رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -162
ريم : أفنان واللي يرحم لي والدِيكأفنان تنهدت : طيب خلاص بسوي كل اللي تبينه . .
سمعت صوتُه القريب، ركضت بخطواتٍ سريعة نحو الفراش، لتندَّس وتُغمض عينيْها، فتح الباب ليرفع حاجبه وهو يعلم تمامًا بأنها مستيقظة، أقترب بخطواته وجلس على طرف السرير عند أقدامها : بالله؟
ريم تحاول أن تكتم أنفاسها التي بدأت تُخيط لها ضحكة قد تُنهي كل خططها بحقِ ريَّان، ألتفت عليها : أدري أنك صاحية! . . بالله وش خليتي للبزارين؟
ريم فتحت عينيْها : ممكن تطفي النور لأني أبغى أنام
ريَّان : وش تحاولين تسوين؟ تبين تورطيني مع أهلي وتوقفينهم ضدِّي
ريم بإندهاش: أنا!! طبعًا لا . . واللي يوقف ضد زوجي يوقف ضدي
ريّان بسخرية : إيه واضح
ريم بإبتسامة تستعدل بجلستها : شفتني سويت شي غلط؟ . . بقولك شي ريّان . . أنا من يومي صغيرة أعاني من شي نفسي وياليت تراعيه شوي
ريّان : وشو؟
ستسلب الإتزان من عقل ريَّان بنبرتها الصادقة : ممكن أتوهم أنك قلت لي شي أنا ماقلته . . عشان كذا أنا ماأركز كثير . . ماكنت أدري أنك ماقلت لي عن الغدا لو كنت أدري طبيعي ماراح أتكلم بشي أنت ما قلته
ريّان عقد حاجبيْه : وش هالخرابيط؟ كيف تتوهمين؟ أنتِ بوعيْك ولا . .
ريم تُقاطعه : يعني هي حالة تجيني مرّات وهالمرة صدفت عليك . . على فكرة هو شي طبيعي يعني فيه ناس كثير يعانون منه
ريّان : ريم لا يكون تكذبين
ريم بضيق وهي تُكمل التمثيل ببراعة : أكذب؟ يعني عقب كل هالحكي تحسبني أكذب . . أوكي شكرًا يجي منك أكثر
ريّان : طيب وهالحالة كيف علاجها؟
ريم : مالها علاج! هو شي نفسي إذا كنت سعيدة مايجيني بس إذا كنت *شدّت على كلماتها* تعيسة تجيني كثير وممكن تحطني في مصايب كثير . . يعني تخيّل أتوهم أحد قالي أطلعي برا وأطلع . . استغفر الله استغفر الله إن شاء الله مايصير . . نفثت على نفسها بكلمتها الأخيرة.
ريّان ينظرُ إليها بصدمة : ماني مستوعب!
ريم بلعت ريقها : وش اللي منت مستوعبه! . . أتصل على أخواني إذا تبي وأسألهم بس أنا خفت أقولك في بداية الزواج وتحسبني مجنونة ولا شي
ريّان : طيب نتصل على أخوانك
ريم توترت لترتفع الحمرة لجسدِها : كلم يوسف
ريّان : لا منصور احسن
ريم : مقدر أتصل على منصور يعني يوسف أكيد صاحي الحين!
ريّان : بهالوقت؟
ريم : إيه عادي أخوي أتصل عليه بأيّ وقت بس أنت أكيد مو عادي
ريّان يعض شفتِه السفلية بحدّة : طيب أتصلي عليه قدامي
ريم بدأت أصابعها ترتجف وهي تضغط على إسمه، ثواني قليلة حتى أتى صوتُه الناعس : ألو
ريم : هلا يوسف
فزّ من سريره : ريم! . . فيك شي؟
ريم بربكة : لا لا . . ولا شي بس كنت أبغى أسألك وكذا
يوسف : الله يآخذك قولي آمين
ريم بإبتسامة لريّان : بخير الحمدلله
يوسف : الله يآخذك مرتين إن شاء الله! الواحد حتى وأنتِ منقلعة عنه ما ينام براحة
ريم : كيف أمي وأبوي؟
يوسف بعصبية : وش قاعدة تخربطين؟
ريم : أيوا الحمدلله . . طيب أسمعني يوسف أنا قلت لريّان أنه فيني حالة نفسية تذكر اللي جتني وأنا صغيرة وأحيانا تجيني . . المهم ريان تصوّر أنه مو مصدقني فقلت خلني أتأكد من يوسف بديت أشك حتى في نفسي
يوسف صمت قليلاً حتى أردف : هذا يدخل من باب إيش؟
ريم بضحكة : يدخل من باب وفاق الزوجين
يوسف : هو قدامك؟
ريم : إيه
يوسف : طيب وش تبيني أقول
ريم : إيه . . أقصد يعني صح أنا احيانا أتوهم أشياء ماهي موجودة . . تذكر يوم في المزرعة أحسب أبوي ناداني وطلع ما ناداني وبغيت آ
يقاطعها يوسف : طيب يا كذابة وصلت المعلومة لا تكثرين منها عشان مايطلع شكلك بايخ قدامه . . حطي سبيكر خلني أتكلم
ريم : طيب . . . ضغطت على زر السماعة الخارجية لتلفظ : إيه يوسف عيد اللي قلته
يوسف : جتك ضربة على راسك يوم كان عمرك 7 سنوات أتوقع أو ممكن 8 والله ناسي .. مفروض علمنا ريان عشان يكون على بينة .. المهم هو عندِك؟ *ألفظ كلمته الأخيرة بإستغباء*
ريم : آآآ . . لا يعني أنا بس أبي أقوله لا جاء أنك أتصلت وكلمتني وكذا
يوسف في داخله يشتم ريم بأشد الشتائم ليلفظ : طيب أنا أكلمه أجل
ريم : لآلآ وش تكلمه تبي تفضحني عنده! يقول هذي مجنونة ولا شي
يوسف : طيب وش تبيني أقول! يعني مفتخرة بأنك تتوهمين أشياء مهي موجودة؟ ترى هالشي يفشل ولا عاد تقولينه لريان بكرا يحسبك مجنونة صدق
ريم بنبرة حزن تنظرُ لعينيْه : هو أصلا حسبني مجنونة وخلص! ما صدقني أبد
يوسف : يا حبيبتي والله! ولا يهمك أهم شي لا تنسين أذكارك . . هي تخف شوي هالحالة مع الأذكار وقراية القرآن
ريم : طيب حبيبي كمل نومتك . . . . وضعته على أذنها لتأتِ كلمات يوسف الحادة . . فعلا فعلا أنا مصدوم فيك!
ريم : لا ولا تهتم كل أموري تمام
يوسف : إيه أكذبي أكذبي على ظهري . . حسبي الله كان الزواج خرّبك!
ريم : يوصل سلامك . . تآمر على شي
يوسف : الله يآخذك أنقلعي . . وأغلقه.
ريم : بحفظ الرحمن حبيبي . . وأغلقته لتنظر إليه . . سمعت بإذنك؟
ريّان : طيب ليه مانروح دكتور يمكن . .
ريم : لآلآ وش دكتور! . . خلاص إذا أنت متضايق ماعاد بتكلم بشي الا لما أتأكد سمعته منك أو لا أصلا هالحالة ناسيتها من كثر ماجلست فترة طويلة ماجتني الا يوم تزوجتك . . ياليت تراعي هالشي شوي ريّان
،
يقذف بالهاتف على الجدار لتبتعد عدة خطوات للخلف من أعصابه التي بدأت تفلتُ منه، يُكمل يومه الثاني دُون نوم! تشعرُ بأنه ليس بوعيْه وهو لا ينام ولا يُريح جسدِه، بلعت ريقها لتُردف : آآ .. ناصر
ناصر بعصبية : عبدالعزيز جواله مغلق! . . أكيد صاير شي
غادة : طيب أهدى . . اجلس
ناصر : وين أجلس! هم قاعدين يكذبون من وراي! أنا أعرفهم
غادة عقدت حاجبيْها بضيق على حاله : مين اللي يكذب؟
ناصر بعينيْه المحمّرة من السهر وهالات السواد التي تنتشر حولها : بيقولون اني كذبت عليه . . مفروض أروح الحين الرياض وأكلمه
غادة : كيف تروح؟ أنت لو تطلع يمسكونك
ناصر بحدّة : مين يمسكني؟ . . أنا ماذبحت أحد مفهوم!
غادة برجفةِ شفتيْها : ناصر الله يخليك أجلس . . أعطيك بندول يريّح أعصابك
ناصر يجلس بهدُوء لينظر إليها : غادة
رفعت عينيها نحوه ليلفظ بإبتسامة موجعة : بس كنت بتأكد أنك هنا
تصادم فكيّها برجفةٍ أقشعر منها جسدِها، شعرت بأن هُناك دمعة ستفلتُ من عينيْها : نام وارتاح
ناصر ينظرُ إليها بنظراتٍ حانية : قبل مدة قالي عبدالعزيز أنه شافك بس قلت له أنت تتوهّم . . أنا بعد أتوّهم يمكن عشاني مانمت؟ . . هو كان يتوهم بعد لأنه ما نام . . إحنا أصلاً ما . .
غادة تُلاحظ تقاطع الكلمات في صوتِه المتعب وهي تقترب نحوه : أششش .. أنا هنااا . . جلست على ركبتيْها أمامه . . . نام شويّ .. بس شوي عشان نفسك وصحتك!
ناصر يضع يدِه على شعرها ليُردف بخفُوت : عبدالعزيز ماراح يصدقني! محد بيصدقني . . أنتِ بتصدقيني؟
غادة تجهلُ ماهية حديثه لتُردف : مصدقتك
ناصر : بكل شيء راح أسويه راح تثقين فيني؟
غادة تنزلُ دمعتها الرقيقة : راح أثق فيك
ناصر يشعرُ بأنه يتخدَّر وعينيْه تذبلُ أكثر : راح ترجعين معي! ماراح تسمعين لهم؟ صح؟
غادة والغصات تتجمعُ في حنجرتها : صح
ناصر : تحبيني؟
غادة تُخفض رأسها لتتبلل ملامحها بمطرٍ مالح يُثير البثور و الندبات الضيِّقة، رفعت عينيْها الناعمة وهي تنظرُ للوجَع بعينيْه، إبتسم بضيق : من زمان ما سألتك ؟ لأني كنت أحسك دايم تقولينها لي بتصرفاتك . . بس ودِّي أسمعها منك
غادة ببكاءٍ عميق وصوتُها يبُّح بهذه الكلمة : إيه
ناصر يستلقي وعيناه تنام تدريجيًا، بصوتٍ خافت: قوليها! أبي أسمعها
غادة بمرارة الحزن في صدرها : وأحبك
،
يخرجُ بخُطى هادِئة ليأخذ هاتف نايف، رفع حاجبه : مين أتصل؟
نايف : ما أعرف! .. عبدالعزيز إحنا لازم نطلع من هالمكان بأسرع وقت! . . .
عبدالعزيز تنهَّد : لازم يجي بوسعود عشان يروحون الرياض!
نايف : راح أتصل عليه اليوم وأكلمه بهالموضوع لكن أنت بعد مفروض ما تطلع مكان . .
عبدالعزيز : بجلس لا تشغل بالك . . . نظر للظرف الذي تحت – مسَّاحاتِ السيارة - . . وش هذا ؟ مين حطه هنا؟
نايف : آآ مدري والله . . يقترب ليلفظ عبدالعزيز . . أتركه أنا أشوفه . . . تقدم نحوه ليُقلِّبه بين كفيّه . . . فتحه لتتساقط الأوراق المختلطة بالصور على الأرض المبتلة، أنحنى ليرفعها و أصطدمت طبلةُ إذنه بصوتِ الرصاص . .
.
.
الساعة العاشرة صباحًا – الرياض.
[ يقترب منه أمام الموظفين بأكملهم، لتتجه الأعين صوبِه، أكثرُ شخصين مؤثرين في هذه المؤسسة الأمنية يقفان بمُقابل بعضهما ويبدُو الغضب على ملامحهم ، أقترب حتى لكمه على عينِه بشدَّة لترتفع الشفاهُ المراقبة بصدمة ليس بعدها صدمة، وقف متعب وقدميْه ترتجفان أمام المنظر وهو يهمسُ للذي بجانبه : .. ]
.
أنتهى
.
.
نلتقي إن شاء الله يوم الجمعة ()
إن شاء الله يروق لكم البارت ويكون عند حسن الظن دايم :$()
لاتحرمونِي من صدق دعواتكمْ و جنَّة حضوركمْ.
و لا ننسى أخواننا المسلمين المُستضعفين في كُل مكان أن يرحمهم ربُّ العباد و يرفعُ عنهم ظُلمهم و أن يُبشِرنـا بنصرهُم ، اللهم لا تسلِّط علينا عدوِك وعدونـا و أحفظ بلادِنا وبلاد المُسلمين.
أستغفر الله العظيم وأتُوب إليْه
لا تشغلكم عن الصلاة
*بحفظ الرحمن
رواية : لمحت في شفتيها طيف مقبرتي تروي الحكايات أن الثغر معصية، بقلم : طِيشْ !
الجزء (70)
قبل لا نبدأ البارت أبغى أقولكم، إن شاء الله هالفترة راح نكون على يوم واحد في الأسبوع اللي هو الجمعة لظروفي ولظروف الروايـة اللي بدت توصل للنهاية ومحتاجة وقت أكبر، غير كذا كثير منكم لما ينتهي من البارت راح يحس وكأنه قليل أو كأنه ناقص، هالبارت مقسمته تحديدًا هو الجزء الأول من البارت الجاي، يعني بداية أحداث راح نشوفها كاملة بالبارت الجاي إن شاء الله، ولأن هالأحداث صعبة بمحتاجة بارت طوييل جدًا فشفت أنه لازم التقسيم.
+ يارب يارب يارب يقّر عيننا بنصِر سوريَا وبلاد المسلمين ويحفظ شعوبنَا العربيَة والإسلامية من كل شر، ويحفظ " مالِي " ويحفظ أرضها وأهلها من كل سوء.
المدخل لـ حبيبنا بشارة الخوري :$
جَفْـنُـهُ عَلّـمَ الـغَـزَلْ
وَمِـنَ العِلْـمِ مـا قَتَـلْ
فَحَـرَقْنَـا نُـفُـوسَنَـا
فِي جَحِيـمٍ مِـنَ القُبَـلْ
وَنَشَـدْنَـا، وَلَـمْ نَـزَلْ
حُلُـمَ الحُـبّ وَالشّبَـابْ
حُلُـمَ الـزّهْـرِ وَالنّـدَى
حُلُـمَ اللَّهْـوِ وَالشّـرَابْ
هَاتِهَـا مِنْ يَـدِ الرِّضـى
جُرْعَـةً تَبْعَـثُ الجُنُـونْ
كيفَ يَشْكُـو مِنَ الظّـمَا
مَـنْ لَـهُ هَـذِهِ العُيُـونْ
يـا حَبيبِــي ، أكُلّمَـا
ضَمّنَـا لِلْهَـوَى مَكَـانْ
أشْعَلُـوا النّـارَ حَـوْلَنَـا
فَغَـدَوْنَـا لـهَا دُخَـانْ
قُلْ، لِمَـنْ لامَ فِي الـهوَى
هَكذَا الحُسْـنُ قَـدْ أمَـرْ
إنْ عَشِقْنـا... فعُـذْرُنَـا
أنَّ فِـي وَجْهِنـا نَـظَـرْ
أنحنى ليرفعها و أصطدمت طبلةُ إذنه الرقيقة بصوتِ الرصاص، رفع عينه لينظر لنايف الذي وقف أمامه حتى يحميه من أيّ رصاصة تخطفُ روحه، وضع الصور المختلطة بالاوراق في جيب جاكيته دُون ان يُدقق بها أو يلتفت حتى بنظرةٍ، هي إشارات القدر التي تستطيل بالجدار الفاصل عن الحقيقة/ النهاية، لكننا دائِمًا يالله نفهمُ متأخرًا، ونصِل بقلوبٍ تلهث تتسامى وتتبخَّر كأن شيء لم يكُن، كأن هذا الوجع لا يهم أحد ولا يعني هذا العالم، لِمَ ارواحنا أصبحت بهذا الرخص؟ إني حزين ويجب على هذا العالم أن يتفهم كيف لرجلٍ أن يحزن ويصِل لمرحلة متقدمة من بحَّةٍ تُزعزع أمن قلبه، يجب أن يفهم هذا العالم أن حنجرتي مُصفّرة كالخريف لا تزرع الكلمات ولا ينمُو على ضفافها زهرة واحدة.
نايف : أنت خلك هنا أنا بشوف بالجهة الثانية
عبدالعزيز بتعقيدة حاجبيْه وضع كفيّه بجيبِه : لا طبعا رايح معك
نايف : عبدالعزيز! أرجوك
عبدالعزيز يسيرُ بإتجاه الأشجار المتكاثرة على جنباتِ المكان ليلتفت نحو نايف : خلك هنا عشان محد يقرّب من البيت
نايف يتقدّم إليه بضيق : عبدالعزيز كِذا بتحطني في مشاكل! . . خلك هنا وأنا أشوف الوضع
عبدالعزيز رفع حاجبه الأيسر : وش المشاكل؟ بوسعود لما حطِك هنا قالك عن أهله ولا قالك عن عبدالعزيز؟
نايف بإستغراب : أكيد عنكم كلكم
عبدالعزيز بنبرةٍ خافتة موجعة : منت مسؤول عني يا نايف! مسؤول عن اللي في البيت هذا اللي قاله لك بوسعود ولا أنا غلطان؟
نايف شتت نظراته ملتزمًا الصمت ليُكمل عبدالعزيز وهو يسير نحو الجهة الأمامية : هو أصلاً بقى شي عشان أخسره؟ . . . يسيرُ والغيم يلاحِقه ببداياتٍ دافئـة. رفع عينِه للسماء الداكنة بالبلل.
تموت في حنجرتي الكلمات، تتصاعد لتحجب عن صوتي وضوحه، لا أعرف تماما بمن يجب أن أسخَر حتى أفرغ هذا الغضب، لِمَن أوجه هذا القهر الذي يتجعَّدُ في قلبي، إثنان وثلاثون عامًا يا أمي لم يجيء الضياعُ مختالاً جريئًا هكذا، لمْ أضعف بهذه الصورة قط، لم يتمكّن مني البلل حتى الغرق، كانت حنجرتي ينمو على ضفافها من البلل مدائن يا أمي، ولكن الآن! لاشيء من هذا! أفقدُ صوتي تدريجيًا كما أفقدُ إحساسي بالأشياء من حولي، وهذا ما يُزعجني، أنني لا أشعر بالأيام، بالأحداث التي تصير أمامي، أنا أموت يا – يمـه – كنت أمنِّي النفس من دونكم بأنني قادر ولكن لم أستطع أن أواصل، حاولت ولكن الآن أقف بلا حولٍ ولا قوة، أنا العدد الزائد في هذه الحياة وأنا الذي يعيشُ الموت بتضاداتِه، بالأمس لم أتمكن من النوم ليس لأن الأرق يسيطر عليّ، على العكس تماما أنا من باعدتُ بمسافات كثيرة بيني وبين النعاس، أنا أحارب كل ما تقوم عليه هذه الحياة، حتى النوم تخيلي! تذكرتُ أوصافك عندما بلغت عقدي الثالث، كان أبي بجانبِك يقول في القرآن ذُكِر لفظ السنة للأيام الصعبة والحزينة وذُكر لفظ عام للأيام الطيبة الجميلة، قُلتِ بفمِك الناعم " لا سنوات في أعوامِ ولدي " وكُنت أتخيّل دائِمًا بأنه ليس هُناك سنة ستقطعُ أعوامي الخالدة في عُقدة قلبك، إلى أن جاءت هذه السنة، أتت السنة السيئة التي ظننتها لن تجيء أبدًا، هذه السنة لم أبتسم بها من فرط السعادة ولا للحظة، أبتسمت فيها كثيرًا ولكن لستُ سعيدًا، كنت سيئًا لم أفعل شيئًا حَسنًا، حتى المرأة التي ظننت أن من حقي أن تكون ليْ تزوجتها برُخص، لِمَ أنا بهذه الصورة؟ أوّد أن أشرح لنفسي يا " يمه " كيف لإبنك خلال سنة أن تختل به موازين هذه الدنيـا، أنا فقدتُ في الحياة حياتي، لأنني ببساطة لم أعرف كيف أتعامل مع الصدمات ولم أعرف كيف أتجاوز أعيُنكم النائمة بعُمق الموت، تصوَّري أن اليوم عرفـَة، و غدًا العيد، تصوَّري حجم فُقدِي الذي يجعلني أتلاشى بين هذه الأيام، لم أصوم لأولِ مرة منذُ أعوام طويلة، لم أجلس أمام التلفاز أراقب الحجيج، لم أستقبل رسائل التهنئة من أيّ أحد، لم يكُن الموت عاديًا يمرُ بسلام عليّ! هذا الموت لو تعلمين ماذا يفعل بيْ؟ أنه يُفقدني الشعور بالحياة، هذا الشعور الذي يتفاقمُ في داخلي لا يترك لي فرصَة بأن أُعيد إتزان الأشياء المتناثرة. كل ما أوّد قوله وكل ماأريده أن يصِل أنني والله العظيم أشتقت حتى الوجعُ مات فيّ.
ألتفت كثيرًا وهو يغرقُ بتفكيره، نظر بدقَة لِمَ حوله حتى عاد بخُطى مبعثرة للبيت، تقدّم إليه نايف : شفت شي؟
عبدالعزيز : لا . . مافيه شي!
دخل للغرفـَة الجانبية التي يفصلها عن المنزل ممرٌ ضيِّق، رمى نفسه على السرير الوثير لينظر للسقف بعينيْن ناعِسة تطلبُ النوم، أغمض عينيـه طويلاً وهو يسحبُ الهواء ببطء لداخل صدره الخاوي، الخاوي من كل شيء إلا الحزن، هُناك مسافة شاهقة كانت تنمو بيْ وتحمَّر كضحكة أمي الخجلى، لكن هذه المسافة تلاشت، ذابت كالسكر في الشاي، إني أنسى حلاوة الأشياء كما أنني أنسى تدريجيًا الحياة، لله يالنسيان! لله أطلبك.
فتح عينيْه ليراها بدلاً من السقف الجامد، لم يتفوه بكلمة تقطع هذا السكون، تأملاها بملامحها القاسية مرّات والناعمة مراتٍ كثيرة، لتقاطعاتِ وجهها الخافتة، للشمس التي لم أرى إنعكاسها ببشرة أحدٍ سواها، للمعة عينيْها الداكِنة و لشعرها الذي لو لم يكُن ينتمي إليْها لَمَا أحببته، لكل الأشياء التي تطوف حولها كلؤلؤٍ أبيض، ولكل الأشياء التي أحبّها من أجلِ عينيْها.
رمشت عيناه لينظر للسقف مرةً أخرى دون أثرٍ لرتيل، ألتفت بإتجاه الباب " صرت أتوّهمك وأنتِ واقع." تمتم بخفُوت وهو يمسح على وجهه بكفيّه : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم . .
،
قبل ساعاتٍ قليلة، بجديّة : جلست لين طلعت الشمس وأنا أفكر واستخير الله . . وش ممكن يسوي الرسول صلى الله عليه وسلم بحالتي؟
الجوهرة بربكةِ شفتيْها وقلبها يضطرب : وش ممكن يسوي؟
سلطان : أنتِ وش تتوقعين؟
الجوهرة تضع أصابعها على كفِّه الخشن بإتجاه بطنها لتُبعدها بهدوء دُون أن يعارض، بقيْت للحظات بمثلِ وضعيْتها حتى أستلقت على ظهرها لتنظر للسقف أمام نظراته المثبتة بإتجاهه.
بنبرةٍ متزنة : ممكن يترك لي الخيار . .
سلطان : وش خيارك؟
الجوهرة أرتجفتا شفتيْها لتقع عيناها بعينيْه، حاولت أن تُشتت نظراتها ولكن!
هُناك شيء يشدُّني نحوك، شيء يسحبني إلى النظر بعينيْك، أحاول أن لا ألتفت ولكن تفلتُ مني زمام الأمور، أحاول أن أن أجمِّد كل الأشياء بيننا ولكن لا شيء يستجيب لرغبتي، كل الأشياء تتغلغل فيني وتتحرك بلا توقف، أحاول أن أستقِّل بحياتي عنك ولكن لا قُدرة لي على ذلك، إنك قضائِي والقدر الذي كُتب على الجبين، كيف أنساك؟ كيف أتجاهل وجودك؟ كيف لا أتسامى بعينيْك والشمس ترقد بها؟ كيف لا أتبخَر وأنت تنظرُ إلي بهذه الطريقة يا سلطان؟ هل تنظر إلى نفسك بذاتِ النظرة؟ هل تشعر كيف نظراتُك الحادّة والناعمة بذات الوقت تُشعل قلبي البكر الذي لم يحب قبلك ولن يُحب بعد، يا مشيئتي بهذه الحياة بعد الله، عيناك قاتلة.
إبتسم من نظراتها، بانت أسنانه المصطفّة في إبتسامة ودّت لو تحفظها بصورة، الإبتسامة التي تصنَّف من النوادر السلطانيَة، كل الأشياء يا سلطان أصبحت تنتمي إليْك وتتوزعُ بك.
شتت نظراتها بحُمرة ملامحها ليُردف والإبتسامة لا تتلاشى : عيونك كانت تحكي! . .
الجُوهرة بتوتر يعتلي صدرها بشهيقٍ ويهبطُ ببطء : ما كملت ليْ! وش تسوي؟
سلطان بنظراتٍ تغرق و تغرق و تغرق ولا تنجُو : فيني فضول أعرف وش كنتِ تفكرين فيه
الجُوهرة دُون أن تنظر إليه : ما كنت أفكر بشي محدد . .
سلطان تنهَّد لتتبدد بجُزءٍ من الثانية إبتسامة سرقت قلبها : ما وصلت لنتيجة واضحة!
الجوهرة تستعدل بجلستها لتُقابله بمسافةٍ تتضاءل وكأن الهواء يتخدَّر من المضي بينهما : وصلت! . . صرت أفهمك وأفهم كلامك اللي تخفي وراه أشياء كثيرة!
سلطان يرفعُ ظهره عن السرير ليجلس هو الآخر : وش فهمتي من كلامي؟
الجوهرة : وش لازم مفروض أسمع الحين؟
سلطان : لا تجاوبين على سؤالي بسؤال
الجوهرة : لا تسألني وأنت تعرف الجواب
سلطان : بقولك شي الجوهرة . . لو أنا شاك واحد بالمية بعفتِك ما تركتك كل هالمدة هنا! كان بسهولة راح أرمي عليك الطلاق بدون لا يهزّ رمشي ندم!
الجوهرة بلعت ريقها، تخشى كلماته الواضحة الصريحة، شتت نظراتها ليرتجف قلبها ببعثرةٍ.
سلطان : الرسول صلى الله عليه وسلم في فتح مكة قال لقريش أذهبوا انتم الطلقاء . . ما حاسبهم ولا حاول يعاقبهم . .
رفعت عينيْها المتلألأة بالدمع إليه وهي تفهم ماذا يُريد أن يصِل، ليُكمل : أحيانًا أفكر من هالزاويَة، من زاوية تسامح الرسول عليه الصلاة والسلام . . . لكن في داخلي ماني مقتنع! مو ماني مقتنع بهالمبدأ لكن ماني مقتنع بأني أستعمله معك
الجوهرة تسقطُ دمعة حانيَـة تربتُ على خدها : تستعبدني يا سلطان!
سلطان بضيق يُبعد أنظاره عنها دُون أن ينطق كلمة تنحر الإتهام الموجّه إليْه، لا يعنيه أمرُ قلبي ولن يعنيه أبدًا ما دامت الكلمات التي أرتجي منها إجابة لا تحرِّك به شيئًا والإتهامات المصوَّبة نحوه لا يُبطلها صوتها.
الجُوهرة بدمعٍ مالح : تآخذك العزة بظلمي، أنت ببساطة تلغيني وتمحي كياني! أنا أستحي من نفسي لمَّا أتخيَّل كيف ممكن أقبل إعتذارك! لأنك من الأساس ماراح تعتذر ولا حتى تجبر خاطر قلبي وتعترف! الماضي اللي تشوفه أسوأ شيء ممكن يحصل في حياتي! يهووون كثير لما أشوف نفسي منذلّة بهالصورة! . . على الأقل كنت أحس أنه لي حق القبول والرفض لأيّ إعتذار ممكن يجيني! لكن معك أنا ما مقدر أختار! مقدر أرفض ولا أقدر أقبل . . أنا معك على الهامش.
تتقابل عينيْه بعينيْها المُشتعلتيْن بالبكاء، بنبرة موجعة تُكمل : أسألك بالله ما يوجعك قلبِك؟
سلطان بعُقدة حاجبيْه : أنتِ وش تشوفين؟
الجُوهرة : تبيني أجاوب بس مُجرد جواب يشبع غرورك وبعدها أنت اللي تقرر! . . تبي تهيني وبس! سواءً بقصد أو بدون قصد.
سلطان بخفُوت يقف مبتعدًا بخُطاه نحو الخلف : لعلمك! . . دايم تحبطين أيّ خطوة نتقدم فيها بعلاقتنا سواءً بقصد أو بدون قصد.
الجوهرة بحزن عميق يتحشرج به صوتها : لأنك ما تراعيني! ما تحاول تنتبه لكلامك معي! كافي والله كافي! وش بقى يا سلطان ما قلته؟
سلطان يُدخل كفِّه اليمنى بجيبه ليُردف وهو ينظرُ لسماء الرياض التي تشرق تدريجيًا : أبي أعرف رايك!
الجوهرة : رايي! كأن مالي علاقة بالموضوع! لكن أنت لك الحق بالقرار بس أنا لا! مجرد أني أقول رايي وأنت بعدها ممكن تآخذ بهالراي وممكن لا . . وتقول ليه ما نتقدم خطوة!!
سلطان بحدّة : لا تنتظرين مني أني أعتذر! ولا تنتظرين مني أقول إني غلطت! . . يُشير إليها بالسبابة . . ماني في مجتمع ملائكي ولا أنا مخلوق من نور! إذا بتوقفين على كل غلط وتنتظرين مني أعتذر فأنتِ تضيعين وقتك! ماعندي شي اعتذر عشانه
الجوهرة وتشعرُ بالدماء تجري على لسانها : يعني ما غلطت؟ ما ضربتني؟ ما احرقت إيدي؟ ما أتهمتني؟ ما قلت لي ولا شي يستحق أنك تعتذر؟؟؟؟
سلطان : أغلاطي ما جت كِذا بدون سبب! لكل فعل ردة فعل . . إذا كانت ردَّات فعلي أغلاط بالنسبة لك فأفعالك سبب هالأغلاط!
الجُوهرة بضيق : صحِّح أغلاطك معي! . .
سلطان : أبشري يا بنت عبدالمحسن!
الجوهرة عقدت حاجبيْها وهي تشدُّ شفتِها السفليَة حتى لا تسقط ببكاءها : من الحين أقولك لا تلومني لو خبيت عليك شي! ولا ما صارحتك بشي! . . إذا أنت ماتعرف كيف تقرر في حياتك! هذي مشكلتك مو مشكلتي!!!
سلطان : متى ماتبين قلتي حياتنا ومتى ما ودِّك تفصلين حياتي عنك قلتِي حياتك ومشكلتك!
الجوهرة بملوحة محجرها الذي لا ينضبّ : أنت ما عطيتني سبب واحد يخليني أقول حياتنا! ما شاركتني في أيّ قرار! ما جيت مرّة وقلت أنا متضايق أنا محتاجك! ما حسستني بأيّ شيء يقول أني مهمة في حياتك! . . على أيّ أساس أقول حياتنا وأنت ملغي دوري؟
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك