لخطواته التي تبتعد .. ولشاجره مع فطوم وارغامه لها بالدخول إلى السيارة .. أنصت لصوت محرك السيارة .. وإلى صوت العجلات وهي تدفعها للأمام .. وأنصت .. بعد أن خلى المكان من عمار وفطوم .. إلى صوت قلبي .. الذي انتفض خوفا في أول دقائق البقاء بمفرده !
==
مسترخية على سريري .. أتصفح الكتب التي اشتراها لي يعقوب .. محتارة أي الكتب أولها أقرأ .. بعضها يتحدق عن الدين الإسلامي .. مقارنة بين المسيحية و الإسلام .. والبعض الآخر عن النبي محمد ( ص ) .. وأنه آخر الأنبياء .. كما أن هناك كتاب عن أصول الدين .. وكتاب آخر .. جذبني .. وهو يتحدث عن الله .. ورحمة الله .. وكيف خلق السماء والأرض .. والإنسان .. وأدلة كثيرة على ما يقال من القرآن .. الذي هو معجزة الإسلام ..
قلبت جسدي .. ورميت برأسي على الوسادة .. موقنة أنا أن الاسلام هو أفضل من المسيحية .. متأكدة من أنه دين عظيم .. وأن النبي محمد ( ص ) رجل عظيم .. وأن القرآن .. هو كتاب عظيم أيضا .. لكنني .. أرغب بأن أعتنق هذا الدين على اقتناع تام .. كي لا يهزني شيء .. لذلك قررت .. أن أقرأ أولا الكتاب الذي يتحدث عن الله .. فأنا أجهل أبسط الأشياء .. وكم هو جميل التعمق في مفرد اسم الله جل جلاله ..
تناولت الكتاب .. وفتحت الصفحة الأولى لأقرأ .. قرأت ما يقارب خمسة صفحات .. غرقت بتلك الأسطر .. لأن الشعور بالراحة كان ينتابني وأنا أتعرف على الرب الذي خلقني ..
وما أن انتهيت من الصفحة الثانية عشر .. حتى شعرت بالنعاس .. أود بالقراءة أكثر .. بالتمعن أكثر .. لكن .. فلأترك هذا لما بعد قسط من النوم أجدد به نشاطي .. لأنهض كي أخذ علبة المناديل .. سحبت منديلا .. ووضعته حيث وصلت .. لكنني تذكرت صورة والدي .. استخربتها من تحت وسادتي .. تمعنت بملامحه .. خرت دموعي على خداي .. وابتسامة ثكلى ارتسمت وسط تلك الدموع .. منذ عدة ليال وأنا لم أزر صورة أبي .. ولم أنتحبه .. ولم أشكي له حزني .. ضممت الصورة إلى صدري .. وكأنني في أحضانه .. قبلت صورته بشراهة كبيرة .. وبعدها .. وضعت الصورة لحين وصلت في ذاك الكتاب ..
لا أعلم لما استبدلت الصورة بالمنديل .. ربما .. لكي أشعر بقربه .. وأتشجع أكثر بلإقدام على خطوة اعتناق الإسلام ..
==
فرغت من الصلاة .. قرأت صفحتين من كتاب الله كما أفعل يوميا .. وما إن أغلقت القرآن .. حتى سمعت صوته خلفي : تقبل الله ..
بعد أن قبلت القرآن قلت له : منا ومنك ..
ليقول وهو يقترب مني : اليوم معزومين على العشا في بيت عمي ..
تبسمت له : اوكي .. ببدل الجهال .. وبجهز .. وبعدها بنروح ..
جلس على طرف السرير : ما بتقولين لي شنو هي المناسبة ؟
خلعت احرامي وقلت وأنا أطويه : بيت عمك ما يحتاج نروح بمناسبة ..
ليبتسم لي : بس هـ المرة مناسبة ..
وضعت احرامي وسط المصلاة .. قبلت المسباح : وشنو هي ؟
ليقول : حسن راد من الأردن ..
رفعت رأسي بابتسامة : اوه .. مبروك .. الحمد لله على سلامته ..
تبسم ثانية : الله يسلمج ..
قلت له وأنا أحمل مصلاتي : ما دريت ؟ عن قريب بصير خالة ..
اتسعت ابتسامته : وبصير عم ؟
ضحكت له : اييي .. جهاد حامل ..
[ عيسى : 34 سنة ]
==
أغلقت باب السيارة وأنا أصرخ : بسج فطوم .. والله عورتين راسي ..
قالت لي وهي تبكي : انت ما عندك قلب .. شلون خليتها بروحها هناك ؟ بيان تخاف وما تعرف تصرف ..
دخلت داخل المنزل : شتبيني أسوي يعني ؟ أجرها من شعرها وأدخلها السيارة ؟ هي الي شايفة روحها ما ادري على شتو .
لتقول : انت غلطت عليها .. وزيادة بعد صفعتها .. وتبيها تظل؟ بدل ما تروح تستسمح منها .. تركتها بروحها ( وزاد صوت انتحابها ) والله اذا صار في بيون شي ما بسامحك ..
تركتني وغادرت .. تركتني لوحدي مع تأنيب الضمير القاتل .. وخوفي الكبير على تلك الانسانة التي أمقتها وأحمل لها بداخلي المحبة بنفس الوقت ..
لا أعلم ماذا أفعل .. لا أعلم كيف أتصرف .. لكن .. الشيء الذي يريحني أن هاتفها معها .. وستتصل لمحمود لأخذها .. فليرحمها ربي .. ويعفو عني ..
==
لكن الشيء الذي لا يعرفه عمار .. أن حقيبة بيان تركتها بسيارته .. وهاهي تمشي بالشارع على غير هدى .. متجردة من كل وسائل الاتصال .. فلا هاتف معها ولا نقود لكي تتصل من هاتف عام ..
وأسدل الليل ستاره .. وصاحبتنا جلست على الرصيف .. مرهقة من السير .. الدمع يغطي خديها .. ويحجب عينيها الشفافتين الرؤية .. بكت بصمت .. وتركت الضجة في قلبها .. حيث الخوف الذي ينتهش لحمها قطعة قطعة .. وينخر عضامها بلا رحمة ..
لترفع رأسها بعدما أحست بأن سيارة توقفت بمقربة منها .. كم كانت تتمنى أن يكون عمـار .. كم كان الأمل بأنه لم يتركها ولم يبتعد عن المكان .. لكن .. ليس كل ما يُتَمنَى يتحقق .. فكان الواقف أمامها رجلا .. تراه للولهة الأولى ..
زادت وتيرة الخوف ضعفين .. وانتفضت أعضائها برجفة ضاهرة للعيان .. وانسكبت تلك الدموع من عينيها من دون أي استحياء .. لتهدأ قليلا حينما سمعت صوته وهو يقول لها : لا تخافين .. ما بسوي فيج شي أنا ..
نكست رأسها .. واحتضن ذاك الرأس ركبتيها .. ليترفع مستوى بكائها .. وترفع رأسها بحذر شديد حينما أحست بقربه منها .. فقد دنى منها واتكأ على ركبتيه : شفيج هني بروحج ؟ ضايعة ؟
قالت له وهي ترجف : أبي تلفون ..
تبسم لها لكي يطمئنها : ما طلبتي شي ..
استخرج هاتفه المحمول من جيب سترته .. ومد كفه لها : تفضلي ..
تناولت الهاتف .. وضغطت على الأزرار رقم هاتف محمود .. وبعد عدة رنين .. وصلها صوته : ألو ؟
ليتسلل لها الأمان الذي تفتقده : محمود .. تعال لي ..
يبدو أن قلبه سيتوقف عن النبض .. وسيصل لمرحلة الإختناق .. لمجرد أن سمع صوتها الباكي .. فقد لمس الخوف منه : بيان ؟ وييينج فيه ؟
قالت له وهي تشهق : أنا في الشارع ..
ارتبكت دقات قلبه : في أي شارع ؟ وشنو تسوين بالشارع ؟
رفعت عينيها الحائرتين الدامعتين إلى الرجل الواقف أمامها : شنو اسمه الشارع ؟
قال لها وهو يبتسم : شارع .....
لتقول : شارع ....... محمود .. تعالي بسرعة .. أنا بموت من الخوف ..
[ حسن : 23 سنة ]
==
تحرك إلى شارع .......... بسرعة ..
ليقول لي بخوف : محمود علامك ؟ بيان شفيها ؟
قلت له وأتا مرتبك : ما ادري ما ادري .. مش بسرعة .. بيان بروحها ..
ليقول باستغراب : شنو تسوي على الشارع بروحها ؟
قلت لها وأنا أضع كفاي على رأسي : أحمد ما ادري أنا عن شي .. بعدين بجاوبك ..
قال لي : طيب صل على النبي .. اذكر الله علشان تهدأ ..
ردتت اسم الله بسريرتي .. صليت على محمد وآل محمد .. واجتاحني بعض الهدوء المؤقت .. وأنا أتسائل .. عن السبب الذي دفع بيان إلى البقاء في الشارع لوحدها .. متأكد أنها كانت برفقة عمار وفطوم .. قسما إن حدث لها مكروه .. لن يلقى خيرا هذا الـ عمار !
وصلنا إلى الشارع بعد عشر دقائق .. ترجلت بسرعة كبير .. ورأيتها جالسة على الرصيف .. وسيارة متوقفة جانبها .. وفيها رجل يتحدث بهاتفه !
لم أعره أية أهمية .. وهرولت ناحيتها .. وقلبي ينتفض وجعا على حالها الذي يثير كل ذرات جنوني .. ناديتها بهمس حنون : بيـان ..
رفعت رأسها .. وليتها لم ترفعه .. فرغم ظلمة الليل .. إلا أنني رأيت عينيها المحمرتين من دون أي صعوبة .. ووجها المصفر .. وملامحها الذابلة .. الخالية من المشاعر عدى الخوف والرهبة الشديدة ..
ضممتها إلي .. وأخذت تبكي في أحضاني بصوت مرتفع .. جعلني أفقد عقلي .. قلت لها بنفس ذاك الحنان : بيونتي خلاص .. هدي روحج .. وفهميني الي صار ..
تشبثت في أكثر : محمود أنا خايفة .. لا تروح عني ..
قبلت رأسها .. ومسحت رذاذ دمعها : لا تخافين .. الله معاج .. وآنا معاج ..
قالت لي وجسدها يرتعش : لا تخليني ..
حوطت بذراعي جسدها .. ووضعت رأسها على صدري .. صليت على محمد وآل محمد .. وهمست بالمعوذتين .. قمت بما قمت به .. وأنا أستذكر ما كان يفعل والدي .. حينما تستيقظ بيان فزعة من نومها .. رحمك الله يا أبي .. اعذرني لأنني تركتها وحدها .. لن أسامح نفسي إن حدث لها شيء ..
أجلستها في المقعد الخلفي .. وجلست بجوارها .. وقلت لها بهمس : هدأتي ..
==
أغلقت باب سيارتي .. ومشيت قاصدا المنزل .. وأنا أفكر بتلك الفتاة الصغيرة .. وما حدث لها .. لا أعلم لما أوقفت السيارة حينما رأيتها .. ولا أعلم ما هو سبب تعلقي بعينيها المحمرتين ..
ليقطع علي خلوتي بأفكاري صوت رنين هاتفي .. وضغطت زر الرد حينما رأيت اسم صفاء ينير الشاشة : هلا صفاء ..
قالت لي بفوضوية : بحسب للثلاثة .. اذا مجييت بقفل الباب وما كو دخلة البيت ..
ضحكت بخفة : جى أحد من المعزومين ؟
قالت : ولا يكون تنتظر أول شي يجون الناس بعدين تجي ؟ ما صارت هذي صلاة ؟ حتى الي يقفل المسجد يمكن رد بيتهم ..
قلت لها وأنا اضحك : أنا في الطريق .. عشر دقايق وأنا في البيت ..
لتقول : يا ويييلك انت تأخرت أكثر من عشر دقايق ..
تبسمت : ان شاء الله عمتي صفاء ..
وصلتني ضحكتها الرنانة المليئة بالحيوية : ايي .. عفية عليك .. فدييته وليدي المأدب ..
ضحكت : أقول .. قلبي وجهج ..
أغلقت هاتفي .. وأنا أكتفي بابتسامة .. فالسعادة تغمر قلبي .. وكيف لا .. وأنا بلأمس توا عدت إلى أحضان الوطن .. وهذه صفاء التي أضنكم تعرفتم عليها من قبل .. هي أختي الصغيرة .. والليلة .. ستجتمع عائلتنا على العشاء .. بعد أن عزمهم والدي .. بمناسبة عودتي للديار .. قبل أن أسافر ثانية بعد عشرة أيام ..
==
أما أنا .. فلا تسألوني عني .. فأنا أجهل كل شيء عن حالي وشعوري .. فتأنيب الضمير يلاحقني .. وحرقة بقلبي تدفعني للجنون ..
خرجت من غرفتي .. وأغلقت الباب بقوة .. وبسرعة مررت الدرج .. الصالة .. تحت عيني والدتي المذهولة .. فتحت سيارتي .. وأغلقت بابها بقوة أيضا .. وتحركت لحيث تركتها .. وقلبي يشتعل نارا .. ودمعا أجهل سببه .. لمع في عيني ..
وصلت لحيث كانت .. لم أرها .. مشيت يمينيا .. أماما .. يسارا .. وكأنها ابرة في قش .. اختفت .. لأفزع من رنين الهاتف .. أخرجت هاتفي من جيبي .. لكنه لا يرن .. إذا من أين يأتي هذا الرنين ؟ التفت للخلف .. وانصعقت .. حينما رأيت حقيبتها .. يا رباه .. كيف فعلت هذا بها ؟ كيف تركتها وحدها ؟ وحتى هاتفها هنا ؟ بسيارتي !
قصدت منزلها من دون أي تفكير .. ترجلت بسرعة .. وطرقت الجرس .. ليظهر لي علي .. وملامحه تدل على الاستياء همست له : بيان هني ؟
قال لي بضيق : اييي .. ارتحت اللحين ؟
قلت له بوجع : أنا اسف .. ما كان قصدي ..
لم أكمل حديثي لأن محمود خرج من الدار .. خرج لي وعلامات الغضب واضحة على ملامحه .. وما إن رآني حتى انقض علي .. وسحبني من بلوزتي : تبيني أذبحك ؟
لا أستطيع أن أتفوه بحرف .. أشعر بالخرس .. أشعر بأن لا صوت لدي .. ليكمل : ما تكلم ؟ شتبيني أسوي فيك ؟
نكست نضري للأرض .. فمحمود أكبر من أن يمد كفاه ويرفعني بهذا الشكل .. لكنني أخطأت : أنا اسف ..
ترك بلوزتي وقال بغضب : وفي وين أصرفها ؟ اصلا انت ليش جاي اللحين ؟ جاي علشان أغلط عليك ؟
قلت له بتعلثم : محمود أنا ..
صرخ بي : انت شنو ؟ انت واحد ما عندك أي ذرة احساس بلمسؤلية .. اختي معاك أمانة .. لو ما أثق فيك ما خليتها تركب معاك .. جذي تسوي فيها ؟
بألم أجبت : بس هي ما رضت تجي ..
قال بنفس تلك النبرة : وحتى لو ما رضت .. تتركها وتروح ؟ يعني لو فطوم صارلك معاها نفس الموقف .. بتخليها ؟
لم أجبه .. وماذا عساني أقول .. ليقول : ما تجاوب ؟ بتخليها ؟ أكيييد لا .. لأنها اختك .. وعزيزة عليك .. وما تقدر تتخيلها بروحها بمكان ما تعرفعه .. بس بيان .. مو اختك .. وما يفرق معاك اذا صار فيها شي ولة لا ..
قلت له وقلبي يتوجع : مو صحيح كلامك .. وربي اني أعز بيان .. بس هي الله يهديها .. أنا كنت معصب وهي تستفزني ..
قهقه ساخرا : مبين انك تعزها .. والدليل .. جيتك اللحين تسأل عنها بعد سواتك ..
قلت له بعينين يملأهما الندم والخجل والألم : محمود تكفي .. لا تعذبني أكثر ..
ليقول بهدوء : عمار هذي اختي .. أمانة برقبتي .. اذا صار فيها شي .. وين أودي وجهي من أبوي ؟ شنو أقول لأبوي يوم القيامة ؟ أقوله آسف .. ما قدرت أحافظ على الأمانة ؟
نكست رأسي : أنا اسف .. والله آسف .. ابيك تسامحني .. وربي اني متفشل .. وما ادري وين أودي وجهي ..
تبسم لي .. رغم أنه مقهور .. رغم أن له الحق في أن يفعل بي ما يشاء إلا أن محمود أكبر من هذا كله .. محمود .. ماذا أقول عن محمود ؟
دنى مني .. وهمس : لا تخلي بخاطرك علي .. ( وضع كفه على كتفي ) وربي غصب عني ..
أجبرت نفسي على أن ابتسم .. رغم أنني المخطأ .. رغم أنني المسيء .. إلا أنه يجعلني أستصغر نفسي .. وأحقرها .. بعفوه .. وبقبوله لإعتذاري ..
==
كنت جالسة وابتسامة عالقة على فمي أنظر إلى طفلة ضياء .. وهي تحاول أن تمشي لكنها تسقط .. وتحاول ثانية .. وبعدها تخطو خطوتين وتتعثر .. ضحكت بخفة .. ورفعتها من على الأرض واللتفت لضياء : اتمنى ان الي ببطني بنت .. وتشبه بنتوتج مريومة ..
ابتسمت لي : ان شاء الله .. الله يرزقج على نيتج ..
وأخذنا نتبادل بعض الأحاديث .. لحين أن أتت صفاء وجلست بجانبنا .. وأخذت مريم قرصت خديها .. وما إن عبست .. استعدادا للبكاء .. قبلتهما .. وأخذت تدغدغها بمرح : يا ربي .. أموت عليها ..
ضحكت ضياء : وأنا بموت منها .. مطفشتني هي ووخواتها ..
تبسمت صفاء : ضياء شرايج تسلفيني اياهم في الإجازة ؟ بترتاحين منهم صدقيني ..
ضحكت ثانية : لا حبيبتي .. ما اقدر استغنى عنهم .. وشدراج .. يمكن في هـ الاجازة يجييج ولد الحلال .. ويونسج عن بروحج ..
ضحكت صفاء : من بؤج لباب السما .. وربي ملييت .. محد وياي .. وحسن اذا رد البحرين .. كل مع ربعه .. ما يقعد بالبيت دقيقة وحدة ..
لأبتسم أنا : شنو بتدرسين بالمستقبل ؟
لتقول : صيدلة .. خاطري فيها واجد ..
لتقول ضياء : ناوية تدرسين برى ؟
ابتسمت بسعادة : اييي .. أقول لأمي علشان تحسوون بقيمتي .. بس اتمنى وحدة من ربعي يروحون معاي .. لكن كلهم تجاري ..
قلت لها : بس اذا مو بعثة .. على حساب الطالب .. عادي يدرس شي مال علمي اذا كان توحيد ..
لتقول : اييي .. بس من يحسرة ؟ فطوم اختج أشطر وحدة فينا .. وتقول مو خاطرها في الطب بتدرس بزنز .. اللحين نسبة فوق آخرتها بزنز ؟
تبسمت لها : وبيان ؟
لتقول : بيان .. ( ضحكت ) بيان أنا غاسلة يدي منها .. ذاك اليوم أسألها تقولي لكل حادث حديث .. ضاربة الدنيا جوتي هـ البنية ..
==
طلت خيوط الشمس .. وشيئا فشيئا امتلأت السماء حمرة .. واكتست بثوب النور ..
هناك .. حيث فطوم .. كانت جالسة في الفصل تجييب على أسئلة الامتحان وذهنها شارد بالتفكير في بيان التي تغيبت اليوم عن حضور المدرسة .. وكيف تأتي ؟ واليوم علينا امتحان منتصف الفصل .. ولا أضنها ذاكرت شيئا .. فأنا عن نفسي لم يدخل بعقلي المغلق شيء مما درسته .. فكيف بها ؟
أكملت حل الأسئلة .. ووصعت رأسي على الطاولة .. أفكر بها .. بما حصل لها .. أشعر بكل الذنب .. رغم أن لا ذنب لي .. لا أعلم لا أعلم .. لكن .. وجه عمار وهو عائد بلأمس لا يفارقني .. كان وجهه خاليا من الألوان .. كان شاحبا .. كان مهموما .. كان خجلا .. يبدو أن محمود عنفه .. وقال له ما يستحقه .. فمن هو لكي يقوم بما قام به .. ألا يكفيه أنه مد كفه عليها .. أيتركها وحدها هناك ؟
على صوت رنين الجرس .. رفعت رأسي .. وسلمت ورقتي إلى المعلمة .. وخرجت من الفصل .. قصدت صف رنا .. الذي بجانبنا .. تبسمت لها .. وخرجنا قاصدين صفاء : وينها بيون ؟
قلت لها بحزن كبير : غايبة ..
لتقول بخوف : ليش ؟ شفيها ؟
قلت لها وأنا أخفي الحقيقة : تقول تعبانة وما لها زاغر تذاكر ..
نكست رأسها بألم : كل مني ..
مسكت كفها : شنو منج ؟ انتي ما سويتي شي ..
لتقول : عجل ليش ما جت ؟
تبسمت لها باطمئنان : لا تخافين عليها .. تعرفين بيون .. دلوعة وعيارة ..
وبعد هذا الحديث وصلنا لصفاء التي خرجت من الفصل والدمعة في عينيها : ما سويت زين .. أمس الأمة العربية متجمعة في بيتنا وما درست ..
تبسمت لها : تستاهلين .. محد قالج لا تدرسين ..
لتقول : وين أدرس ؟ بيتنا مليان بالعائلة .. وحالة وازعاج ..
تبسمت : ليش ؟ أخوج رجع ؟
لتقول بسعادة : اييي .. ما قلت لج ؟ حسن رجع ..
لتقول رنا : الحمد لله على سلامته ..
وما إن جلسنا على الأرض حى قالت صفاء : أمس خواتج كانو موجودين في بيتنا .. ليش ما جيتي معاهم ..
ضحكت عليها : وأنا ليش أجي ؟ خواتي أزواجهم ولاد عمج ..
لتقول : عجيييب لة .. اختين ياخذون أخوين .. لوزين عندي اخت كان أعطيها حمي ..
ضحكنا معا أنا ورنا .. لتأتي دعاء وهي عابسة : يالخاينين .. ليش نزلتون عني .. آنا كأني مجنونة .. أدوركم من مكان لمكان ..
لتقول رنا : سوري حبوبة .. الخطأ من فطوم .. إلي انتي وياها في صف وما أخذتج وياها ..
لتلتفت لي بنظرات نارية .. رفعت يداي باستسلام : استسلم .. المفروض انتي تعذريني .. لان بالي مو معي .. وبيان غايبة ..
لتقول صفاء : بيان غايبة ؟ وآنا احسبها راحت تشتري لنا ..
لتقول دعاء : ايي .. لها وحشة الكريهة .. اليوم حصة العرب هدوء بدونها ..
تبسمت بحزن : ايي .. الصف مو حلو بدونها ..
لتقول صفاء : انزين اللحين أيام امتحانات .. ليش هي غايبة ؟
قلت لها : تقول تعبانة وما قدرت تراجع ..
==
رفعت نظري لمحمود بعد أن خرجت بيان من الغرفة : شفيها اختك ؟
قال لي وهو يفتح الباب : تعبانة من الي صار أمس ..
ابتسمت في وجهه لمواساته : باين عليها واجد تخاف .. حاولو تعالجون فيها هـ الشي .. ترى هذا الشي موب زين .. ويسبب لأمراض ثانية ..
ابتسم بخفة : امي واجد تحاول معاها .. بس هي الله يهديها .. الليلة الي ما تتمسح فيها قبل النوم .. أو تخلي صوبها قرآن .. يعني كلنا نقعد الصبح على صياحها .. ( لوح بكفه لي ) أخليك اللحين .. باخذها البيت وبمر الشغل .. تأخرت عليهم ..
ابتسمت له ثانية : الله معاك ..
ما إن غادر .. حتى أطلقت زفرة كنت أخفيها في صدري .. لا أعلم ما الذي حدث لها .. ولما أساسا كانت وحدها .. ولا أعلم .. سببا لذاك الخوف الذي لمحته في عينيها .. فمنذ الأمس .. وعينيها لم تفارق بصيرتي ..
توقفت عن التفكير بها .. وناديت باسم المريض التالي .. عليّ أتناسى طيفها برهة من زمن ..
==
حل المساء .. وأنا واقف بسيارتي قريبا من منزلها .. كم اشتقت لها .. مضى وقت على آخر لقاء بيننا .. ليتني أراها الآن وأكحل عيني بالنظر لها ..
يبدو .. أنه ملك مر حينما دعى هذا الدعاء في سريرته .. فقد أتت .. ولكن .. ليس بمفردها .. بل مع شخص يعرفه .. من ؟ يعقوب ؟
فتحت النافذة التي بجانبي .. ورأيتها تترجل من سيارته .. وهي تبتسم .. لوحت له بيدها .. وهي تحمل ملفا أزرق اللون .. وابتعد .. واتجهت هي ناحية الباب ..
الحقيرة .. الخائنة الصغيرة .. تخونني .. وتستغبيني .. ولا ترغب بقربي .. وتذهب لصديق عمري ؟!
نزلت من سيارتي .. مشيت خلفها وصرخت عليها بجنون : منتهـــــــى !
التفت إلي وابتسامتها تلك ولت : مـازن ؟
اقتربت منها وقلت لها بهمس وأنا أستشيط غضبا : من هذا ؟ وشنو تسوين معاه ؟ ما دورتين إلا يعقوب يالخاينة ..
رأيت الصدمة واضحة على ملامحها : انت شنو تقول ؟ وشنو عرفك بيعقوب ؟
رصصت على أسناني وقلبي ينزف : هذا رفيقي ..
وضعت كفها على فمها تخفي شهقة ضاهرة وقالت : رفيقك ؟ ( هزت رأسها بعدم تصديق ) ما أصدق ..
ارتفع مستوى صوتي : انتي مو وجه أحد يثق بكلامج .. أنا اللحين بروح لعمج وبخليه ينادي الشيخ ويملج علينا ..
لتقول والدمع بدأ باللمعان في عينيها : انت مو فاهم شي ..
قلت لها وصوتي يعلو أكثر : كل شي واضح وضوح الشمس ..
==
مستلقية وسط كتبي ودفاتري على أرضية غرفتي .. أذاكر لامتحان الغد .. وهاتفي بجانبي .. أنتظره يضيء باسم فطوم .. فقد اتصلت بي رنا وصفاء ودعاء .. ولم يبقى إلا هي .. مشتاقة إليها أنا .. لكن .. لا أعرف كيف سأكلمها .. أشعر بالخجل منها ..
انقلبت على ظهري .. ووضعت الكتاب على وجهي .. أغمضت عيناي .. وأنا أحاول حفظ الجملة التي كررتها للمرة العاشرة .. وتفكيري شارد بها .. وربما لأنني كنت في غمرة التفكير .. لم أنتبه .. لصوت الباب .. ولا لصوت خطواتها الناعمة ..
فقد فتحت عيناي حينما شعرت بأن أحدا ما رفع الكتاب من على وجهي .. وكانت هي .. وابتسامتها المميزة مرسومة على ثغرها .. نهضت من على الأرض .. وضممتها إلي .. وما إن ابتعدنا عن بعضنا .. ضحكنا معا .. وقلت لها : وحشتييني ..
تبسمت : وانتي اكثر يالكريهة .. هذي آخر مرة لج تغيبين ..
اتسعت ابتسامتي : تمللتين بروحج ؟
لتقول لي : بداية الحصص ايي .. وبعدين دعاء جت قعدت مكانج ..
عبست : مالت عليها .. المفروض تخليييج بروحج علشان تحسييين بقيمتي ..
ضحكت : أفا عليج .. أنا أحس فيج وأحبج واشتاق لج وأوله عليج وبعد كل شي بدون أي شي ..
لمع الدمع بعيناي : تسلمييييين والله .. رجعتين لي الثقة بنفسي ..
ضحكت ثانية : المهم قولي لي شسويتين .. وشخبارج ؟
قلت لها وأنا ابتسم : اذا على الي صار أمس .. لا تذكريني .. أحاول أنسى .. لأن ( أخذت ذراعها ووضعت كفها على قلبي ) هذا تعب من الدق بسرعة .. وعيوني ما عاد فيها دموع ..
تبسمت بألم : بيان سامحتيني ؟
قاطعتها : اششش .. انتي مالج ذنب .. كل شي سببه أخوج التافه .. كان ودي أخلي للي يسويه معاي حد .. ويمكن كنت أفكر أتراجع .. لكن بعد الي صار امس .. مستحيل .. وربي بيندم ..
تبسمت إلي : ما بقولج لا .. يستاهل صراحة .. لو أنا منج .. أخلي محمود يضربه ضرب ..
ضحكت : محمود عاد ؟ لو علاوي يمكن .. بس محمود .. زين منه صف كم كلمة على بعض ..
قاطعتني وهي تضحك : فديييته والله .. حبوب .. وقلبه طيب ..
ضحكت وأنا أقول : ما قلت لج .. أمس قاعدة أقول لمحمود ياخذج علشان تصيرين معاي على طول في البيت ..
احمرت وجنتاها : يا حماااااااارة ..
ارتفعت صوت ضحكاتي : تدرين شنو قال ؟ ان يعقوب خالج في باله .. وانج اخته مثلي .. ههههههههههه
قالت وهي تضحك بخفة : احم .. حتى أخوج اكتشف نوايا يعقوب ..
قلت لها : وفي أحد ما يعرف ؟ بعد شتبين .. واحد رومانسي وعيونه فاضحته .. تعالي .. هيثم تزوج ولة لا .. أنا ابيييه .. خلااص ..
ضحكت : والله ما ادري .. من سنين ما شفته لا هو ولا عهود ..
==
خرجت من غرفتي وأنا في أبهى شكل وأنا أضع هاتفي في حقيبتي الصفراء .. جلست على الكنبة .. أنتظر قدوم طارق وأميرة .. ليطل طارق .. وهو يرتدي ثوبا ناصع البياض .. وعلى شفتيه ابتسامة .. أذابت قلبي ..
ابتسمت له بالمثل .. ولم أنكس نضري .. سأنظر إليه .. سأضع عيناي في عينيه .. لن أخجل .. سأدافع عن حبي .. ولن أدعى مشاعري تموت .. فلأبد الحرب .. وسنرى .. من ستنتصر .. أنا .. أم أميرة ..
جلس بجانبي .. وقال لي وهو ما زال مبتسم : شهـ الكشخة ؟
اتسعت ابتسامتي : عن جد ؟ أعجبك ؟
ضحك بخفة وهو لم يرفع عينيه عني : الصراحة .. ما عليج كلام .. تهبلين بلأصفر ..
نكست رأسي خجلا : وانت بعد شحلاتك بالثوب ..
ضحك ثانية .. وشعرت بأن نظراته اتجهت لمكان آخر .. أجل .. فقد أتت منافستي وهي ترتدي ملابس باللونين الأبيض والزهري .. نهض من مكانه لها .. وطوق بذراعه ظهرها .. قبل خدها .. وهمس لها بعض الكلم .. ضحكت عليه .. وابتسمت إلي : يالله منوي .. مشينا ..
هززت رأسي بإيجاب .. ومشيت خلفهما .. وأنا أراها يغطي شعرها الذي يخرج من أسفل شالها الأبيض .. مهلا .. هي لم تكن ترتدي الحجاب .. وهو من طلب منها ذلك فارتده .. لما لا أرتديه .. ربما كان هذا السلاح المناسب .. لاستماله قلبه و .. اغراءه !

يتبع ,,,,,

👇👇👇
تعليقات