وانصرف دون أن يترك لخالد مجالاً للتعليق، قفل عائداً إلى الصالة وهو يمرر يده على شعره بإستياء، كانت أخته جالسة تشاهد التلفاز، سحب جهاز التحكم عن بعد من يدها بجفاف، ضغط على الأزرار دون أن يستقر على قناة، كانت تنظر له بغيظ مكتوم، ليس بمقدورها أن تحتج، أن تعترض أو تعاتبه وإلا وجدت أصابعه الثقيلة مطبوعة على خدها دون إنذار!!
"لمَ هو ليس لطيفاً كراشد، لم يحادثها يوماً كشقيقة، إما يصرخ في وجهها ويأتمر عليها كما لو كانت طفلة، أو ينقطع بينهما الإرسال كما في هذه اللحظة، وجودها أو عدم وجودها واحد بالنسبة له..."
ألقى الجهاز بعيداً عنها، في آخر كرسي قابع في الصالة وسار!!! وهي تكاد تنفجر، نهضت وتناولته وعادت لتتابع المسلسل الذي كانت تشاهده، لكنها لم ترى إلا أغنية الحلقة!! شدت خصلة من شعرها كانت قد نفرت غصباً بقوة وانصرفت هي الأخرى إلى غرفتها...
وفي مكتبه الخاص، أمسك "خالد" أوراق العمل، يقلبها دون اهتمام، ركنها على الطاولة من جديد، كان يشعر بالضيق، بالملل، أو الحيرة ربما...
"هي، أجل هي من سببت لي هذه الحالة، قبل أن أراها كنتُ بخير بل بألف خير، وجاءت لتفسد راحتي، صيرتني تلك المشاكسة أكثر عصبية، وأكثر نفوراً من البيت، هذا أنا أكشف نفسي أمام "أمل" بتُّ أوصلها إلى الجامعة بحجة أو أخرى لعلي أراها ولكن هيهات، بعد الموقف الأخير أشك أن تركب معي أصلاً..لم هيَ بالذات، لم يسبق أن انجذبت لفتاة مثلما انجذبتُ لها، الفتيات هنّ من يحمن حولي، كم هنَّ طماعات، يردن في الرجل كل شئ، المال والشباب والجمال، بإختصار كل شئ، ولا يملأ عينهن إلا التراب!!!
لنعد لها، مريم..اممم اسم جميل لكن لا يناسبها!!! لو كان بيدي لسميتها "ثقيلة الدم" "الخوّافة" أو "سارقة الدجاج" ههههههه، لقد بتُّ أحب أكل الدجاج الآن، آكلهُ بنهم، يذكرني بمواقف لطيفة فيفتح شهيتي للمزيد، أففففف، ماذا أقول أنا، لا ينقصني إلا هي لأفكر فيها، من هي ومن أنا؟!! أنا "خالد" ابنُ هذا كله، وهي "مريم" مجرد "مريم" بدون لقب، بدون مستوى، دون حتى جنسية إماراتية، لحظة لكنها تحمل ألقاباً أخرى اختاروا منها ما تشاؤون...
1. بنت الفقر!
2. أبوها سائق تاكسي!!
3. أخوها مدمن مخدرات!!!
"عظيم، يا لها من ألقاب جميلة ومشرفة!! ترفعُ الرأس فعلاً، ينقصها لقب رابع فالأرقام الفردية لا تعجبني، أتشاءم منها، ربما يلحقها لقب جديد لا ندري!!"
نقر بأصابعه على الطاولة، بطريقته المعتادة في العد لكنه لم يكمل، نهض من كرسيه وصبرهُ ينفذ شيئاً فشيئاً، أقنعه ما قاله لكنّ طيفها اللعين يتراءى دائماً أمام عينيه، صورتها لا تفارق ذهنه، تتكرر بصورة غير طبيعية، ماذا أريدُ منها، أأتزوجها، كلا كلا هذا هو الجنون بعينه، أو بعد كل ما عددته لكم من ألقاب أقترنُ بها وتصبح هي زوجتي، زوجة السيد "خالد ال ...... " وأحملُ معي ألقابها معها!!!!!!!!
سؤال يطرح نفسه من جديد: ماذا تريد بالضبط يا خالد؟؟؟
طافت أجوبة كثيرة في خاطره، قلّبها في ذهنه لكنهُ لم يستسغها، أحسًّها لا تناسبها، لا تُناسب براءتها، لا تناسبها و......كفى!!!
رنّ هاتفه الجوال، تطلع إلى الشاشة، كان "فيصل" هو المتصل، هزّ رأسه لعله يبعد أفكاره المشوشة، ضغط على الزر.
- ألو..
- أهلاً.
- أين أنت؟
- أنا في البيت.
- في البيت!! تعال، جميع الشباب في الشقة، لديّ مفاجأة بل قل مفاجآآت.
ابتسم "خالد" في خاطره، إنه يعرف أي المفاجآت يعنيها صديقه المنحرف.
- اسمع ليس لديّ وقت لتفاهاتك.
صاح "فيصل" بانفعال حتى اضطرّ "خالد" لإبعاد الهاتف مسافة لا بأس بها عن أذنيه.
- أتسميها تفاااهات، أبدل أن تشكرني لأني لا أنساك أبداً في الأفراح والمسرات!!!!! ولكنني من يستحقُّ ذلك لأنني أكلم تافه مثلك.
- فيصل، أغضبت، آنا آسف، أنتِ تعرفني لا أحبُّ مثل هذه الأمور.
………….-
- فيصل؟؟؟؟
………….-
- هيه فيصل، "شارب غوار" لم لا ترد؟
- شارب غوار في عينك. (ابتسم "فيصل("
- هههههههههه.
- ماذا قلت الآن، أ ستأتي؟!
- اممممم، لا أعتقد ولكنني سأزورك اليوم بلا شك و...سلم لي على مفاجآآآتك.
- يووووووووصل...(قالها ضاحكاً. (
- مع السلامة.
- مع السلامة.
وضع يده أسفل ذقنه، شارد الذهن، مبلبل الخواطر، عاد لأوراقه، أمسك قلمه وهو يحاول القراءة بتمعن، لا بد أن يشغل نفسه عنها، لا بد أن يمحوها ما أمكن، هذا إن استطاع!!!!
(13)
الساعة الآن السابعة صباحاً بتوقيت الإمارات، استيقظت "مريم" بنشاط ، لقت أختها نائمة على غير العادة!! غريبة، هي تستيقظ منذُ بزوغ الفجر لتصقل نفسها للعمل!!! وكأنها عارضة أزياء وليست سكرتيرة ثم توقظها للجامعة بعد أن يتبقى على تحرك الباصات نصف ساعة!!!
أزاحت لحافها الوثير، واقتربت منها، هزتها بلطف أولاً ثم زادت من ضغطها:
- ليلى.
- أف، ماذا تريدين.
- أأنتِ مستيقظة؟!!
- أجل.
- غريبة، ألن تذهبي إلى عملك اليوم؟
- سأذهب. (قالتها بفتور.(
لا زالت دافنةً وجهها في الوسادة دون أن تتحرك، توقفت "مريم" في مكانها، ترقب أختها بخوف:
- أأنتِ بخير، هل أنتِ مريضة؟
نزعت وجهها من وسادتها بإنهاك، تحسّ بالتعب، بالتعب النفسي، رفعت رأسها ببطء:
- أنا... بخير ليس بي شئ..
فزعت "مريم" من منظر تلك العينين الحمراوين، خيوط دقيقة متشابكة عبثت ببياضهما، أخفت رونقهما، أين ذلك البريق...لقد أنطفىء..
تجاهلت تلك النظرة المصدومة المرتسمة على محيا أختها، وسارت إلى الحمام، نظرت لوجهها في المرآة، لم تنم البارحة، قضته في التفكير والتفكير والبكاء..
لقد اتخذت قرارها ولن ترجع فيه، تعلم إنها الخاسرة الأولى والأخيرة، لكنهُ عين الصواب كما تقول أمها، آآآآه أمي، لو كنتِ معي لكنتِ أرشدتني، لما وقعتُ في دوامة الحيرة
، لكنتِ عرفتي ما بي، كنتِ ستنقذيني وتساعديني على الخروج من هذه المشكلة....
من يفهمني هنا؟ لا أحد، الكلُّ لاهٍ، أبي في عمله الذي لا ينتهي أبداً، و"مريم" وجامعتها، أكادُ أجزم أن "محمد" أكثرنا سعادة وأقلنا هماً!!!
ارتدت ملابسها، لازالت حتى تلك اللحظة تهتم بإناقتها، رغم يأسها، رغم حزنها، رغم القرار الذي اتخذته في ليلةٍ غاب فيها القمر، أتراها صائبة..مقتنعة بما ستقوله، ألن تندم يوماً!!!
"الفرصة تمر مرّ السحاب..أيها السحاب مع السلامة، ألقي التحية على النجوم إن تلاقيتما يوماً!!!".
شغلت السيارة، سيارته وذهبت لتواجهه وتخبره بقراراها..
- أي من الفئات الخاصة سنختار؟ سألت "أمل".
- أرى أن فئة صعوبات التعلم أفضلها والمراجع متوفرة بكثرة في المكتبة. ردت "سلمى".
- كلا كلا، لقد تشبعنا من هذا الموضوع، ثم إنّ البرنامج العلاجي لذوي صعوبات التعلم صعب جداً، لا بد من إعداد خطة فردية لكل نوع من هذه الصعوبات..متى سننتهي حينها؟!! استنكرت "مريم".
- إذن؟
- اممممم، إما نختار مشكلات سلوكية وانفعالية أو فئة الموهوبين والمتفوقين عقلياً. اقترحت "مريم".
- نختار المشكلات السلوكية والإنفعالية فالموهوبون والمتفوقون بعيدون عنّا تماماً..ردت "سلمى".
صاحت "أمل" بإنفعال:
- تحدثي عن نفسكِ يا ماما، لقد طبقت اختبار "ريفن" للذكاء ونتج أن نسبة ذكائي هي....اممم لن أقول أخافُ أن تحسدوني.
عبست كلتا الفتاتين في وجهها، ضحكت من منظرهما المغتاظ ولكنها أردفت بتجاهل:
- طيب، حللنا مشكلة الموضوع، تبقّى مكان اللقاء لإنجاز المشروع.
- في بيتنا طبعاً. تكلمت "سلمى".
- لالالا، منزلكم بعيد، ثمّ أنا و"مريم" في نفس المنطقة ونفس الشارع، أي أنتِ من يتعين عليكِ القدوم لإحدانا.
- هذا ظلم.
- بل العدل، نحنُ اثنتان وأنتِ واحدة. مدت "أمل" لسانها، فلكزتها الأخيرة في خاصرتها.
- أأأخ.
- حتى تتعلمي الأدب.
- هيه، أنتن، الكل ينظر إلينا..ماذا سيقولون مجانين في الجامعة؟! صاحت "مريم".
دعكت "أمل" موضع اللكزة وهي تصرُّ على أسنانها:
- طيب سيكون الاجتماع في بيتنا.
أرادت "مريم" أن تعترض، لا تريد أن تذهب هناك، لكنها أحجمت، أين ستجلسهم؟ البيت من طابقٍ واحد، والمجلس احتله "محمد" بعد أن احترق أثاث غرفته عندما كان يدخن سيجارته وهو نائم!!! والصالة لا تكاد تخلى، هي مكان اجتماع العائلة، وحتى لو توفرت لهم غرفة فأي أسباب الضيافة تقدر أن توفرها لهما دون خجل أو تقصير..
سارت الفتيات كلٍ إلى بيتها على أمل أن يلتقين مساءاً للشروع في إنجاز المشروع..
دقت باب المكتب بيدٍ مرتجفة، لقد ناداها منذُ مدة لكنها كانت تتباطئ..ماذا ستقول؟؟ الملف الذي بيدها ينتفض بل جسدها بأكمله ينتفض، يا ليتني لم آتي، ليتني لم أعمل أصلاً و لم آراه....
- ادخلي يا "ليلى".
جرّت قدميها بصعوبة بالغة، وبعينين لا ترين أعطتهُ الملف، لم ينظر إليه ووضعه على جانب كيفما كان.
- اجلسي، لم أنتِ واقفة؟
جلست دون شعور، طأطأت رأسها تُتابع حركة أصابع قدميها المُبردة بعناية!!
- هل فكرتِ بموضوعنا؟
"آه لقد أتت اللحظة الحاسمة".
رفعت رأسها إليه دون أن تحر جواباً، هي اطلقي لسانك، ألقي بما في جعبتك..أنا ومن بعدي الطوفان..أين سمعتُّها؟!!!
- هاا ماذا قلتِ يا عزيزتي..
"لو كنتُ عزيزةً عليك فعلاً لما وضعتني في هذا الموقف الصعب".
عبت هواءاً في صدرها، نظر لها بتوتر وبصبرٍ يكاد ينفد، يستعجلها بالكلام وعيناه مثبتتان على شفتيها تنتظران قرارها.
- أنا موافقة.
تنهد بإرتياح بصوتٍ مسموع، كان واثقاً بأنها ستقبل به لكن شكلها وهي والجة إلى المكتب لم يكن مطمئناً، أشعره بالخوف.
قام من مكتبه وجلس بالكرسي المقابل لها، وجهها ينضحُ بالعذاب، بالألم، لم قبلتِ يا "ليلى"؟!! صدقوني أنا لا أملك أن أرفض، سامحني يا أبي..سامحني..
الجزء [4] من قصة ضلالات الحب
- كم أنا سعيد جداً، بل محظوظ..صدقيني لن تندمي أبداً معي، سأجعلكِ تعيشين كالأميرات..
"أحقاً لن أندم؟! أتمنى ذلك".
- اسمعي اخرجي أنتِ أولاً وأنا سألحقك بعد قليل، قفي بالقرب من مطعم (.....) عند الشارع المقابل للشركة.
…………….-
- اتفقنا؟
هزت رأسها بالإيجاب دون أن تعلق، أنهضت نفسها وهو يبتسم لها بإطمئنان، ودعته على أمل أن يلتقيا بعد قليل..
لحقها وتزوجا، كان زواجاً سريعاً، بورقة.. مجرد ورقة لا أكثر أو أقل، دون أن يدري أحد لا أبوها ولا مريم ولا أحد!!!!
اصطحبها إلى شقة، كانت معظم الوقت ساهمة، شاردة، يخاطبها وهي تهز رأسها دون تركيز، توقفت عند باب الشقة بتردد، توقف متسائلاً، لاحظ ارتباكها فأمسك يدها، سحبتها منه بسرعة وهي تنظر لهُ شزراً، لكنها انتبهت لنفسها، إنه زوجك أيتها الغبية، أليست الورقة التي معك تشهدُ بذلك؟! لامت نفسها على تصرفاتها المراهِقة كما سمتها ودخلت معه وهي تشدًًّ حقيبتها!!
- كلا كلا، أريدُ أن أذهب معك. صاح "أحمد"
- أنا لن أذهب إلى نزهة، لدي مشروع، واجب عليّ إنجازه.
- لا يهمني.
- كلنا فتيات، أتريد أن تجلس معنا، ماذا سيقولون عنك "أبو البنات!!".
صمت وهو يكاد أن ينفجر، احتقن وجهه وبدأت عيناه باللمعان، آلمها منظره لكنها أمسكت نفسها، لا تريدُ أن تعوده على تلبية كل طلباته.
- لا يوجد أحد معي هنا، سأبقى مع من؟! قالها بتباكٍ.
- أبي هنا.
- إنهُ نائم.
- نم معه أو اذهب وشاهد التلفاز، ثم إنًّ "ليلى" ستأتي بعد قليل وستلعب معك.
نظر لها بغيض وهو يعضّ أصبعه السبابة بقوة، أبعدتها عن فمه وهي تصرخ:
- لا تعد هذه الحركة مرة أخرى، أتفهم.
رفعها من جديد وعضها، وهو ينظر لها بعناد، حاولت أن تبعدها أو تضربه ربما لكنهُ فرّ من أمامها، تنهدت بيأس وهي تلم قبضة يدها وخرجت..
حملت كيسها معها، يحتوي على بعض المراجع والحلويات!!! الجو ربيعي اليوم رغم شتوية الفصل، تأملت النجوم في طريقها، تبدو كقلوب واهنة تنبضُ من بعيد، صدت للأرض ها هي تقترب من منزل صديقتها، مرت على المزرعة بسرعة، لا تريدُ أن تذكر شيئاً، ستنسى، أجل ستحاول أن تنسى....
دقت الجرس، لم تنتظر كثيراً إذ سرعان ما فتحت "أمل" لها الباب، كأنها متيقنة من هوية القادمة، ابتسمت لها وهي ترحب بها بحرارة، بدت جميلة في زيها المسائي، تبدو كوردة "محمدي".
دخلت بتردد، بتوجس، كأنها خائفة من شئٍ ما، خائفة من أن تراه!!!!
- هل حضرت "سلمى"؟
- لقد حضرت قبلك بنصف ساعة..لم تأخرتي هكذا يا آنسة "مريوووم"؟
- أخي "أحمد" هو من أخرني، كان يريد القدوم معي.
- ولم لم تجلبيه معكِ، كان سيسلينا؟!
- خفتُ أن تسحريه فلا ينفعنا بشئ.
ردت ضاحكة وضحكت "أمل" معها وهي تسحبها إلى الداخل.
- الله، لديكم أرجوحة، منذُ زمن لم أركب أرجوحة.
- أرجوحة؟! لقد كبرنا على ركوبها، هيه أين تذهبين؟!
- سأتأرجح عليها قليلاً.
- ماذا...ليس الآن، بعد أن ننتهي من المشروع تأرجحي كما تشائين، لقد تأخرنا.
دفعتها إلى "المجلس" والأخيرة تتذمر، ألقت "مريم" التحية على سلمى لكنها صاحت فيهما:
- أنتما، لِمَ لم تناما في الخارج أفضل ها؟! والدي اتصل وأخبرني بأنه سيأخذني بعد ساعتين ونحنُ لم نبتدأ بشئ.
- بسم الله الرحمن الرحيم، لاتخافي سننهي كل شئ في ساعة. ردت "مريم" بعبوس.
جلست الفتيات معاً وهنّ يناقشن الموضوع بجدية، تداعت أفكارهن بطلاقة، وفعلاً لم تمر ساعة إلا وقد وضعن الملامح الأساسية لبُنية المشروع.
تمددت "سلمى" و"أمل" بتعب وهن يزفرن، أما "مريم" فقد وقفت بنشاط.
- أين أنتِ ذاهبة؟ سألت "سلمى".
- تريد أن تتأرجح. ردت أمل بابتسام.
مدت "مريم" لسانها:
- أجل، سأترجح هل لديكِ مانع؟
ضحكت الفتاتان، سارت دون أن تبالِ بهما، خاصة أنها تأكدت بعدم وجود أحد في المنزل كما ذكرت "أمل" فالليلة ليلة خميس، من يريد الجلوس في المنزل؟!!
الشجيرات الخضراء تحيطُ بالحديقة بكثافة، توجهت للأرجوحة أسرها شكلها، كانت كبيرة، متسعة..شدت خيوطها تستوثق من قوة احتمالها، جلست، أرخت نفسها، دفعت بنفسها إلى الوراء، إلى أقصى حدٍّ تستطيع الوصول إليه وانطلقت بقوة إلى الأمام، أحست بنفسها خفيفة كريشة في مهب الصبا، ضحكت بإنتعاش، بفرحٍ طفولي، اليوم هي طفلة بجدلتين تتطايران في الهواء و"محمد" يدفعها دائماً بقوة، تكاد تلامس السحاب وتشعر بحرارة الشمس، تريد أن تصل إلى السماء...يا تُرى كم تبعد عنّا؟!!
"آآه، كانت أيام، أيام جميلة لن تعود، إنها مجرد ذكرى نستعيدها لنرطب بها جفاف واقعنا، واقع الحرمان، واقع كل شئ أو اللاشئ، واقع اللاواقع!!!! يا أيام عودي، عودي كما في السابق، عندما كنّا أحياء".
لم تسمع "مريم" صوت الباب الخارجي وهو يُفتح ولا إلى الظل الواقف خلفها الآن، يُراقبها بإهتمام وتأمل، لازالت تطير في الهواء وذيل خمارها يتطاير معها بحبور....
هو ميزها، رغم سمرة هذا المساء، بل يكاد يجزم أنهُ لو رآها بين آلاف النساء سيعرفها من عودها النحيل، انظروا لها كيف تتأرجح، ألم أقل لكم أنها طفلة!!!
- أتريدين أن أدفعك؟!
اهتزت من وقع الكلمات التي فاجئتها، دارت بوجهها ناحية مصدر الصوت، هو..دائماً هو، وضعت قدمها بسرعة لتوقف حركة الأرجوحة، لكن حركة القصور الذاتي كانت أقوى منها والرياح دوماً تجري بما لا تشتهي مريمُ!! اختلّ توازنها وسقطت..
لم تكن السقطة مؤلمة، كانت على التُراب، منهُ جئنا وإليه نعود..
- آسف أخفتك... هل تأذيتي؟ (سأل بخوف.(
لم ترد، لا زالت جالسة على الأرض. وصل محاذتها، ركع بجانبها، لكنها ابتعدت عنه وهي تحاول النهوض، ضغطت بمقعد الأرجوحة لتستند عليه لكنه خانها وارتفع لأعلى فوقعت من جديد، ارتسمت على شفتيه ابتسامة لم تغب عن عينيها، مسحت يديها عن التراب على جانبي عباءتها وهي تتحاشى النظر إليه، لم تنسى موقفهما الأخير، أتُراه نسى، ثم كيف يقول لها "أتريدين أن أدفعك" أين يظنُّ نفسه؟؟!
- هل أنتِ بخير؟ ) كرر سؤاله.(
لم تجبه وشرعت في التحرك إلى حيث صديقاتها، سار ناحيتها ووقف قبالتها مانعاً إياها من إكمال طريقها.
- لا أدري هذا الغرور والتكبر ما مصدره؟!
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك