رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -177
لم يترك لها أيَ مجال بأن تتصل على أحدٍ، تركها وحيدة دُون أن يُخبرها لأيَ ملاذٍ تلجأ.نظرت لأسفل الباب الذي ينزلق منه ظرف أبيض، ارتعش جسدها لتتجمَد بمكانها، تمرُ اللحظة تلو اللحظة حتى يسكُن الهواء بأكمله الذي يُحيط بها، اقتربت من الباب لتأخذ الظرف، فتحته لتبلع ريقها بصعوبة، أشدُ ما اواجهه في حياتي " الخيبة " وأصعبُ ما أستطيع أن أتجاوزه هي الخيبة ذاتها.
تُقلب الأوراق لتقرأ صور محادثاتٍ بينه وبين فتاة لا تعرفُ مصدرها، كلماتٌ مبتذلة تشكُ بمصداقية أن فارس يكتب مثل هذه العبارات، نظرت للصورة التي يقف بها بإنحناءٍ بسيط وبيدِه كأس . . لا يالله . . يارب لا تشوَهه بعيني هكذا.
في اللحظة التي تغلبت بها على الصوت الذي يُذكرني دائِمًا بأن هناك عقوبة تنتظرني، باللحظة ذاتها أُصاب بعقوبةٍ لم أتخيَلها ولا للحظة، " لم تحتمل قدماها الوقوف لتجلس على الأرض وعيناها تنهمرُ ببكاءٍ طويل يُشبه صبرها الذي عانت منه "
كان حلمًا لا أريد أن أفوق منه، كان شيئًا طيبًا في حياتي، ولكن تلاشى كما تتلاشى اللحظات السعيدة التي لا تستطيل أبدًا من أجل ضحكاتنا، كُنت أراك كاملاً حتى طمس الله عيني عن عيوبك، ولكنِ أسوأ الصفات التي يُمكن أن يواجهها المرء بحياته تتكوَر بك وتتكاثر أيضًا، كنت مثلهم! وأنا التي صدقتك على الرغم من كل شيء، تشرب وتتحدث مع نساءٍ كُثر من بينهم أنا، أنا التي أصبحت بمثل رداءتهم ودناءتهم، أنا التي أحببت شخص لا ينتمي للأخلاق بشيء. أستحق كل هذا! لأنني كنت ساذجة بما يكفي حتى أتصوَرك بطهارة هذا الكون وبياضِه، لِمَ يا فارس؟ يا من غيَرت إنتمائِي فداء قلبك، يا من جعلتني أمحِي السنين التي مضت وأعيش العُمر من أجل الذي ينمو بيننا كشجرةٍ شاهقة لن يقدر أحدًا على قطعها سوى من قدَر لنا هذا الحُب، من قدَر لنا أن نعيش يومًا يوازي العُمر بأكمله، من قدَر لنا أن نلتقي بـ " أحبك ".
وضعت رأسها على ركبتيْها لتنخرط ببكاءٍ لا يهدأ، تشعرُ بأن روحها تنزلق من جوفها، بأنها تختنق حد الموت.
أُفضَل أن أموت ولا أن أُصدم بِك، أُصدم بعينيْك التي أحبها.
بالأسفل قريب من الفندق، حمد : حطيت الصور . . بشوف فارس الكلب وش بيسوي!
: ورَط نفسك برائد بعدها . . محد بيخسر غيرك
حمد تنهَد : أنا مالي دخل . . فيه أحد يعرف أني وديتها ؟
بتوتر : لا
حمد : اجل أبلع لسانك ولا تتكلم بالموضوع!
،
يمدَ له كوب الماء بعد أن أستيقظت عيناه ببطءٍ وآثارُ الدماء باقية على ملامحه وملابسه : سمَ يا ابوي
فارس ينظرُ إليه بإستغراب، تأمل المكان الذي يحويه، الذوق الشرقي يطغى على المكان ذو الألوان العتيقة، أعاد نظره للرجل الواقف أمامه.
: تفضَل . .
فارس : مين أنت ؟
بإبتسامة حانية : خذ يا أبوك وبعدين نتكلم
فارس يأخذ كأس الماء ويشرب رُبعه ليضعه على الطاولة، بعُقدة حاجبيْه وكل حركة بسيطة يتحركها يشعرُ بأن ضلعًا من ضلوعة ينفصل عنه : انا وين؟
: بالحفظ والصون، لكن أبي أطلبك منك طلب وإن شاء الله ما تردَني
فارس بعينيْه المتعبة والهالات تنتشر حولها : تطلبني بأيش؟
: أبيك تقعد عندي هاليومين . . عشان نفسك
فارس وقفت بتعب حتى سقط على الأريكة مرةً أخرى : مشكور على اللي سويته معاي ماأبي منك شي ثاني
: ما تعرفني؟
فارس : لا . .
تنهَد : طيب . . أنت ارتاح الحين وبخليهم يحضرَون لك شي دافي يريَحك
فارس : مين أنت؟
: تعرف بعدين . .
فارس عقد حاجبيْه : كيف أقعد عند واحد ماأعرفه؟ . . لو سمحت أتركني أشوف طريقي
: فارس يبه ارتاح! والله إني خايف عليك
فارس : خايف عليَ من أيش؟
: أشياء كثيرة . . أنت بس ريَح نفسك ولا تشغل بالك
فارس : طيب أبي جوال أتصل فيه
: لا . . كذا بيعرفون مكانك . . صدقني مسألة يومين وراح أشرح لك الموضوع . .
رن هاتفه ليُردف : خذ راحتك البيت بيتك . . . وقف ليُجيب : هلا فيصل . .
.
.
يُتبع - يوم الأحد إن شاء الله
رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
( الجزء الثاني من 74 + البارت 75 )
" اللهم أصلح أحوالنا و احفظنا من الفتن "
المدخل لـ المتنبي :"""
أرَقٌ عَلى أرَقٍ وَمِثْلي يَأرَقُ
وَجَوًى يَزيدُ وَعَبْرَةٌ تَتَرَقْرَقُ
جُهْدُ الصّبابَةِ أنْ تكونَ كما أُرَى
عَينٌ مُسَهَّدَةٌ وقَلْبٌ يَخْفِقُ
مَا لاحَ بَرْقٌ أوْ تَرَنّمَ طائِرٌ
إلاّ انْثَنَيْتُ وَلي فُؤادٌ شَيّقُ
جَرّبْتُ مِنْ نَارِ الهَوَى ما تَنطَفي
نَارُ الغَضَا وَتَكِلُّ عَمّا يُحْرِقُ
وَعَذَلْتُ أهْلَ العِشْقِ حتى ذُقْتُهُ
فعجبتُ كيفَ يَموتُ مَن لا يَعشَقُ
وَعَذَرْتُهُمْ وعَرَفْتُ ذَنْبي أنّني
عَيّرْتُهُمْ فَلَقيتُ منهُمْ ما لَقُوا
رن هاتفه ليُردف : خذ راحتك البيت بيتك . . . وقف ليُجيب : هلا فيصل . .
عقد حاجبيْه فارس لينظر للمغسلة التي أمامه، إتجه نحوها ليُبلل ملامحه بالمياه الباردة وعقله يتشوَش بفكرة وحيدة محلَها عبير، نظر للمرآة التي تعكس الصورة بإستقامة واضحة لا تشبه إعوجاج ضلعه، نظر للساعة المُعلَقة على الجدار الخشبي وتعتليها كلمة " الله " هذا الرجل يُشبه أحدًا أعرفه، رأيتهُ بجريدةٍ أو على غلافٍ ما، أجزم أنه ذو مكانةٍ رفيعة وله من السمعة الكثير، ولكن من؟
قبل ساعاتٍ كنت مرميًا وعينيَ تغيب بمهلٍ عن الدُنيا، آخرُ ما أتذكر السلاح المصوَب بإتجاهي والأقدام التي تلمَ حشدَها حولي لتضربني.
أودَعت قلبي بفكرةٍ أنكِ حبيبتي و عِند الله لا تضيع الودائع، أنتِ الآن معهم هذا ما يهم، مع والِدك بالطبع، ما يحدُث أنني الآن أُفكر بأيَ طريقة سترحلين بها عن باريس، بأيَ هيئة ستغادريني! كنت أوَد بشدَة أن أُسمِيك بدُعاءي " زوجتي " ، لن يفهم أحدًا الوجع بِأن تطمح لقولٍ/للفظٍ رُبما لن يغيَر شيء ولكنه يعنيني بالكثير، يعنيني بأنه إرتباط وثيق لا يفضَ قيده أحدٌ سوايْ بعد الله، جبان! أُدرك ذلك، أتخذت الشجاعة بأن أتركك ولكنني الآن تائب من هذا الغياب، أشعرُ بأن روحي تنفصِل عنَي، وحرارة الندم تغرز المرض بصدرِي، تنتشر فيَ ولا تُبقي أيَ ضلعًا صالحًا للحياة من بعدِك، مريضٌ بِك! إني ماضٍ على كل شيء، لا فائدة لهذا الندم بعد كل هذا، من حقِك الحياة كما تُريدين ومن حقي أن أذهب فداءً لقُبلة/حياة تجمعنا، مازال صوتُك الناعم يا عبير يرنَ في إذني، سنَة ونصف أُطاردك كخيال، أنا الكافرُ بالحب من قبلِك، العابثُ بالحياة والسائر بها بلا هدف، و نظرةٌ واحِدة لصورة نائمة على الرفَ أشغلت عقلي لساعاتٍ طويلة، و أتخذت من قلبي مكانًا لأيامًا عديدة، لا أنكر أنني بحثت عنك في البداية لأشبع فضولي من بعدِ رؤيتِك، كُنت أريد أن أتسلى وأسمع صوتُك مثل أيَ " ناقص " يبحثُ عن " أنثى " لمجرد كونها " أنثى " لا غير، ولكن قلبي كفَر بهذه الأفعال، انجذب ناحيتُك حتى أفسدتِ عليَ فسادِي و أصلحتِ قلبًا فطرتهُ أن يُحبك، أنا المؤمن بقلبِك و أنتِ الحلم و الهدف و الغاية و الوسيلة و السبب و الداعِي و كل ما ينتمي للعيش و الحياة.
وكنت أعرف إستحالة ما أفعل نحنُ نرتبط بالحُب ولم نستطع أن نرتبط بعائلتيْن متوافقتيْن، كنت أعرف ولكنني واصلتُ الإحتراق بِك، حتى اندلعتِي في دماءي و عقلي وبين خلايايْ و في صوتي وأعلى حنجرتِي، كنتِ تعبريني كقصِيدة يستحيل على ذاكرتي أن تنساها، أحسنتِ الأبيات المكسورة وأصلحتِ أوزانًا لم تكن لولاكِ أن تتزن، كيف أغنَيك الآن؟ يا من لي على هواها مشَقة، إني على العناءِ راضٍ.
من خلفه : صلَ ركعتين ترتاح فيها
لم يلتفت، أخفض نظره، يُصلي فترة ثم ينتكس، يعِش عُمرًا لا يُصلي به ركعة، كيف تواجه الله هذه الروح؟
يؤذيني أنني مُسلم بالوراثة، أنني منقطع تمامًا عن العبادات ولا أتصِل بالله سوى الدعاء، لأنني أعرفُ يالله أن لا أحد معي سواك، لأنني أعرفُ مهما تماديتُ بعصياني سأعود إليك لأن هذه فطرتي، لأن الملاذُ أنت، ردَني يالله إليْك، ردَني إليك ردًا جميلاً، لم أكسب من هذه الدنيا شيء حتى الحُب، ولا أُريد أن أخسر الآخرة، ردَني يالله إليْك وأرحمني.
أنت تعلم ما في نَفسي، تعلم يالله أنني أُريد الحياة التي تكون خلف سجدَة، ولكن أهوائي أقسى من أن تُفارقني، أصلحني يا كريم و حبب إليَ طاعتك كما أحببتها لقلبي.
: فارس
فارس بضيق : وين لقيتني ؟
: ما لقيتك، كنت معك
فارس : راقبتني؟
: لا . . يهمني تكون بخير
فارس إلتفت عليه بشحُوب ملامحه وعينيْه التي تُضيء بالحُمرة : مين تكون؟
عقد حاجبيْه و بياضُ شعره يزيده وقارًا : فيه أشياء ما يصلح تعرفها الحين، بعدين بتفهم كل شي
فارس خرج ليجلس على الأريكة وهو ينحني بظهره ليثبَت أكواعه على فخذيْه ويديْه على رأسه، جلس أمامه : أسمع وأنا أبوك يا فارس . . مافيه أحد يجبرك تسوي شي ما تبيه . . أنت منت عبد لأحد . . أنت حُر وأمرك بإيدك
فارس دون أن يرفع رأسه : تعرف عني كثير!!
: أكثر من الكثير نفسه . . هذي زوجتك محد يقدر يطلقَك منها
فارس بسخريَة يؤذي روحه بها : وين يجتمع رائد الجوهي مع عبدالرحمن آل متعب ؟
: عبدالرحمن ممكن يكون حازم بهالمواضيع وما يقبل أنصاف الحلول لكن مستحيل يظلمك أو يظلمها
فارس : تعرف أبوها زين؟
بنظرةٍ تلألأت بها عيناه حنينًا : ابوها! . . ماراح تلقى بحياتك شخص نفس حكمته و رجاحة عقله
فارس رفع عينه لينظر للرجل الذي يبلغ من العُمر الكثير و الشيب يملأ رأسه ويُزاحم السواد في عوارِضه الخفيفة : أشغلت فضولي! . . تعرفني وتعرف بوسعود!!
: كل شي بوقته، قريب إن شاء الله . . . أبيك ترتاح وتريَح روحك ولا تثقل على نفسك بالهم!! صدقني محد عايش مرتاح! لا تحاول تصحح كل هالعالم اللي حولك . . صحح بس نفسِك وإذا صححتها كل من حولك راح يتغيَر . . . على الأقل يتغيَر بقلبك
فارس بتوتَر إبتسم : تخوَفني! . . أحسَك تقرأ أفكاري
ربت على كتفِه بإبتسامة : لأني متوَقع كيف تفكر! . . الله يهنيك ويسعدِك ويرزقك الذرية الصالحة
فارس صمت، تجمدَت ملامحه، لم يسمع ولا لمرَة هذا اللفظ، هذا الدعاء تحديدًا، إرتجف قلبه المنقبض خوفًا على عبير، كيف لكلماتٍ بسيطة أن تستثير الحزن بصدريِ، لأول مرَة أحدًا يقولها ليْ بهذه الحنيَة و الحُب، سُبحان من جعلنا لا نهتَز لمواقفٍ هائلة ونهتزُ لكلماتٍ خافتة، سُبحان من جعل دُعاء من شخصٍ لا أعرفه يُثير كل خليَة حسيَة، اختلفت ديانات العالم المنزَلة و المستحدِثة ولكنها اجتمعت بـ " آمين " خلف كل صلاة، أجتمعت بنا والتي تعني بحسب فهمِي الضيَق " أحبك " ، آمين على حياةٍ طيبة ستجمعنا، آمين على سماءٌ سخيَة ستربطنا، آمين على قلبٍ جعل الله به نورًا من أجلك، آمين على الوصِل/اللقاء، على الأطفال الذين يحبسُون ملامِحك و يُغطيهم جفنك، آمين على الهدايَة و الصلاح، آمين على قلبِك وآمين على أحبك.
: عساه آمين
فارس همس : آمين
،
يجلسُ بجانبها والهم يزيده حزنًا على ما وصل به الحال، أن تكون أبًا ليس سهلاً، ان تعِيش من اجل أحد أيضًا ليس سهلاً، أن تحمل على كتفك مسؤوليَة وطَن يزيدُ من الأمر صعوبة، الولاء لهذه الأرض التي خُلقنا منها، للصحراء التي تحنَ إلينا كلما أمتلأت سماء الرياض بالتراب، للقُرى الصغيرة والمحافظات التابعة لمُدننا الشاهقة، الولاء وكل الولاء للشهادة التي تتوسَط البساط الأخضَر. يارب ساعدنا، إنا نحتاجُك، نحتاج أن تربت على قلوبنا وتُطمئنها من كل حزنٍ و كمد و قهر و ضيق، إنا نُنيب إليْك فأرحم عبدًا شهد لك بالوحدانيَة والعبوديَة.
ضيْ تنحنحت لتُردف بإتزان جاهدت أن تصِل إليه : عبدالرحمن
إلتفت عليها بإبتسامة خافتة يحاول أن يُطمئنها بها، يُحمَل نفسه فوق طاقته ليرى الإبتسامة لمن حوله في وقتٍ يفقد كل أسباب الراحة والإستقرار و أيضًا يفقد سببًا للإبتسامة : سمَي
ضي : سمَ الله عدوَك . . أبي أكلمك بموضوع بس . . يعني
عبدالرحمن يلتفتُ بكامل جسدِه عليها ليضع يدِه على شعَرها الطويل : وشو ؟ قولي
ضي أخذت نفس عميق لترتفع الدموع ناحية عينيْها، كل الإعترافات حتى أبسطها دائِمًا تجيء صريحة حادة و أحيانًا قاتلة.
عبدالرحمن يمسح دمعتها قبل أن تسقط : متضايقة؟ . . تطمَني إن شاء الله كلها يومين وراح نرجع للرياض
ضي إبتسمت حتى تغلب بكاءها ولكن هذا الدمع من غلبها حين تساقط كمطرٍ باريس هذه الأيام
عبدالرحمن تنهَد بعُقدة حاجبيْه : ضي؟ . . وش فيك يبه؟
ضي اخفظت رأسها، جبَنت في آخر لحظة بأن تقول له.
شدَها ليعانقها، حاول بكل قدرته أن يمتص حزنها بهذا العناق، يُحزنه أن تعاني ضي أيضًا.
غطَت ملامحها بكتفِه ودمعُها يُبلله وبصوتٍ مختنق : ما أبيك تزعل مني . . والله أموت يا عبدالرحمن لو تضايقت مني
عبدالرحمن : بسم الله عليك . . ليه أزعل؟
ضيْ ببكاء : مقدرت أقولك . . بس والله مو بإيدي . . خفت . . خفت كثير . .
عبدالرحمن أبعدها قليلاً ليُقابل ملامحها الناعمة، رفع حاجبه : وش صاير؟ وش اللي ماأعرفه ؟
ضي شتت نظراتها : آسفة . .
عبدالرحمن : وش الموضوع لا تخوفيني
ضي بربكة وهي تلمُ كفيَها في حضنها : أأ . . قبل يعني فترة عرفت . . بس ما كنت . .
يُقاطعها : عن ؟
ضي بشكلٍ سريع أبتعدت بجسدِها للخلف قليلاً وهي تنطقها : حامل
تجمدَ هذا العالم بأكمله في عينيْه، نظر إليْها بدهشَة دُون أن يساعده الصوت بأن ينطق كلمةٍ واحدة، انتفض قلبه من هذه الكلمة، انتفض من الفرحة التي تجيء بشكلٍ مُفاجئًا، أدركتُ تمامًا بعد هذا العُمر أنني أخاف من لحظاتِ الفرح التي لا تطول أبدًا، " عقد حاجبيْه بردَة فعلٍ لا يفهمها جيدًا " أُجاهد بأن لا يهتَز بي ضلعًا من أيَ خبرٍ يجيء بصورةٍ مُفاجئة، أحاول بكل ما أملك أن لا ينحني ظهري بأيَ شيء من أجل هذه الأوضاع التي تقتل القلب ببطء لتُجمَد الإحساس به، ولكنِك يا ضيَ عينِي أنتِ إستثناء من هذا بأكمله.
ضي عضَت شفتِها السفليَة لترفع عينيْها بتردد حتى تراه، سُرعان ما شتتها بحُمرةِ ملامحها الباكية، خافت أن تقع بشباكِ نظراته لتعِيش حُزنًا يصبَ من عينيْه.
عبدالرحمن بلع ريقه بصعوبَة أنفاسه التي تخمدُ برئتيْه: متى؟
ضي بخفوت مهتَز : هذا الشهر الثانِي
عبدالرحمن همس مُشتتًا نظراته : الحمدلله
ضي رفعت عينيْها لتنظرُ إليْه بعينيْن باكيتيْن : مو متضايق؟
عبدالرحمن اقترب منها ليُقبَل جبينها بقُبلةٍ عميقة، أستطال بالثواني وهو يُلامس جبينها المرتفع بدرجة حرارته، أبتعد ليُردف : أؤمن بأن كل اللي يصير خيرَة
ضي دُون إرادتها أجهشت عيناها مرةً أخرى : يعني ما ودَك بهالطفل ؟
: مو قصدِي . . سحب يدَها ليضغط عليها بدعمٍ معنوي يُقدَره جيدًا.
أكمل : محد يرَد شي فضَله الله وأختاره له، صحيح إني طلبت منك تآكلين حبوب المنع وقطعتيها بدون علمي . . لكن من حقَك! مقدر أحاسبك على شي أنتِ تبينه
ضيْ : إذا أنت ماتبيه أنا ماأبيه
عبدالرحمن يمسح على شعرها بإبتسامة تكسره كثيرًا : واللي تبينه أنا أبيه
ضيْ : ماأبي أخليك تشيل هم فوق همَك ولا تـ
يُقاطعها بضحكة تتمايل بقلب ضيَ الغنيَ به : استحي على وجهك! فيه أحد يقول عن ولده همَ ؟
ضي ابتسمت بين بكاءها : كنت خايفة، خفت تعصَب من . . . مدري بس أشياء كثيرة خلتني أخاف!
عبدالرحمن يمسح دموعها بكفَه الحانية : ليه أحملَك فوق طاقتك؟ وأخليك تشيلين همَي بعد! أعرف شعورك يا ضيَ . . أعرف وشلون تشيلين همَ كيف توصلين خبر لأحد . . وماأبيك تجربين شعوري ، هذا الشعور اللي ما يخليك تنامين براحة ويقتلك كل يوم وكل لحظة تفكرين فيه
ضيْ تضع يديْها على كفَه التي تعانق خدَها لتسحبها قليلاً وتُقبَل باطن كفَه : الله يخليك ليْ
عبدالرحمن وقف ليُمسكها من يدِها ويوقفها بإبتسامته الهادئة: توضَي وخلينا نصلي الشفع و الوتر . .
ضي : أنا على وضوء . .
عبدالرحمن : طيب . . تقدَم ناحية القبلة، أخذت حجابها لتُصلِي خلفه، سكَن المكان بصلاتهم وصوتُ المطر الذي يضطرب بالخارج يعبرُ مسامعهم كطمأنينة، سجَد وفي أولِ سجدة أبتهلَ قلبه بالصلاة على النبي إقتداءً لسنَة الدعاء، ليصمت قليلاً بخشوعٍ عظيم حتى تصاعدت روحه بالكلمات الراكعة لله " اللهم يا كريم يا رحمَن يا منَان ردَ بناتي إليَ وأحفظهم بحفظِك، اللهم إني أستودعتُك فلذات كبدي فأحفظهم وأحمِهم، يارب لا تُريني بهم مكروهًا وأصلح أمرَهم وسهَل ما صُعَب عليهم، يارب أرزقهم الدرجات العليا في الدنيا والآخرة و أجمعهم بمن يحبُون، يارب أحفظ قلوبهم من الوجَع و الحُزن . .
أطال بسجُودِه وصمت بعد " الحزن " ، من شأن الكلمات أيضًا أن تقف كغصَة وتمنع الصوت عنَا،( بناتِي ) الصوت المبتهج في داخلِي أما الآن أحتاجُ حنجرة أخرى لأواصل السير على نبرةٍ أتعبها الوقوف " الغصَة ". مهما بلغنا من القوة الا أننا فُقراء ضعفاء أمام الله، سقطت دمعته على السجَادة.
ليُكمل " يارب يا كريم أرزقني القوَة والصبر حتى احتمل وجعهم، يارب أرزقني النفس الصبورة التي تحمدُك في أشدَ المصائب وأصعبها، اللهم احفظ زوجتي و اكرمها بما تشتهي نفسها ولا تُصعَب عليها أمرًا إنه لا يعجز عنك شيء، اللهم ارزقها السعادة و الراحة. . . . . اللهم أحفظهم . . أحفظهم يا رحيم.
،
في ساعات الفجر الأولى دخَل لعُتمة المنزل الذي يزداد إضطرابًا بسكُونِه، إلتفت ليندهش من وجودها : عمَة؟
إلتفتت حصَة التي غفت قليلاً وهي تنتظره : جيت!
إقترب منها ليُقبَل رأسها ويجلس على ركبتيْه أمامها : وش فيك نايمة هنا؟ كنتِي تنتظريني؟
حصة صمتت قليلاً حتى تتغلب على نوبة البكاء التي أصابتها طوال اليوم : متضايقة من اللي قاعد يصير فيك ومو قادرة أرتاح دقيقة وحدة
سلطان : تطمَني . . ما فيني الا العافية . . يا ما شفت ولقيت بتجي على هذي!
حصة تمسح على رأسه القريب من حضنها : طلبتك يا سلطان لا تطلقها!
سلطان بضيق : قومي نامي ارتاحي شكلك مانمتي طول اليوم . .
حصة : تكفى يا سلطان والله قلبي بيتقطع من هالموضوع
سلطان : بسم الله على قلبك عساه فيني ولا فيك
حصة ببكاءها الذي لا يهدأ : لا توجعني فيك . . بس عطَ نفسك فُرصة والله ما تستاهل كل هذا
سلطان سعَل قليلاً من المرض الذي يتفاقم عليه في كل لحظة، وقف ليجلس بجانبها : الحين تبكين كأن احد ميَت لِك؟ والله أنا اللي بتقطعين لي قلبي!! يا عُمري ماتدرين وين الخيرة . . الله يسهَل من عنده ويرزقنا
حصة : ليه ما تفهمني يا سلطان! موجوعة والله العظيم . . ماراح تلقى وحدة تناسبك غيرها! أنتم مكتوبين لبعض لا تضيَعها من إيدك
سلطان بضيق يمسح دموعها بكفَه وبنبرتِه الخافتة يشعُ قلبه لها : طيب لا تبكين! . . لا تبكين
حصَة : لو أبوك الله يرحمه موجود وشافك كذا والله لا يحلف عليك أنك ترجعها!
سلطان : الله يرحمه ويغفر له ويغفر لأمواتنا جميعًا . .
حصة : كلكم بإيدكم الحل . . وش بتسوي بعدها؟ بتصحى عشان تشتغل وتنام عشان تريَح من هالشغل وما بينهم أنت مشغول . . وإلى متى؟ بعد عُمر طويل تتقاعد ومين بتلقى عندِك؟ . . بس فكَر بطريقة منطقية أنه اللي تسوونه أكبر غلط! والله أكبر غلط
سلطان بإبتسامة يُخفف وطأة هذا البكاء : يا ويل قلبي بس! مين اللي بيتطلق أنتِ ولا الجوهرة ؟
حصة تضربه على كتفه : أنا اللي بتطلق وش رايك؟
سلطان : بنتك وهي بنتك مابكيتي عليها كذا
حصة : لأني عارفة عواقب تصرفاتها لكن أنت يا سلطان عارفة وش بيصير بحياتك بعد الجوهرة!! تكفى يا سلطان أبي أفرح فيك وبعيالك
سلطان بلع ريقه بصعوبة ليُردف : يا أميمتي أنتِ . . ماعاش من يرد لك طلب بس خلَي هالموضوع وطلعيه من بالك . . أنا ما أنفع للزواج وأريَحك من الآخر . . عفت الحريم
حصة صدَت عنه بضيق : ما تعرف مصلحتك! والله ماتعرفها
سلطان : مشاكلنا ما تنتهي، بنوجع بعض كثيير
حصة : بتنتهي لو بس تقدمت خطوة وحدة
سلطان ابتسم : ملاحظة أنك ما تفقدين الأمل كل مرة نفس الكلام تقولينه
حصة : وبجلس طول عمري أزَن عليك لين تتعدَل! . . فيه شي إسمه تفاهم وتنازل وتضحية عشان حياة زوجية زي الخلق . . . المشكلة أنكم إثنينتكم تبون بعض وأكذِب وقول لا .. والله لا اذبحك لو تكذب!!
سلطان بضحكة يُريد أن يُبعدها عن هذا الموضوع : ولدِك جلف ما يفهم بهالأمور
حصة بسخرية : ناجح بحياتك العملية وفاشل مع مرتبة الشرف بحياتك الخاصة
سلطان : الشكوى لله . .
حصة : فرحة وحدة مستكثرها على نفسك!! وش فيها لو قلت للجوهرة أبيك . . وش بينقص منك؟ هذا وأنت راعي دين وتعرف بالدين وتدري أنه أبغض الحلال عند الله الطلاق
سلطان بضحكة مبحوحة صادقة : عشاني راعي دين على قولتك أدري أنه ماهو أبغض الحلال عند الله الطلاق . . وهذا حديث مغلوط عن الرسول صلى الله عليه وسلم . . كيف شي حلال شرَعه الله يكرهه الرحمن؟ يعني بالعقل ما يدخل هالحديث . . لأن في الطلاق فوائد! وأكيد لحكمة منه شرَعه
حصة نظرت إليه بجمود ليبتسم سلطان : حجَرت لك ؟
حصة : الشرهة على اللي مقابلك!!
سلطان غرق بضحكته ليُردف : جعلني ماأبكيك . . قومي نامي وريَحي نفسك
حصَة : إيه أضحك! ماشاء الله على روحك اللي لها كل هالقدرة على التجاهل
سلطان : لا حول ولا قوة الا بالله وش تبيني أسوي؟ أجلس لك وأبكي وألطم حظي! عندي أمور أهم تخص شغلي! . . . وعلى فكرة معدَي سالفة الصبح ولا عاد تحاولين تجمعينا بأيَ طريقة
حصة من غضبها لم تعد تعرف ماهية قوْلها : هذا إذا ما حطيت صورها في البيت كله عشان تحترق كبدك شوي وتروح لها
سلطان : تبين الملائكة ما تدخل البيت؟
حصة : أشوف غرفة سعاد ما قلت والله الملائكة ما تدخل بيتي! لو ماجيت وسنَعت غرفتها كان الله يعلم كم بقيت تحرَ الجوهرة فيها . .
سلطان تنهَد : الله يصلحك بس
حصة : أنا أعرف كيف أطيَح اللي براسك . . بيجي يوم وتعض أصابعك ندم على اللي قاعد تضيَعه منك، يخي شفت الجوهرة بس قلت لها أنك تعبان فزَت لك ونست كل شي عشان تكلمك . . يعني لو بس ترفع سماعة التليفون عليها وبكلمتين حلوة تتسنَع فيها وتعقل مثل كل الرجال بترضى وبتجيك
سلطان سعَل بمرارة دُون توقف لتربت حصَة خلف ظهره : يا لكاعتك!! بس تبي تضيَع السالفة
سلطان بضيق بحَ صوته من السعال : ذبحتني الكحَة والله
حصة : لو قاعد في البيت اليوم مو أحسن! رحت ورجعت أسوأ من أوَل . . المهم شدَ حيلك شوي بس وكلَمها
سلطان : بقولك شي . . الحين أمَر بمرحلة مهمة بشغلي ومضطر إني أعطيها كل وقتي حتى لو على حساب نفسي وحياتي
حصَة : إلى متى؟ بس قولي متى تنتهي هالمرحلة المهمة اللي من فتحت عينك على هالدنيا وأنت تمَر فيها
سلطان : كل شي يخص شغلي مهم، وأيَ غلط صغير يضيَعنا وببساطة ينهينا
حصَة برجاء : سلطان
سلطان : يا عيونه طلَعي هالموضوع من بالك ونامي وأرتاحي . . وأعتبري ما صار الا كل خير
حصة : اتصل عليها . . بس على الأقل حسسَها أنك مهتم . . تطمَن عليها وأسأل عنها
سلطان : وش بستفيد؟
حصَة : صاير تفكيرك إستغلالي لازم مقابل لكل فعل تسويه! ما ينفع تكون أخلاقك حلوة شوي مع البنت؟
سلطان ابتسم : أفآآ! صرت إستغلالي الحين؟
حصة بضيق انفعلت : منت إستغلالي! والدليل أنك حمار وماتفكر بنفسك!
سلطان مازالت الإبتسامة المتعبة تتسع حتى أظهرت أسنانه : مقبولة منك يا أم العنود
حصة : وش أسوي فيك يا سلطان ؟ بموت من حرَتي عليك!!! وش بيصير في هالدنيا لو قلت لها وش أخبارك يالجوهرة ؟
سلطان : الحين غيَرتي توجهاتك! قبل شوي تقولين رجَعها والحين تبيني بس أكلمها
حصة بسخرية : عاد حكم القوي على الضعيف! كل ماجيتك من جهة عنَدت
سلطان : طيب خلاص
حصة : تكلمها ؟
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك