بارت من

رواية وش رجعك -12

رواية وِش رجعك - غرام

رواية وش رجعك -12

ربت على كتفه : طــارق .. علامك تصيح ؟ شي طبيعي انها ما تصحى اللحين ؟ قلت لك انطر 24 ساعة ..
رفع بصره لي .. وقال بصوت مميت : صحت .. وأنـــا ..
قلت بسعادة : احلف ؟
تركته لأدخل لها .. لكنه أمسك ذراعي : أنا طلقتها ..
وكأن أحدا كب ماءا باردا عليّ : انت شنو ؟
همس ويمشي بعيدا عني : طلقتها .. وورقة طلاقها بتوصلها ..
ثار جنوني .. ذهبت ناحيته .. وأمسكته من ظهره .. وأدرته إلي : انت قد الي سويته ؟
تبسم بضعف : هي الي بغت الطلاق .. حاولت معاها .. ما رضت .. وما تركتني حتى أتكلم .. وأدافع عن نفسي ..
صرخت عليه .. وأنا أشده من بلوزته : شنو تتوقع منها ؟ تحبك ؟ وبتشوفك منهار لأنك خسرت ولدك الي نطرته من كم سنة ؟ تبيها تبوس راسك ؟ أكيييد بتقولك هـ الكلام يالــ ..
قاطعني وهو يحرر نفسه من قبضتي : انت فاهم الموضوع خطأ .. وما عندي أي استعداد أشرح وأوضح .. روح لها وتشرح لك .. ( ابتسم ثانية ) سلام ..
تركته .. وهرولت ناحية الغرفة .. وقفت عند الباب .. وكان هذا كافيا .. عذرا .. لا أستطيع الدخول .. فصوت بكاءها .. أماتني .. وأحيى بداخلي الذكرى التي لا تموت .. محـــال أن أدخل .. وأرى دمعها ..
خرجت من الغرفة .. صرخت بالممرضات بأن يهدأوها .. ومشيت أنا نحو غرفتي .. ألمم شتات نفسي .. لا تستغربوا .. فأنا أشعر بمشاعر مختلطة .. منتهى .. شيء ما يحدث لمنتهى الآن .. عزائي هي ..
أجل .. فالهدوء شيئا فشيئا تسلل إلي .. وعمرت السكينة فؤادي .. رفعت هاتفي .. واتصلت لعادل الذي أجابني من أول رنة : أحمد إلحق .. اختك المجنونة طلعت من البيت ..
صرخت عليه : أي وحدة ؟
ليقول : من غيرها بعد ؟ منــى ..
لأقول له : شفيها ؟ ليش طلعت ؟
ليقول : ما ادري .. كانت معاي بغرفتي مثل ما اتفقنا .. والوالد ما حس بوجودها أصلا .. ومحد يدري .. حتى دعاء .. ما ادري من اتصل فيها قبل شوي .. وطلعت ..
صرخت عليه ثانية : ووين كنت انت ؟
قال لي : بعد وين ؟ الناس شتسوي بهـ الوقت ؟ كنت نايم .. واوتعيت على صوت تلفونها .. بس كنت نايم وقاعد .. ما ادري بشي ..
قلت له بانزعاج : لا حول الله .. فاضين لتفاهاتها .. تعال المستشفى لاختك .. وآنا بدور على ذيك ..
ليقول : شخبارها صح ؟ درت ان الجنين طاح ؟
قلت له بوجع : تعال وقولك المصيبة ..
==
ستقولون مجنونة .. ستقولون بلهاء .. قولوا ما تشاءون .. فقد اتصل بي طارق .. وأخبرني بأنه طلق أميرة .. وسيأتي لاصطحابي إلى المحكمة .. سأتزوجه .. سيكون لي وحــدي .. لا يشاركني به أحـد ..
خرجت من غرفة عادل .. ونزلت الدرج .. رأيت والدي الذي أكرهه كما أكره أحمد وعادل وأميرة ودعاء وكلهم .. حتى ذاك الوليد الذي لم أره منذ سنين .. مشيت ولم أأبه لأمره .. لكنه ناداني ..
التفت له بابتسامة انتصار : نعم ؟
ليقول بغضب : شدخلج بيتي ؟
قهقهت ضاحكة : جاية آخذ الاذن منك .. بتزوج .. ههههه .. ما تسألني من ..
صرخ بي : اطلعي برى ..
ضحكت بأعلى صوتي : هههههههههه .. جذي ولا جذي بطلع .. ما يحتاج ترفع صوتك .. أخاف يبيح .. هههههههه .. بعدين يا بابا شلون تحضر اجتماعاتك .. هههههههههههه .. عساه ما يطلع منك صوت .. ههههههههه
لم أتوقف عن الضحك إلا حينما .. أمسك بيده السمينتين شعري .. وأخذ يشده .. وبصعوبة أفلت من يده .. وواصلت ضحكي : هههههههههههه .. وربي ما ألمتني .. مثل العســل .. فدييييتك .. تعرف تهدي هدايا .. ذوقك مرة حلو .. هههههههههههههه .. ما في مبروك ؟ اللحين بصير لطارق .. هههههههههههه بابا .. شتبي بعد ؟ بترد لك وحدة مطلقة .. والثانية بتدخل القفص الذهبي .. ههههههههههههه .. أشوفك محمول قول ان شاء الله .. هههههههههههههه .. هههههههههههههه ..
وخرجت من منزلنا السجن أركض .. وأنا أمسح دمعي .. وقفت أمام بوابة المنزل .. أنتظر قدومه .. وأنا أبكي .. ==


شكـرا لك ربي .. شكرا لك شكرا ..
كم أنا خجل من نفسي ..
على تقصيري .. وقلة حيلتي ..
فكـل شكري .. لا يكفي لنعمة واحدة .. أنعمتنيها ..
فكيف لي أن أشكرك على نعمائك ؟
الهي .. أنا عبدك المسكين ..
الذي لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ..
أنا عبدك الفقيــر ..
الذي لا يملك إلا تعطيه ..
أنا عبدك المذنب .. العاصي ..
الذي يعصيك .. فيستفغر .. ويعود للذنب مرة مرة أخرى ..
فتصدق يا الهي عليّ بلطفك .. وكرمك .. وغفرانك لقبيح ذنبي ..
فتحت النوافذ كلها .. كما طلبت مني بيان .. كنت مبتسما .. فرحـا .. والهواء الحـار .. مختلط مع الهواء البارد المنبعث من المكيف .. فيتحرك شعري .. ألا تكفي حقيقة أنني كنت سببا في هداية أحدهم .. سببا مقنعا لأرتدي ثوب السعادة ؟ أم سماع أخبار عن حبيبة قلبي ؟ أم رسم ابتسامة على ثغر احدهم ؟
كل هذا .. جلعني أبدوا ملكا .. أجــل .. فأنا أملك الآن ما يتمناه الكثيرون هذه اللحظة .. الفرح .. والراحـة ..
أغلقت النوافذ والتفت لبيان : اتصلي في فطوم بنمرها قبل ما تبدأ رحلتنا ..
قالت بفرح : وين بنروح ؟
تبسمت لها : كل مكان تبيه منتهى ..
ابتسمت لي منتهى : وآنا ابي أعزمكم على بيتنا .. خاطري من زمان أعزم أحد على بيتنا .. لا تقولون لا .. انت قلت أي مكان أبيه ..
قلت لها : تامرين أمــر .. كم منتهى عندنا .. ( التفت لبيان ) يلله شتنتطرين ؟ اتصلي لها .. واستأذني من أمج ومحمود بعد ..
لتقول : طيب طيب ..
لتقول لي منتهى : فطوم .. هي حبيبتك صح ؟
رفعت نظري لها .. أي رأيتها من المرآة : عليييج نور .. خطيبتي بعد كم يوم ..
ابتسمت بسعادة : والله ؟ وأخيــرا بفرح فيييك ..
ضحكت : تسلمي والله ..
==
بعد أن أغلقت باب السيارة .. التفت لها وأنا ابتسم : فطرتي ؟
ابتسمت إلي : لا ..
قلت لها : شرايج نروح نفطر .. بعدين نروح المحكمة ..
قالت لي : أول شي المحكمة .. لأن أبوي درى .. وأخاف يقول لعادل .. وبعدين ..
قاطعتها : صحيح كلامج ..
ابتسمت إلي .. فقلت : مرتاحة ؟
هزت رأسها يإيجاب : دام معاك .. أكيد مرتاحة ..
اكتفيت بابتسامة .. والتفت للأمام .. لا أعلم لما فعلت هذا .. أشعر بتأنيب الضمير .. لكن .. سأريبها .. كي تندم في اليوم ألف مرة .. على كلمتها .. وسنرى .. من الرجـــل .. الرجــل هو من ينتقم .. ويثأر لنفسه .. ولقلبه .. ولكرامته ..
التفت لمنى .. فرأيتها تنظر للخارج من النافذة .. يجب أن تعرف .. أنها حينما دخلت اختها إلى المنزل .. أصبحت لي .. ويحق لي أن أفعل بها ما تشاء ..
تبسمت بسخرية .. تجلسها بمنزلي .. وتأكل وتشرب .. وأوصلها لحيثما تريد .. بدون مقابل ؟ بالمجـــان ! في أي زمن نحن ؟
أتضنني نفسها ؟ طيب لدرجة السذاجة ؟
تبا لها .. ولأختها .. ولأبيها فوقهم .. ولذاك الأحمــــد .. سأريكم جميعا .. فردا فردا .. من هو طـــارق .. الذي اذا عشق .. عشق .. وسينتقم .. لحبه الذي تحطم بغيرة ساذجة !
==
ضممتها إلي : بس حبيبتي لا تسوين في روحج جذي .. وربي انه ما يستاهل دموعج ..
ارتفع صوت بكاءها اكثـر .. كم أنا متألم لحالها .. ألا يكفيها طلاق زوجها ؟ كيف لها أن تحتمل صدمتين .. وهي فقدان جنينها ؟
مسحت على شعرها .. وتركت رأسها فوق صدري .. تركتها تبكي كما تشاء .. فهي بحاجة لمن يواسيها .. ويفتح لها ذراعيه .. كنت حينها مشغول الذهن .. أفكر في سبب يدفعه لطلاقها ؟ الذي أعرفه .. أن بينهما قصة حب قديمة .. وأنهما يعشقان بعضهما البعض .. ما الذي جرى ؟
أخذت أتلو عليها بعض السور .. لحين أن غفت عينيها .. وضعت رأسها على الوسادة .. قبلت رأسها .. غطيتها .. وخرجت من الغرفة حيث كان أحمـــد ..
جلست بجانبه .. فسألني : شخبارها ؟
قلت له : نامت .. ( سكت قليلا .. ثم أردفت بوجـع ) تكسر الخــاطر .. الله يساعدها ..
رفع رأسه إلي : السـالفة فيها إن .. ولها علاقة بمنى ..
تذكرت منى : اييي صح .. لقيتها المجنونة ؟
تبسم بسخرية : رديت البيت .. ولقيت أبوي معصب .. ( ضحك بخفة ) شوي ويطلع الدخان من راسه .. سألته عن منى .. وقال لي انها طلعت من البيت .. بتروح المحكمة مع طارق ..
قلت له بعد استيعاب : انزين ؟ هي ليش تروح المحكمة معاه ؟
رمقني : يعني رجال وحرمة بروحون المحكمة ليش ؟
قلت : يتزوجون أو يطلقون .. ( سكت لأترجم الكلمات .. لأقول بصدمة ) معقولة ؟
ضحك : لا تستبعد شي .. دامنا ولاد أبوي .. كل شي منا يصير ..
استنكرت ما يقول : ما اتوقع .. منى تحب أميرة .. ما اضن تفكر بهـ الطريقة ..
لكنه قال : تدري ليش أبوي معصب ؟ تضن لأن منى طلعت من البيت ؟ هذي مو اول مرة .. أبوك معصب يا عادل .. لأنها استفزته .. وقالت له إنها بتدخل القفص الذهبي ما ادري الفضي .. هههههه ..
لم أستطع تمالك نفسي : ههههههههههه ..
صحيح أن الوقت والزمان والمكان ليسوا مناسبين بأن أنفجر ضحكا أنا وأحمد .. لكنهم يقولون .. بأن شر البلية ما يضحك ..
ليقول أحمد : أول ما بتقعد من النوم .. بحاول أفهم منها شنو صار بينهم ..
تنهدت : ان شاء الله ..
==
دخلنا داخل حديقة القصر الواسع .. كانت رائعة بكل ما للكلمة من معاني .. وجلسنا على الجلسة الخشبية المطلية بلأخضر ..
وبعد عدة ثوان .. استأذن يعقوب بلعودة .. أصرت عليه منتهى بلبقاء لكنه تعذر منها وذهب .. لتنهض منتهى .. وتقول بأنها ستذهب لاحضاء الغذاء ..
وبقينا أنا وبيان وحدنا .. كنا نضحك .. ونعلق على كل شيء موجود حولنا .. لحين أطل رجل في الأربعين من عمره .. وقدم نحونا .. وعلى فمه ابتسامة ساخرة ..
التفت لبيان : هذا عمها ؟
قالت لي وهي ترمقه : ايي .. هذا هو الحقير ..
قلت لها : شيبي جاي لنا ؟
لتقول : يمكن مثل اليوم الصبح .. بسوي تحقيق .. وبيمشي ..
وما إن وصل .. حتى رفعنا رؤسنا له .. حينما قال وهو ينظر لي تارة وتارة لبيان : صديقات منتهى ؟
لم تجب بيان .. فقلت له : ايي ..
ابتسم لي .. وقال : شرفتونا .. ( التفت لبيان ) ان شاء الله مرتاحة ؟
قالت له وكل علامات الكره واضحة على ملامحها : تقريبــا ..
ضحك بخفة ثم قال : شنو اسمج ؟
لتجيبه : ليش ؟ بتخطبني ؟
ضحك بصوت مرتفع .. واكتفيت بابتسامة أنا .. لحين أن قال : باين عليج أصغر من منتهى .. صحيح ؟
لم تجبه بل التفت إلي وقالت : يا شين الي يحاولون يمثلون انهم زينين ..
رأيت ابتسامة عالقة على فمه تتلاشى .. وارتفع صوته الحـاد : انتي في بيتي .. احترميني .. لأني أقدر أطردج ..
وقبل أن تجيب .. وصلنا صوت منتهى القادمة : قصدك في بيت أبوي .. وبما اني بنته .. فأنا الأولى بتحديد الناس الي تنطرد من البيت ..
التفت لها .. أمطرها بنظرات أجهل لها تفسير .. ورمقته بمثل النظرات .. بقيا مطولا صامتين .. وقلوبهم الحاقدة هي التي تتكلم .. لحين أن محيت تلك الكراهية الظاهرة .. وظهر في صوته الحنان : مبروك حبيبتي ..
جاءت وجلست بجانبنا : على شنو ؟
ليقول لها : سمعت انج رايحة تعتنقين الاسلام .. ( التفت لبيان ) لو أدري ان الناس السوقية بتقدر تحببج بلاسلام .. كان جمعتج بهم من زمان ..
حرك الاثنتين فمهما للحديث والرد على استهزاءه .. لكنه سبقهما .. بصوت ضحكه الجهوري .. ومشى مغادرا ..
لكن بيان رفعت صوتها قائلة : تاج راسك السوقين يا .. الراقي ..
==
قبلت رأسها : مبروك حياتي ..
تبسمت بخجل : يبارك فيك ..
احتضنت كفها .. ومشينا نحو السيارة : برايج أي مكان نروح نشتري منه الدبل ؟
قالت : ما ادري ..
قلت لها : تعالي بنروح المحل الي شريت منه أنا وأميرة الدبل ..
بلعت غصة لم تستطع أن تخفيها : خلنا نروح مكان ثاني ..
قلت لها وأنا أغلق باب السيارة : بنروح وبنشوف .. اذا ما عجبج شي .. نروح مكان غيره ..
سكتت .. ولم تجبني .. تنهدت بارتياح .. ومشيت قاصدا محل المجوهرات ..
وصلن بعد عشر دقائق .. ترجلنا من السيارة .. واقتربت منها .. احتضنت ذراعها .. ودخلنا المحل ..
اختارت لها دبلة من الذهب الأبيض .. مرصعة بحبتين كرستال .. وأشارت عليّ بواحدة : شرايك فيها ؟ تناسبك ؟
ابتسمت لها وأنا أشير إلى الدبلة المطوقة اصبعي : عندي أنا وحدة ما يحتاج آخذ غيرها ..
تغير لونها : بس هذي تربطك بأميرة .. مو بي أنا ..
اتسعت ابتسامتي .. ورقعت كفي أمسح على شعرها : عادي حبيبتي .. انتي وهي واحد ..
لم تجبني .. وبدت غاضبة .. دفعت سعرها .. وبعد أن أغلقت باب السيارة .. التفت لها : تبين نروح أي مطعم نتغذى ؟
قالت لي بغضب : المطعم الي تغذيت فيه مع أميرة أول يوم لك معاها ..
استحسنت الفكرة : والله ؟ ما طلبتي ..
حركت قاصدا ذاك المطعم .. وأنا اتذكر تفاصيل تلك الليلة .. كيف أنساها ؟
التفت لها فرأيت الدمع يلمع في عينيها .. أدرت وجهي وكأنني لم أرى شيئا .. ألا يكفي أنها أبعدت عني حبيبة قلبي ؟ أتريد أن تجردني من أجمل الذكريات ؟ أتريد أن تحرر اصبعي من حلق امتلاك روحي إلي ؟
==
مسحت دمعي : وبعدهـا طــلـقلني ..
حلت الصدمة على أحمد وعادل .. وأنا غرقت بأوجاعي مجددا .. أخذت أشهق .. لحين أن انتبها لأفتجاعي .. ظمني أحمد إليه .. وأخذ يمسح على رأسي .. وقال من بين أسنانه : والله والله يا أميرة .. أخلي كل دمعة دمعتيها اللحين ما تروح حرقتها في الهوا .. شلون تجرأ وفكر يخونج ؟ ( وبقهر واضح ) وشلون هـ الحقيرة فكرت هـ التفكير الوسخ ؟ ( ضمني إليه بقوة أكثر حتى شعرت بأن أضلعي تتكسر ) بيدفع الثمن غــالي .. أوعدج .. انه بيلعن الساعة الي فكر فيها يأذيج .. وبيتمنى الموت في كل لحـــظة ..
بعد عاصفة انفعال أحمد .. لم أتوقع إلا أضعافها لعــادل .. فأحمــد الحليم .. ارتعدت فرائسة .. كيف بعـادل ؟ المتهور .. الذي يسلم نفسه لغضبه ؟
==
الهي إذا لم أسألك فتعطيني .. فمن ذا الذي أسأله فيعطيني ؟
,
.
؟
نهاية الجـزء الثاني عشـر ..

[ 13 ]
سأتقدم
بشكوى ..
على ذاكرتي ..
مضمونها ..
الرجاء التخلص من تلك
الذكرى ..
فأنا لا أرغب ..
بأن أستمر في
النجوى ..
يكفيني .. هذياني ..
تكفيني هلوستي ..
لا أرغب بالوهم
أروى ..


بعد اسبـوع كامل .. ظهرت نتائجنا .. والحمد لله .. ارتفع معدلي .. كذلك فطوم .. ارتفع معدلها .. وبعد اسبوع آخر .. سيكون موعـد حفل تخرجنا الذي انتظرناه مطــولا ..
وجــاء اليوم المنتظر .. استيقضت باكرا عند العاشرة .. تحممت .. وارتديت ملابس خفيفة .. وخرجت لأصبح على أمي وأختاي .. فعلي .. يبيت منذ اسبوع مع عماد في بيت جدتي .. ومحمود في عمــله ..
بعد أن قبلت رأس والدتي .. جلست أمام الطاولة الصغيرة الموجودة في وسط مطبخ أمي المقدس .. وأنا أتناول كوبا من الشاي و " الكورنفليكس " .. أتت الصغيرتان إلي .. وكل واحدة منهما تطلب مني أن أحملها وأدور بها في الصالة ..
وكعادتي .. لا أحب أن أكسر خاطريهما .. تركت فطوري .. ورفعت مروة .. درت بها لحين شعرت بالدوار .. ورميتها على الكنبة ورميت جسدي جانبها .. وبعدها زهور ..
ركضنا نحو المطبخ .. وقلت لأمي : ماما .. اليوم تعالو من وقت .. قبل السعاة 4 وانص .. علشان تلقون مكان .. شكلهم الكراسي أقل من المدعوين ..
قالت لي : على محمود .. برد من الشغل ثنتين وانص .. خله ينام يرتاح شوب وبعدها نروح ..
قلت لها : قعدوا بالكراسي الي جدام .. علشان أشوفكم .. وصفقوا لي واجد .. وخله محمود يصّفر ..
ضحكت : عاد ما دورتي إلا محمود ؟ فطوم بتروح لها خالتج وزوجها ؟
لأقول : لا ماما .. رجل خالتي اليوم زامه أول ليل .. وفطوم أمس سوت مناحة في بيتهم .. وحاول يبدلون زامه .. أو ياخذ اجازة ما صار .. بروح عمارو وخالتي ..
قالت لي بحدة : وبعدين معاج ؟ مو الف مرة معلمتج تحترمينه وتقولين اسمه عدل ..
قلت لها بقهر : اييي .. عمار ما ترضين عليه .. لكن أنا .. ما يرضيج أسوي فيه شي .. وهو الي كل ما شافني أذاني .. حتى لما رماني بالشارع بروحي .. ما هاوشتيه .. بس شنو قلتي له ( قلدت صوتها ) ليش يوليدي ؟
==
تفقدت أميرة النائمة بهدوء في غرفتها .. أغلقت الباب بمثل ذاك الهدوء .. وطرقت باب غرفة عادل .. دخلت بعد لم أسمع ردا .. وجلست على الكرسي الهزاز أنتظره ينهي اتصاله ..
أغمضت جفناي .. وأنا أتذكر الأيام التي مضت .. كم كانت شاقة علينا جميعا .. باستثناء والدي .. الذي أخذ يوجـه اللوم لها .. ويوبخها على انسانيتها تجاه منـى .. الناكرة للحميل والعرفـــان ..
كم أشعر بأن كل المحبة التي كنت أحتفظ بها لها تبخرت .. وحل مكانها .. حقــدا .. سيطالها يوما ما .. كم أدعو عليها بعدم التوفيق كلما أرى دمعة تنسكب على خدي أميرة .. وكم أرجو أن تنقشع غيمة الحزن والكآبة عن هذا البيت يوما ما .. وأتمنى أن يكون قريبا ..
فتحت عيناي حينما وصلني صوت عادل .. همست له : مالقيته ؟
قال لي بغضب : الحقير يوم ثاني من طلقها سافر مع اختك الـ ....
لم ألومه .. لم أوبخه على ما قاله بحقها .. تستحق كل شيء .. تستحق قتلها حتى : وما دريت وين سافر ؟
قال وهو يرمي ثقل جسده على السرير : لين اللحين .. بس بعرف .. أنا كلمت ناس أعرفهم بالمطار .. وعطيتهم اسمائهم .. وقالو لي بدورون لي وين راحو ..
تنهدت بضيق .. وأغمضت جفناي مجددا .. وكلي أمل بأن يتسلل لقلبي بعض النور .. وقليل من أمل ..
لا أعلم كم بقيت مغمض العينين .. فقد أفقت حينما هزتني دعاء والدمع يتلألأ بعينيها : أحمد .. أحمد قوم ..
قلت لها وأنا أحك عيناي : شفيج تصيحين ؟ أميرة صار لها شيء ؟
قالت لي وهي تبكي : أميرة نايمة ..
أجلستها على قدمي : عجل ليش تصيحين ؟
مسحت دمعها : اليوم حفل تحرجي .. وأنا ما اني قايلة لأبوي يجي لأنه يوم درى عن نسبتي ما قال لي مبروك وما فرح فيها .. ( ذرفت دمعة يتيمة ) هاوشني ليش ما كانت أزيد .. أحمد اذا ابوي مو مهتم .. من بيهتم ؟
ضممتها إلى صدري .. فقد آلمتني بشدة .. وارتفع صوت بكائها .. مسحت على شعرها وحاولت تهدئتها : بس حبيبتي .. ما عليج من أبوي .. متى بيبدأ الحفل ؟
قالت لي وهي تمسح دمعها مجددا : اربع وانص ..
قلت لها : طيب .. روحي لأمج وقولي لها تجهز .. باخذها معاي .. اوكيه ؟
==
لم أشأ أن أحظر .. رغم أنني فرح بأن القدر كتب لي الحضور .. لا تستغربوا قولي هذا .. فأنا محتار بأمر قلبي .. وأمر ترددي هذا .. ماذا اقول لكم ؟ منذ مدة لم أرها .. منذ مدة لم أختلف معها بشيء .. منذ مدة لم تمطرني بنظراتها المشاكسة .. ولم تصرخ بوجهي بكلامها الســـام .. اشتقت لعبوسها .. اشتقت لكل هذا .. والأكثــر .. أنني اشتقت لعينيها حينما تنقلبان حمراون .. وقلما ما يحدث ذلك ..
كنت جالسا بجانب محمود .. الذي يجلس بجانبه أحمد .. وبعد قليل .. أتى عــادل .. الذي ما إن التقت نظراتنا .. رمقنا بعضنا بكل كره معلن ..
لا أعلم لما أمقت هذا الإنسان .. وأتنبأ بأنه صورة لوالده المتعجرف .. أكره كل تلك العائلة .. لكن أحمد .. رغم اختلافه عنهم .. إلا أنني أكرهه بعض الشيء .. لأنه قريب من ..........
لا أستطيع أن ينطق تفكيري بها .. فهاهي جالسة في السطر الثالث .. رغم كثرة الطالبات .. إلا أنني أميزها بينهم .. تبسمت على سخف تفكيري .. والتفت لوالدتي التي ما إن وصلنا لم تكف عن الحديث مع خالتي ..
==
وبدأ الحفل .. وهاهي احدى الطالبات تتلو آيات الله .. بعد النشيد الوطني .. ومن ثم .. كلمة مديرة المدرسة .. كلمة أخرى من القاء طالبة نيابة عن جميع الطالبات بمناسبة التخرج .. وأخيرا .. تكريم الطالبات .. وبدأ أحد المسؤولين بوزارة التربية والتعليم بتكريم الطالبات ..
فلنتجه بعدسة الكاميرا إلى فطوم أولا .. الجالسة في الصف الأول .. في المقعد الرابع .. كونها الرابعة على مدرستها .. نهضت وهي ترتجف .. وقفت بارتباك خلف الفتاة التي قبلها .. نودي اسم الفتاة .. ومشت تحت تصفيق الطالبات والحضور .. وبعدها .. نودي اسمها ..
سمت بسم الله .. ومشيت وعينيها على الرجل الواقف بجانب مديرة المدرسة .. وهو يبتسم لها ليعطيها شهادة تخرجها وهدية .. كونها متفوقة .. تقدمت إليه .. ولم تلتفت لوالدتها التي تمسح دمعها فرحا بما حققته ابنتها .. ولا أخاها .. الذي رقص قلبه فرحا حينما لمس فرح أمه ..
أخذت الشهادة .. وهي تجيب : الله يبارك فيك ..
ووجهت نظرها إلى الكاميرا التي تصورها .. وبارتجاف ايضا .. عادت من الطريق الآخر .. وهي تبتسم ..
بعد عدة طالبات .. نودي اسم " صفــــاء " تقدمت بثبات تام .. ووجهت نظرها إلى الجانب الآخر من القاعة .. حيث كان اختها وأخاها .. لوحت لهم .. وقلبها ينبض لا لشيء غير الفرح ..
في ذلك الجانب من القاعة .. كان يجلس حسن .. وأخته " غيداء " بجانبه .. التفت لها : الله يحفضها ..
ابتسمت له : تستاهل .. واجد تعبت .. واثنين وتسعين على علمي صراحة انجاز ..
ضحك بخفة : عجل آنا ماخذ خمسة وتسعين شنو تقولين عني ؟
ضحكت : مخك كمبيوتر بعد شنو تبي ؟
اكتفى بابتسامة .. ووجه أنظاره إلى الطالبات الخريجات .. وتلاشت تلك البسمة حينما رآها بينهم .. كـ الملاك .. مميزة بشالها الأبيض .. الذي يغطي وجهها الصغير بإحكام ..
==
همست لعادل الذي كاد يلتهم الفتاة التي يكرمونها الآن بعينيه : عادل .. وربي أهلها بحسوون ..
التفت لي وهو يبتسم : تدري من هذي ؟
قلت له : من ؟
قال لي وهو ما زال محافظا على بسمته : هذي الغلا ..
ضحكت : ما قلت لي انك متعرف على وحدة اسمها غلا ؟ خبري فيك آخر وحدة اسمها كأن ..
قاطعني وهو يضحك : رنـــا .. هذي هي .. هذي رنا .. مو انت سألتني شلون جيت وانت ما عندك بطاقة ؟
قلت له : ايي صح .. يعني رنا عطتك بطاقتها ؟
تبسم بسعادة : طبعـــا .. يوم الي عطوهم البطاقات .. شفتهم عند دعاء .. ورحت اتصلت بها على طول .. وقلت لها تعطي بيتهم وحدة .. والثانية لي أنا ..
تبسمت بسخرية : ليش يعني ؟ ليش تعلقها فيك وتدري بالنهاية ؟
قال لي بضيق : بس .. لا تكمل .. ليش انت متشائم هـ الكثر ؟ اذا انت مالك حظ بالحب .. أنا لي ..
قلت له وأنا أحترق : كلنا مالنا .. بتسألني ليش ؟ لأن أبو وليد يكون أبونــا .. ودليلي .. الي صار لأميــرة ..
==
نهضت من على كرسي .. وأنا أمسك بكف دعاء التي خلفي .. فأنا وهي .. نسبنا متشابهة .. حتى بعدد البوينتات .. لكن .. بما أن اسمي يبدأ بحرف الباء .. وهي الدال .. فسينادوني قبلها ..
التفت لها : دعوي أنا خايفة ..
قالت لي : لا تصيرين مثل فطوم ترتجف كأن ماخذينها للمشنقة .. خليج هادية .. وطالعي أمج ..
ضحكت بخفة : شرايج بعد ارمي لها بوسة في الهوا ؟
قالت : صحيح .. سوي .. وأنا بشوف ردود الأفعال .. اذا اوكي .. بسوي مثلج ..
ضحكت : لا والله ؟ يعني آنا الي أطيح فيها ؟
قالت لي : مشكلتج .. مو الفكرة فكرتج ؟
قلت : عجل جميع الحقوق محفوظة .. لا تقلديني ..
ولم تجبني .. لأنهم نادوا باسمي .. وحينما سمعت اسمي .. ابتسمت .. ومشيت ببطء .. وأنا التفت إلى أمي .. إإلى خالتي .. ومحمود .. الذي كان يجلس بجانبه عمار وأحمد .. رأيتهم يبتسمون لي .. ويصفقون بحرارة .. وكما طلبت من والدتي .. أن يصفروا .. صحيح أن محمود لم يفعل .. لكن عمـار فعل .. تبسمت له .. ووضعت كفي على فمي .. طبعت قبلة عليها .. ورميتها بالهواء .. حيث كان أحبتي .. أمي .. وخالتي التي أحبها كما أحب أمي .. محمود .. الذي أعشه كما يعشق الطائر الحرية .. حتى عمـار .. الذي أكرهه .. نسيت هذه الكراهية بعد أن رأيته ابتسامته .. والتفت لأحمد .. الذي لوح بذراعه لي .. وهو يضحك مع محمود ..
أشحت بوجهي عنهم .. وامسكت شهادتي وأنا انظر إلى الكاميرا .. وأهمس : يبارك فيك ..
مشيت عائدة أدراجي إلى كرسيّ .. وأنا أسمعهم ينادون باسم دعاء .. التفت للخلف أراها وهي قادمة .. لكن نظري اصتدم بشخص .. ارتجفت لرؤيته أوصالي .. واهتز قلبي بعنف حينما التقت عيناي بعيناه .. وكأن رجلاي شلت .. وقفت حيث كنت .. معلقة بصري عليه .. أحدق به بغير تصديق ! انــه ميت .. قالوا لي بأنه مــات .. كيف عـاد للحياة من جديد ؟ ولما اليوم ؟ لما أتى إلى هنا ؟ لما يبتسم هذه البسمة ؟ لما يحدق بي ؟ لم ..
ارتمت دموعي على خداي .. ضممت شهادتي إلي أكثر .. أرغب بأن أصرخ .. أن نادي محمود ليخلصني منه .. أن أركض إلى حضن أمي .. أن أعثـر على الأمان الذي أفقده هذه اللحظات .. لكن .. كل شيء في لا يستجيب لنداءات عقلي .. حتى عيناي الدامعتين .. لم تتحركا عنه ..
اقشعر بدني حينما هزتني دعاء وهي تجرني بلابتعاد عن المنصة .. لا أعلم كيف تحركت قدماي .. لا أعلم كيف وصلت بعيدا عن المنصة .. وجاءت فطوم وصفاء ورنا إلي .. أخذوا يسألوني لما هذه الدموع .. ولما عيناي معلقتان في الفراغ .. لكنني .. رميت رأسي على صدر فطوم .. وأخذت أبكي بقوة .. وكأنني استوعبت للتو .. أن الزمان .. صفعني ثانيةً .. وأيقضني من غفوة موتـــــه ..
==
جاءت لي صفاء وهي تمسح دمعها .. مسحت دمعها وأنا خائف عليها : شفيج ؟ ليش هـ الدموع ؟
قالت لي : ما ادري شفيها بيون .. مرة وحدة قامت تصيح ..
قلت لها بحذر : الي توى مكرمينها قبل شوي ؟
قالت لي وهي تمسح دمعها : ايي .. ( التفت لغيداء ) غيداء أخذتها فطوم لأمها .. عادي أروح ؟
قالت لها : روحي المنصة .. لين ما تكمل الحفلة .. وبعدين شوفيها .. أكيد اللحين عند أهلها ..
لا أعلم ما حدث بعد هذا .. فأنا وجهت بصري إلى الرجل الذي نهض .. وهو يضمها .. الرجل الذي يسمى محمود .. الذي طلبت مني هاتفي للاتصال له ..
اطرب نبض قلبي .. وأنا أستذكر تلك النظرة التي رمقتني بها قبل قليل .. متأكد أنا حينما تعانقت أعيننا بكت .. وأنها لرؤيتي حدث بها ما حدث .. أيعقل لأنها تذكرت وجودها في الشارع لوحدها ؟ أم لسبب آخـــر ؟
==
جلست بالكراسي التي عند الاستقبال .. خارج القاعة .. وأمي بجانبي .. وهي تحاول تهدئة بيان .. وخالتي وعمار وفطوم واقفين بجانبنا .. وفطوم .. تبكي عند خالتي ..
التفت لها : فطوم روحي .. اللحين بخلص الحفل .. ما تبين ترمين الكب مالج ؟
قالت وسط دموعها : ما بروح إلا مع بيان ..
قلت لها : ما عليه .. اللحين بتهدأ .. وبخليها تلحقج .. انتي الأولى على التجاري .. وأكيد بسوون معاج التلفزيون مقابلة .. يلله طاوعي وروحي ..
وحاول عمار معها .. لحين قبلت بالعودة .. وعادت إلى داخل القاعة برفقة عمار ..
نهضت من على الكرسي .. وطلبت من خالتي الجلوس .. جلست .. وأنا ابتعدت قليلا .. ربما تريد بيان اخبار أمي شيئا تخجل أن أسمعه ..
ورأيت أحمد قادما نحوي : شخبارها ؟
قلت له : ما ادري .. ما قالت شي .. بس تصيح ..
قال لي : طيب يصير أكلمها ؟
قلت له : ما ادري .. روح لها .. يمكن ترد عليك ..
فقال : وانت ليش واقف بعيد ؟
سكت قليلا ثم قلت : ما ادري .. احس روحي عاجز عن أي شي .. بيون صياحها مو طبيعي .. ما ادري شصاير لها ؟
==
جلست على ركبتين بجانبها : بيان .. تسمعيني ؟
ارتقع صوت بكاءها .. رفعت رأسي لأم محمود : قالت لج شفيها ؟
قالت أم محمود وهي تبكي : لا .. بس قالت لي انها خايفة .. أنا خايفة عليها ..
تبسمت أطمئنها : لا تخافين .. ما فيها إلا العافية .. ( والتفت لبيان ) بيان .. انتي خايفة من شنو ؟
خبأت رأسها في حضن والدتها أكثر .. ولم أسمع إلا شهقاتها .. همست لها : بيان .. الله معاج .. الله يحميج .. ليش الخوف ؟
لم يتغير شيء .. رفعت صوتي أكثر : يرضيج يعني أمج بعد فرحتها فيج تصيح عليج ؟ يرضيج محمود الحاير في أمره خايف عليج ومو عارف شنو يسوي علشان يهديج ؟ فكري في الي حولج .. لا تفكرين بس بنفسج ..
هدأت قليلا .. وقلت بنفس الصوت : يلله اللحين .. قومي غسلي وجهج .. بقول لج شي انتي ما تدرين عنه .. محمود والماما .. مشترين لج هدبة .. ما تبين تعرفين شنو ؟
أكملت : وأنا بعد ماخذ للغالية بيونة هدية .. توقعي شنو هي ؟
وصلني صوتها الهامس المرتجف : أبي أرد البيت ..
قلت لها : يعني مصرة تخربين سعادة الي حولج ؟ مو اتفقنا ما نبي أنانية ؟
قالت بنفس النبرة : ماما .. قولي لمحمود أبي أرجع البيت ..
قالت لها والدتها : ما عليه .. ( قالت لي ) يمه أحمد ناد محمود ..
نهضت وأنا فاقد الأمل منها كليا : ان شاء الله خالة ..
==
" إلى من تهدين نجاحج وتفوقج ؟ "
قلت بصوت راجف : إلى أبوي وأمي .. وجدتي الله يحفضها .. إلى خالاتي .. وبنات خالتي وعيالهم .. إلى خواتي وأخواني .. وإلى صديقاتي .. وإلى بيان توأمي ..
أبعدت عدسة الكاميرا عني .. هرولت نحو عمار : شخبارها ؟
تبسم لي : هدأت .. بس رد محمود معاها البيت ..
قلت له : وأمي وين ؟
قال لي : ردت معاهم .. يلله حبيبتي .. الأذان أذن .. مو ناوية تردين ؟
قلت له : بلا .. بس خذني لبيت خالتي مو بيتنا ...
تبسم ثانية : اوكيه ..
خرجت بعد أن ودعت دعاء ورنا وصفـــاء .. على أمل اللقاء ..
==
همست له وأنا أخذ باقة الورد : مشكور ..
تبسم لي وهو يحدق بعيناي : بس مشكور ؟
قلت له بضيق : عــادل .. تكفى روح .. كل الناس بشوفونك معاي ..
قال لي وهو ما زال مبتسم : ما عليه .. خلهم يعرفون اني احبج ..
قلت له بنفس الضيق : أنا بروح .. أبوي ينطرني بالسيارة ..
وما إن حركت قدماي .. حتى استوقفني عندما اقترب مني .. وهمس بأذني : أحبج .. وأوعدج انج ما بتكونين لأحد غيري ..
تلألأ الدمع بعيناي : والي يسلمك بعد ..
رفع كفه ليمسح الدمع الذي سـال على خدي لكنني أمسكت كفه أمنعه من لمس وجهي : عادل لا .. حرام عليييك ..
تلاشت ابتسامته .. اقترب ثانية .. وهمس : لا تلوميني .. اعذريني .. المجنون ما يحاسبونه على افعاله ..
حررت كفه من قبضتي وابتسمت له بوجع وأنا أسير عنه .. لماذا لا يفهم ؟ لماذا يتلاعب بأقداري ومشاعري ؟ لماذا لا يستوعب قلبه أن اجتماعانا مستحيل .. منذ متى .. ابنة الفقير .. تزف لابن الأثريـــاء ؟
==
وضعت رأسي على وسادتي بعد أن فرغت من صلاتي .. غطيب جسدي من قمة رأسي إلى أسفل قدماي بالحاف .. ولم تستطع ذرة هواء واحدة التسلل إلى الداخل .. وأخذت أذرف الدمـع .. بهدوء ..
فحينما أخبرت أمي بما رأيت .. لم تصدقني .. وأكدت لي بأنه ميت .. يضنوني أصبت بالجنون .. يصنوني أتخيل وجوده .. كيف أتخيله وأنا نسيته أصلا ؟ فقد مر على ذاك الحادث خمس سنين .. لكنني حينما رأيته اليوم .. استرجعت الذكرى .. وكأنها حدثت توا .. في هذه اللحظة ..
كان وقتها ما زال والدي على قيد الحياة .. ومحمود لبس بهذا القرب مني .. ولا أحد يعلم بما حصل .. غير أبي رحمه الله وأمي .. وخالتي وابنيها ضياء وعمــار ..
أجل .. كان في عرس ضياء .. حينما كنت ألعب مع فطوم وباقي الأطفال لعبة الاختباء .. واختبأت في ذاك المخزن اللعين .. الموجود في حديقة المنزل الواسع .. مر وقت .. وما زلت مختبئة مكاني .. توقعت أنهم لم يعثروا علي .. فابتعدت من مكاني .. وهممت بفتح الباب لكن صوتا بالخلف أفزعني .. التفت للوراء .. وصعقت مما رأيت .. رأيته بعيناه المحمرتين .. بشعره الأشعث .. بأسنانه الصفراء .. شاربيه الكبيرين .. ولحيته الغير مرتبه .. قميصه المغبر .. الذي مفتوح كل أزراه .. أما بنطاله .. فكان يحتوي على ألف شق ..
أقرفني شكله الرث .. وأخافتني ملامحه .. لكنني كنت وقتها في أوج جرأتي .. في الأول الاعدادي .. بالثانية عشر من عمري .. ألهو مع الجميع .. ولا أخشى أحدا .. اقتربت منه وقلت له وأنا ابتسم : كأنك طالع من بيت الوجوش ..
لم أرى تغيرا على ملامحه .. بل كان يصوب نظراته إلى عيني مباشرة .. وكأنه يريد أن يبث الخوف في قلبي : ليش تطالعني جذي ؟ زعلت ؟ بس صدق ما امزح .. اللحين كل الناس عليها ثياب حلوة .. إلا انت .. تبي أجيب لك ثياب من عند محمود ؟
لم يجبني .. لكنه تقدم خطوة نحوي .. دفعني للتراجع خطوتين .. لا أعلم لما تدفق الخوف إلى أضلعي .. وبدأت أشعر بعدم الأمان .. وضعت يدي على الباب وقلت له بصوت مرتجف : احنا كنا نلعب " الخشيشوة " وأنا تخبيت هني .. لو أدري انك ما ترضى ما جيب ..


يتبع ,,,,,

👇👇👇
تعليقات