رواية وش رجعك -37
في ليلة الجمعة ... في منزل أبـــا محمــود رحمه الله .. الأضواء كلها مضاءة .. البيت يكتض بالناس .. فلنقترب قليلا .. وندخل من بين الزحام .. إلى أم محمود وهي تدور بالمبخر .. وهي تمسح دمعها .. فالليلة .. وقبل دقائق فقط .. تم عقـــد قران ابنتها ... وفلذة كبدها ليس موجــودا .. ســـاعد الله قلبكِ أم محمـــود ..
فلنقترب أكثر .. وندخـــل إلى تلك الغرفة .. المزينة بالزينة .. مصابيح الزينة .. أقمشة خضراء تغطي الجدران .. سفرة عجم تتوسط الغرفة .. عليها مالذ وطــاب من الحــلوى .. وفي بداية السفرة .. يوجد مرآة كبيرة .. بجانبها قرآن كبير .. حوله الشموع .. كل هذا أمام بيــــان .. الجالسة .. بكامل زينتها وأناقتها .. ترتدي فستانا فخما ألوانه بين درجات الأزرق .. ويطوق عنقها عقــد بسيط .. يتضاد مع فخامة الفستـــان ..
تمسك كف فطوم ... وتقول بخوف : فطوم آنا خايفة ..
تبسمت لها : من شنو خايفة ؟ صدقيني ما بياكلج .. بجي اذا طلعو النــاس .. كلها كم ساعة وبيطلع .. لازم تتعودين عليه .. خلاص هو صار خطيبج ..
لتقول بيان : انزين بشوفني جذي ؟ على الأقل ألبس عباتي .. كل منج خليتيني أفصل لي فستان جذي ..
لتجيبها : عجل تبين أكمام طويلة ؟ بيان شفيج ؟
سكتت قليلا ثم قالت : ما ادري .. بس أحس فشلة .. ومنتهى طرشت مسج ما بتجي ..
لتقول فطوم : لا تسوين روحج خايفة قولي مضايقة .. بيان ! لين متى ؟ بس لة .. انتي اللحين صرتين له ومنتهى الله يوفقها مع زوجها ..
لتجيب بضيق : ما ادري ما ادري .. أحس روحي متخربطة ..
تبسمت وهي تقبلها : انتي هدي أعصابج .. وتجاهلي كل شي .. انسي حتى انه بجي بعد شوي .. تبين أجيب لج شي من السفرة تكالينه ؟
لتقول : لا .. مو مشتهية .. وينها دعوي ورنا وصفاء ؟ للحين ما جو !
ليدخل الثلاثة معا : مرحبـــا ..
ابتسمت : مرااحب .. كان لا جييتون ..
باركو لها وجلسو بجانبها .. وقالت دعاء : انا ورنوي تأخرنا بالصالون .. ولما وصلنا حضرتها صفاء مو راضية تفصخ عباتها وشالها تقول تستحي ! وصار لنا مدة نقنعها لين ما رصت ..
رمقتها : تستحين ها ! تعالي أصفعج ...
لتقول صفاء لدعاء : وانتي ما تعرفين تسكرين فمج ؟
ضحكت دعاء : لا ...
لتقول رنا : صايرة حلوة بيييون ..
تبسمت : اصلا أنا دايما حلوة بس انتو ما تشوفون ..
فقالت دعاء : لا .. توج اليوم .. لأن الله يسلمج لما انملجتي على أخوي .. دمي دخل بعروقج يعني تعرفين مرت أخوي .. واتبرعت لج ببعض الي عندي ..
لتقول صفاء : لا ماما .. هذا لأني جيييت وجودي بركة فتعرفين يعني دعيت ربي تحلوين بعد أخاف يضنون إني العروس وبشاري ما يرضى ..
رمقتهم : بشاري ما يرضى .. مالت عليكم بس .. فطوم شوفيهم ..
لتقول فطوم : يلله انتو سكتوا .. بياان اللحين صارت سيدة ما يحق لكم تغلطون علبها ..
تبسمت بسعادة : احم احم .. فديت اختي الي تدافع عني ..
لتقول رنا : انزين اللحين أنا شقلت ؟ جزات خيري أقولج حلوة ؟
فقالت بيان : ما قلتين شي جديد هههه ..
وهكذا استمر حوارهم ... لحين أن تحرك عقرب الساعة وجثى على الحادية عشر .. تفرق الجمع .. ودعها بعضهم .. وظلت دعاء وفطوم ....
لكن .. حينما اتصل أحمد بأنه سيأتي .. ذهبت فطوم لتعين الآخرين على ترتيب وتنظيف المكــان .. وخرجت دعاء تدعو أحمـــدا للدخـــول .....
[ أحمـــد ]
كنت أرتدي ثوبا اماراتيا وحمدانية ... وأحمل بكفي اليمنى المسبحة .. والكف الأخرى كيسا به هدية لها .. ثوان .. وأنا أقف خلف الباب .. فتحت دعاء الباب .. سميت باسم الله .. وخطوت الخطوة الأولى .. وحينما خطوت الثانية رفعت نظري لها .. فكانت واقفة .. و " مشمر " مزخرف أزرق اللون يغطيها .. اقتربت منها .. ورفعت ذاك المشمر .. كانت منكسة رأسها .. لكن هذا لم يمنعني عن أن أرفع وجهها بكفي .. وأجبر عينيها الشفافتين أن تلتقي بعيناي المليئتين بالإعجـــاب ..
لم أتوقع أنني سأجدها هكذا .. أشبه بوردة زرقاء في بستان أخضر .. ابتسمت بصدق .. وأحاسيس تلك الإبتسامة كانت مختلفة .. كثيرة .. متعددة .. قبلت ما بين عينيها .. ثم مددت لها كفي لمصافحتها وأنا أهمس : مبروك يالغالية ..
مدت كفها وهي ترجف .. وحينما احتضنت كفي كفها الصغيرة .. رأيتها باردة .. فأخذت أدلكها بكفاي .. علها تدفأ .. لتنظر نحوي مستغربة .. نظراتها هذه .. تعجبني .. كأنها طفل بريء بعينيه أجد الحيرة ..
اتسعت ابتسامتي .. وطلبت منها الجلوس .. جلسنا بجانب بعضنا ... ليبارك لنا زوجات أبي .. والدتها .. خالاتها .. ولا أنسى جدتها التي جاءت .. واحتضنتها .. ثم وضعت كفها بكفي وقالت لي : هذي وردة البيت .. تحمل بها .. اسقيها .. ولا تخليها تذبل ..
تبسمت بصدق : ما يوصون الشخص على عيونه .. لأن بدونها يشوف كل شي أسود ..
ولم أغفل أنها كانت طول الوقت تنظر إلى والدتها التي عينيها متلألأتين بالدمع .. فنهضت قاصدا أمها .. قبلت رأسها وقلت لها بصدق : اتمنى تعتبريني من اليوم ولدج .. أنا قبل ما أكون زوج بنتج كنت أعزج وأتمنى تكونين أمي الله يرحمها .. وودي أقولج يمه ...
ربتت على كتفي ولألأت الدمع زادت : الله يخليك .. انت ولدي .. مو انت صديق محمود الله يرجعه سالم ان شاء الله .. مو محمود يقول إنك أخوه .. بس ما اوصيك على بيان .. تراها دلوعتنا ..
قبلت رأسها مرة ثانية : ما توصين حريص ان شاء الله ...
\
[ بيــــان ]
ماذا يريد مني هو ؟! ماذا يريـــــد أن يفعل بقلبي ؟!
ألا يكفيه أنه استحــوذ على كل خلايا عقلي وقلبي وتفكيري .. فبت أهلوس به ؟!
ألا يكفيه أنني بت أدمنته لدرجة أنني لا أطيق أن يغيب عن ناظري ؟!
ماذا يود أكثر ؟!
أليس قلبي هدية كافية ؟!
يبدو أنه لن يتوقف عن هذا .. إلا حين أن أفنى في مدرسة عشقه ..
هذا .. وكـــله مدرسة ... فماذا سيفعل بي إن درست حبه دراسات عليا ؟!!
ربمــــا سأكون بروفسورة في علم [ العشـــــق ]
" أحبـــــــك أحمــــــــــد "
.
.
هذا ما جاب بخاطري وأنا أراه يحادث أمي .. فمنذ أن دخل إلى هنـــا .. وقلبي لم يهدأ نبضه .. كم أجهل كيف يستطيع بابتسامته إثارة عواطفي .. وبقبلة منه أن يهيج عواصف وجدٍ حـــاولت التكتم عليه .. يبدو أنني أعجـــز من أن أحتمل حمل كل هذا الحـــب .....
بعدما خرج الجميع .. أخذ قطعتين حلوى .. وأتى وجلس بجانبي .. تبسم وهو يفتح القطعة الأولى : شكلها حلوة ..
قلت لها برجفة : عليك بالعافية ..
تناول نصفها ومد كفه بالنصف الآخر : الله يعافيج .. افتحي فمج ..
قلت لها ببلاهة : ها ؟
اتسعت ابتسامته : أقولج افتحي فمج ..
قلت له : ليش ؟
ضحك : باخذ معاه صورة ... يلله حبيبتي افتحي فمج ..
ماذا قال ؟! أسمعتم الذي سمعته أنا ؟! فتحت فمي وأنا تحت تأثير تخدير كلمته .. ولم أشعر إلا بطعم الحلوى بفمي .. رغم أنني تناولت منها الكثير ونحن ترتب السفرة .. لكنني الآن .. أشعر طعمها ألذ وأشهي .. وأشتهي تناول السلة كلهــــــا ....
وفتح الثانية .. وفعل كما فعل سابقا .. ثم قال لي : برايج نروح نتعشى برى ولا نتصل يجيبون لنا عشى ؟
قلت له بربكة : آنا تعشيت ..
تبسم : والله ؟ متى ؟
ارتبكت : ما ادري .. المغرب لة ..
ضحك : بيييون .. اليوم مو طبيعية .. بيون الحلوة تجذب ؟
سأذبحه ضربا .. لما يجعل قلبي يطّرب أكثر منما هو مطرّب ؟
قال وهم يبتسم : انتي مستحية مني ؟
هززت رأسي بالإيجاب وأنا محرجة تماما .. لتتسع ابتسامته وهو يقول : ليش ؟ هذا هو أنا أحمد ؟ نسيتيني ؟ ولا شكلي تغير وطالع أحلى ؟
أود شنقه : هذا هو انت ..
ليقول : افا ... يعن ما عجبتج ؟
أعجبت بك ! بل قل مات الهوى فيك ! : لا .. بالعكس ..
تبسم : فدييتج .. من ذوقج .. وانتي اليوم .. أول ما شفتج ما عرفتج .. أقول من هـ الحورية الي واقفة قبالي ؟ يعني كل هذا لي ؟ أنا ما اقدر أتحمل ..
سأذوب .. سأنصهر : شكرا ..
كنت حينها منكسة رأسي .. ورفعت رأسي حينما قبلني بقوة بخدي الأيمن .. كنت مصدومة .. محرجة .. بل في قمة جبال الإحراج .. ليقول : هذي علشان ترفعين راسج .. ليش تخبين عني عيونج ؟
لم أجبه .. أساسا ماذا أقول ؟! ليكمل : يلله بعطييج خمس دقايق بس .. تروحين تبدلين .. وتمسحين إلي بوجهج .. علشان نروح نتعشى ..
قلت له بسرعة : ماكو مطعم مفتوح هـ الوقت ..
تبسم : لا .. في .. وآنا حاجز لنا .. والمطعم وأصحابه ينتظرون طلتج ...
بعــــد يومين ..
وها هو يوم حفلة خطوبة غســــان وليلى .. التي تم عقد قرانهما باليوم التالي لملكة بيان وأحمـد ... وفي قــــاعة أخـــــــرى ... وصل صاحبنا بسيارته .. ترجل بضيق .. ومشى ببطئ نحو الباب الذي بجانبها .. كانت قد فتحت الباب .. ساعدها على النهوض .. وهو كاره نفسه ألف مرة .. ومشيا نحو الداخل .. وصلا غرفة العروس .. وبعد سلامات أهلها وأهله الذي استغرق بعض الوقت .. أخبرتهم أخته أن ينهضان كي يزفــان ..
نهض بملل .. يريد أن تنتهي هذه الليلة على خير ويعود إلى فراشه .. وقفــا عند ممر طويل نوعا ما .. ووضعت أخته كف ليلى بكفه ..
فلأحدثكم بلسانه .....
كنت أود أن أرمي بكفها .. هذا الذي ينقصني .. ألا يكفي أنني مللت من وجهها ! انتهبت على صوت اختي الأخرى تشير لي بأن نتحرك .. تحركت بملل أكبر .. وكل خطوة أخطيها .. أشعر بأنني أقترب أكثــر من الهـــاوية التي رميت نفسي بها من دون أن أعلم ..
وصلنــــا إلى الكوشة .. وجلست بقهر .. ورميت بكلام أختي أن أقبلها عرض الحائط .. فلتخسأ .... وبعد ثوان .. جاءت أمي .. تبارك لنا ثانية .. وجـــاء حشد من النـــاس .. يباركون لها .. ولي .. ترى .. بما يباركون لنا ؟! كم هم تافهون !
بعد دقائق .. جاءت المصورة تلتقط لنا صورا مع الأهل .. وددت لو أقطع عنقها هذه الغبية .. على ما تفعل .. قلت بضيق : بس لة .. ألف صورة تصورين .. متى بنمشي ؟
ضحكت أختي : على شنو مستعجل ؟ هذا يوم من العمر .. وليول لاحق عليها ..
رمقتها بقهر ثم اللتفت لليلى .. وربما تكون هذه المرة الأولى التي ألتفت لها .. فأنا أعتبرها هي والكرسي الذي خلفها سواء !
رأيتها تبتسم لطفلة صغيرة أتت نحونا وتطلب منها أن تأتي .. كانت .. بما أصفها لكم ؟ كل الذي أستطيع قوله أنني لم أتمكن إلا بصعوبة أن أبعد عيناي عنها .....
واخيرا .. سمح لنا بأن نذهب .. وكم أتمنى أن أذهب وحدي وأتركها هنا .. تعود مع أهلها .. لكنني مجبور أن أوصلها لمنزلها !
وحينما حركت السيارة .. تحركت سيارة أخرى خلفي .. كانت طوال الطريق تلاحقني .. لا تسألوني عن صاحبها .. فأضنكم عرفتموه .. صديقي !!
تجاهلت ملاحقته لي .. وأوقفت السيارة عند منزلها .. انتظرتها تترجل .. لكنها لم تفعل فقلت لها : مو ناوية تنزلين ؟
لتقول : ما بتنزل معاي ؟
قلت بملل : لا .. عيوني بروحها تسكر ..
فقالت : واذا سألوني ليش ما جيت شنو أقول لهم ؟
قلت لها : قولي لهم تعبان .. فيه نومة .. وراه دوام .. يعني لازم 24 ساعة أكون عندج ؟ جي أنا أول واحد في العالم يخطب ؟ وبعدييين انتي واااجد مصدقة روحج .. حمدي ربج واشكريه اني كم يوم كل مقابلج ...
لتقول وصوتها قد تغير : انزين أنا ما قلت شي علشان تبلعني ؟ افف ! ترفع الضغط ..
وفتحت الباب وخرجت .. ثم أغلقته بقوة .. ورفعت الشال الذي يغطي وجهها .. لأفتح النافذة وأقول لها : غطي وجهج .. بعدج ما صرتين داخل البيت ... أو اذا مشيييت سوي الي يعجبج .. مو جدامي !
رمقتني ومشت وكأنها لم تسمع ما قلته .. طنشتها .. لأن مزاجي لا يسمح لي أن أدخل حربا أخرى معها ..
حركت السيارة نحو المنزل .. وأنا أراه من المرآة ما زال يلحقني .. أخذت أسرع .. وكان يسرع أيضا .. وصلت المنزل .. ترجلت من السيارة .. وقبل أن أدخل إلى الداخل .. أوقفني : لحـــظة غسان ..
طنشته أيضا .. ودخلت إلى الداخل .. ولم أرى أحدا في البيت .. يبدو أنهم ما زالو في القاعة ... صعدت غرفتي .. ورميت نفسي على السرير بدون أن أبدل ملابسي .. أغمضت عيناي .. وبمجرد إغماضي لعيناي لاحت لي صورتها وهي تبتسم للطفلة ... ليتني ... ليتني ماذا ؟! أساسا أنا لما صورتها تلاحقني ؟! أففف .. ألا يكفيني أنني مللت من رؤيتها على الطبيعة كي أراها في الخيال ؟!
قلبت جسدي الناحية الأخرى .. وأنا أستمع إلى الضوضاء التي خلفها قدوم أهل البيت .... أرغب بأن أنام .... لكن صورتها لا تريد أن تدعني وشأني ....
مرت نصف ساعة ... ســــاعة ... 3 ساعات ...
نهضت بضيق من على السرير .. بدلت ملابسي .. ولبست بجامة خفيفة .. فتحت النافذة .. ليتبدل هواء الغرفة ... وأحضرت لي كتابا أسلي نفسي به علها تغفو عيناي أو يزورني النعاس ... وأنا أقرأ .. سمعت صوت شيء اصطدم بسراميك الغرفة ..
بحثت عن مصدر الصوت .. فوجدت حجرة ملفوفة بورقة ... رميت الكتاب على السرير .. ونهضت بحماس نحو الحجرة .. فتحت الورقة .. وقرأت ما كان فيها ...
[ لك وحشة : ما هي مثل باقي الناس]
اندهشت .. من عساه يكون ؟ طللت من النافذة .. لأرى سيارة واقفة بجانب غرفتي .. وشخص أحفظ هيئته عن ظهر قلب ينظر إلي ..
نظرت إليه مطولا .. وقرأت الورقة مرة أخرى .. محتار أنا .. لأراه يرمي ورقة أخرى .. التقطتها .. وقرأتها ..
[ أنــــا آسف .. عمري ما قلتها لأحـــد .. بس لأنك مو أي أحــد .. ]
نظرت إليه مرة أخرى .. والدمع بدأ يتلألأ بعيناي .. عمره عمار رغم زلاته الكثيرة لا يعتذر .. رميت عليه حجرتيه .. وخبأت الورقتين داخل جيبي .. وخرجت من الغرفة .. نزلت بسرعة .. فتحت باب الطريق .. وخرجت له .. وقفت أمامه .. فتقدم نحوي .. ومد كفه لي : اشتقت لك ..
لم أستطع إلا أن أرمي نفسي في أحضانه : عمار يالحمار حرام عليييك .. حتى ملجتي ما تحضرها ؟!
قال وهو يضمني : ليش أنا كنت حي يوم ملجتك علشان أحضر ؟!
ابعدته عني وقلت بوجع : شفيك عمار ؟ تراك تغيرت !
قال لي : وشلون ما أتغير ؟! أنا احتضرت .. وارتفعت روحي فوق .. بس ردت رجعت مرة ثانية .. الله اذا كاتب لعبده عمر ثاني .. لازم العبد يعيش عمره الثاني غير ..
قلت له : عمار شفيك ؟
ركب سيارته : تعال نروح مكان ثاني ..
نظرت إلى نفسي : بهـ الثياب !
تبسم : ما بننزل من السيارة ... الدنيا ليل .. من لك ؟
\
[ عمــــار ]
أوقفت السيارة أمام البحر .. وفتحت النوافذ .. ثم اللتفت له : شخبارك مع ليلى ؟
تبسم بضيق : الحمد لله ...
قلت له : أنا اسف .. جد آسف ..
قال لي : لا تتأسف .. الله كاتب جذي .. وأكيييد في مصلحة لهـ الشي ..
سألته : ارتحت لها ؟
ضحك : الله يهديك ! أنا قعدت معاها علشان أرتاح لها ؟
قلت باستغراب : ويوم المقابلة ؟ ملجتكم ؟ والليلة ؟
تبسم : عادي ! حتى ما اللتفت لها ..
ضحكت : بلا شلخ .. مستحيل .. لو ما اللتفت لها كان نمت الليلة .. صار لي ساعتين واقف عند غرفتك .. فقدت الأمل انك صاحي .. وبعدين أشوفك تفتح الدريشة تدور هوا !
فقال : أقوووول اقلب وجهك .. يعني لازم انها السبب بإن النوم مو جايني ؟ يمكن أفكر فيك ؟ شدراك ؟
فقلت له : بحاول أصدقك ..
ليقول : إلا صحيح .. شسالفتك انت ؟ كل هذا على بيان ؟
قلت بوجع : وما تستاهل يعني ؟
فقال : والله انت ما ينعرف لك ! مرة أكرها ... مرة أحبها .. مرة ما تنفع لي ! مرة أنا خلاص نسيتها .. ومرة ..
قاطعته : شتبيني أسوي يعني ؟ أنا طول هـ الأيام أحاول أعرف شعوري جهتها شنو يسمونه ما انا عارف .. يوم ملجتها مليون مت وحيت ألف مرة .. مو داخل في مخي إنها خلاص .. ما عادت لي !
ليقول : وهي من متى كانت لك ؟! يا عمار فتح عيونك زيين .. انتو طول عمركم حرب مع بعض .. بس لكم موقف حكمت إنك تحبها ؟ يعني تبيها تنتظر لما تكتشف شعورك شنو ؟ ومو انت قايل إنها تحب أحمد ؟ خلاص .. الله يوفقها ..
سكت ولم أجيبه .. ثم قلت بمرارة : وانت ليش مفارقني ؟ أدور وراك من مكان لمكان ولا تحس على دمك ؟
فقال : من الي كان يبي هـ الشي ؟ مو انت ؟ تذكر شنو سويت لما كنا بالشغل .. أكلمك وتحقرني !
فقلت : كنت منقهر .... ما كأني صاحبك تحدد كل شي ولا تقول لي !
فقال : وصاحبك إلا هو أنا لازم أتصل لك وأخبرك بالتفاصيل ؟ انت ليش ما تسأل ؟ من الي صار ذاك اليوم .. وأنا أركض وراك من مكان لين مكان .. وبأي طريقة أحاول أراضيك .. وانت تكلمني من دون نفس .. وتسوي نفسك مو مهتم !
قلت : أنا اعرف اني غلطان .. بس في هـ الفترة واااجد مخنوق .. أبي أطلع حرتي بأحد .. وما احصل أحد .. حتى انت بعدت وخليتني لحالي ..
ليقول : اللحين صرت أحسن ؟
قلت له : اللحين اييي .. بس باجر .. تتوقع شلون بكون ؟
فقال : بكرة حفلتها ؟
هززت رأسي بضيق : اييي ..
ليقول : ما عليه عمار .. حاول تنساها ..
فقلت : شلون أنسى وهي طول الوقت جدام عيوني ؟ صرت ما اروح بيت خالتي إلا وقت النوم .. حتى صرت أخاف انها تشك بالموضوع .. تسألني ليش ما تجي تتغذى .. أقولها لأن البيت هـ الأيام ربع بيان رايحين جايين أبيهم ياخذون راحتهم ! تصدق غسان .. هـ الأيام دعاء خطيبة محمود أغلب الوقت في البيت مع بيان .. شلون أوصف لك إنها تعور قلبي ؟ تصور ! ما ترضى تنام مع بيان .. تنام بغرفته .. أنا مرة وحدة دخلت غرفته وما تحملت .. شلون هي ؟ قلت لبيان لا تخليها بروحها تنام هناك .. بس قالت إنها ما ترضى .. وقالت لها إنها ترتاح لما تكون هناك .. احسها ما ادري شلون .. مشتاقة له .. اذا احنا ومشتاقين له .. شلون هي ؟
تبسم : شفت شلون ؟ إن في ناس شكثر يتعذبون أكثر منك ومني .. ورغم كل شي يبتسمون وما كأن صاير شي ..
قلت بضيق : الحمد لله ...
==
الشموع ... مصفوفة في صحون ذهبية .. على السجادة الحمراء .. التي يمشيان عليها عريسي هذه الليلة .. يده تطوق خاصرتها .. ويمشيان بهدوء على أنغام موسيقة هادئة .. وقبل أن يركبا على عتبة المسرح .. توقفا .. أمام التوأمتين .. وهما تحملان بكفيها الصغيرين .. صينية ذهية أيضا .. تحتوي على قرآن كبير .. تحيط به الوردو الحمراء والبيضاء المجففة .. التي تفوح منها رائحة البخور ..
انحنا لتقبيل المصحف .. وأكملا طريقهما إلى خشبة المسرح .. جلسا بهدوءهما الذي رافقهما طوال هذا المسير .. ليلتفت لها .. ويبتسم : انتي كل يوم لج شكل غير ؟
تبسمت بخجل : وانت بعد ..
ليقول وهو ينظر إلى عينيها : الله يخليج لي ..
فقالت : ويخليك ..
ليقول : ما قلتين لي مبروك ..
قالت له : الله يبارك فيك ..
ضحك : فديتج والله !
وجـــاء الناس إلى المسرح .. يسلمون عليهما .. ويباركون لهما .. وهو يتكلم مع أميرة .. سمع صوتا منذ فترة طويلة لم يسمعه .. أدار وجهه إلى مصدر الصوت .. فرآها .. واقفة أمام بيان .. تصافحها .. تضحك معها .. وهو؟!
حينما انهت حديثها مع بيان .. اللتفت إليه .. ثم سلمت عليه و : مبروك ..
قالتها بغصة .. والدمع جاث على رموش عينيها .. فأجابها بنقس الغصة : الله يبارك فيج .. شلونج ؟
قالت له : الحمد لله .. نسأل عنك ..
فقال : سألت عنج العافية .. شلونه البيبي ؟
أنا نفسي أتسائل .. لما سألها عن حال جنينها ؟! ألا يريد تناسي أمره ؟ أم يذكرها به كي تنسى ما هي بالنسبة إليه !
هذا كان تساؤلها أيضا .. فابتسمت إليه : الحمد لله .. عن اذنك ..
ابتعدت .. وعيناه تحدقان بخيالها الذي كان حقيقة قبل لحظــات .. ولم يخفى على عروسه هذه النظرات .. لم يخفى عليها لهفته حينما رآها .. وغصته وهو يحادثها ....
فتحولت سعادتها إلى وجع محض .. لكنها رغم كل ما تشعر به .. إلا أنها أجبرت نفسها .. وتبسمت .. وكأن الذي رأته قبل قليل .. لا يعنيها ... فلتترك الإحتفال بالأوجـــاع إلى وقت لاحـــق .....
==
في هذه الليلة .. الكثير من أبطـــالنا ... معذبة قلوبهم .. أضنكم تعرفونهم .. فلا حاجة بأن أذكرهم إليكم .. ولكن فلنطل على منتهـــى .. بعد أن غادرت الحفل .. وهي بجانب زوجها في السيارة ...
كنت انظر إلى النافذة .. وأتحاشى نظراته التي تكاد تلتهمني .. موقنة أنا أنه يود أن يسألني عن ما جرى في الداخل .. لكنني .. لن أقول له شيئا .. فلأتركه لوساوسه ....
وأنا في قمة ألمي .. شعرت بأن السيارة توقفت .. نظرت من النافذة .. فرأيت الظلمة حالكة .. أدرت وجهي إليه .. وسألته : وين احنا ؟
فتبسم لي : نزلي وبتعرفين ..
فتحت الباب الذي بجانبي وترجلت .. لتلفحني برودة الهـــواء .. وينعش رأتاي .. فالتفت له : ياااي .. من زمان ما رحت البحر ...
أتى وأمسك كفي : تعالي نتقرب ..
مشينا وجلسنا على الرمل .. ولا يفصلنا بين الماء شيء .. فقال لي : شرايج بالمفاجئة ؟ حلوة ؟
ابتسمت له : واجد واجد .. ما تتصور أي كثر مستانسة ..
ضحك : لو أدري ان البحر بفرحج كان زمان أخذتج له ..
قلت له : أنا أحب البحر .. قبل كنت دائما أروح .. بس اللحين تعرف ما اسوق وانت ما توديني ..
أحاط بذراعه ضهري : انتي ما قلتي لي .. بس خلاص .. انا اللحين عرفت انج تحبينه كل يوم بجيبج هني ..
قلت له : مشكور ..
ليضع رأسه على كتفي : انتي الي مشكورة .. اذا احس انج فرحانة .. ما ادري بشنو أحس .. كأني مالك الدنيا كلها ..
قلت له وأنا بخاطري أن أبكي : انت صج تحبني مازن ؟
رفع رأسه ونظر إلي برهة .. ثم قال : طالعي في عيوني .. يعني بذمتج طول هـ الفترة ما تأكدتي اني أحبج ؟ بذمتج لو أنا ما احبج ليش بسوي كل هذا ؟ لو كنت ما احبج .. قلبي ما بقول لي تراها حبيبتك متضايقة .. والهمني آخذج لهني .. أنا مو غبي ولا مغفل منتهى عن الي بقلبج .. بس أنا اسكت .. واسوي نفسي ما اعرف .. تدرين ليش ؟ لأني راضي انج ما تحبيني .. أهم شي عندي انج معاي .. ( احتضن كفاي ) هذا الشي يكفيني منتهاي ..
سالت دموعي على خداي .. وللمرة الأولى .. أرتمي بأحضانه .. أخذت أبكي .. وبقوة أيضا .. أود أن أرمي بحب أحمد بعيدا عن أضلعي .. أود أن أنسى كل ذكرها تحملها ذاكرتي عنه .. أنسى عيناه الليلة .. وهو يسألني عن حالي .. وأضع مكانها .. عينا مازن المليئتين بالحب ....
مسح دمعي : خلاص حبيبتي .. ليش تصيحين ؟ ترى ما اجييبج البحر مرة ثانية ..
قلت له : اصلا ما تقدر .. وبتجيبني كل يوم مثل ما وعدتني ..
قبل رأسي : وأنا أقدر أخلف وعدي ؟
ابتسمت مرة أخرى : اممم .. خاطري اسبح ..
ليقول : لحظة بشوف .. اذا ما في أحد حوالينا .. بننزل البحر نسبح ..
قلت له بصدمة : مازن ! انت صاحي ؟
تبسم : طبعا لا .. أحد معاه انتي ويصير فيه ذرة عقل ؟
كنت أضنه يمزح .. لكنه نهض ليستكشف المكان .. ولم يجد أحدا .. فالوقت متأخر .. ثم أتى وخلع بلوزته : يلله منتهى .. قومي شتنطرين ؟
قلت له : أمزح معاك .. أخاف اصلا ..
ليقول : تخافين وآنا معاج ؟
قلت له : الدنيا ليل .. وبعدين يصير فينا شي ..
وقف أمامي .. وخلع شالي .. ووضعه فوق بلوزته : الله بيحفضنا .. ما بنروح بعيد .. بس جولة مني قريب ..
قلت له : انزين ثيابي بصيرون كلهم ماي ..
قال لي : ما علييج انتي ..
أمسك كفي .. ومشينا خطوات في الماء .. كان باردا .. قلت له : مازن بارد الماي ..
ليقول : بتحسين بالدفء شوي شوي ..
مشينا خطوات أكثر .. لحين صار الماء يصل إلى منتصف جسدي : أنا خايفة ..
ولم أشعر إلا وهو يحملني .. أتصدقون .. توقعت أنه سيرميني بالماء وسيرحل .. وسأموت غرقا !
لكن لم يحصل كل هذا .. بل .. حملني على ظهره .. وأخذ يسبح .. لم أقل أي حرف .. وهو أيضا لم يتكلم .. كلانا غارقين بروعة المكان .. نصغي إلى صوت الموج .. نتأمل بضوء القمر .. كانت لحظات محال أن تمسحها ذاكرتي .. تشبثت به أكثر حينما باغتتنا موجة كبيرة .. لكنه بسهولة تمكن النيل منها ..
بعد ربع سـاعة ربما .. اقتربنا من الشاطئ .. نزلت من على ضهره وهمست : مشكور .. تعبتك ..
تبسم لي : تعبج راحة ..
ألقى بنفسه على رمال الشاطئ .. وأنا جلست أحاول أن أجفف نفسي .. وأنا مشغولة بمحاولاتي الفاشلة بأن أجف .. شعرت بنظراته إلي .. رفعت رأسي نحوه وابتسمت : شنو تفكر فيه ؟
قال لي : وفي شنو أفكر فيه أنا غيرج ؟
قلت له : تصدق لو قلت لك إنه أحلى يوم بحياتي ؟
نهض وجلس أمامي : صج ؟
هززت رأسي بإيجاب : ايي ..
قال لي : وتصدقين اذا قلت لج ان من شفتج وأنا حياتي حلوة ؟ رغم كل شي بينا .. إلا أن وجودج يخليني أنسى كل شي .. وأذكر شي واحد .. انج .. تحاولين بكل طاقتج ما تضايقيني وتسعديني صح ؟
تبسمت : انا اسفة مازن .. بس وربي اني ما عدت أكرهك مثل قبل .. أحلف لك إني ما توقعتك جذي .. صحيح تقسى .. لكن أغلب أوقاتك طيب وحنون .. آنا اسفة على ذاك اليوم لما خربت فرحتك .. بس صدقني ما كان بإرادتي ..
ضمني إليه : لا تتأسفين .. لأنج ما غلطتي بشي .. صحيح ان فرحة ذاك اليوم انبترت .. بس ما يهم .. المهم سعادتج .. شرايج بكرة نروح نشوف شنو فيج ؟ بنوتة ولا ولد ؟
قلت له : اوكي .. بس توني داخلة الشهر السادس .. يبين ؟
ليقول : اتوقع يبين .. احنا بنروح نجرب حضنا ..
سألته : مازن .. اذا جانا ولد شنو بنسميه ؟
ليقول : انتي شنو تبين نسميه ؟
كانت كلمة أحمد على طرف لساني لكنني لا أود أن أضايقه فقلت : انت عليك اسم الولد .. وانا علي اسم البنت .. اذا جانا بنت .. بسميها ريما .. يعجبني هـ الاسم ..
ليقول : اوكي .. ريما ريما .. عجل ان شاء الله يجينا بنت .. علشان نسميها ريما ..
[ شكرا لك ربي .. ]
==
[ طـــارق ]
بموت .. ما اني قادرة ... سووني عملية .. طلعوه ... ما اني قااادرة .. يا الله ..
كنت أسمع صوت صراخها .. وأرجوا الله أن يسهل عليها ولادتها .. كي أرى ابني الذي انتظرته منذ مدة طويلة .. وبعد اربع ساعات تقريبا .. أتت إلي الممرضة وهي مبتسمة : مبروك .. مدام في يجيب ولد ..
نهضت بسعادة : صج ؟ حلفي !
ضحكت : ما في يفهم ! بس اذا يبي يشوف بيبي .. تعال !
مشيت خلفها .. وقادتني إلى حيث هو بجانب والدته .. لم أنتبه إليها .. بل ذهبت إليه .. حملته بين ذراعي .. قبلت عينيه وفمه الصغير .. كان وردي الخدين .. صغير الحجم .. خفيف الوزن .. كل شيء فيه صغير .. أتصدقون ؟ بأنني أصبحت أبا .. أتصدقون ؟ بأن هذا الذي أحمله بين ذراعي ولدي .. إنه .. ماذا اسميه ؟
سمعت صوت همهمة .. أدرت وجهي .. فرأيتها أفاقت .. كانت شاحبة .. وجهها مصفر .. عينيها ذابلتين .. اتجهت لها .. قبلت خدها : مبروك حبيبتي علينا مازن ..
تبسمت بارهاق : الله يبارك فيك .. سميته مازن ؟
قلت لها : ايي .. أنا واعد مازن اذا جاني ولد أسميه على اسمه .. عجبج الاسم ولا لا ؟
قالت : حلو .. أهم شي يعجبك ..
جلست بجوارها : منى تعبانة ؟
قالت : كل جسمي متكسر .. ما اني قادرة أنام من الوجع .. قول لهم يخدروني .. أبي ارتاح ..
لا أعلم لما ارتبكت حينما سمعت كلامها .. شعرت ببعض الخوف .. ربما هذه المرة الأولى التي أخاف فيها عليها : اللحين بناديهم ..
اتجهت للممرضة .. وأخبرتها .. لكنها قالت بأن هذا شيء طبيعي .. فعدت لمنى : تقول ذا شي طبيعي ..
فقالت : عطني مازن .. خله على صدري ..
قلت لها : انتي تعبانة اللحين .. اذا صرتين احسن بعطيج اياه ..
فقالت بتعب : ما عليه طارق .. ابي اشوفه ..
حملته ووضعته على صدرها كما طلبت .. رأيتها تنظر إليه .. وفي عينيها ألف دمعة .. قبلت خديه .. وقالت هامسة .. وهي تتنفس بصعوبة : طارق .. قول لأميرة تسامحني ..
قلت لها : مو وقته هـ الكلام .. منى شفيج ؟
انسكبت دموعها على خديها : قول لها تسامحني .. قول لها اني وربي أحبها .. وعمري ما تمنيت أأذيها أو أضايقها .. قول لها تربي ولدي ..
احمرت عيناي : الله يخليج .. وتربينه انتي ..
فقالت : طارق انا احبك ... انا اسفة لأني السبب في طلاقك لأميرة .. بس ما قدرت أتحكم بمشاعري ..
احتضنت كفيها : وانا احبج بعد .. رغم كل شي .. تضلين زوجتي وأم ولدي .. وانسي هـ المواضيع القديمة ..
فقالت وهي تتنفس بصعوبة أكبر : مازن بعيونك يا ابو مازن .. حافظ عليه ولا تهمله ..
بدأ الجهاز بالرنين .. وأنا ارتجفت أوصالي .. هززتها : منى .. منى حياتي .. منى تسمعيني ..
رأيتها تبتسم .. ثم تلاشت تلك الابتسامة .. وجــاء عدد كبير من الممرضات والأطباء .. وأخرجوني من الغرفة .. مرت دقائق .. أو ساعات .. لا أعلم .. لكن .... الذي التصق بذاكرتي ومحــال زواله ... حينمــــا خرج الأطباء من الغرفة .. سألتهم بلهفة : ها بشروا ؟ شخبارها ؟
نكسوا رؤسهم .. ولم يتفوهوا بحرف .. أمسكت ذراع أحدهم : شفيها منى ؟ ليش الجهاز قام يطلع أصوات ؟ منى بخير ؟
ربت على كتفي وقال لي : البقية بحيـــاتك ...
قلت له : يعني شنو ؟
فقال : الأعمار بيد الله ..
صرخت عليه وأنا أحاول استيعاب ما يقول : يعني شنو ؟
فقال الآخر : عظم الله أجرك .. زوجتك فارقت الدنيا .. وراحت لعند ربها ..
صرخت بصوت أعلى وأنا مصدوم : يعني شنو ؟؟ يعني شنو فارقت الدنيا ؟ يعني ماتت ؟
هز رأسه بأسى : لا تسوي في نفسك جذي .. كلنا بنموت ..
أبعدته عني : بس منى .. ( دمعت عيناي ) أنا .. أنا آذيتها .. منى قاست معاي واجد .. منى لا .. ( هززت رأسي بعدم تصديق ) منى مستحيل تروح وتخلي ولدها .. مازن من له ؟ انت تمزح معاي صحيح ؟
دخلت الغرفة .. وأنا أصرخ : منـــى .. منـــــى حبيبتي قومي .. مو انتي تقولين تحبيني ؟ ترضين تخليني بروحي ؟ حرااام علييج منى .. ولدنا من له ؟ منووووووي قووومي ....
لكنني لم أرى منها شيئا .. فالغطاء الأبيض .. قــــد غطاها من أعلى إلى الأسفل .. ارتجفت أوصالي .. تقطع قلبي .. شعرت برغبة قوية بأن أصرخ بأعلى صوتي .. وأن أبكي بصوت عـــال .. عله الصراخ والعويل .. يخمــد النيران المشتعلة .. بأضلعي .........
ورحـــلت ... قبل أن أبوح لهـــا بأعذاري ..
رحـــلت قبل أن تصفح عن تقصيري واهمـــالي ..
رحـلت .. وتركتني .. وحيــدا .. مع مولودها والذكــرى ..
أفلا تعود ؟! وتــأخذني معهــا .. فنرحل معـــا !
أفلا تعود ؟! لأصحح أخطائي ؟!
وأقول لها في كل يوم ..
بل في كل أجزاء الثــانية ..
أحبـــكِ يا منى روحـــي ....
==
لك العتبــــى .. حتى ترضــــى ...
.
،
؟
نهــــاية الجــزء التــــاسع والعشرون ...
[ 30 ]
[ عــــادل ]
كنت جالسا أمام التلفاز أشاهد المباراة .. حينما سمعت صوت رنين الجرس .. تثاقلت في النهوض .. لكن .. حينما عاد الجرس بالرنين مرة أخرى .. نهضت وأنا أتفف ..
اتجهت نحو الباب .. وفتحه بملل : مين ؟
لكنني حينما رأيت من يقف خلف الباب .. انجلى كل ذالك التثاقل .. وحلت الكراهية مكانه ... قلت له بحقد : انت ؟! شجيبك عن باب بيتنا ؟
كان ليس ككل مرة أراه فيها .. كان يبدوا .. منكسرا .. منهكا .. مرهفــا .. محزونا .. لكنه يستحق كل ما فيه .. لم يجبني إلا بعد مدة .. بصوت أشبه بصوت الموتى : وينها أميرة ؟
سيصيبني بجلطة ... بعد كل الذي قام بعمله .. يسأل عنها ... سأخنقك أيها المعتوه .. أتيت برجليك إلى الموت : صج انك أكثر من وقح ... شلون تجرأت وجيت تسأل عنها ؟!
لم يجب .. وهذا ما أثارني .. كم أكره أن يسفهني أحدهم : أقول انقلع احسن لك ..
لكنه قال : وينها أميرة ؟
قلت له : وليش ان شاء الله تسأل عنها ؟ مسؤل عنها وأنا ما ادري ؟! لكن ما عليه .. بقولك وينها .. أميرة مع زوجها وحبيبها .... عندك مشكلة ؟؟
رأيت أن ملامحه البائسة ... قد انعقدت ... وبدا الإنزعاج واضحا على تقاسيمه : بتناديها لي ولا شلون !
صرخت عليه : انت ما تفهم ! ولا صادك خرف مبكر ؟
في هذه الأثنـــاء .. تقترب سيارة من المنزل .. إنها سيارة نافع .. ابتسمت بنصر : لف وجهك .. شوفها .. كاهي جاية ...
أدار وجهه إلى حيث أشرت .. وحينما رآها مترجلة من السيارة .. حرك قدميه نحوها .. لكنه توقف عن السير .. حينما رآها لم تنتبه لوجوده .. بل كانت مشغولة بالضحك مع غيره ... وبـــان له ذاك الرجل الذي تضحك معه .. إنه ....
اللتفت لي : هذا من ؟
ابتسمت بسعادة .. فكم هو رائع هذا الشعور .. أن أراه مقهورا مهزوما ههه : زوجهــا .. نـــافع ..
وزالت تلك الإبتسامة .. حينما انقظ علي .. وأخذ يلكمي على وجهي .. أحاول ابعاده عني .. لكن محاولاتي فاشلة .. فبنيته قوية .. وقهره يشجعه أكثر على تسديد لكمات مؤلمة .. صرخت عليه وأنا أتوه : بعد يالحيوان ....
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك