رواية عندما نستلذ الالم -3
...- سلمى .. حرااام عليكْ تفجعيهم . شوفي معاذ قام يصيح هّو الثانيبالفعَل أقترب الأخر بحياء وهو يلقي بنفسَهم في الحُضن الوحيد الشاغر له
فكان بذَلك مفتاح دمعَة نَزلت على وجنّتي جدَته وهي تمسح على رأسه
...- جده وين أمـــي ..؟
مسحَت دمعتها بسَرعة وهي تومئ له بحنان
..- بتجيّ .. اللحيـن هي كلّمتنا تقول إنها بالطريق جايَة
نهَضت الصغيرة وبدأت تبكي بإنزعاج
فهَدأت الأصوات بعد بكـآئها
عدآ شهقات براء المكتومة وهو ينزلق من يدي عمته
التي حمَلت أخته لتهدئتها
ليقول هو بعصَبيّة وهو يمسَح دموعه عن وجنتيه بقوة
...- بروح عنــــد مااامااا .. دحيــــــن
’
..- بـــراء .. وش فيكم ؟
أخرست الدموع
وتعّلقت عيون الناضجات هُناك في وجهها المصفَر
الخالي من الزينَة
عيناها القلقتان وكأنها تبحث في ملامحهم بخوف
عن أثر أي فاجعَة قد تُنبأ بها
حصتْ أبنائها فكُلّهم بخير ..
وبخطوتان تلقفَت رضيعتها من بين يدي منيرة
بينما قام الإثنان الآخران بإحتضانها
عيناها كانت مع ملامح الحُزن هُناك
وهمَست بتوجَس
..- وينَه وافي ...؟أتصَل عليه مايرد ..؟ ليش موب هنا ...؟ ماشفت سيارته برآ ؟
كُل تلك الأسئلة أفرغتها عليهم مرة وآحدة
بينما بقيت أعين البقَية تهرب من لقاء عينيها
اقتربت من والدة زوجها متجاهلة بكاء جنى بين يديها
..- عمَتي ليش فعيونك دموع .. وافي صار له شيء ..صح .. أكيد صار له شيء
شيء ما هوى في قلبها فجأة ليرتطم بحقيقة أدركتها
فيحركها جنون جعلها تقترب بسرعة من سلمى الجاثية تحتضَن وسادة صغيرة إلي حجرها
..- سلمَى .. وآفي ويييييييييينه .. سلمى .. ويييييييينه تكّلموا
التفتت تبحَث كالمحمومة عن منيرة
وكأنها تلاشَت من المكان واختفت
لتصَرخ هي وتتفوه بما هو خارج عن إرادتها
..- يآربي .. لاآ .. لاآ
بدت وكأنها تسكب دموعها
الحارة على قطَع من الجليد داخل قلبها
فيورثَها ذلك ألماً حاداً جعَلها ترتجف بوجع
لم تكًن أم زوجها تبكي بل منظَر الحُزن وبعض الندى على خديها
كفيل بأن يخبرها بما لا يسّرها
بينما كانت أخته الصغرى غارقَة في نحيبها وهي تحتضَن رأس مُعاذ
قسراً إليها وكأنها تتذرع بالشفقَة أمام وجه الحُزن الذي نَزل عليها
صوت رجولي عميق صَرخ بالقرب من الردهَة
..- يمَــــــه .. سلمـــى ..يا بنَت وش صاير عندكْم ..؟
بدآ وكأن صَوته بمثابَة السنّـآرة أمسكتها
فجعَلتها تقفَز من مكانها
لتجيبَه الأم وهي تنهضْ بتعَب
خَرجت إليه وهي تجيب بصوت حازم حزين
..- ما بــوه شيءْ يمّـه .. هذول الصغار يصيحون
مسَحت دعاء عينيها وهي تصَلح التفاف حجابها حول رأسها
حاولت النهوض فتناهى لها
..- دعااء .. أهديّ أول عشانْ أقول لكْ
وحينما لم تجَد منها جواب زفَرت بعمق وهي تقول
..- ترا وافي تزّوج !!
قد تكون في القلوب مسكن للمشاعر
والدليل خفقانَها المُضطَرب أمام أي موقف
ولكَن إن أخبرتكم إن قلبها هدأ
وبعد دقائق الصَدمَة
ابتسمت
*
..- حبيبي مو حرام عليكْ .. يعني بالله شوف كم يوم ماكلمتني .. وكل ماتصَلت عليكْ عطيتني مشغوول .. والله بغيت أموت من كثَر ما أحاتيكْ
أجابها وشيء من الحنان غطّى صوته
رغَم كُل تعابير القسوة التي التهمت ملامحه
..- قُلت لكْ إني أنشغلت هاليومين
لتقطَع حديثَه بغنج وشجَن
..- لا إنتِ ماتقول الصَدق .. أنت لكْ شهرين على ذآ الحال .. بالله ما تفتقدني ..!
..- مع السلامة
لأول مَرة في حياته ينهي محادثَة بجملة ختامية
ربما شيء ما ثقيل بدأ يجثم على صدره
شيء ما يدعوه للنفور عنها والذهاب بعيداً
يتألم لذلك فشعور سخيف كهذا
يحاول أن يفقدَه تسليته الوحيدَة
تسلية لطالما أحبها , بل وعشقها
شيء من الحنان يبحْث عنه
ربما لأنها تذكَره بمن أحب
ورحَل عنه
قد يكَون قدوم خالد تبرير كافِ له أمامها
لكَن الحقيقَة نابعة من داخله
..- السلام عليكم .. وش فيكْ يابو الشباب جالس هنا لوحدَك .. قوم قابل الناس موب تجَلس هنا مصّدق نفسكْ .. ضيف !
أخرجْ عُلبة سجائره الذهبية وألتقط عود أبيض طويل من داخله
بمهارة وتمّرس
دسّها بين شفتيه وهو يجيب
..- حنّا هنا أصلاً شكَلنا غلطْ .. وأغلبهم ناس مانعرفهم .
بتر جملته حينما أخرج خالد السيجارة من بين شفتيه
وألقاها أرضاً
وراحت قدَمه تدهسها بقّوة وهو يقول
..- لو تبطّل هالسم كان نحنا بخير .. بتقتلني إنت كُل ماشفتني طّلعت وحدَة مدري مكتوب على جبهتي " دخّن أحسن لك " ولا وش .. ؟ حرام عليكْ نفسَك يا صقر .. وش صاير عليكْ ؟
فرك بأصبعيه عينيه بتعَب وبدآ كأنه يجاهد ليبقيهما على إتساعهما
..- مشغــول عقلَــي ..! ومدري وش بإيدي أسّوي أكثَر ..!
ربّت على فخَذّة وهو يقول بجّدية
...- لا تستهَم وأنا أخوكْ .. كّلنا معاك وبيدنا نمسَكهم إن كانوا بالفعل موجودين ونرميهم فأظَلم سجَن ..بس إنت التفت لنفسَك .. وبطّل هالبلا اللي تشّفطَ فيه أربعة وعشرين ساعة ..
مسحَة من الإرهاق علت صوته وهو يجيب
..- ربك كريم
..- إلا قولي .. متى ناوي تتزوج
عقد حاجبيه بدهشَة وهو ينظَر لوجهه صديقَة الجاد
أخذ يبحَث عن أي علامة للسخرية
لكَن الجدّية أحتلت ملامحه
ليتنّهد بتعب وهو يومئ بصَدق وابتسامة قلّما رُسَمت على محيّاه
...- أبشّرك قريب .. يا خالد قريب
حلّق كيانه في كَبد السعادَة
أقصَى ما كان يحتاجَه الآن هو ذلك الشعور
شيء من الفرحْ يفكك عقَد الذَنب في داخَله
ومازال يصَنع خطوة الألف ميل
*
فجراً
في إحدى جبال مكَة شامخَة حول الحرم
حملت بين ثنايا صخورها بيوت بّنيَة قديمَة
تمّسكَ أهلها بها وظّلت شاهدَة على كُل تلك الأزمَنَة التي مّرت بها
ونُحت من الصخور سّلم للصعود للقمة
فكانت كالشق بين البيوت الصغيرة
هُناكْ
صَعدت سيّدة مُتشّحَة بالسواد تحمَل فوق رأسها قماش كبير ممتلئ
ملفوف بعناية حول ما يحتويَه
ويركض خلفها صبَي في العاشَرة من عمَره
انحرافا يميناً حتى أصبحا أمام منزَل
ونزَلا سّلم ذي الثلاث درجات تحت الأرضْ
ثم طرق الصغير الباب الأزرق الصدئ
ليفتَح في ثوآن وتختفي أجسادهم خلَفه
,
أغَلقت الباب خلفهما وابتسامة حُب كبيرة
تُرسمْ على شفتيها لتجَعل من وجهها هالَة من الطُهر والنورانية
..- صبّحكم الله بالخيَر
حمَلت ما قد أنزلق عن رأس والدتها
ووضَعته جانباً وأخذَت تساعدها في
خلع حجابها وهي تقول
..- كيف مّر عليكم اليووم ..؟
لتومئ الأخرى والأعياء بادٍ على محيّاها
..- الحمدلله .. جانا رزق يكفَينا يومين .. اللهم لكْ الحمد
ابتعدت عن والدتها وهي تذَهب نحو الغسالة الصغيرة داخَل حجرة ضّيقَة
وعيناها تتأمل ذلك الصغير النائم هُنـآك
...- شكَلكم تعبَتوا اليوم .. فهّود نــآم
ليأتيها صوت والدتها وهي تدلف للحجرات الثلاث الداخلية
..- إي والله .. الله يرضَى عليه .. وأنا ما قصَرت شغّلته زيـن .. زهرة فديتكْ خلّصي إلي بيدَك وصّحي خوآتك وأخوكِ وخلّيهم ينزلون من بدري .. لا يتأخرون
..- إن شــاء الله
هكذا هو سناريو كُل يومْ يمّر عليهم
ربما يعيشون في فقَر
وأيديهم تقَبض أقواتهم ليوم واحد
لكَن قلوبهم وكأنها تُغَمس في الرضا غمساً
لتجعَل على وجوههم هالات من السعادَة وإن كـآنو في كَدر
تَحركَت أختَهم الكُبرى فأيقظَتهم
وبدأ مع بداية اليوم كالعادَة مشروع تذَمر حادْ سرعان مايخبوا
حينما يرون كم تعَبت أمهم مساءاً وحان وقتَ ركضَهم
كُل يوم يقسَمون أن يجمعن أكثر مما تجمعَ لهم والدتهم
ينهَض أخوهم إجباريَاً
فتقَسم البضاعة بينهم كُل فرد منهم
لا يفترقون أبداً من بعد تلك الجريمة
بل يبقون محفوفين بعضهم حول بعض
وعينا أخوهم لا تفارقهَم
فزمن الافتراق قد ولى
بعَد فجيعَة أختهمْ
وفي كُل يوم في طريقَهم
على الدرج الصَخرية
ومن ثم إلى ساحَة الحَرم
وألسَنتهم تلهَج بـ الدعاء لها
وأن يعيدها الله إليهم قريباً
واليوم ظهَر بوضوح صوت إحداهنّ
من خلف غطائها السميك
...- ياربِ ردْ لنا .. نور العيـن
*
..- يالله هّدولَة أبتسَمي .. مين قدّك اللحيـن ..؟
رسمَت بيأس ابتسامة صفراء وهي تقول بهدوء
..- ربي كريم أدعي لي ..
..- ربنَـآ معاكِ .. أهم شيء مثَل ماقلت لكِ ..رقمي عنَدك إذا حصَل أي شيء
دقّي وحنّا بنصَرف
..- الله يعطيك العافيَة .. والله مدري وش أقول لكْ ؟
..- لا تقولي ولا شيء .. و يا لله مع السَلامة لا تلطعي إلا جاكِ
خَرجَت وشيّعَتها هي بنظَراتها حتَى أختفت خارج الباب الحديد الكبير
مسحَت على قميصَها وهي تتجه للداخل مجدداً
لتبدأ مشوار آخر
مع فتاة أٌخرى
,
استلمت الأوراق الرسمَية التي تحَوي كُل ما يخصَ تلك الفتاة أمامها
والتي ظَلت هاجسها في الفتَرة الأخيرة
ومن المفترضْ أن لا تكون لها
لكَن صَديقتها مريضَة حالياً
فأخذَت هي ملفّها حالاً
لم تقرأ حتَى أسمها المدون خارج الملف
بل أكتفت بالابتسام في وجهها وهي تبادرها
..- إسمَك .. صبـآ إيش ؟
جاءها صوتها شاحَباً وهي تجيب
..- صبا محمد ..
..- طّيب يا صبا بشريني .. كلامي أمس هل عليه أي ملاحظات
هّزت رأسها بالنفي كجواب
فيبدو بجلاء أنه تتهرب بالإيماءات من إي سؤال يجبرها على الكلام
تنهَدت ميسون براحة فقد قطَعت بذلك منتصَف الطريق
لتقول بعدها بهدوء
..- خلاص .. إنتي اللحين عارفَة وش لك وش عليك.. يعني كُلها يومين أو ثلاث أيام بالكثير وتخرجي من هنا .. وش أهم أهدآفك بعد الخروج ..؟
صَمت تلا سؤالها
ونظَرت صبا لعينيها مُباشَرة
لمَحت بها ميسون شيء من القوة
وصوتها بدا طبيعياً
..- ما عندي .. وعيشَتي بالسَجن أحَلى لي
أرتطم قلب ميسون بشيء من الألم في جوفها
وكأنها بذَلك أعلنت خسارتها
مسَدّت على بطَنها بتعَب
وهي تفتَح مّلفَها لتتهرب من عيني صبا
ولتقع عينيها على الأسم المكتوب في رأس الصَفحة
" صبا محمد الـ ... "
أسودّ وجهها بصَدمة عظيمَة
زلزلت على إثرها الصدَمة أطرافها
وشعور ما نبأ الأولى بخطَر محذق بها
وسيصيبها , جعلها ذلك تتساءل بسرعة في قلبها
ماذا قرأت يا تُرى ؟
*
نَزلت عتبات الدرج بهدوء واقتحمت البهو الكبير
لم يشَعر أي من الموجودين بدخولها
إلا حينما قالت بصوت مرتفع
..- السلام عليكم ..
استدارت الأعناق نحوها وثلاث أزواج من الأعين عُلقَت عليها
أحدها قال فوراً ..- أنا أستأذن يا يمّه .. أشوفكم بعدين
وخَرج , ليترك لها حُريّة التحرك
بهدوء جلَست على مقعد مجاور لعّمتها
لتقول الأخيرة بتوتر ملحوظ
..- أخلعي نقابك .. مافيه أحد
فترد عليها الأخرى ببرود .. وعيناها معلقَتان على شاشة التلفاز
ولا يبدو أبداً أنها تفهَم ما تشاهدَه
..- يمكَن يدخَل أحد ..
ثم ألتفتت وهي تنظَر لعيّنين عمّتها بقَوة
..- وتراني أنتظَر ..
انتفضَت العمّه بقوة
حين عَملت أي شيء هو القادم نحوهن
شيء من الضَيق أكتنفَ مشاعرهنّ فجأة
فالبقاء هكذا , يشَبه إنتظار الموت
بيدين مقّيدتين
وبلا حيلَة
ومَضت شاشة هاتف العمه المحمول لرنة واحدة
كانت هي الإشارة المتفقْ عليها
وثمْ خطوات على الممر
جعَل قلوبهمْ ترفرف في حناجرهم
كطائر حبيس
أعقَبه ظهور ذلك الجَسد النحيل
وصوتها ذاته يقول
...- الســـلام عليـــكم
ليهوي كُل شيء
ما للعباد سوى الفردوس إن عملوا
وإن هفوا هفوة فالرب غفار *
* علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه , وكّرم وجهه )
الكذب حيّه بـ حيهم
وإحنا نردد : أوفيا !
................. أوفيا !
.................... أوفيا !
دام إنخدعنا بضيّهم
ظنّك نصدّق أي ضيا ؟
اللذة الرابعة
خلع قفازيه بسرعة وألقاهم داخل سلة المهملات القريبة منه
خرج إلى الردهة وعقله يحسب كم تبقَى من مؤونة الأدوية لديهم
لكَن صوت الهاتف قطع عليه تفكيره
فأجاب ..- السلام عليكم ..!
..- وعليكم السلام .. دكتور فيصل نحتاج طبيبين و ممرضين حالاً أنا عم أكلمك من حي العطاطرة غـر
قاطعه وهو يتوقف عن متابعة سيره وستدار عائدا للبهو الداخلي وهو يتجاوز
ازدحام المكان بالمرضى
ثم وصل صوته للمتصل اللاهث
...- حالاً .. مسافة الطريق وحنّا عندكم ..!!
أغلق هاتفه بعزم فهذه ستكون أول أعماله الميدانية
ولج لغرفة المدير وهو يسّلم ثم قال على عجل
..- أتصلوا بـي من بيت لاهيا يبـغون
قاطعه المدير بحزم
..- بلّغوني ..وممنوع تخرج من هنا ..
اتسعت عيناه بصدمة وهو يهتف
..- وش تقول ..؟ لييش أقول لك هم محتاجيني ..؟
زفر رئيسه وهو يجيبه بصبر
..- فيصل نحنا هنا محتاجينك .. ما معنا هنا غير 10 دكاترة بس الباقي ممرضات وممرضين , ولو خرجت إنت و معك وآحد ثاني بيبقى 8 مين بيعابل المرضى إلي ينهلون علينا ليل نهار .., فكّر إنت موب في جدة عشان تخرج متى ما بغيت ..!
ضرب براحتيه المكتب أمامه وهو يقول بعصبية مطلقة
..- لا .. أنا بخرج لوحدي .. ومعاي ممرض وآحد ..!
تساند الأخر على الكرسي وهو يقول بملل
..- إيوة .. وبعديـن .. لوحدك وش بتسوي لهم ..؟
ألتقط رائحة السخرية في كلامه
فأخرج هاتفه فوراً وهو يتصل على صديقه
وأمله الوحيد أن يجيب على هاتفه
وآصل الرنين الطويل لـ دقائق كانت له كدهوراً
أرخى بعدها هاتفه وهو يبحث بسرعة وأمل أن يجد رقمها هنا
هي من سيجيب على هاتفها يعلم ذلك
فقد أتصل بها صديقه يوماً من هاتفه
وجده وبسعادة أتصَل
تواصل الرنين لدقائق بعدها
صوت هادئ أجاب ..- نعم
أعتصر قبضَته بقوة وهي يهتف ..- لو سمحتي .. أعطيني حسام
.
.
.
بيد مرتبكة جداً وهي تجيب
عيناه المرتخيتان بتعب
تأكل ملامحها بتوجس
خرج صوتها هادئ حين قالت " نعم"
دقائق وألصقت هاتفها في أذُن أخيها
وهي تتلعثم ب..- كّلم.. هذا فيصل .. قول ألو
أعتدل في جلسته بصعوبة وهو يقول
..- هلا فيصَل
..- وينك إنت .. ؟
ثم أكمل كلامه بسرعة حين شعر أنه لا وقت لسؤاله
..- أقول لكْ جانا طلب عاجل من بيت لاهيا ولازم يروح دكتورين وممرضيين , وأنا بروح وش رايك تقوم معي ؟
..- أكيد .. متى بتجون هِنا ..؟
..- مايحتاج إذا إنت جاهز .. وقع عندهم بخروجك لهناك وأنا بمرك بسيارة ومعي ممرضين , وإنت تعال وجيب إثنين بعد ..
أومئ وهو الأول وهو يشعر بالنشاط يدب في أطرافه المرهقة
..- خلاص ننتظركم ع الفجر ..!
..- صااار .. يالله فوداعة الله .
أغلق هاتفه وهو يستلقي بتعب على الأريكة من جديد
لم ينم طيلة الثلاث الأيام الفائتة منذ دقائق سابقة
كان يشعر بالخدر يسري في أطرافه
ولكَن صوت صديقَه جدد همته يشعر أنه مستعد لينام قليلاً
ففتح إحدى عينيه بصعوبة محولاً إبقاء جسَده في وعيه
..- سلمى .. صحّيني قبل ما يأذن الفجر لازم نروح لبيت لاهيا بعد الصلاة وكّلمي المدير خليهم يجهزون لي ممرضين قبل الفجر ..فاهمة
أجابت بسرعة وهي تقترب منه
..- طيب .. بس ما ينفع أنا أروح معـكم ..؟ صح إني أخاف من فيصل بس لازم أجرب العمل الميداني .. ودي أشوفك وإنت تشتغل دكتور
لم تجد جواباً
اقتربت أكثر لتجده غارق في نوم عميق
وصوت شخيره بدأ يرتفع
أرخت الفراش على جسده وبشيء
من الحُب وبخفوت ..
..- شَد حيلك في النوم قدامك 3ساعات بس ..
وبخفوت ..- الله يعينك ..!
وأبتعدت وفي رأسهاا مخطط خاصْ
شرعت في عمله منذ هذه اللحظة
*
آلتعَب ،
ماهَو تعَب " جسِم وَ عظآمْ " ..
آلتعب - لمّا تحِبّ و تنجرح ، وَ آلعمَـى ..!
مَاهو ظلام فِي ظَلام .
آلعمَى : طَعْنَة تجي وإنتَ بـ فرَحْ !
..................................... طعنَة تجي وإنتَ بفرح !!
أقتحم الغرفة وهو يقترب نحو والدته بسرعة هائلة
وأخذ يهّزها بقوة
...- مااااا ماااااا براء شخمط لي على كتاااااابي
أبعدت قبضتاه الصغيرة عنها
ثم تابعت طّي ملابس صغيرتها بهدوء
..- ناده لي .. وجيب معك كتابك إللي شخمطه ..؟
أبتسم بجذل وهو يبتعد عنها ويخرج بذات السرعة التي تدخل
بها
وفي نفس اللحظة أنارت شاشة هاتفها الصامت باسمها
ألتقطها بلهفة سرعان ما خاب ظّنها
فأجابت بهدوء مصطنع
..- ألو
بصوت حزين
..- السلام عليكم .. كيفك يا دعاء ؟
..- بخير
ألتقطت الأخرى البرود في صوتها
تنهَدت بتألم وهي تقول
..- زين أفتحي لنا الباب حنا عندك .. برا
..- يا هلا والله .. برسل معاذ اللحين
..- أوكي يالا
ألقت هاتفه بسرعة وهي تخرج مسرعة
لتجد في طريقها معاذ يمسك بكتابه في يمينه ويشَد خلفه براء
الغاضب
فبادرها الأول ..- ماما جبته لك .. شوفيه ؟
أخذت كتابه منه وهي تشده معاها نحو الأسفل
..- روح فكْ باب الشارع في ناس برا ..
..- مين جا .. بابا ..؟
هزّت رأسها بقوة وهي تجيب
..- لا روح فكْ الباب بس
تركها وهي يسبقها بسرعة نحو الباب
لحقته للبهو وهي تتفقد المكان
كُل شيء مرتب عدا بعض الألوان التي ألقاها براء هنا وهناك
..- آسف .. بس ماسويت شيء
نظَرت إليه بعتاب وقد أرخى وجهه ينظَر للأرض
..- ثاني مرة لا تلعب بكتب أخوك .. و شخبط في كراستك بس .. ولا أزعل منّك ..
دقائق فُتح الباب بعدها
لمحَت منيرة مع أطفالها في المقدمة
ثم اقتربت وعد وهي تساعد أمها في تجاوز الدرج أمام مدخَل المنزل
أغلقت عيناها لثواني مرت بسرعة
سحبت من الهواء ما تستطيع وهي تتقدم
نحوهم بسرعة ووجهها يلهج بالترحيب لهم
..- ياحيّ الله من جانا .. ياهلا وسهلا فيكم
تعّمدت ذكر كُل كلمة بصيغة الجمع
ربما لم تقصَد زوجها تحديداً
أو ربما وضَعت لأبنائها اعتبار ما
سلّمت عليهن بقوة بدت لهم زائدة عن الطبيعي
تفادت عيناها الوقوع على أعينهم
ربما لا تريد أن تلمح كمْ الشفقة فيها
مضى أكثر من أسبوعين على صدمتها
لكَن تجاوزت كُل شيء بمفردها لن تهَزّها نظراتهم مابنته لنفسها
لن يوقعوا كُل شيء فوق رأسها
فلقد صدمت أمامهم
وكابرت أمامهم
ولا تريد أن تنهار امامهم ايضاً ..
دخلوا للبهو الرئيسي
بينما اتجهت هي نحو مطبخها لتعدّ العصير
ولحق بها الأطفال
..- أطلعوا ألعبوا فوق .. ومعااذ إنت الكبير أنتبه عليهم
وخليكْ قريب من جنى يمكن تصيح
نفخ صَدره بسعادة وهو يجيب
..- طيب ...
وأبتعدوا بسرعة
أقتربت من المجلس الداخلي وقد تناهى لسمعها أصوات
أحاديثهم الهامسة
والتي توقفت بدخولها
لتصَنع إبتسامة كبيرة ألمتها وهي تضَع
في متناولهم الكاسات
..- يا هلا بكم والله ..
جلست في مقعد مجاورة لـ وعد والتي سألتها فوراً
..- وينها جنو ..؟
ألتفتت وهي تبتسم
..- نايمة .. والله
جو مشحون بجملة من الإرتباك
أعينهم معلقة بملامحها
يبحثون عن أدنى ألم فيبدون بإحتضانها
ومسلسل مواساة طويل لم ينتهي
هي مُدركة لرغبتهم
فمثاليتها وبرودها ألجمهم
فبدا موقفهم كمنتصر مذهول
أمام غنيمة معركة لم تحدث أصلاً
أغمضَت عينيها بقَوة تسترد شيء من بروده
زفرة بعمق وهي تكرر
..- حياكم الله ..
عقَدت منيرة القابعة أمامها حاجبيها
..- شكلك تعباانة .. ولا موب نايمة
هّزت رأسي نافية بقّوة
..- لا لا لا .. بس جنى ما نّومتني ومن أمس وأنـآ على حيلي
فأومأت الأولى برأسها
..- إيوة .. هذول الصغَار كذا .. بس إنتي بعد مو تهلكين نفسَك
أجابتها بهدوء وعفوية
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك