بارت من

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -185

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي - غرام

رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -185

توقف عن التفكير إثر الإختناق الذي واجهه من كفٍ يجهلها، حاول أن يلتفت ليرى من دخل إلى شقته ولكنه لم يفلح إثر إستنشاقه لمادةٍ مُخدَرة أسقطته ومازالت الرسالة تنام على يدِه بين أصابعه.
تنهَد الآخر ليتصِل ويأتِ صوته صاخبًا : بسرعة تعال شيله معايْ
لم يتحدَث بشيء، كان يُريد أن يسمعها فقط، ينظرُ إلى عينيْها طويلاً دون أن يمَل، مازال تحت وقع اللاإستيعاب، يُجاهد أن يُفكر ولكن لا تفكيرٍ يطفو على سطح عقله، كل ما يفكِر به الكلمات التي تتوافدُ من عينيْها.
يالله هل ما أراه حُلمًا؟ يالله لا تفجعني بهذه الأحلام، لا تُفجعني بعينيْها! أحتاج لأيامٍ متواصلة حتى أُصدَق أن هذا الصوت حقيقيًا وهذه العينيْن حقيقة، أشعُر أنَي أفقد عقلي، أًصاب بجنون الحقيقة، ياللسخرية! السخرية التي تجعل حتى الحقيقة محضُ جنون بدلاً من أن يكون الخيال محض الجنون! يارب كيف لهذه العينيْن أن تغيب عنَي كل هذه المدَة؟ كيف لم أنتبه لأفعالهم معي؟ عندما علَمني والدِي العفُو هل كان يعرف أن هُناك اشخاص لا يستحقون الرحمة؟ ليتك يا " يبه " تنظُر للحال الذي وصل به إبنِك، لو يأتِ منك عناقٌ واحد والله لصلحت الحياة بعينِي.
غادة : أبي أسمع أخبارك، ناصر كان يقولي عنك بس . . أبي أسمع منك
عبدالعزيز : وش كان يقول ناصر ؟
غادة : يطمَني عليك وكان يتصل عليك كثير بس ما ترد، حتى مرَة ما نام يومين وقام يهذي فيك، كان يبي يكلمك بأيَ طريقة بس ما كنت ترد يا عبدالعزيز
عبدالعزيز بضيق : تعبان؟
غادة : تعبان حيل، مقدرت أتذكره . . أخفضت رأسها لتعود لبكاءها . . . مقدرت! حاولت بس مقدرت . . كنت أتذكر بعض الأشياء وأحس فيه، والله يا عبدالعزيز أحس فيه وأحس إني مقدر أبعد عنه لكن ما عرفت أتذكر شي يربطني وياه
عبدالعزيز : ما تتذكرين أيَ شي بعد الحادث ؟
غادة : لا، صحيت بالمستشفى وقدامي الدكتور وليد وبعدها جاني ناصر
عبدالعزيز : أهم شي إنك بخير
غادة : الحمدلله . . أحس قلبي يرجف من الفرحة . . . . كنت مشتاقة لكم كثيير، فجأة قالوا لي أنهم ماتوا محد مهَد لي بشي كنت محتاجة أشوفك! كنت محتاجة أحس أنه جمبي شخص يهمني وأتذكره
عبدالعزيز : الله يرحمهم ويغفر لهم . . .
غادة تلألأت عينيْها بالدمع : متضايقة من شي واحد إني ماني قادرة أتذكر آخر أيامهم، ودَي أتذكر أبوي كيف كان و أمي و هديل
عبدالعزيز : كلنا كنَا فرحانين فيك وكنا ننتظر هالليلة من زمان وليتنا ما انتظرناها
غادة من بين بكاءها : قالي ناصر! مدري كيف أنقلبت ليلتنا من فرح لحزن! . . .
عبدالعزيز : ما قالك ناصر وش كثر مشتاق لك ؟
غادة شتت نظراتها ليندفع الدمعُ على خدَها الناعم : كثييير يا عزيز . . . . بس تغيَرت كثير! أحس وجهَك متغيَر مرة
عبدالعزيز بصوتٍ يائس : ما عاد فيه شي يغريني للحياة . . . . بيوم وليلة رحتوا يا غادة! وبيوم وليلة رجعت الرياض، كل شي صار بسرعة، وكل شي كان يقتلني ببطء! كنتوا تجوني كثير! كان يقولي أبوي لا تغلط! بس ماعرفت أنتبه لأفعالي! ماعرفت أيَ غلط يقصد!!! يا كثر ما ضاقت فيني ويا كثر ما قلت الموت قرَب! ويا كثر ما قلت فيه أمل! ويا كثر ما أنكسر فيني هالأمل، حلمت فيك في وقت حلم فيك ناصر وخفنا! لو تشوفين كيف خفنا إنك تتعذبين بقبرك!!! لا أنا نمت ولا ناصر، جلسنا نفكَر وش الشي اللي ممكن تتعذبين عشانه! ما كنَا ندري إنك تشاركينا السما! . . .
غادة أقتربت منه لتُقاطعه بعانقها : يا جعلني ما أبكِيك . . يا جعلني ما أبكِيك يا أخويْ
عبدالعزيز : الله يغفر لي أخطائي اللي مخليتني أعيش هالحزن . .
غادة : خلنا نبعد من باريس! نروح أيَ مكان . . خلنا نترك كل شي هنا ونبعد مع ناصر . . بتروح لناصر صح؟ قالوا لي ما أقدر أزوره
عبدالعزيز : حتى ناصر!
غادة أبتعدت عنه لتنظر إليه بإتساع محاجرها بالدمع : كيف حتى ناصر؟ هو قبل لا يكون زوجي كان أخوك و رفيق دربك!!!
عبدالعزيز بحدَةِ صوته : متضايق منهم كلهم و مقهور منهم كلهم بعد!
غادة : بس . . . بس هو ما سوَا شي
عبدالعزيز : ليه ما تفهميني يا غادة؟ أقولك متشفق عليكم و هو يدري ومع ذلك ما قالي!!!!
غادة : بس حاول يتصل عليك والله يا عبدالعزيز حاول، قدامي كان يصارخ و يعصَب كل ما طلع جوالك مغلق أو خارج منطقة التغطية . . . والله ما نام وكان يهذي فيك!
عبدالعزيز عاد لصمتِه المؤذي، لنظراته المُشتتة، لحزنه العميق الذي لا ينفَك عنه، وصل أقصاه من هذا الوجَع.
غادة تأملت الشقة المتغيَرة تماما عنها لتقطع الصمت الذي أمتَد لدقائق طويلة : مين اللي كانت معاك ؟
عبدالعزيز دُون ان ينظر إليها : زوجتي
غادة تجمدَت حواسَها بما في ذلك عينيْها : زوجتك!!!
عبدالعزيز تنهَد : إيه . . سالفة طويلة بعدين أقولها لك
غادة : وعايش معها هنا مو في الرياض؟
عبدالعزيز : وأثير بعد
غادة نظرت إليه بصدمة حقيقية : أثير؟ أثير ما غيرها؟
عبدالعزيز : قلت لك سالفة طويلة بعدين أقولها لك
غادة : تزوجت ثنتين!!!!
عبدالعزيز تنهَد بضيق يختنق منه : إيه
غادة والدهشة تعبر صوتها : ليه ؟
عبدالعزيز إبتسم : وش اللي ليه ؟
غادة إبتسمت لإبتسامته لتضربه على كتفه بخفَه : نذل! حارمني من هالإبتسامة!!!
عبدالعزيز : ما عاش والله من يحرمك من إبتسامته
غادة مازالت الإبتسامة تُزيَن محياها لتردف بفرح : إيه وش أخبارك بعد؟
عبدالعزيز : ما صار شي مهم
غادة : على أساس قبل شوي تقول مافيه شي وطلعت متزوَج! قولي الأشياء الغير مهمة طيب وين أثير؟ حتى هي أشتقت لها
عبدالعزيز : بتنام عند أهلها لو تدري عنَك كان جتَ
غادة : طيب و زوجتك الثانية وش إسمها؟
عبدالعزيز : رتيل
غادة : من وين تعرفها؟
عبدالعزيز : بنت عبدالرحمن آل متعب .. تذكرينه؟ دايم أبوي كان يسولف عنه
غادة : إيه عرفته مع سلطان بن بدر صح ؟
عبدالعزيز : وتقولين ذاكرتي ضعيفة! متذكرة كل شي
غادة : أتذكر الأشياء القديمة قبل لا أنخطب لناصر، فترة الخطبة ما أذكر منها شي
عبدالعزيز وبفرطِ اللاتصديق الذي يُصيبه ردد : الحمدلله الحمدلله . . خلينا نصلَي أخاف يصير لنا شي
غادة أبتسمت لتقف وتتجه معه نحو المغسلَة، توضأت بجانبه ورُغم أنه على وضوء أعتاد عليه من طبع والده الذي علَمه أن يبقى على وضوءٍ دائِمًا، توضأ مرةً أخرى، ثوانِي قليلة حتى أنتهيَا.
مدَ لها جلال الصلاة و فرش السجادةِ بالعرض، كبَر بنبرةٍ جعلتها تتأخر بقراءة سورة الفاتحة، بنبرةِ والدها تمامًا، النبرة التي لا تغيبُ عنها أبدًا.
نزلت دمعةُ يتيمة وعينيْها منخفضتيْن، تجمدَت تمامًا من أيَ فعلٍ وعُقِد لسانها بالحنين الذي تغصَ به، في جهةٍ أخرى لم يستطع أن يُنهي الفاتحة، غصَ بها وهو يقول " إهدنا الصراط المستقيم "، مضت دقائِق كثيرة على وقوفهما حتى ركعت غادة لتسقط الدمعة على السجادة و تتشكَل كبقعة، من بعدِها ركَع، رفعَا من الركوع معًا، " الحمدلله حمدًا كثيرًا طيبًا مُباركًا فيه " سجَدا وبالسجُودِ أضطربت المشاعر، لم يكُن من الغريب أن يُطيلان هذا السجود الذي يربطهما بالرحمن الرحيم.
بقلبٍ يبتهَل " اللهم لك الحمدُ حمدًا كثيرًا طيبًا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، اللهم لك الحمد والشكِر، يارب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمتها عليَ وأن أعمل عملاً صالحًا ترضاه وأدخلني برحمتك من عبادِك الصالحين، يارب ساعدني بأن أتجاوز حُزني بالتقرب إليْك، يا رب ساعدني بأن أنفض يدي من هذه الدنيا، وأحفظ غادة من شرور الدنيا و أهوائها، يارب أحفظها بعينيْك التي لا تنام، يارب أرحمها برحمتك التي وسعت كل شيء يا رحيم يا منَان، يا غفور يا كريم تجاوز عن سيئاتها وأرشدها إلى الصواب، يا رب يا كريم أحفظها ولا ترني بها مكروهًا، و أجعل حُزننا تكفيرة لذنوبنا، يارب يا كريم أغفر لوالديَ . . . . –( أختنق بدمع صوته، ليست عيناه وحدَها من تتحشرج بالدمع، هُناك قلبٌ يبكِي ببحَةٍ تعبرُ صوته، وهُناك نبرة تتبلل بالبكاء ) . . أغفر لوالديَ وأرحمهما، يارب آنس وحشتهما وتجاوز عن سيئاتهم بالحسنات وجازِهم بالحسنات إحسانًا، اللهم لا تجعل آخر لقاءي بهم في الدنيا، اللهم لا تجعل آخر لقاءنا في الدنيَا، اللهم أغفر لموتانا وموتى المسلمين، اللهم أغفر لمن أشتاقت لهم نفسي، اللهم أغفر لهم وأجمعنا بظلِ عرشك يوم لا ظِل إلا ظلِك "
رفع من السجود وعينيْه محمَرة، رفعت معه، ثوانِي قليلة حتى سجدا السجدة الثانية، تتصِل أرواحهم بالدعاء، ردَدت بعد الحمد " اللهم أحفظ عبدالعزيز و طهَر قلبه من حُزن الدنيا، اللهم أحفظ عزيز ولا ترني به مكروهًا، اللهم يا كريم أحفظ قلبه من شرَ هذه الدنيا و همَها، اللهم لا تجعل له همًا إلا فرجته ولا غمًا إلا كشفته ولا ذنبًا إلا غفرته، اللهم لا تجعل الدُنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا وأجعل الجنة دارنا، اللهم يا كريم أغفر لوالديَ وأرحمهما برحمتك التي وسعت كل شيء، اللهم أرحم هديل رحمةً واسعة و . . . . بكت حتى وصل بكاءها إلى قلبِ عبدالعزيز الذي بجانبها، شدَت على السجادة حتى لا تنهار ببكاءها، أشتَد دمعها.
أشتقت لعناق هدِيل و لذَة إسمها بالنداء، أشتقت لإبتسامتها و لضحكتها، أشتقت يالله إليْها، أشتقت لعنادها وغضبها، يارب لا تُرهقني بإشتياقي ولا تُحزنَي، يارب أرحمها . . يارب أرحمها يا كريم وأغفر لها خطاياها وتجاوز عنها.
،
الساعة تصِل للثالثة فجرًا ولا يخرُج أحدًا من غرفة العمليات يُطمئنه، يسير ذهابًا وإيابًا وعقله يتشوَش بكل دقيقةٍ تمضي، ولسانِه يُردد " يارب لا تُفجعنا، يارب لا تُفجعنا، يارب لا تُفجعنا، يارب لا تُفجعنا "
رنَ هاتفه ليُجيب : ألو
يوسف : وش صار؟
منصور : إلى الآن
يوسف بدهشة : 4 ساعات وإلى الآن!
منصور : الله يجيبها سليمة . . أبوي الحين بمركز الشرطة يحققون وما بعد عرفوا مين!!!
يوسف : يارب بس
منصور : شلون هيفا ؟
يوسف : توَها نامت الحمدلله
منصور تنَهد : الله يلطف فينا ولا يفجعنا
يوسف : آمين . . بس يصير شي أنا أول من تتصل عليه وتطمَني
منصور : إن شاء الله
يوسف : بحفظ الرحمن . . . أغلقه.
سمع صوتُها ليسرع بخطواته إليْها، جلس عند رأسها : بسم الله عليك . . بسم الله عليك . . هيوف حبيبي طالعيني
هيفاء تصاعدت شهقاتها ببكاء يكسرُ أيَ قلبٍ يراها، شهقَت حتى أختنقت، يوسف بضيق رفعها ليُجلسها، طوَق وجهها الباكي بكفيَها : أشششش خلاص . . . هو بخير توَ كلمت منصور
هيفاء بفزع نبرتها : يوسف
يوسف : سمَي
هيفاء بأنفاسٍ مضطربة متصاعدة : تكفى ودَني للمستشفى . . تكفى . . تكفى
يوسف : بودَيك بس مو الحين . .
هيفاء برجاء تتوسله : تكفى . . تكفى يا يوسف خلني أروح
يوسف بتوتر : طيب بوديك بس منصور راح بسيارتي، بودَيك تطمَني . . .
هيفاء ببكاء : لو يصير فيه شي وش نسوي يا يوسف؟ وش تسوي أمه؟
يوسف : لا تفكرين بسلبية! خلاص أهدي وأدعي له . . ماراح يفيده البكي بيفيده الدعاء
هيفاء بنبرةٍ تنخفض تدريجيًا وتغرق بالبحة : يارب احفظه لنا . . يارب لا ترينا مكروه فيه . . يارب لا تُرينا مكروه فيه
يُتبع
،
يجلسُ عبدالله أمام سلطان بجانب الضابط الذي يُحقق بمسألة فيصل، سلطان : الساعة 10 و 45 دقيقة تمت الحادثة و العامل اللي كان موجود في الحيَ قال أنه فيه شخص دخل ما يسكن الحيَ وهو الوحيد اللي كان داخل في ذاك الوقت، دخل الساعة 8 و فيصل وصل بيته الساعة 10 . . ليه أنتظر 45 دقيقة ؟ وليه أصلاً جاء من بدري إذا كان هو مراقب فيصل ويعرف مواعيد شغله!!!
عبدالله بإرهاقٍ يستنزفه : ممكن عشان محد يشكَ!!
الضابط : تعرف يا بو بدر الطريقة اللي تم الإعتداء فيها على فيصل جتَ بصورة سريعة ولو حطينا سيناريو للي صار، بيتضح أنه المرتكب هرب من الناحية الشمالية عكس مكان دخوله من الناحية الثانية، لأن أقدامه وطَت الزرع وواضح الأثر على الرصيف كان متجه للشمال، وسوينا نقطة تفتيش في الطريق العام لكن ما وصلنا لشي هذا يعني بعد أنه المرتكب جاء بدون سيارة! وتخبَى!!
عبدالله تنهَد : الحيَ اللي يسكنه فيصل جديد لو تخبَى فيه بدون لا يروح للطريق العام بتكون في البيوت اللي ما بعد انسكنت
سلطان : صح! يمكن حتى يبعد الشبهات يكون موجود بالحيَ
عبدالله : أنا أقترح أنكم ترسلون القوَات للحيَ ويفتشونه بيت بيت
الضابط : أبشر . . . عن إذنكم دقايق . . . . خرج
سلطان : أقص إيدي إذا ما هو سليمان الغبي، أنمسك من رائد بس الكلاب اللي هنا للحين ما يدرون وش صاير! حيَ من يمسكني إياه والله ما أخليه فيه عظم صاحي لأطلَع حرة هالسنين فيه
عبدالله : واثق أنه سليمان ؟
سلطان : إيه لأن رائد أصلاً ما يدري عن فيصل، يارب بس تلطف ولا يصير فيه شي . . ( وبسخرية يُكمل ) ويوم كلَمت الغالي طلع يدري عنه فيصل وهو اللي قاله يجينا ذاك اليوم قبل عرسه، وقالي أنه الحمير الثانيين بعد مخططين على ناصر! لو يصير شي في ناصر بعد! مدري وش أسوي ساعتها؟ يمكن أقطَع ملابسي
عبدالله : دام صار كل شي على المكشوف إن شاء الله بتنحَل بس المشكلة بعيالنا ولا كل شي يهون
سلطان : أنا بس لو أتطمن على عبدالعزيز وغادة و بنات عبدالرحمن كان قدرت أتصرف مع ******
عبدالله بعقدة حاجبيْه أحتَد صوته : سلطاااان!!!!
سلطان إبتسم بسخرية : صاير لساني وصخ من الناس الوصخة اللي أتعامل معها
عبدالله : طيب هدَي شويَ، ماشاء الله عليك ما تعبت من السب والحكي!!
سلطان : ولا راح أنام الليلة بعد لأن لساني موب راضي يهدآ
عبدالله بضحكة يحاول أن يُخفف هذا الحزن الذي يصيبه على فيصل : كأنه يرضى يهدأ في الأيام العادية
سلطان أنحنى بظهره ليضغط على رأسه بكفيَه : لمَا كنت أقول لعبدالرحمن عن سلطان العيد ما كان يصدقني ويقولي أنت تبي تتهم وبس! وشوف وش صار!!!! قلبي كان حاس أنهم يشتغلون من ورانا،
عبدالله : وش شعورك لو أنحَل هذا الموضوع بعد الله بفضلهم؟ ماراح تحسَ أنهم قدموا خدمة عظيمة لك؟
سلطان بغضب : والخساير اللي صارت لنا من يرجَعها؟ لا تحسسني إنهم مسوين خدمة! هم ما خدمونا هم ضيَعونا
عبدالله : ماراح تفهم أيَ شي طول ما انت معصَب كذا!!
سلطان وقف : طمَني إذا صار شي هنا وأنا بشوف عبدالرحمن عشان نشوف ناصر بعد قبل لا يصير له شي!
عبدالله : طيب . . وطمَني عليكم بعد
سلطان : إن شاء الله . . بحفظ الرحمن . . . . . خرج ليسير ناحية سيارته البعيدة جدًا عن مركز الشرطة، ثبَت السلاح في خصره بعد أن خرج من مكانه قليلاً، اقترب من سيارته ليصطدم بإحدى الأشخاص، سلطان دون أن ينظر إليه : عفوًا . . .
فتح باب سيارته ليلتفت إلى الورقة المعلَقة على الشباك، عاد خطوتين للخلف ليصرخ على الرجل بـ " هيه " ، ركض الرجل ليُخرج سلطان سلاحه ويركض خلفه، أشتدَت سرعة سلطان متجاهلاً التعب الذي يمَر فيه هذه الفترة، رمى الرجل لوحةً مهتزة لتُعيق طريق سلطان في ممرٍ ترابي ضيَق بعيد عن الأنظار في هذه الساعة المتأخرة، قفز سلطان ليتبعه، سقط السلاح منه، تركه على الأرض ليقترب منه، دفعه على الجدار بكفيَه ليضرب ظهره بقوَة، إلتفت الرجل إليه، لكمه سلطان على عينيْه ليقاوم الرجلُ بقدمِه الذي ضربته بموضع جرحه، كتم سلطان أنفاسه ليقاوم الألم الذي أتى من هذا الجرح الغير ملتئم، لكمه بحدته/قوته، ليسقط الرجل على الأرض، سلطان بصوتٍ يتسارع بالأنفاس : تهددني قدام عيوني! وقدام مركز الشرطة بعد!!! شفت مجرمين أغبياء بس مثلك تأكد ما بعد شفت!!! . . . . شدَه ليقف، لوى ذراعه خلف ظهره ليصرخ الرجل من الألم : مين مرسلك ؟
: آآآآآآآآآآآآآآآآآآه
زاد بإلتواءه سلطان لتزداد صرخاته، صرخ سلطان بقوة : مين؟
: سليمااان سليماان
سلطان : أنا أعلمك وش صار بسليمان! الأخبار بعدها ما وصلت لكم! للحين تنفذون تخطيطاته الغبية . . . قدامي لا أفجَر فيك الحين
بدأ بالمشي أمامه وعندما مرَ من السلاح أنحنى سلطان ليأخذه وتأتِ قدمُ الرجل الآخر بإندفاع عند أنفِ سلطان ليُسقطه، جنَ جنونه من جرأة الذي أمامه عليْه وهو الذي لم يعتاد أن يتجرأ عليه أحد، بجنون ركض إليه ليمد قدمِه ويُسقطه، أمتَد العراكُ من طرف واحد وهو سلطان لمدَة دقائِقٍ طويلة، أفرغ كامل قهره بجسدِ الرجل الذي يُقابله حتى أمتلىء بالجروح والدماء، وقف ليُخرج هاتفه : عبدالله أرسلي إثنين من عندِك، ورى المركز فيه أرض فاضية على جهة اليمين ممر خل يجون بسرعة
عبدالله : صاير شي؟
سلطان : بجيك الحين وأفهمك بس خلهم يجون بسرعة
عبدالله : طيب . . أغلقه ليُخفض رأسه حتى يوقف النزيف الذي يُصيبه إثر ضربة الرجل على أنفه، ثواني قليلة حتى أقتربا شرطيان.
سلطان : شيلوه ودوه المركز . . . . تبعهم ويمَر في باله حين قرر أن يُغيَر الثوب باللباس العسكري المُعتاد، لم يعرف سببًا واضحًا في عقله لرداءه الآن ولكن شعر بحكمة الله ورحمته حين أرتاده وإلا تمكَن منه هذا الرجل بسهولة.
أعاد السلاح لموضعه بجانب قبعته التي نادرًا ما يلبسها، بعد ثواني معدودة دخل للمركز ليقابل عبدالله.
عبدالله نظر لملامح سلطان بدهشة : وش صار؟
سلطان : خلني أجلس نشف ريقي الله ينشف ريق العدو . . . . دخل للغرفة ليُفرغ كأس الماء في فمِه : تلومني لا قلت لك أنهم حمير وأغبياء! سبحان الله حتى الضعفاء يقدرون بذكاءهم يصيرون خطريين مثل سليمان! لو فيه خير ما تخبَى بأسماء مستعارة وما ضرب روسنا ببعض! لكنه جبان قدر يخدعنا لأنه يدري أننا نقدر بسهولة أننا نمسكه
عبدالله : عز الله ماهو رائد اللي قدام عيونك يهددك!!
سلطان تنهَد : الحين يحققون مع هالكلب ونشوف وش عنده! غصبًا عنه يطلَع علم فيصل ولا أنا اللي بحقق معه
عبدالله : يا خوفي بس تدخل ورى فيصل من تهوَرك! . . . أقترب منه بحنيَته المعتادة ليمسح جرحًا بسيطًا على جبينه
سلطان : جرح بسيط
عبدالله بإنفعال : أنت لو تجلس بين الحياة والموت تقول حادثة بسيطة!!!
سلطان أستند بظهره على الكرسي : لا حول ولا قوة الا بالله
عبدالله عاد لكرسيْه : إيه تعوَذ من شيطانك وخلَك هادي شويَ عشان نعرف نفكر . . توَ متصل على منصور ويقول للحين بالعمليات
،
يدخلُ بخُطى خافتة ضائِقة، إلتفت عليهما ليُجاهد على إبتسامةٍ يقمعها الحزن : زين انكم صاحيين
ضيَ : كنَا ننتظرك
عبدالرحمن بلل شفتيْه بلسانه ليشدَ على شفته السفليَة بتنهيدة تشرحُ حزنه بشكلٍ أوضح : طيب لازم نطلع من هنا بأسرع وقت! . .
عبير عقدت حاجبيْها : وين بنروح ؟
عبدالرحمن : بودَيكم لفندق ترتاحون فيه أكثر . . . يالله حبيبتي مانبي نتأخر
عبير وقفت : طيَب . . ماعندي شي أجيبه
ضيَ : إلا! جاب نايف كل أغراضنا لهِنا من غبتي
عبير إلتفتت عليها : كويَس! كنت أحسب أغراضنا هناك . . أجل يبه أنتظر شويَ بس . . ودخلت للغرفة الأخرى
ضيَ أقتربت منه وبخفوت : سألتني عن مقرن وما جاوبتها خفت تنفجع فيه
عبدالرحمن : زين سويتي! أنا بقولها بنفسي
ضيَ : طيَب، صار شي اليوم بعد؟ عيونك تعبانة
عبدالرحمن : من قلَ النوم لا تهتمين . . . رتبي أغراضك بسرعة وبنتظركم برا . . .
ضيَ : إن شاء الله
خرج عبدالرحمن ليشدَ على معطفه وكل زفيرٍ يختلطُ ببرودةٍ بيضاء، يستنشقُ هواءً نقيًا وتفكيره يتشتت بأكثر من شيء، يتوسَطُ أفكاره " رتيل و عبدالعزيز ".
ما دعانِي الحُزن يومًا كما دعاني على بناتي! ولم يُصيبني الوجَع بعمقٍ كما أصابني به " عزيز "، أنا الذي صبرتُ واصطبرت حتى تغلغل البياضُ في رأسي، لم أستطع أن أصطبر على حُزنٍ يجيء من عبدالعزيز، ليته يعلم عن مكانته في قلبي وهو إبنُ رجلٍ مارستُ الحياة بأكملها بجواره، ليتهُ يعلم أن لهُ في القلب موضعٍ لا يُشاركه به أحدًا، لا تُحزنَي أكثر يا ( ولدِي )، لا تُحزني وأنا أمتلىء بالغمَ/الضيق، لا تُحزنَي عليك ولا على رتيل، إننا يالله في ذمَة الحزن موقوفين، اللهم نطلبُك الفرج.
من خلفِه يأتِ صوتُها الناعم الذي تتبعه الرجفة من البرَد : عبدالرحمن
إلتفت : أركبُوا بيوصلكَم نايف وراح ألحقكم
عبير ضاقت عينها من فكرةٍ أرجفت قلبها : ليه ماتجي معنا؟
عبدالرحمن : عندي شغلة بسيطة يا يبه أخلصها وأجيكم
عبير : طيب . . . مشت خطوتين لتلتفت عليه، أقتربت منه لتعانقه وهي تقبَل رأسه.
لم يكُن عناقًا عاديًا، كان يُدرك تمامًا أن عبير شعرت به، شعرت وكأنهُ يفارقهما، بحركته الدائمة لها الذي تُعيدها لسنين ماضيَة، رفعها قليلاً عن مستوى الأرض ليعانقها بشدَة.
عبير بضيق : خلَك معنا
عبدالرحمن : بكون معاكم إن شاء الله
عبير سقطت دمعتها على كتفه : يبه
عبدالرحمن : يا روح أبوك
عبير : لا تتركنا
عبدالرحمن قبَل جبينها ليُنزلها، مسح ملامحها بإبتسامته الصافية من أيَ شحوب : ليه تقولين كذا؟
عبير ببحَة : لأنك قلت بوصلَكم بعدين قلت بلحقكم! يعني صار شي
عبدالرحمن : ما صار شي بس أنا ماكان قصدِي بوصلكم بالمعنى الحرفي، قصدِي بكون معاكم . . يالله يبه لا تبردين
عبير : لا تتأخر
عبدالرحمن : أبشري
عبير قبَلت جبينه مرةً أخرى والدمعُ يتدافع عن عينيْها، قلبها لا يطمئن، شعورها الداخلي الذي يخبرها بأن مكروهًا سيحصل لا يُفارقها، تنهدَت لتدخل السيارة.
ضي بربكة : لا تخبي عليَ!!
عبدالرحمن يقترب منها ليقبَل رأسها وهو يُطيل بقبلته ويأخذُ نفسٍ عميق يستمدهُ منها : مو صاير شي! . . أنتبهي على نفسك
ضي رفعت عينيْها إليْه : جد؟
عبدالرحمن : جد
ضي : طيب لا تطوَل علينا
عبدالرحمن : إن شاء الله
ضيَ خلخلت أصابعها بأصابعه لتشدَ عليها : ماراح أنام لين تجي
عبدالرحمن : ماراح أطوَل
ضي إبتسمت : إن شاء الله . . . بحفظ الرحمن . . . تركت يدِه لتدخل السيارة وتجلسُ بجانب عبير، همس : استودعتكم الله الذي لا تضيع ودائعه . . . . راقب بعينيْه السيارة حتى أبتعدت.
أعطى الرجال الذين ينتظرونه ظهره ليقابل البيت، أخفض نظره ليتجمَع الدمعُ ويخون صلابتِه التي ظهرت أمام الجميع، خانته قوَته، كان سهلاً عليه أن يتجاوز هذا الحزن ولكن شعور عبير المتوجس الذي تدفَق ناحيته زادهُ أسفًا وإنكسارًا، كان سيكون سهلاً لولا كلماتي الكاذبة التي قُلتها، وأنا أعلم تمامًا بأنه من الصعب أن أعود إليهما اليوم! سأرددها كثيرًا لم أشعرُ بحزنٍ طوال حياتي كخُزني في هذه الفترة، ولم أشعرُ بأنني منكسر مُفلس إلا خلال هذه الأيام.
من خلفه : نروح يا بو سعود ؟
عبدالرحمن بلع غصتَه دون أن يلتفت إليه : إيه
مسح على وجهه ليضغط على عينيْه، اللهم أرحمنا وصبَرنا.
في جهةٍ اخرى أضطرب صوتُها : حاسَة فيه شي!!
ضي : بيجينا يا عبير وماراح يطوَل! تعرفين أنه كلام أبوك وعد
عبير : ماراح أنام لين يجي
ضي : قلت له نفس الحكي وقالي ماراح أطوَل . . أنا تطمنت دام قال أنه ماراح يطوَل وبيجي
عبير بوسواسٍ لا ينفَك عنها : أخاف صار برتيل شي
ضي : بسم الله عليها! لا إن شاء الله مو صاير لها شي دامها عند عبدالعزيز
عبير تنهدَت بوَجع : كم صار لي ما شفتها؟ ودَي أشوفها وأرتاح، أول مرة يصير فينا كذا تمَر أيام وأسابيع مانشوف بعض . . .
،

يتبع ,,,,

👇👇👇
تعليقات