بارت من

رواية وش رجعك -11

رواية وِش رجعك - غرام

رواية وش رجعك -11

تهلل وجهي فرحا والتفت لوالدي : يبه .. يمه .. كاهم جو ..
اتسعت ابتسامة أبي .. ولمع الدمع في عيني أمي .. أما أنا فهرولت ناحيتهما ..
صرخت بأعلى صوتي : هييييثم .. عهوووود ..
لوحا لي بكفيهما .. وما إن وصلت إليهم .. حتى ارتميت في حضن هيثم أولا : شخبارك ؟
قال وهو يضحك : بخييير .. مشتاق لكم .. شخبارك انتون ؟
ابتسمت له وقلبي يتطاير فرحا : بخيييير دامني شفتكم .. واخيرا نورت البحرين ..
فتحت ذراعي لعهود التي وجها ملطخ بالدمع : عهوودو يالكريييهة .. لين اللحين ما حلويتين ..
ضحكت وسط دموعها وضمتني : سباااال ..
ضحكت على كلمتها هذه التي كانت تقولها لي منذ كنا صغارا : مافي سبال غيرج .. شخباارج ؟ أحسج متنانة ..
فتحت عينيها بصدمة : والله ؟ احلف .. صدقني ما اكل واااجد ..
قهقت ضاحكا : علينا هـ الكلام .. شوفي شلون كرشتج تبين .. كأنج حامل بالشهر التاسع ..
ضربتني على ضهري بقوة : سباااااال .. أصلا مافيني كرشة .. خليتها لفطووم مرتك ..
تبسمت بسعادة : فديييتها والله ..
وكلها ثوان .. ويرتمي أخوي .. عهود وهيثم في أحضان والدي .. وغير صوت بكاء فرحة اللقاء لم أسمع ..
[ هيثم : 25 سنة ]
[ عهود : 25 سنة ]
==
صعدت الدرج .. أبحث عن غرفتي بارهاق كبير .. فقد داومت منذ عصر أمس إلى صباح اليوم .. ولم أرتح مطلقا .. فتحت باب غرفتي .. أغلقته بعد دخولي .. وارتميت على السرير .. لم أخلع حذائي إلا بصعوبة .. شغلت التكييف .. وأغمضت عيناي طلبا للراحة ..
مضت عدة ساعات ربما .. لكنني استيقضت فزعا على صوت طرقات الباب .. نهضت بتثاقل .. وقلت بصوت ضعيف : مييين ؟
وصلني صوت دعاء : أحمد افتح الباب ..
قلت بضيق : شتبيييين ؟
لأسمع صوت عادل : أحمد افتح الباب .. بس دقايق ..
فتحت الباب .. واتجهت نحو السرير .. وما إن غطيت جسدي باللحاف .. حتى طل الشقيان ..
ليقول عادل : صحيح إن بيان اخت محمود ؟
يا الله .. أأيقضوني من نومي .. ليسألوني هذا السؤال التافه ؟ صرخت عليه : اطلع برى .. أبي أنام ..
لكن دعاء قالت : أحمد قوله .. مو راضي يصدقني .. غصب بخليها اخت اخو فطوم ..
قال عادل وهو يهزني : بس قول اي أو لا .. ورد نام .. يلله أحمد ..
همست وأنا في طريقي لعالم الأحلام : اي ..
لتقول دعاء : شفت ؟ ما قلت لك ؟
فقال : ما اصدق .. محمود ما يناسبه ان بيان اخته .. فرق السما والأرض ..
==
كنا حينها جالسين على عتبة الباب الخارجي ..
فقالت فطوم : لو يشوفنا اللحين عمار أو محمود ذبوحنا ..
ضحكت : اللحين محمود في الشغل .. مجنونة أنا اقعد هني وهو بالبيت ..
لتقول : اييي .. المكان واااجد فن .. وهم .. على كيفهم يحرمون ويحللون ..
قلت بسخرية : قالو ويش ؟ انتو صبيان تقعدون هني ؟ هذي مو حركات بنات ؟
وأكملت فطوم : انتو مو لوحة الرايح والجاي يتفرج عليكم ..
قهقت ضاحكة : الي يسمع من كثر السيارت الي تمر جنب بيتنا ..
لتكمل : شكلهم يحسبون البيت في المنطقة الدبولماسية ولا شارع المعارض ..
ضحكنا معا وقلت وأنا أضع رأسي على كتف فطوم : كان خاطري اروح الكورنيش ..
لتقول : عمااارو كريييه .. شجيبه ورانا ما ادري ..
لأقول : شرايج اليوم نقول لمحمود ياخذنا كرنيش الغوص ؟
قالت بسعادة : ايييوة .. ان شاء الله ما يردنا ..
وما إن حركت فمي لأتكلم حتى طل علي وعماد .. وقال علي : لا والله ؟ شمقعدكم هني ؟
قلنا له بصوت واحد : كيفنا ..
ليقول عماد : قوموا داخل ..
لأقول : بس دقايق واحنا داخلين ..
لكننا نهضنا حينما قال علي : اوكيه .. بس بتصل لمحمود بقوله ..
قلنا بصوت واحد : افففف .. مملين ..
==
جالسة في حديقة المنزل .. أحتسي كوبا من الشاي وأقرأ تارة في كتب الجامعة .. وتارة أخرى في الاسلامية .. كما يسميها عمي !
وبينما أنا منشغلة في الدراسة .. والفهم والحفظ .. رفعت نظري لوالدتي التي جلست بجانبي .. تبسمت لها .. وهذا تطبيقا لما قرأته في احد الكتب .. أن رضا الله من رضى الوالدين .. استغربت ابتسامتي وقالت : محتاجة شي ؟
ابتسمت ثانية : لا ماما .. ليش تسألين ؟
لتقول : غريبة .. ما عارضتي اني جلست معاج .. وابتسمتي لي بعد ..
ضحكت بخفة : الفضل يعود إلى الكتب ..
فقالت : دام الي تقرينه يسوي فيج جذي .. زين .. الله يخلي يعقوب لأهله ..
تبسمت : ليش يعني ؟
لتقول : لأنه هو الي سوى الي احنا ما قدرنا نسويه ..
قاطعتها : انتو لو حاولتون معاي .. أكيد برضى .. بس انتو عندكم كل شي اجباري .. ما في شي الواحد يسويه باقتناع ..
لتقول : احنا نبي مصلحتج .. وانتي ما تعرفيها .. شوفي اللحين .. يوم تركتي ذاك عنج .. وفكرتي بعقلج ..
قاطعتها بضيق وأنا أنهض أجمع كتبي من على الطاولة : ماما .. ( رفعت ناظري لها والدمع تجمهر بعينياي ) لا تتوقعين اني نسيت أحمد .. تراني كل شي أسويه علشانه .. هو كان خاطره أصير مسلمة .. وبكرة بياخذني يعقوب لشيخ وبسلم .. مو علشانج .. ولا علشان عمي .. علشان أحمد ..
حملت كتبي .. وركضت ناحية مدخل المنزل .. ودموعي تسيل على خداي .. حتى وإن حاولت اصلاح نفسي .. ومعالمتهم معاملة حسنة .. يجبروني على عكس ما أريـــــد ..
==
حل المساء .. وأنا منذ اسبوع .. أبيت في بيت والدي .. فالحمل يتعبني .. لا استطيع التحرك .. ولا القيام بأدنى مجهود .. ووالدتي هي التي تعتني بي ..
كنت جالسة مع والدي .. حينما جاءت فطوم من بيت خالتي .. وهي ما زالت بملابس المدرسة .. قلت لها بضيق : واخيرا شرفتي ..
قبلت رأس أمي وأبي .. وجلست بينهما : شلونج ماما .. شلونك بابا .. وحشتوني ..
قالها لها أبي : وانتي بعد .. وينج .. ما بيني اليوم ؟
لتقول : بابا اليوم آخر يوم لنا بالمدرسة .. عزمتنا صديقتنا على الفطور .. تفطرنا .. ورجعت مع بيان بيتهم .. تغذينا .. ولعبنا اونو مع علي وعماد .. واللحين جى محمود .. وبياخذنا الكورنيش ..
قاطعتها : يعني جاية تستأذنين وتردين تروحين ؟
قالت لي : انتي مالج دخل .. أنا أكلم أبوي ..
وقال أبي وهو يمسح على شعرها : ما عليه .. روحي بدلي ثيابج .. وتجهزي وروحي الكورنيش ..
تبسمت بسعادة .. وقبلت رأس والدي .. ونهضت وهي تقوم بعمل حركات لي ..
لأقول لأبي : يبه .. ما يصير جذي .. اليوم أول يوم وهي طول الوقت مطيحة في بيت خالتي .. يعني اللحين طول الاجازة ما بنشوفها ؟
ليقول والدي : ما عليه .. خليها تستانس ..
فقالت أمي : صحيح كلام جهاد .. اللحين جهاد عندنا بالبيت .. والمفروض تقعد مع اختها ..
قال أبي بغير اكتراث : ما عليكم من بنتي .. الي يريحها خلها تسويه ..
سكت مكرهة .. وأنا أفكر بفطوم .. فهي في تغير مستمر .. ترفع صوتها علي ؟ تطنشني ؟ هذا ليس من صفاتها .. كل ذلك .. بسبب تلك .. بيـــــان !
==
فرشنا بساطا على العشب الأخضر .. وصفت بيان وفطوم البيتزا والمعجنات على البساط .. وأنا أفتح الميرندا : بيان .. أنا عندي لج مفاجئة ..
قالت بسعادة : صدق .. شنو ؟
تبسمت : اممممم .. احزري ..
قالت : اممممم .. ( التفت لفطوم ) تتوقعين شنو ؟
تبسمت فطوم : ما ادري ..
لأقول : تذكرة سفر لـــ ..
صرخت : والله ؟ لويييين ؟
ليقول علي : محمود ؟ لا تقول إن بس لها ؟
ضحكت بخفة : ايوة .. أنا وهي ..
لتقول بيان : محمود .. قولي .. لويييين ؟
تبسمت : لألمانيا ..
التفت لفطوم وضحكت : يااااااااااي .. احم .. واخيرا بسافر .. ولألمانيا ؟ الشمس من وين طالعة اليوم ؟
ضحكنا كلنا .. عدى علي : محمود ظلم .. الله قال اعدلو بين الأبناء ..
ضحكت : لا يكون حاسبني الوالد الله يرحمه ؟ تراني لين اللحين صغير ..
ضحك عماد : شكله شارب ..
ضربه علي : يمكن .. بس اكيد معاك ..
ومضوا في نقاش عقيم ..
لكن بيان قالت : بس انا ما اروح بدون فطوم ..
تبسمت لهما : اوكيي .. قولي لأبوج .. واذا رضى .. آخذج معانا ..
قالت فطوم : اوكييي .. يلله خلنا نرد البيت ..
ليقول عماد : لا ماما .. ما عندنا بنات يسافرون بورحهم .. تروحين .. أروح معاج .. رجلي على رجلج ..
ليقول علي : خسي تروح وأنا أظل .. محمود .. صير عاقل .. وخذني معاكم ..
قالت بيان بصوت مرتفع : لا تخافون .. بتوسط لكم عند محمود يرضى ..
رمقها علي : مالت عليج يالواثقة ..
تبادلنا الضحك والسوالف .. ونحن نتناول العشاء .. في الكورنيش ..
==
سلمت على هيثم .. وجلست بالمجلس .. أنتظر يعقوب .. جاءني وهو يحمل صينية بها كوبين من العصير و صحن به حلوى ..
وما إن وضع الصينية أمامي .. تناولت قطعة من الحلوى وقلت ليعقوب : متى بتاخذها لشيخ ؟
قال لي بعد شرب شربة من العصير : ايي .. ان شاء الله بكرة الصبح ..
لأقول : شرايك .. تكلمها عني بعد ؟
ليقول : اسمح لي .. أنا مالي دخل بسوالفكم .. ان شاء الله راح يكون بكرة آخر يوم أكون معاها .. فطوم خلصت من المدرسة .. وامي بعد كم يوم بتروح تخطبها لي .. وأنا ما ابي تفهم خطأ علاقتي بمنتهى .. مثل ما انت فهمتها ..
وضعت كوب العصير في الصينية وقلت له : اسمعني .. بس سألها متى تبيني أجي أخطبها .. أنا مليت ..
ليقول : ليش ما تسألها انت ؟
قلت له بضيق : لا .. انت احسن .. يمكن تستحي منك .. وترد ..
فقال لي : مازن .. لو كانت تبيك .. كان ماردتك .. لا تضغط عليها .. في ألف وحدة تتمناك ..
نهضت وقلبي يشتعل غضبا ووجعا : بس أنا ما اتمنى إلا وحدة .. وقلبي ما ينبض إلا لها .. يعقوب .. لا تقول هـ الكلام مرة ثانية .. لأن سبق وتكلمنا فيه .. منتهى لي .. سواءا كانت راضية ولا لا ..
==
استيقضت من نومي .. تحسست السرير جانبي .. ولم أره .. أشغلت ضوء الأبجورة التي بجانبي .. ونظرت إلى الساعة .. كانت الثانية والنصف فجرا .. إنه تأخر في العودة .. على غير العادة !
نهضت من على السرير .. وارتديت الروب الوردي .. خرجت من الغرفة .. وأنا أضع يداي على بطني الذي برز .. نزلت من على الدرج .. سأنتظر عودته ..
مشيت باتجاه الباب .. لكن صوتا بالصالة شدني .. غيرت مسيري إلى الصالة .. لأسمع صوت التلفاز .. مشيت خطوتين .. واقشعر بدني .. ارتجفت أوصالي .. ابتلعت الصدمة لساني ..
كنت أود أن أصرخ .. أن أنادي أحدهما .. وأطلب تفسيرا .. لكن كل شيء في جامد .. حتى أنها أنفاسي .. أخذت تزيد سرعتها .. واطرب نبضي .. حينما رأيته معاها في مقعد واحد .. تضع رأسها على صدره .. وهو يداعب خصلات شعرها .. وعينيه تنظر إلى عينيها السوداوين ..
هزني ما رأيت .. اندفعت دموعي إلى خداي بسرعة .. وانسكبت على خداي .. أخذت أبكي .. ولكن من دون أي صوت .. لا أعلم ما يحدث لي .. لكن عيناي معلقة بهما .. وكل شيء في يأبى التحرك .. وهما .. لم ينتبها لي .. بل غارقين في نشوة اللقاء ..
كم أجهل كيف تحرك لساني بعد أن انعقد .. وهمست بصوت يرتجف : طارق .. منى ..
رفعت رأسها من فوق صدره .. والتفتا لي .. والذعر يملأهما .. نهضا بنفس الوقت وهمس طارق إلي : أميــرة !
رفعت كفي لأمسح الدمع الذي يأبى أن يتوقف .. وتقدمت لهم خطوة : ليش ؟
تقدم ناحيتي .. لكنني صرخت عليه : وقف .. لا تتقرب مني يالخاين ..
قال برجفة : أميرة انتي فاهمـة خـ ..
قاطعته وأنا أصرخ بانهيار : اسكت .. ولك وجـه تتكلم ..
رفعت بصري لمنى التي أدارت وجهها .. ولا تنظر إلينا : منى .. تخونيني ؟
التفت إلي ودمعها على وجنتيها : أنا اسفـة ..
صرخت : شنو آسفة ؟ ترضين أخونج مع زوجج وأقولج آسفة ؟
هزت رأسها فأكملت : عجل ترضينها لأختج ؟ الي فتحت لج بابها وما بخلت عليج بشي يوم من الأيام ؟
فقالت وهي تبكي : أميرة .. لو أقولج ما بتفهمين .. تتوقعين اني حقيرة لهدرجة ؟ تتوقعين ان ما عندي قلب ولا احساس ؟ تتوقعين إني ما أتألم إذا ناظرني أو غرقني بحنانه ؟ أميرة .. ( شهقت ) أنا ما أبي منه شي .. أنا أبي بس الحنان ..
صرخت عليها وأنا أرتجف : سكتييي .. ولاد الحرام واجد .. خذي الي تبينه .. وبيعطيج الي تبين .. ما دورتي إلا زوجي ؟ ( وبهمس قلت وأنا أختنق ) إلا زوج اختج يا منى ؟
لا أعلم ما حصل بعد هذا .. لا أعلم إلا أنني كنت أشعر بارتفاع الروح .. وأن أحدا ما يضغط على صدري .. ويحيط بيداه رقبتي .. ويمنع عني الهواء .. همست وأنا أشعر بأن الموت يأخذني إليه : طـ ل ــقنـ ـي ..
==
يا قابل السحرة اقبلني ..
,
.
؟
نهاية الجـزء الحادي عشـر ..

[ 12 ]
أتعلم ما يدور بخاطري ؟
لن أتركك تفكر كثيرا ..
أفكر بأن أنظر إليك ..
بنضرة احتقار ..
تنكس بعدها رأسك خجلا ..
عما اقترفته يداك ..
ولا تستطيع رفع رأسك ..
والنظر في عيناي مجددا ..
استيقظت فزعا على صوت رنين هاتفي .. مابالهم اليوم ؟ ما إن تغفو عيناي حتى يوقضوني ؟ تجاهلت الرنين .. وحاولت مواصلة نومي .. لكنه استمر رنين الهاتف .. وكأنني مجبر على الرد ..
زفرت بضيق .. وضغطت على زر الرد من دون أن أشاهد اسم المتصل : خير ؟ شهـ الازعاج في نص الليل ؟
وصلني صوت رجل أعرفه : أحمـد .. الحق علي .. أنا في المستشفى إلي تشتغل فيه ..
انتفض قلبي خوفا : طارق ؟ شصاير ؟
قال لي وصوته ما زال مرتجفا : تعال المستشفى وبتعرف ..
نهضت من على سريري فزعا : أبدل وأجييك ..
أغلقت هاتفي .. قصدت الحمام مسرعا .. بدلت ملابسي بسرعة كبيرة .. وخرجت من غرفتي بنقس تلك السرعة .. حتى أنني نسيت اقفال غرفتي التي لا أتركها مفتوحة أبدا ..
بعد ربع ساعة .. وصلت إلى المشفى .. رفعت هاتفي .. واتصلت به .. سألته أين هو .. فقال بأنه بغرفة العمليات .. قصدته حيث يكون .. ورأيته جالسا .. يضم رأسه بكفيه .. وبجانبه منى .. ودمعها على خديها .. همست له : طارق .. وينها أميرة ؟
رفعا رأسيهما .. وركضت منى ناحيتي .. ارتمت في أحضاني وارتفع صوت بكاءها .. كانت تهذي بأشياء لم أفهمها .. لكني استغربت من بعض كلمات .. " والله ما بسامح نفسي .. اذا مات .. بموت وراها .. عطوها روحي بس لا تروح " .. قبلت رأسها .. وما زال رأسها فوق صدري : طارق .. فهمني .. شصاير ؟
قال لي وهو يرتجف : اغمى عليها .. أخذتها الطوارئ .. وعلى طول .. جابوها هني .. قالو إنها والجنين بخطر ..
ربت على كتفه .. وأجلست أختي على المقعد .. ودخلت لأرى كيف حالها ..
==
لم أنم هذه الليلة .. كنت أبكي .. حبي الراحل .. أجل .. أبكــيه .. كيف استطعت أن لا أبكيه طول هذين الشهرين .. كيف أبحرت بين كتبي .. وتجاهلت العهد الذي قطعت على نفسي .. بنصب العزاء عليه لحين رؤيته .. كم اشتقت لك يا روح روحي ..
نهضت من على سريري .. وفتحت الدرج الثالث من أدراج مكتبي .. استخرجت دفترا أحمرا .. كنت أكتب فيه مذكراتي عندما كنت أدرس بأمريكا .. فتحت الصفحة الأولى .. وبدأ شريط الذكرى .. يتكرر من جديد .. لحين أن وصلت لآخر صفحة فيه ..
لا أعلم كم من الوقت استغرقت وأنا أتجول في قوافل الذكرى .. وأي زمن كنت أنتحب ؟ كل الذي أتذكره لهذه الساعة .. أنني قلبت الصفحة التي ما بعد الأخيرة .. مسكت قلمي الأسود .. وبدأت بالكتابة ....
اليك يا من عشقت روحه لحين أن ثملت ..
إليــك يا من قدسته روحي .. قبل أن يقدسه قلبي .. وعيناي ..
إليـك يا ساكنا أضلعي .. يا مولدا تربى بين جفني ورمشي ..
إليـــك .. أشواقي .. أزفها مع باقة من زهر أبيض ..
قطفته لك ذات صباح من بساتين الجنة ..
إليــك .. مفرد .. همست لك به مرارا ..
عندما كنت قابعا أمام ناظري ..
لكنني الآن .. بعد عمر .. أهمس لك به ..
وأنت متربع على عرش النبض ..
" أحبــــــك "
/
عزيز قلبي .. أيـــن أنت ؟
أينك عن فؤاد لعبت به الأيـــام لعبتها ..
فما عاد له أن يحيى ظمأً أكثــر ..
أينك لتسد رمقه .. وتشبع جوعه ..
وتكسوه .. وتدفأه بين أحضانك ..
من برودة سموم النــاس .. ومن حرارة نظراتهم ..
/
كم أحتاج إليـــك .. كم أتمنى في اليوم ألف مرة ..
أن ألقــــــاك ..
سأبقى .. أنتظر ساعة اللقيى ..
أحبـــك أحمـــد قلبي ..
==
نهضت من مكاني .. حينما خرج أحمد من غرفة العمليات .. وقد اصفر وجهه .. والحزن نحت له مكانه على تقاسيمه .. احتضنت كفيه : بشـــر ؟ أميــرة بخير ؟
تبسم ابتسامة .. شاب لها رأسي .. وكبرت بعدها أعوام : أميــرة بخير .. بعد 24 ساعة ان شاء الله بتصحى .. عطوها مهدأ .. لأنها واجد تعبانة ..
سألته والدمع بدأ يتلألأ بعيناي : الحمد لله .. والبيبي ؟
ما زال ثغره محتفضا بتلك البسمة القاتلة : الجنين طاح ..
لم أتوقع أقـــل من هذا .. لكن .. كان قلبي محتفضا ببعض ذرات أمل .. أما الآن .. فقد انهار سقف أحلامي .. انهار ليصدمني بالواقع ..
احتضنني : لا تضايق .. مثل ما الله رزقك إياه .. بيرزقك غيره ..
رفع عيناي له .. أرغب بأن أفهمه ما جرى .. لا اضن أميرة بعد ما حصل اليوم تعود إلي .. لا أضنها بعد ان انقطع رابط الوصل بيننا .. ترضى بخائن مثلي .. وتحمل بين أحشاءها جنينا آخر ..
مسحت رذاذ دمعي .. وهمست له : الله كريـــم ..
==
اشرقت الشمس .. بعـــد ليل طويـــل .. أشرقت وباشراقتها .. تجدد الأمــل .. وتجددت الحيـــاة .. بعد رحلة موت قصيـــرة ..
كنت حينها واقف بسيارتي جانب منزل خالتي .. أنتظر قدوم بيان .. اتصلت بها للمرة العاشرة .. وهي تقطع الاتصال بوجهي .. وما إن قررت النزول من السيارة .. حتى طلت .. فتحت الباب الذي بجانبي وقالت : صباح الخير ..
ابتسمت لها : صبــاح النور .. كان لا جيتي بعد ؟
لتقول : شسوي بعد ؟ تبيني أطلع وشعري رطب ؟ يعني تبيني أمرض ؟
تبسمت ثانية : اللحين عاد الي يسمعج يقول احنا بشتا مو بصيف ..
التفت نحو النافذة وقالت : مالي خلق حنة من الصبح .. مر خلنا نفطر وبعدين نروح لمنتهى ..
قلت لها : اوكي .. بس .. عندي سؤال ..
التفت إلي وغمزت لي : عارفة سؤالك ..
اتسعت ابتسامتي : فديت بنت خالتي الي تفهمني ..
قالت لي : امممم .. الجواب هو ..
قلت لها بنفاذ صبر : شنـــو ؟
همست : نص ونص ..
قلت لها : شلون يعني ؟
لتقول : اممممم .. فطوم تميل لك .. بس مو معناتها انها تحبك .. هي ما بقلبها أحد .. ( ركزت نظرها على عيناي ) وتعرف انك تحبها ..
ابتسمت بسعادة : وشعرفها ؟
ضحكت : حتى محمود يعرف ..
ارتبكت : لهدرجة يبين علي ؟
ارتفعت صوت ضحكاتها : ايوووة .. ( سكتت قليلا ثم قالت ) متى ناوي تخطبها ؟
ما زلت مبتسما : امس عهود و هيثم ردو الديرة .. يعني لين ما تخلص عزايم امي .. وبعدين تروح هي وابوي وعهود وهيثم يخطبوها لي ..
اتسعت ابتسامتها : ياااااااي .. واخيرا .. لكن ..
قلت لها : لكن شنو ؟
لتقول : ســرع .. تراها احتمال كبير .. بنسبة 98 % تسافر معاي ..
فتحت عيناي بصدمة : والله ؟ لوين ؟ ومتـى ؟
قالت بصوت حالم : بعد سبوعين .. يعني بعد حفل التخرج .. وااااو فديييتنا .. تخرجنا من السكول ..
قلت لها : طيييب ويييين ؟
لتقول : ألمــــــــانيـا ..
قلت بدهشة : ألمانيا ؟ شمعنى ؟
بهتت ابتسامتها : تتوقع ليش يعني ؟ محمود بروح يتعالج ..
==
ترجلت من السيارة .. حينما توقفت جانب منزل فخـم واسـع .. مصبـوغ باللون الأبيض النقي .. دخلت داخل المنزل .. بعد أن أجبت على اسئلة الحارس الذي تفاجئ حينما قلت له بأنني قادمة لزيارة منتهى ..
مشيت في فناء الحديقة .. وعيناي تحدقان بجمال الزرع .. كانت حديقة هذا المنزل .. في منتهى الروعة .. يبدو أنها تنال على عيانة من قبل أصحاب المنزل .. اعتليت الدرجات .. ووصلت إلى باب المنزل الداخلي .. فتحته بهدوء .. ودخلت إلى داخل المنزل ..
لم أتفاجئ بما رأيت .. الديكور .. الجدران .. السقف .. الأرضية .. الأثاث .. التحف .. كل شيء .. أعجز عن وصفه .. خمنت أن غرفتها ستكون في الطابق العلوي .. وما إن حطت قدمي على العتبة الأولى .. حتى سمعت صوتا نشاجزا قادم ناحيتي : لو سمحتي ..
التفت لمصدر ذالك الصوت .. فرأيته رجلا خمنت أنه في نهاية الأربعين .. يرتدي نضارتين .. لديه شاربين أسودين .. وشعر رأسه مخلوط بين الأسود والأبيض .. كان يرتدي بدلة رسمية .. وحذائه أسود ملكي .. وخمنت أيضا .. أنه عم منتهى ..
تبسمت ببلاهة .. عجبا لي .. مالي أحدق به هكذا .. قلت له : نعم ؟
ارتسمت ابتسامة على فمه : ممكن أعرف من انتي ؟ وشلون دخلتي البيت بدون استئذان ؟
ما زلت محافظة على ابتسامتي .. ما زلت محافظة على ثقتي بنفسي .. وقوتي : أنا صديقة منتهى .. وجاية أزورها .. واستئذنت من الحارس .. واذا كان حارسكم غبي وسمح لي أدخل وانتو ما ترضون .. هذا مو شغلي .. تقدرون تبدلونه ..
رأيت ابتسامته تتسع .. وتحولت تلك البسمة إلى ضحكة دوى صداها بأذني .. فتجاهلته .. واعتليت درجة أخرى .. وما إن رفعت قدمي لأعتلي الثالثة .. قال لي : وقفي .. لين اللحين ما خلصت كلامي ..
لم ألتفت إليه .. وأجبته : سـرع .. ما اني فاضية ..
ضحك ثانية .. فقلت : من ضحك بلا سبب .. من قلة .. ( التفت له .. فرأيت الغضب بدأ يتسلل إلى ثناياه .. اكتفيت ببسمة سخرية ) كملها يا .. شاطر ..
وواصلت طريقي .. وأنا أسمع كلامه .. لم أعره اهتماما .. أساسا .. من هو لكي أتعب نفسي بالحديث معه ؟
حينما وصلت إلى الطابق العلوي .. احترت أي الغرف غرفتها .. أخرجت هاتفي من حقيبتي لأتصل لها .. لكن .. شدني استكشاف هذا القصر .. فمشيت على مهل .. أجوب الممرات .. أبحث عن باب غرفة .. مختلف .. يناسب .. منتهى ..
وأخيرا .. عثرت على ذاك الباب .. أجل .. كان لونه يختلف عن كل الأبواب .. فقد كانت كلها بيضاء .. عدا هذا .. كان أحمرا جريئا .. لصقت عليه ورقة .. مكتوب عليها أحرف بلغة لا أفهمها .. باللون الأسود ..
طرقت الباب .. وبعد عدة ثوان .. فتحت لي خادمة الباب .. سألتها : منتهى روم ؟
تبسمت : يس ..
دخلت الغرفة .. اوه .. عذرا .. كان جناحا بأكمله .. دخلت إلى الجناح .. وكان أول شيء باستقبالي .. صالة متوسطة الحجم .. أثاثها ألونه حمراء .. وكان هناك بابان آخران .. الأول أبيض .. والآخر أسود .. استنتجنت أن أحدهما هو غرفة منتهى .. وبالطبع .. سيكون الأســود .. لكــن .. لما الأسـود ؟
ساقتني قدماي إلى الباب الأسود .. طرقت الباب .. فوصلني صوتها .. تدعوني للدخول ..
فتحت الباب .. وتفاجئت بما رأيت .. لم أنظر إلى أثاثها .. بل .. عيناي اتجهتا إليها وهي واقفة أمام المرآة .. كأنها أشبه بالملائكة .. ترتدي ملابس بيضاء اللون .. وتحاول ارتداء حجابا أبيض ..
تقدمت نحوها .. يبدو أنها تضني الخادمة .. وقفت خلفها .. وحينما رأتني من المرآة .. رأيت الدهشة في عينيها .. التفت إلي .. وصرخت : بيـــــــون ..
ابتسمت لها : بلحهما وشحمها ..
زادت اتساعة ابتسامتي .. حينما طوقتني بذراعيها .. وحينما ابتعدت قالت لي : بيييونة .. لبسيني إياه .. صار لي ساعة أحاول .. ما اني عارفة ..
قلت لها وأنا أتناول الابرة من يدها : طيب .. قابليني ..
وكلها لحظات وأصبح الحجاب مطوق رأسها : شرايج ؟
تأملت بشكلها في المرآة والتفت إلي : حلو ؟
ابتسمت لها : إلا تهبلييين ..
ضحكت بخفة : تسلمين يا بعدي ..
الآن .. حان لعيناي التجوال في الغرفة .. أولا .. سأبدأ بالسراميك .. كان كـ " سبلاش " .. قطعة بيضاء .. والأخرى سوداء .. كانت الجدارن .. ملونة بورق الجدران الأسود .. الذي رسمت فيه نقوش بيضاء اللون .. والقليل من الأحمر .. أما سريرها .. فكان في وسط الغرفة .. أسودا .. وعليه محفور صورتها .. أما أغطية السرير .. فكانت ما بين الأبيض والأحمر أيضا ..
قطع علي تأملي صوتها : شنو تشربين ؟
التفت لها : تسلمين .. توني فاطرة مع يعقوب .. يلله .. كاهو ينطرنا تحت .. شكلنا تأخرنا ..
تبسمت لي : طيب .. بس أول ما نخلص .. معزومة انتي ويعقوب .. وفطوم بعد .. على الغذا عندي ..
ضحكت بخفة : لكل حادث حديث ..
==
فتحت عيناي بصعوبة .. أغمضتهما .. فتحتهما ثانية .. مالي أرى كل شيء غارق في ضباب ؟ رفعت ذراعي لأفرك عيناي .. لكنها آلمتني .. رفعت الأخرى .. وما إن وضحت لي الرؤية .. حتى رأيت كل شيء أبيـض .. أيعقل أنني الآن في السماء ؟ أنني في العالم الآخر ؟
رجعت وأغمضت عيناي .. وسمعت حينها صوت الباب يفتح .. وخطوات تتقدم نحوي .. أحد ما اقترب مني .. رائحته أعرفها .. ويستحيل لي أن أنساها أبدا ..
وما إن رفع كفه .. وبدأ يعبث بشعري بها .. حتى أخذ الوجـع يتسلل إلى قلبي .. وقطرات ماء .. أيقضتني عن ما تناسيته في هذه السويـــعات ..
ولم تكن تلك القطرات .. إلى قطرات دمعه .. دموعه التي كنت أمسحها .. أيذرفها الآن عندي ؟ أيريـــد أن أمسحها له .. فليخسأ ..
فتحت عيناي ببطئ شديد .. وكأنني للولهة الأولى أقوم بفتحهما .. فتحتهما .. والتقت بتلك العيون التي أعشقها أكثر من عشقي للهواء .. العيون الصافية .. التي أشعر إن رأيتهما بلأمان .. بلحنان .. بالحب الذي يتدفق ما بين البؤبؤ وبياض العين .. أراهما الآن .. بعد أن عـاد مشهد ليلة الأمس إلى ذهني .. عيني خائن جبان .. عينين يملأهما الشر .. تذهبان الراحة عن قلبي .. وتزيدان ملحا على الجـــرح الذي في أول نزفه ..
رفعت كفه الملطخة بالخيانة عن رأسي .. رميتها في الهواء .. ورمقته بنظرة استحقار ..
كان هذا سببا لتحل الصدمة في عينيه .. كان هذا سببا لكي يحرك شفتيه للحديث .. لكنني لم أترك له فرصة .. لم أعد البلهاء .. التي أعماها حبها عن الحقيقة .. وأي حقيقة .. ليتها لم تكن خيانة مع أقرب الناس لي ..
همست له : بعــد عني .. ما أبي أتجنس من يدك الوسخـــة ..
وكأن كلامي هذا بمثابة صفعة له .. أرغمته على تحريك فمه ثانية .. لكنني لم أسمح له بالحديث : لا تتكلم .. لا تفكر تقول شي .. ما ابيك تصف كلام .. بسك .. ما تعبت ؟ ( بألـــم كبيــر ) اذا ما تعبت أنا تعبت ..
ابتلع ما أراد قوله .. وكأن كل أبجدية اللغة لم تنهض لمد العون له .. وتخلت عنه وهو في أمس الحاجة لها .. لأكمل .. وقلبي يرتجف .. ينزف .. يحترق .. ويشتعل نارا .. وجعــا .. وموتـــا : اذا ما تبيني أفضحك وأفضحها .. اذا تبيني أسكت .. وأعديها لك على خير .. وما تحصل أذية لا من أحمد ولا عـادل .. ( سكت قليلا .. أجمـع أنفاسي .. أهدأ فزع قلبي .. وأربط أحرفي ) طـلقني ..
توقع مني هذا الطلب .. لكنه قال : مستعد أظل طول عمري أعتذر لج .. مستعد كل الي تمنينه أعطيج إياه .. مستعد آخذج للقمر لو بغيتي علشان ترضين عني .. بس تكفين .. لا تطلبين مني هـ الطلب ..
ضحكت بسخرية .. هذا ظاهر الأمر .. لكن الباطن .. شيء آخر .. ضحكت بوجـع .. ضحكت بصوت عــال .. وأنا أسخر من نفسي .. من قلبي الغبي المجنون .. من عقلي التافه .. الذي سلم زمام نفسه لقلبه : شكلك حافظ الدور مئة بالمئة .. تستحق بجذارة الميدالية الذهبية على التمثيل .. ( لمع الدمع بعيناي .. وهمست له .. فلا طاقة لي على الصراخ ) أنا ما ابي منك شي .. شتتوقع أطلب منك بعد الي حصل ؟ الثقة الي كانت بينا .. انهزت .. والحب الي بينا .. بح .. راح .. ( صرخت ) تبخــر .. ( ارتفع صوتي أكثر ) مـــــات .. ( سال دمعي على وجنتي ) وانت الي قتلته ..
كل تلك القوة .. انهارت .. أخذت أبكي بضعف .. وأنا أرى دمعه على خديه .. دموع الكذب .. الخــداع .. دموعا يريد أن يجبرني بعدها على الاستسلام له .. لكن .. لست أنا التي تخــدع مرتين .. لست أنا التي تخـــان مرتين ..
مسحت دمعي بقوة .. وقلت بصوت قوي .. لكن لا يخلو من بعض الرجفة : ما عدت أبيـــك .. ( ضعف صوتي ) كرهتك .. مثل ما حبيتك .. ولا تتوقع مني ( همست ) أحبــك مرة ثانية .. لأن الي يطيح من عيوني مرة .. ما يرد لها ثاني .. وانا .. ( سكت قليلا .. أشفي غليلي بصدمته ) الي مثلك .. أقصـــد الي رجولتهم مهزوزة .. ما أسميهم رجال .. وصعب على وحدة مثلي .. ( ارتفع صوتي ) تواصل حياتها مع واحد .. رجولته ناقصة .. خاين ..
رأيته يحرك شفتيه .. متأكدة أنا من ما سيقول .. أجبرت نفسي على أن ابتسم .. لكن قلبي يبكي .. بدأ صوته يصل إلى أذناي .. فقد قالها في قلبه قبلا .. ووصلتني .. وها هو يكررها ثانية : انتــي .. طــالق ..
ضحكت بخفة .. أجــل .. ارتفع صوتي بالضحك .. أخذت أضحك .. ووجهي مغسول بدموعي .. كنت أبكي .. وأضحك .. وأضحك .. وأبكي ..
كل شيء في انقلب طريقة عمله .. كل شيء في اختل توزانه .. كل شيء في فسـد وفنى .. وما عاد صالحا للعمل .. حينما رماني بنظرة الحب التي دائما ما يمطرني بها .. وأدار ظهره .. وخـــرج ..
حينما غــادر .. حركت شفتاي لمناداته .. للصراخ عليه .. لكن ما أردت قوله .. لم يخرج .. بل ظل يتردد في داخلي .. " لا تــروح .. لا تخليــني .. أحبـــــك .. أحبــــك يالخايـــــن "
==


" إيــمان " .. اسم للكثيـر من النـاس .. وكلمة يرددها أغلبهم .. لكن .. ماذا عن حـلاوة الإيمان ؟ ماذا عن صدق المحبة لله والإخلاص له وحــده ؟ هذا ما لا يعرفه الكثيرون .. وهذا ما أحاول تجربته .. بعـد عدة لحـظات ..
أنا الآن جالسة عند رجـل يرتدي ثوبا أبيض .. ذا وجه أبيض أيضا .. مغطى بلحية بيضاء .. ليست كثيفة كثيرا .. وإنما مرتبة .. عيناه سوداون .. ويردد الشهادتان لي لكي أرددهما خلفه ..
حركت فمي لأنطق بما يقول .. كم أشعر بالراحة .. كم كان ما قاله أشبه بموسيقى هادئة تبعث الطمأنينة إلى قلبي .. رفعت نظري ليعقوب .. لمنتهى .. رأيتهما يبتسمان لي .. ويشجعاني على النطق .. ابتسمت .. ولا أعلم لما لمع الدمع بعيناي .. لا أعلم لما جاء طيف والدي عند عيناي .. وبعده .. جاء طيف ذاك الإنسان .. الذي لم يكف عن تمني أن أســـلم ..
أذكر أنه قال لي .. بأنه سيأخذني لمكة المكرمة .. لبيت الله .. وسجعلني أردد الشهادة هناك .. وأنه سيأخذني بعدها .. لمسجد الرسول .. حيث مدينة الرسول ( ص ) .. وسيريني القبة الخضراء .. البقيــع .. أذكر أنه قال أن هناك .. الكثيــر من الحمـــام .. وأن ذاك البلـــد آمن .. ولا يحق حتى لعمي تأذيتي بشيء ..
عدت إلى الواقع .. حينما هزت بيان كتفي .. رفعت بصري لها .. ودموعي تجري على خداي .. فهذه الذكرى .. لم تمر على ذاكرتي .. منذ ذاك الوقت .. مالها تزورني الآن ؟ مالها تشاركني في نطق الشهادتين ؟
تشجعت .. وكأن تلك الذكرى .. هي وحدها التي تحثني على التلفض بالشهادتين : أشهــد أن لا إلـه إلا الله .. ( ابتسمت وأنا أمسح دمعي ) وأشهـــد أن محمــــدا رســــول الله ..
كان الثلاثة يحدثوني .. لا أعلم ما يقولون .. لم أعــد أصغي لشيء .. فقد أقبلت على الأرض .. وضعت جبهتي عليها .. بعد استدرت ناحية القبلة .. وسجـــدت شكرا لله .. على هذه النعمة .. نعمة الإسلام .. حلاوة الإيمــان .. والشعور برضى عن النفس .. بعـــد أن اهتدت .. لطريق الحق ..
لا أعلم كم من الوقت ظللت ساجدة .. كنت أبكي .. بصوت عال ربما .. لا أعلم .. فلم يكن يشغل تفكيري عندها .. إلا أن هناك رب يحبني .. هداني .. وأرشدني .. وسيعيني على تحمل سنين أخرى من الانتظـــار .. وسيصبر قلبي ..
أشعر بأنني أملك الدنيـــا وما فيها .. وأن الحيــاة السوداء .. القاحلة .. التي لا أرى لها ألوانا .. أصبحت مزهرة .. ملونة .. فما عدت وحدي الآن .. فربي يحرسني .. يرحمني .. ويرعــــــاني ..
أحبك ربي ..
حبا يفوق الوصف ..
ولكنه لا يقارن بمحبتك لي ..
==
ربت على كتفه : طــارق .. علامك تصيح ؟ شي طبيعي انها ما تصحى اللحين ؟ قلت لك انطر 24 ساعة ..
رفع بصره لي .. وقال بصوت مميت : صحت .. وأنـــا ..
قلت بسعادة : احلف ؟
تركته لأدخل لها .. لكنه أمسك ذراعي : أنا طلقتها ..
وكأن أحدا كب ماءا باردا عليّ : انت شنو ؟
همس ويمشي بعيدا عني : طلقتها .. وورقة طلاقها بتوصلها ..
ثار جنوني .. ذهبت ناحيته .. وأمسكته من ظهره .. وأدرته إلي : انت قد الي سويته ؟

يتبع ,,,,,

👇👇👇
تعليقات