أخذت الدموع تتساقط من عينيها عندما أمسكت بدلتها التي لبستها البارحة ورأت
بقع الدم على القميص الأبيض ...طوتها ووضعتها في الحقيبة وأخذت تفرغ
الدولاب وعندما فرغت فتحت حقيبة أمها وأخذت تملأها بأغراضها وكانت كلما
أمسكت بثوب وضعته على انفها تشم رائحة أمها وتبحث عنها فيه ...لم تكن
الأغراض كثيرة فانتهت وبدلت ثيابها وارتدت عباءتها وفتحت الباب لسيف الذي
كان ينتظر ومعه البواب الذي اخذ منها الحقائب ونزل بهم ولحقوا به بعد أن دارت
في الجناح قبل أن تخرج منه وكأنها كانت تودعه....
في الطريق للمطار كانت السماء تمطر .... زخات خفيفة لكن الطرقات خلت من
الناس بسببها وحتى الهايد بارك خلت حتى من ممارسين رياضة المشي وركوب
الخيل ....بدت السماء وكأنها حزينة لفقدان امها والناس ايضاً... كم تكره هذه
البلاد وزاد كرهها لها الآن ....لن تعود لها ابدأ....
في الدرجة الاولى
كانت الطائرة من النوع الحديث ومقاعدهما متفرقة ولكن سيف طلب من المضيفة
المسئولة بصوت منخفض ان تغير المقاعد لتجمعهم معاً وذلك لظروف جواهر...
وفي دقيقة تخلى مسافر قطري عن مقعده الذي كان بجوار جواهر فشكره
وجلسوا....كان المقعد يتحول الى سرير عندما يلتصق بمقعد القدم إذا لم يرغب
المسافر بمد رجليه فيمكنه أن ينام ...اقترب من مقعد جواهر وقال : أنا أدري أنج
في وضع صعب ما تنحسدين عليه ....واللي انا متأكد أنج انسانه مؤمنه والموت
حق علينا ...حتى هالطيارة ...صحيح انها جديدة بس ممكن تطيح فينا... لا راد
لقضاء الله ... في مقوله قريتها تقول أن أقصى ما لدى الأقوياء يظهر في أسوأ
الظروف ... وأنتي كنتِ قوية ومؤمنه ما شاء الله عليج...لازم تتماسكين عشان
امج ( الله يرحمها برحمته ) وكل ما حسيتي بالحزن عليج بكتاب رب العالمين ما
فيه غيره يطمنج صدقيني...ما نفعني الا هو يوم اصطكت الدنيا فوجهي عقب
مارجعت من امريكا ...
مسحت دموعها ونظرت له نظرة مليئة بالحزن والامتنان له على وقفته بجانبها
أطاعته وأخرجت القرآن من حقيبة يدها وبدأت تقرأ...أما هو فبعد أن رآها تمسح
دموعها التي لا تنفك تتساقط تذكر أبيات لدايم السيف
امسح الدمعة ترى ضعفك قوي
انهزم قـدام ضعفـك ياغـلاي
امسح الدمعة بعمري لو تبـي
عطني احزانك وخذ مني هنـأي
امسح الدمعة قبل تقضي علي
دمعتك تغرق صباحي في مساي
بعدها وضع السماعة على أذنه وعبث بها قليلاً حتى وجد قراءة للقرآن الكريم
فضغط زر وحول مقعده إلى سرير ونام بعد أن وضع ملصق عدم الإزعاج...كان
يحس بالراحة فحبيبته بجانبه وقد نفذ المهمة على أكمل وجه وبعد ساعات قليلة
سيوصلها لأخيها ويعلم الله متى سيراها مجدداً ..
استيقظ فجأة وقد أحس بأن هناك من يراقبه ففتح عينيه وابتسم عندما لمحها تعود
لجلستها السابقة لكي لا يلاحظها ...فعدّل مقعده وسألها : جات صلاة الفجر؟؟ فقالت
له بصوت هادئ : ايه ...وانا صليت على الكرسي...
هز رأسها ووقف وتوجه للحمام ليتوضأ وعاد وصلى وبدا شكله وهو عائد منعش
وقد ارتاح عندما نام....
تقدمت منهم المضيفة تعرض عليهم أن تقدم لهم الإفطار فرفضوا وطلب سيف كوب
قهوة فقط وجرائد ....استغربت ولكنها جلبت له ما أراد...
عندما حلت الطائرة ونزلوا منها قال لها أنهم ينتظرونها بالداخل وأن هناك من
سيتكفل بالحقائب وعندما اقتربت من البوابة رأت أحمد ومن خلفه كانت نوف جالسة
على أحد مقاعد الانتظار...وقفت عندما رأتها تقترب من أحمد الذي سلم عليها ثم
على سيف فتقدمت لها وحضنتها وبدءوا بالبكاء معاً حتى قال لهم أحمد : روحوا
اركبوا السيارة السواق ينطركم برع....
جواهر بهلع: وامي؟؟؟؟؟؟
أحمد : بيطلعونها من بوابه ثانية وسالم ينطرها هناك وبيروح معاها للمستشفى لا
تخافين روحوا انتو...
جواهر : بروح معاهم...
أحمد بغضب : وين تروحين مالج مكان هناك سالم بيسوي كل شي وبيوصلها لنا
المقبرة قبل صلاة الظهر.... تعوذي من ابليس وروحي البيت..
جذبتها نوف من يدها وهي تقول : صاج أحمد ...مالنا مكان ...نروح البيت أحسن
عشان ترتاحين الناس بيجونج مع أذان العصر ...
أطاعتها جواهر مجبره ..وذهبوا الى السيارة وتوجهت بهم الى بيت جواهر.....
وفي الطريق التفتت نوف الى جواهر وقالت: بغيت اموت من كثر ما حاتيتج .. ليش
سكرتي التليفون .... حرام عليج قعدت اتصل طول اليوم وبعدين رحت بيتكم وخليت
سارة تكلم ابوها وعلمها أنه كلم سيف وانه بيتصرف.....
لم ترد جواهر بل اكتفت بدموعها المتساقطة لترد عليها ...
أكملت نوف وهي تبكي أيضاً : الله يرحمها ....ما كنت متوقعه أبد ....لكن هذي
إرادة رب العالمين ....واحنا لا يمكن نعترض على أرادته سبحانه....جعلها الجنه
كانت مثل امي.....
جواهر وهي تمسح دموعها: تصوري أنتي تتكلمين عنها وكأنها ماراح تكون معانا
ابداً ....خلاص ... راحت لربها وخلتني ...خلتنا يانوف...
أمسكت نوف يدها وحضنت رأسها وهي تمسح عليه وتقول : تعوذي من ابليس يا
حبيبتي... الله يمسح على صدرج بالصبر ...احنا كلنا عندج...
أخذت نوف تهدئها حتى وصلوا البيت...فتحت الباب الرئيسي بهدوء ونوف خلفها..
لقد أغلقته أخر مره وهي تخرج مع أمها إلى المطار....تقدمت للصالة ووجدت أم
نوف تنتظرها مع الأطفال وما أن رأتهم حتى وقفت وتقدمت من جواهر وحضنتها
وغلبها الحزن على حالها فبكت وأبكتها معها ثم قادتها للكرسي وأجلستها قائلة:
اقعدي يمه...اقعدي انتي تعبانه وتوج واصله...
دخلت عليهم منى من الباب الجانبي وهي تصرخ : الله يرحمج..... انا لله وانا اليه
راجعون...وينها جواهر....؟
هزت نوف رأسها وزاد بكاء جواهر عندما لمحت سارة تَجر رجليها بصعوبة خلف
امها وهي تنظر للارض وفيها انكسار الدنيا كلها....
سلمت منى عليها وضمتها وهي تعزيها وتتلو عليها النصائح بالصبر.... ولم
تتركها الا عندما أشارت عليها ام نوف بالجلوس فأطاعتها وتقدمت سارة وسلمت
على عمتها وحضنتها جواهر وأخذت تنوح وهي تتذكر وصية أمها بشأنها كانت
تشغل تفكيرها حتى الأيام الأخيرة ....
منى: مهب زين ياجواهر ...مهب زين تصيحين عليها بتعذبينها بصياحج...
نوف: مافيه شي الصياح ...العويل هو اللي مكروه ...خليها تطلع اللي في خاطرها
وتصيح على امها ....
جلست جواهر وجذبت سارة لتجلس بقربها ....بعد أن عبثت منى في المكان ونادت
الخادمات شغّلت القرآن في وعلا صوته في المكان وعادت للجلوس ثم قامت مره
اخرى وأخذت تنادي الخادمة وتأمرها بإحضار شاي وقهوة لهم ثم عادت وقالت :
خليتها تجيب لنا قهوة وشاي جواهر تبغين سندويش.. يمكن ماكلتي بقوم اقولهم
يسون لج ريوق...
جواهر بإعياء: لا مشكورة ما ابغي شي مالي خاطر ...أنا بروح ارقد أنا طول
الرحلة ما غمضت عيني ...وعيني تعبانه من كثر ما قريت قرأن مع ليت الطيارة..
أم نوف: روحي يابنتي ... روحي ارتاحي ... روحي معاها يانوف لين ترقد...
في العصر
استيقظت جواهر وهي مرعوبة من أنها تأخرت بالنوم ووجدت وسادتها مبلولة..
لقد بكت أمها حتى نامت ..دخلت الحمام واستحمت واستعدت لصلاة العصر وصلاة
الظهر التي فاتتها...وبعد أن فرغت ارتدت عباءة نظيفة مع شيلتها ونزلت لهم
وطلبت من الخادمة كوب قهوة تركية وشربتها في غرفة الطعام وقبل أن تدخل
للمجلس حيث جلس الجميع كما أخبرتها الخادمة....
بعد نصف ساعة دخلت عليهم سيدة عجوز ممتلئة الجسم وتستند على عصا وسلمت
على الحاضرين وسألت عن جواهر ولما تقدمت لها جواهر سلمت عليها وعزتها
وهي تخبرها بأنها أم سيف ...عندها زاد بكاء جواهر فحضنتها العجوز بحنان وهي
تصبرها وتقول : اذكري الله يابنتي ....اذكري الله...لها الجنة يابنتي لها الجنة...
تذكرت حضن امها وبقيت في حضنها مدة حتى انتبهت أن استغلت حنان ام سيف..
بدأت النساء بالتوافد الى العزاء بكثرة حتى تعبت جواهر وأحست بدوار في رأسها
فهي لم تذق الزاد منذ يومين ...ولكنها لا تقدر أن تترك المعزين ...عزمت على
التحمل لباقي الأمسية...
في المساء
كان سيف ينتظر أمه بفارغ الصبر فهو الذي طلب منها الذهاب الى جواهر والوقوف
معها وهو الذي وصف منزلها للسائق ...
سلم عليها وجلس بجانبها وهو يقول : عساج عالقوة يا أم سيف ...
امه : الله يقويك ياولدي...
سيف: شخبار جواهر ؟؟؟
امه : تكسر الخاطر يا ولدي....ما تنلام هذي امها ...مالها غيرها ...
سيف وهو يهز رأسه موافقاً : كلت شي؟؟
أمه : ما رضت ... حاولنا معاها حتى ام نوف حلفت عليها ومارضت ... قالت أن
جبدها لايعه وماتقدر تاكل شي...
سيف بقهر: الله يهداج يمه ...هذي ما ذاقت الزاد من يومين ...كان قصيتي عليها
بكلمتين ...
أمه : اقولك ما رضت ... بكره بروح لها من الصبح وبحاول معاها أذا ماكلت
بلاليطي بخليها تتغدى مجبوسي ولا يهمك...
ارتاح سيف لكلامها ولاحظت امه اهتمامه الشديد بها فقالت : الله يعينها ويصبرها
على فراق امها ياولدي ويكتب لك الخير معاها....
سيف: امين ...الا قوليلي ...من بيرقد معاها في البيت ..؟ لا يكون خليتوها
بروحها؟؟؟
أمه : لا يا ولدي ...بنت احمد وام نوف وبنتها قالوا بيقعدون معاها طول مدة العزا
ولا هم مفارقينها...
في اليوم التالي
في المساء جاءتها الخادمة تخبرها أن سالم خارج الباب الجانبي للمطابخ ويطلبها
فقامت له وأخبرت نوف أنها ستحضر حالاً وعندما فتحت الباب ورأت سالم مخفضاً
رأسه وهو يلف غترته حول رقبته نادته فرفع رأسه وبدا الاسوداد حول عيناه
واضحاً وقال : عظم الله اجرج يا جواهر ...
جواهر وهي تغالب دموعها : اجرنا واجرك ...
سالم بحزن : لا تصيحين ارجوج لا تصيحين انا تأخرت وماعزيتج عشان ما اشوف
دموعج...
جواهر وهي تبكي ولم تقدر على إمساك نفسها أكثر: كانت توصي عليك ... قبل لا
تسوي عمليتها كانت توصينا عليك ...
جهش سالم بالبكاء ولم يقل الا : انا لله وانا اليه راجعون ....انا لله وانا اليه
راجعون...
انصرف سالم ليهدئ نفسه قبل أن يعود للمجلس وعادت هي للداخل...
انقضت أيام العزا بثقل على جواهر وفي اليوم السادس فوجئت وكانت تقرأ القرآن
وأم سيف تتحدث مع أم نوف بفتاة تدخل المجلس وهي بكامل زينتها واشتمت رائحة
عطرها القوي قبل أن ترفع رأسها وتراها ....
مشت بخطوات راقصة الى أن وصلت الى جواهر وسلمت عليها محاولة إبداء
نعومه في تصرفاتها إمام الجميع في المجلس وقالت : عظم الله اجرج ...اسمحي
لي والله محد قاللي وعرفت صدفه من واحد من الموظفين اليوم وجيتج بسرعة...
جواهر: اجرنا واجرج ...معذوره ..تفضلي اقعدي..
جلست خلود وانفتحت عباءتها عن تنورة قصيرة فوق الركبة وحذاء طويل الرقبة لم
يستر الكثير من ساقيها عندما وضعت واحدة فوق الأخرى...
ما ان رأت أم سيف المنظر حتى قالت بصوت عالي : لا اله الا الله ... اللهم استر
على بناتنا ...شغلي لنا قرأن يا بنتي وطولي عليه....
أطاعتها سارة وعلا صوت السديس في المكان وعادت ومعها خادمة تصب لخلود
فنجان قهوه شربته على عجل وهي تلحظ همسات الاستهجان التي سرت في المكان
والنظرات المستنكرة المصوبة نحوها ....لم تطق غير دقائق قليلة قبل أن تستأذن
وتنصرف مسرعة الى الخارج...
في المساء
طلب منها أحمد أن يحدثها لوحدها في بيته... وعندما ذهبت له دخل معها المجلس
وأغلق الباب خلفها وجلس مقابلها على الاريكة ونظر إليها وقال: وش بتسوين
الحين؟؟؟
جواهر: في ايش؟؟؟
أحمد: وين بتقعدين؟؟
جواهر: في بيتي يعني وين!!!
أحمد: بروحج؟؟؟
جواهر : معاي الخدم وانتوا حواليني ...وإذا ترضى خل سارة تقعد معاي...
أحمد: وليش ماتقعدين معانا ...؟؟ وإذا ماشالج البيت نشيلج في عيونا....
جواهر وهي متفاجأة من الاقتراح: معاكم !!!!
أحمد : ايه معانا ...ليش مستغربه...اسمعيني عدل ... انتي بنت عرب وما يصير
تقعدين بروحج وبيوت اخوانج مفتوحه... تبغين تقعدين عندي والا عند عبدالله اللي
يريحج ...الا كلها كم شهر وتروحين بيت زوجج...
جواهر وهي تنتفض : اعتقد أن هالكلام مهب وقته....وإذا على القعدة بقعد عندك
عشان اكون قريبة من بيتي ...وما راح اسكره ...بس انت عندك مكان لي؟؟؟
أحمد : البنت هاوس فاضي ...بخليهم يرتبونه لج ويفرشونه... منى بتهتم بكل شي
لا تحاتين ...وبيتج بيتسكر ...ماله معنى تخلينه مفتوح...وخداماتج اختاري منهم
اللي تبغينه وسفري الباقي...وطباختج بعد إذا تبغينها خليها عادي مافي مشكله
عندنا... أم نوف متى بترجع بيتها؟؟
جواهر بحزن : مادري ..
أحمد : رخصيها خلاص المره ماقصرت المسكينة ...
جواهر: أن شاء الله عطني كم يوم عشان استعد ...
أحمد : 3 ايام بس ...وأذا ما كفت تقدرين ترجعين تنقلين اغراضج لين ماتخلصين
بس تباتين في بيتي...
جواهر: ان شاء الله ياخوي...
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك