رواية لمحت في شفتيها طيف مقبرتي -157
سعود: بوسعود يضرب! والله هذا شكل أحد داعي عليه بليلة القدرسلطان يقترب ويشدٌّه نحوه ليدفعه بلكمةٍ أخرى وبحدة : مين ايش خايف سليمان؟
عبدالرحمن الذي يستنزفُ كل جهدِه بمعرفة ما يحصِل لا يتحمّل برود زياد وبرود إجاباته، والصمت أصبح مستفزًا لدرجةٍ لا يصطبر عليها.
زياد : ما كلمته .. اللي يتعامل معي أسامة
سلطان يُظهر ملامح الشفقة بسخرية : والله؟ . . لا جد . . يصفعه بقوّة حتى بدأت الدماء تنزل بين أسنانه.
زياد يسعلُ بحُمرةِ سائلة تخرجُ من شفتيْه : مالنا علاقة بسليمان! علاقتنا مع أسامة وأسامة هو اللي يوصِّل كلامنا لسليمان
عبدالرحمن : ومين أسامة؟
زياد : سكرتير عند رائد
عبدالرحمن : حلو . . حلو . . يقترب ليشدّ على ياقته حتى خنقه وبغضبٍ لم ولن يرى مثله أبدًا من شخصٍ حليم كعبدالرحمن : ليه قتل سليمان مقرن؟
زياد بعد أن شعر أن روحه تصعد لعنقه وبصوتٍ مختنق : لأن مقرن كان يبي يبلغكم
تركه ليسعل بشدَّةٍ وهو يتقيأ دماءُه، سلطان : وش يبلغنا فيه؟
زياد بعد أن شعر أن لا مفّر من غضب سلطان والآن عبدالرحمن : مقرن كان مع سلطان العيد قبل وفاته
عبدالرحمن بحدّة : وش صار؟ . . تكلّم بالتفاصيل لا تخلي جنوني تطلع عليك!
زياد وأنفاسه تضطرب : سلطان العيد بعد ما تقاعد كان يشتغل معه
سلطان ينظرُ إليه وعينيْه تثور ببراكينها : عشان ؟
زياد : كان يعرف هو ومقرن أنه رجال رائد اللي وصاهم عشان يراقبونه مع رجال سليمان . . فكان يعرف أنه ماراح يصير له شي لأن التهديدات اللي من رائد مستحيل تتنفذ من رجال يتعاملون مع سليمان
سلطان بغضب يصفعه : أنا أسألك عشان مين؟ ما أسألك عن الحادث
زياد مسح دماء أنفه ليُردف : ما أعرف
سلطان جنّ جنُونه ليسحبه بقوّة حتى حاول دفعه على حجارٍ غير منتظمة الشكل قاسية، ولكن وقف أمامه عبدالرحمن ليسحبه منه ويدفعه بهدُوء ليجلس على الأرض : وش الشي اللي يعرفونه عنهم؟
زياد بعصبية : أنا مالي علاقة . . أفهموا أنا ماني مسؤول هناك . . كل اللي أسويه أنفذ أوامر
عبدالرحمن بغضبٍ كبير يأخذ حجرٌ كبير ويرميه على بطنه : الحين بتصير لك علاقة
زياد بألم يُبعدها وهو يشعر بأن كل خلية بجسدِه تتألم : معاهم الأدلة اللي تثبت كل العمليات اللي حصلت من رائد ومن سليمان واللي حصلت بينهم بدون علم رائد وكل اللي حصل من رجال سليمان لرجال رائد والعكس . . معاهم كل شي
عبدالرحمن عقد حاجبيْه : كانت مع سلطان و مقرن؟ وليه أخفوها؟
زياد بعد صمت لثواني رفع عينيْه إليهما : أتوقع كانوا مضطرين
سلطان : وليه مضطرين؟ . . مهددينهم بأيش؟ . ." صرخ ". . مهددين مقرن بأيش؟
زياد : فيكم
سلطان : فينا؟ . . بأيش؟
زياد : كان كل ما يرفض مقرن يعمل لهم شي يضرون بناتك . . وجه كلمته الأخيرة لعبدالرحمن.
عبدالرحمن : أجبروه عن طريق بناتي؟ . . صح؟
زياد هز رأسه بالإيجاب ليُكمل : كان مضطر يسكت خصوصًا أنه مقرن ماله منصب كبير هنا يحميه
سلطان بحدّة : شفت بو كريم .. هذا عندنا هنا منصبه كبير .. دوّر حجة ثانية عشان ما أخليك عمود هنا! " بو كريم مسؤول النظافة "
زياد : هذا اللي صار بعد ما تدخل فيصل
سلطان : فيصل مين؟
زياد : فيصل القايد
عبدالرحمن جلس على الكرسي بعد أن تنهَّد تنهيدةٍ تحمل الكثير من الوجع : وش علاقة فيصل؟
زياد : ما أعرف بالضبط لكن فيصل متورط معهم بعد ما خبّر ناصر عن وجود زوجته
سلطان أتسعت محاجره بصدمة : لحظة . . لحظة . . . . سليمان اللي كان ورى إختفاء غادة بعد الحادث؟
زياد : إيه
سلطان بقهر تمتم :ليه يامقرن . . ليه!
رفع عينِه ليُكمل بصوتٍ واضح : وخلوا مقرن يجينا ويقولنا أنه غادة حيّة وأنها في مستشفى ثاني بعد فترة من الحادث؟
زياد : كانوا يبون يحطونكم في الصورة عشان . .
سلطان : عشان! . . بصرخة . . عشان أيش؟
زياد : عشان عبدالعزيز . . يبون يحملونكم الذنب قدامه
عبدالرحمن ضحك من شدّة قهره ليُردف : برافو! . . حبكوها عيال الكلب صح . . . . .
سلطان حكّ جبينه بحدّة أظافره ليُردف بتحليلاتٍ تتفجّر بعقله : في ليلة الحادث بلغ رائد رجاله أنهم يعترضون طريق سلطان بدُون قتل! لكن سليمان وصاهم بالقتل . . وبكذا تلبست التهمة رائد لكن اللي تسبب بالحادث فعليًا هو سليمان وأمثالك الكلاب! . . بعد الحادث جت الشرطة وجت الإسعاف! . . سلطان العيد وينه ؟
عبدالرحمن رفع عينِه بصدمة غير مصدقًا للتحليلات التي وصل إليْها سلطان.
زياد : ما أعرف
سلطان يتجاهل صوتُ زياد ليلفظ بغضب : أخذوا هديل و أم عبدالعزيز للمستشفى . . أتضح أنه أم عبدالعزيز توفت مسبقًا بنزيف و هديل توفت بعد وصولها للمستشفى بفترة . . باقي سلطان العيد . . . وينه؟
زياد : ما أدري
سلطان بتأكيد يُعيد كلماته : و طلعت غادة عكس ما يبون! رحمها الله وطلعت سليمة، أخذتوها لمستشفى ثاني و أختفت تمامًا . . . . . زورتوا تحاليل الـ دي إِن إيه و غيرتوا الجثث . . حصل تغيير الجثث بسرعة عجيبة .. كأنكم كنتم واثقين بأنه إثنين منهم راح يكونون أحياء
زياد : سلطان العيد ميّت!
سلطان : وأنا أسألك وين سلطان العيد؟ ما أسألك هو ميت ولا حيّ ؟ . . وصلت الفكرة
زياد شعر بأن قلبه ينبضُ بصورةٍ مهوِّلة : ما عندي علم
سلطان : وكلتوا مقرن لموضوع غادة! . . جبتوا لها وحدة تكرم نعالي عنها . . . . هبّلت فيها وهذا كان المقصود! كنتم تبون تتخلصون من غادة بأقل الخساير وبدون لا تلفتون النظر . . كنتم خايفين من مين؟ بموضوع غادة؟ . . لاحظ أني أسأل وأنا أبي إجابات واضحة بدون لف ودوران عشان ما أنهي لك روحك
زياد صمت قليلاً حتى أردف وصوتُه يختنق شيئًا فشيئًا : عبدالعزيز
سلطان تنهّد : عبدالعزيز! . . ألتفت لعبدالرحمن الذي يُراقب الوضع ويُحلل هو الآخر بطريقةٍ أخرى : أنا أشوف الحادث صار واضح قدامنا!
عبدالرحمن يقف مقتربًا منهما : ما دخلت مخي سالفة أنه مقرن خايف علينا . .
زياد يهزُ كتفيه : هذا اللي أعرفه
سلطان بإبتسامة مستفزة : عاد أنا أبيك تدخلها مخ بوسعود! . . عطني التفاصيل
زياد : بعد الحادث مقرن حاول يتصرف بالملفات بروحه ويفضحهم واحد واحد . . لكن كنت آآ . . كنت آخذ بيانات سرية من مكتبه وأعطيها عُمر اللي يهدده ويضطر أنكم تخلونه موضع شك
عبدالرحمن : قلت المسؤول عنك أسامة! وش جاب عُمر الحين
زياد تجمدّت ملامحه قليلاً ليُردف : أختصرت الموضوع . . عطيتها أسامة وأسامة عطاها عمر
سلطان يسحبه ليجبره على الوقوف : شايفنا حمير! . . . . لا تحاول تكذب . .لا تحاول . . فاهمني
عبدالرحمن بنبرةِ وعيد : الملفات وينها؟ الملفات اللي هدد فيها رائد؟
زياد : اللي يعرف الإجابة سليمان وحده . . كل الأشياء السرية ما يخبّر فيها أحد هو بنفسه يتصرف معها
عبدالرحمن يلكمه بقوّة على عينيْه : الملفات وينها؟
زياد ببلاهة : بباريس
عبدالرحمن : ما أنتهينا منك للحين . . . وأبتعد ليخطُو نحو الداخل ومن خلفه سلطان الذي وقف قليلاً ليعُود، أقترب من وجه زياد ليبصق عليه ويُردف بفرنسيَة تركت في نَفسِه الرعب وهو يعرف ماذا تعني تحدثه بالفرنسية أمامه؟ يعرفُ كيف يهدِّد سلطان بطريقةٍ أو بأخرى : إينيُوبل . . . . ." ignoble = خسيس/دنيء "
حاول أن يثُور عليه لولا أيدي الأمن التي أحاطت به، أعطاهُ إبتسامة ذات معنى عميق وأكمل دخُوله.
في جهةٍ أخرى : يالله شباب كل واحد شغله لا يجون ويشوفنا كذا . . . جلس . . شفت متعب؟ حالته حالة
: تقطّع قلبي اليوم عليه . . . . هو أكثثر واحد قريب منه . . الله يرحمه ويغفر له . . متى تجي جثته؟
: والله مدري . . أتوقع راح يخلون ربعنا اللي في باريس يتحركون هناك
دخل عبدالرحمن ليدخل لمكتبِ المراقبين : أبي سكرتير سلطان العيد الله يرحمه عندي . . لا تتصلون عليه . . روحوا بيته ويجيبوه معاكم . .
: إن شاء الله طال عُمرك . . . دخل مع سلطان ليُردف : سلطان العيد كان يشتغل بدون لا يحط عندنا علم! . . كان يعرف كل شي وما كلّف عمره بس يبلغنا . . يحط عندنا خبر بدل مالحوسة اللي انحسناها
سلطان يجلس على الكرسي الداكِن : ضاع آخر دليل منَّأ . . مقرن وراح وقبله سلطان . . مين الحين نسأله ولا يقولنا وش اللي قاعد يصير!
عبدالرحمن : سعد! . . اكيد يعرف شي . . والحين ناصر بعد!
سلطان : أنا متطمن من حاجة وحدة أنها زوجته مستحيل يضرّها لكن . . لايكون فاهم غلط ساعتها بينفتح علينا باب ما يتسكر
عبدالرحمن : انفتح وخلص . . لا يوصل الخبر لعبدالعزيز بهالحالة! والله ساعتها كل شي بيطلع من سيطرتها!
سلطان يقف أمام النافذة وهو يُفكر بطريقةٍ يحلّ بها هذه الأمور التي تراكمت فوق بعضها بوقتٍ واحد : تتوقع سلطان العيد كان حي بعد الحادث؟
عبدالرحمن : لا .. بس ماني مقتنع بموضوع الجثة لكن مسألة أنه حي هذي شيلها من بالك
سلطان : تذكر لما كان عبدالعزيز يهذي بأبوه! . . قلت لي مرة أنك شفته يتكلم وكأنه يشوفه
عبدالرحمن : إيه
سلطان : قلت أنه كان يقول ماراح أغلط مثلك!
عبدالرحمن : وش علاقته فينا! كان هذيان من عبدالعزيز
سلطان : أؤمن كثير بالأمور النفسية . . هذيان عبدالعزيز معتمد على حقيقة غايبة عنَّا
عبدالرحمن ألتفت عليه : نفكر الحين بخيالات عبدالعزيز ولا بهالمصايب يا سلطان!
سلطان : ليه أحس أنه سلطان العيد أرتكب خطأ وخطأ كبير!
عبدالرحمن : سلطان الله يرحمه مستحيل يغلط! . . مستحيييل يا بو بدر
سلطان تنهّد وهو يُدخل يديْه في جيُوبه : غلط يا عبدالرحمن! . . غلط ومايبي ولده يغلط مثله لكن . . وش الغلط بالضبط؟ ما أدري! . . تتوقع مسألة أنه يشتغل بعد تقاعده جريمة يُعاقب عليها؟
عبدالرحمن : سلطان بديت تهلوس!
سلطان بهدُوء : حيازته لملفات سرية بعد التقاعد هذي جريمة كبيرة! لكن مستحيل هالغلط بيكون هاجس بالنسبة له . .
عبدالرحمن بغضب : سلطان يكفي! بوعبدالعزيز مستحيل يتصرف أو حتى يفكر يضرنا بشي
سلطان : أنا أفكر حسب اللي أشوفه! ما أفكر إذا هو بيسويها أو لا . . انا أعرف سلطان العيد ومتربي على إيده ومستحيل أظن فيه ظن سيء لكن أنا أقولك حسب الأشياء اللي واضحة لي . . . ليه كانت تجي هالخيالات فترة وتروح؟ لأن فيه شي يصير ويعرفه مقرن . . أكيد كان يعرفه
عبدالرحمن : مجنون!
سلطان : قول عني مجنون بس ما تتساءل ليه هالأشياء تصير بهالطريقة وبهالتصادف العظيم! . . ليه عبدالعزيز الحين ما صار يشك فينا؟ ما صار يتصرف بهمجيته لما كان بالرياض؟
عبدالرحمن يقف وهو يقترب من سلطان مُشيرًا إليه بسبابته : شفت يا سلطان! شفت طريقتك أنت ما قعد تستنج أنت قاعد تتهم بدون أيّ دليل! . . عبدالعزيز كانت الأشياء اللي حوله تأثر عليه ولا تنسى كان ماضي على وفاة أهله شهر وأقل . .يعني أكيد حالته النفسية سيئة ويهذي كثير! لكن الحين بدآ يسترد قوته ويوقف على حيله . . طبيعي أنه بينسى كل هالخيالات وهالهذيان!
سلطان : فيه صوت بداخلي يقول أنه سلطان العيد كان شغلته بعد تقاعده ماهي شرعية!
عبدالرحمن بحدة : واللي يرحم والديك سكِّت الصوت اللي في داخلك . . بتجيب لنا مصايب . .هالصوت اللي بداخلك خلاني أشكّ في مقرن وشوف وش طلع آخر شي!
سلطان بحنق : الحين طلعت أنا السبب! طيب فسّر لي ليه كان يشتغل سلطان العيد بعد تقاعده؟ تحس أنه هذا أمر طبيعي؟
عبدالرحمن :أكيد كان لسبب لكن مو السبب اللي في بالك
سلطان : عبدالعزيز يظن أنه شغل أبوه هو الغلط اللي أرتكبه بس سلطان العيد مستحيل يظن أنه الشغل وحماية البلد غلط! . . سلطان العيد قبل وفاته ندَم أنه تصرف لحاله
عبدالرحمن بغضبٍ ينفجر بوجهه : مجنون! تحبك القصة من خيالك وتألف من عندِك وتقول ندم وما ندم! وشلون عرفت أنه ندَم! . . يا سلطان كافي تحليلات من خيالك
سلطان بغضب يبتعد عن عبدالرحمن وهو يُعطيه ظهره لينظر للنافذة : ندَم وبلغ مقرن وكان راح يجينا! لكن حصل اللي حصل
عبدالرحمن بحنق يجلس على كُرسيه : استغفر الله العظيم وأتوب إليه . . أستغفر الله بس!
سلطان : جلسنا سنين نجمِّع الأدلة عشان نعتقلهم كلهم! وكنا نعتقل جماعات تحتهم وتنتهي فترة حكمهم ويطلعون! لكن وش استفدنا؟ ما أستفدنا شي لأن كل واحد فينا يحاول يشتغل بروحه
عبدالرحمن : سلطان أطلع برا لا تطلع جنوني اليوم!
سلطان : عبدالرحمن أنت تخبي شي
ألتفت عليه بنظرةٍ مندهشة ليصرخ وهو يصِل لقمة غضبه : أتهمني بعد!
سلطان : كلنا متهمين لين تثبت براءتنا
عبدالرحمن : سلطان أقسم بالله أقدِّم طلب الحين أخليك تبعد عن هالقضية! وتعرف أنه صلاحياتي تسمح ليْ
سلطان : تهددني؟
عبدالرحمن بحدّة :إيه أهددك
سلطان تشتعلُ البراكين بعينيْه : وش تعرف؟ كنت تعرف بموضوع سلطان العيد صح؟
عبدالرحمن بغضب يقف مجددًا : أطلع برا ما أبي أناقشك بأيّ شي .. ماعاد فيك عقل تفكر فيه
سلطان عقد حاجبيْه : وش اللي قاعد يصير؟ ليه كل شي قاعد ينهار!!!
عبدالرحمن بسخرية: البركة فيك من أستلمت هالشغل وكل يوم محاولة إغتيال وكل يوم سرقة ونهب!
سلطان : الحين الذنب كله صار عليّ ؟ . . بغضبٍ يصرخُ عليه . . مين اللي دفع حياته عشان هالإغتيالات على قولتك؟ . . . محد خسر كثري فلا تحلمني ذنب ما أستحقه! ولو فيه ذنب صدقني أنت تشاركني فيه
عبدالرحمن ينحني ليكتب على ورقةٍ بيضاء مهددًا : راح أطلب بإعفاءك . . وكذا مايصير عليك ذنب! . .
سلطان يضرب بكفِّه على الطاولة : تعفيني من منصبي يا عبدالرحمن!!!!!!
عبدالرحمن : صح اني ماأملك صلاحيات الإعفاء لكن أملك صلاحيات الأسباب اللي تخلي السِلطة تعفيك!
سلطان بغضبٍ يجعل عروق وجهه واضحة : وش الأسباب اللي عندِك؟
عبدالرحمن يتكتف : أطلع برا
سلطان ينظرُ إليْه بإنزعاج : الحين تفسيرات منطقية لموضوع سلطان العيد خلاك تطلع من طورك؟ أحييك والله
عبدالرحمن بثبات : أطلع برا
سلطان بغضب يصِل صوته لكل من في الطابق : لا تنسى أني أملك صلاحيات بعد تخليني أنقلك من الرياض بكبرها! . .
عبدالرحمن بإبتسامة : أطلع برا يا سلطان
سلطان يبتعد متجهًا للباب ليلتفت عليه : راح أخليهم يحجزونك لو حاولت تتصرف بموضوع أمني من غير موافقتي!
عبدالرحمن : برا !
سلطان يخرج ويضربُ الباب بقوة تُثير رهبة كل من في الممر، أتجه نحو مكتبه ليغلق الباب وهو يحاول أن يهدىء من أضطراب أنفاسه والغضب المنتشي بملامحه.
يُتبع
،
يقتربُ من ملامحها الناعِمة بخطواتٍ خافتة لينحني عليها وينظرُ لعينيْها المغمضتيْن، فتحتها بعد أن شعرت به، لتتجمَّد خلايا جسدِها بوجهٍ لا تعرفه، بوجهٍ يُثير الرعب في قلبها، بهمس : أششش ولا صوت . . خلينا حلويين
عبير تعُود للخلف لآخر زاويَة بالسرير الضيِّق دُون أن تلفظ حرف وعرُوق عينيْها تشتعل بالحُمرة، حمَد يتجاوز السرير ليضع كفِّه على خدِها لتشتعل حُنجرتها بصرخةٍ وصلت لمدى عميق، دخل الآخر بعجل : حمد الله يآخذ أمش قبل لا يجون!
حمد : أنتظر . . . بقسوّة وضع كفِّه على فمِها وهو يضغطُ بأظافره على ملامحها البيضاء : قلت لا تعاندين! . . . . . . هزّت رأسها كثيرًا تحاول أن تقاومه وهي ترتعشُ من لمساتٍ غريبة، من جسدٍ لا تعرفه، من هذه الملامح الكريهة، لم تعتاد أن ينظر إليْها شخصٌ لا تعرفه، لم تعتاد على نظرات الرجال وهي التي عاشت في كنفِ رجالٍ قليلين، أختنقت محاجرها بملوحةٍ مضطربة حتى سقطت عينيْها على فارس الذي توسّط المكان، ألتفت حمَد ليخرج قبل أن تتجمّد قدماه بوجود فارس أمامه، بغضبٍ أنطبق عليه نظرية الحليم الذي يجب أن تتقِ شرّه، سحبه بقوّة ودفعه على الجدار، مسك رأسه ليشدُّه من شعره ويُلقيه بإتجاه النافذة التي تكسّرت وتناثر زجاجها، لوى ذراعه خلف ظهره ليُردف بعصبية يحترق بها صوته : لا تحاول تلعب معي! . . . صرخ حمد من ذراعه التي شعر بأنها تنفصل عن جسدِه، وبعنفٍ لم يتوقعه من فارس المُسالم أخذ كفّ يدِ حمد ليكسِر أصابعه بقبضتِه، وأخترقت صرخته أسماعهم وهو يسمعُ صوت إنكسارِ أصابعه، لفّ جسدِه عليه ليُقابل وجهه : لا تحاول ولا حتى يجي على بالك أنك تقدر تلوي ذراعي!
وبصرخة : فاهم . . .
كان سيُلكمه لولا يدِ والده التي مسكته : أتركه . . حسبي الله بس
فارس بتجاهل ليدِ والده سحب يدِه الأخرى ليُلكمه بأقوى ما يملك حتى تناثرت الدماء من أنفِ حمد، شدّه من ياقته ودفعه على الأرض وهو يضع قدمِه على بطنِ حمد ويحفرها بمعدتِه : أقسم بالحي القيوم لو تحاول تقرّب منها لا أزفّك على القبر!
حمد بنظراتٍ رجاء لرائد حتى يُبعده، للحظة شعر بأنه مجنُون سيقتله، رائِد مسك فارس من كتفيْه ليُبعده : خلاص ما بقيت فيه عظم صاحي!
فارس بغضب : ولو أشوفه قدامي مرة ثانية لا أكسر راسه
رائد يُشير لحمد بأن يخرج، حمد تحامل على ألمه وهو يعرج حتى خرج من الغرفة : ما قمت تشوف قدامك! . . كل هذا عشان بنت عبدالرحمن!
فارس بقهر ينفجر بوجه والده : وش رايك بعد أصفق له ؟ عجيب والله أشوف هالحيوان يدخل وأسكت! . . ماألومهم من الوصخ اللي متربين عليه!
رائد بسخرية : لا تصدق مررة! . . طيب حبيبي؟
عبير انكمشت حول نفسِها وهي تضع رأسها على ركبتيْها، تشعرُ بأن وعيْها يغيبُ تمامًا ولا تشعرُ سوى بالبكاء، هذا الشعور تمامًا ينهشُ جسدي يالله، هذا الشعور الذي لا أعرفُ به ما يدُور في عقلي، الذي أجهل به إرتجافات قلبي، هذا الشعور الذي يتركني مع البكاء، أتوحَّدُ مع الملح، يالله لِمَ لا يدركون أن أظافرهم تقطِّع كبدِي؟ لِمَ لا يدركون أن عينايْ ملتهِبة بالبكاء، أنا لا أخافهم يالله! أخافُ من نفسي، أخافُ من هذا البكاء، أخافُ من هذه العزلة، أخافُ على أن تنام خلايا مخي ولا تستيقظ أبدًا، أخافُ من الجنون، هذا الجنون الذي يجعلني أشعر بأن لا حياة قادمة ولا حياة تستحق أن أسترجعها.
فارس بحدّة يُعيد على والده : هذي زوجتي! وصلت لك المعلومة يبه
رائد ينظرُ لعبير بنظرةٍ باهتة حتى عاد بعينيْه لإبنه : لعنة تلعنكم قل آمين . . . وخرج بخطواتٍ غاضبة.
عبير رفعت عينيْها بدهشَة، بدهشة اللعن الذي يجري على لسانِه وكأنه شيءٌ عادِي وهي التي اعتادت منذُ صغرها على حُرمة هذا اللعن وعلى الذنبُ العظيم الذي تقع به بمُجرد أن تلفظ هذا اللعن، شعرت بأن شيئًا غريبًا يحدُث، لا مُشكلة لدي بأن يلفظ كل الشتائم بوجهي ولكن أن يلعن! هذا الشيء الذي يُصيبني بفجاعة، يُصيبني بذات الشعُور كلما أتى في عقلي آيةٍ واحدة " وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيم " ، هذه الآية يا فارس التي كانت تمنعني عنك في كل مرة، تمنعني عن سماع صوتِك، عن قراءة رسائلك، عن التغنج بزهرِك، كُنت أشعر بأن ذنبي عظيم حين أتذكر الله وكنت أشعرُ بأنه لاشيء حين أجدني وحيدة لا تحفني الملائكة، سوى ملكيْن يكتبُون أعمالي، سوى ملكيْن يا فارس من حق التفكر بهما أن يقتلوني.
فارس تنهَّد بعُمق لينظر ليدِه التي أنجرحت من ضربه لحمد، مسحها بأكمامه ليتجه نحو الباب ويُغلقه، ألتفت نحوها ولا يعرف كيف يُهدىء من خوفها ومن بكاءها، وقف صامتًا دُون أن يقترب خطوة، يشعرُ بأن البراكين تفيض بصدرِه ويديْه تهيجُ بأن تعاود الضرب على حمد، شدّ على قبضةِ يداه وهو ينظر إليْها ويستمعُ لصوتِ بكاءها الخافت الخادشُ لروحه/لقلبه الذي يضطربُ بذبذباتِه، أقترب قليلاً حتى وقف بجانب السرير وبصوتٍ خافت : عبير . .
غرست أظافرها بسيقانها التي تضمّها وهي تحاول أن تُسكِن رعشة جسدها، ودمعها لا يتوقف، لا تملك أيّ خليَة بعقلها تنتصب بثبات لتُصدِّق ما يحصل لها في هذه اللحظات، تفقدُ إدراكها بالأشياء لحظةً بلحظة، جلس على طرف السرير دُون أن يقترب منها حتى لا يُثير رعبها من جديد : أهدي . . محد راح يقرّب لك . . .
ومع كل كلمةٍ يلفظها تزيدُ ببكاءها، ليس لأن الكلمات وجع! ولكن الكلمات التي تهدأني دائِمًا ما تستثيرُ دمعي، تُشعرني بأني مُتعبة حدُ العدَم، حدُ الفراغ والإحساس بذاتِ العدَم، لو أنني أختفي من هذا الوجود للحظة، فقط لحظة أعيد بها نفسِي، أخاف! والله أخافُ من فقدان نفسي، هُم لا يعرفون ماهي الجريمة التي يرتكبونها بحقي؟ جريمةٌ بحقّ روحي التي إن أندثرت لن يُعيدها إليّ أحد، هُم لا يعرفون يالله كيف يعيشُ الواحد دُون أن يشعر بما يحدثُ حوله، هُم لا يعرفون يالله كيف يصِل الواحد من شدَّةِ حزنه أن لحظات فرحه هي ذاتها لحظاتِ حزنه، والله لايعرفُون كيف أنهم يخترقون الشخص ويلوثونه! لِمَ هذا العذاب؟ لِمَ هذا الأسى؟ لِمَ هذا البكاء يا أنا؟ من يجب أن ألوم؟
فارس و تفاحةِ آدم في عنقه تضطرب بحركتها : آسف . . ماراح يتكرر هالشي مرة ثانية . . وعد
بتوجس أقترب حتى وضع يدِه على رأسها، نفرت بسُرعة لتزحف جانِبًا، فارس : عبير . . أنتِ عارفة أنه هالبكي ما راح يفيدك بشي! وانا والله أساعدِك!!!
عبير تنظرُ إليْه بضيق : تساعدني؟ تساعدني منك!
فارس أشتعلت عروقِه بحُرقة من إتهامها : تشوفني عدوّك؟
عبير تُغطي وجهها بكلتا كفيّها وهي تهزُ رأسها بالنفي، فارس : أجل؟ . . تشوفيني كيف؟ . . عبير ليه منتِ راضية تستوعبين؟ أني والله ما أخترت أحبك! ولا أفتعلت دور العاشق عشان مصلحة . . أنا ما أخترت هالشي
عبير بين دموعها وهي تشدُّ على شفتِها لحظة وتُرخيها لحظةً أخرى : كنت تعذبني كل يوم وما تجرأت حتى تقول إسمك! . . خليتني أضيع فيك . . أضيع . . أخفضت رأسها وهي تختنق بهذه الكلمات التي تستثيرُ حزنها ولا تفعل شيئًا آخر.
فارس : وش كان راح يصير لو ما رحت غرفتك بالمزرعة؟
عبير رفعت عينيْها بإستغراب وهي تتسعُ بصدمتها ليُردف فارس : وش كان راح يصير لو ما شفت صورك؟ لو ماشفت رقمك مسجّل بأوراق كثيرة كتبتي فيها أشياء ما فهمتها . . كتبتي عن شخص ما عرفت وش يقرب لك! . . كتبتي عن حُبك الضايع . . عن أملك اللي أنمحى . . كنت يوميًا قبل لا أنام أفكر بهالإسم . . أفكر بعبير وبالصورة اللي شفتها . . وكل ما مسكت لوحة أبغى أرسم .. القاني أرسمك . . صرت ما أعرف أميّز ملامح أحد . .
عبير بتصادم فكيّها المرتجفيْن : ملامحي؟
فارس: قدامي نوعين من الملامح! ملامح عبير و ملامح هالعالم كله . . كنت اشوفك كذا . . وكان الفضول يذبحني أعرف مين هالشخص! . . تصرفت بحقارة أعترف . . حاولت أستعمل رجال أبوي بمصالحي! . . أستعملت خدمكم حتى يوصلون لي أخبارك . . أعترف أني تعديت على خصوصيتك بس أنا ما أخترت أحبك يا عبير . . ما أخترت . .
عبير بضيق تنكر كل هذه الإعترافات : ما كتبت شي بالمزرعة
فارس الذي حفظ النصُ من كثرةِ قراءته له : أنا التي أنتظرتك كثيرًا و أحببتك كثيرًا و تخيلتُك كثيرًا و لم أجِد منك شيئًا يكافئ هذا الكثير، أنا التي قُلت لك أني أحبك وأجبتني بصوتِ درويش، أجبتني بحُنجرة غيرك " يحبونني ميتًا "، كيف أقُول لك أنني أُحب درويش من أجلك ومن اجل عينيْك، كيف أقُول لك مثلما قال تكبّر.. تكبرّ! فمهما يكن من جفاك ستبقى، بعيني و لحمي، ملاك ، و تبقى، كما شاء لي حبنا أن أراك.
عبير تسقطُ دموعها من نصٍ يُعيدها لسنواتٍ ماضيَة، من ولعُ محمود درويش ومن لحظات إختناقها بشعرِ درويش، ومن نهايَة الفجر الذي أستقبلُه بـ " أحنّ إلى خبز أمي و قهوة أمي و لمسة أمي " أنا التي أرتديتُ وشاحًا نُقش من أجل قصائده، كيف يتعدّى أحدهُم ويقرأني بهذا الوضوح؟ كيف يتجرأ أحدهم أن يقرأ حُزني بهذه الشفافيَة؟
فارس : بس ما كملتيها . . ما كملتي قصيدته؟
عبير : ليه فتشت بغرفتي؟ ليه قرأت أشياء ما تخصّك
فارس بتجاهل للومها ليُردف : وإنّي طفل هواك على حضنك الحلو أنمو و أكبر !
عبير : يكفييي
فارس : كان يشعلني فضولي إتجاهك
عبير تشعرُ بأن حصونها تتهدَّم بصدرها : ممكن تتركني لحالي!
فارس يقف : براحتك . . . براحتك يا عبير . . . أتجه نحو الباب حتى ثبت في مكانه من إسمه الذي يعبرُ لسانها الآن، لأولِ مرةٍ يشعرُ بأن لإسمه موسيقى خاصَة وجميلة جدًا.
عبير : لا تتركني! . . ممكن تجلس بدون لا تتكلم
فارس إتسعت إبتسامته بإنتصارٍ لذيذ ليُبعدها عن محياه وهو يلتفت نحوها، نزع جاكيته ليجلس على الأريكة التي بزاويَة الغرفة
أخذ نفس عميق عندما شعر بسكينتها، قلبي يا عبير! تسرقينه والله. لأني أحبكِ عادت الحياة لأوردتي، وعدتُ أرى أن هذا العالم بإمكانه أن يكُون جميلاً من أجلِ عينيْك، بإمكان هذا الكون أن يتجمَّد للحظة أمامي بمُجرد عبورك نحوِي، لأني أُحبكِ عادت الأغاني والقصائد لحُنجرة الرسائل، عاد كل شيءٍ لمكانه الذي يجب أن يكون به، أظنُ أنني أتجاوز العشق بمراحل، أنا هائم! هائم حدُ الفضاء، مُصاب بكِ، مُصاب بالجوَى، بالشغف، بالكَلف، بالوجد، بالود، بالوصب، بالغرام، بالعشق ، أتصِل إليْك كلمات الهوى مثلما أريد؟ أم تختصرُ الكثير مما أريد؟ أجُنِنتْ؟ أظنُ أنني فهمتُ جيدًا كيف لنظرةٍ أن تعبثُ بقلب رجلٍ تظنُه الأنثى لم تترك لها أثرًا، كل الإناث أثَر في عُمرِ أحدهم وهذا ما يجب أن يفهمنه ، كل الإناث عبارة عن وسمٍ في صدر أحدهم، كل الإناث منذُ العصُور القديمة، منذُ أن قال جميل بثينَة " ألا تتقين الله في قتـل عاشـق ، لـه كبـد حرّى عليـك تقطّـع، فيا ربّ حببنـي إليهـا وأعطني المـودّة منها أنت تعطي وتمنع، وإلا فصبّرني وإن كنت كارهـا فإني بها يـا ذا المعارج مولـع، تمتّعْتُ منها يوم بانـوا بنظـرة وهل عاشـقٌ من نظـرةٍ يتمتّع ؟ " . . مولّع يا عبير . . مولّع!
،
تنظرُ إليْه قليلاً حتى تعود بعينيْها لطفلها النائمُ، تُراقب تفاصيله الصغيرة لترفع عينها مرةً اخرى إليه وتُراقب أدقُ الأشياء التي يفعلها، لتعقيدة حاجبيْه وضيقُ شفتيْه التي تميلُ قليلاً بفتُور، لطُوله الفارع، لعرضِ كتفيْه وساعتِه التي يرتديها منذُ سنوات رُغم أنه يشتري ساعاتٌ كثيرة ولكن
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك