بارت من

رواية عندما نستلذ الالم -26

رواية عندما نستلذ الالم - غرام

رواية عندما نستلذ الالم -26

..-بخييير يا جعل لك الخير .. شـــوفــي صبــآ الصغيرة صاحيّة عشان تشوفك
أنخفض بصرها وهي تتأمل ذلك الوجه الصغير الغائص
في بياض اللفافة
أرتعد قلبها لمرأى هذا النقاء .. و الطُهر
أخفضَت رأسها و قبلّت ما بين عينيها
..- الله يحفظــــهااا .. ماشاء الله تبارك الله
مدّتها لها وهي تهتف لها
..- شيليها .. اليوم خذيها هدّيــه
ازدردت ريقها بخوف وهي تبتعد
..- لاآآ لاآآ .. ويـن أشيلها بعد .. مقدَر
..- ههه .. يالخوافة أثاريك مثل عمّك خوافيـن .. صح ولا لا يا بندر ؟
رفعت نظرها أخيراً لجسده هو الواقف على بُعد خطوات منهم فقط
قطّبت ما بين حاجبيها وهي تقول بقلق
..- بندر وش فيـــك ؟
التفتت نحوه صبا فوراً .. لتجده يزفر مُبتعداً عن المكان للخارج
ثم انحنت هي بدورها لتُقبّل صبا الصغيرة مُجدداً
وهي قبل أن تبتعد قالت لميسون بهمس
..- حطيها بعيونك ..
لتتبعها الأخرى لخطوات فقط
..- هاا.. وش وش فيكُــم ؟
سارت مُبتعَدة عن المكان بخطوات واهنة مقتولة
ستقتل تلك الحُرية الزائفة التي تمنّتها طويلاً
و تعود للحَبس حيث حُريتها الحقيقة
بقّي " صقر " عقبة وحيدة في طريقها يجب أن تختفي
و بعدها ستُحرر من كُل القيود
و ستدفن بعيداً و بصمت تام
لدى الباب الصغير المُفضي لبقية المزرعة
و قبل أن يُحجب عنها ما خلفها توقفت
تُريد أن تلتقط صورة أخيرة للمكان في مخيلتها
ميسون و صبا الصغيرة يُجملونها
إلتفتت إلتفاته جانبية
لترتطم عيناها ب
جدّتها تقف مٌتكأه على عصاها .. و بجوارها
وعد لدى باب الفيلا
لم تستطيع قراءة ملامحها من شدة سعادتها
إلتفتت بكامل جسدها ليتضَح لها الجُزء الأخر من الصورة حيث وقف صقر بجوار الفيلا في ذات المكان
يتأملها هو أيضاً من خلف الجميع
أصبحت الصورة مُزدحمة أكثر مما يجب
إكتفت بإبتسامة صادقة ودموعها تجتمع أمام عينيها
ستنسى الجميع
و سترحل من هُنا ..
أستغفر الله العظيم
*
توقفت السيارة أمام المبنى الكبيرالمسّور بأسوار عاليّة
و محاط بحراسَة مُشددة
التفتت نحوه وهي تشعر بالامتنان العميق
استجمعت شجاعتها وهي تحُرك كفّها وتمسك بذراعه
الراقدة على المقود
..- شكُراً لك يا عمّي .. لولا الله ثم انتم كان نمت الأيام إلي فاتت بالشارع .. و شكراً على هالخدمة .. إلي مانيب ناسيتها أبد .. صدقني أنا هنا بكون مرتاحة أكثر
أبعدت كفّها .. بينما راحت الأخرى تفتح
مقبض الباب
أنزلت إحدى قدميها و الأخرى تقف على الحافة
و من وضعها ذلك قالت وهي تغالب دموعها
..- و أبيك تقول لجدّتي و لوعد .. إنّي لسه أحبــهم
و أبتعدت قدماها حتى ذلك الباب الكبير
و عيناها تلتهم من بين دموعها
حروف اللوحة التي كُتب عليها
" دار الرعاية الاجتماعية"
>

< أستغفر الله من كُل ذنب عظيم
*
ألم قوي ينخر في يدها اليمنى و ضعف كامل
يجثم على مفاصلها
تستعيد وعيها ببطء شديد .. أو ربما تستفيق من خدر
شّل أطرافها
أنفاس لشخص تتحّرك بالقٌرب منها
بينما ظّلت هي مُغلقة عينيها بذات الهدوء
أما هو فراح عقُله يستعيد ذكرى تلك المحادثة
بينه وبين الطبيب عندما سأله بعصبيّة
..- ممكن تقّولي مين إلي بيعذّبها بالضرب ؟ و أنا كلّمت الشرطة و تراهم بالطريق أتمنى إنكم تكونوا مستعدين
صوت والده يخترق الصورة الرمادية
..- أعوذ بالله منها فضَحتنا يوم خلتنا و باقي تفضَحنا للحين
عيناه غائمتان و ملامح يلويها الجمود
..- أقول .. ردّهَم.. هي توها خرجت من السجن .. وإذا تبينا نجيب لك الورقة ب نجيبها
بذات الإشمئزاز أجابه
..- لاآ .. وريها لهُم
و الآن وهو يجلس أمامها يراقب قدميها و جزء من ساقها المكشوف ..
أثار الضَرب واضَحة بجلاء .. بالسوط أو بالخيزران
لا فرق .. المهم أنا تبدو غائرة على نحو عجيب
منظرها مؤلم لأقصَى درجة
لم يتأمل قديمها قط .. لأنه أدرك حقيقة إخفائها لها بإستمرار
مدّ يده و لمسها .. بنعومَـة أوصلها لباطِن
قدمها
أوشكَت على الصراخ .. و دفعها بعيداً
لكّنها تماسكت بقوة حين شعرت بكفّه تبتعد عنها
لا تٌريد أن ترى ملامحه الأن
تكفيها زفراته المُسموعة .. وسمومها تصَل إلى أنفاسها
شعرت به يقترب أكثر
و من ثم راحت حرارة أنفاسه ترتطم بجبينها
و أرقد عليه قُبلة ..
تمالكت نفسها لكي تبكي فأي شفقة تلك التي
أوصلته إلى هنا
أي شفقة تلك التي أزالت اشمئزازه منها
بُرهة من الزمَن مّر .. تخاله دهراً
بعدها رحَل
فتحت عينيها ببطء و نظرها يجول فيما حولها
يدها الثقيلة الراقدة بجوارها .. ملفوفة بشاش أبيض
و أشكال متعددة من اللصق الطبي مُنتشرة في أجزاء جسدها
تذكَرت ما حدث بهدوء شديد .. تذكّرت إعتذارها
و الزجاج الكسور .. تذكرت الجروح التي صنعتها بلا وعي في جسدها .. و آخرها كان أكثرها دماً
كانت تنوي أن تنتحر .. لكَنّها كانت مؤمنة أكثر من أن تفعل ذلك .. تعلم أين تضَع الزجاج لكّي لا تصنع لنفسها
هلاكاً
تقّوست شفتيها وعيناها ترتطم بالسقف
وتعيد المشهد في عقلها مراراً
تتماسك لكي لا تستمطر عيناها
و هي تهمس بتعب و وهن شديدين
..- يـــآرب .. سامحني .. و تكون اسيل سامحتني
أستغفر الله العظيم
*
>سبحان الله وبحمده سبحان العظيم
*
..- وينه ؟
صوته كان قاسياً فظاً و صارماً بما يكفي لدّك حصونها
الواهنة
منذ البداية تشعر أن ذنب ما يُلاحقها .. ظّنته لوهلة ضعفها و سلبيتها ..
لكَن كُل الأمور كانت تُثبت لها العكس .. ظُلمَت منه
ذلّها كثيراً .. لكَنها حمقاء لا تستطيع أن تُردها بالشكَل الصحيح
كًل ما يحدث بينها هي وهو يجب أن لا يتعدّى ليصل
لأي أحد خاصة .. فلذات أكبادها
صغارُها و من هُم قطٌع منها لذا و منذ البداية عزمت أمرها
في ثانية واحدة مّر كُل ما سبق على عقلها لتجيبه
بذات الصوت الحزيـن
..- مدري .. تكفى تكفى يا وافي .. تعال شوفه ولدي وينه ؟
زفر بقّوة زفرة طالتها زادت إصرارها على أمرها
لتسمعه بعدها يقول
..- خلّي أحد يفتح الباب .. الحارس بيقربه لعندكُم
بقيّت مُسمّرة على حركتها لثانية أو يزيد
بعدها إستدارت بسرعة وهي تقول
..- بنزل أنا أشووووفه
أغلقت الخط قبل أن تسمع الإجابة فالمهم
عندها في هذه اللحظة سلامة إبنها
وصَلت للباب الخشبي لمدخل الفيلا
فتحته ليدُلف براءة وهو يبكي و يقول بعصبية
..- ماما .. بابا ....
و من بين نشيجّه تابع
..- قال لا ما أروح البقاااااااااااااااااااااااااااااااااااالة
احتضنته بين يديها بقّوة وهي تبكي بصمت معه
..- ليييش رحت يا ماما .. .ميـــــن أخذك هاااا قولي مع مين رحت هاااا يا ماما ؟
و صلها صوت سميّة المتفاجئ يقول
...- راح مع أبـــوه مـا سمعتيه من البدايـة يقول بابا .. يعني هّوا إلي ما خذه و يفجعنا ..
توقف الهواء عن الحركة حولها ..
" وصَلت رسالتك ... "
هذا ما تّوسط عقلها فقط
فأحكَمت قبضَتها بقّوة على الهاتف
وهي ترفعه نحو إذنها بتلقائية عجيبة
و لتقول بعدها بصوت مُختلف جداً
..- أسمع .. تعالي خذني أنا و عيالي من هنا
*
< أستغفر الله العظيم
< أستغفر الله العظيم
*
..- يقولون .. إنه ما عاد يبيها ..
..- لا أنا إلي فهمته إنها هي إلي ما تبيـه
صوت مميز آخر يخترق الحديث ويقول بعنجهَية
..- ما فرق مين إلي ما يبي الثاني .. أصلاً من البداية و أنا حاسة إن السالفة لعب بزران
الصوت الأول يقٌول
..- و إنتي الصادقَـة .. بس كاسرة خاطري البنيّة ..
هُنا شدّت من قبضَتها الملفوفة على الفراش الذي ترقُد عليه
فأنتشر ألم مُستطير كشيء ما يتفتّق في يدها
عضَّت شفتيها وهي تُزيح ألم روحها أولاً
قبل أن تطُلق آه قصيرة
تحلّق على إثرها الجميع حولها
أما أكثرهُم قُرباً فقد كانت قريبة منها منذ البادية
صامتة تتأملها من اللحظَة الأولى
هذا ما كانت تفعله كُل الأيام الماضيّة
فتحت عينيها مُجدداً .. لترتطم بوجه مُحبب
لا يُشبه إلا وجهها
ابتسمت بتعب لتبادلها ذات الابتسامة لكَنّها مليئَة بالدموع
تناست ما سمعته قبلاً .. لتنشّغل
بالأخرى التي وضَعت رأسها على بطَن توأمها الراقدة
أمامها وهي تهمس بصوت لها فقط
..- الحمــد لله على سلامـــتك ..
ربتت على ظهرها بيدها السليمة وهي تجيبها بنفس النبرة
..- الله يسلمك .. و خري راسك عنّي تراني لسه تعبانه
أبعدت راسها عنها وهي تبتسم لها من بين دموعها
عندما شعرت بيد أخرى تربّت عليها وتقول بود مصطنع
..- الحمدلله على السلامة يا بنت عمي
..- إيه .. الحمد لله على سلامتك .. ما تشوفين شر
ذات الصوت الرزين يقول ببرود :
..- الحمد لله سلامتك .. جعله في عدوينك .. يالله أنا أترخّص .. قومن معي يا بنات
خرجن بُسرعة .. فزفرت بإرتياح و حديثهم الهامس
قد وصلها كاملاً ..
نظَرت لأختها التي راحت تتأملها بصَمت
ثم قالت بصوت خافت ضعيف
..- سامحتيني ..
..- خلاآآآآآآآآآآص و الله قلت لك إني سامحتك .. لا عاد تذكريني بإلي صار .. إنسّي بنخرج .. وبنعيش زي زمان
أنا وإنتي .. طيّب ..
إبتسمت هديل لها بوهن .. فبأدلتها الأخرى بالمثَل
ثم نهضَت وهي تقول
..- يالله أنا لازم أروح .. عندي موعد .. أشوفك على خير
سلّمت على جبينها وهي تجيب بصوت حنون
..- يالله .. شوي بعد و بيّرخصونك من هنا .. شُدِّي حيلك
تحّركت نحو الخارج مُبتعدة عنها
و بعيت عيناها تتبعها حتى توارات خلف الباب
زفرت بتعب و هي ترا المُمرضَة تدخل و تبتسم لها
تضَع مزيداً من الأدوية داخل جسمها و تذهب
هل قليلاً من الزجاج سبب كُل هذا الألم
لما لم تمرض بشّدة داخل السجن .؟
هل لأنها أستسملت لعقابها أم لأنها لم تتألم
أصلاً
أغمضَت عينيها وذهنها يستعيد ذلك الحوار القصير
الذي ذكُراً آنفاً
لم تتوقع أن تكون نهايتها معه سريعة إلى هذا الحد
لكّنها لن تحزن .. أبداً رٌبما هي أرادت أن تتأقلم في حياتها
مع أحدهم .. شخص مجبور على تحمّلها .. لكّنها قالت
منذ البادية أنها لن تحرمه حقه في غيرها
و يبدو أن آمالها المعقودة بيأس ستنحّل
و ستعود لتلك الحجرة من جديد
أستغفر الله العظيم
*
...- وحشــــتيني !؟
بقيت متسمّرة في ذلك .... قليلاً
بعدها التفتت وهي تقول بإعياء شديد
..- نشــــوى .. حسام و و فيصل جوا هنا
نظَرت الأخرى لملامحها الذابلة بقلق وهي تقول بخوف متفاقم
..- لاءّ ما شفتهمش .. لييه .. فيه إيـــه ؟
أرخت أهدابها المُبتلّة وهي تُزيح حجابها عن شعرها داخل الغُرفة و تقول بصوت متذبذب
..- ما فيه شيء .. بس أنا راجعَـــة ..
اقتربت منها الأخرى بقلق وهي تقول
..- كُلنّا راجعيــن للمقر الرئيســـي ..
حّركت رأسها بيأس و هي تقترب من حقيبتها
..- لاآ .. أنا راجعة للسعوديـــــــة
*
< سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم
*
وجهها مُحتقن تماماً .. تجمع تبعثُرها الحاصَل بالضغط على شفتيها
استدارت لها وهي ترفع ملّف قضيتها في وجهها :
..- نور العيـن منصور الـ **** .. بعد يومين تكلمين الست شهور إلي هي مُدة حكمك .. سبب دخولك للسجن .." خلوة محرمة مع سبق إصرار و ترصّد " صح هالكلام ؟
..- إيه ..
..- ودكّ تقولين شيء ؟
..- إيه ..
..- تفضَلي
تركت ميسون الملف و أسندت ظهرها برفق على الكُرسي الجلدي .. و تركت عينياها تجول
في ملامح " نور " التي قالت بخجل قليل
..- أنا .. أقصد إن إلي صار لي بالظبط هو إنّي .. فيه واحد كان ساكن بحارتنا .. كان دايم يلاحقني و و كذا .. و دايم يتريق هو أصدقاه عليّنا وعلى شغلتنا ... حنّا كُنّا نبيع عند الحرم ملابس و من هالأشياء
إلتقطت نفس عميق وهي تحاول أن تُرتب أفكارها فيما تقول
..- بــس .. كُل شيء كان يسويه يضايقني بقّوة .. ولأني كُنت وحدة ما أحب أسكت على المذلة كُنت أرد عليهم بالكلام ..
ملامحها تدّل على أنها فتاة مُشاكســة ..
أكمام يدها المرفوعة دائماً .. ومشيتها
أيضاً
هذا ما دار في عقل ميسون التي همست ب
..- إيـــه و بعديــن ؟
ازدردت الأخرى ريقها بقوة وهي تتابع
..- بــس و سمعتهم قالوا كم كلمة أزعجتني فهددتهم
كانوا 3 ..
قاطعتها
..- واحد منهم إلي كان يتابعك دايماً ..
أومأت بالإيجاب وهي تتابع
..- رعــد .. إيه .. رديت على كلامهم بالمثَل .. واحد فيهم من أصاحبه راددّني .. ورديـت عليه و جيت أطلع ما حسيت برجلي يوم زلقت عن الدرج
و طحت لأسفل
قاطعتها بإستغراب
..- درج ؟
..- إيه حنّا بيوتنا على الجبل و إلي طلّعنا لها درج
.. -يعني المكان ما فيه سيارات .. محد كان هناك وسمعكم
أرخت رأسها وهي تجيب بحُزن
..- لا للأسف ..
..- وبعدها ..
..- من يد ليد ما حسيت بنفسي إلا وأنا هنا ..
عقدت ميسون حاجبيها بشّدة
..- طيب وين الخلوة في الموضوع ؟
رفعت الأخرى ناظريها إليها و هي تقول بصعوبة شديدة
..- مو .. لـ لأني صحيت و أنا ف شقّة .. وبعدها ...........
أومأت لها ميسون بتفهّم وهي تقول
..- أممممم ... المهم الحمدلله إنه ما صار عليك شيء ولحقوك ... طّيب انتهينا من هالموضوع .. بعد ما دخَلت هنا .. كلمتِ أحد من أهلك ؟
..- إيــه كلمت أبوي .. أو ما كلمته .. آآآآآ .. بس كان ساكت وكنت أنا إلي أتكلم بالأخير صك الخط بوجهي و ما عاد رد مرة ثانية
حاولت ميسون جاهدة أن تبتسم في وجهها
رغُم كُل الشتات المتراكم داخلها
فقالت وهي تضغط على عينيها بإصبعيها :
..- أحمدي الله إن قضيّتك جات على كذا .. لكَن لازم تنتبهي على نفسك وحركات مجاراة الرجال خطيرة لأنك مو قدّهم أبد .. غير كذا أنتبهي من رعد هذا لأن إلي يبغاك .. يجيك من باب بيتك مهوب من الشباك .. فاهمتني ؟
حّركت رأسها بخجل لتتابع الأخرى على مضض من التعب الذي يحيط بها
وبنبرة مٌترقبّ سألتها :
..- إذا خرجتي تتوقعي تصير لك مشاكل مع أهلك ..؟ مثل إنهم ما يستقبلونك ..
أنفرجت ملامحها و إبتسامة تتوسط وجهها
..- لا .. أنا واثقة إن أمي وأخواتي .. عارفيــن إني موب من هالنوع من البنات .. بس يمكن أبوي شوي ..
كتبت ميسون ما قلت نور ثم نهضَت وصافحتها بهدوء
..- الله يحفظك .. أتمنى ما نشوفك هنا مرة ثانيـة
ابتسمت نور العين ابتسامة حزينة وهي تقول بقلق بسيط
..- إن شاء الله .. بس أبي منك شيء إذا ما عليك أمر ؟
..- تفضلي ..؟
..- عندك رقم صبا .. قصدي يعني أنا قلت أخذه من الإدارة عشان ودّي لا خرجت أشوفها ..
هوت على كُرسي الوثير خلفا وغاص جسدها فيه
وهي تقول بحزن شفاف
..- و الله لو أعرفه أنا كان جبته لك ..
بأسف سألت :
..- يعني ما تعرفيــه .. ، ولا رقم أحد من أهلها ..
حّركت رأسها بتفكير وهي تُسند رأسها على يديها
..- مدري .. يمكن هي اللحيـن مرتاحة أكثر من قبَل .. خذي رقمي أنا بصفتي أحد من أهلها ..
عقدُت الأخرى حاجبيها و علامة تعجّب كبيرة تُرسم فوق رأسها
أرادت أن الأولى أن تطمئنها
لكّنها أشعلت القلق في داخلها على صديقتها
هكذا هي مساراتُهم .. كعجلات مُتفاقمة السُرعة
تدور بهم في كٌل الإتجاهات
لكَن إذ ما حافظَنا على ثباتنا
سنبقى حيثُما نُريد
"مَنْ بعثرَ ملامحي
دموعًا
على رصيف؟
مَنْ مِنَّا
خذلَ الآخر؟"
اللذة الثانية و الثلاثيـــن
مّر على كُل ما فات يوميـن فقط
كانت فاصَلة في حياة أحدهم .. رحلت بعيداً عن السجَن
تحمل في روحها مُتضادين هُما سعادة وحزن
حُزن لأنها فارقت " نويّر " دون أن تودعها .. أبعدوها عنها في سجن إنفرادي .. بسبب كثرة انهياراتها
فلم تستطيع عند الرحيل أن تودعها أو حتى تراها
و سعادة تبعث في نفسها الإنتشاء أمام القادم الذي خططت له طويلاً داخل القضبان
عيناها تلتهم كُل التفاصيل خارج النافذة
التي بدأت تضيق شيئاً فشيئاً .. كدليل بإقترابها من منزلها
وقفت على عتبات الجبل و بدأت في صعوده على مهل
حتّى وصَلت إلى باب صغير ..
نقرته بطرقات متتالية .. مميزة تخّصها هي فقط
و قلبها يخفق بحنين متعاظم لكُل ما حولها
بالداخل .. أرتفع صوت نورة التي زفرت بيأس من
أخواتها المتحلقات حول التلفاز وهي تقول
...- وحدة تفتح البااااااااااب ..
حّركت البتول يدها بلا مُبالة وهي تقول
..- أبوي هذا .. شكله نسي إن معاه مفتاح ..
عادت الطرقات للأرتفاع .. من جديد ولكَن هذه المرة
ارهفوا أسماعهم... تلك النغمة المميزة
شخصَت أبصارهم نحـو الباب
و زهرة تهمس بإرتياب
..- مهوب وقت رجعت أبــوي .. وهاذي الدقّــة آآآآآآآآآآ
وصَلت نورة بخطواتها المتسارعة وفتحته
حينما فوجأت بذلم الجسد الذي أحتضَنها بقّوة كبيرة
جعلتها تشهق وهي تصرخ بشّدة
..- نـــــــــــــــــووور
الأخوة أعظم رابطَة .. لأنه مهما كان الطرف الأخر مقصَراً
فسيجد الطرف الأول له العُذر لكّي يحبه باستمرار
أستغفر الله العظيم
*
جو رطب جداً .. و عند ساعات الفجر الأولى
أصابع تُعقد و تُحَل .. ثم ينقر " الدركسون " بإصابعه
توتر شديد .. يرتسم على ملامحه وعينه تعود لتنظر نحو ذلك الباب الكبير .. زفر بقوة حينما شاهد
طيفها الواهن الذي خرج من الباب نحو سيارته
التي تقف وحدها هناك
جلست بجواره وهي تشّد عباءتها على رأسها وتنطق بتوتر شديد
..- خيــــــــر .. حنّا ما قلنااااااااا إناااا خلصنااا من هالسالفة .. أرمي عليّ يميييين الطلاق وأعتقني ياخي
قالتها وهي تنظَر في الناحيّة الأخرى .. بتعب
..- قووووووووووولها وفكّني
لكن صدمتها كانت قّويـة حينما شعرت بالسيارة
تتحّرك بسرعة من أمام البوابـة و تتخذ طريقها من الشارع
الفرعي للشارع الرئيسي .. خارت قواها و ألقت برأسها على المقعد خلفها
و شفتيها تنفرجان ببطء
..- ويـــن موديـــني ؟
توقعت أن
لا يجيبها وفعلاً أنسَلت يده للعُلبة السجائر و أستّل واحدة منها .. دسّها بين شفتيه
مُطفئة .. هكذا .. يعَلم يقيناً انه لو أشعلها
سيضايقها .. روحه تبتسم لذاتها .. فقد
أصبح يُحبها بلا شك ..حتّى أبعد نفسه عما يُحب
من اجل قلبها
صوتها المُحبط يمّزقه .. و كلاماتها الفائتة تصيبه
في مقتَله .. لكّن في شرع العُشاق
أمّا السعادة أو الموت ..
و هو سيقف بينهما بعد دقائق .. نطَق بنبرة جامدة
لكّنها مُرهفة في قلبه يُصبّرها
..- أبي أوريـــك هالشيء .. و بعدها سّوي إلي يريحك
زفرت زفرة مٌلتهبة جداً أحرقت جانبه تماماً
لينطَق صوت من جديد
..- هاااذي أمــآنــة أبوووووكِ ولزوووم أوريك
إياها .. وبعدها لو تبيني أرجعك برجعّك
لم تنظَر لعينيه لتدرك حقيقة أنه صادق .. بل
صوته التي أصبحت تتقن معرفة تفاصيله
مستسلمة منذ البداية .. فلم يعد لديها شيء تُخبأه عنه ..
تماماً ك أرجوحة قالتها سوزان
أعرفُ الألمَ
وأعلمُ
أنَّني في أملي تماديت.
أخذَني الهوى
أبعدَ من خطوتي رُبَّما.
أجلسُ الآنَ على حافَّةٍ
كأرجوحةٍ أدلِّي ساقيَّ
أغمضُ
ولا ألوِّحُ لأحد.
الهاويةُ ورائي،
وليسَ الغناءُ طريقاً
لأتوقَّفَ
أغمضَت عينيها وهي و قلبها يراقب تعّرجات الطريق
لاحت فلول نور من بعيـد يقف شامخاَ في منطَقة حولها جبال مُتعددة الإرتفعات الخضار ينشر مساحاته هُنا وهناك .. و قُطعان من الأنعام
بيئّة قرويّة منازل من طابق واحد تقتحم سيارة " صقر "
الجمس اللؤلؤيّ المكان ..
و اقتحم قلبها هي رعشَة قّويـة فطرية
لمرأى ما حولها رعشَة ذكرى قديمَة أو مشاهد رماديّة مُفككة .. رعشَة لا تعني سوى
أن رائحة إحتواء تبَع من هنا .. رائحة الأصل قّوية دائماً
شعر هو بذلك .. فأعين من بالخارج راحت تتأمل سيارته .. يعرفون من هو .. لكّنه كان يدخل إلى هنا دوماً على قدميه ..و يترك سيارته بعيداً
وقف أمام باب منزل مُعيّن احتوت شارع الرصيف كاملاً
خرج هو وبقيت تتأمل ما حولها بذهول وصمت مطبقين
وقف يطرق على الباب بهدوء .. دقيقة تتلوها أخرى
حتّى وصلهُما صوتها
..- يـــآآآآالله خيـــر من عند الباب ؟
أشار لها بيَده " أن اتبعيني "
أخرج من جيبه المُفتاح و دخَل .. تفاقم القلق في داخلها .. فهو يملك مفتاح منزل هذا الشخص
لمَا لم يفتح الباب منذ البداية إذاً ؟
قليل من التساؤلات كهذه دارت في عقلها
بعدها
سمعته يرفع صوته لـ أحدهم بالداخل
...- الســلآم عليــكم يا أم محمد ..
..- وعليــكم السلام ورحمة الله وبركاته .. يالله إنك تحييه و تبقيه .. و ترزقه من حيث ما يعلم ولا يدري .. حيّاك الرحيم يمّه أقرب أقرب
..- قريـــب جعلني فدا راسك .. بس ترا جايب معي هدّيــة ...
وقفت بالقُرب منه على عتبة الباب الذي يقف هو في أوله .. يحجب بجسَده المكان ..
ويشكّل بهيبة كلامتـه حضور طاغي .. أصّم قلبَها
تعلّقت أسماعها بهذا الصوت الرخيم الذي أنبعث من زوايا الفناء يقول بحنان عظيم
..- الله يكثّر رزقك .. وخيرك إنت وهداياك معك
إلتفّ نحوها .. أزاح نقابها عن ملامحها
ليكَشف عن عينين تائهتين و شفتين مُنفرجتيـن
بإستفهام كبير ..
إرتفعت أنظارها نحو ذلك الجسـد
و قلبها يخفق بسُرعة جنونية ..
تشعر بشيء ما لا تفهمه .. تفاصيل هذه المرأة تحفظها عن ظهر قلب .. لكَنها تبدو واهنة أكثر مما يجب
قّربها منها بينما بقيّت الأخرى تتحسس حركاتهم
تنتظره يتابع ..
لكّنه هو أنشغل بتأمل ملامح صبا المذهولة
رفعت عيناها إليه كأنها تبحث عن تأكيـد لما توصَلت إليه
فأحتضَن كتفيها وهو يحّرك رأسه بإبتسامـة
لتنطِق بانبهار
..- أمـــــــي
اختلفت ملامح الأخرى .. و غامت عينيها المُطفأتيـن
وهي تقول بنبرة مُرتجّة
..- ميــن .. صقر يا بوي ميــن ؟
سمعتها جيداً .. لكّنها لن تصدق أبداً .. عاشت وحيدة

يتبع ,,,,,

👇👇👇
تعليقات