رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -175
ريَان ترك الفنجان على الطاولة ليلتفت بكامل جسدِه عليها : تشكين من شي؟ متضايقة من أحد؟الجوهرة وقفت لتُردف بصوتٍ لا يكاد أن يُسمع : عن إذنك . . صعدت للأعلى
ريَان إلتفت عليهما : وش فيها؟
ريم : قبل شوي كنَا نسولف ومافيها شي
أفنان : يمكن تعبانة نفسيتها . . لا تنسى هي بشهورها الأولى فأكيد بتتعب
ريَان : شكرًا على المعلومة
أفنان ضحكت لتُردف : وأنا صادقة! أكيد الوحدة زين ما تكره نفسها وهي حامل!!
ريَان : مجربة؟
أفنان أشتدت حُمرة ملامحها : يعني هذي أمور فطرية كلنا نعرفها . . خرجت قبل أن يُكثر بأسئلته المُربكة.
اتجهت أنظاره ناحية ريم، ليُردف : مروَقة !
ريم : أكيد بروَق نسيت كلامك لي قبل كم ساعة!!
ريَان تجمدَت ملامحه : أيَ كلام!!
ريم تتظاهر بالغضب : تراني ما انجنيت عشان تسوي نفسك ما قلت لي شي! أنا صدق أعاني أحيانا وأتخيَل أشياء مهي موجودة لكن تراني بعقلي وأعرف وش قلت لي
ريَان بصدمة : أصلاً أنا من الصبح مارجعت البيت
ريم صمتت لثواني وهي تحاول بكل جهدها أن تُضيء عينيْها بالدمع : إلا كلمتني! يوم . . طيب خلاص ما قلت لي شي
ريَان : وش قلت يا ريم ؟
ريم بضيق : حقَك عليَ أنا أتبلى
ريَان تنهد : ما قلت تتبلين! يمكن ناسي قولي لي!
ريم بعد جُهدٍ كبير تجمَع الدمعُ في عينيْها حتى تكسب تعاطفه : قلت أنك ما توافقت مع منى وطلقتها لأن ما بينكم تفاهم! و . . اعتذرت ليْ
ريَان : أنا!!!!
ريم : إيه وحتى كنَا بالصالة اللي فوق
ريَان : ريم وش رايك أحجز لك موعد عند دكتورة تشوف حالتك ؟
ريم نزلت دمعتها المالحة و الكاذبة أيضًا : دكتورة! طبعًا لا . . خلاص قلت لك لا عاد تسألني وأنا ما عاد بتكلم بشي
ريَان وقفت ليتجه إليها ويجلس بجانبها، بخفوت : مو قصدِي كذا!
ريم : خلاص ريَان سكَر الموضوع ما أبغى أتكلم فيه وتضيَق عليَ
ريَان مدَ ذراعه خلف كتفيْها ليُقرَبها منه ويقبَل رأسها : أنا خايف عليك لا تتطوَر هالمشكلة معك
ريم : ماهي متطوَرة تطمَن
ريَان : براحتك مثل ما تبين . .
،
شعَرت بالهدوء الذي يحفَ المنزل، نظرت لشاشة الحاسُوب التي أمامها، أُدرك فداحة ما أفعله ولكنك يا عزيز لم تترك لي فرصَة، هذه المرَة من تهجرك أنا ولست أنت، هذه المرَة لن يكون الخيَارُ عائِدًا إليْك، لمرَةِ واحدة أُريد أن أهزمك بطريقةٍ ملتويَة أستخدمتها معي كثيرًا، لمرةٍ واحِدة أُريد أن أكون لئيمة إتجاهك، حتى تبرد حرارة القهر الذي زفرتهُ بيْ، إلتفتت عليه بمُجرد أن شعرت بخطواته، اندهشَت لتتجمَد بمكانها، عبدالعزيز يقترب ناحيتها بغضبٍ يعتلي ملامحه : أنتِ اللي تجبريني أتصرف بهالطريقة
رتيل بلعت ريقها وهي تعرف ماذا يُريد أن يفعل بها، وقفت لتبتعد لآخر زاويـة في الغرفَـة وعيناه تشرحُ بطريقةٍ ما كيف ستكون الإهانة مؤلمة بحقَها.
فتحت عينيْها الغافية لتنظر للجهة التي خلفها ولا ظِل لعزيز، ارتفع صدرها بشهيقٍ مؤذي لكل خليَة منزلقة في جوفها، ماذا يحصل يالله! لا أريد أن أفكر ولا لثانية واحدة أن هذا الحلم تنبيه من الله حتى أكبح طريقي الملتوي ناحيتُك، أقسم لك أن " أثيرك " لن تهنأ للحظة معك، أقسم لك يا عزيز أنني سأخرج لوعة حُبي منك بها، لن يقف أمامي أحد! لن ترتاح معها وهذا ما سأصِل إليْه، لتعلم أنك أحببت مجنُونة لا ترضى بأن يُقاسمها أحد، أحببت متمرَدة لا تُهذَبها سوى عيناك! أحببت يا عزيز إمرأة أخفت إعجابها بك من أولِ مرة خلف لسانٍ سليط، لم أكرهك ولا لمرَة حتى أولُ ما جئت، كانت مُجرد محاولات أن لاأُحب، أن لا أحيَا بقلبِ احد، ولكنك نفذت وشردتُ كطيرٍ إليْك، لن يعود الزمن حتى أسيطر على نفسِي، لن يعود وقتًا أتصنعُ كرهك حتى أنفذ من هذه الورطة، ورطة حُبك.
ولكن الآن! هذه الإمرأة اختلفت، عدوانيَة شرسَة لكل من حولك، طيبَة ناعمة لقلبك، حاقِدة ناقمة للظروف المحيطة بك، مسامِحة وأستغفرُ لقلبك كثيرًا. لن تفهم أبدًا كيف يصل ولعُ النساء! لن تفهم أبدًا كيف لإمرأة أن تصبح بهذه الصورة الشيطانية الغانية من أجل رجل، لن تفهم يا عزيز أنني أحبك بهذه الهيئة المؤذيَة لنفسي أولاً ولك ثانيًا، ولكنني لن أسمح لأحدٍ أن يحتَل جزءً من قلبك، أنت ليْ و منِي، أنت هُنا من أجلي حتى لو انفصلنَا، حتى لو ابتعدنا، حتى لو افترقنا.
سأجعلك تعيش هذا العُمر بأكمله متوحدًا بيْ، متغلغلاً فيَ، لن أسمح لأيَ أنثى مهما كانت أن تكون معك في غيابي، لتعِش يا عزيز ولع هذا الحُب، لتتألم منه لبقية عُمرك ولتتركني بسلام أكافح من أجل نسيانِك، لستُ أول من يحب ويفترق! لستُ اول من أموت عشقًا بك، جميعهم يُكملون حياتهم بحماسةٍ أقل ولكنهم يُكملونها! وأنا مثلهم وسيأتِ الوقت الذي تعي به أنك خسرتني وأنني أصبحت حُرةً لا يسيطر عليَ قلبك ولا تؤلمني عيناك بنظراتها.
تبللت ملامحها من زُرقَةٍ ملأت محاجرها، وقفت لتنظر للنافذة الزجاجيَة التي تطلَ على شارعٍ من باريس خافتٌ في هذا الليل، تعبرهُ الضحكات كما يعبره المطر المنساب من سماءها.
أخذت المنديل لتمسح ملامحها الشاحبة، رفعت شعرها البندقي كذيل حصَان، إبتسمت بمحاولة أن تُعيد لنفسها بعض الحياة، أخذت نفس عميق لتقترب من الباب، بقيْت لثوانِي طويلة تحاول أن تتلصص للصوت، فتحته بهدًوء لتسير على أطرافِ أصابعها ناحية المطبخ، أخذت الكوب الزجاجي لتملأه بمياهٍ باردة تروي عطشها الذي استنزفه قلبها.
من خلفها : أشوفك طلعتي!
مسكت أعصابها قبل أن ترمي كوب الزجاج وتكسره بوجهها، تنهدَت لتلتفت إليْها بإبتسامة : خير آنسة أثير ؟
أثير اقتربت منها وهي تتكتفت ببيجامتها التي تكشفُ منها أكثر ما تستر : سُبحان مغيَر الأحوال كيف كنتيِ وكيف صرتي! قبل كم شهر في باريس كان وجهك فيه حياة والحين؟
رتيل تنحنحت لتقترب أكثر وبلسانٍ حاد : طبيعي أتغيَر! واضح أنك ماتعرفين الأخبار ما ألومك يمكن ماجلستي مع عبدالعزيز جلسة محترمة وقالك وش صاير!
أثير شدَت على شفتها السفليَة : البركة في أبوك اللي مو تاركه يشوف حياته
رتيل ضحكت بتشفَي لتُردف : it's not my problem مو ذنبي إذا عبدالعزيز ما يشوفك حياته
أثير : حركاتك وكلامك صدقيني ما يهزَ فيني شعرة! أنا مقدَرة شعور القهر اللي مخليك تتكلمين بهالطريقة
رتيل بإبتسامة لئيمة : أكيد مقدَرة لأنك سبق وجربتيه، بس خلني أقولك الأخبار عشان أحطَك في الصورة وتعرفين قهري من أيش! . . حاليًا أبوي يتعرض لمشاكل كثيرة بشغله وأضطر يترك باريس! و أختي مختفية من شخص طمننا عليها لكن إلى الآن مختفيَة . . حطَي في بالك أنه عندي أسباب كثيرة تخليني بهالحزن، وطبعًا مستحيل تكونين سبب يشغلني!
أثير بإبتسامة : عندِك قدرة عجيبة بأنك تحوَرين الكلام وتقلبينه على مزاجك!
رتيل بخفُوت : و عندي قدرة عجيبة بأني اقلبك على رآسك الحين!!
أثير تغيَرت ملامحها لجمُود أمام حدَتها، لتُردف بنظراتِها التي تًفصَل جسد رتيل من أقدامها حتى عينيْها : لو كنتِ شي له القيمة ما تزوَج عليك عبدالعزيز! إذا ودَك تفهمين شي! أفهمي إنه عبدالعزيز لو يبي يقهرك كان قهرك بأشياء كثيرة وما يحتاج أنه يستخدمني عشان يقهرك! ولو يبي يستخدم أحد ماراح يهون عليه أنه يستخدم صديقة أخته وزميلتها
وبضحكة أكملت وهي تتصنعُ النبرة الطفولية : it's not my problem إنه عبدالعزيز إختارني عليك
رتيل نظرت إليها ببرودِ ملامحها : برافو! أقنعتيني، تصبحين على خير ماما ولا تنسين تقرين الأذكار على قلبك أخاف أحد يسرق عبدالعزيز منك . . . . ولا أووه سوري نسيت أنه أنتِي متعوَدة أصلاً أنه الناس يشاركونك بكل شي حتى قلبك!! . . أقري الأذكار على عقلك أخاف لا أشاركِك فيه . . . *لفظت كلمتها الاخيرة بتهديد واضح*
نظرت إليها أثير بجمُود وهي تغلي من الداخل، شعرت بأن دماءها تفُور، تصنَعت الإبتسامة : مريضة! الله يعينك على نفسك
رتيل بإبتسامة صادِقة أظهرت صفَ أسنانها العلوي: آمين
اشتعلت البراكين في صدرها من إبتسامتها لتُكمل مقتربة من أثير : طبعًا ماراح تفهمين وش يعني " نفسك " ؟ أسألي عبدالعزيز وش معنى نفسك بقاموسه! . . . أبتعدت وهي تشعرُ بلذة الإنتصار، دخلت الغرفة لتغلق الباب جيدًا.
في جهةٍ أخرى نظرت لكوب الماء الذي على الطاولة، مشَت بخطواتٍ حادة سريعة ناحية الغرفة الجانبية ليرفع عبدالعزيز عينه من الأوراق التي ينشغلُ بها لساعاتٍ متأخرة من الليل، عقد حاجبيْه بإستغراب!
أثير بأنفاسها المتصاعدة غضبًا : إن شاء الله إني ما أكمَل أيامي الجاية معها!!
عبدالعزيز بهدوء يُعيد أنظاره للأوراق متجاهل كلماتها، إقتربت أثير بحدَة : هذي المجنونة ما تجمعني معها يا عبدالعزيز!!!
تنهَد ليضع القلم على الورقة الغارقة بحبرها : إن أنفتح الموضوع هذا مرَة ثانية أقسم لك بالله إنك ما تبقين دقيقة على ذمتي!
أثير تصلَبت ملامحها بدهشة : تطلقني عشانها؟
عبدالعزيز يقف ليضع يديْه بجيوب بنطاله، وبحدَة اقترب منها حتى تلاصقت أقدامه بأقدامها : ما أطلقك عشان أحد!! مالك علاقة برتيل ولا لك حق تناقشيني بشي يتعلق فيها . . أتفقنا؟
أثير أمالت فمِها بضيق : كيف تجمعني فيها؟ كيف تمسح كرامتي بالبلاط عشانها!
عبدالعزيز : محد يمسح كرامتك! وكرامتك من كرامتي!! لا تصيرين أنانية وتفكرين بنفسك، تقبَليها إذا كان لي خاطر عندِك ولا عاد تخلقين مشاكل خصوصًا بهالوقت اللي ماني فاضي لمثل هالسواليف
أثير شتت نظراتها لثواني طويلة: ممكن أسألك سؤال!
عبدالعزيز نظر إليْها بنظرة تنتظر السؤال، أردفت : وش مفهوم كلمة نفسك بالنسبة لك ؟
عبدالعزيز بدهشة رفع حاجبه : عفوًا ؟
أثير : لهدرجة السؤال صعب؟
عبدالعزيز : طبعًا لأ .. بس مستغرب
أثير : مُجرد فضول إني أعرف الإجابة
عبدالعزيز فهم تمامًا أنه لرتيل علاقة بالأمر : نفسي أنا، محد يقاسمني فيها حتى لو قاسمني شخص حياتي
أثير تنهدَت براحة لترسم إبتسامة ناعمة على ثغرها :كويَس! . . . ماراح تنام ؟
عبدالعزيز : عندي شغل . . نامي وارتاحي
أثير نظرت إليْه بنظراتٍ غاوية : شغل إلى متى حبيبي؟ صار لك ساعات وأنت تناظر هالورق وتكتب!
عبدالعزيز بإبتسامة إقترب منها ليُقبَل جبينها : تصبحين على خير . .
أثير بادلته الإبتسامة : طيب براحتك . . وأنت من أهل الخير والطاعة . . . خرجت متجهة لغرفتها وهي تشتم رتيل بداخلها من حيلتها الكاذبة بإستفزازها.
راقبها حتى دخلت الغرفة ليعود بخُطاه ناحية الطاولة، لم يجلس بقيَ لثواني طويلة واقفًا/غارقًا بالتفكير، تراجع للخلف متجهًا إلى غرفة رتيل، شدَ على مقبض الباب لتلتفت عيناها ناحيته، وقفت أمام الباب، تسحبُ هواءً نقيًا لرئتيْها حتى تستعيد توازنها، اقتربت لتفتح الباب، دخل بنبرةٍ ساخرة : ماشاء الله! من وين جايَك هالهدوء ؟
رتيل بإبتسامة تعود لتجلس على طرف السرير، رفعت عيناها إليْه : ليه فيه سبب يخليني ماني هادية؟
عبدالعزيز : وش سويتي؟
رتيل : ما فهمت
عبدالعزيز بحدَة : فاهمة قصدي زين!
رتيل بضحكة أشعلت جحيمٌ مصغَر في قلب عبدالعزيز : والله عاد الحمدلله اللي خلاني أتصالح مع نفسي وأتقبَل موضوع أثير
عبدالعزيز : تتقبلين موضوع أثير!!! فاهمة غلط يا قلبي . . أنتِ بتتقبلينها سواءً رضيتي أو ما رضيتي
رتيل مازالت بإبتسامتها : طيب وأنا أشرح لك سبب رواقي في هالوقت! إني تقبلتها برضايْ
عبدالعزيز أمال شفتِه السفليَة بمثل طريقتها عندما تغضب : سبحان من خلَا الكذب مكشوف بعيونك
رتيل بضحكة : سُبحانه
عبدالعزيز لم يسيطر على أعصابه، إقترب منها ليُشدَها من ذراعها ويجبرها على الوقوف : وش سويتي؟ فيه شي صار خلَاك كذا ؟
رتيل ببرود مستفز : تبيني أقولك؟ مايهمني إنك تعرف!
عبدالعزيز بغضب: لا تخلين جنوني يطلع عليك بهالليل!!!
رتيل بهدوء أخذت نفس عميق : طيب يا روحي ممكن تترك يدي
عبدالعزيز يشدَ عليها أكثر ليُقرَبها إلى عينيْه المشتعلة بالغضب : وش تبين توصلين له؟
رتيل : معك ما ابغى أوصل لشي
نظر إليْها بنظراتٍ تجهلُ ماهيتها، اندلعت الربكة في أطرافها لتُردف : تصبح على خير
عبدالعزيز بنظرةٍ عميقة : أحفظك وأعرف كيف تفكرين! بس صدقيني لو تجربين تضايقيني بشي ما تلومين الا نفسك
رتيل تنهدَت بضيق : يزعجني إنك إلى الآن تفكر بأني ممكن أأذيك وكأنك ولا شي عندِي! لو راح يجيك الوجع مني ماراح يكون الا وجع حُبي لك!
عبدالعزيز : لا تتصرفين بأيَ طريقة توجعني يا أثـ . . يا رتيل
تجمَع الدمع في عينيْها، حاول أن تتصرف بأيَ طريقة من شأنها أن تؤذيني، ولكن لا تتخيَل بأن وجع مناداتِك لي بإسمٍ آخر أمرٌ عادي، لا تتخيَل ولا للحظة أن قلبي لا يُبالي يا عزيز، أنا اموت في اليوم ألف مرَة كلما فكَرت بأنها معك، تُشاركك الوسادَة وجسدِها، تُشاركِك الهواء الداخل إلى رئتيْك، تُشاركِك الحياة بالنظر إليْك، تُشاركِك كل شيء وهذا يقتلني! كيف تُناديني بإسمها؟ كيف " يقوى" قلبك ؟ لا أريد أن أصدَق أنها تمكنت من قلبك، وأنا تُسيطر على لسانِك وعقلك، لا أريد ولا للحظة أن أفكر بأنها تُشاركني قلبك، ما أرغب به أن يضيق قلبك ويؤلمك! هذا تمامًا ما أريده.
سحبت ذراعها بحدَة لتُعطيه ظهرها وهي تنظرُ للنافذة، أرتفع صدرها ببكاءٍ محبوس، وعيناها تتلألأ بالدمع.
عبدالعزيز من خلفها : تصبحين على خير . . اتجه نحو الباب ليسحب المفتاح ويضعه في جيبه.
بمُجرد أن اخرج انسكبت دمعةٌ يتيمة على خدَها الأيسَر.
ستعلم يا عبدالعزيز ما معنى أن تكُون موجعًا بنبرة، و ما معنى أن تؤذي إمرأة بكلمة.
-
قبل عدةِ ساعات، واقفٌ بجهةٍ مقاربة لمكان اللقاء المنتظر، ينظرُ لرسالةٍ مجهولة المصدر تُثير في داخله 100 إستفهام، تجمدَت أصابعه على الورقة البيضاء، حتى تجعدَت أطرافها بضيق صبره الذي لم يعد يحتمل أيَ مماطلة.
عبدالرحمن : كيف جتَ هالرسالة الى هنا ؟
: هذا اللي ما نعرفه! وش رايك؟ كيف نتصرف؟
عبدالرحمن تنهَد : مستحيل يكون فيصل أخفى عننَا شي ثاني!!
: وممكن أخفى!
عبدالرحمن يخرج من السيارة ليستنشق من هواء باريس النقي، أخرج هاتفه ليتصل على سلطان، يرن مرَة ومرتين ولا إجابة.
في مكانٍ آخر كان ينظرُ إلى ملامحهم بريبة، اقترب من أحدهم ليقف بتوتر : سمَ طال عُمرك
سلطان يقرأ الإسم على البطاقة ليُردف وصوته المتعب يشتَد ببحته : متى توظفت ؟
: آآ . . قبل 4 شهور تقريبًا
سلطان : 4 شهور!!! على أيَ أساس
: كانوا طالبين إداريين
سلطان : مين طالب؟
هز كتفيه باللامعرفة : أنا قدمت أوراقي لإدارة شؤون الموظفين وبعد كم يوم اتصلوا واقبلوني
سلطان يسند ذراعه على الطاولة : مافيه شي مستقل إسمه إدارة شؤون الموظفين! الإدارة هذي مسؤولة عن الموظفين اللي متعينيين رسميًا ماهي مسؤولة عن التوظيف
: آآآآ أتوقع إدارة التوظيف أختلط عليَ الإسم
سلطان : ومين هذي إدارة التوظيف اللي ما اعرفها
أحمد من خلفه خشية من تعب سلطان أن لا يتفاقم : طال عُمرك أنت ارتاح وأنا . .
يُقاطعه سلطان : أول نتعرف على الأخ الكريم اللي قدامي! مين إدارة الموظفين؟
: أنا قدمت أوراقي و . .
يُقاطعه سلطان : لمين؟ أيَ موظف؟
: ما أدري عن إسمه . . ما أعرفهم
سلطان بسخرية : ماتعرفهم! صار لك 4 شهور هنا وتقول ما أعرفهم! لا يكون بعد ما تعرفني
بإبتسامة مرتبكة : لا أكيد الله يسلمك . . أنا أقصد ناسي مين استقبلني في التوظيف؟
سلطان : وش سألوك في المقابلة الشخصية للوظيفة ؟
: آآ . . سألوني عن . . تخصصي و . .
سلطان بحدَة : وش سألوك بعيد عن التخصص؟
: عن توقعي لطبيعة العمل هنا و . .
سلطان يُقاطعه بغضب لم يسيطر عليه : ما فيه حمار يسأل واحد متقدم لوظيفة وش تتوقع طبيعة العمل هنا؟ وش رايك بعد يسألك ويقول متوقع أنك بتنبسط ولا بتتضايق؟ . . تستهبل على مخي!!!
: لآ طال عمرك ماعاش من يستهبل عليك . . أنا بس توترت من سؤالك ومو قادر أتذكر التفاصيل
سلطان يقترب بخُطاه أكثر : كيف مو قادر تتذكر التفاصيل! رحت أيَ دور؟
: الأول
سلطان بإبتسامة يكاد أن يحترق من خلفها : الدور الأول مافيه غير الحجز وبعض الأرشيفات!!!
: إلا
سلطان : يعني تعرف أكثر مني! دلَني وين أيَ مكتب؟
شتت نظراته المرتبكة : أنا بس ما تعوَدت أتكلم معاك وما أشوفك الا بالجرايد و .. يعني عشان كذا شوي متوتر أكيد مو قصدي أخدعك بمعلومة
سلطان : سمَعني وش السي في حقك؟
: تخصصي محاسبة
سلطان : محاسبة!! فيه أحد متوسَط لك هنا!! . . .
بعصبية يُكمل : يعني لازم أوقف عند راس كل واحد وأقيَم شغله مافيه إدارة صاحية تمسك مهامها صح!
أحمد : الحين أرسلك ملف تعيينه
سلطان : ناد ليْ مسؤول التوظيف! بشوف وش هالوظايف اللي نزلت بدون علمي!!!
أحمد : أبشر . . إتجه للطابق العلوي مُرتبكًا من غضب سلطان الذي يجتمع مع تعبه ومرضه، سلطان بنظرةٍ تفحصية : وش قاعد تشتغل عليه الحين؟
: و .. ولا شي اليوم ماعطوني أشياء أراجعها وابحث فيها
سلطان : تبحث وتراجع فيها؟ قلت أنك محاسبة وداخل على أساس أنك إداري! والحين تقول أبحث وأراجع!!! وش وظيفتك بالضبط؟ يمكن أنا غبي وماأفهم بعد كل هالسنين
: محشوم! أنا أقصد اليوم شغلنا خفيف ما كان فيه شي
سلطان : عطوك ملفات تبحث فيها وتدقق؟
: آ . . لـ . . أقصد إيه
سلطان : ملفات أيش؟
: إستجوابات سابـ
سلطان بغضب : هذي الملفات ما يمسكها أيَ أحد! بعطيك دقيقة وحدة إذا ما تكلمت بدون لف ودوران ساعتها بورَيك نجوم الليل في عز الظهر!!!
خرجت عروق وجهه الضيَقة بالإرتباك : أتكلم عن أيش؟
سلطان : وظيفتك كإداري هنا يعني بتمسك ملفات الموظفين وتتابع إجازاتهم و معاشاتهم و كل ما يتعلق فيهم! لأنك أنت هنا بمكتب شؤون الموظفين يا ذكي!!
تجمدَت ملامحه دُون أن تفلت منه كلمة واضحة.
سلطان : ما تشوف اللوحة اللي قدامك!!
بسخرية يُكمل : هنا يجون طال عُمرك و يقدَمون على إجازاتهم وأعذارهم الطبية و يقدمون للدورات السنوية والشهرية . . 4 شهور ما علَمتك هالأشياء؟ . .
دخل أحمد ويرافقه المسؤول عن التوظيف المبدئي قبل المقابلة الشخصية، إلتفت سلطان : ألأخ الكريم هذا مين موظفه؟ مرَ عليك ملفه ؟
المسؤول : إيه الله يسلمك وظفناه يوم ترقوا الدفعة السابقة
سلطان إلتفت على الموظف الآخر : هذا اللي وظفك؟ مرَيت من عنده
توتَر من ضيق تنفسه الذي لا تسعه حنجرته، سلطان : واضح من نظراتك أنه هذي أول مرة تشوفه
المسؤول : اللي مرَوا عليَ كثير حتى أنا شخصيًا ما اتذكره لكن اللي قبل 4 شهور مرَوا عليَ قبل المقابلة الشخصية
سلطان : عبدالرحمن شافهم؟
المسؤول : أتوقع . .
سلطان بحدة : ماأبيك تتوقع! أبي عبدالرحمن وش قال؟
المسؤول : ما شافهم
سلطان ينظرُ للطاولة وعليها هاتفه : عطني جوالك
: عفوًا!!
سلطان : قلت عطني جوالك!!!
مدَ له هاتفه بربكة تُشتت نظراته.
اتصل على آخر رقم وهو يضعه على السماعة الخارجية " سبيكر " : هلا فهد . .
سلطان ينظرُ لبطاقته التي يعلقها بإسم " وليد " أغلقه ليرمي الهاتف على وجهه : يا سلام على الحمير اللي عندي!!!
لم يتردد سلطان ولا للحظة بأن يلكمه أمام الجميع على عينِه، بغضبٍ كبير : حسابك أقسم لك بالله بيكون عسير! . . وخلَ زياد ينفعك يوم توَسط لك هنا!!
إلتفت لأحمد :أفتح لي تحقيق بطريقة توظيفه! . . بتهديدِ عيناه للمسؤول الذي أمامه . . لو عرفت بأنه لك علاقة ولا أحد ثاني هنا له علاقة أقسم بالله ماراح أرحمكم!!! . . وأحجز هالكلب . . حتى الكلب أشرف من هالأشكال . .
أقترب من فهد مرةً أخرى ليُردف : أضيف للسي في حقك يا محاسب تهم تزوير وتلاعب و .. والباقي تعرفه إن شاء الله لا أحكموا عليك . .
خرج وهو يفتح ياقة ثوبه بعد ان اختنق بغضبه، دخل مكتبه بشعورٍ فظيع، كل مصيبة يتداركها تجعله يقف بحيرة مما يُخفى عليه، جلس ليطوَق رأسه بكفيَه : يارب رحمتك
رفع عينه لهاتفه الذي يهتَز، أجاب : هلا بوسعود
عبدالرحمن : صار لي ساعة أدق عليك!!
سلطان : ما كنت بالمكتب! . . أكتشفت مصيبة جديدة
عبدالرحمن : واضح أنه اليوم يوم مصايب!!
سلطان : ليه وش صار؟
عبدالرحمن : قولي مصيبتك أوَل بعدين بتفاهم معك على اللي صاير هنا
سلطان : وأنا داخل اليوم شفت واحد بمكتب شؤون الموظفين . . وشكله غريب أول مرة أشوفه! المهم كلمته وبدآ يرتبك ويلف ويدور! . . بالنهاية طلع حيوان زيَه زي غيره . . وشكله هو اللي يوصَل الأخبار بعد زياد
عبدالرحمن تنهَد براحة : الحمدلله على الأقل قطعنا جذورهم من عندنا
سلطان : إيه هذا أهم شي . . لله الفضل والمنَة
عبدالرحمن : جتني رسالة مدري مين حاطَها! وبقولك بس أبيك تشيل فكرة سلطان العيد من بالك
سلطان بسخرية : قول أصلاً مخي متشنَج من سالفة سلطان الله يرحمه
عبدالرحمن : مكتوب أنه رائد ما راح يجي وأنه مقابلتنا مع سليمان راح تكشفنا بطريقة خاطئة وبتخلينا نفقد سيطرتنا على الموضوع !!
سلطان : مين هذا ؟
عبدالرحمن : أنا نفسي ماني عارف! مكتوب بخط اليد
سلطان : تعرف خط سلطان العيد؟
عبدالرحمن تنهد : أستغفر الله!! سلطان وش قلنا ؟ الرجَال ميت والله يرحمه لا تشوَش أفكارنا بشي مستحيل
سلطان : طيب ليه مانقول هذي لعبة منهم عشان يبعدونا!
عبدالرحمن : أنا فكرت بهالطريقة بس رائد إلى الآن ما وصل
سلطان : صار له شي؟
عبدالرحمن : ماأتوقع! لو صار له كان وصلنا خبر . .
سلطان : وين عبدالعزيز ؟
عبدالرحمن بغضبٍ ساخر : ما بشَرتك؟
سلطان تنهد : وش بعد؟
عبدالرحمن : عبدالعزيز عرف عن غادة والحين ما أدري وين مكانه
سلطان تجمدَت ملامحه/نظراته ليُردف : شلون عرف؟
عبدالرحمن : وصلت له صورها مع ناصر!! وأكيد الحين مقوَم الدنيا والله يستر وش قاعد يخطط له
سلطان : كل شي انقلب على راسنا بوقت واحد!
عبدالرحمن : سلطان . . وش رايك تجي باريس؟ خلنا ننهي الموضوع بسرعة ماعاد يتحمَل خسارات فوق كل هذا!
سلطان : وهنا؟
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك