"- فرح" انتظري أين تذهبين؟!
- سأذهب إلى "أمل" إنها تنتظرني منذُ مدة.
اقترب منها وهو يسألها بعتاب:
- أمللتِ مني بسرعة؟
ردت بتسرع:
- كلا، ليس الأمر هكذا يا "راشد" ولكن ماذا سيقولون إذا رأونا نتحدث معاً.
- هاا، ماذا سيقولون؟ سيقولون يحادث ابنة عمه و....زوجته المستقبلية..
احمرّ وجهها بقوة وهي تبتعد عنه لتركب الدرج:
- اذن انتظر إلى أن يحدث ما تقول.
سارت عنه دون أن تنتظر رده، أما هو فقد بقي واقفاً بوجوم يتأمل الدرج، حيثُ سارت وسار قلبه معها، ينتظر؟!! إلى متى ينتظر..."فرح" محجوزة إلى أخيه "خالد" منذُ أن كانا طفلان صغيران، محجوزة؟! كتذاكر السفر، شئ مضحك أن يتم تحديد مستقبلك منذُ ولادتك حتى قبل أن تتفتح عيناك على هذا المستقبل...
فرح لخالد وخالد لفرح..وأنا أين محلي من الإعراب؟! لا هو يريدها بل يعتبرها كأخته الصغيرة وحين تأتي لا يبالي بوجودها، وهي تحبني وأنا أعشقها بجنون ومصيري ومصيرها يتعلق بكلمة تنطق من شفتيه..استغفر الله بل مصيرنا بيد الله، هو وعدني بأنه سيتنازل لي عنها وسيخبر أبي بأن يخطبها لي بدلاًُ عنه وأنا واثق بأن عمي سيوافق، ولكن هذا الخالد لا أثق به، لا يتحرك ولا يتكلم، بل يلتذ بتعذيبي ويكويني بنار الانتظار، إنه يذلني ويجعلني أنفذ كل ما يرغب القيام به وأنا أفعل كل شئ صاغراً مهما كان وآخر شئ هو ما فعله بتلك المسكينة وأنا عاجز حتى عن الشهادة لصالحها ...
أرجوكم لا تلوموني، روحي معلقة بين جنبيه، بإمكانه أن يحرمني منها، ويحوّل أفراح حياتي إلى أحزان لا نهاية لها؟! استغفر الله عدتُ لكلامي الذي لا معنى له..كل شئ بأمر الله، ولكنني بدونها لا أعيش، أتفهمون أموت وأتقطع، بدونها أضيع...بدونها يصبح "راشد" لاشئ أتفهمون..لا شئ..لأنها كل شئ بحياتي..كل شئ..
(9)
- كم هو دمث الأخلاق يا "مريم"، جنتلمان بشكلٍ فظيع، تصوري قال لي أن استخدم سيارة الشركة متى ما انتهيت من عملي مبكراً..تخيلي أنا أسوق (بي أم)...واو!!!!
- لقد فلقتي رأسي بمديركِ هذا..
ووقفت تقلدها وهي تمسك بخصرها وتلوي فمها بإستهزاء: المدير قال لي اليوم كذا..المدير فعل هكذا!!!
- أنا المخطئة بكلامي مع طفلة حمقاء مثلك لاتفهم.
- أنا لستُ طفلة يا ماما، سأدخل الجامعة عما قريب.
- مهما كبرتِ ستظلين ساذجة لا تفهمين شيئاً في هذه الحياة.
فتحت "مريم" عينيها باتساع وهي تشتعل غضباً من حديث أختها:
- تركتُ هذا الفهم لكِ ولمديرك..ياااااا...........
وسارت عنها وهي تصفق الباب خلفها بقوة، لم تكن غاضبة من حديث أختها لها، بل كانت خائفة عليها من تعلقها الزائد بمديرها، بوهمٍ جديد، سراب لا أمان له...
ذهبت إلى الصالة لتجد "أحمد" الصغير يُفرغ شنطته المدرسية من الكتب..اليوم هو أول يوم له في المدرسة الابتدائية، جلست بجانبه، تقلب كتبه، وهو يتابعها باهتمام..أخذت تتطلع كتاب اللغة العربية (الجزء الأول) أين عامر وأين أمل؟! وابتسمت بحزن وهي تتذكر شخصيات كتبهم الأساسية، اشتاقت لرؤية صورهم كما لو كانوا أشخاص أحياء تعرفهم وليسوا مجرد رسوم على الورق!!
- "مريم".
- هااا.
- لقد أعطتنا المعلمة هذه الورقة.
وتناولت منه الورقة وهو يسترسل:
- قالت أن علينا أن نجلب كل هذه الأشياء وإلا لن تُدخلنا الصف.
قرأتها، مطلوب دفاتر، أقلام، ألوان، سبورة صغيرة و......قائمة عريضة من الطلبات التي لا تكاد تنتهي..طوتها في جيب بنطالها وهي تسأله بمرح مفتعل:
- كيف هي المدرسة..هل أعجبتك؟!
هزّ رأسه بلا مبالاة وهو يُخرج آخر كتاب من شنطته:
- عادية.
عبست في وجهه:
- كيف عادية؟! ألم تتعرف على أصدقاء جدد؟
لم يُجب فوراً، نظر إليها من طرف عينيه، أها لا بد أن شيئاً حدث اليوم..هذه النظرة أعرفها..نظرة إجرامية لا يحدجني بها إلا ومشكلة تقبع خلفها..أعرفه جيداً ابن أمي..
- أحمد. نادته بجدية وهي تنظر لعينيه مباشرة.
- نعم. قالها بخوف، لا بد أنها اكتشفت جريمته!!
- أنا عرفت كل ما حدث اليوم، لقد اتصلت المعلمة وأخبرتني==طبعاً لم يحدث شيئ من هذا القبيل.
قفز من جلسته وهو يبتعد عنها:
- هو من بدأ..احلفُ لكِ با لكعبة الشريف..
- صه، كم مرة قلتُ لك ألا تحلف بالكعبة، لا يجوز الحلف إلا بإسم الله.
صمت ولم يعلق، عيناه بدأتا تلتمعان، كم هو سريع البكاء هذا الطفل...
- أخبرني ما حدث بالتفصيل.
- أعطاني قلمه "البيكمون" لأرسم به أمام المعلمة، وحين انتهت الحصة وخرجت المعلمة قال إنه يريده..تصوري!!
الشئ الحسن في "أحمد" أنه يعطيك خلاصة الموضوع دون إطالة في الحديث كما باقي الأطفال، ابتسمت وهي ترى عيناه تتسعان من التعجب، لكنها سرعان ما أخفتها وهي تعاود سؤاله بجدية:
- وماذا فعلت حينها؟
- لم أعطه إياه، فحاول سحبه مني فضربته بقوة..هكذا - وهو يلكم الهواء – فأخذ يبكي كالفتيات.
شهقت وهي تلطم على صدرها:
- ضربته!! لم فعلت ذلك؟
- أقولُ لكِ أنه حاول أن يأخذ قلمي "البيكمون".
- لكنه ليس قلمك، بل قلمه هو، وهو أعارك إياه ليس إلا.
هزّ رأسه بعناد ودون أن يعبأ بكلامها:
- بل قلمي، أعطاني إياه وأخذته، وما دمتُ أخذته فهو ملكي أنا..أنا لوحدي.
"يا إلهي..أي نزعة تملكية تسيطر على هذا الطفل، في السابق أصطاد دجاج الآخرين وقال أنها له، والآن أقرضوه قلماً فقال أنهُ له أيضاً!!!!"
- وأين القلم الآن؟
- عندي ولقد خبأته.
- اعطني إياه.
- لماذا؟ (سألها بخوف وتردد).
- أريدُ أن أراه.
أخرجه من حافظة موجودة بأسفل الحقيبة، قلبته بين أصابعها النحيلة وهو يرقبها بتوسل وذّل، كان قلماً من الرصاص لونه أصفر وينتهي بممحاة على شكل "البيكمون" فقط!! كم هم غريبون هؤلاء الأطفال، يتشاجرون على أشياء سخيفة ومضحكة حقاً، كل هذا من أجل "البيكمون"، مجرد ممحاة ستتحلل عندما تلامس خربشاتهم ولن يبقى من البيكمون إلا....ولا شئ!!!
- اسمع ستعيد القلم لصاحبه غداً سليماً أتفهم..
- ولكن هذا.. وشرع في البكاء دون أن يكمل، "من الفتاة الآن"!!!
اقتربت منه وهي تمسح بحنان على شعره الداكن السواد:
- سأشتري لك اليوم قلماً مثله من السوبر ماركت المجاور لبيتنا.
لم يعلق واستمر في بكائه.
- بل سأشتري لك بدل القلم عشرة، بيكمون وكونان ويوجي إذا أردت.
رفع رأسه وهو يبعد يده قليلاً عن وجهه، ينظر إليها من الفتحات التي تتخلل أصابعه، أردفت بخبث:
- يوجد أقلام باربي أيضاً إذا أردت سأشتريها لك أيضاً.
أبعد يده نهائياً عن وجهه وهو يصرخ برعب:
- كلا، كلا، باربي لا، ماذا سيقولون عني..فتاة؟!
ضحكت ملأ فمها وقد دمعت عيناها، نقطة ضعفه "باربي"، يكرهها، لا أدري ماذا فعلت به مع أنها جميلة هذه المسكينة!!
- اممممم، طيب بشرط أت تعيد هذا القلم لصاحبه غداً، عدني بذلك.
- أ..أعدك.
- أجل، أريدك دوماً هكذا فتىً طيباً، يسمع كلام الكبار.
سمعا صوت الباب يُغلق فاشرأبت أعناقهما للوالج إلى البيت، وصل الأب بسنواته الخمسين، وقد ندّ العرق من جبينه الأسمر، بات وجهه أكثر احمراراً في الأيام السابقة، صوّب حديثه نحوها فخرج بطيئاً ثقيلاً:
- سيارة من المتوقفة عند الباب؟
- سيارة "ليلى".
- ماذا؟
- أعني أنها سيارة العمل، أعطوها إياها لتعود متى انتهت مبكراً من عملها.
- اهاا، جيد!!!
"كلا، ليس جيداً على الإطلاق، لقد أصبحت ابنتك مهووسة بالسيارة وبصاحب السيارة، اسمعها كيف تصفه، كيف تتحدث عنه، كقديس، كمنقذ وكفارس أحلام!!! والأدهى أنه متزوج ولديه عائلة، ماذا سنلقى من عملها هذا؟؟؟؟"
- هل تناولتم الغذاء؟ (سألها الأب.(
- لا، كنا ننتظرك.
- اذن اسكبيه، سأبدل ملابسي وأعود.
نهضت من مكانها، تجر خطاها معها إلى المطبخ، شاردة الذهن، خائفة مما تخبئه لهم الأيام، أبوها تغير كثيراً، حالته الصحية تبدو متدهورة، و"محمد" ذلك الغائب الحاضر!! و"ليلى" في عالم آخر تعيشه مع الوهم الجديد، وأنا وأحمد ماذا سيكون مصيرنا؟
تناولوا الغذاء جميعهم هنا على الطاولة، الكل هنا واللا أحد!!! كلٌّ شارد في اللابعيد، الأكل لا طعم له، مذاقه مر كطعم الغربة، واليوم طويل..طويل لا نهاية له، كان "محمد" أول المنصرفين، تناول بضع لقيمات، شهيته للطعام قلت بشكل كبير، أصبح نحيفاً وعيناه غائرتان بشكل مخيف والسبب معروف لا شك فيه، ربما يودّ الآن اللحاق بجرعة متبقية من أحدهم!! لم يعلق أحد، قام أبي بعده، تلته ليلى هي أصلاً لم تكن معنا، تفكر بما ترتديه اليوم للعمل، اختفوا جميعهم بسرعة كالضباب..
- "مريووم" متى سنذهب إلى السوبر ماركت؟
- اليوم، بعد قليل سآخذ نقوداً من أبي.
وقفت "أمل" أمام النافذة، وقد فتحت جزءاً صغيراً من الستارة، تراقب الغادي والبادي وقلبها يشتعل فرحاً، فبعد يومين ستراه، ستفتح الجامعة أبوابها، وسيكون هناك معها في نفس الصف كما تعودت دوماً، يلاحقها باستمرار دون يأس، رغم كونه في السنة الأخيرة بالجامعة، ومع ذلك تراه يحضر محاضراتها ليكون معها، ليجمعهما نفس الجو ونفس المكان..
أينما تلتفت تراه خلفها دائماً، في المحاضرات، في الكافتيريا، وقبل أن تنطلق من الجامعة لتعود إلى المنزل..
ومع ذلك لم يتجرأ ليعترف لها بحبه، لم ينطق ولم يتكلم، عيناه تقولان لها الكثير حين تلتقيان عفواً، ومع ذلك لم يقلها، تمنته أن يقولها، لن تصده حينها، ألا يعرف بأنها ستكون أكثر فتيات العالم سعادة، كم هم حمقى هؤلاء الرجال أحياناً!!!
ولكنها، لن تيأس، ستنتظر، وإن طال الانتظار، لأنها متأكدة أن يوماً ما - وسيكون يوماً قريباً- سيقولها ليملأ حياتها بلوناً جديداً، ليغير خلفيتها الباهتة لأنه ببساطة نصفها الآخر، نصفها الذي لا غنى لها عنه...
ولكن متى يأتي هذا اليوم...متى؟!!
دقت الباب بهدوء وتوجس، خائفة أن يكون الموجود في هذه الغرفة نائماً.
- من؟
أتاها الصوت باهتاً لكأنه من مكانٍ بعيد!!
- هذه أنا "مريم".
- ادخلي.
كان مستلقياً على فراشه، واضعاً إحدى ذراعيه أسفل رأسه.
- بابا، أريدُ نقوداً سأشتري لأحمد أغراضاً لمدرسته.
- كم تريدين؟
20- دينار تكفي، أو 30 دينار، سأشتري لنفسي دفتر للمحاضرات وبعض الأغراض للجامعة.
ابتسم الأب ابتسامةً باهتة:
30- دينار؟! تقصدين 300 درهم، أتحسبين أننا لا زلنا في البحرين!!
أخرج محفظته، وهو ينقدها الدراهم...
- أتريدين أن أوصلك؟
- لا داعي لذلك، سنذهب أنا وأحمد للسوبرماركت المجاور.
خرجت من غرفته، كان أحمد واقفاً بانتظارها، ارتدت عباءتها على عجل ودلفا معاً، تمسك بيده الصغيرة بين يديها، يمتعان أعينهم بالطريق، "أحمد" لم يترك شيئاً رآه إلا وعلق و"مريم" تضحك بأريحية، كان الجو بديعاً، صافياً، يوحي بالدفء والألفة، يا ليته يبقى هكذا على الدوام..
وصلا بسرعة، ذهبت "مريم" ناحية الأدوات المدرسية، بينما انساق "أحمد" لركن الألعاب وقد شدته أشكالها الخلابة. حملت سلة صغيرة وهي تقلب في الأغراض، اختارت لنفسها دفتر محاضرات على شكل "جينز" وأقلام ملونة جافة فبعد يومين يبدأ شوط التدوين الذي لا ينتهي!!
أخرجت ورقة "أحمد" من حقيبتها، وهي تبحث له بتأمل وتأنٍ، خصوصاً أقلام البيكمون!!!
امتلأت السلة سريعاً، دون أن تنتبه للظل الذي كان يُلاحقها..
في هذه اللحظة، كان "خالد" وصديقه "فيصل" في السيارة وهي تقترب من السوبرماركت.
- فيصل توقف هنا سأشتري علبة سجائر.
أوقف هذا الأخير مكابح سيارته و "خالد" يترجل منها:
"-فيصل" ألن تأتي معي؟
- كلا، سأسمع المسجل إلى أن تعود.
وهناك انتبهت "مريم" لذلك الظل اللجوج، لكنها ادعت اللامبالاة، ربما كانت تتوهم.
- سأحمل عنكِ هذه السلة تبدو ثقيلة بالنسبة لفتاة ناعمة مثلك.
رفعت حاجبيها مصدومة من جرأته، جمدت في مكانها للحظات لكنها انتبهت لنفسها وتحركت وهو يسير خلفها.
"أفف، ماذا يريدُ هذا، يلاحقني أينما ذهبت، أين ذهبت يا "أحمد" وتركتني؟!
وأحمد لاهٍ في ركن الألعاب، وقد استهوته سيارة جيب كبيرة تتحرك بالتحكم عن بعد، أخذ يفكر بإقتنائها، لكنّ مريم سترفض بالطبع، ستكرر حديثها المعتاد وهي تلوي شفتيها: النقود التي معي لا تكفي!!!
لمحه "خالد" وهو يهم بإشعال سجارة، كان واقفاً بحيرة ينظر لعلبة السيارة، أثاره شكله..مهلاً أين رأيتُ هذا الطفل، واقترب منه وهو يدخل السجارة إلى العلبة من جديد، عرفه "أحمد" بسرعة هذا واضح من تغير تعابير وجهه.
- أنت "أحمد" صح؟!
لم يرد عليه، لازال يتفحص علبة اللعبة.
- أأعجبتك هذه السيارة؟
حينها نظر إليه ولكن دون أن يجب أيضاً.
- إذا أعجبتك سأشتريها لك.
وانفرجت أساريره بسرعة وعيناه تلمعان وكأنه نسيَ ما فعله هذا الخالد به وبأخته...لكنه طفل والأطفال لا يلبثوا أن ينسوا، وفجأة انقلب بريق الابتسامة وتلاشت من فمه الصغير.
- لكن أختي "مريم" لن ترضى، ستغضب مني.
"مريم، تلك المشاكسة، أهيَ هنا فعلاً؟؟"
- لا عليك، تعال لأدفع لك.
سحبه معه ليدفع وهو يلتفت حوله لعله يراها سهواً، "ولم أريد أن أراها، ربما لأنها أثرت بي ذلك اليوم حين بكت في مركز الشرطة أم....."
"- أحمد" أتيت مع من؟
- مع أختي. (ردّ بأدب، فلقد اشترى لهُ سيارة قبل كل شئ)!!
- فقط؟
- أجل.
- أين هي؟
- لماذا؟ (نظر له الصغير بحدة).
- آآآ، سأوصلك إليها، ربما تغضب حين ترى هذه العلبة بيدك، سأوضح لها الأمر كي تصدقك.
وكأنه اقتنع بهذا التبرير، فهزّ رأسه بإيجاب و"خالد" يسير معه دون أن يدري سبباً لذلك، يودُّ أن يرى وجهها، يسمع صوتها، لعلها تتشاجر معه وتصرخ وتفضحه في هذا المكان أمام الناس، لا يستبعد منها ذلك!! لحظة يبدو أنها حولت شجارها لطرفٍ آخر، من ذا الذي تكلمه؟؟
كان الرجل يتقرب منها وهي تعودُ للوراء حتى لم يبقى بينها وبين الجدار إلا فُرجة..شعر بالغضب يُعمي عينيه...اجيبوا من هذا الرجل؟
- أنتِ قليل الأدب فعلاً، ارجوك انصرف عني.
- وإن لم أنصرف..
- سأنادي حارس الأمن ليأخذك.
- يجب أن تشكريني لأني أغازل عرجاء مثلك.
"عرجاء... أي رصاصةٍ عمياء أطلقت في قلبي!!"
- هيه أنت ماذا تريد، اترك الفتاة وشأنها. (صاح في وجهه بغضب.(
والتفتت إلى الصوت الغاضب، نظرت إليه بذهول، طعنة في القلب وأخرى في العين!!!
- وما دخلك أنت؟
أجاب الرجل ببرودٍ سمجٍ مثله، أحياناً تُلاقي أشخاصاً طفيليون كالبرغوثِ يُثير قرفك ويسبب لك الأذى.
اقترب منه، حتى كادا أن يتصادما بأجسادهما، فاقهُ خالد طولاً، وقميصه لم يخفي جسمه الرياضي.
- بل لي دخل، وإن لم تغرب الآن ألقيتك أرضاً.
قالها بتهديد وقد اتقدت عيناه بتصميم. خاف الرجل من منظره المتوفز، لكنهُ تظاهر بعدم الاكتراث بتهديده، كم من المحرج أن يفر خوفاً أمام فتاة!! يا لهُ من امتهانٍ للرجولة.
- كنتُ سأتركها على أية حال فالعرجاوات لا يثرن اهتمامي كثيراً.
"عرجاء..لقد قالها مرةً أخرى، صدقني قلبي صغير لا يحتمل كل هذه الطعنات!!"
أمسكهُ من ياقته بقوة، وهو يلوي ذراعه بشدة بيده الأخرى دون أن يترك له مجالاً للتنفس:
- هيا، اذهب واعتذر لها فوراً.
- ح..حسناً، اطلقني فقط.
- ليس بعد أن تعتذر. (صرخ فيه وهو يصرُّ على أسنانه).
- أنا آسف..آسف.. (كان يلهث وهو يكاد أن يختنق.(
أشاحت بوجهها بعيداً عنه وقد طفرت دموعٌ من عينيها، ترك ياقة الرجل فهرول مسرعاً..
وبقوا ثلاثتهم صامتين مدة، مسحت عينيها بأناملها بسرعة لكنهُ لمحها، ومع ذلك لم يرحمها، خاطبها بقسوة من فوق كتفيه:
- إذا كنتِ لا تريدين أن يغازلك أحد فلم لا تغطين وجهك بدلاً من كشفه للجميع.
أخذت نفساً بطيئاً قبل أن ترّد، تريد أن يخرج صوتها طبيعياً دون رجفة ودون ألم، شدت على قبضة يديها وتكلمت ببرود، بأقصى ما استطاعت به أن تثلج أحبالها الصوتية..
- هذا ليس من شأنك ثمّ أنا لم أطلب من حضرتك أن تتكرم وتتدخل، لا أدري لم تُحذف عليّ المصائب من كل جانب؟!!
- بدلاً من أن تشكريني تقولين عني أني مصيبة؟!
- لم يحدث شئ لأشكرك عليه.
- حقاً، كنتِ ستخرين صريعة من الخوف منذُ قليل أم كنتُ أتخيل.
- أنا لا أخاف أبداً. ... قالتها بشموخ زائف، متكسر كأمواج البحر يدعوك حيناً ويغدر بك حيناً آخر، لا أمان له..
- أجل، هذا واضح.
أخذ يرمقها بهدوء وقد تلاشت نظرة الغضب التي كانت تكسو عينيه منذ قليل، لكأنه كان يذكرها بتلك اللحظات التي جمعتهما معاً حين كانت خائفة تبكي، بدءاً من المزرعة، إلى مركز الشرطة وهنا في هذا السوبر ماركت.. احتارت من نظرته، أربكتها، شعرت بالضياع لا تدري، لم يلقي بها القدر دائماً في طريقه وفي أسخف المواقف؟!!!
يتبع ,,,,
👇👇👇
اللهم لك الحمد حتى ترضى وإذا رضيت وبعد الرضى ,,, اضف تعليقك