رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -169
أحمد : دقيقتين بالكثير وهم هنا . . بس عشان نلحق . . . . .أتى مسفر المسؤول الآخر عن هذه الساحة : مافيه حل غير نحرق الحبل عشان يرتخي ونفكّه!
عبدالرحمن : جيب كبريت !
أحمد وقف أمام جسدِ سلطان حتى لا تتسلل النار إليْه.
عبدالرحمن وضع ذراعه بجانب رأسه أيضًا حتى لا تُقارب النار إليْه، أقترب مسفر ليُشعل النار بمنتصف الحبل وسُرعان ما أطفأها، أخرج السكين الحادة من جيبـه ليُقطِّع بها الحبل الليّن بعد الحرق، بمُجرد ما قطّع آخر أوتار الحبل حتى سقط على الأرض، جلس عبدالرحمن على ركبتيْه ليرفع رأسه من الأرض الحارقة : نبضه ينخفض!!!
أحمد أنحنى الآخر ليُجري أول ما تعلمه في حياته، شبك كفيّه ببعضهما البعض ليضعها فوق قلبِ سلطان، بقوّة ضغطه حاول أن يُعيد نبضه لإتزانه، حاول مرةً ومرتين وثلاثـة ولا يحصل شيء سوى الدماء التي تخرج من فمِه.
عبدالرحمن يشعرُ بأن قلبـه يُقارب على التوقف من منظر سلطان، لا يتحمل فاجعة جديدة! أؤمن والله أن المصائب لا تأتِ فُرادى، يارب يارب يارب أحفظه.
أحمد برهبـة : نبضه متوقف!!!
عبدالرحمن أشتعلت عيناه بالحُمرة : لا . . أبعد . . وضع رأسه على صدرِه ولا شيء يسمعه! وهذه " اللاشيء " تعني موتٌ لا يصطبر عليـْه.
عبدالرحمن بنبرة متحشرجة : وين الإسعاف؟ . . ويننننهم
أحمد بتوتر وقف وهو يشعرُ بأن العالم يدُور به، خسارة سلطان تعني خسارة دولة بأكملها، من بعد سلطان العيد و عبدالله القايد و مقرن و الآن ؟ هذا ما لا طاقة لنا به.
موتُه مخطط! هذه الحبال المتشابكة ليست صدفة! وربُّ البيت ليست صدفـة، إنما مفتعلة من أحدهم.
دقائِق عميقة حتى دخل رجال الإسعاف، وقف عبدالرحمن ملطخًا بدماءه يحاول أن يصدق عكس ما تُشير إليه صورتـه، وضعُوا جسده الذابل على سرير الإسعاف المتحرك وخرجُوا به دون أن يقولوا شيئًا يُطمئننا، إتجه نحو المغاسل ليُغسل يديْه و وجهه، توضأ بثواني ممتدة بتفكيرٍ غائب تمامًا. أحاول أن لا أفكر بأسوأ الأشياء ولكن تأتِ بغتة.
خرج متجهًا للغرفة المنزويـة، نزع حذاءه، شعَر بأن قوَّاه تنهار فعليًا ليسجد قبل كل شيء، إلتصق جبينـه على سجادة الصلاة بملامحٍ صبرت عُمرًا وفي أرذل هذا العُمر فقد قوَّاه و صبره، لا يحتمل الموت الذي يحمل نعش الذكريـات على الدوام! لا يحتمل أن تنتهِي حياة أحدٌ بصورة مؤذيـة.
سالت دمعته التي تصطدم بالسجادة، يارب الناس والحياة، يارب الموت والنهايات، يارب الأمن والأمان ، يارب قلبـه لا تُرينا به مكروهًا، أعِد له نبضـه وحياته ولا تُحمّلنا فوق طاقتنا بفُقده، يارب أنت تعلم بحاجتنا إليه بعدك، يارب أنت تعلم بوجَع عائلته فلا تتركنا نبكيه، يارب أرزقنا النفس المؤمنـة بقضاءك وقدرك. يارب إنه لا يعجز عنك شيئًا ولا يخيب من سألك.
،
دخل مشمئز من الملامح التي يراها، يشتدُ بغضه لهذه الأعين التي تلاحق ظلاله، فتح الباب لينظر لوالده : السلام عليكم
رائد بهدُوء دُون أن يرفع عينه : وعليكم السلام
فارس تقدّم نحوه لينحني ويقبِّل رأسه : وش صاير ؟
رائد يرفع رأسه ليسند ظهره على الكُرسي : أنت اللي قولي وش صاير ؟
فارس : مافهمت!!
رائد يلوي فمِه يمنةً : فارس لا تستفز أعصابي
فارس : والله مو فاهم
رائد وقف بغضب : وش مخبي عني؟
فارس : ولا شـ
لم يُكمل من والده الذي دفعه بإتجاه الجدار، أحاط رقبته بكفيّه الحادتيْن، بغضبٍ يضغطُ على أسنانه : وش مخبي عني؟
فارس يختنق بقبضة يدِه، تركه لينحني بسُعاله الضيّق، رفع عيناه بهيجان مالح : قلت لك ما أعرف شي!!!
رائد : طيب!! . . وين عبير؟ تركتها وين؟
فارس : كلامك معي مو معها
رائد بصراخ : فاااااااارس!! . . لو تموت قدامي ما كملت معها!
فارس : ماراح أموت قدامك! وبكمل معها
رائد يصفعه بقوّة ليشدّه من ياقته : لا تعاندني!
فارس نزفت شفتِه بالدماء الثائرة : سمّ وأبشر بكل شيء عدا عبير
رائد يدفعه ليضرب رأسه بالجدار، تجاهل فارس كل ألامه ليُردف : هذا اللي طلبتني عشانه؟
رائد :قلوبهم كلهم بتحترق بما فيهم عبير!!
فارس تنهّد وهو يمسح دماءه بطرفِ كُمه : واضح يا يبه أنك بديت تنسى كثير! عبير هي أنا لو ضريتها بتضرني! عاد إذا يطاوعك قلبك تضّر ولدك فهذا شي ثاني
رائد : أتركها زي الكلاب! وأبشر بكل اللي تبيه
فارس : لا
رائد بعصبية هائلة : أتركها يا فارس لا تخليني أوجع قلبك فيها!!!
فارس : مستحييل
رائد : إذا تركتها وعد ما يجيها شي
فارس ثارت أعصابه ليُردف : تحاول تجبرني أني أتركها!!
رائد : أقسم لك بالله لو تركتها ما أخلي ظل يسيء لها
فارس : يبه لا تسوي فيني كذا!!
رائد : أتركها! . . أتركها وأوعدك ما راح يضرّها شي! لو تحبها صدق أتركها
فارس مسح على وجهه وعينيْه تشتدُ بحمرتها : اللي تسويه في ولدك حرام! خله يعيش ولو مرّة
رائد بخفوت : سليمان راح يذبحك معها! أنا قاعد أحميك
فارس بضعفِ الحُب الذي دائِمًا ما يستمد قوته منه : بس احبها! مقدر . . روحي معها
رائد بحنيَّةٍ لا يُبددها الزمن، يقترب منه ليمسح دماءه بكفِّه : أنا احاول ألقى منفذ عشان أورّط سليمان مع آسلي . . لكن ماراح أضمن أنه ماراح يجيك شي! . . فارس أحلف لك بالله أنه هالمرّة مالي مصلحة في هالموضوع! أبيك تتركها عشانك
فارس : مقدر
رائد : إلا بتقدر! . . بكرا تنسى عبير وطوايف عبير!
فارس : مقدر لا تطلب مني شي فوق طاقتي!!
رائد : فااارس! لا تجبرني أستخدم القوة معك!!!! مثل ما صار هالزواج بتدبيري ينتهي بتدبيري بعد! ولا تتوقع أنه عبدالرحمن بيجي يوم يرضى فيه عنك!! . . لا أنت تناسبها ولا هي تناسبك! أتركها من الحين قبل لا تدخل في معمعة ما تنتهي على خير!
فارس عقد حاجبيْه : نسيت أمي؟ قلت ما تناسبك؟ تزوجتها وأنتهى زواجكم فيني! ليه تحرمني من شي أنت مقدرت تحرم نفسك منه؟
رائد بغضب : أنا غير وأنت غير!!! فارس للمرة الالف أقولك أتركها
فارس وضع يدِه على رأسه بمحاولة جادة أن لا تنهار خُطاه المبعثرة : مستعد أسوي لك أيّ شي بس أترك عبير ليْ . .
رائد : ما ينفع! وجودك معها خطر لك ولها! . .
لم أترجى في حياتي شيئًا كرجائي من أجل عبير : أكيد فيه حل! . .
رائد للحظة الأولى أدرك عُمق الحب في عين إبنه، صمت لثواني من عينيْه التي تتوهَّج بحُمرة العشق : يا يبه أسمع كلامي! أصلا طريقة زواجكم مبنية على فشل!!! لا عبدالرحمن راضي ولا أنا! مستحيل أحد يتنازل منّا! . . مهما حاولت تطوّل بالوقت بينك وبين عبير بالنهاية لا أنت لها ولا هي لك
فارس بجمُودِ ملامحه الغير مُصدقة لكل هذه الإتهامات : عبير ليْ . . سواءً رضيتوا أو لا
رائد : فاارس! فاارس أفهم أنها ماهي لك! . . أتركها!! تتألم من غيابها أحسن من أنك تتألم من موتها
فارس : الأعمار بيد الله
رائد بعصبية : لكن نآخذ بالأسباب! أنا أعرف شغلي زين وأعرف كيف تنتهي فيه الأمور!!! كنت عارف أنك تشتغل من وراي! ورطت نفسك وورطتني معك!!! كان مفروض كل معلومة تعرفها تقولها لي بس شوف نهاية سكوتك وهدوئك! . . فارس بتطلقها وبتتركها أحسن لك وأحسن لها
تأتِ الكلمات بصورة قاتلة، بصورة مُفجعة اكثرُ من كونها كلمات، تأتِ بشكلٍ إنتحاري فوق كل إحتمالاتنا بالحياة.
فارس : وأنا يبه؟ ما عشت بعُمري يوم حلو! طلبتك إلا هيْ
رائد صمت طويلاً حتى سحبه له وعانقه بإندفاع الحنان في صدرِه، ذبل جسده بعناق والده الحزين : عشانك وعشانها.
فارس بضيق يخنق صوتـه : كم مرّة يا يبه أموت في هالحياة؟ كم مرّة أتعذب؟ . . خلني بس مرّة أعيش!
رائد بخفُوت قريبًا من أذنه : فيه أشياء تستصعبها بالبدايـة وما تتقبلها لكن بعدين تقتنع فيها!
فارس بحسرة : عبير ماينطبق عليها هالكلام! . . يبه عبير اللي شفت فيها نفسي وحياتي! كيف تقوى تقولي أترك حياتِك! مقدر! . . . تكفى يبه!
رائد يضيق صوتـه : ماعاد ينفع هالكلام
فارس يبتعد عن حضنـه الفسيح : كيف أتركها ؟ والله أموت
رائد : بسم الله عليك! . . فارس ما أخبرك ضعيف!! أنت قادر توقف على حيلك بدونها
فارس : كنت صادق يوم قلت لك نحن قوم إذا أحبوا ماتوا . .
رائد نظر إليه بنظراتٍ لا منتهيـة من التيّه : كنت صادق!
فارس يُشير لقلبه : هنا الوجع مين يداويه؟
رائد : أتركه للأيام
فارس أشاح بنظره ليُردف : الأيام داوتك بعد أمي؟
رائد : إيه
فارس : تكذب يا يبه! . . تكذب وأنت لهفتك بعيونك كل ما أتصلت
رائد بحدة : فارس!!!
فارس بضيق يجلس على حافة النافذة ونظراته ممتلئة بالرجاء : مقدر يا يبه! والله مقدر . . تعرف وش يعني أتركها؟
رائد بهدُوء : حبيت الشخص الغلط! وهذا الحل بالنهاية
فارس : أوقف مع ولدك ولو مرّة! أنصفني
رائد : وأنا ما عُمري وقفت معك؟ أسألك بالله يا فارس تصدق؟ أنا لو اعرف أنه مصلحتك معها كان خليتها معك لكن أنا عارف أنه مصلحتك صفر معها!
فارس تنهّـد : طيب
رائد : بتطلقها؟ بتنهي هالموضوع بكرا ؟
نظر للسقف بعينيْه التي تحمرُّ حبًا/عشقًا : إن شاء الله
رائد عقد حاجبيْه لينحني بظهره ويُقبل رأس إبنه الذي لا يعتلي مكانته أحد بقلبه/بحياته، أحاط يدِه برأسه : بنتظرك بكرا! لا تتأخر
فارس أبتعد ليخرج، نزل للأسفل بالسلالم المتأملة لخُطاه التائهة.
ركب سيارته خارجًا من الحيّ الأسوأ على الإطلاق، أبتعد عن المنطقة متجهًا نحو الفندق، تعبره الدقائق والمطر يهطل بغزارة! لا شيء أخفُ من المطر ولا شيء أثقل من وجَع الماء.
وصل للفندق ليضع رأسه على مقوّد السيارة.
يالله! لا أعرف لمن ألجأ، أخطأت دروبي ولكن لم يأتِ دربها خاطئًا، كانت أكثر الأشياء صدقًا في حياتي! يارب أنت تعلم أنني أحببتها بشراهـةِ، بكثافة. أنت تعلم كم كلفني حُبها. ولكنني أغرق في أرضٍ تيه، ماذا أطلبُ من قدرِي بعدها؟ يارب هي آخر الأحلام وختام الحياة، لا نجمة بعدها أهتدِي بها في صحراء الدنيـا الواسـعة، لا نجمة بعدها تطلُّ من السماء. كموَّالٍ عراقي يضلُ يبكينـا لسنين طويلة ، كلَيلةٍ بغداديـة مخضبـة بالدماء، كنحنُ يا عبير. استسلم رُغمًا عني! أنا الذي وعدتُ نفسي أن لا يجيء شيئًا يُباعد بيننا، ولكن رمشُ الوَعد تكسَّر! لا شيء يهزّ الرجل سوى الحُب، لا شيء يعبثُ به أكثرُ من المرأة، أترانِي أبكيكِ حُبًا ام بُعدًا ؟ حد الفضَاء موجوع. عن الصبَـابة،الشغف و الود، عنهم جميعًا أنا البكاء الواقفُ في حنجرة القصائد، وأنا الشطر المكسُور في أغنيـة يتيمة لم ينعشها وزن ولا قافيـة، لم أكن طاهرًا بما يكفي حتى أليقُ بِك ولكنني كنتُ عاشقًا بما يكفي حتى أهتدِي إليك.
تلألأت في محاجره دموع شرقيـة، تُكابر بعزَّةِ سمرَاء ولا تسقط، فقط تُضيء عينيْه كمصابيح الحوانيت في القُرى الفقيرة.
مثل قلبي الذي توسَّل الغنى من عينيْك ولم يفلح.
مسح وجهه بكفيّه الدافئتيْن، نزل متجهًا للداخل بشتاتٍ فعلي، ضغط على المصعد الكهربائي.
من المؤسف أن أشعر بضيق قلبي في لحظة توقعت أن كل الأمور تُبسط يدها أمامي، من المؤسف أن تغيبين عنِّي.
دخل ليضغط على الطابق الثالث، وضع يدِه على رأسه بمحاولة تخفيف هذا الصداع الذي ينهشُ خلايا عقله الثائرة بوجه الحياة، . . بوجه الفراق.
أخرج مفتاحه ليفتح الباب بخفُوت، دخل ليبحث بعينيْه عنها، تقدَّم بخُطاه لينظر للسرير الذي تستلقي عليها ومن خلفها شعرٌ مبلل بالماء، وقف دُون أن يهمس بكلمة ودُون أيضًا أن تشعر به.
تُعطي الباب ظهرها وهي تتوسَّد يدها ويدها الأخرى تُحركها بخُطى موسيقية على الفراش، بصوتٍ ناعم مبحوح يكاد لا يُسمع : كيفَ أقُصُّ جذورَ هواكَ من الأعماق، علِّمني! كيف تموتُ الدمعةُ في الأحداق علِّمني! كيفَ يموتُ القلبُ وتنتحرُ الأشواق .. . صمتت لتغرق عينيْها بالنافذة، ضمَّت يديْها ناحية صدرها حتى تُخفف رجفة البرد التي تُصيبها.
سحبت وسادة أخرى لتضعها تحت رأسها مما جعلها تلتفت للخلف، شهقت برُعب من وقوفه.
عبير تسارعت أنفاسها بإضطراب كبير، جلست لتُبعد شعرها للجهة الأخرى دُون أن تُجففه من الماء الذي يمتصّـه.
نظر للطعام الذي لم يُلمس ليُردف : ليه ما أكلتي؟
عبير : مو مشتهية
فارس : طيب تعالي .. بكلمك بموضوع
عبير بخُطى خافتة وقفت لتجلس أمامه : وشو ؟
فارس ضاعت عينيْه بعينيْها، أربكها بنظراته حتى شتتها بعيدًا عنه : بس يجي أبوك باريس! راح ترجعين معاه
عبير إبتسمت بسعادة لا تستطيع أن تُخبئها : متى راح يجي ؟
فارس يختنق بإبتسامتها الفسيحة : بالضبط ما أدري! ممكن هاليومين
عبير : اتصل عليك ولا كيف ؟
فارس : لا . . بس أنا فكرت وشفت أنه طريقة الزواج غلط وبالنهاية لازم تتصلح!
عبير توترت لتتلاشى إبتسامتها الناعمة : أكيد لازم تتصلح!!! لأن مافيه زواج بالغصب
فارس : ممكن أسألك سؤال واعتبريه آخر ما بيني وبينك
عبير بربكة وضعت يدها على نحرها : تفضَّل
فارس : مين اللي كنتي تقصدينه بكتاباتك؟
عبير بلعت ريقها لتُردف : محد
فارس : فيني فضول أعرف مين كنتي تحبين في مراهقتك؟
عبير أحمرَّت ملامحها البيضاء لتقف : ما يخصّك!
فارس ظهرت غيرته في عينيْه التي تحرقها بنظراته : لهدرجة الجواب صعب؟
عبير بغضب : مالك علاقة فيني ولا بمين حبيت ولا كرهت!!
فارس يقف ليروِّض غضبها بوقوفه المُهيب لقلبها : خليك لطيفة شوي على الآقل في هالأيام الأخيرة
عبير عقدت حاجبيْها وبنبرةٍ مُتذبذبة : وش تبغى توصله؟
فارس يُدخل يداه في جيوبِ بنطاله : ولا شي! وش بيكون مثلاً؟
عبير تنهدَّت بنظراتٍ غاضبة : طيب . . حاولت أن تتجاوزه لتتجه نحو الأريكة الأخرى ولكن وقف أمامها ومن خلفها الطاولة الزجاجيـة
رفعت عينها بتنهيدة : أستغفر الله
فارس إبتسم : بمُقابل أني راح أسلمك لأبوك لازم نتفق على شروط معينة
عبير فهمت مقصده من خُبث إبتسامته : إبعد عن وجهي
فارس : أول نتفق! كلها يومين مو لهدرجة ماتقدرين تتحملين عشان أبوك!
عبير : وش تبي ؟
فارس إقترب خطوة لتتراجع عبير خطوتين وترتطم أقدامها طرف الطاولة، إلتوى ساقها حتى سقطت على ظهرها، تناثر الزجاج حولها من سقوطٍ لم تتوقعه في وسطِ طاولة زجاجيـة خفيفة.
فارس بخُطى سريعة إنحنى عليها : لا تتحركين . . . جلس بجانبها ليُبعد الزجاج الذي التصق ببلوزتها.
عبير بغضبٍ أحمرّت به عيناها المنتشية بالدمع :كله منك! . . . لا تلمسني . . أبعد . .
فارس بعصبية وضع يدِه على فمها ليُسكتها وهو يُبعد بيدِه الأخرى قطع الزجاج المتناثرة حولها ليُردف : أنا لو أبي أضرّك كان ضرّيتك من أول يوم! فما له داعي تخافين مني في كل حركة أتحركها!!
عبير بغضب رفعت رأسها ومازالت يدِه تكتم فمها، عضَّته بشدّة حتى أبعدها. فارس نظر إليها بدهشـة : عنيفة!!!! . .
عبير : ولا تحاول تقرّب لي بخطوة
فارس تنهَّد وهو يُشير إليها بالسبابة : لا تنسين أنك لوحدك! حطي هالشي في بالك قبل لا تخسريني بعد
عبير أشاحت أنظارها بعيدًا وهي تُمدد بأكمام بلوزتها حتى تُغطي كفيّها، شعرت بدوارٍ إثر هذا السقوط، فارس : ما سمعتي الشروط ؟
عبير تنهدت : وش ؟
فارس : كوني زوجتي ليوم واحد.
نظرت إليه بدهشـة ومحاجرها المحمّرة تتسع، خفتت أنفاسها المضطربـة، لم يبقى هواءً تسحبه لصدرها، هُم هُم لا يتغيرون! مثل التفكير ومثل التصرفات! مثل الدناءة!
فارس : لا يروح فِكرك بعيد!!! أقصد تصرفي كزوجة بدل هالحدّة بنظراتك
عبير أخذت نفس عميق وكأنها استردت الحياة للتو، أغمضت عينيْها لثواني طويلة حتى فتحتها، يسحبني بلحظاتٍ سريعة نحوه، يُوقعني بتفكيره بعُمق شخصيته، يتصرف بطريقةٍ تُثير حواسِّي التي تتشبثُ به كمحاولة أخيرة للخلاص : تبيني أمثّل أني مرتاحة معك!
فارس : لا تمثلين! تصرفي بعفوية! عيونك تقول أشياء ولسانك يقول أشياء ثانية
عبير بغضب : بطّل تحلل شخصيتي! . . وقفت وتحتها كومة زجاج، ليرفع فارس عينه وبتلذذ بتحليلها : تحاولين تحسسيني أنه مالي وجود في عالمك وأنك معصبة علي! وأنك متضايقة من وجودك هنا! لكن كل هالأشياء خرافات من عقلك والمشكلة أنك مكذبتها لكن تتصرفين وكأنك مصدقتها
عبير تجمدَّت أقدامها من قراءته لها كأنها صفحـة واضحة لا تُخفي شيئًا، أخذت نفس عميق لتُردف دون ان تلتفت إليه : والمشكلة انك تصدق خرافاتك!
فارس وقف ليضع قدمه بين قدميها، أمال قدمه حولها حتى تلوي كاحلها ويُرغمها على التمسك به، وضعت يدَها على ذراعه حتى تقف بإتزان، بغضب من ألاعيـبه : فارس!!!!
فارس بضحكة يُخفف بها لوعة الوداع : يا عيونه
عبير شعرت بأن دماءها تفُور وتغلي، نظرت لعينيْه وهي تشتدُ حمرَّةً من النار ذاتها : لو سمحت!
فارس : وش أتفقنا؟ تصرفي كزوجة عشان أتركك بأقرب فرصة
عبير بحدّة : والزوج يلوي رجل زوجته ؟
فارس بإبتسامة هز رأسه بالنفي ليُردف : بس ممكن يسويها في حالات مجهولة الأسباب!
عبير رُغمًا عنها إبتسمت في وقت جاهدت فيه أن تبقى بغضبها، ضحك فارس بخفُوت على شفتيْها التي تحاول أن تحبس إبتسامتها : بما أنك راح تتصرفين بعقل كزوجة راح نطلع الليلة لمكان قريب . . وأعتبريها الليلة الأولى والأخيرة
عبير : وين ؟
فارس : خليها مفآجآة
عبير : أخاف من مفاجآت الناس الغريبة
فارس بإبتسامة : أنا آسف على محاولاتك السيئة بأنك تجرحيني!
عبير شعرت بأنها تذوب فعليًا، وقلبها يضطرب بنبضاته : ما قصدت أجرحك!
فارس : مسألة أنك تقولين أني غريب و إلى آخره من كلماتك صدقيني ما تحرّك فيني شي! أنا يكفيني عيونك وش تقول!
،
وصلَت بعد ساعاتٍ طويلة ناعسـة لبيتها الذي لم تفقتده كثيرًا، كل الذكريات السيئة تتفرعُ منه بصورة مؤذيـة لقلبها، أخذت نفس عميق لتنزل من السيارة ومن خلفها والدها.
: لا تخبين عن أمك شي!
الجوهرة : إن شاء الله . . وقفت الجوهرة لتترك والدهًا يدخل أولا إمتثالاً للحديث الذي تحفظه منذُ نعومة أناملها " لاتسمه باسمه ولاتمش امامه ولاتجلس قبله ".
عبدالمحسن بصوتٍ عالٍ : السلام عليكم . . دخل إلى الصالة لترفع عينها : وعليكم السـ . . نظرت للجوهرة بلهفة . . وعليكم السلام والرحمة . . وش هالمفآجآة الحلوة
الجوهرة بإبتسامة أنحنت عليها لتُقبِّل رأسها ويدها، جلست بجانبها : بشريني عنك؟
والدتها : بخير الحمدلله . . انتِ شلونك؟ وش مسوية؟
الجوهرة : تمام دام شفتك . . رفعت عينها لريـان الذي نزل وبجانبه ريم.
وقفت بتوتر وحساسيـة ما بينهما، قبلته بهدُوء : شلونك ؟
ريان بإقتضاب: بخير . . .
عانقت ريم التي بدأت تعتاد على أجواء هذه العائلة بكافة تناقضاتها بين الصخب والهدوء: منوّرة الشرقية
الجوهرة بإبتسامة عميقة : منورة فيكم . . بشريني عنك؟
ريم : بخير الحمدلله . .
ريّان جلس دُون أن ينطق كلمةٍ أخرى، تركنا حزننا للزمن ولم يُداوي هذا الزمن خيباتنا.
الجوهرة توترت من صمت ريـان وجمُودِ ملامحه، جلست لتُردف : وين أفنان ؟
ريم : قبل شوي نامت!
والدتها : زين جيتي! على الأقل تبعدين عن الرياض شوي! خذتك منَّا
الجوهرة إبتسمت : محد يآخذني منكم
ريّان ببرود : واضح
الجوهرة نظرت إليْه لتأخذ نفس تُخفف الربكة التي اصابتها : انشغلت شويْ عن الكل مو بس عنكم!
ريّان : سلطان ماراح يجي ؟
الجوهرة بلعت ريقها : لا . . مشغول
عبدالمحسن : بيأذن العصر الحين . . يالله ريّان أمش معي . .
ريّان رفع عينه لوالده الذي يشي بكلماته لموضوع ما : إن شاء الله . .
ريم لاحظت التوتر بينهما لتُردف : ليه ما جيتي العرس؟
الجوهرة : ما أحضر حفلات! بس أتصلت على هيفا . . اللهم يهنيهم يارب
ريم : آمين . .
والدتها : وشلون عمة سلطان؟
الجوهرة : ماعليها بخير الحمدلله . .
ريم وقفت : بروح أشوف الغداء
أم ريان بإبتسامة : عاد جيّتك يالجوهرة بركة! اليوم أول مرة بنذوق طبخ ريم
ريم بإبتسامة منتشية بالفرح خرجت لتُردف الجوهرة : واضح أنها مرتاحة الحمدلله
أم ريان : إيه الحمدلله . . ما شفتي الأيام اللي فاتت! الله يصلح ريّان بس
الجوهرة بنظراتٍ ممتلئة بالشوق : إيه سولفي لي بعد؟
والدتها : أبد على حطة يدِك ! مافيه شي ينذكر .. أنتِ اللي سولفي لي؟ شلون سلطان؟
الجوهرة : عندي لك بشارة
والدتها بإبتسامة : وشو ؟
الجوهرة بحُمرة ملامحها الناعمة : أنا حامل
تجمدَّت ملامحها لتستوعب حتى عانقتها بشدَّة : يا عين أمك! عساه مبروك
الجوهرة ضحكت بفرحة عميقة : الله يبارك فيك . .
والدتها : من متى ؟
الجوهرة : تو ما صار! بس قلت أقولها لك وجه لوجه!
والدتها بعينيْن تُضيء بالفرح : وأخيرًا بشوفك أم
لا شيء أطهرُ من أن يُصبح لك حفيدًا ينحدرُ من رحم إبنتك، لا شيء أجمل من هذه الفرحة ولا يُضاهيها أيضًا، الحياة الناعمة مهما تنازعت وفاض جدلُها يبقى الطفل محلُ وفاق أبدِي، والجنين الذي يكبرُ فيك يالجوهرة يتخذُ من قلبي مقعدًا.
الجوهرة وإبتسامتها لا تغيب، نظرت لدموع والدتها المحتبسَة لتهيج محاجرها بالملوحة : الحمدلله
والدتها: يا سعادتي والله . . ياربي لك الحمد والشكر
الجوهرة : ما ودِّي أخرب فرحتك عشان كذا بكرا بقولك الخبر السيء
والدتها عقدت حاجبيْها : لآ قولي الحين! عسى مو صاير شي كايد؟
الجوهرة : لا . . بس أنا وسلطان
والدتها بضيق : لآ تجيبين طاري الطلاق!!!
الجوهرة أخفضت رأسها : وش أسوي يمه! علّه خيرة
والدتها : لآ يمه لا توجعين قلبي!! أكيد فيه حل! . . سلطان يدري عن حملك؟
الجوهرة : لآ
والدتها : حرام عليك! كيف تخبين عنه؟ لو تقولين له كل أمورك تنحّل
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك