بارت من

رواية عندما نستلذ الالم -24

رواية عندما نستلذ الالم - غرام

رواية عندما نستلذ الالم -24

نهضَت مُلبيّه لطَلبه ومازلت يداها تداعب طرف الجلابيّة بقلق
لا تُدرك كُنهه
وصَلت للكيـس الكبير .. إرتابت لوهلة
وكانها بدأت فهم أمراً ما
أوصَلت له و تركته إلى جواره
ثم همّت بالخروج فلا داعي لبقائها
لكَن صوت الأمر نفذ لـقلبها الواهن بقّوة
..- مــآ قلت لك روحـــي .. أجلسي مكانك أشـوف
جلست حيث أمرها بجواره مُباشرة
بقيت تتأمل الفراغ إلى حين
وهو يأكل ببطء شديد .. أخيراً دفع الكُرسي و أبتعد عن الطاولة
نهضَت سريعاً وهي تحمل الأطباق من أمامها
فتكّور قبضَته حول معصمها
وزفر بغيظ مكبوت
..- وبـعديــن معك يعني .. أنثبري بمكانك ..
تركت ما بيدها وتُلبس ملامحها جموود
رفع الكيس الأسود جواره
و أخرج ما به .. فُستان ليلكي
متلألئ بشدة ..
اتسعت عيناها بذهول وهي تراقبه
وهو يرفعه أمامها ويقول بنبرة آمـرة
..- هـذآ إلي بتلسينه بكرة .. و ما أبا أسمع إعتراض
لفّه مُجدداً وألقاه نحوها
نظَرت نحوه وقد أستقر فوق حجرها وعلى ذراعيها التي رقدت هُناك مُسبقاً
فردته مُجدداً ببطء
ثم رفعَت بصراها نحوه وهي تقول بقوة عجيبة لم تعيها هي نفسها
..- ما تي تسمع إعتراض .. يعني كُنت متوقع إني أعترض .. جايب لي
أفصخ فستان في السوق عشان ألبسه قدام خلق الله يا تُركي
النبرة الجديدة في صوتها خلقت شعوراً بالمفاجئة لديه
لم يبدو أياً منه على ملامحه وهو ينهض ليقف أمامها ويشير نحوها بسبابته
..- علموك بالسجــن كيــف تصليـن و تبكيـن .. لكَن شكلهم نسوا يعلموك كيف تتطعيـن زوجك
أستفزها .. بشدة
أنقضَت عليه كـليث جامح بإجابتها وهي تصَر بأسنانها
..- لا يا سيد .. علموني كيف أعرف ربي زيـن .. و إن هالزبالة إلي أنت جايبها .. و تبيني أفّرج الناس عليّ متخلّعة كأني بهيمة ف هاذي موب تربيتي
قهقه بإستلذاذ لـمتسوى الحوارا لمتدهور وهو يتكأ بكتفه على الجدار الذي وقف بجواره
..- ههههههه .. تربيــتك صــآر .. والله وعرفولك راعيـن الجرايم .. أدبوووك ها
عقدت حاجبيها وهي تدفعَه بإطراف أناملها وتجيبه
..- إنت الكلام معك ضايع .. وهالفستان ما ألبسه قدآم الناس لو على قص رقبتي
مّر طيفه من جواره لكَن ذراعه الطويلة أحطت كتفيها من المقدمة وهو يقول بنبرة ساخرة
..- والله .. أجل ألبسيــه قدامي يا .....شريفة مكة
دفعت ذراعه و هرولت نحو الغرفة أوصَدت الباب
و أنحنت عنده تبكِي
هذه هي أول مأسيها .. حتى حينما قررت أن تبدو كخادمة
أبا هو أن يكون السيّد ..
لم تتحمل فكرة أن ترتدي فستان كهذه .. ليس لأنه هو من أحضره
فالفستان مُريع بحق ..
أحتضَنت جسدها المُرتجف بذراعيها
هدّأت من روع نفسها .. بذكر الله
وأستلقـت على سريرها و راحت في سُبات
عميـق
،
أستغفر الله العظيــم و أتوب إليه
صّلت الفجر مُتأخرة .. و قد خطّت الشمس خيوطها في السماء
في نسيج غير مُكتمل ..
قاومت رغبـة مُلحة في نفسها أن تفتح الباب
و تبحث عنه لكن من المؤكد انه قد غادر المكان
تود أن تعتذر عن سوء أدبها
إبتسمت بحنق عن ذاتها
...- بــس ما يســتاهـل أعتذر .. بس يااااربي .. أخاف ربي يغضب عليّ بسببه ..
عندما فتحت الباب تابعت همسها الذي تواسي به نفسها
.. - بس هو بعد غلطان ولا ذاك فستان يلبّس .. يعني المفروض يغار ع الأقل
توقفت في نصف الردهَة الموازية لغُرفتها
وهي تضرب جبهتها بقوة و تكُمل
..- أوووووه .. يمكن يختبرني .. ههههههه ..
تنفّست الصعدآء حينما تأكدت أن الشقة خالية تماماً
أكلت فطورها براحة ..
ثم عادت حيث كانت .. جهّزت نفسها من أجل الحفلة
لكَن بقي شيء ما مُعطلاً بالنسبة إليه ..
من سيأخذها إلى هُنـآك ..
بقيت تُراود نفسها وهي تقول
..- أدق .. ولا موب لازم .. لاآآآ أخاف ينسى .. ويزعلون عليّ ..
ثم تتراجع أصابعها وحدها عن الاتصال به
فجأة ومضَت الشاشة باسمه المُجرد " تُركي "
أجابته ليقول لها كلمة بدون زيادة عليها
..- أنـــــزلــــي ..
نزلت من فورها .. وأستقلت السيارة بجواره
راحت تختنق بحضوره .. الذي ملئ جوانب السيارة المُرتبة
كما أنه بدآ مُرتباً أكثر .. " كعريس " تماماً
وصلوا لحيث يجب .. قابلتها العديد من الوجوه فأبتسمت للجميع
لم تكُن تريد أن تتأمل ملامح أي ممن حولها بدقّــة فقط
لأنها لا تُريــد أن تبكي الأن ..
وصَلتها زفرات " خدوج" و همهمات " ريم الغاضبة عليها
و الأخيرة تقول
..- أووووف منّك .. عنيدة وراسك يابس ..و لا فيه عروس تجي لابسة جلابية بعد أسبوع من زواجها .. بتجلطيني إنتي ..
لم تكُن إجابتها على كُل الأسئلة .. سوى حمد وثناء على الله
حتى تلك التي تُشبهها جلست على زاوية بعيــدة
تختلس النظر لملامح توأمها المُتألقـة بإستمرار
تحاول كبح جماح رغبــتها المُلــحة التي تدعوها للقيام بأمر ما .. لكَن أخيراً لم تستطع أن تصبر أكثر
أشارت لـخديجة فأتت لها ..
همست لها بكليمات بسيطة ..
فأومأت لها الأخرى بحماس و عادت لحيث مقعدها بجوار هديل
ثم انحنت لها وهي تقول بسعادة
..- أقول هدووولة .. وش رايك نطلع فوووق .. بنأخذ راحتنا أكثر ..
نعم ، هذا ما كنت تحتاجه في هذه الحظـة
بنات أعمامها لا يعتبرون لوجودها .. لا أحد يلتفت لكونها هُنا
حتى صمتها يزيد من مدى اختفائها في أعينهم ..
لكَن سيكون هذا الخيار هو الأمثل في نظرها
..- والله ياريــت .. بس
و أشارت بسبابتها لمقعد " أسيل " الفارغ
..- أ أسيـ ل طلعت فوق .. أخاف أضايقها
سحبتها من يدها ترد بحماس غريب
..- لا لا .. لا تخافيــن .. ما بتفتح فمّها
و جّرتها إلى الأعلى مالت بها نحو الزاويــة مظَلمة قليلاً
عدا من ضوء الشمس المُتسلل لها
تركتها أمام باب بحجم ذكرياتها الأليمة هُناك
سمعت خديجة تتحدث بشيء ما يخص ذهابها عنها
و أصبحت وحيدة أمام باب حُجرتها القديـمة
إنفتح الباب الموصد لـسنة وأشهر و يزيد عليها القليل
و كأنه يدعوها للدخول ..
أنقادت نحو ألمها بهدوء .. وهي تتبع أطايفها
ضحكاتها .. قذرتها
وشرّها
هُنا وهناك ..
وقفت في مُنتصف الحُجرة حيث أنهار كُل ذلك فجأة
حينما اُوصد الباب من خلفها .. و اُشتعلت الإنارة
إستدارت خلفها وهي تسوعب ببطأ ما يجري حولها
نُسختها الأخرى تقف هُناك و يداها مُعلقَة على زر الإضاءة
و على ملامحها ألف تعبير و تعبير
هي الأخرى مُستنزفة إلى حد كبير .. تهرب بأعباءها عن
ما هو مزروع في داخلها .. فلا مفْر منه
ابتسمت لها " هديل" بكل بساطـة وهي تجلس على
السرير العاري
لم تتكّلم أي منهما
لكَـن للعيـون لغـة يمكُن للجميع إتقانها .. فقط عندما يجربها لمرة واحدة ..
تحدثت الأخيرة بصوت بارد
..- ما توقعَـتها منّك ..!
إتكأت هديل على الطاولة المغبّرة و ضعَت يدها تحت خدّها
لينكشف للأخرى منظَر الأسوار الامع و خاتم " الدبلة "
في يد واحدة
نزلت بنظرها ليدها الأخرى لتجدها عارية من أي شيء
شدّها إبتسامتها الهادئـة مع وجهها المُنير
تمنَت أن ترمي كُل ما يحدث في الواقع خلفها
وتركض لتحتضِن أختها
قطعها صوتها يقول
..- وقت الاعتراف إذاً .. و إلي تبينه أنا مًستعدة أقوله ..
ازدردت أسيل ريقها بصعوبة سيطرت على أعصابها
وهي تقول ببرود أكبر
..- ليييش ؟ .. ليييش سويتي إلي سويتيه ..
رغُم ما تمثّله من برود إلا أن هديل أذكَى
فقد راحت تلتهم كُل خلجة من خلجاتها وتدُرك أن
في جوف توأمها الكثير والكثير
لم تُعلّق مُطلقـة لتكُمل الأخرى ببرود أقل فأقل
..- يعني .. أنا رحت وإنتي بخيــر .. رجعت وإنتي خريجة سجون .. تعرفيـن .. لاآ قصدي تحسـين ..
أقتربت منها جلست على ركُبتيها أمامها و وضَعت راحتيها على ركُتبي الأخرى
..- وششش كان ناقص عليييك .. وششش باقي شيء ما عطناك هو ..., ما ما كُنّا مجتمع متشدد و لا ضيّقنا عليك في شيء .. لكــــن ليـــش .. جاوبيــني ليـــش
أنزلت يدها وضعَتها على حجرها
سكتت لبرهُـة تحاول ان تختزل الكلمات
لكَن خطئيتها لا شافع لها
..- أنا غبيـة .. و عقلي صغيــر .. كُنت .. كُنت أشوف وش كثر هُم يحبونك .. لأنك مُتميزة في كُل شيء .. بس أنا كُنت لا .. كُنت أشطَر منّي و تخرجتي من المدرسـة قبلي .. أما أنا رسبت سنة وسنتين وثلاث .. ما أحد عبّرني محد أهتم لي .. لاآ كُنت أسمع يا ليتك مثل أسيل لو في شيء .. كرروه كثير .. ضجرت .. كُـنــت أبي ألفت النظَر لكَن .. كرهوني أكثر .. عاندت .. بس محد حوووولي .. كرهت حياتي كرهتها
تدريـن ليه .. لأني كُنت ما أعرف ربي .. ما أعرفــه ..
ما كُنت قد سمعت قوله في كتابه الكريم " وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَانِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ"
بس أنا أخذت جزاء أنـآ شوفي شـــوفي
دفعَت بغلظَة يديها الباردتيـن
رفعَت جلبابها لتُريها
كُل تلك الضربات على أقدامها .. و الأخرى في حالة ذهول
..- شفـت .. شقتي هذا هُم .. أقموا الحد .. هذا جلدهُم .. أثاره بتذكرني .. بندمي .. بكِ .. بجدتي و طيحته يوم رجعتي
دمعَت عيونها ببساطَـة وهي تختنق بألم
إستعادت ذكرى مريرة
شعرت أنها سُتنهك نفسها بحديث لا طآئل منه
لتنُهي كُل شيء
ومن بين شهقاتها
..- بس ... بس .. لا تندمي .. أنا أنـآ أستحق هالمُعاملة و أسوء ..
رفعَت قبضَتيها وهي تضرب رأسها بقّوة أمدّت في عُرقها
إثر ملاحظَتها لدموع غطّت ملامح أسيــل
أما الأخرى فقد غَرقت في نحيبها الصامت
دون حتّى أن تمنعَها ..
لكَن تلك لم تتوقف .. بل بدت هديل وكأنها قد أصيبت بحالة
نفسيَـة راحت على أثرها تضرب رأسها و جسدها بقوة
وهي ترجو من أسيل أن تصمـت ..
لترحمها
مشاعر مُتأججـة من اُخوة ليست كأي اخوة
أخوة بطَن واحدة ظُلمـة واحدة
مشاعر واحدة
لا يستطيع أي كائن حي من كان
أن يفصَل بينهمـآ .. لذا فالمشهَد مزدوج من كُل حيثيته
عدآ أنه تجاوز الحد .. فالدماء راحت تنتشر في وجهه
هديل .. وأسيل تمنعها بضَعف شديد
لكَنها أخيراً خّارت قواها .. و سقطَت في حجر اُختها
رفعَتها أسيل إلي حجرها إحتضَنت جسدها
لتتماسك الأخرى بلا جدوى ..
بيد مجروحـة بالزجاج المُتناثر في كُل مكان
رفعَتها وهي تمسَح على وجه الأخرى
على ملامح مُشابه لملامحها .. لتشوهه بدمائها
و من وسطَ سواد سرمدّي راحت تقاومه
همست بصعوبــة
..- ساامـ ـحيـ ني يا اُختـ ـي الله يخـ ليـ
ثم اختلطت صرخــة الأُخرى
بسقوط يدها


لأنَّ الصباحَ فقدَ لهفَتَهُ
لأنَّني تجاوزتُ رغبتي
وأفرغتُ الكلامَ من كراكيبِهِ الكثيرة
لأنَّني بلا أصدقاء
قلبي وردةُ ظِلٍّ
جسدي شجرةُ غياب
لأنَّ الحبرَ ليسَ دمًا
لأنَّ صوري لا تشبهُني
والقمرَ المعلَّقَ في الخزانةِ لا يصلحُ قميصًا لروحي
لأنَّني أحْبَبْتُ بصدقٍ لا قيمةَ لَهُ على الإطلاقْ
وفقطْ حينَ انكسرتُ
أدركتُ حجمَ المأساةِ
لأنَّ هذه المدينةَ تذكِّرُني
بصوتِ امرأةٍ أعجزُ عن نسيانِ انكسارِها
لأنَّ اللهَ واحدٌ والموت لا يُحْصَى
ولأنَّنا لم نَعُدْ نتبادلُ الرسائلْ
يُحْدِثُ المطرُ
في الفراغِ الذي بينَ قطرةٍ وأخرى
هذا الدويَّ الهائل.*
* سوزان
و بيدي حلم غنَّاه الزمان
. . . وطار به عصفور !
يزفه للغمام اللي تهجا رحلته فيني!
واتمتم "هي هنا كانت"
وينبت للحنين شعـور
وأتمتم "ليت ما كانت"
وأضيـع ولا ألاقينـي!
وادورني ورى جرحي
وتزهر في حشاي قبور
وأكفن عورة همومي
- وأدور منهو يرثيني!
اللذة التاسعة و العشرين


أبعدت ناظريها عن عينيه المصدومتـين وهي تقول بتعب
..- لا تجلس تطالع كذآ .. وافي أقّوله روح طّلق الحرمـة يختفي عن الاثنين من أمس ادق عليه ولا يرد عليّ .. و أم سحر اتصلت تخاصـم على الولد .. إلي تارك بنّية صغيرة بشقَة لحالها .. هو تعبان ومتّعبني معاه
دارت بيدها دمعَة صغيرة سقطَت من ركُن عينيها
لتقول بعدها وعد
..- هّوينها يمّه .. مصيره يّرد و يحّل مشاكله .. بس إنتي لا تزعلين نفسك مو زين لك
ثم ألتفتت نحو " بندر" و رمقته بجدّية
..- خلاآص .. جّهز البيت .. بكرة الفجر بنمشَي لها
عادت صورة صبا التي لم تفارقها طويلاً تُعّذب قلبها
لتقول بذات الوهــن
..- إيــه .. أكّلم أبو عدنان
و عندما أستمّرت عيناه تحدّقان بها بذات الدهشة
..- و لا أقول لك ... خلاآص هات رقمـه بكلّمه أنـآ
..- وش فيه ذا متنّح كذا ؟
زفر بقّوة وهو يقول لها بغلظَة
..- وعــد .. أطلعي .. بقّول لأمي شيء
عقدت حاجبيها وهي تراقب تحّول ملامحه نحو الجدّية المطلقَـة
فهمّت بالنهوض
إلا أن يد والدتها اعترضتها وهي تقول لها بجدية أكبر
..- لا تقوميـن .. أدري باللي تبي تقوله .. و بروح حتى لو ..
نهضّ وهو يكتم غضباً مُتجلجاً في داخله .. ويهتف بصرامة
..- خيـــر أجل .. جهّزوا أنفسكُم .. بكرة الصباح بنمشي
و خرج تتبعه زوبعَة من أنفاسه الحارة
و عينا وعد تلتهم كُل تلك التفاصيل بإستغراب واضح
..- ليش عصّب كذا ..؟ كُل إلي قلناه مزرعة ..
لكَن يعيناها أصطدمت بعينيّ والدتها المغرورقتين بالدموع
وانكسار عجيب يلوح فيهما من بعيد


*
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم


حياتها لم تكُن أليمة بقدر ذلك الألم الذي ينهش
بكفّيها الملتويتن بشَدة .. حتى ذلك
المُسِن الذي وضع لها طبق الزنجبيل لم يرأف لحالها
رٌبما لأنه لم ينُظر لها أصلاً
لكَن الألم و حرارة المكان ، الظلام و رائحة الجنزبيل
كُلها أضرمت في داخلها نار لم تُطفئَه دموعها
إستجداء خافت
زآد من وهنها وهي تلهَث بشَدة
تصّلبت عضَلاتها و أستنفرت آخر فلول
قوتها عندما سمعَت صرير الباب الخشبي
أخيراً ..
شعرت بخطواته الحديدية تقترب منها
سجائره الأثيـر تصَل لأنفها
فتزيدها إحتراقاً
نطَقت وهي تغُمض عينيها و شفتيها تنكمَش بألم
..- مبســوط اللحيـــن ..
حاولت أن تنقَلب لكَن الحبل مشدود
تُريد أن تبتعد عن مجال الحرارة التي
تكّّون بجبروت هالة تحيط به
جلس بجوارها و بدأ
يداعب شعرها المُنسدل بجديلة مُبعثَر بجوارها
زادت عصبيتها المُتخامدة
فصَرخت بشدة
..- صقققققققققر .. يا كلــ*** خل شعري وافتح الحبل
ثم تبطأ صوتها وأنكسَر عندما التقت عينيها ألامعتين
بعينيه الجليديتين
وأكملت بوهن
..- تكفــى .. حتّى صلاة ربّي ما صليتها
هو لا يستطيع أن يقسو أكثر مما يفعل الآن
أن يكُمل قُربها جنونها حتى حبّات العرق المتراكمة
دموعها التي لا تقوى على حجبها
ضعفها بجانبه هكذا
حّرك شيء ما في صدره
جعَله ينهض بجٌزئه العلوي
وقّربها نحوه بينما عيناه تراقب عينيها المُغمضَتين وأنفاسها
المكتومـة
شفتيها المتشققة المُرتجفَة
أزال الرباط فتحررت يدها
أمسكَـت بهما بألم وهي تتجاوز السرير بقدميها وقفت مُعرضَة عنه
لوهلة تلتقط أنفاسها
يديها أحاطَت كتفيها من الخلف وصوته يخترق أذنيها
..- ســـآمحيـــني ..
ليست في مجال يسمح بالرد أو حتى البكُاء لأن الجملة التي أطلقها لا تستحقها مُجردة هكذا
عذّبها طويلاً .. و صمتت عن الحقيقة
ثم " سامحيني " تافه بجانب كُل عذاباتها
كتفيها الذين انكمشا تحت وطأت ذراعيه
لاحظَت تحرر يدَه الأخرى .. و لاحظَ
هو ضعَفها
نطَقت بحُزم مُشتت القوى
..- فكّني .. أقولك مـــآ صليــت
وبصوت خافت
..- خّرج الأكل بّرا ..
و خرجت من الغُرفـة .. أرتطَم بوجهها الذابل من شّدة العرق برودة الصالة الصغيرة
و إلي الخلاء لـسبَح في المياه العذبـّة
علّه تخفف ببرودتها وطئت الألم على روحها
هناك
تأمَلت معصماها الذي اُحيطان بسوار من الأحمرار الشديد
فقد تمّزقت أنسجتها العلوية بوحشيّة
صنعتها محاولاتها اليائسة لفتَح الرباط
أنتهت من كُل شيء و عقلها يفكَر بسرعة
حمَدت الله كثيراً .. لأنه أستجاب لها دُعائها
و لأنه لم يؤذها ..
تعلم أن ضميره القاسي يأنبه
و الآن تيقنت من ذلك .. ستصَبح ذكية قليلاً
و ستحاول أن تستخدمها كورقـة رابحـة في يدها


*
أستغفر الله العظيـم ..
..- طيّب .. عطيني أسمها ؟
..- نـور العيـن منصور الـ::
..- بجي ع الساعة 8 قولوا لها قبل أحب البنات إلي أجلس معاهم يكونوا عارفين قبل الموعد بيوم .. عشان يتجابوا معاي
..- على أمرك .. توصين بشيء ثاني ؟
..- لا شكراً .. مع السلامة
أطبقت هاتفها المحمول وهي تلقه على المكتب بعصبية مُفرطَة
أزعجت ذلك الجسد الصغير القابع بجوارها
فانحنت عليها وقلت رأسها الصغير بهدوء حنان
زفرت بتعب وهي ترفع نظرها لبندر الذي راح يتأمل شاشة جهازه المحمول باندماج .. تُدرك أنه يُمثَله
نطَقت بهمس
..- لا تخلي عقدة تأنيب الضمير تستولي عليك .. وتنسّيك الأهم .. إذا تبي تصّلح غلطك من جد .. سوي إلي يرح قلبك وقلبي وقلوبنا .. والله إني ما أنام في الليل إلا و أتحلم بها أحس إننا كُلنا ظالمينها .. ودي أروح لها اليوم قبل بكرة .. وإلي سواه صقر مو أسلوب أبد
أغلق الجهاز بهدوء وهو يتكأ على الكُرسي و عيناه تتأمل ملامح زوجته الحزينة
..- تعرفي قد وش كثر أخطيت .. أمي أمّي إلي أمرتنا أمر إننا نرميها في المزرعة و رفضَت تعترف فيها
صارت فجأة تبي تزورها .. وش بيكون شكلي قدّامها ؟
إقتربت منه و مسحت بيدها على ذراعه برفق
تُلطّف عنه
..- الوقت مازال معك وقدامك .. خذهم الصبح .. و دخلهم على الفيلا .. تذكر إن وعد ما تدري بالموضوع .. لذا روح لها إنت و خذها لأمك بنفسك .. بعدها لو تقبّلتها كان بها لو لا .. بتكون كسبتها
عقد حاجبيه بتفكير
..- زين لو رفضَت تجي معي ..
اشتدت قبضَتها على يده أكثر
..- ما بترفض .. صبا إلي أعرفها ما بترفض أبد .. و أنا بروح معك
نظَر لعينيها مُباشرة و بحدة أجابها
..- لالا تعب عليك .. خليّكِ هنا .. أنا بحطَهم وبسوي ذا الشغلة وبرجع
إبتسمت له بود وهي تجيبه
..- يا حبيبي ما يصلح .. الموضوع مو بسيط لذا الدرجة .. وبعدين أنا بروح معك و بجلس في الفيلا .. يعني لا تخاف


*
أستغفر الله العظيم
عند ساعة الفجر الأولى .. قبل أن تنشق عُتمة
الليل و تلد الشمس خيوطها
تركت الباب مُوارباً عليه
في ما يبدو لها وكأنه نائم
رغبة مُتتالية بالخروج .. و تحثّها رآئحة الزرع
المبلول
وصَلت لباب سجنها الصغير و فتحته برقَه لمي صَدر
معه أي أزيز كعادته
حتى هو الأخر بدا رقيقاً معها للغاية
لمست أقدامها الحافية بساط أخضر من الحشائش
القصيرة
فتُداعب قدميها بحُب
تتسع ابتسامتها براحة وهي تلتقط أكبر قد من الهواء
النقّي .. بعيداً عن كُل تلك الحرارة المُوجعَة
تخال الفصَل شتاءاً لما تجده هُنا من تضاد
لم تمنعها عُتمة ما حولها من المُضّي قُدماً في المكان
تتبع رائحَة مُنعشَة
واصلت خطواتها الباحثة حتى ابتعدت عن موقعها الأول
خطوات وخطوات
مشتل مُربع الشكَل بمُحاط بشبك قصير لكَن يمنعها من المُضي
بداخله تفوح رائحة الياسمين بقوة
تجعل في داخلها رغبة عارمَــة بالصراخ
بقيت تلك الأخيرة تزداد مع كُل لحظَة و مع كُل نسيم
بارد خاص بعُتمة السحر تلك
لكَن كما تتذكَر دائماً
" حظ الأعوج أعوج "
رائحَـة أخرى تقتحم كُل شيء
حرارة تكبت من جديد على أنفاسها
وقفت على بعد خطوة فقط منها
زفرت بتعب مُضنّي وكُل قرارتها السابقَة تتبخر مع النسيم
..- ليـــــش جيـــت؟
..- تبيـــن تدخليـــن ؟
تكره كلماته القليلة .. و دائماً خارج إطار الموضوع
مُذنب .. و نادمْ
لكَنها ستغفر له .. فقد إن تركها وشأنها
لكَن يبقَى هو الأخر عاجز أمام طوفان حُبها المُتربّع داخل
قلبه
حُب نبت من بذرة خطئيَة .. ثم ظُلم و جبروت
و الأن ينقَلب كُل شيء
و بمسمع ومرأى من الجنون
لحُب بحت لا تشوبه شائبَة
مع كُل ما يعتمل في داخله
مع هذا الجو المحيط ما تمناه هو
أن يغرسها في داخل أحضانه
وأن يطلَب منها الغٌفران
وفعَل .. أخفى وجهها عن عينيه
لأنه لا يريد أن يتألم من الإشمئزاز الساكن في أعماقها
فقد يريد من قلبه أن يُقبّل قلبها على أنفراد
ويعتذَر
صوتها خرج هادئاً بارداً
..- ندمان ؟
ذُهل من وقع السؤال على مسامعه فأبعدها وهي مازالت قريبة من عينيه
..- وشّ تقوليــــن ؟ إيه ... إيه ... والله والله ندمان قبّل يديها الراقدة في كفّه وهو يعتصرها
بشَدة لا يُدرك مع فرط حماسته
أنه يؤلمها
..- ســـآمـحيـني يالغلاً .. عطيني فرصة أخيرة .. ولك إلتي تبيــنه .. أقســم لك
الصدق يلمع بإنكسار داخل عينيه
تعَلم أن كُل ذلك هو شفقَة لا حُب
تركت يدها تنسَل من داخل يده .. وهو أعطاها حُريّة الإبتعاد
زفرت بحرارة موجعَـة خرجت من أعماق أعماق
الظَلام السرمدّي داخل روحها
..- وش يفيد السماح اللحيـن .. بعد ما طاح الفاس في الرآس
التفتت نحوه أخيراً .. وهي ترفع سبابتها مُلوّحة بيدها أما وجهها
..- لكّني بس أبيك تتذكَر شيء واحد بس .. إنّي شريفة و إلي سويته فيني مُركّب فيك .. أنا أنسجنت ظُلم ..
و إنت السبب .. جاي اللحيـن تطلب السماح
لا يستطيع أن يتحرك من مكانه .. حتى خلجات ملامحه جامدة بجمود قلبه .. عندما همّ ب " إعادة تأهيليها "
ظنّها أكثر ضعفاً و سلبيّة .. لكَن تلك التي
تقف أمامه اُنثى تختلف عن الماضي بكثير
أنثى دقّها الألم حتّى شدّ عودها
لم يهمس بكَلمة وهو يشعَر بوقع كلماتها عليها
لكَنه نطق بالقليل قائلاً
..- بس إلي صار من الماضي

يتبع ,,,,,

👇👇👇
تعليقات