رواية وش رجعك -20
نهضت وأتيت نحوهم : شسالفة ؟ عن شنو تتكلمون ؟ منتهى شخبارها ؟ حية ولا ميتة ؟
التفت لي أحمد وهو مازال مبتسما : منتهى بخير .. شوي وتصحى .. بيان قولي من وين تعرفينها ؟ ومن متى ؟ وشلون صرتوا أصحاب ؟ في وين ساكنة ؟ ومن هـ الحقير الي مد يده عليها ؟ و ..
قاطعته : الحمد لله .. بس ليش تسأل كل هـ الأسئلة ؟ يعني لأنها مضروبة بتسوون معاي تحقيق ؟
ضحك بخفة : لا .. هي ما قالت لج عن واحــد اسمه أحمـد ؟
تأملته بعدم استيعاب .. مهـلا .. أيعني أنه !
وبسرعة قلت : انت أحمد الي منتهى تحبه ؟
تبسم وهز رأسه : ايي .. هي كلمتج عني ؟ شنو قالت لج ؟
أبعدت عيناي اللتان امتلأتان بالدمع عنه .. لم أستطع أن أتفوه بحرف .. مهـلا .. انتــظر يا أحمـد حتى أتفهم ما تقوله .. انتــظر .. حتى يقبل قلبي بكـل هذا .. انتـــظر .. ولا تهدم قصر أحلامي دفعة واحـدة .. دعني أتخلى عن حلمي شيئا فشيئا ..
ولكــن .. لم أستطع أن أفرغ أية شحنـة .. لم أظهـر شيئا سوى السعادة .. أجـل .. السعادة التي رغما عن وجعي شعرت بها .. سعادة لقاءه بها .. سعادة حضور المنجـي لها من بيت الوحـوش ذاك ..
تبسمت بألم : صج ؟ واخيرا شفتهـا .. وهي شافتك ؟
==
[ عـادل ]
فتحت الباب بهدوء .. ودخلت الغرفة عليه .. رأيته نائما .. جلست عند رأسه .. سأنتظره لحين أن يصحو .. فهـذا الاسبوع بأكمله .. لم أحيه كما يحيي النــاس .. قضيته تائها .. محتـــارا .. بين التصديق وعدمــه .. حــاولت التمسك بطوق نجــاة .. لكنني لم أجــد إلا الخيــبة ..
اتصلت على هاتف أمها مرارا .. تجيبني والدتها .. وأقطــع الخـط .. موقن أنا أنها تعلم أنني المتصـل لكنها لا تجيب .. لكنني أكرر المحــاولة .. فقلبي لا يرغب بتصديق هذه الحقيقة .. حقيقة عشق الوهـــم .. حقيقة استــرخــاص الكــرامة .. من أجــل فتـــاة اعترفت بأنها تخـــدني ..
ضربت بيدي على حديد السرير بقوة .. ليستيقظ فزعـا .. ويراني بجواره .. كنت محطمـا .. حزينــا .. ثائرا .. وعيناه الغضبتين .. أصابتني بأضعاف ما أشعــر به .. قال لي : شجيبك هنــي ؟ ما بتبعد عنا إلا اذا قتلتني ..
أثر في نفسي ما قـاله .. لما يعتبرني مجرما لأنني أخلصت في مشاعري ناحية ابنته الماكرة : أنا مو جـاي أتوسل لكم مثل كـل مرة علشانها .. أنا جــاي .. أقـولك إن ماله داعي تعذب بنتك .. وتعاقبها .. تراها كـل الي سوته علشانك .. حبت تنتقم من أبوي فيني .. تضن إني إذا تعذبت .. أبوي بحس .. وبيتعذب .. ( ضحكت ساخرا على حـالي .. وهو ينظر لي مستغربا لأكمل ) تصور .. أنا الي كلمت ألف وحــدة غيرهـا .. ما صدقت إلا معاها .. ما حبيت إلا هي .. ما وفيت وأخلصت إلا لها ( تجمـع الدمع بعيناي ) ما ضنيت إني أحب وحـدة جـذابة .. وحــدة ألمها قلبها على الي ستوى لأبوها من ظلم .. وأفرغت حرتها بواحـد ماله ذنب .. سوى إن أبوه مذنب .. ليش تحملوني ذنب مو ذنبي ؟ الله ما يعاقب إلا الي يعصيه .. وما ينتقم من أهل العاصي .. بس انتو يبني آدم .. تـاخذون بثاركم من النـاس الي ما سوت شي ..
سكت أجمـع أنفاسي .. حرك فاه ليتحدث لكنني أسرعت وقلت : انتظرني أكمل كلامي بعدين قول الي تبي .. أنا يا ( بسخرية قلت ) عمي .. أبيهـا .. قبل كـنت بعد أبيها .. حبا فيها .. لكن اللحين .. عافها الخــاطر .. بس وربي إذا ما رضيت إن زواجي بها يتم .. أنا أقدر أسوي لكم بلوة .. ومو بس جذي .. بأذيهــا .. وبنتقم لي منها بالي يرضيني .. كلكم بتتعبون معــاي .. ومثـل ما عاقبتني بذنب أبوي .. بعاقبكم كلكم بذنبها ..
نهضت من على المقعد .. ليقول : لا يمكن أصدقك .. تدري ليش ؟ لأن بنتي أكبر من انها تسوي هـ السوات .. انت لعبت في مخهـا .. وخـانت ثقتنا وكلمتك .. وهي تعرف إذا درينا عنها شنو بنسوي فيها .. مستحيل تعرض روحها لهـ الموقف .. علشان ..
قاطعته : صدقت ولا ما صدقت .. هذا مو شغلي .. هذا الكلام قالته بالسانها .. وأكدت عليه بفعالها .. وأنا مو قاعد أتبلي عليها .. على العموم .. فكــر بكلامي زيــن .. بكــرة أنا بمرك .. وبشوف ردك .. إذا ما رديت علي بلي أبي أسمعه .. تأكــد إن كـل شي قلته .. بنفذه .. سلام ..
[ منتهـى ]
ببطئ .. فتحت عيناي .. وبدأ النور بالتسلل إليهما .. رفعت كفي .. وغطيت بها عيناي .. ومـا إن اعتادتا على النور .. أبعدت كفي .. لأرى نفسي بغرفة بيضاء .. آلمتني عيناي .. يبدو أنني نسيت خـلع العدسـات قبل أن أنــام .. خـلعتهما .. أدرت وجهي أبحـث عن شيء أضعه فيهما .. لم أجـد شيئا .. مهــلا .. أيــن أنــا ؟ ولمـا أنا في هذه الغرفة البيضاء ؟
أغمضت عيناي .. شعرت بوجـع في رأسي .. رفعت يدي .. وتحسست بها موضع الألــم .. ليؤلمني أكثـر .. دلكت الموضع بخفة .. واسترجــعت ما جرى ......
لكـن .. من الذي أتى بي إلى هنا ؟ يبدو أنه مشفى .. تنهدت بضيق .. وما إن رفعت يدي لأضرب الجرس كي تأتتي الممرضات .. حتى دخـل أحدهم ..
دخــل .. ووقف عند الباب .. لم أرى ملامحه .. لأن نظري ضعيف .. ولا أستطيع رؤية الأشياء البعيدة .. حرك قدميه .. وأتى نحوي .. لتتضح ملامحه .. تــــلك الملامح التي حفرت تقاسيمها في ذاكرتي .. تلك الملامح .. التي أعشقها بعنف .. ملامح الإنسان .. الذي ملك قلبي وروحي ..
تقدم مني .. ووقف بجانب رأسي .. أخذت أنظر إليه .. أتأمل بعينيه الممتلئتين بالدمـع .. أحــدق بوجهه .. وأنا غير مصدقــة .. كيف أتى إلى هنــا ؟ كيف علم أنني بالمشفى ؟ أهذا هو اللقاء الذي كنت أحـــلم به منذ أمــد بعيد ؟
لم أنتبه لنفسي .. إلى حينما سقطت دمعة حـائرة على خدي .. هل هو حـقا الذي واقف بجانبي ؟ أم أنني لكثرة ما أحبه .. وانتظره .. أتخيل وجــوده ؟
أغمضت عيناي .. فتحتهما ثانية .. هطـلت دمـعة أخرى .. تليها وابـل من الدمـوع .. أخـذت أشهق .. أود أصرخ .. وأنـــاديه .. أن أهتــف بحروف اسمــه .. لكـــن لا صــوت لي .. لا أستطيـــع الكـــلام !
اقترب مني .. وأمسك كفي .. أما كفي الأخرى فكـانت مقيدة بالمغذي .. رفع كفي إليه .. قبلها .. جلس على الكرسي الذي بجانبي .. وضع كفي على صدره .. وبدأت أسمــع دقــات قلبه السريعة ... ليضج قلبي بالحيـــاة .. تضج روحي بالسعــادة .. ولا أعــلم كيف نطق لساني .. وهمست : واخيــرا .. التقينــا ..
==
[ عادل ]
خرجت من غرفة أبو رنــا .. إلى خــارج المشفــى وأنا محــطم كليا .. لا تنظروا إلي على أنني مجـرم .. لا تقولوا بأن تصرفي خطأ .. ولا أمتلك الحــق في فعل هذا .. يقولون .. احذر الحليــم إذا غضب .. وأنــــا رغمـا عني أفقــد كل صبري .. وأطيــع غضبي .. ألا يكفي أنها أنها جعلتني أحيــى في وهـم حبهـا سنين ؟ ألا يكفي أن أطاردها كـ اللص .. وأترجـى أهلها وأتوسلهم كي أظفر بهـا .. بما كافئتني ؟ بالاهـانة ؟! بــالكذب ؟ بالخــداع !
وما إن وصلت المنزل .. حتى اتصل بي أحمـد .. رددت عليه وأنا في أوج ضيقي : خير ؟ شبغيت ؟
وصلني صوته المليء بالحيوية : عـادل .. تعال اللحين المستشفى الي أشتغل فيه .. وجيب معاك أميرة ودعاء ..
استغربت فرحه .. وطلبه : وليــش ؟ أبوي مسوي حـادث ؟
ضحك : لا .. الموضوع يتعلق فيني ..
قلت له : وشنو هـ الموضوع إلي مفرحك هـ الكثر ؟
ليقول : منتهـى .. لقيتها .. تعالو أبيكم تشوفونها وأعرفها عليكم ..
منتهى ؟! ومن هذه المنتهى التي تقلب حـال أخي ألف درجة : ومن هذي ؟ أول مرة أسمع اسمها ..
ليقول : الي شافتها دعـاء في اللوحـة ..
سكت قليلا أستوعب ماقاله .. أيعني أنه عثـر على ضالته ؟ أيعني أن أبواب السعادة فتحت له أخيرا : صج ؟ ألف مبروك .. اللحين جايينك ..
أغلقت هاتفي .. وصعدت نحو غرفة دعـاء .. وأنا أتمنى أن يفرج الله ما أهمني .. طرقت الباب .. وما إن سمعت صوتها تدعوني للدخـول .. دخـلت وقلت : تجهزي وقولي لأختج تجهز .. عشـر دقايق لكم .. إذا ما لبستو .. بمشي عنكم ..
فقالت مستغربة : وين بنروح ؟
ابتسمت : بتشوفين البنت إلي شفتيها في اللوحة إلي بغرفة أخوج على الحقيقة ..
ابتسمت ابتسامة واسعة : صج ؟ مرة وحـدة بنشـوفها ؟! احنــا ما نعرف قصتها حتى ..
هززت كتفي بحيرة : وانا شدراني .. هو اتصل فيني وقالي آخذكم معاي لها ..
بعـــد نصف ساعة .. وصلنا المستشفى .. اتصلت بأحمـد .. ودلني على الغرفة .. مشينا نحن الثلاثة .. وما إن وصلنا .. حتى رأينا محمود وبيـان خارجين .. سلمت على محمود .. وناديت بيان .. وما إن أجابتني حتى قلت لها : سلمي على رنـا .. وقولي لها .. إني خطبتها من أبوها ووافق .. وبعـد سبوع بنملج ..
قالت بسعادة : والله ؟ ألف مبروك .. اليوم يوم الأخبـار الحلوة ..
ضحكت بخفة : اييي .. لا تنسين ها ..
لتقول : ان شاء الله ..
مشت مع محمود .. وبقيت واقفا أمام باب الغرفة .. أفكـر بمـا أفعله .. وبعد ثوان .. طرقت الباب .. وهممت بالدخـول .. لأرى أحمـد جالسا بالمقعد الذي جانب سرير يتوسط الغرفة .. وعلى السرير تجلس أميرة ودعـاء .. وكلهم يضحكون .. لم ألتفت لتلك الفتاة بعـد .. فقد قال أحمد : منتهـى .. هذا عـادل .. أخـوي .. وصديقي ..
أدرت وجهي إليها .. لأنصدم مما رأيت .. حركت قدماي .. واقتربت منها .. وأذناي أصابهما الصم .. لا أسمع ما يقول أحمد ولا غيــره .. فشكلها ذهلني .. ملامحهـا ربطت لساني : انتي توأم جميـــل ؟!
تغيرت ملامحها .. وبدا الحـزن باديا على وجهها الجميل : لا ..
قلت مصرا : بلا .. انتي اخته .. نفس الشكل .. بس لون عيونج غير ..
لم تجب .. وزاد ضيقها .. ليقول أحمد : منتهى ما عندها اخوان .. مشبه عليها ..
لأقول : متأكد أنا مئة بالمئة .. واذا مو مصدقيني .. بناديه .. وبراويكم وياه .. ( التفت لها .. رأيتها ناكسة رأسها ) جميل أخوج صح ؟
لا أعــلم لما انفعلت .. أخــذت تبكي بصوت مرتفع .. تجمـع الممرضـات عليها .. صرخ عليّ أحمـد وطردني خـارج الغرفة .. خرجت أنا .. أبحث عن ذاك المعتــوه .. وأنــا مستغرب .. عن علاقــــة جميـــل بهذه المنتهـى .. لانفعالها .. سبب سأعرفه إن التقيت بجميــل !
==
[ جميل ]
خرجت من المشفى .. وما إن ركبت سيارتي .. حتى سمعت طرقا على نافذتها .. رفعت رأسي .. لأتفاجئ بعـادل .. فتحت النافذة .. وقلت له باستياء : شنـو تبي ؟ ما خلصنا منك ؟ تراك غثيتنا ..
ليقول بحدة : لا حبيبي .. مو آنا إلي أذل نفسي لناس ما تسوى .. أنا جـاي أقـولك .. ممكن تخـلع العدسات الي لابسنها ؟
ماذا يقول ؟! وكيف علم أنني أرتديها أصلا : أقــول .. شكلك مضيـع ..
ليقول : لا .. لا مضيع ولا شي .. انت الي ناسي إن لون عيونك أزرق .. مو أسود .. بس صدقني .. الأســود لايق عليك أكثــر .. مثل حياتك وعمايلك السودة ..
صرخت عليه : احتــرم نفسك .. ولا تغلط على خلق الله .. وبعدين شدخلك بعيوني ؟ لوعساها حمرة .. مالك دخل ..
ضحك بصوت مرتفع : معاك حق .. بس أنا قلت لك هـ الكلام .. علشان تسأل روحك .. شدراني إنك لابس عدسات ؟ تبي جــواب ؟
لم أجبــه .. فهـذا ما يحيرني .. ليقول : لأني يا حباب أعرف أختك .. أوه .. قصدي توأمتك .. تصدق عـاد .. شكيت إنك هي من كثـر الشبه ..
أثـــار أعصابي : تراني مو فاضي لجنـونك وخرافاتك ..
قاطعني : وما بتفضى لما أقولك إن اسمهـا منتهى ؟ وحـالتها حـالة بين الموت والحياة في المستشفى .. وانت موب داري عنها ؟
ترجلت من السيارة .. أمسكته من بلوزته .. كيف عرفها : أذبحك إذا كنت جذاب ..
تبسم بانتصار : يعني تعترف انها اختك .. قولي .. شسالفتكم ؟ ليش كل واحـد يسوي روحه ما يعرف الثاني ؟
تركته وشأنه .. وسندت جسدي على باب السيارة : انت شنو تبي بالضبط ؟ وليش جـاي تقولي هـ الكلام ؟
قال : إلي أبيه .. أعرف حقيقتك .. منتهى مو من عائلة بسيطة مثلك .. يا إنها مو في عائلتها الأصلية .. أو انت ..
رفعت عيناي له .. وهما ملأتان بالدمع : ليش تنبش بأشياء منتهية ؟ ( بحزم قلت ) عـادل .. إياني وياك تروح لها وتقول إنك تعرفني ..
رمقني باستغراب : وليش ان شاء الله ؟ متبري منها مثلا ؟
صرخت عليه : مو شغلك ..
ليقول بصوت هادئ : اوكي .. اذا ما خبرتني شنو سالفتكم ؟ وما قلت لعمك الكلام الي بقوله لك اللحين .. تأكد إني مو بس بقولها .. بدلها على مكانك .. فاهمني ؟
قلت له : وشنو تبيني أقول لعمي ؟
فقال : أبيك بس تقنعه يوافق إني آخذ بنت عمك .. وتبين له إني صج أحبها وما ألعب مثل ما يتوقع ..
قلت له : بس هي ما تحبك .. هي تلعب عليك ..
صرخ عليّ : ما يهمني .. إذا ما قلت لها هـ الكلام .. تأكـد إني كل شي ما تبيه يوصل لأختك بوصل لها ..
قلت بضعف : ما أقدر أقنعه ..
ليقول : اوكي .. أنا أعلمك شلون تقدر ..
استخرج هاتفه .. واتصل بأحدهم .. وما إن أجاب الطرف الآخر .. حتى وضع الاتصـال على السماعة الخارجية .. وقال : شخبارها منتهى ؟
ليقول الطرف الآخر : وربي إذا صار لها شي ما بسامحك .. تشوفها تعبانة .. تسألها عن خرابيطك ..
تبسم : يعني هي ما عندها توأم ؟
فأجاب : لا .. ما مرة جـابت لي سيرة إن عندها أخو من أبوها .. الي أعرفه إن عندها أخوين من عمها ..
فقال : واذا قلت لك إني أعرف توأمها .. ما تصدقني ؟
سحبت هاتفه ورميته على الأرض : أقولك لا تقول .. ما تفهم ؟
تناول هاتفه وقال : ها ؟ تقدر تقنعه ؟
قلت بضعف مرة أخرى : بحـاول .. بس إذا سويت لها شي .. بذمتك ..
==
[ بيان ]
عدت إلى المنــزل .. أقفلت عليّ باب الغرفة .. أشغلت النور والمكيف .. ورميت جسدي على السرير .. حـاولت أن أفرغ ما أشعر به .. حــاولت أن أظهـر وجعي .. صدمتي .. حـاولت أن أبكي ضياع أحلامي .. أن أبكي حبا نمـى بقلبي من دون إرادتي .. نمــى .. ولم يعلم أنه سيحترق يومـا بهذه الطريقة ..
أغمضت عيناي .. أرجو ذرف دمعة واحــدة .. لم أستطع .. أشعــر بغثيــان .. بحرارة تشتعل بجـوف قلبي .. وليس لدي القدرة على الشهيق والزفير بحرية ..
نهضت بتعب .. دخلت الحمام .. فتحت الماء البارد .. علها تسلل البرودة إليّ .. وتخمـد ثورة الوجـع .. وكأنني لم أفعل شيئا .. ألقيت نفسي على السرير مرة أخرى .. بملابسي المبللة .. بشعري المبلل .. لا طـاقة لدي ّ لتبديل ملابسي حتى .. أشعر بأحاسيس مختلفة .. أشعر بـ تقطـع شرياني بسكاكين حــادة ..
ولـــم أجـد نفسي .. إلا غفيت .. واتجهت لعـالم الأحـلام والكـوابيس !
==
مضى يومان .. سأخبركم .. عمـا جرى في هذين اليومين ..
عم منتهى ، مـازن ........ في السجـن .. فمنتهى لم تتنازل عن قضية اعتداهما بالضرب عليها ..
أم منتهـى ...... تحـــاول في ابنتها أن تتنازل .. تـزورها بعض الأحيـان ..
أحمـد ، منتهـى ..... يقضون الوقت معـا .. يحـكون لبعضهما مـا حدث لهما في تـلك الأيـام .. ومـا زالت علاقتهما قويـة ..
عـادل ، رنــا ..... وافق أبو رنـا على زواج ابنته من عـادل .. ضننا منه أن عـادل ما زال متمسكا بها .. وبعد اقتناعه من جميل .. أن عادل ما زال يحبها .. ورنـا تطيـر من الفرح .. فقد حدد عقد قرانهما بعـد اسبوع من اليوم ..
جميـل ....... ما زلت أجهـل ما يفكـر به هذا الشخـص .. ما هي حقيقته .. ربما سيتضح ما يخفيه لاحقــا ..
والآن .. فلنــذهب لبيــــــان ..
رفعت فطوم الكمـادة من فوق رأسها والدموع تتلألأ بعينيها : خـالتي قولي لمحمود ياخذها المستشفى .. حرارتها موب راضية تنزل ..
مدت أم محمود كمادة باردة أخرى لفطوم : حـاولنا معاها .. موب راضية تروح المستشفى .. حـاولي تقنعينها .. ما ادري شفيها .. مرة وحـدة انقلب حـالها .. ومرضت ..
هزتها فطوم بخفة : بيييون .. بيــان فتحي عيونج ..
فتحت عينيها ببطء : همم ..
قالت لها : بيــان قومي المستشفى ..
أغمضت عينيها ثانية وقالت بتعب : ما يحتاج .. بتنزل الحرارة بروحهـا .. أنا بقوم أسبح ..
قالت أم محمود وهي تساعد ابنتها على النهوض : فطوم جهزي لها ثياب ..
قالت فطوم وهي قاصدة خزانة ملابس بيان : ان شاء الله خالتي ..
==
[ عادل ]
كنت جالسا مع بعض الأصدقـاء .. حينما بدأ هاتفي بالرنين برقم أجهله .. وما إن أجبت .. حتى وصلني صوته الرجولي .. فقلت باستياء : خيـر ؟ شبغيت ؟
أجابني : أبي أشوفك ضروري ..
حركت فمي لأتكلم .. لكنه كان أسرع مني وأكمل : بموضوع يخصني ..
قلت له : اوكي .. أنا في كورنيش الغوص ..
أغلقت هاتفي .. والتفت لبشار .. وسألته : شنو اللحين عن موضوع دراستك ؟ بتسجل بأي جامعة ؟
ليقول : سجلت وقبلوني .. توقع في وين ..
تبسمت : والله ؟ في وين ؟ بتكمل دراسة ولا بتدرس تخصص ثاني ؟
ضحك وقال : لا وين أكمل .. بدرس بلأردن .. صيدلة ..
فتحت عيناي على وسعهما : نــعم ؟ في الصحـافة ما فلحت بتفلح بـالصيدلة ؟
ليقول : لا هـ المرة أنا جـاد ... أنا ما دخلت الصحـافة إلا جذي .. علشان أسكت بيتنا .. ومن جذي كنت مستهتر وطردوني .. وزين جت منهم .. بس أنا خـاطري من قبل بالصيدلة .. وبعدين .. أنا ما بروح بروحي .. ولد عمي يدرس هناك من كم سنة .. واخته بتدرس معاي من السنة الي بتجي ..
غمزت له : ايييي .. وأنا أقـول من وين جته الشطـارة .. طلع بنت العم ..
ضحك : يعني تتوقع ما بقدر على الدراسة هناك ؟
تبسمت له : انت دامك دارس علمي .. وكنت متفوق قبل .. فأتوقع تقدر .. يعني لو مثلا أنا .. طبعـا لا .. وبقوة بعد ..
تبسم وقال : بس مو كأني كبير ؟
ضربته على كتفه بخفة : لا .. بالعكس .. أحسه الوقت المنـاسب للدراسة .. بس يمكن شـاذ .. بتلاقيهم كلهم 18 و 19 وانت 22 . ههههههه
ولم أشعـر بالوقت .. إلا حينما رأيت جميل يقف أمامي .. لكن .. لم يكن جميلا الذي رأيته قبل يومين .. نهضت من مكاني .. ومشيت معه بعيدا .. وأنا أسأله : شصاير فيك ؟ ليش شكلك جذي ؟
تبسم بألم وقال : انت السبب .. ذكرتني بأشيــاء قديمــة .. ذكرتني بذكريات عانيت لين ما قدرت ما تطرى على بالي .. ( بتعب قال ) عـادل .. طلبتك .. خـذني لمنتهى ..
\
[ جميل ]
بدى مستغربـا .. وقرأت الحيرة في عينيه .. وألف سؤال وسؤال يود أن يسأل .. اختصرت الطريق .. صحيح أنه الشخص الغيـر مناسب لأضهر حقيقتي أمامه .. لكنني إن لم أتكلم سأنفجـر .. إن لم أفرغ ما بهذا القلب سأختنق من بطش الذكـــرى ..
جلسنا على الحـاجز الحديدي الذي بيننا وبين الموج .. كنت أنظر إلى البحـر .. وهو ينظر إلي .. ينتظرني أن أبدأ بالحديث .. فقلت بألـم السجيـن الذي منعت عنه الحريـة : شفت البحـر شلون كبير .. بس رغم ما هو كبير .. إلا إن له حــد .. لكــن ارفع راسك .. وطـالع السمـا .. تقدر تلاقي لها حـد ؟ تشوف لها نهـاية ؟ ما تقــدر .. ( التفت له وأنا ابتسم ) جذي أنا .. والهم الي أحمـله بصدري .. مـاله حـد .. مثـل السمـا ..
فقال : وشنـو هـ الهم الي يبعدك عن أختك ؟
ضحكت بتعب : من قـالك إنه بس بعدني عن اختي .. هـ الهم .. بعدني عن الحيــاة الي عشتها ..هـ الهم .. خـلاني أبدل اسمي .. عائلتي .. هـ الهم .. قيدني ومنعني من أبسط حقوقي .. وإنه أقـول لناس من أنا .. ومن هو ابوي .. تبي تعرف شنو هـ الهم ؟
قال : أكيييد ..
قلت له .. والدمع بدأ يتجمهر في عيناي : من يوم وأنا صغير .. كنت عند عمي .. كنت أعتبر عمي أبوي .. لأني توأم .. كـان أبوي وأمي يربون واحـد .. وبيت جدي واحـد .. أنا ربيت في بيت جدي .. في حضن جدتي .. وأمي ربت منتهى .. لأنها أول ما ولدوها كان عندها مشكلة بالقلب .. فتحتاج عناية أكثـر .. جدي ميت .. وجدتي عندها ولدين .. أبوي وعمي .. وأول ما ماتت جدتي .. انتقلت لبيتنا .. لأن جدتي رفضت تعطيني أمي وأبوي وهي حيـة .. وتقول لهم إني مو ولدهم .. ولدها .. ما كنت أحب أمي وأبوي .. بالكلام الي كـانت جدتي تعلمني وياه .. ما كنت أحبهم .. لأني أشوف عمي الي كل شي أطلبه يعطيني وياه متعذب .. ويحب أمي .. وأمي خطبوها لأبوي بما أنه الكبير ..
سألني : كم كان عمرك لما رحت بيتكم ؟
تنهدت وذاكرتي أخذتني لذالك اليوم : 15 سنـة .. يعني أفهـم .. وبعدهـا بكم شهـر .. توفى أبوي .. ما تضايقت .. فرحت .. لأن عمي يقدر وقتها يتزوج أمي .. ويعيش معانا بالبيت .. لكن منتهى .. كانت موب راضية .. كانت مضايقة .. كانت منهارة .. منتهى كانت تكره عمي .. تكره أمي .. وتقولهم انكم السبب في موت أبوي .. أنا ما كنت أحبها .. لأني ما عشت معاها إلا كم شهـر .. وشفتها شلون متعلقة بأبوي .. وشلون أبوي يحبها ويدلعها .. وقلت صدمة .. وشي طبيعي بتقول إنه السبب دام تعرف إن عمي يحب أمي .. قال عمي بسفرها تدرس بمدرسة داخلية بأمريكا .. يمكن تلهى وتنسى .. وتخلينا نعيش طبيعين .. لكنها ما رضت .. وأجبروها .. حـاولت إني أعارض .. بس أنا ما عارضت .. بالعكـس .. أنا ما أرضى على عمي .. وأبيها تسافر .. علشان ما تغلط عليه ..
سكت أجمـع أنفاسي .. ليقول : وبعدين شنو صـار بعد مـا سافرت ؟
أكملت وبقلبي غصـة لا تود أن تنتهي : سـافرت منتهى .. وسـافرت معاها راحة البال إلي ما لقيتها في هالدنيا .. سافرت .. وبعد سفرها بكم سبوع .. اكتشفت إن عمي ناهب أبوي حقـه بالشركة .. كانت شركة جدتي .. ولما توفت ورثوها اثنتينهم .. لما مات أبوي .. صارت كلها ملكه .. بس شلون ما ادري ؟ احنا وين نصيبنا ؟ سألته .. هاوشني .. وقـالي إن أمي هي الي قالت له ياخذ نصيبنا لأنه بمثابة أبونا والي له يعني لنا .. ولأني أثق فيه .. ما عطيت الموضوع أهميــة .. لكن إني أكتشف إن عمي قدوتي .. بمثابة أبوي .. حتى كانو ينادونه أبو جـاسم ..
قاطعني وهو منصدم : اسمــك جـــاسم ؟
تبسمت : ايي .. جـاسم .. ( وبضيق ) كتب البيت باسمه .. وأمي بكل سهولة تنازلت .. وقلنا ما عليه .. لأنه عمي وأبوي .. لكن يكون نصاب .. يعيشنا بفلوس حـرام .. هـذا الشي الي ما نرضى فيه .. يمكن تستغرب .. صحيح إن جدتي الله يرحمها كل مساوء الدنيا فيها .. لكنها أبدا ما أكلتني شي حـرام ..
سألني : ليش شنو كـان عمك يسوي ؟
قلت له : اكتشفت إنه قـاطع أرزاق كم واحـد .. يتلاعب بالشيكـات .. جمـع ثروته في فترة قصيرة .. ومصادر الفلوس لما سألته عنها مجهولة .. وما رضى يقول لي من ويـن .. كلمت أمي .. قلت لها مو بالعقل .. من بيت إلا فيلا أشبه بقصر .. صحيح إن بيتنا كبير .. بس لو باعه ما بجيب له 10 بالمئة من فلوس هـ الفلة .. ومن وين له كل هـ الفلوس ؟ هاوشتني .. وقالت لي إن عمي شريف وما يروح للحرام .. بس أنا فكرت فيها من جـانب ثاني .. شفت الي قـاعد يصير بعيون منتهى .. تذكرت لما كانت تقول إن السبب بوفـاة أبوي عمي .. كانت تقول إنه كان يتغزل بأمي وأبوي سمع .. كان بين عمي وأمي لقاءات وسوالف وأبوي عايش .. وبالصدفة سمع وشـاف وجته سكتة قلبية ومات .. يعني الي عادي عنده يخـون ثقة أخوه .. الي عنده عادي يمتع عيونه بالي رزقه أخوه .. ويسفر وحـدة يتيمة بدون رضاها لبلد غريب بروحهـا .. ضميره بيصحى .. وما بيجمـع ثروته من طريق ثاني ؟
تنهدت بارهـاق .. وأكملت : سألت وسألت .. وعرفت إنه يسلف وياخـذ مبلغ مضاعف .. واذا ما ردو عليه فلوسه .. يشتكي عليهم .. ويسجنونهم .. عرفت إنه ياخـذ ربــى .. عرفت وعرفت .. واجهته .. صفعني .. تصور يا عـادل .. الصورة الحـلوة الي راسمها له ببالي تلاشت .. وصارت صورة قبيحة لواحـد نصاب يلعب على النـاس السذج .. طلعت من البيت بذيك الليلة .. طلعت منهـار .. شـلون يتجرأ ويمد يده علي ؟ هـربت .. وما كنت أعرف أحـد .. فكرت أسافر .. بس وين بنروح ؟ قلت يمكن إذا طلعت من البيت يحس على دمه هو وأمي .. وعلشاني يترك هـ الطريق .. ما سكنت بفندق .. ولا بشقة .. لأني أعرف إنه بدور عني كل مكـان .. كنت أنـام على البحـر .. وآكل سندويشة وعصير من كفتريا بسيطة .. تغيرت حياتي لدرجة إني ما شفت ولا ملمح من حياتي القبلية .. لين ما اللتقيت أبوي عم رنــا .. كـان صيـاد .. ولأنه كثرت شوفاته لي .. سألني .. وحكيت له قصتي .. ورحب فيني في بيته .. ما كان عنده عيال .. فعتبرني ولده ..
ليقول : وليش ما رديت بيتكم بعدين ؟
تبسمت بوجـع : لأن عمي دور علي يمكن شهـر .. أو أكثر بكم يوم .. وبعدهـا .. لقيت خبـر موتي بالجريدة .. موتني وأنا حي .. تتوقع شنو معناة هـالكلام ؟ معناته إنهم ما يبوني .. مثل ما تخلصو من منتهى .. يبيون يتخلصون مني .. يمكن تقول ليش ما رديت .. وأثبت للكل إني عايش وعمي يجذب .. بجاوبك لأني أول ما طلعت من بيتنا .. رغم بساطة العيش .. رغم إن كل شي كنت أحبه ومتعود عليه ما عدت أسويه .. إلا أني رضيت على نفسي .. رضيت على حياتي .. ما عدت أحس بتأنيب الضمير وأنا أكل وأشرب وأنـام ومرتـاح .. بشقى غيري .. بتعب غيري .. وعم رنـا ما قصر .. دور لي نـاس وبدلو اسمي .. وصرت جميــل .. ولده .. لبست هـ العدسات أغطي بهم عيوني .. ربيت لي لحية .. علشان أخفي بعض ملامحي .. ما توقعت أحـد بقولي يوم من الأيـام عن منتهى .. لأني أعرف إنها تدرس بأمريكـا .. وبحسبتي إنها للحين هنــاك .. المفروض بعد كم سنة ترد .. وطبعا أنا ما درست بالجامعة .. لسببين .. الأول .. أخـاف يلاقيني عمي .. والثـاني .. لأن ما في امكانية ..
/
[ عادل ]
سألته وأنا متأثر بقصته : واللحين شنو ناوي تسوي ؟
تبسمت : أشــوف منتهـى .. اشتقت لهـا واجـد .. من يوم كلمتني وعيوني ما غمضت .. نـاوي أصحح كـل أخطاءي .. ناوي أرد لهـا .. وأكـون أبوهـا وأمهـا .. لأني متأكد إنها مو مرتـاحة معاهم .. ( وبرجاء قـال ) عادل قوم خذني لها ..
قلت له : طيب .. بس مو اللحين .. هي بالمستشفى .. شكله عمك ضاربنها .. بكرة الصبح ان شاء الله .. على الساعة 8 اوكي ؟
تنهد بضيق : اوكي ..
نهضنـا قاصدين سياراتنـا .. وسألته : بتـرجع جـاسم .. ولا بتستمر بجميـل ..
التفت لي .. وقال بحيرة : هذا الشي بقرره مع منتهـى .. لأني محتــار ..
ركبت سيارتي .. وتحركت قاصدا المنــزل .. وأنــا افكــر بمـا قــاله .. كــم ما أعــانيه ليس شيئا أمام ما يجري عليه .. الحمـــدلله ..
==
[ بيان ]
صرخت عليها بتعب : عطيني تلفوني ..
مدت يدها لي بالهاتف : بيون ما ابي أروح .. قلت لج ما بروح إلا معاج ..
قاطعتها وأنا أضغط زر الاتصال : جب ولا كلمة .. ما عندنا عرايس يتكلمون ..
قالت لي برجـاء : بييون .. تكفييين .. استحي أروح معاه بروحي ..
وكأنني لم أسمع ما قالته وقلت له حينما سمعت صوته : شلونه المعرس ؟
ضحك بخفة : عال العال .. شخبارج انتي ؟ للحين ما خفيتين ..
تبسمت على شكل فطوم الراجي : لا الحمد لله أحسن من قبل .. المهم .. أنا متصلة فيك أقولك إنك تقدر تمر بيتنا تاخذ فطوم تروحون تشترون الدبل والذهب .. لمتى تأجلون ؟ ما باقي إلا سبوعين عن الملجة ..
قال لي : لا مو اللحين .. إذا صرتي بكل عافيتج نروح نشتري وانتي معانا .. أنا أعرف فطوم ما تتحرك إلا وانتي معاها ..
ضحكت عليه : اوه يعقوب .. لا يكون حاسبني أمكم وأنا ما ادري ؟ قول لأختك تروح معاكم .. ويلله نص ساعة وفطوم جاهزة ..
وما إن قال : بس ..
حتى قطعت عليه حديثه : لا بس ولا شي .. بعد نص ساعة تعال .. سلام ..
أغلقت الهاتف ونهضت من على السرير بتعب وأنا أكح : تعالي اختاري لج بدلة .. بعد نص ساعة ريلج بجي لج ..
وبعد نقـاش طويـل .. رضخت للأمر الواقع .. وبـعد نصف سـاعة .. جـاءنا يعقوب مع أخته عهـود ..
واختـلى المنزل .. أمي ذهبت لزيـارة جـارتنا التي أنجبت ابنتها الكبيرة مولودهـا الأول بعد إلحـاحٍ مني مع أختـاي .. ومحمود وعـلي خرجـا من المنزل .. وبقيت أنـا .. مستلقية على سريري .. أستـرجـع ذكرى ما حصـل في اليومين السابقين .. لا أتـذكر أنني بكيت .. لا أتــذكر أنني أفـرغت ما بصدري من وجـع .. لم أبــح لفطوم حتـى .. أليست هي التي تشاركني كـل شيء .. عـــذرا .. لم أرغب أن أشغلها عن سعـادتها واستعدادها ليوم عقــد قرانهـا ..
تنهدت بضيق .. عندما رن هاتفي .. تنــاولت وإذا المتصل رقـم غريب أراه للولهة الأولى .. ضغطت زر الرد .. وأجبت : نعم ؟
وصلني صوتها المفعم بالحيوية : يقولون الحـلوة مريضة ؟ شلونج حبيبتي .. عسى ما شـر ..
تبسمت : اهلين منتهى .. الشر ما يجيج ..
لتقول : صج بيون .. انتي زعلانة مني صح .. انتي ..
قاطعتها وأنا أشعر بالضيق : اششش .. لا تفتحين هـ الموضوع .. كل ما في الأمر ان المكيف الله يهديه مرضني .. كنت سابحة ودخلت الغرفة وهي باردة ..
لتقول : بيان متأكدة إن مو مني ؟ أنـا آسفـة .. وربي لما عرفت إن أحمـد هو نـ ..
قاطعتها مرة أخـرى والدمـوع بدأت بالتجمهر في عيناي : رديــنا ؟ أصلا أنا ما أعتبره مثل ما انتي تفكرين .. ( قلت بوجـع ) تعرفيني مراهقة وأعجبت في ليس أكثـر ..
سمعت صوت تنهدها : عن جد بيان ؟
قلت لها بألم : ايوة .. ليش أجذب عليج ؟ ما تدرين أي كثـر فرحت لما عرفت إنج لقيتي أحمد .. ولو كنت أدري من قبل إنه هو الي تحبينه كان سحبته من يده وجبته لج ..
ضحكت : فديتج .. ريحتيني .. لو مو أنا بالمستفى كـان جيت زرتج ..
تبسمت : ما تقصرين .. إلا ما قلتين .. شخبارهم عمج الحقير ومازن الـ ...
ضحكت : بخير .. يوصلون لج سلاماتهم بالسجن ..
قلت لها : والله ؟ تصدقيين شفته هـ المازن خرعني .. ليش شكله جذي يخوف ؟ أحس عيونه نارية .. تطلع شرار ..
ضحكت : سيماهم في وجوههم ..
ضحكت أنا : اووه .. قمتي تحفضي آيات .. تطــور ..
قالت : لا هذي عمي كل يقولها .. إلا ما قلت لج .. اليوم قلت لأحمد إني أسلمت وشرى لي حجاب علشان ألبسه بالمستشفى ..
تبسمت : والله ؟ ان شاء الله فرح ؟
لتقول : واااجد .. أقول بيون .. أخليج اللحين كاهو أحمد جـاي .. ويسلم عليج ..
أرغمت نفسي على أن أبتسم : سلمي عليه .. أخليج اللحين .. سي يو ..
أغلقت الهاتف .. وسقطت في بئـر السكوت مرة أخـرى .. أشعـر بالضعـف .. بالفــراغ .. بهدوء إجتاحني بغتة .. أشعـر بأن كـل شرياني ما عادت تستطيع حمل ذرات الأوكسجين ..
لا أرغــب برؤيته .. لا أحتمـل سمـاع خبــر عنــه .. الهي ارحمنـــي ..
نهضت بتعب نحو الحمام .. استحممت بمـاء بارد .. وعدت مرة أخـرى إلى السرير .. وعظامي تؤلمني .. أشـعـر بنيران تشتعل بأعمـاقي .. عكــس البــرودة التي تنخـر عظامي .. غطيت جسدي باللحـاف .. وأنـا أرتجــف ..
==
[ صفاء ]
طرقت الجرس ألف مرة .. لم يجب أحـد .. رفعت هاتفي لأتصل بحسن كي أرجع .. لكن وصلني صوت الرصيد المتبقي لا يسمح بإجراء مكالمة .. تأففت بضيق .. ماذا أفعل الآن ؟ أنا الغبية التي لم أتصل لها قبل مجيئي .. وقلت سأفاجئها بزيارتي ..
فتحت الباب .. والحمد لله لم يكن مقفلا .. سأجلس بفناء دارهم على الأقل لحين عودتهم .. وما إن جلست على الكرسي .. حتى انتبهت للنور في غرفة بيـان مضــاءا .. ربمـا تكون هنا ؟
نهضت .. خلعت حذائي .. ودخلت المنزل .. قصدت باب غرفتها .. فقد زرتها قبل هذا .. طرقت الباب .. ولم أجـد ردا .. فتحته بهدوء .. ورأيت المكـان غارقا بالصمت عدا صوت المكيف الذي يثير الضجيج .. ورأيتها مستلقية على سريرها .. ما إن رأتني حتى نهضت وصرخت بصوت أرهقه التعب : صفــاء ..
حركت ساعدي نحوها وضممتها : هلاوي بييون .. ويينج ما تبينين على المسن ؟
ضحكت : الله يسلمج أنا بزنز وومن مو فاضية للمسن ..
جلست على طرف السرير وأنا انظر إليها باستغراب : بيون ؟ مريضة ؟ أحس وجهج أصفر ؟ وشكلج ما ادري شلون ..
تبسمت : شوية سخونة جت في غير وقتها ..
رفعت كفي ولمست جبينها .. لتصل إلي حرارتها : مبيي بيون .. شكلها حرارتج مرتفعة واجد ..
غطت نفسها باللحاف : لا واجد ولا شي .. المهم قولي لي .. شلونج شخبارج ؟ سجلتي بأي جامعة ؟
تبسمت بسعادة : عطوني بعثـة إلى الأردن .. احم .. بدرس طب ..
صرخت بفرح : والله ؟ ألف مليييون مبرووك ..
عبست : توج تباركين ؟ مالت عليج هذا وآنا صديقتج ..
تبسمت : شسوي وقت ما أعلنو وجذي كنت مسافرة .. وبجامعة البحرين ما عطوني رغبتي .. تدرين شنو عاطيني ؟ سياحة .. هذا آخر ما فكرت فيه .. وما اني دارسة سياحة ..
قلت لها : واللحين شنو بتسوين ؟ في وين بتدرسين ؟ وفطوم ؟ شخبارها ؟
لتقول : ما ادري .. قالي محمود بسجلني بـ ama بس ما ادري .. أما فطوم .. عندي لج أخبار لها ..
قلت بسعادة : شنو الأخبار ؟ في وين بتدرس بأمريكا ؟
ضحكت : لا ماما .. طلعت لها بعثة دراسة للكويت .. بس ما رضت .. تقول ما تبي تتغرب .. بتدرس في الجامعة الملكية للبنات .. بس للحين ما استقرت .. محاسبة ولا أزياء ما ادري ديكور ..
قلت بدعوة صادقة : الله يوفقها ..
وما إن حركت فمها لتتكلم .. حتى رن هاتفها بنغمة مسج .. تناولت الهاتف .. وما إن قرأت الرسـالة .. حتى تغيرت معالم وجهها .. أغلقت الهاتف .. ورفعت رأسها لي وعينيها دامعتين : عن اذنج لحـظة ..
استغربت حالها هذا .. فهي نهضت قاصدة الحمام .. وأنا بقيت أفكر .. ما بها بيان ؟ لما تغيرت فجـأة ؟ لما أشعر بأن شيئا ما يحدث لها ولا تظهره .. لتعود .. ووجها ملطخ بالماء : صفوي طلبتج .. قولي تم ..
تبسمت : آمري .. تدللي .. كم بيون عندنا ؟
ضحكت وهي تجلس بجانبي : أنا خاطري من زمان أدرس عن dna وهـ السوالف .. الجـامعة الي انتي بتدرسين فيها فيها دراسة جذي ؟
قلت : اييي اكييد .. أخوي تخصصه جذي ..
تبسمت : زين عجـل .. قولي لي شنو اجراءات التسجيل والسفر والاقامة .. أنا قررت .. بدرس معاج بالأردن ..
فتحت عيناي على وسعهما : نــعم ؟ الدراسة صعبة .. وانتي بيون مو جدية بالدراسة ..
ما زالت محافظة على ابتسامتها : بس اذا الواحد عنده دافع وارادة يسوي الشي الي ما يقدر عليه .. أنا مصرة اني أدرس هنـاك ولا ما بدرس بالجامعة ..
قلت بفرح : زييين والله .. وأخيرا حصت أحـد معاي يونسني ..
==
[ جميل / جاسم ]
حـل الصبـــاح .. عنـــد الســاعة الثـــامنة .. كان صاحبنا مع عـادل قد ترجل من السيارة .. وقلبه يدق بعنف .. يمشي .. ومع كـل خطوة يتقدمها نحـو تـلك الغـرفة .. تـزيد دقــات قلبــه .. ويقــل صبـره .. تضعـف ارادته .. ويزداد خــوفه من هذا اللقاء ..
وصــل نحــو الباب .. تقدمه عادل : جسوم شفيك ؟ مو ناوي تدخل ؟
ابتلع ريقه : لحــظة شوي .. بهدي أعصابي .. وبضبط روحي وبدخـل ..
سمـى اسم الله بداخله .. صلى على الرسول وآله .. وطرق البـــــــــــــاب ..
/
[ أحمد ]
مددت لها كفي بالملعقة : يلله حبيبتي .. كلي هذي بعـد ..
قالت لي : امتلى بطني .. بس حمودي والله شبعت ..
قلت لها بزعل مصطنع : أفــا .. تكسرين بخـاطري ؟
تبسمت : لا .. ما عاش من يكسر خـاطرك .. بس صدقني شبعت ..
وضعت الملعقة في الصحن : براحتج .. بس لا تكلميني .. أنا زعلان ..
ضحكت : طيب شلون أراضيك ؟
قلت وأنا أبتسم : امممم .. ما تلبسين هـ العدسات مرة ثانية لأنها تضر بعيونج .. وبعدين انتي نظرج ضعيف .. ليش ما تلبسين طبية ؟
لتقول : لما رحت بآخذ طبية .. قالي الدكتور لبسي نظارة في البداية أحسن .. لأن نظري واجد ضعيف
يتبع ,,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك