بارت من

رواية عندما نستلذ الالم -15

رواية عندما نستلذ الالم - غرام

رواية عندما نستلذ الالم -15

نظرت نحوها الأولى ببراءة
..- أنا الخبلة
فاتسعت ابتسامتها
..- لا رجسة ..
ابتسمت لها وهي تقول بهدوء
..- تصدقين ..؟
..- وشو ؟
..- أفتقد رجسَة ...
..- تتوقعين أفرجوا عنها ...
..- ما أظن قضيتها .. قتل مو مثلنا
..- إييه الله يعينها
..- بكرة بدورها بالمصلى
وبخبث سألتها نور
..- لا ليش مو اللحين
حَركت رأسها بذعر نافية
..- لاآآآآآآآآآآآع .. توبة .. توووبة
وثم ضحكن معاً بسعادَة ..
بعدها أسبلن أجفانهن على ذكريات خارج أسوار
هذا المكَان .. فإحداهن سترحل ..
و الأخرى ستترك عنبر الذكريات هذا
بلا ساكَن ..
و في وسط الظلام همهمت نويّر من قعر نومها
..- خلاآآآآًص
نعَم .., نويّر وحكاية الخلاص تلك
و التي لا يعلمها أحد حتى نور نفسها
هكذا هي محاجر السواد معتكفة على نفسها
فلا ترى ولا تسمع سوى ذاتها
كدائر مفرغة تتحرك إلى المالانهاية
ولكَن دون أن تتقدم خطوة وآحد حَتى ..!
*
لحقَت به وقد قطعت أنفاسها
ابتعدوا كثيراً عن مقر المركز الصحي
وصَلوا لمنزل واسع على أطراف بيت لاهيا
هناك دخلت و عيناها تلتهم المكان ..
لمحت ذلك الصبي الفلسطيني الذي قادهم قبلاً
فاقتربت منه
لتجد " فيصل "في غرفة في أقصَى المنزل
وقد عكف على رجل أربعيني مثخن بالجراح
أسرعت إليه فرمقها وهي تقترب منه ليقول بحزم
..- قربي الطاولة إلي هناك وأفتحي الشنطتين فوقها ..
نفّذت أمره .. ثم تركته ووقفت تشاهد يده التي راحت تعقّم الجرح و من ثم تخيطه ..
لم يمض على ذلك برهة حتى أمرها بأن تفعل مثلما فعل في الجرح الأخر
أمسكت بالجرح وراحت تتحرك عليه بمهارة اكتسبتها من طول الممارسة
لتجده ينهض و ويتحدث مع إمراة دخلت المكان لِتَو
تظنها زوجة المريض القابع أمامها ، و مدبرة المنزل هُنا
رأته يتحرك نحو الخارج
فقالت بلا شعور
..- فيصل .. وين رايح ؟
عضّت على شفتيها حين أدرت خطأها فقد نطقت إسمه
حافاً لـ أول مرة ..
نظر لها لدقيقة أو أقل بعدها أرخى نظره وهو يقول بسرعة وحزم
..- برجع للمركز .. و إنتي لا تتحركين من هنا أبداً
حّركت رأسها ببطء وهي تتأمل ملامحه بحرية مطلقَة
عمداً و لكَن لم تستشف منه شيء؛ لأنه كان قد اختفى تماماً عن نظرها
عادت ببصرها نحو المريض
قاست درجة حرارته فوجدتها مرتفعَة
انحنت وهي ترفع الدواء
ثم همست لـذات المرأة الساكنة أمامها ب آلية بحتة
..- ممكن كاسة مويّة
أخفت مشاعرها بمهارة
و لكَن ساعة مّرت .. تلحقها أُخرى
ولم يعُد فيصَل أو حسام أو أي طبيب من المركز
يجب أن ترحل هي إذاً فقد انتهت من العناية بالمريض
ووصَت زوجته عليه
بالهدوء و الراحة و تخفيف هذا الإزعاج الذي اندلع بالخارج منذ ساعة من الآن .. ،
همّت بالنهوض لتبادرها الزوجة بقلق
..- بتخرجي .. ؟
حّركت كتفيها وهي تجيب
..- إيه ... خلّصَت خلاص ..
حمَلت الحقيبتين وهي تتجه نحو الخارج
لتتوقف في البهو بصَدمة
وشيء أشبه بصَخرة تسقطَ داخل قلبها
ترى جريح .. إثنين .. و عدداهم في تزايد مُستمر
يحملهم مجموعة من الرجال الملثمين يتركونهم
ثم يختفون من ذات العدم الذي يظهرون منه فجأة
التفت نحو السيدة التي راحت ترمقها بخوف شديد
تحّركت نحو الباب الكبير بالخارج
رأت عدد كبير من هؤلاء الرجال يتحادثون همساً
ثم يختفوا من جديد
زفرت بقوة وهي تسمع الأنين المتصاعد من أجسادهم
اقتربت من الأول وانحنت لتبدأ عملها فوراً
وتلك السيدة تقول خلفها بهمس
..- شكراً .. الله يعطيك العافية ..
لم تجبها بل استمرت في عملها سريعاً ..
لكَن كُل هذا لا تستطيع القيام به بمفردها
أخذت تدور على الأجساد وتداوي الجراح التي يمكنها مداواتها
وتتأمل بألم تلك الأخرى التي لا تملك الخيار أمامها
ارتفعت الشمس حتى توسط كبد السماء
وهي ما زالت تعمل على المزيد
لاحظت امتلاء المنزل بالسيدات فأخذت تلقي أوامرها لهن
بالعناية ببعض الجروح .. بينما تركت الأخرى في انتظار
أن يعود أحدهم من المركز بالمؤونة فالشاش أخذ ينفذ
تنفست براحة حين توقف الدم في الجرح هذا الرجل
واستطاعت إغلاقه جيداً
ابتعدت وهي تمسح يدها خطأً للمرة العاشر على جلبابها الأبيض
الذي استحال لونه للأحمر القاني ..
تركت كُل ذلك و ابتعدت وهي تقف بالفناء الخارجي
حيث توجد تلك السيدة .. صاحبة المنزل
اكتفت بأن تتأملها بصبر
ثم عادت من حيث أتت
ابتسمت حين رأت ذلك الكم الذي استطاعت مداواته في أقل من خمس ساعات ..
عادت للعمل من جديد .. وهي تشعر بالإرهاق
يزلزل رأسها بذلك الصداع الكريه
الذي يلتهم نصفه
لم تدرك كم مر من الوقت حينما وقفت وهي ترى
فيصَل و أثنين من الممرضين يدخلون للمكان
تقدمهم " السيدة صاحبة المنزل "
نحو غرفة لم تستطع عيناها أن تلتقطها تفاصيلها جيداً
رأتها تتقدم نحوها فتركت ما بين يديها
وأسرعت لها ..
فطَلبت منها بتهذيب بالغ أن الطبيب يريدها
تركتها وتحركت بسرعة نحو الغرفة
التي ما إن فتحتها
حتى صدمت من عدد السُرر الهائلة التي تراصت هُناك بعناية بالغة
فقالت وهي تلتفت نحو السيدة
..- وش ذا ؟ .. خلينا ندخَلهم يالله
حّركت السيدة رأسها بالإيجاب وهي تقول بهدوء
..- هنا للحالات الخطرة
فهمَت مقصدها
ثم عقدت حاجبيها حين لم ترى أحد
فتقدمتها وهي تشير لحجرة صغيرة منزوية
في ركن المكان
لحقت بها ثم توقفت هناك حيث رأت " فيصل " و
الممرضين منهمكين في ترتيب غرفة أقرب للعناية المركز
بسبب إعدادها الكامل
تزاحم القلق في قلبها فتعاظم شعورها بالخوف
اقتربت من فيصل وهي تسأله بتوتر كبير
..- وش تسوون هنا .. ؟ ليش بننقل هنا ولا وش ؟
ألتفت إليها بسرعة وكأنها فوجئ بوجودها
و اتسعت عيناه أكثر , وهو يقترب منها ويقبض كفيه
على ذراعيها و عيناه تتأمل الدم الذي غرق به ثوبها
و جانب من وجنتها
..- تـأذيــتي .. ؟
تيبّس لسانها في الهواء البارد المحشور داخل فمها
تركت عيناها تراقب بصدمة ذلك الانفعال القلق على ملامحه
و هي تراقبه من هذا القرب لثاني مرة ربما
تزايدت ضربات قلبها و كُل ذلك حدث في جزء من الثانية فقط
أرخت على إثرها عينيها دون أن تجيب , وقد استحال وجهها للأصفر الباهت ..
فأدرك سريعاً خطأه
حررها و استدار وهو يقول
..- بنكون هنا مؤقتاً..، بسبب العمليات إلي تصير اللحين على أطراف بيت لاهيا
لم تتكلم لأنها في ثورة مشاعر متناقضَة داخلها
لكن كلمة استفهامية انطلقت من بين شفتيها بصوت أقرب للهمس
..- و حسام ؟
و بدون أن ينظر إليها أجاب بصرامته المعهودة
..- كلميه بالتليفون ..
تراجعت للخلف ..,
مترنحة في مشيتها ما إن وصَلت للغرفة الكبيرة
جلست على أقرب سرير
وهي تحتضن رأسها المتآكل من شدة التعب بين يديها
فشعرت بيد دافئة تمسك بكتفها
رفعت رأسها لتصطدم عينيها بإبتسامتها وهي تقول لها
..- إنتي تعبانة .. ! ئومي كولي لك شيء .. و ارتاحي بالغرفة النسوان جوا .. ئومي
تحمست مع الحديث عن الراحة فنهضت و الأخرى تمسك بيدها
تتذكر موقفها الأخير مع فيصل و يتكرر على قلبها وعقلها مراراً
شيء من الغباء حّل في قلبها .. وهي تبتسم براحة
وحمرة الخجل تتسلل إليها
متأخرة .. نعَم , ربما أنا وصية حُسام لديه
ضغطت بإصبعيها على عينيها
وهي تدلف لغرفة باردة و هادئة بها ثلاث سرر متجاورة وآخر بعيد
و صلت لـ السرير الأبعد و هي تجلس لتخلع معطفها المتسخ بالكامل وتضعه جانباً
تناولته السيدة وهي تقول بلطف
..- بغسلو لك ..
..- بس يا مدآم بيتعبك و مم
قاطعتها وهي تبتعد
..- لا أبد ماعندي شيء ...
و تركتها وهي تزيح غطاء رأسها لتترك شعرها ينساب على كتفيها
استلقت وهي تضع رأسها على ذراعيها
وذكرى فيصل .. تجدد في عقلها
هل يحبها هو أيضاً ؟ .. وهو الذي يرى الحُب سوى مهزلة لا طائل منها
ابتسمت برضا حقيقي على نهارها الممتلئ بالمشاعر المتأججة
وهي تدلك رأسها بغباء لمراهقة الحُب الذي تعيشه
بكُل استلذاذ
هكذا أحياناً .. يبدون أن الأشخاص الذين
كرهناهم للحظة في حياتنا .. أكثر قُرباً
لقلوبنا من أولئك الذين أحببناهم منذ البداية
أرجِّحُ الاحتمالاتِ الطيِّبةَ لِكُلِّ السوءِ الذي حَدَث
المحبَّةُ خدعةٌ
والحنانُ مشبوهٌ
.لكنَّني -رغمَ حِدَّةِ الألم- سأستمرُّ في تصديقِ ما لا أراه*
سوزان عليوان*
غيري يقول المطر ناتج من الإصطدامْ
وأنا أقول السّحاب أتعبَه طول المسيرْ ..!
يبغَى يخفِف من خمُول الليالي الجسام
وأرخى جفن العَنآ وانهلّ دمعَه : غَزيرْ
وهذي اللذهـ لعيوونك يــــآأحلــى كويسه ..
وان تعبت وشفت في وجهي من الغيمة - ضمايه
بـ اجمع احساسي واغنّي لك
............................. "سقا الله من سقاني"


اللذة التاسعة عشرة

تحركت في الحديقة المظلمة في هذه الساعة المتأخرة من الليل
بهدوء .. تطلق لقدميها عنان الحركَة
بعد تقييد كامل لها في تلك الحجرة الصغيرة
التي اختارتها لنفسها
تتذكر حديث " أسيل" الذي أصبها بشؤم
لا ينتهي ..
لم تنسى يوماً تلك الأسيل الأكثر تميزاً و نضوجاً
منها كان الجميع يُحبها .. و يقدم رأيها في كُل الأمور
كانت تغبط ذكائها .. عكَس تلك التفاهة التي استوطنت عقلها
كانت تود بغباء طفلة عشرينية ، أن تلفت أنظارهم نحوها بأي وسيلة كانت
تتبرج .. بكُل ما أُتيت من قوة لكي يصرخوا عليها
فتستمتع هي ، بعنادهم . .
و تقسم إنها كانت ستتراجع بعدها
لكَن لم يحدث أي شيء مما سبق ..
بدت لهم وكأنها مجرد " نسخة " من أسيل
أقرب ما تكون لظلها , الذي لا يقدّرُه أحد
تحولت لوحش شرير .. ولكَنهم اظهروا الصمم عن سماع
تهديداتها ..
ثم رحلت الأولى وتركتها .. تركت لها المكان خالي إلا منها
و على اتساعه و حجمها .. لم يقدروا ذاتها
أهملوها فبدت لهم كحشرة أو أقل
فتمردت على ذاتها .. و استصرخت كرامتها
فاتسخت بالذنوب حتى إن تحول لنهر لألجمها إلجاماً
و لم يناظرها أحد ..
حتى جاء ذلك اليوم الأسود بسمائه ..
وفي عُمق الليل
اُقتيدت إلى السجن وسط غيوم ممطرة لـسماء تبكيها طويلاً
جلسَت على طرف حوض الزرع بحزن شديد
وهي تمتم بـ
..- يارب أغفر لي .. و أرحمني !
صوت سيارة أرتفع فجأة من العدم
فاقتربت من الحائط سريعاً
لا يمكن لأحد رؤيتها أبداً
لذا اقتربت لترى من هو القادم في هذه الساعة يا تُرى
لكن موقعها لم يسعفها إطلاقاً
تراجعت وهي تشعر أنه توقف أمام منزلهم
وصوت غنائه المتقطع يصلها
عقدت حاجبيها .., وكأنها بدأت تعرف
و بالفعل تحولت ملامحها لشئمزازٍ مطلق ،
حينما رأته يتقدم نحو منزله مترنح الخطى في حالة سُكر
همست :
..- بسسسسسسسم الله !
تراجعت ، ،
وهي ترفع جلباب الصلاة
و تدلف للمنزل موصدة الباب الزجاجي خلفها جيداً
و تبتسم بسخرية أمام تلك التناقضات العجيبة
بإمكانهم أن يفعلوا ما يشاؤون ثم يعودون لمنازلهم
تستقبلهم أمهاتهم بابتسامة ملؤها الفقد
أم إن فعلنَ مثلهم .. فأمُ تخفي ألمها بقوة
و السجن منزل جديد يلملم ما تبقى من أضلاعهم
[ مُفارقة ] . . لا تستحق سوى البكاء !
أمسكت رأسها بقوة وهي تدخل للغرفة بهدوء
..- يالله مدري ليش أفكر كذا .. شكلي خرفت .. الله يستر علينا بس
وصلت لسريرها بأمان ،
و انتظرت إلى أن صلت الفجر ثم استلقت على سريرها
براحة غُمس فيها قلبها
تركت للـنوم مهمة التحليق بها أينما أراد
ثم استيقظت لتمارس صباحها المعتاد في أرجاء الغرفة الصغيرة
أو ذهاباً و إيابا للمطبخ ..
لا تدري كم من الوقت مر دون أن ترى جدتها
لكَن من الخطر عليها أن تمكث هُناك طويلاً
فأعمامها دائماً بالقرب ،
تركت الساعات تمضي بطيئة بين يديها حتى
دلفت إليها عمتها كعادتها اليومية و جلست لتحكي لها
عن عملها و تثرثر .. بما لا ينتهي !
نظرت لها بعين الامتنان ،
فمؤخراً بدت و كأنها وضعت على عاتقها مهمة تسليتها بتلك الحكايا ..،
التي لا تكف عن ذكرها أمامها
جاءها صوت العمة مختلف النبرة فانتبهت من سرحانها
..- وش فيـك..؟
حّركت رأسها بالإيجاب وهي تتكئ على السرير خلفها
..- إيه .. !
ثم عقدت حاجبيها حين تذكرت شيئاً رأته
..- صح ريم ... بقولك شيء
لم يخفى عنها ذلك الاهتمام الذي رُسم على وجهها
..- ها .. وش صاير ؟
ضيقت عينيها وهي تقول بجدية :
..- أمس باليل حول الساعة 4 إلا ، شفت تركي راجع وَ ...
فقاطعتها وهي ترفع يدها أمام وجهها ،
..- بس بس .. عرفت الباقي !
عقدت حاجبيها وهي تهمس بحذر :
..- يعني دارين عنه
حّركت رأسها بالإيجاب و بأسف قالت :
..- إيه عارفين سواد وجهه .. بس ما بيدنا شيء !
بغيظ قالت :
..- وش اللي " ما بيدكم شَي" .. انتم الأساس .. أنصحوه ،
ابتسمت بسخرية :
..- وش نقوله .. ما تركنا شيء ما قلنا له .. رجال خاط شنبه بوجهه وعمره بالثلاثين .. و يسوي سواته .. صعب تعدلين مخه ،
زفرت بهدوء وعقلها يطلق للبعيد وهي تقول :
..- ما كان كذا ..
لم تعلق الأخرى وإنما تركتها تفكَر .. بل تتذكر بهدوء
إنسل عقلها لتلك الأيام تمردها
حيث كان بالنسبَة لها .. الأكثر تخلفاً من بين أقاربها
قالت من بين زخم ذكرياتها
.. -أذكره كان عصبي .. وشديد في كثير من الأمور .. وش إللي غيره ؟
حّركت الأخرى رأسها بهدوء و بدت مُستمتعة بهذا التجاوب
..- إيه .. و مازال بس أخف من قبل بكثير .. وترا أصدقاء السوء ما يقصرون .. و لو إني أشك
..- في وشو ؟
عقدت حاجبيها وهي تحرك رأسها
..- تركي كبير مهوب بزر يلعبون عليه أصحابه
مالت بشفتيها للأسفل وهي تقول
..- مدري .. !
عادت بنظرها لحجرها وهي تعود لذكرياتها من جديد
فنهضَت ريم وقالت لها محذرة
..- و إنتي انتبهي .. لا عاد تخرجين برآ في وقت متأخر
نظَرت إليها لدقائق و كأنها لم تفهمها
ثم حّركت رأسها وهي تعود بعينيها لحجرها من جديد
..- أبشري
ابتسمت الأخرى وهي تضيف بصوت حنون
..- و فيه شيء بعد .. أمي تقول غصب بتخرجين برآ مع بنات أعمامك .. بكره !
رفعت إحدى حاجبيها بدون أن ترفع عينيها لها
فأضافت الأخرى سريعاً
..- مو شرط تكلميهم أقعدي مع أمي أو مع مثلاً ..
تحركت نحو الباب و قد تركتها وقد عادت ملامحها طبيعية ساكنة ، ،
لكنها تذكرت شيء أهم مما ذكرته قبلاً
ثم تنهدت وهي تريح يديها على مقبض الباب
هل تخبرها الآن أم تكتفي
لكَنها ألتفتت لها وهي تقول
..- إيه .. وفي شيء بعد
رفعت نظرها لها و على ثغرها طيف ابتسامة
..- يا كثر أشيائك اليوم ..!
ابتسمت بهدوء رغم الجدية في صوتها وهي تقول
.. - أمي تبيك .. بعد ما يروحون البنات بغرفتها لأن أخواني بيكلمونك .. بس لاتخافي موضوع بسيط ..
ثم أكملت بهمس بعد أن لاحظت ملامحها
..- تذكري إني بجنبك .. زين ؟
حّركت رأسها وشيء من القلق تخفيه خلف قناع الهدوء
..- إيه زيـن ..
ثم خرجت و تركتها ..
تنتظر الغد .. والذي كما يبدو لها
مليئ بالمشاريع الكافيّة لإستنزافها
حتى آخر قطرة
كُلٌّ منَّا حائطٌ
وظِلٌّ
ولوحةٌ خاصَّةٌ بحالتِهِ
يشردُ بينَ زواياها طويلاً
كأنَّ المَرْسَمَ الكامنَ في مدينةٍ لم يمر بها قطارُنا
كانَ يطلُّ علينا
.تحتَ شجرةٍ لوَّثْنا رئتيها بالسواد *
*سوزان ( بتصرف )
>


*
نزلت السلالم بهدوء عكس مشاعرها المُتأججة داخلها
تزفر وهي تحاول أن تكبت كُل ذلك القهر
الذي امتلئت بها نفًسها
مرّت من أمام المجلس حيث كانت أحاديثهم خافتة
شعرت بيد تطوق معصمها لتوقفها فاستدارت نحوها
..- وعد .. لو سمحتي .. تـ .....
قاطعتها وهي تقول :
..- طيب .. إنتي و زوجك تتفاهمون .. بس تذكري عيالك يحتاجون أبوهم ..
ثم تركتها و دخلت المجلس بصمت
تحركت نحو الخارج و غصّة كبيرة تقف في منتصف
حلقها ..
ليس هُم فقط من يحتاجه .. تحتاجه هي أيضاً
ولكَنه دائماً ما يبدو بشكَل فظ لا تريده أبداً
تجاوزت الحديقة الصغيرة
حيث الممر المُفضي إلى المجلس
دلفت إليه ثم وقفت لدى الباب
وهي تراه قد عقد يديه
أمام صدَره وهو يحادث أحدهم على الهاتف
وحين رآها قال
..- زيـن ، خلاص أكلمَكْ بعدين .. مع السَلامة
عضّت شفتيها حين رأته يقترب منها ببطء
فأسرعت بقولها :
..-و النهاية معك أنت .. ممكن أدري وش إلي موقفك برآ .. ؟!
أدخل هاتفه داخل جيبه وهو يقف بالقرب منها ويقول
..- وشو ما سمعت .. أذوني تعورني !
ضغطت على أسنانها بقوة وهي تكور قبضَتها
..- وافي لو سمحت .. أنا واصلة معاي لـ هنآ !
وأشارت إلي أنفها وهي تتابع
..- منك ومن إللي جاني منّك .. يا خي مو تزوجت البزر إللي كُنت تهددني فيها .. روح وأنبسط معها .. وأنساني أنا وعيالي ..
شعرت بأن وقوفها أمامه هكذا
سيضَعفها .. و ستنهار باكية تحت قدميه
تحركت مُبتعدة حين أمسك بمعصمها وهو يعيدها نحوه
..- وين .. وين ما بعد تكلمت ؟ .. بس هذا اللي عندِك !
نظرت له من تلك المسافة وهي تهمس بألم :
..- وافي .. وصلت فيك الحقارة ترضـى بوحدة تعض بطن ولدك .. و يا ليتها عاديّة .. معّلمة في الولد
عقد حاجبيه بشَدة وهو يجيبها بفحيح
..- لكّنها نالت جزاها
ازدردت ريقها بصعوبَة وهي تقول :
..- جزآها .. وش هو جزآها؟ .. خاصمتها .. ضربتها ..
و شو بيكون شعورك إذا سمعت معاذ يوصف لنا ملابسها .. كذا ببساطَة !
لاحظت انكماش ملامحه ولم يخف ذهوله إطلاقاً
..- تدري وش إلي خلاه يتكلم .. فطرته السليمَة .. يوم واحد .. يوم واحد بس سوت فيهم كذا .. لا وفرحان .. جاي تطلب منّي أسكن معها !
بقي متجمد في مكانه ويده تضغط على معصمها بقوة
وبجرأة غلفّها غضبَها
اقتربت منه كثيراً كثيراً حتى لفحتها أنفاسه الباردة
..- بس تدري أنا .. أنا الغلطانة جايّة أكلم مراهق كبير مثلك .. لأنك ما تحس إلا باللي تبيه
اتسعت عيناه بصَدمَة ، و كانت له ردة فعِل
صفعها بقوة وبشكَل غير متوقع
جعلتها قوتها تتراجع إلى الوراء قليلاً
وهي في حالة ذهول
نطق بغضب متفاقم
..- أنا المراهق يا المدمنَة .. تذكري يا دعاء تذكري مين إللي بدأ بالغلط من البدايّة .. تذكري إنك بتبقين وصمة عار لعيالك أمهم خريجة سجون .. لا وبتهمة ترويج مخدرات
بوقفتها المائلة ويدها المتكئَة على وجنتها
التي شعّت حرارة من لهيب تلك الصفعَة
لكَن شيء مالح بارد نزل عليها.. ليسكّن من ألمها
ثم تتابع تدفّق دموعها حتى رأها
فأبتسم ليغيظها وهو يردد
..- تبكين .. خذي راحتك .. أصلاً هذا الشيء الوحيد إلي أنتي فالحة فيه ..
رفعَت رأسها وهبطت يدها لتستقر بجوارها
نظرت إليه وهي تهمس
..- تظلمني .. تظلمني ياللي ما تخاف ربك .. دخلت السجن ظلم .. وطلعت براءة و أنت مازلت تتشمت فيني ..
أقترب منها وهي جامدة في مكانها بلا حراك
قبضَ على شعرها القصير الملتف خلفها وهو يحّركها بقوة
..- حتّى لو ظَلم .. حتّى لو بيقى فيك دناسَة سجن ..
قاطعته وهي تجيبه بهمس هادئ
متجاهلة كُل ذلك الألم الناتج من قبضَته
و المنغرس في روحها
..- خلاص .. روح لها .. سحر هي الأم الشريفة لعيالك .. روح لها .. وطلقني !
حّرك قبضَته بقوة هائلة جعلتها ترتطم في صدره
لترتد بين ذراعيّه .. ندّت منها صرخت ألم قصيرة
وهي تسمع صوته القريب من أذنها يقول
..- ما أقدر .. ما أقدر أخليك ..
بنبرة غريبَة .. قاسيّة أكمل
..- ما أقدر أشوفك تروحيـن لغيري .. إنت زوجتي أنا .. وأم لعيالي أنا وبس !
انهارت تبكي بهدوء .. فالموقف أكبر من تحملها
لا خيارات مُتاحة أمامها ..
إما أن تعيش معه بذّلة أبدّية أو أن تفعل ذات الأولى
صوت ضربات قلبه السريعة تصَلها بوضوح
وصوته يتحدث بما لا تعي
لا شيء يضّج في داخلها سوى نحيبها المُستمر
لكَن غريزة ما تحّركت في داخلها
وهي تشعر ببكاء حاد يخترق نياحها
و شخص ما يلتف ليحتضَن ساقها اليُمنى
شيء ما قفز في داخلها جعلها تدفعه عنها بقسوة
وهي تنحني لجسد ذلك الصغير الباكي
احتضنته و راحت تبكي نفسها وتبكيه
دقائق أو ربما ثواني شعرت بالآخر
يحتضَنها من خلفها ..
وبيد أكبر تحيطهم جميعاً ..
تحدثت من بين دموعها وشهقات صغيريها تُلهب
قلبها
..- خلاص يـآ ماما .. خلاآص
رفع الصغير رأسه من حضنها وهو يسألها بألم
..- م مـآمـآ .. إنـ ت .. تُحـبيـ ني ؟
حّركت رأسها بالإيجاب وهي تحضَنه بذراعها الخالية
..- أحبـــك .. وأموت فيك بعد
هدّت من نفسها .. وهي تلتفت للأخر وتبتسم له في حُب
لكّنها شعرت بثقل ما على ظهرها
التفتت له وهي تقول
..- فكّني .. انخنقت
لاحظت حَركًة لدى الباب .. فحانت منها
إلتفاته .. لتصْدم مما رأته


وقفت والدتها .. و خالتها و وعد
و كُل منهن تبكي بصَمت .. فوالدتها راحت تمسح دموعها عن وجنتيها لتتماسك
و خالتها تبكي بصمت و قد غطّت وجهها
بينما أحمّر وجه وعد و اختفت بمجرد أن رأتها

يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات